الحلقة السادسة والعشرون: رحلة إلى نيجيريا مع الأمير محمد الفيصل آل سعود

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

رحلة إلى نيجيريا مع الأمير محمد الفيصل آل سعود القائم بالرحلة موقع القرضاوي/ 29-11-2008

رحلةإلى نيجيريا

في 29 ربيع الثاني 1403 هـ الموافق 12/2/1982م دعانا الأمير محمد الفيصل آل سعود، رئيس مجلس إدارة بنك فيصل الإسلامي المصري والسوداني، ورئيس مجلس مشرفي دار المال الإسلامي، إلى أن نصحبه في رحلة بطائرة خاصة إلى نيجيريا في إفريقيا السوداء، وكان بصحبته عدد غير قليل من أعضاء مجالس الإدارات والمشرفين، وأعضاء هيئة الرقابة الشرعية.

وقد أوصى الأمير بوجوب الاتصال بي، وإقناعي بضرورة الحضور والمشاركة في هذه الرحلة، والتغلب على كل المعوقات.

والحقيقة أني كنت حريصا على المشاركة في هذه الرحلة، فرغم أسفاري المتواصلة إلى أنحاء العالم لم تأخذ إفريقيا السوداء حقها مني، كما ينبغي، وليس ذلك عن قصد أو تعمد مني، لذلك حين وجدت هذه الفرصة لم يسعني أن أغيب عنها.

الإعلامي الكبير أحمد فراج كان ضمن البعثة وكان تجمعنا في مدينة جدة، لنأخذ منها الطائرة الخاصة، وهي طائرة كبيرة، لا أدري أكانت معارة أم مستأجرة. وكان معنا الأخ الإعلامي الكبير الأستاذ أحمد فراج، الأمين العام لاتحاد الإذاعات الإسلامية، والدكتور عمر عبد الرحمن عزام، والأستاذ محفوظ عزام، والشيخ محمد خاطر، والأخنبيل عبد الإله نصيف، وكثيرون لم أعد أذكرهم.

وبعد عدة ساعات وصلت الطائرة إلى مطار أديس أبابا عاصمة أثيوبيا، أو كما نسميها نحن: الحبشة، وحطت بنا الطائرة لنبيت بها، وهي أول مرة أزور فيها أثيوبيا، وكان يحكمها النظام الماركسي، ولذا كانت تماثيل لينين وماركس وغيرهما منصوبة في الشوارع.

كان لنظام الماركسي يحكم العاصمة النيجيرية أديس أبابا وقد وجدنا في أديس أبابا مناطق يبدو عليها أنها تعيش إلى حد ما في هذا العصر، ومناطق أخرى لا ترى فيها غير الفقر والمرض والجهل والأمية وكل مظاهر التخلف. وكأنما هي من بقايا القرون القديمة. وقلت للإخوة: نريد أن نذهب إلى أحد المساجد الجامعة هنا لنصلي معهم العشاء، فدلونا على الجامع الكبير في أثيوبيا، وهو من أقدم الجوامع، وحين دخلنا، وجدنا الناس يقرؤون القرآن في حلقات، عاكفين عليها. حتى جاء وقت العشاء، وأذن المؤذن، واصطف الناس للصلاة، ولما رآني الناس أقبلوا علي، وطلبوا مني أن ألقي عليهم كلمة بعد الصلاة، وهم لا يعرفون عني إلا أني من علماء الأزهر، وأني ضيف على المدينة. وبعضهم عرفني، فبدأ يقول لزملائه: هذا فلان، مؤلف كتاب (الحلال والحرام) و(فقه الزكاة) وكذا وكذا.

وبعد الصلاة ألقيت فيهم كلمة توجيهية عامة، أذكر منها: أني قلت لهم: إن بلدكم هو أول بلد دخله الإسلام في إفريقيا، قبل مصر وغيرها، وهو المهجر الأول للمسلمين قبل الهجرة إلى المدينة، وهو بلد النجاشي الذي شرفه الله بالإسلام، ومات عليه، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالمدينة، وأخذ منه مشروعية الصلاة على الغائب، وبعد كلمتي جاءني بعض الشباب، وقالوا: إن هنا جيلا من الشباب تتلمذ على كتبك، ونحن منهم، وليت عندك فرصة للبقاء بعد هذه الليلة فنجمع عددا منهم ليلتقوا بك غدا. قلت: إني أتمنى ذلك ويسعدني، ولكني مرتبط بمجموعة ولا أستطيع التأخر عنهم.


الرحلة تتجه إلى نيجيريا

وبعد أن تناولنا الغذاء في اليوم التالي في أديس أبابا، استقللنا طائرتنا لنكمل المشوار إلى جمهورية نيجيريا.

وكنا في فصل الشتاء، ولما رآني الإخوة في جدة متدرعا بالصوف، قالوا: هل أحضرت معك بعض الملابس البيضاء؟ قلت: لا. قالوا: إن الجو في نيجيريا حار، ولا بد أن تصحب معك بعض الملابس الصيفية، وإلا فلن تطيق لبس شيء من ملابس الشتاء هناك. وأذكر أن بعض الإخوة أهداني جلبابين من عنده، إذ لم يكن هناك وقت لشراء القماش وتفصيله. وهاتان الدشداشتان هما اللتان نفعتاني طوال المدة التي أقمناها في نيجيريا.

تعتبر مدينة كانو ثالث أكبر المدن النيجيرية نزلنا في مدينة "كانو" وهي عاصمة ولاية إسلامية معروفة، وكان نزولنا في فندق هو من أحسن فنادقها، ولكنه على قدر حاله: متواضع في كل شيء: في فراشه، في مأكله، في مشربه، في خدماته.

وكانوا يحذروننا أن نأكل أي شيء دون غسله تماما، أو الاطمئنان إلى طهيه، حتى لا نصاب بالأمراض المنتشرة في تلك البلاد، والواقع أني عشت تلك الأيام متقشفا، أقنع بالقليل، وآخذ بالمثل القائل: القناعة كنز لا يفنى.

وما كنا نشبع إلا إذا عزمنا بعضهم يوما على طعام في بيته، ونادرا ما حدث هذا مثل دعوة السيد إبراهيم الطيب الريح، وهو سوداني الأصل من التجار الكبار، الذين يقيمون في نيجيريا من مدة طويلة، وله فيها أعمال كثيرة وشبكة من العلاقات.

حاولت أن أتعرف على نيجيريا من خلال لقائي ببعض الشباب الذي درس في الأزهر وغيره من البلاد العربية، أو الذي درس في المدارس العربية المحلية، ومنهم من وصلتهم كتبي وقرأها، على الرغم من أن الصلة تكاد تكون منقطعة بين بلاد العرب وبين هذه البلاد، وهذه مشكلة تحتاج إلى حل. فحدثوني عن كثير من أوضاعهم الداخلية، وخصوصا ما يتعلق بالدين.

تعتبر مدينة كانو ثالث أكبر المدن النيجيرية ونيجيريا تعتبر أكبر دولة في إفريقيا، وأغلبية سكانها مسلمون، ولذا ركزت الصليبية الغربية عليها، وتداعت عليها حملات التنصير المدعومة بالمال الغربي، والعلم الغربي، والمكر الغربي، وقد كان الاستعمار والتنصير على تفاهم تام وتعاون مطلق في الغزو الديني لبلاد المسلمين. حتى سماه بعضهم: الاستعمار التنصيري، كما سمى التنصير: التنصير الاستعماري.

وقد رأيت التنصير في نيجيريا -كما وجدته في إندونيسيا من قبل- ينجح بالفعل في تنصير بعض المسلمين، فينتقل من محمد وأحمد وعلي وحسن، إلى جورج وجون وشارل، ونحوها. وهو ما لا يطمع فيه التنصير في البلاد العربية. ولهذا يكتفي فيها بزعزعة ثقة المسلم بالإسلام، وإن لم يدخل في النصرانية.

رأينا بعض المحلات تحمل أسماء أولها نصراني وآخرها مسلم، حتى إن أحد الجنرالات النصارى الذين حكموا نيجيريا عسكريا في بعض الأوقات، كان من قبيلة مسلمة.

وقد وجدت إندونيسيا ونيجيريا تتشابهان في أمور كثيرة:

فكل منهما أكبر بلد في قارته بلا نزاع: إندونيسيا في آسيا، ونيجيريا في إفريقيا.

وكل منهما أغلبيته مسلمة، فهو جزء من العالم الإسلامي.

وكلاهما بلد بترولي، فيه ثروات مذخورة لم تستغل تماما.

وسكان البلدين يعانون الفقر والمرض والتخلف، مع وجود الثروة.

وكلا البلدين يركز عليه التنصير، ويكثف جهوده لتغيير هويته، حتى يفقد طابعه الإسلامي، حتى إن المنصرين كانوا في وقت ما، وضعوا خطة لتنصير إندونيسيا في خمسين عاما!

وكلاهما نجح التنصير فيه إلى حد ما، حتى إن بعض الناس ليكون اسمه شارل جون محمد أو أحمد، على معنى أن جده مسلم.

وكلا البلدين، شجعت الصليبية فيه: انتشار الشيوعية، وهي معادية للغرب، ولكن إذا خير الغرب بين الشيوعية والإسلام، سيقف في صف الشيوعية. ولذا كان في إندونيسيا أكبر حزب شيوعي في آسيا، وكان في نيجيريا حزب شيوعي من أكبر الأحزاب في إفريقيا.

وقد حاولت القوى الصليبية فصل شرق نيجيريا عن بقيتها، في وقت من الأوقات، لتجزئة هذا البلد الكبير، كما هي سياسة الاستعمار الصليبي دائما: التجزئة والتفريق.

وفي أيامنا القليلة التي بقيناها في "كانو" قمنا ببعض الأنشطة على قدر ما سمح به الوقت والظرف الذي يحيط بنا.

أحمدو بللو زعيم سياسي نيجيري لعب دوراً رئيسياً في حصول نيجيريا على استقلالها، والحفاظ على هويتها المسلمة فقد ألقيت محاضرة في جامعة "أحمدوبللو" وهي تحمل اسم الزعيم المسلم الشهير، الذي ربط نيجيريا بالعالم العربي والإسلامي، وكان رمزا للإسلام الحي المتحرك، ولذلك قتلوه، كما قتلوا كل زعيم يتحرك باسم الإسلام: مثل حسن البنا، وعبد القادر عودة وسيد قطب ومالكولم إكس وعدنان مندريس وفيصل بن عبد العزيز وغيرهم.

كما ألقيت خطبة الجمعة في أحد مساجدهم، وترجم أحدهم خلاصتها، ولا أدري: أسجلت هذه الخطبة أم لا؟ أكبر ظني أنها سجلت، ولكن أين ذهب هذا التسجيل؟

وبعد الخطبة دعانا منشئ هذا المسجد إلى الغداء في منزله، واسمه على ما أذكر: محمد الخامس، فقد كان أبوه -واسمه إسحاق على ما أذكر- يسمي كل أبنائه محمدا: محمد الأول، ومحمد الثاني، إلى هذا "محمد الخامس". وقد كان أمير المنطقة وسلطانها -وهو غير المحافظ والوالي الرسمي- قد أقام احتفالا شعبيا كبيرا – على الطريقة الإفريقية – طاف بالمدينة، ابتهاجا بالأمير محمد الفيصل ورفاقه من العلماء والدعاة والاقتصاديين.

وفي هذه الفترة، ذهب الأمير محمد، ومعه وفد من رفاقه للقاء رئيس الجمهورية، وذلك في مدينة "لاجوس" وكانت لا تزال هي العاصمة، قبل أن تنقل إلى "بوجا". وكنت ضمن الوفد، وكان لقاء وديا، رحب الرئيس النيجيري فيه بالأمير ورفاقه، وقدر له مسيرته في قيادة العمل المصرفي الإسلامي، وقد أهدى له الأمير محمد: سيفا من السيوف العربية. وأهداه الرئيس: رأسا ذا قرنين كبيرين، من حيوانات إفريقيا الشهيرة.

وأراد الأمير أن يكون لنا إسهام في عمل خيري، يستفيد به أبناء نيجيريا، ففتح الباب للمتبرعين، وكان معنا بعض رجال البر الذين تبرعوا بمبالغ كبيرة، وقد قالوا لي: نعفيك أنت والشيخ خاطر من المساهمة في هذا المشروع. وقلت لهم: لا والله، أشارك فيه بما أستطيع. وشاركت فيه بألفي دولار، سلمتها لهم بعد عودتي. ولا أعلم بعد ذلك: أنجح المشروع أم لا.

طالع في الحلقة القادمة:

زيارة الهند مع د. الديب والمحمدي