الخرطوم والقاهرة.. وسيناريوهات المربع "صفر"

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الخرطوم والقاهرة.. وسيناريوهات المربع "صفر"
حسام بيرم.jpg

حسام بيرم 19 نوفمبر 2015


تمر العلاقات السودانية المصرية بمنعطف خطير؛ في ظل تزايد معدلات العنف تجاه السودانيين في شوارع القاهرة في الأسابيع الأخيرة، فالعنف غير المبرر من قبل الشرطة المصرية يأتي في توقيت بالغ الأهمية للوضع المصري الداخلي الذي يشهد حالة من التوتر إزاء حادثة انفجار الطائرة الروسية.

السودانيون بمصر يعود تاريخ وجودهم إلى ما قبل القرن التاسع عشر؛ حيث أسهموا طيلة المائة عام الماضية في تعمير مصر بعرقهم والدفاع عنها بدمائهم في ظل تجاهل كبير للتاريخ المصري لهذا الشأن فمساهماتهم في حرب 48 و56 و67 و73 سجلت بحروف من نور اسم السودان في مكانة رفعية في التاريخ المصري، فهم من أسسوا سلاح الهجانة العصب الرئيسي للشرطة المصرية في 1907، ثم سلاح خفر السواحل العصب الرئيسي لسلاح حرس الحدود في الجيش المصري.

جيلًا بعد جيل استمر السودانيون بمصر الذين تقدر أعدادهم بالملايين، ويسيطرون على مناطق واسعة في قاهرة المعز إلى يومنا هذا؛ فعلى الرغم من التوترات السياسية التي شهدها البلدان في فترات مختلفة، وأهمها مرحلة التسعينيات عقب محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا، إلا أن السودانيين في مصر ظلوا يتمتعون بمكانة خاصة في المجتمع المصري.


ظلت قضية "حلايب" المتنازع عليها بين البلدين، هي "ترمومتر" العلاقة بين مصر والسودان؛ فكلما ارتفعت أصوات سودانية تطالب باستعادة حلايب المستولى عليها من قبل الحكومة المصرية في منتصف التسعينيات، انتهجت مصر سياسة تعسفية تجاه بعض المواطنين السودانيين في الداخل على الرغم من وجود اتفاقيات مبرمة بين البلدين تتيح حرية التنقل والإقامة والعمل لمواطني البلدين في دولتي وادي النيل.

تصريحات الرئيس عمر البشير الأخيرة عن "سودانية حلايب"، اعتبرها الإعلام المصري استفزازية في ظل حديثه عن تطلع السودان لدور سعودي لحل أزمة حلايب في المستقبل القريب، وتبع تصريحات البشير ظهور خرائط بريطانية جديدة تؤكد تبعية حلايب للسودان، مما يزيد الضغط على نظام السيسي المأزوم دوليًا بحصار تفرضه عليه القوى الغربية عقب حادثة الطائرة الروسية.

الضغط الدولي المفروض على مصر أدى إلى ضرب الموسم السياحي وانهيار السياحة في شرم الشيخ، مما يهدد بأزمة كبيرة في ظل ارتفاع سعر الدولار في مصر، وربما التوتر الذي يراه السودانيون القادمون لمصر يدفعهم لاختيار دولة أخرى لقضاء حاجتهم، مما ينذر بكارثة حقيقية ستواجه حكومة السيسي حيال هذا الأمر.

السودانيون الذين يأتون لمصر يوميًا بآلالاف الدولارات عبر 6 طائرات محملة بآلاف البشر، يمثلون عصب السياحة العلاجية في مصر؛ إذ يبلغ عدد القادمين لمصر للعلاج قرابة الـ90% من جملة السياحة العلاجية عامة، بالإضافة إلى قرابة الـ7000 طالب يدرسون في الجامعات المصرية يدفعون بالعملة الصعبة ويستقبلون حوالات بنكية شهرية تسهم في إنعاش الاقتصاد المصري المتهالك، بالإضافة إلى السياحة الترفيهية التي تدهورت في مصر في ظل منع معظم الدول الأوروبية لمواطنيها من زيارة مصر بخلاف المخاوف العربية من الأوضاع الأمنية الصعبة التي تعاني منها القاهرة.

ستخسر مصر كثيرًا بسبب التعسف الواضح تجاه السودانيين في مصر؛ فالتصعيد الذي اتخذته سفارة السودان بإصدار بيان شديد اللهجة تستنكر فيه الحملات الممنهجة ضد السودانيين في شوارع القاهرة من التفتيش على الإقامات والترحيل العشوائي ومساءلات السودانيين عن الدولارات التي في حوزتهم بل مصادرتها، ينبئ بأن شهر العسل بين الخرطوم والقاهرة انتهى ومصر تريد أن تعاقب الخرطوم على فشل مفاوضات سد النهضة الذي استطاع الإثيوبيون أن يستغلوا سذاجة القاهرة ويمرروه ويعاقبوها أيضًا على تصريحات البشير الأخيرة بشأن حلايب.


حملات واسعة في السودان تطالب بمقاطعة المنتجات المصرية في ظل تجارة بينية تربط البلدين تقدر بالمليارات الدولارات ومطالبات بعدم سفر السودانيين لمصر وأخرى تطالب بوقف تصريحات العمل للعمالة المصرية في الخرطوم ارتفعت في الشارع السوداني وسط نبرة سخط تجاه الحكومة المصرية وتبعها الدعوة لوقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية في الخرطوم اليوم الخميس.


سقف المطالب السودانية ارتفع ليصل لطرد السفير المصري والمعاملة بالمثل في ظل تطبيق حكومة الخرطوم للحريات الأربع للمواطنين المصريين على أراضيها في ظل إهانة واضحة من قبل السلطات المصرية للسودانيين الوافدين لمصر، فهل تصغي القاهرة لصوت العقل وتقف عن التجاوزات غير المبررة تجاه السودانيين، أم نحن في انتظار تصعيد سوداني مفاجئ سيكون نتيجة للضغط الشعبي وربما ينذر بفترة تشابه فترة التسعينيات مما يعني عودة العلاقات التي شهدت تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة للمربع صفر.




المصدر