الرنتيسي: صناعة الحياة والموت والمقاومة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الرنتيسي: صناعة الحياة والموت والمقاومة

مقدمة

في عام 2004 أفقت فجرا على رسالة على هاتفي المحمول تبلغني باستشهاد الشيخ أحمد ياسين رحمه الله، لتنظم المظاهرات والمسيرات ومهرجانات أعراس الشهادة كما عهدناها آنذاك بمركز الأقصى للإعلام الذي كان يمثل احدى واجهات حماس في السودان والذي لم يلبث بعد هذا إلا شهور قليلة لتدهمه الشرطة السودانية وتطرد موظفيه وتغلقه بالشمع الاحمر استجابة لأمريكا من دولة تدعي بانها “إسلامية” ولهذا حديث آخر لكن المفارقة كانت في كيفية احتضان أنظمة علمانية وقومية وطائفية مثل سورية و لبنان و إيران ل حماس وغيرها وكيف تطردهم وتضيق عليهم دول مثل السودان !

لم تمض إلا ثلاثة أسابيع وكنت وقتها ليلاً أحضّر مع زملائي في “دار الطلاب اليمنيين” بالخرطوم لإختبارات نهاية الفصل الأول الجامعية ليأتينا خبر استشهاد عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله بعد قصف سيارته في غزة .. لأرى الزملاء يغلقون كتبهم ولأرى “إياد” تنهمر دموعه ولا يقوى على شيء!

“الناس رجلان.. رجل نام في النور ورجل استيقظ في الظلام” وكان الرنتيسي رحمه الله من الصنف الثاني الذي ولد مهجرا ومشردا يعاني شظف العيش ومرارته في المخيم البائس ليصقل منه ذلك شخصية مرعبة لأعدائه محبة وودودة لإخوانه وزملائه. خرج على واقع مظلم واحتلال ظالم ليؤسس هنالك مع رجاله وإخوته حركة إسلامية مقاومة أذاقت الصهاينة الذل والهوان ومازالت وقدمت آلاف الشهداء من الرايات والقدوات والاعلام.

لم أر تأثيرا لاستشهاد قيادات مقاومة ومناضلة مثل استشهاد عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله على الناس باستثناء يحيى عياش في عام 1996 م وكل من قابلته تأثر باستشهاد عبد العزيز الرنتيسي حتى أكثر من استشهاد الشيخ الياسين وبالعكس فقد ارتاحت إسرائيل وفرحت إلى حد الثمالة بتخلصها من مثل هكذا شخصية سببت لهم الرعب على الدوام.

مما سمعته في وثائقي عن عبد العزيز الرنتيسي أنه في أحد فترات سجنه الكثيرة لدى اسرائيل حدث أن مر مدير السجن الصهيوني على مهاجع السجناء فوقف الجميع ماعداه، وحين أراد أحد الجنود التوجه إليه وإجباره على الوقوف قام كالليث الهصور راكضا نحو مدير السجن ليضربه مما أذهل الجميع بشدة ونال على اثرها الحبس الإنفرادي لثلاثة أشهر!

ويروي هو عن نفسه أنه حينما أتى الجيش الصهيوني لإعتقاله في منتصف الليل في بيته أحدث شجارا عنيفا معهم وجرح بنفسه عدد منهم قبل أن يتمكنوا منه! والكثرة تغلب الشجاعة.

لملمت كتبي ودفاتري وتوجهت من فوري بعد سماع خبر الاستشهاد إلى مركز الأقصى للإعلام حيث يتجمع المهنئون أو المعزون بعد كل مصيبة مثل هذه فيه، ومشيت وحيدا في شوارع السودان المظلمة وليله البهيم حتى وصلت هناك ورأيت السرادقات التي أقيمت لأحمد ياسين تعود وبسرعة لتقام وهذه المرة لعبد العزيز عبد العزيز الرنتيسي رحمهما الله.

صناعة الحياة

أبدع الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في صناعة الحياة عندما مزق كل قيود الذل والإحتلال والفقر التي عاشها في اللجوء والمخيم ليدرس ويجتهد ويعمل في نفس الوقت حتى تأهل إلى دراسة الطب في مصر وليتخصص بطب الأطفال ويفتتح عيادته في جنوب غزة يقدم بها خدماته وينظر الفقراء ويطببهم بلا مقابل.

يقول عن نفسه ان الحياة التي عاشها جعلته يحب هؤلاء المساكين ويعطف ويحنو عليهم، فهل يأخذ بعد ذلك منهم مقابل تطبيب أطفالهم؟ وهذا ماجعل الناس يطلقون على عيادته اسم عيادة الفقراء ولا أشك أن الآلاف منهم كما الآخرين بكوه وافتقدوه عند رحيله.

صناعة المقاومة

وعلى رغم نجاحه الدراسي والمهني، لم نر عبد العزيز الرنتيسي إلا صاحب قضية ومؤسسة حركة مقاومة من أكبر الحركات في العالم الإسلامي فهو ليس سلبيا جعل أهدافه كلها شخصية وتدور في فلكه الذاتي كما نرى في أغلب “السلبيين” ممن يدعون النجاح- الذين نعايشهم في حياتنا ولا هم لهم سوى الشهادة الدراسية والزواج والإنجاب ثم الموت. حياة بائسة بحق!

أما عبد العزيز الرنتيسي والذي وعى على إحتلال أرضه فجمع النجاح الشخصي والنجاح العام وصنع مقاومة أربكت وأرعبت إسرائيل ومازالت، وكل ذلك منبعه الإيمان بقضيته وحقه رغم الضعف وتخلي القريب قبل البعيد بل وأذيته أيضا.

المقاومة مع عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله بدأت من الحجارة العفوية لتتنظم وتتطور شيئا فشيء إلى الخناجر والسلاح الأبيض والاختطاف ثم السلاح ثم الألغام والعمليات الاستشهادية رغم أنوف علماء السلطان- ثم الصواريخ إلى أن أثمر ذلك عن تحرر غزة وانسحاب الصهاينة منهما بعد فترة وجيزة جدا من استشهاده هو الشيخ ياسين رحمهما الله لـ “تتمأسس” بعد ذلك المقاومة وتحكم غزة وتخرج من حالة الاستضعاف إلى حالة القوة والتمكين والقادم أفضل وأكثر إشراقا.

صناعة الموت

وماأعظمها من خاتمة وشهادة لذلك الرجل الخمسيني الذي تمسك بها وبالموت كما تمسك بالحياة وصناعته أيضا. نعم. صدق الله فصدقه. قال أريدها شهادة فنالها شهادة وبالأباتشي وصواريخها كما حدد.

وأقتبس هنا من المقال الجميل والمؤثر لأخي العزيز محمد إلهامي عندما قال الشهيد الرنتيسي وبالإنجليزية:

ورد في الخبر أن رجلاً ذا صوت مرهق، ولحية بعض مهذبة، ووجه بعض حزين أنه قال:”Are we afraid to die ? It is death , either by killing or by cancer , the same thing , we are all waiting for the last day of our life , nothing will be change , if it is by Apatchi or by arrest , I prefer to be by Apatchi”

هذا الكلام لا يمكن أن يكتسب مذاقا وروحه الخاصة لو لم يخرج من شهيد.. إنها عبقرية الشهادة التي سكبت على هذه الكلمات البسيطة رحيق البطولة، وحولتها إلى حروف غير كل الحروف، وضعت فيها طاقة التأثير الذي ينساب دافئا أو حارقا إلى القلوب والنفوس في لحظة.لم تكن كلمات عبد العزيز الرنتيسي كأي كلمات ينطقها أي مناضل.. كان طعم الدم الذي يكسوها يكسبها قيمة خاصة لا تكتسبها إلا دماء الشهداء..

لا تنهض الأمة بالأقوال، ولا تكتسب الأقوال تأثيرها من فصاحتها.. بل من سيرة وتاريخ من قالها.. أو قل من دمائه!!

استشهد عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله وباستشهاده نبت ألف قائد ومجاهد ومقاوم آخر وهكذا هي دورة التاريخ. فالشيشانيون يقاومون منذ أكثر من 250 عام والحق لا يتقادم ومسيرة الجهاد والشهادة والمقاومة متواصلة مهما خان الخائنون وتخاذل المتخاذلون وأعرض المنهزمون.

رحم الله عبد العزيز الرنتيسي وألحقنا به غير مبدلين.

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.