الدنيا في نظر القرآن ( 1 )

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الدنيا في نظر القرآن ( 1 )

لفضيلة الأستاذ الشيخ / سيد سابق


اختلاف مفهوم الكمال والسعادة :

كل فرد من أفراد النوع الإنساني ينشد الكمال ويحرص على السعادة ، ويحاول الوصول إليها بكل سبيل ، ولكن فهمهم لها يختلف اختلافًا بينًا :

فمنهم من يرى أن السعادة المنشودة محصورة في التمتع باللذائذ المادية والنعم الظاهرة .

ومنهم من يرى حقارة هذه اللذائذ وأن السعادة هي الخروج عن دائرة الفطرة البشرية بتحريم الطيبات والانقطاع عن الدنيا .

وكل فريق من الفريقين مخطئ في فهمه ومجانب للحق والصواب . إذ أنه فهم لا ينسجم مع الحياة ولا يتسق مع ما خلق له الإنسان من تحقيق الخلافة في الأرض .

فالفريق الأول : الذي يؤثر الدنيا ويحرص على لذائذها يفسد خلقه وتضعف إرادته ويضطرب أمره ، ولهذا مقت الله هذا السلوك ووصفه بالكفر والضلال وشبهه بسلوك الأنعام التي لا تعقل معنى الوجود ولا تفهم قيمة الحياة .

{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } [ محمد : 12 ] .

وأما الفريق الآخر : فإنه فريق انعزالي يقف من الحياة والوجود موقفًا سلبيًا .

وسلوك هذا الفريق من شأنه أن ينقل قيادة الحياة إلى الأشرار فيوجهوها حسب أهوائهم وتبع رغباتهم ، وفي ذلك فساد الدين وضياع الدنيا .

والله يوجه الخطاب لهذا الصنف من الناس فيقول :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [ المائدة : 82 ] .

فكرة الإسلام عن مفهوم السعادة والكمال :

وإذا كان كل من الفريقين مخطئًا في فهمه للسعادة وفي نظرته إلى الكمال في نظر الإسلام فإنه يوضح صورتهما ويرسم معالمها .

فهو يرى أن الإنسان خليفة عن الله في الأرض ، وأن عليه القيام بواجبات هذه الخلافة وأنه جسد وروح ، وأن الجسد ليس عدوًا للروح ولا سجنًا لها ، وإنما هو أداة لها من أجل القيام بهذه الواجبات والتبعات ، وأن الدنيا دار عمل وميدان كفاح ، وليست دار تعذيب أو شقاء ، وأن على الإنسان أن يظهر مواهبه بالجد والسعي والكدح والكفاح في كل ميدان من ميادين النشاط الإنساني .

{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } [ الملك : 2 ] .

وإحسان العمل يتلخص في أن يحسن الإنسان صلته بالله عن طريق العقيدة والعبادة ، ويحسن صلته بالناس عن طريق الخلق والبر ليحقق بذلك كماله الروحي والإنساني ، يضاف إلى ذلك استخراج كنوز الأرض والانتفاع بالقوى المبثوثة في الكون وإصلاح النظام المعيشي لتحقيق الكمال المادي .

اهتمام الإسلام بضرورات الإنسان وحاجاته المادية :

لهذا نجد الإسلام عنى بكسب المال وتحصيله باعتباره عصب الحياة وقوامها ، وجعل ذلك فريضة من فرائضه .

" طلب الحلال فريضة على كل مسلم " . وأوجب المحافظة عليها سواء كان قارًا أم ذهبًا أم فضة .

{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا } [ النساء : 5 ] .

واهتم بتوفير الحاجات الاستهلاكية من الغذاء والكساء والمسكن وما لا غنى للإنسان عنه ليكون على مستوى كريم من الحياة .

" من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً ، أو ليست له زوجة فليتزوج أو ليس له خادم فليتخذ خادمًا ، أو ليس له دابة فليتخذ دابة " . رواه أحمد .

وسُئل رسول الله ( عن حد الكفاية للفرد فقال :

" ما سد جوعتك ، ووارى عورتك ؛ وإن كان لك بيت يظلك فذاك ، وإن كان لك دابة فبخ بخ " .

وأمر بالأكل من الطيبات ونهى عن تحريمها واعتبر ذلك اعتداء .

{ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ . وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيَ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } [ المائدة : 87، 88 ] .

وامتن على الناس بالملابس : { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } ( وريشًا : ما يتجمل به من الثياب ) .

كما امتن عليهم بالسكن فقال :

{ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِالأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ } [ النحل : 80 ] .

{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ الروم : 21 ] .

وفي الحديث : " تزوجوا الودود الولود " .

والمرأة الحسناء لا يزهد فيها مهما غلا مهرها ، لما في الزواج بها من تكميل للدين على أن تكون صالحة كي تسر العين بجمالها والقلب بكمالها .

ويرغب في إقامة الدور والمساكن التي تحوي جميع المرافق والأثاث ما دام لم يقصد بها المباهاة والمفاخرة وبذلك تتسع دائرة العمران .

وقد فعل ذلك الزبير بن العوام وابن المبارك ومحمد بن الحسن وكثير من الصحابة والتابعين والعلماء الراشدين .

ولا بأس بتزيينها وتجميلها فإن طلب الزينة والجمال مقصود حسن في ذاته والنفس التي لم تفسد فطرتها تعشق الجمال وتتلذذ به . والله سبحانه وتعالى يقول : { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ النحل : 5 ] .

{ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ } [ النحل : 6 ] .

وأي فرق بين التلذذ بالجمال في الأنعام والجمال في الدور .

ويقول : { وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 8 ] .

أما الآثار التي وردت في كراهية رفع البنيان وزخرفته فليست على إطلاقها وإنما المقصود بها كراهية ذلك إذا قصد بها المفاخرة والمباهاة والتطاول على الناس لا مجرد التلذذ بالجمال والزينة فإنهما مطلوبان في كل حال :

{ ‏يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْوَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ . قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 30- 32 ] .

إن الحرص على الجمال ابتغاء الحصول عليه لمما يحبب فيه الإسلام ويدعو إليه حتى يشعر الإنسان براحة نفسية من جانب ، ويحتفظ بكرامته فلا يستخف به ولا ينزل عن مكانته التي هو أهل لها من جانب آخر

المصدر