الداعية المجاهد البهي الخولي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الداعية المجاهد البهي الخولي

المستشار عبد الله العقيل

(1319 ـ 1397هـ = 1901 ـ 1977م)

معرفتي به:

حين أكرمني الله بالتوجه إلى مصر للدراسة بكلية الشريعة سعدت برفقة إخوة كرام قَلّ أن يجود الزمان بمثلهم، ومنهم الأخ الدكتور يوسف القرضاوي، والأخ أحمد العسّال، والأخ محمد الصفطاوي، والأخ محمد الدمرداش، وغيرهم من صفوة الشباب المسلم الأزهري، ومن خلال هؤلاء عرفتُ الأستاذ الكبير البهي الخولي الذي كان يتولى توجيههم بالدروس والمحاضرات، وبخاصة دروس الفجر، حيث كان يطلق على هذه المجموعة من الطلاب «كتيبة الذبيح» وقد أهداني الأخ العسّال الكتاب القيم للأستاذ الخولي وهو «تذكرة الدعاة» فقرأته بتأمل، ووجدت فيه من العلم الغزير والزاد الوفير ما يحتاجه كل داعية إلى الله، فهو كتاب قيم لا يستغني عنه الداعية والموجه، والخطيب، والمدرس، والواعظ، والمرشد.

وقد قال عنه الإمام الشهيد حسن البنا في تقديمه: «طالعت هذه التوجيهات، بل المحاضرات في أساليب الدعوة وتكوين الدعاة، فأعجبت بها وهششت لها، وشممت فيها بوارق الإخلاص، والتوفيق إن شاء الله، ودعوت الله تبارك وتعالى أن يجعلها نافعة لعباده، موجهة لقلوب الناطقين بكلمته، والهاتفين بدعوته، وليس ذلك غريباً على كاتبها وملقيها الأخ الداعية المجاهد الأستاذ البهي الخولي، فهو بحمد الله صافي الذهن، دقيق الفهم، مشرق النفس، قوي الإيمان، عميق اليقين، أحسن الله مثوبته، وأجزل مكافأته، وبوأنا وإياه منازل من أحب من عباده فرضي عنهم ورضوا عنه»!. اهـ.

وعن هذا الكتاب القيم أقتبس لك فقرات مما قاله مؤلفنا وأستاذنا البهي الخولي ـ رحمه الله ـ: «واعلم يا أخي أن كل إنسان كائناً من كان ينطوي على مناجم إلهية من العبقريات العظيمة وإمداد من العزائم والهمم، وكنوز من الفضائل التي تنضر وجه الحياة، وتزدان بها الإنسانية، ولا سبيل إلى إثارة هذه المناجم النفيسة، إلا أن تثيرها باسم الله العلي الكبير، فاسم الله وحده هو مفتاح هذه الكنوز الربانية المغلقة، ولا يضع الله هذا المفتاح إلا في يد العبد الرباني الذي يتخلق بصفات الربانية الفاضلة، يجاهد نفسه حق المجاهدة ويقمع هواه في غير هوادة، فيفضي ذلك إلى ما شاء الله من بطولة وتوفيق: {وَالَّذِين جاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإِنَّ الله لَمَعَ الْمُحْسِنين} [العنكبوت: 69].

وأنت واجد تفسير ذلك كله بصورة عملية واقعية في تاريخ الغر الميامين الذين خرّجهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وصاغهم بعين الله أبطالاً، فتحوا أقطار الأرض، لأنهم فتحوا قبل ذلك أقطار النفوس، وأضاؤوا الدنيا بنور الحق، لأنهم أطلعوا شموسه قبل ذلك في حنايا الصدور. وأسعدوا البلاد بنعمة العدل والحرية والإيثار، لأنهم بثقوا ينابيعها قبل في خفايا القلوب، وانبعثوا إلى تخليد الباقيات الصالحات من الأعمال والأخلاق والمبادئ، فأتوا من ضروب البطولات النفسية والمادية ما يدهش الألباب، ويعجز الأبطال، ويشبه الأساطير» اهـ.

وقد كتب المرحوم محمد الغزالي مقالاً تعريفياً بكتاب (تذكرة الدعاة) فقال رحمه الله: «في هذا الكتاب إيمان عميق صادق، وتصوف ناضج مهذب، وثقافة شرعية واسعة، وتحليل منسق للآيات والآثار، قد يدق، وقد يتضح، غير أنه لا يخلو قط من صيغة الإخلاص والحب والحرص الشديد على نفع القارئ وتسديد خطاه إلى الغاية السامية المرسومة له.. ولقد وددت مخلصاً لو أن إخواننا الوعاظ والأئمة والدعاة إلى الله طالعوا هذا الكتاب فهو ذخيرة كريمة يجدر اقتناؤها، وينبغي ألا تخلو مكتبات الإخوان منها»(1) اهـ.

ثم سعدتُ بالجلوس إليه وهو يلقي دروسه على صفوة من الإخوان، المراد إعدادهم ليكونوا نماذج صادقة للدعاة من حيث الكفاءة العلمية، والتربية الخلقية، والطبيعة التنفيذية، والحركة الدعوية، وكان حديثه في غاية العمق، يغوص على المعاني غوصاً، ويستخرج اللآلئ المكنونة من كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، ويعرضها بأسلوب شيق وروح شفافة، وقلب حي مليء بمحبة الله ورسوله، غيور على الإسلام وأهله، حريص على إنقاذ الأمة من الضياع الذي تعيش فيه نتيجة تسلط الأعداء الذين صرفوا الناس عن الإسلام وحاربوا كل مظاهره ومشاعره.

والأستاذ البهي الخولي ذو طبيعة صافية تغلب عليه النزعة الصوفية الملتزمة البعيدة عن خرافات التصوف وأدعيائه لأنه منضبط بضوابط الكتاب والسُّنَّة، متبع لمنهج السلف الصالح من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون {الذين آمنوا وكانوا يتقون} [يونس:63].

وكان محباً للإمام الشهيد حسن البنا متأثراً به وبمنهجه، يراه القدوة الصالحة في زمانه، والنموذج الفريد للقادة والزعماء الذين أخلصوا دينهم لله، ووهبوا حياتهم للجهاد في سبيله.

وظللت أحرص على دروس أستاذنا البهي الخولي في الكتائب والرحلات والمعسكرات والمخيّمات، شأني شأن معظم شباب الجامعات الذين استهوتهم الحركة الإسلامية المعاصرة بجهودها وجهادها، وكفاحها ونضالها ضد الاستعمار الصهيوني، حيث هبّ شباب الإسلام لمنازلة اليهود في فلسطين، والإنجليز في قناة السويس، وأصابوا الأعداء وهزموهم، ولقي الله منهم شهداء كثيرون على أرض فلسطين وعلى ضفاف القناة بمصر.

ولولا المؤامرات الدولية الكبرى والخيانات العميلة في الداخل، لما سقطت فلسطين بأيدي شراذم اليهود، ولما ضُرِب الإسلام في عقر داره، وحُورب الدعاة في كل مكان.

إن الدروس الروحية التي كان يلقيها الأستاذ البهي الخولي على الشباب تربطهم بالدار الآخرة وتزين لهم العمل الصالح لمرضاة الله، وتهوِّن في أعينهم زخارف الدنيا ومتاعها، وتأخذهم بالجد والسعي الدؤوب للنهوض بالأمة الإسلامية من كبوتها وإيقاظها من سباتها، وإحياء الروح الجهادية في نفوس أبنائها.

وكان البهي الخولي ـ رحمه الله ـ بعد الانقلاب العسكري بمصر عام 1952م يؤثر الملاينة والمهادنة مع ذوي السلطان، وينادي بعدم الصدام معهم والصبر على عوجهم وانحرافهم اتقاء الفتنة وخشية المحنة التي قد لا يصبر عليها الضعاف، ممن لم يتربوا التربية الإيمانية الجهادية، وقد استغل أعوان الطاغوت في مصر هذه الطيبة عند الأستاذ البهي الخولي وحاولوا الاستفادة منها في تفريق صف الجماعة المسلمة، ولكنهم لم يفلحوا رغم إيفادهم له في بعثة الحج المصرية الرسمية، حيث لقيته بمكة المكرمة وحذرته من مغبة ما يفعله هؤلاء القوم، وكنت معه قاسياً، مما ترك أثراً في نفسه دعاه للشكوى مني لبعض إخواننا بمصر حين عودته من موسم الحج عام 1375هـ 1955م.

وقال: كيف يخاطبني أحد تلامذتي بهذا الأسلوب؟! ثم دارت الأيام دورتها وجاءت هزيمة الفرعون 1967م أمام العجوز الحيزبون «جولدا مائير» وسقطت أسطورة البطل الظافر الذي سيقذف إسرائيل في البحر.

ثم وفق الله بـعد ذلك لدعوة الأستـاذ البهـي الخولي إلى الموسم الثقافي في الكويت، حيث أحسـن وأجاد في محاضراته العامـة، كما كان له درس خاص في ندوتنا الأسبوعية مساء الجمعة، أفاض فيه بصدق وصراحة، وصفاء وشفافية، ودقة وعمق، وحلّق بنا في أجواء روحانية عالية، أخذت بمجامع القلوب، وأذرفت منا الدموع، وأثارت كوامن النفوس، حتى قال أحد الحاضرين (وهو محمد الحانوتي) بصوت عالٍ معلقاً على الدرس: «هذا فصل جديد يضاف إلى تذكرة الدعاة».

وبعد هذه الزيارة مباشرة أرسل أستاذنا البهي الخولي رسالة للشيخ يوسف القرضاوي في قطر يُثني على تلميذه العقيل الذي رضي عنه كل الرضا، ويذكر للشيخ القرضاوي ما كان من العقيل من حسن استقبال، وحسن معاملة، وقد حاولت العثور على الرسالة، لعل الله ييسر ذلك في طبعة قادمة للكتاب (إن شاء الله).

وللبهي الخولي بالإضافة إلى كتاب (تذكرة الدعاة) بعض المؤلفات منها: كتاب (الإسلام لا شيوعية ولا رأسمالية)، وكتاب (الإسلام وقضايا المرأة)، وكتاب (المرأة بين البيت والمجتمع)، وكتاب (العمل والعمال في الإسلام)، وغيرها.

نعم.. لقد كان البهي الخولي صادقاً مع الله ومع نفسه ومع سامعيه وهو يتحدث بكل جوارحه ومشاعره فكان حديث القلب ينفذ إلى القلوب، وقد تأثر به السيد أبو الحسن الندوي حين زار مصر سنة 1370هـ 1951م، وتعلّق كلٌّ منهما بالآخر وبعد مغادرة الندوي لمصر كتب له البهي الخولي رسالة بعد مغادرته مصر إلى السودان في (28/9/1370هـ 3/6/1951م) بالقطار الذي يركبه من محطة المطرية قال فيها:

«أخي العزيز.. لقد أحسست وقطار المطرية يرحل بكم إلى بعيد أن في صدري كائناً مغلوباً على أمره يبكي بكاء الحنين، وينكسر إلى الله ضارعاً، وانكساره الحزن والبؤس، نعم، فهذه البقعة الحبيبة من النور آذنت بالرحيل بعد أن حلّت بيننا ميمونة الحل مأنوسة الجانب.. إنه شيء غير حلول الزائر الميمون والجانب المأنوس.. فلقد كانت بقعة النور الجديدة تشقُّ نفسها من صدري وهي تبتعد فكأنما ينشق لها ذلك النسيج الذي اتصلت لحمته منذ اللحظة الأولى في أول لقائه.

لماذا يا ربّ قدَّرت على أحبائك المتحابين فيك أن يتفرقوا في أكناف الأرض البعيدة، وأذقتهم هذا الوجد الذي يحزن في رقة وخشوع، لقد طالما قالوا إن فراق الأبدان لا يبطل الود مع رعاية العهد وإكرام الذكرى.

نسأله سبحانه أن يؤنسنا بك، وأن يؤنسنا عنك، وأن يجمع بيننا في الدنيا على خير ما يحب، وفي الآخرة مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

وأخيراً.. تحياتي وأشواقي إلى الإخوة الأحبّة الغرّ الذين شرفت بهم الديار في زيارتهم لها بصحبتك الميمونة، وأسأل الله لهم التوفيق إلى كل خير والتأييد فيما يرضيه.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

القاهرة في 28 من ذي القعدة سنة 1370هـ

(21/8/1951م)

أخوك البهي الخولي

وهذه الزيارة للكويت هي آخر العهد بأستاذنا البهي الخولي، حيث لقي ربه بعد فترة، نسأل الله عز وجل أن يرحمه رحمة واسعة ويغفر لنا وله، ويجمعنا وإياه في مستقر رحمته إخواناً على سُررٍ متقابلين، إنه على ما يشاء قدير.

(1) مجلة (الإخوان المسلمون) الشهرية العدد 93 من السنة الرابعة الصادر في يوم الثلاثاء الموافق 8 من ربيع الآخر سنة 1365 هـ 12 مارس 1946م، ص 16.

المصدر