الدكتور أحمد العسال.. بقية السلف الصالح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٠٣، ٩ مايو ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''<center> الدكتور أحمد العسال.. بقية السلف الصالح</center>''' left|220px '''بقلم: السيد سلي...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدكتور أحمد العسال.. بقية السلف الصالح
د.العسال.jpg

بقلم: السيد سليمان نور الله

"يحمل هذا العلم من كلِّ خلفٍ عدوله؛ يُنفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قليلٌ أولئك الذين ينطبق عليهم هذا الحديث الشريف، وشيخنا الفقيد أحد هؤلاء الذين حملوا العلم بفهم عميق، وعملوا به بإخلاص ويقين.

ولا تعجب إذا نظرت إلى ملامحه الدقيقة ونظراته الثاقبة المصحوبة بمزيد تفكُّر وتريُّث، مع دقة في التعبير عما يريد، فيجترُّ المعاني، ويولِّد الأفكار، ثم يرصف الكلام بنظام متين، وهو جالسٌ على الأرض شبه جلسته للطعام بثوبه الأبيض الناصع، ينظر إلى تلاميذه نظرة المتفحِّص، في هدوء تامٍّ يملأ المكان سكينةً وإجلالاً، يشعَّان على تلاميذه، فكنا نشعر أن الملائكة قد حضرت بيننا فوجب علينا الالتزام التامّ، والخوف والإشفاق من ضياع لفظة عابرة، أو إشارة صامتة تجسِّد رأيًّا، أو توجِّه فهمًا؛ فلا نملك إلا أن نتواضع أمام هامَة شمَّاء استعصت على عوامل الإزالة والتهميش، يحدوها التواضع الجمّ، تواضعًا يجذب القلوب، وتستريح إليه النفوس، فإذا تكلَّم في الأصول فهو فارس الميدان، وإمام هذا الشأن، تجده يُرتب الأصول بمنطق الفلاسفة والمتكلمين، في حين أنه لا يخرج في أدلته عن طريقة أهل السنة من الفقهاء والمحدثين.

وقد صاحب الشيخ القرضاوي منذ الطفولة، وكثيرًا ما كان يقرنه الشيخ القرضاوي بنفسه صحبةً وعلمًا ودعوةً وسجنًا وسياحةً في الأرض، كما صاحب الأستاذ المربي الفاضل محمود كرم، وكان أستاذنا محمود كرم- رحمه الله تعالى- دائمًا ما يستشيره في أمور الدعوة، وصاحب الشيخ عبد المعز عبد الستار في السجن، غير أنه اتصل بكبار الدعاة والعلماء، مثل الشيخ شلتوت، والشيخ البهي الخولي، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ أحمد حسن الباقوري، والأستاذ المرشد عمر التلمساني؛ والأستاذ المرشد مصطفى مشهور، والدكتور أحمد الملط، كما اتصل بكبار العلماء والدعاة والقادة الإسلاميين بباكستان والهند وغيرهما من دول شرق آسيا؛ ما كوَّن عنده عقليةً علميةً متميزةً، ممزوجةً بروح تربوية راقية، وهمةً دعويةً عاليةً، لا تستكين أمام الظروف، ولا تستسلم للعقوبات، فلمَّا مُنع من الدعوة بمصر، سافر إلى قطر ثم إنجلترا والسعودية وباكستان داعيةً ومربيًا وعالمًا، ينهل الجميع من علمه.

وكان دائم التفقُّد لأحوال إخوانه، ساعيًا في قضاء حوائجهم، ناصحًا لهم، حريصًا على سعادتهم.

ومن منة الله تعالى عليَّ أن حباني بلقائه مرات عديدة، لم تمكنِّي من الارتواء الكامل من فيض علمه، فظللْتُ دهرًا أرتقب لقاءه؛ لأنهل من معينه، فلمَّا عزمت على زيارته بصحبة بعض إخواني، لم يمهلني القدر؛ فقد اصطفاه الله تعالى- نحسبه في عليِّين- فقد عاش وهو يتمنَّى الشهادة بصدق، وفي صبره على المرض ما يجعله في مصافِّ الشهداء والصالحين.

وما زلت أذكر وصيته لي ذات يوم: "إذا أردت تفسير القرآن، فلا تقرأ أي تفسير، لكن اقرأ الآيات أولاً وتفكَّر وتدبَّر فيها، فإن الله تعالى سيفتح عليك بالجديد ما لا تجده عند المفسِّرين؛ فالقرآن لا تنتهي عطاياه، فإذا وقفت عند كلمة جهلت معناها فاشرع إلى كتب اللغة وابحث عنها، ثم بعد أن تُكَوِّنَ لنفسك رؤيةً وتفسيرًا للآيات اطَّلع على التفاسير، وضمَّ إليها ما توصلت إليه".

والحمد لله تعالى، فأنا ملتزمٌ بنصيحته؛ حيث يفتح الله على عبده الفقير الكثير والكثير بنصيحة هذا العالم الجليل.

إنه حقًّا ممن يُطلق عليهم بقية السلف الصالح، ممَّن يعلمون ويعملون بما يعلمون في صمت وإنكار ذات.

إنه المربِّي المفضال، أستاذنا الكبير، وعالمنا الجليل، فضيلة الأستاذ الدكتور الشيخ أحمد العسال، طيَّب الله ثراه، ونوَّر عليه قبره، وأسكنه فسيح جناته.

"اللهم آمين".


  • واحد من تلاميذ الشيخ الجليل أحمد العسال.

المصدر