الدروس المستفادة من الهجرة النبوية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدروس المستفادة من الهجرة النبوية

« كلمة فضيلة المستشار

إن الدروس والعبر المستفادة من الهجرة النبوية الشريفة أكبر من أن تعد وتحصى، لأنها الفيصل بين الحق والباطل، والحديث عنها يطول، ولا يتسع له المقام في صفحات، أو كلمات؛ لأن هجرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) قد أودعت ضمير الزمان مبادئ شرفت بها الإنسانية وسما بها قَدْر الإنسان؛ حيث هانت الحياة حين عزت العقيدة، وصغرت الدنيا حين كبر المقصد، ووسعت الغاية، فما قيمة الحياة بدون هدف، وما غناء الدنيا بدون شرف؛ وإن أساس الحياة هو العقيدة، وبدونها يكون الذل والصغار والمهانة والهوان، وإن شرف الدنيا أن يعمل الإنسان على إقالة العثرات، ويعين على نوائب الحق، وفي الهجرة كل معاني الصبر، والتضحية، والثبات على المبدأ، وعدم التفريط في الهدف والحياة الشريفة الكريمة العزيزة، أو الموت في سبيل المبدأ السامي النبيل.

لقد أمضى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ثلاثة عشر عامًا في صقل نفوس أصحابه، وتربيتهم على مبادئ الإسلام، وتعاليمه، وأخلاقه، وسلوكه، يركز فيهم عقيدة التوحيد والإيمان بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وحين استقر هذا المبدأ في نفوس الصحابة الكرام جاءت الهجرة النبوية، وهم على أهبة الاستعداد لإنفاذ أمر الله على لسان رسوله (صلى الله عليه وسلم)؛ لأن مكة، وإن كانت حبيبة إليهم، فإن الله أحب إليهم من كل شيء، فهي امتحان لقوة إيمانهم في هجر أوطانهم في سبيل الله ونصرة دينه وإقامة دولته، وقد تحمل الرسول والصحابة الكرام من مشركي مكة من البلاء والعناء، ما لا يصبر عليه إلا أصحاب العزائم من الرجال المؤمنين الصادقين.

واستطاعوا بإيمانهم وثباتهم أن يقهروا الشرك وأهله، وأن يستعلوا بإيمانهم على كل رموز الباطل، وعتاة المشركين الذين لم يتركوا وسيلة من وسائل الترغيب والترهيب إلا سلكوها، ليثنوا الرسول وصحابته عن عقيدتهم الجديدة، ودينهم الحنيف، فما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

ومن هنا، كانت الهجرة النبوية بأمر الله (عز وجل) فتحًا للإسلام؛ حيث كانت المدينة المنورة مقر دولة الإسلام، وأهلها أنصار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذين بذلوا الغالي والنفيس في إعزاز دين الله، والتمكين له، وإقامة دولته.

إن الهجرة فكرة وأسلوبًا ومنهجًا وطريقة، درس عظيم من دروس السيرة النبوية المطهرة، توضح واجب المسلم بأن التزامه يكون بالدين قبل الطين، وبالعقيدة قبل المصلحة، وبالعزيمة قبل الرخصة، وبالتضحية بالنفس والمال والأهل والولد في سبيل الله، ونصرة دينه، وإعلاء كلمته، وإقامة حكمه، وإن زخارف الدنيا، ومتاعها، وأموالها، وزينتها لا تساوي شيئًا أمام عقيدة التوحيد.

وإن الثقة بالله والاطمئنان إلى معيته خير معين أمام تحدي الباطل وجبروته (ما ظنك باثنين الله ثالثهما)، (إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).

إن المسلمين اليوم في أمسِّ الحاجة إلى الرجوع إلى سيرة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لاستلهام العبر والدروس منها، وعلى الأخص هجرته من مكة إلى المدينة، والتي هي معين لا ينضب من الدروس، للجيل المسلم والأمة المسلمة التي تعيش في أحلك الظروف، وأصعب الأوقات؛ حيث تجمع الأعداء عليها، وتداعوا على حربها وإبادتها، بسبب عقيدتها الإسلامية، وتمسكها بسنة نبيها محمد (صلى الله عليه وسلم)، وليس لها من مخرج إلا مزيدًا من الاستمساك بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، والثبات أمام كل التحديات والمغريات، وعدم التنازل عن حقها في الحياة الكريمة العزيزة التي ترتفع فيها رابطة الإسلام، وتعلو بها كلمة التوحيد.

والله يقول الحق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

المصدر