الرسالة الثانية عشرة إلى الأحباب.. الحياة في ظلال السيرة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الرسالة الثانية عشرة إلى الأحباب.. الحياة في ظلال السيرة

18-03-2010

بقلم: الشيخ/ محمد عبد الله الخطيب

هل يجب علينا أن ندرس السيرة؟ ولماذا؟

يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأحزاب: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)﴾.

غزوة الأحزاب التي نزلت فيها هذه الآية كانت غزوة الأهوال وغزوة الرعب، وغزوة الضيق، وقد استطاع اليهود أن يؤلبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه الأعراب والقبائل وجميع المشركين في الجزيرة كلها؛ حتى استطاعوا أن يجعلوهم يزحفون إلى المدينة لاكتساحها، واكتساح من فيها من المسلمين؛ لكن الحق جل وعلا حفظ رسوله وحفظ أمته من هذا العدوان والإجرام، وصدق الله العظيم ﴿إِنَّ اللَّـهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (٣٨)﴾ (الحج).

في هذه الشدائد والرسول صلى الله عليه وسلم في هذه السن يقف وسط أصحابه يشجعهم ويطمئنهم، ويشاركهم في جميع الأعمال، رغم أن القلوب قد بلغت الحناجر والابتلاء قد وصل إلى أشده (وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الرغم من الهول المرعب والضيق المجهد؛ بمثابة الأمن والأمان للمسلمين، ومصدر الثقة والرجاء والاطمئنان، إن دراسة موقفه صلى الله عليه وسلم في هذا الحادث الضخم؛ ما يرسم لكل مسلم طريق القدوة وأساس الأسوة).

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في هذا الوجود، ومن البديهي ألا يكون أمام المسلم الحق مثال يجب أن يحتذى به غير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو المعين الذي لا ينضب ماؤه، وهو الذي يقوم عليه وحده أساس وجود المسلمين الإسلامي.

وأذكر هنا، بل أضع النقاط فوق الحروف: إن من المحال إدراك حقائق الإسلام كلها من عقيدة وشريعة وأخلاق ما لم يعش الإنسان الذي يريد أن يدرك تلك الحقائق وأن يفهمها- مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- من أول حياته إلى نهايتها، وما لم يصاحبه مصاحبة وجدانية بمشاعر سجلها، وما لم يتفهم كل جانب من جوانب حياته، وما لم يحاول جادًّا أن يفقه كل حركة وسكنة، وكل تصرف وعمل، وكل قول أو فعل أو تقرير صدر عنه في حالتي الشدة والرخاء، وفي السلم والحرب، في بيته، مع أصحابه، في جميع حركاته وسكناته، وما لم يفهم علاقته الاجتماعية وأوضاعه الحياتية.

ومن هنا وجب- وجوبًا عينيًّا- على كل مسلم أن يتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوته؛ تنفيذًا لأمر الله عز وجل، وحين يفكر في غير هذا؛ بأن يتخذ له مثالاً آخر في أي قيمة من قيم الحياة، ومعنى من معانيها، أو أي موقف من مواقفها، غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي يفعل هذا ليعلم أن إيمانه قد ضعف، ويقينه بدأ ينهار، وبدأت حياته كلها تسير في خط غير الخط المستقيم وغير الصراط الإسلامي الذي أمره الله عز وجل أن يسير عليه، وهذا هو أحد الأمور الضرورية لدراسة السيرة النبوية والوقف عند حقائقها، والالتزام بها.

فأين نحن من ذلك؟

وهناك أمر آخر مهم وضروري هو في قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٧)﴾ (الحشر).

فهذه الآية تدلنا على أن السيرة النبوية هي التطبيق العملي لمبادئ الإسلام، وهي التي تحمل في ثناياها الدلالة التي توضح (واقعية) هذه المبادئ، وعلى كونها مبادئ عملية صالحة للتطبيق في حلبة الحياة إذا توفرت في أهلها الشروط الضرورية، وهي: حسن فهمها، وحسن اتباعها، وأحكام العمل من أجلها والإخلاص في ذلك كله.

إن مدرسة السيرة النبوية تمد المسلم الحريص على الإحاطة الشاملة برسالة الإسلام؛ تمده بما يسعفه في فهم كتاب الله تعالى؛ لأنها تطبيق عملي واقعي للقرآن المجيد، وبيان عملي محسوس لما يشتمل عليه من مبادئ.

ومن هنا تبدو الحاجة إلى السيرة لبيان حقائق القرآن؛ فعلى سبيل المثال سورة الأحزاب بيان كامل دقيق عن غزوة الأحزاب، وسورة الأنفال تتحدث عن غزوة بدر حديثًا شيّقًا يأخذ بالألباب، ويستولى على القلوب، ويزيد المؤمن إيمانًا وحبًّا لهذا الدين العظيم الذي أنزله الله على قلب سيد المرسلين.

فلا بد للمؤمن العامل لدينه، والذي يدعو إليه من فقه السيرة، وربطها بكتاب الله عز وجل.

قد يسأل سائل: هل يكفي الإدراك العقلي لمراحل حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وتفهم أسراره نظريًّا لتحقيق الهدف؟

ونقول إن هذا لا يكفي أبدًا ما لم يتجاوز المسلم مرحلة الإقناع العقلي إلى مرحلة العشق القلبي والتنفيذ العملي، فكثير من الناس ممن هم مقتنعون بالإسلام فكريًّا ونظريًّا، ثم إن حياتهم بعيدة كل البعد عن التطبيق الواقعي والتنفيذ العملي، فيصبح ما فهموه حجة عليهم لا لهم.

وكثير من الناس من هو مقتنع فكرًا أو نظرًا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أعظم مخلوق وأكمل مثال، ثم إنهم لم يستفيدوا من ذلك المثال لتربية نفوسهم، وبيوتهم، وتوجيه عقولهم وتعديل واقعهم، أي أنهم في حياتهم الواقعية لم يتأثروا بالواقع العملي للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم ما زالوا في مرحلة العواطف ولم يتذوقوا حلاوة التطبيق والامتثال.

إن الاقتداء الحقيقي بين التابع والمعصوم صلى الله عليه وسلم لهو نور يشرق على القلوب فيحييها، وينقذها من ظلمات الوقوع في المخالفة، ويحول بينها وبين الوقوع في المهالك عن طريق الارتباط بالنظريات البراقة في الحياة.

أيها الإخوة الأحباب..

أنتم- إن شاء الله- أمل هذه الأمة، وأنتم دعاتها الذين قال الله فيهم وفي أعمالهم ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)﴾ (إبراهيم).

وأنتم الغيورون على ميراث النبوة فصِلوا الحاضر بالماضي، وأميطوا عن الماضي كل غبار لصق به، فأنتم المجددون "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها"، فصححوا كل ما ترونه وتحسون بأنه غير خليق بكتاب ربكم، وسنة نبيكم، وسيرته صلى الله عليه وسلم.

فمثلاً: الأصل في حب رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حب الأسوة والقدوة والاتباع، لا حب الهوس والانفعال الوجداني وحده على غير أساس.

إن حقيقة الحب بمعناها الصحيح قد عراها شيء من الغبش والانحراف من جراء بعض العوامل التي طرأت على بعض المفاهيم الإسلامية الصحيحة؛ نظرًا للبعد عن حقائق الإسلام الكبرى.

إن الأصل الأصيل الذي تعلمناه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هوانا وميولنا ورغباتنا وأشواقنا وكل ذلك تبعًا لما جاء به المختار صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".

اللهم اجعل عملنا كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا... والحمد لله رب العالمين.


المصدر

اخوان اون لاين