الديمقراطية في فكر حسن البنا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:٤٦، ١٦ فبراير ٢٠١٢ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الديمقراطية في فكر حسن البنا


موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

بقلم: عبده مصطفى دسوقي

مقدمة

الإمام حسن البنا وسط أول مجلس شورى للإخوان بالإسماعيلية

من المعروف أن معظم سكان الشرق الأوسط من المسلمين، لذا فان دينهم واحد لكن يوجد لديهم عادات تتفق في نواحي وتختلف في نواحي أخرى.

ولذا فالإسلاميين الإصلاحيين كان لهم دور كبير في تغيير الكثير من أفكار واتجاهات المجتمعات الشرق أوسطية.

من المعروف أن معظم بلاد الشرق الأوسط وقعت في قبضة المحتل الغاشم الذي استنزف مواردها، وحاول نشر الديمقراطية الغربية فيها والتي ارتبطت بسياسته الاستعمارية، ولذا فمعنى الديمقراطية التي أراد الغرب نشرها مصحوبة بالمستعمر، ولذا كانت هذه الديمقراطية عبارة عن شعارات براقة يقذفها الغرب من اجل إيجاد شرعية لاحتلاله لهذه البلاد، ومن ثم أصبحت كلمة الديمقراطية في فكر حسن البنا مرتبطة بالدول الاستعمارية، وليست الديمقراطية التي يراد بها المشاركة الفعالة وحكم الشعب لنفسه واستقلاله..ولذا ارتبط حسن البنا في فهمه للديمقراطية الحقيقية بمعناها الواسع والذي أوجده الإسلام تحت مسمى الشورى.

ولهذا سنجد أن الإمام البنا يفرق ما بين ديمقراطية زائفة يطلقها المستعمر من أجل إيجاد شرعية له، وبين الشورى التي آمن بها البنا وهي التي تجعل الحكم ديمقراطي بين الجميع.


وضع مصر السياسي

يصف أحمد الأسمر هذا الوضع في بحثه (الديمقراطية بنظر حسن البنا) بقوله:

جميع هذه الظروف التي ساهمت في زيادة الوعي لدى المصريين أدت الى ظهور اتجاهين فكريين أساسيين داخل المجتمع المصري، الأول هو التيار الإصلاحي الديني واهم أعلام هذا التيار هم الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي ومصطفى كامل ورشيد رضا، ومن أهم أفكار هذا التيار هو التمسك بالقيم والمعتقدات الدينية الإسلامية الأساسية ويرون أن سبب تخلف المسلمين والمصريين هو الابتعاد عن الدين والانجرار وراء ثقافة الغرب وما أسموه ” الغزو الثقافي الغربي”، لذلك يجب الرجوع الى الدين والتمسك به كما انه يجب التحرر العقلي من قيود الجمود والتخلف فهذا الدين ليس فقط عقيدة دينية بل هو منهاج حياة وقانون اجتماعي، كما أن الشورى هي طريقة الحكم والأمة هي من يعين السلطان، بالإضافة الى ذلك ان التيار هذا جمع بين الإسلام والوطنية ونادى بالتحرر السياسي والاستقلال التام عن الاحتلال، ونادى أيضا بالمشاركة السياسية سواء اكان ذلك من خلال المظاهرات ام الصحافة وغيرها من الطرق .
أما التيار الأخر فكان الاتجاه الليبرالي المصري، وكان رفاعة الطهطاوي على رأس هذا التيار الذي يعتبر أول مروج للأفكار الغربية ، فقد دعا الطهطاوي إلى الفصل بين السلطات في الدولة وتجديد التشريع القضائي بأخذه عن أوروبا وضمان الحريات السياسية والمدنية والاقتصادية وغيرها من الحريات وذلك بتقليد النموذج الأوروبي، بالإضافة الى ذلك يعتبر أول من تحدث عن الانتماء الوطني وميزه عن الانتماء الديني فتحدث عن حب الوطن وعن حقوق المواطن وواجباته، بعده جاء الكثير من المفكرين الذين دعموا هذا التيار فتناقض فكر هذا التيار عن التيار الإسلامي ونادى الى فكرة الدولة العلمانية التي ينفصل بها الدين عن الدولة، فالمذهب الذي أرادوه هو مذهب الحريين اي الليبرالية السياسية والى الحرية الشخصية وغيرها من الحريات المختلفة وبرأي هذا التيار إن الدين لا يستطيع ان يحد من هذه الحريات بالإضافة الى الاقتصاد الحر والديمقراطية وغيرها من الأفكار الغربية .


معنى الديمقراطية

الديمقراطية (Democracy): هى طريقة اجتماع الناس على رأى فى الحكم أو فى إدارة مؤسسة اجتماعية أو غيرها بالشكل الذي يحترم رأى الجميع وبشكل متساوٍ، ولا يفرق بين شرائح المجتمع فى التعبير عن الرأي فى تقرير المصير فى أية قضية سياسية كانت أو اجتماعية. يقول الدكتور جورج سورينسون (Georg Sorensen) أستاذ السياسة الدولية والاقتصاد فى جامعة آرهوس فى الدانمرك عن أصل تعريف الديمقراطية: إنها كلمة يونانية تتألف من كلمتين الأولى (demos) وتعنى: الشعب, والثانية (kratos) وتعنى: حكم. وعليه فتكون كلمة الديمقراطية قد أريد بها (حكم الشعب).


الشورى والديمقراطية

لم يختلف مفهوم الديمقراطية مع مفهوم الشورى عند الإمام البنا، وإن لفظ كلمة الديمقراطية صاحبت الدول الاستعمارية، ومن ثم نجد الاختلاف في اللفظ وارد عند الأمام البنا لكن المضمون وجوهر المعنى واحد، فيقول مثلا: وفى الديمقراطية مبدأ الشورى وتبادل الرأى فأخذ به، وفيها إطلاق الحرية الفردية فجعلها مشروطة بحقوق الجماعة وقيدها بهذا.

ويقول أيضا: ثم أوجبتها بعد ذلك الديمقراطية الصحيحة حين أعلنت أن الأمة مصدر السلطات.

ويؤكد على معنى الشورى يقول: أن هذه السياسة الإسلامية نفسها لا تنافى أبدًا الحكم الدستوري الشورى، وهى واضعة أصله ومرشدة الناس إليه فى قوله تعالى من أوصاف المؤمنين: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾[الشورى: 38]، وقوله تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ﴾[آل عمران: 159] ..(1)

لقد فهم الإمام البنا أن الشورى التي نادى بها الإسلام ورسخها في نفوس أتباعه هي التي أعطت حرية الشعوب وحكم الشعب لنفسه، وفي هذا المعنى يقول تحت عنوان (الدستور والقرآن):

نحن لا نعترض على الحكم الشورى النيابي من حيث هو، فإن الإسلام قد وضع الأساس للشورى وللتناصح، ولحرية الرأي ولسلطة الأمة، ولتبعة الحكام، وهى أركان الدساتير العصرية، ولكن الذي نعترض عليه ونطالب بالتحرر منه هذه الشكليات الفارغة التقليدية التي جربناها عشرين سنة، فلم نجن منها إلا الفرقة والخلاف والشوك والحسك والصاب والعلقم ..(2)

ويوضح دور الحاكم في الإسلام وانه لا يختلف عن دوره في الديمقراطية التي تنادي بها الدول الديمقراطية فيقول:

والحاكم فى الإسلام راع يعلم ووالد وقائد، وفى الديمقراطية نائب ووكيل وشريك ومساعد. ولن تتوافر هذه المعانى جميعا إلا إذا توافرت المشاركة الوجدانية الكاملة فأصبح الحاكم يحس بإحساس المحكومين، ويشعر بشعورهم، ويتألم لألمهم، ويسر بسرورهم، ويصبح قلبه هو القلب الكبير المحيط بكل شئونهم ..(3)

وحينما أعلن الإخوان مشاركتهم في الانتخابات، عاب عليهم البعض ذلك، لكونهم يرفعون شعار القرآن دستورنا، فكيف سيتلون القسم داخل البرلمان، مما جعل الإمام البنا يوضح هذا المعنى وأن القسم وروحه الديمقراطي لا يخالف الشرع، فيقول:

ويوجه بعض المتسائلين سؤالا جميلا فيقولون: وماذا تصنعون فى اليمين الدستورية إذا نجحتم وفيها النص على احترام الدستور، وأنتم معشر الإخوان تهتفون من كل قلوبكم القرآن دستورنا؟ والجواب على ذلك واضح مستبين فالدستور المصري بروحه وأهدافه العامة من حيث الشورى وتقرير سلطة الأمة وكفالة الحريات لا يتناقض مع القرآن، ولا يصطدم بقواعده وتعاليمه، وبخاصة وقد نص فيه على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وإذا كان فيه من المواد ما يحتاج إلى تعديل أو نضوج فقد نص الدستور نفسه على أن ذلك التعديل والنضوج من حق النواب بطريقة قانونية مرسومة، وتكون النيابة البرلمانية حينئذ هى الوسيلة المثلى لتحقيق هتاف الإخوان ..(4)
إن معنى الديمقراطية الحقة هي التي تساوي بين الشعوب وتعطي حق تقرير المصير للشعوب، وأن الإسلام كفل ذلك، وليست المعاني الزائفة التي وردت في قاموس الدول الغربية الديمقراطية أو الدول الاشتراكية، وهذا ما أكده الإمام البنا بقوله: علينا أن نعلن الإسلام بأصوله السامقة وتعاليمه العالية وقواعده الحقة أمام الديمقراطية التي ترادف الفوضى والإباحية، وأمام شيوعيتهم التى ترادف الإلحاد والدكتاتورية الدولية.
وعلينا أن نتجمع ونتشجع ونتساند ونتكاتف ونعمل ونجاهد فى كل ميدان، ميدان الدعاية الدولية، وميدان المقاطعة الاقتصادية، وميدان الكفاح العملي حتى نصل، وإنا لواصلون. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ﴾[يوسف: 21] ..(5)

ويؤكد على أتباعه بالأخذ بديمقراطية الإسلام، وليس بالديمقراطية الغربية، فيقول:

إن العالم الآن تتجاذبه شيوعية روسيا من جانب، وديمقراطية أمريكا من جانب آخر، وهو بينهما مذبذب حائر لن يصل عن طريق إحداهما إلى ما يريد من استقرار وسلام، وفى أيديكم أنتم قارورة الدواء من وحى السماء، فمن الواجب علينا أن نعلن هذه الحقيقة فى وضوح، وأن ندعو إلى منهاجنا الإسلامي فى قوة، ولن يضيرنا أن ليس لنا دولة ولا صولة؛ فإن قوة الدعوات فى ذاتها، ثم فى قلوب المؤمنين بها، ثم فى حاجة العالم إليها، ثم فى تأييد الله لها متى شاء الله أن تكون مظهر إرادته وأثر قدرته ورحمته ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأَرْضِ وَنُرِىَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرونَ﴾[القصص: 5-6] ..(6)


مصر الديمقراطية

الأستاذ حسن البنا خلال أحد اجتماعاته

لقد نظر الإمام البنا إلى مصر على انها دولة ديمقراطية، تمارس الفكر الديمقراطي، وليست الديمقراطية الغربية فيذكر ذلك بقوله: نظام الحكم الذي ارتضته مصر, وأعلنته على رءوس الأشهاد, وسجلته فى دستورها: هو النظام الديمقراطي.. والحكم الديمقراطي فى كل قواميس السياسة والسياسيين: "حكم الشعب بالشعب" ومهما اختلف السياسيون على الأشكال والألوان والوسائل التى يتحقق بها هذا الحكم, فهم لم يختلفوا أبدًا على هذه الحقيقة, وهى: أن لب الديمقراطيات الاعتراف بسلطة الشعب, وحقه فى أن يحكم بالنظام الذي يختاره ويرضاه, ولقد نص الدستور المصري فى مادته التاسعة والأربعين بعد المائة على أن دين الدولة الرسمي الإسلام، وكان فى هذا صادقًا محقًا, ومصورًا أدق تصوير لروح الشعب المصري ومشاعره, ومعنى هذا أن الديمقراطية المصرية يجب أن ترتكز على تعاليم الإسلام وأن تستمد منها لتكون ديمقراطية صحيحة، ومن حسن الحظ أن روح الإسلام وتعاليمه لا تتعارض مع روح الديمقراطية الحديثة متى سلمت من الشهوات الحزبية والأهواء الاستعمارية... وإذا كان هذا النظام هو نظام الحكم فى مصر, فمن هم الذين قلبوه فى الحقيقة, ومازالوا مصرين على أن يظل النظام مقلوبًا إلى الآن؟! ..(7)

ويؤكد على ديمقراطية مصر في رسالة أرسلها إلى رئيس مجلس الأمن( ليك سكس) أثناء عرض قضية مصر على المجلس، فيقول: فى هذا اليوم الذي تنظرون فيه قضية وادي النيل تأمل الأمة المصرية الديمقراطية حكومة وشعبا أن تظفر من المجلس بقرار يؤكد حقها الثابت فى الجلاء والوحدة، ويعيد ثقة الشعوب بالعدالة الدولية ويصون الأمن والسلام فى ربوع الشرق وديار العروبة والإسلام ..(8)

لقد ربى الإمام البنا إخوانه على معنى الديمقراطية والمؤسسات الشورية، فيؤكد على هذه الصفات التي تربى عليها الإخوان فيقول: ويعتقدون كذلك أن النظام النيابي، بل حتى البرلماني، فى غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضرة فى مصر، وإلا لما قامت الحكومات الائتلافية فى البلاد الديمقراطية، فالحجة القائلة بأن النظام البرلماني لا يتصور إلا بوجود الأحزاب حجة واهية، وكثير من البلاد الدستورية البرلمانية تسير على نظام الحزب الواحد وذلك فى الإمكان.

كما يعتقد الإخوان أن هناك فارقًا بين حرية الرأي والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة، وهو ما يوجبه الإسلام، وبين التعصب للرأى والخروج على الجماعة، والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام فى الأمة وزعزعة سلطان الحكام، وهو ما تستلزمه الحزبية ويأباه الإسلام ويحرمه أشد التحريم، والإسلام فى كل تشريعاته إنما يدعو إلى الوحدة والتعاون ..(9)


ديمقراطية الغرب

لقد اعترض الإمام البنا على الديمقراطية التي كان ينادى بها الغرب – ليس لمضمونها أو جوهرها- لكن للواقع التي كانت تنادي به، حيث كانت ستار لممارسة المستعمر ضد الشعوب بحجة تحول هذه الشعوب إلى الديمقراطية، فنجده يقول:

أما أغنية الديمقراطية والديكتاتورية فأنشودة نعتقد أن الحرب الحالية ستدخل عليها ألحانًا جديدة، وأنغاما جديدة، ولن يكون فى الدنيا بعد هذه المحنة ديمقراطية كالتي عهدها الناس، ولا ديكتاتورية كهذه الديكتاتورية التى عرفوها. ولن تكون هناك فاشية ولا شيوعية على غرار هذه الأوضاع المألوفة، ولكن سيكون هناك نظم فى الحكم، وأساليب فى الاجتماع تبتدعها الحرب ابتداعًا، ويخترعها الساسة اختراعا، ثم يضعونها موضع التجربة من جديد. وتلك سنة الله، ونظام المجتمع ..(10)

ويضيف في مكان أخر بقوله:

سادت العالم -حينًا من الدهر- هذه النظم الديمقراطية، وانطلقت الحناجر فى كل مكان تسبح وتقدس بما جاء به هذا النظام الديمقراطي من حرية للأفراد وللشعوب على السواء، ومن إنصاف للعقل الإنساني بحرية التفكير، وللنفس الإنسانية بحرية العمل والإرادة، وللشعوب بأن تكون مصدر السلطات، وجاء النصر فى الحرب العالمية الأولى معززًا لهذه الأفكار متوجًا إياها بأكاليل الغار.
ثم لم يلبث الناس أن تبينوا أن حريتها الاجتماعية لم تسلم من الفوضى، وأن حريتها الفردية لم تأخذ الحيطة من الإباحية، وأن سلطة الشعوب لم تبرئ المجتمع من كثير من الديكتاتوريات المستورة التى تضيع معها التبعات، ولا تحدد فيها الاختصاصات، إلى غير ذلك من المثالب والعيوب التى أدت إلى تفكك الأمم والشعوب، وتخلخل نظام الجماعات والبيوت، ومهدت لقيام النظم الديكتاتورية ..(11)

ويؤكد على ان الدول الإسلامية تفهم الديمقراطية بمعناها الشامل، فيقول:

إن دول الشرق الإسلامي قضت عليها الحوادث والظروف الماضية والحاضرة أن تتصل بالدول الديمقراطية وأن تكون إلى جانبها وأن يرتبط مستقبلها بمستقبل هذه إلى حد كبير- هذا الوضع -إلى جانب الخصومة القائمة بين المعسكرين فى أوروبا- كان يجب أن يجعل الدول الديمقراطية تسارع إلى اكتساب مودة العرب والمسلمين اكتسابا نهائيا.
العجب أن الدولتين الديمقراطيتين إنجلترا وفرنسا فعلتا عكسه تماما كأنهما تتحديان بذلك شعور العرب والمسلمين فى كل أنحاء الأرض، فأما فرنسا فقد أساءت إلى سورية أبلغ الإساءة ففصلت عنها الإسكندرونة وقدمتها إلى تركيا رغم الصرخات العالية والاحتجاجات الكثيرة والأغلبية العربية فى هذا اللواء. وتنكرت لسورية مرة أخرى فعدلت عن إبرام المعاهدة واستبدت بالأمر فى داخلية البلاد استبدادا أدى إلى استعفاء الوزارة عدة مرات، وتعذر قيامها بمهمة الحكم، ثم أدى أخيرا إلى استقالة رئيس الجمهورية ..(12)
ويؤكد على ذلك فيقول: وإن حاولت كل منها أن تستر جشعها ومناورتها بستار من دعوى المبادئ الاجتماعية الصالحة والنظم الإنسانية الفاضلة، باسم الشيوعية أو الديمقراطية، وليس وراء هاتين اللفظتين إلا المطامع الاستعمارية والمصالح المادية فى كل مكان.
وأمامنا الشيوعية والاشتراكية، وهما معتبرتان فى منطق التحالف الدولى اليوم من معانى الديمقراطية، ولا يستطيع الديمقراطيون أن يقدموا غير هذا. وأمامنا كذلك نظام الإسلام وتوجيه الإسلام، وتعاليم الإسلام، وأحكام الإسلام.
ونحن فى الحقيقة لسنا مخيرين ولسنا أحرارا فى الاختيار، فإننا جميعا آمنا بهذا الإسلام الحنيف دينا ودولة، واعتبرنا مصر دولة إسلامية -بل هى زعيمة دول الإسلام- وقال دستورنا فى صراحة فى مادته التاسعة والأربعين بعد المائة: "دين الدولة الرسمى الإسلام ولغتها اللغة العربية" ..(13)

ويخاطب الدول الغربية التي تريد أن تنشر هذه الديمقراطية التي تتوافق مع سياستهم الاستعمارية، بأن المسلمين يعرفون معنى الديمقراطية الحقيقية والتي تنشر المودة بينهم، وليست ديمقراطية الغاب التي يتعامل بها الغرب، فيقول في ذلك:

إنكم تريدون أن تثبتوا دعائم الديمقراطية الصحيحة وتقروا مبادئها فى الأرض وتعلنوها فى الناس شريعة العصر الجديد وثمرة هذا الجهد الجهيد والكفاح الشديد؛ ولكنا -نحن المسلمين- قد تلقيناها درسا أوليا فى أبجدية ديننا وفى تاريخ أسلافنا، وطبقناها نظاما عمليا على أديم صحرائنا وفى ظل مضاربنا وخيامنا، وسجلها الله حكما عربيا، فى آيات كتابنا كما نظمناها أدبا رائعا فى قصيد شعرائنا ..(14)
ويوضح هذا المعنى أكثر، فيقول: ويبدو هذا الصراع واضحا جليا عمليا فى مناطق النفوذ والاحتلال، وسياسيا فى مؤتمرات الصلح وجلسات مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة.
وأغرق المتنافسان فى الخداع، ولبس كل منهما مسوح الرهبان وجلود الضان على قلوب الذئاب، وحاول كل منهما أن يستر الطمع المادى بدعوى رسالة السلام والإصلاح تقدمها إنجلترا باسم الديمقراطية وتقدمها روسيا باسم الشيوعية.
والعالم العربي والإسلامي والشرق كله يترقب وينظر فى حيرة بين هذه الأطماع والآمال، ويتهيأ للعمل ولكن لم يعمل بعد ..(15)
ويتساءل بعدها: فهل بمثل هذا الاستفزاز تريد الدول الديمقراطية أن تحصل على صداقة المسلمين والعرب؟.
وكان موقف البنا والإخوان من الحضارة الغربية بشقيها سواء أكانت الرأسمالية أم الشيوعية، فيرى البنا أن هناك سمات وخصائص ايجابية وأخرى سلبية لدى الحضارة الغربية ، فيرى البنا أن الأوروبيين استفادوا من اتصالهم بالإسلام وشعوبه عن طريق الحروب الصليبية وعن طريق الأندلس، فيقول: والإسلام قد أوجد الخير الذى يوجد فى كل واحدة من هذه النظم؛ فالشيوعية فيها مثلاً رفع مستوى الفقراء، وجعل الفرد للجماعة والجماعة للفرد، فأخذ بهذا وقرره، وفيها كذلك قتل المواهب ومحاربة حرية الملك فلم يأخذ بهذا، وفى الديكتاتورية اجتماع الأمة على رجل واحد، والطاعة والنظام لولى الأمر، فأخذ بهذا وقرره، وفيها أيضًا فناء الفرد فى المجتمع فلم يأخذ به، وفى الديمقراطية مبدأ الشورى وتبادل الرأى فأخذ به، وفيها إطلاق الحرية الفردية فجعلها مشروطة بحقوق الجماعة وقيدها بهذا ..(16)


الديمقراطية والممارسات العملية

لقد طبق الإمام البنا الديمقراطية على جماعته، فنجده يتعامل بمبدأ الشورى داخل جماعة الإخوان المسلمين، ولذا نجد هذا المبدأ موجود منذ نشأة الجماعة عام 1928م حيث شكلت الجمعيات العمومية والتي تستشار وتراقب أداء الجمعية، ومع اتساع الجماعة وتطورها وعدم استيعاب كل أفراد الجمعية العمومية، تم إنشاء مجلس الشورى عام 1933م.

وليس ذلك فحسب بل كانت الشعب تجري انتخابات على مجالس الشعبة وأيضا المناطق فالمكاتب الإدارية فمكتب الإرشاد.

حتى أن هذا التطبيق العملي كان يجري على أقسام الجماعة فكان الطلاب ينتخبون قادتهم، وأيضا الأخوات حينما أجريت انتخابات ديمقراطية لاختيار عضوات مكتب الأخوات عام 1946 و 1948م.

كما أن الأمور الجسام في الجماعة كان الإمام البنا يرجع فيها لمكتب الشورى أو الهيئة التأسيسية، ولقد كانت قرارات الهيئة التأسيسية ومن قبلها مجلس الشورى فعاله على أساس الشورى.


خاتمة

لقد نظر الإمام البنا إلى المجتمع ومشاكله فعمل على علاجها، وكانت على رأس هذه المشاكل وجود المستعمر على ارض الوطن، بالإضافة لبعض المشاكل المتواجدة في المجتمع والتي عمل على علاجها منذ البداية، ومع ترسخ فكرة التخلص من المستعمر الغربي إلا انه لم يرفض كل الأفكار الغربية، لكنه أخذ ما هو متوافق مع الشريعة وتعاليم الإسلام، ورفض كل ما هو مخالف للشريعة وتقاليد المجتمع.

ومن ثم أمن البنا بديمقراطية الغرب التي تعلى شأن الفرد والمجتمع، وتعطي السيادة والاستقلال لكل شعب، وهي الديمقراطية المتوافقة مع معاني الإسلام، وليست الديمقراطية القائمة على استعمار الشعوب وإهدار حقها.

فحسن البنا يرى أن مبادئ الديمقراطية والحكم الدستوري تتلخص في المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسؤولية الحكام أما الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات، هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده في شكل الحكم.


المراجع

1- رسائل الإمام الشهيد حسن البنا: رسالة مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين عام 1937م، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

2- مجلة النذير، العدد (31)، السنة الأولى، 11ذو القعدة 1357 /3 يناير 1939، ص(3-5).

3- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (145)، السنة الأولى، 27 ذو القعدة 1365ه- 22 أكتوبر 1946، ص(1).

4- جريدة الإخوان المسلمين نصف شهرية، العدد (46)، السنة الثانية، 18 ذو القعدة 1363/ 4 نوفمبر 1944، ص(3-4).

5- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (146)، السنة الأولى، 28 ذو القعدة 1365ه- 23 أكتوبر 1946م، ص(1).

6- مجلة الإخوان المسلمون، العدد (720)، السنة الثالثة، 3 ذو القعدة 1367ه- 6 سبتمبر 1948م، ص(1).

7- رسائل الإمام الشهيد حسن البنا: رسالة مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي.

8- مجلة الأمانة، العدد (5)، المجلد الأول، جمادى الأولى 1366ه- 24 مارس 1947، ص(18-19).

9- المرجع السابق، رسالة المؤتمر السادس.

10- مجلة الشهاب، العدد (2)، السنة الأولى، 1صفر 1367ه-14 ديسمبر 1947م، ص(27-32).

11- مجلة المقطم، العدد (18150)، السنة التاسعة والخمسون، 18 رمضان 1366ه/ 5 أغسطس 1947م، ص(4).

12- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (593)، السنة الثانية، 25 جمادى الأولى 1367ه- 5 أبريل 1948م، ص(1).

13- رسالة المؤتمر الخامس: رسائل الإمام الشهيد حسن البنا.

14- مجلة المنار، الجزء الخامس، المجلد (35)، 1 جمادى الثانية 1358ه- 18 يوليو 1939م، ص(34-41).

15- مجلة الإخوان المسلمون، العدد (58)، السنة الثالثة، 20 جمادى الأولى 1364ه- 3 مايو 1945م، ص(3-4).

16- جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (146)، السنة الأولى، 28 ذو القعدة 1365ه- 23 أكتوبر 1946م، ص(1).


Banna banner.jpg