السياسة فن التمسك بالثوابت و ليست فن التراجع

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
السياسة فن التمسك بالثوابت و ليست فن التراجع

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

لقد أصبحت عملية الإخراج الإعلامي للتراجعات السياسية تأخذ شكلاً نمطياً ثابتاً ، يبدأ دائماً بعرضٍ أمريكي يتمثّل في ورقة أو خطة أو خريطة ، تحمل في طياتها مطالبة الجانب الفلسطيني بتخفيض سقف التطلعات السياسية ، فيأتي الرد الفلسطيني على شكل القبول المشروط الذين يعني الموافقة ، بينما يأتي الردّ الصهيوني على شكل قبولٍ مع تعديلات كبيرة تعني الرفض ، فتأخذ عوامل التعرية الصهيونية في نحت الخطة لتصبح شيئاً آخر يتطلّب تخفيضاً جديداً للسقف الفلسطيني ، فيتعزّز الجانب الفلسطيني في البداية لكن سرعان ما يعلن عن الموافقة بدون شروط ، ليبدأ التشدّد الصهيوني من جديد ، و هكذا يتم خفض السقف السياسي مرة تلو الأخرى ، و ما هي إلا أسابيع حتى يصبح ما تعتبره فصائل المعارضة كارثة سياسية مطلباً فلسطينياً وطنياً !!! .

و اليوم يبشّرنا بوش بالفتح المبين المسمى "خريطة الطريق" ، و من الغريب بمكان أنه يضع شروطاً لقيامه بتنفيذها كتعيين رئيس وزراء فلسطيني يتمتع بصلاحيات فعلية ، و كأن خريطة الطريق أصبحت غاية الغايات بالنسبة للجانب الفلسطيني ، فهل تستحق أن يسيل لعاب الفلسطينيين من أجلها ؟

أم أنها كارثة سياسية ، و طامة كبرى ، و ذل الدهر الذي يمكن أن يلحق بالأمة إن هي قبلت بها ؟ ألم نرَ أن هذا العرض هو استخفافٌ بالعقول ينبغي علينا أن نرفضه حفاظاً على آدميتنا التي كرّمها الله سبحانه ؟ أسئلة كثيرة تفرِض نفسها على الشعب الفلسطيني أولاً ، ثم على الأمة ثانياً ، و لكي نعرف أين يجب أن نقف من هذه الوثيقة ..

تعالوا نسلّط الضوء على مخاطرها ...

أولاً :

المرحلة الأولى :

تنص على (تعيين رئيس مجلس وزراء فلسطيني جديد ، بصلاحيات واسعة ، و إجراء التعديلات القانونية الضرورية لتطبيق هذه الإجراءات ، ثم تصدر القيادة الفلسطينية بياناً واضحاً لا لبس فيه يعترف بحق "إسرائيل" في الوجود بسلام و استقرار ، و يدعو إلى الإيقاف الفوري للانتفاضة المسلحة و كلّ أعمال العنف ضد "الإسرائيليين" أينما كانوا ، و تجميع قوات الأمن الفلسطينية في أجهزة ثلاث تكون تحت مسؤولية وزير داخلية واسع السلطات) ..
إن أخطر ما جاء في خريطة الطريق هو الاعتراف بحق ما يسمّى "إسرائيل" في الوجود بسلامٍ و استقرار ، لأن في ذلك إلغاءً لحق الفلسطينيين في وطنهم التاريخي ، و إقراراً باطلاً بأن الأرض هي لليهود ، و تنكّراً لحقوقنا المشروعة ، و تشويهاً لمقاومة شعبنا على مدى ما يزيد على قرنٍ من الزمان و وصمها بالإرهاب ، و لكل ذلك وقفت المعارضة الفلسطينية من "أوسلو" موقف الرفض ، لأن أرض فلسطين أرض وقف إسلامي لا يجوز لأي كان التنازل عن شبر منها ، فخريطة الطريق إذن تعطي ما يسمى بـ "إسرائيل" شرعية البقاء على أرضنا المغتصبة ، بينما أصحاب الأرض عليهم أن ينتظروا أن يمنّ عليهم المحتلون بدويلة مشوهّة .
نحن نعلم أن ما يسمى بـ "إسرائيل" أصبحت أمراً واقعاً ، و أنها عضو في الأمم المتحدة ، و لكن الجديد في الأمر أن على الفلسطينيين أن يمسخوا أنفسهم ، و أن يزيّفوا ماضيهم و حاضرهم و مستقبلهم ، و أن يتنازلوا هم أصحاب هذه الأرض جملة واحدة عن حقوقهم التاريخية في وطنهم فلسطين ، و هذا لا يمكن لنا أن نقبله سواء على الصعيد المعنوي أو النفسي أو الوطني أو العقائدي ، فكرامتنا و عقولنا و شهامتنا و وطنيّتنا و عقيدتنا تأبى علينا أن نقبل بذلك ، لهذا السبب فقط و ليس لما سيأتي من أسبابٍ سيتصدّى الشعب الفلسطيني لخريطة الطريق .

ثانياً :

إن المرحلة الأولى من خارطة الطريق تبشّر أيضاً بحرب أهلية ، أو تهدف إلى ذلك ، فدعوة الفلسطينيين إلى الإيقاف الفوري للانتفاضة المسلحة و كلّ أشكال المقاومة ضد الصهاينة أينما كانوا ، مع عودة ا لتنسيق الأمني تشكّل خطورة بالغة على مستقبل وحدة الشعب الفلسطيني ، فمن أجل ماذا ينبغي علينا أن نوقف انتفاضتنا و مقاومتنا ؟
هل نوقِفها لكي نقرّ بشرعية الاحتلال و من ثم التنازل عن حقوقنا التاريخية ؟
و ما الذي ينبغي على الصهاينة أن يقوموا به مقابل ذلك ؟
كما أوردته النصوص فإن المقابل هو (مطالبة الكيان الصهيوني بتحسين الظروف الإنسانية للفلسطينيين ، و الكف عن المس بالمدنيين و أملاكهم) ، إذن يريدون منا أن نوقف المقاومة و الانتفاضة من أجل تحسين ظروفنا المعيشية ، و لكي يتوقّف الاعتداء على المدنيين الفلسطينيين ، هل رأيتم أوقح من هذه النصوص التي تعطي الاحتلال شرعية الاعتداء على المدنيين الفلسطينيين لأن شعبنا يقاوم الاحتلال ؟
و من هنا يشترط بوش وقف المقاومة كي يكفّ اليهود عن المس بالمدنيين و أملاكهم ، و يشترط للتراجع إلى حدود 28 أيلول 2000 التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية و الكيان الصهيوني ، و أعتقد أن أحداً لا يجهل أن هذا التعاون الأمني سيكون فقط لحماية أمن الاحتلال على حساب أمن و حقوق الشعب الفلسطيني ، فأي مصيبة أفظع من هذه ؟!! ..
على أية حال لم يعد يخفى علينا أن المرحلة الأولى يجري الآن تنفيذها خطوة خطوة ، و لقد قطعت شوطاً بعيداً مصحوبة بضجيج إعلامي يصم الآذان ، و يعمي الأبصار ، و يذهب بالعقول فلا ترى ما يدور .

ثالثاً :

لقد جاء في المرحلة الثانية ما يلي (يعقد المؤتمر الدولي للجنة الرباعية بموافقة جميع الأطراف ، مباشرة بعد نهاية الانتخابات الفلسطينية ، و يهدف إلى دعم و إنعاش الاقتصاد الفلسطيني و تدشين المفاوضات بين "الإسرائيليين" و الفلسطينيين حول إمكانية إقامة دولة فلسطينية بحدود مؤقتة) ، و نقول لمن لديهم الاستعداد للتنازل عن حقّنا التاريخي في فلسطين لماذا تقبلون بذلك ؟ هل من أجل إمكانية قيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة ؟
ألم يروا أن كلمة إمكانية تعني أن هناك إمكانية أخرى و هي عدم قيام الدولة و هذه الإمكانية هي الأقوى بل الآكد خاصة عندما تحرق ورقة المقاومة و الانتفاضة ، و لكن حتى إذا ارتقى الأمر إلى درجة اليقين فهل يجوز لنا أن نتنازل عن فلسطين من أجل دولة بحدودٍ مؤقتة أو حتى دائمة تقام على جزء لن يزيد بأي حال عن 22 % من حقّنا التاريخي ؟!!!
و لكنها على أية حال لن تكون مستقلة كما اشترط "شارون" الذي لا يرَدّ له طلب ، حيث أبلغت الإدارة الأميركية الصهاينة بأنها قبلت معظم تحفظاتهم على خطة خريطة الطريق .

رابعاً :

و أما المرحلة الثالثة فقد نصت على ما يلي (يعقد مؤتمر دولي ثالث للتفاوض بين السلطة الفلسطينية و الاحتلال حول الاتفاق الدائم و النهائي الذي يتعلّق بالحدود ، و القدس ، و اللاجئين ، و المستوطنات ، و من ثم تنشأ علاقات طبيعية بين العرب و الصهاينة) ، و هنا نقول لو أن النص تحدّث عن الاتفاق الدائم مقابل إقامة دولة كاملة السيادة في حدود ما اغتصب عام 1967 ، و عودة القدس كاملة ، و إزالة المستوطنات ، و عودة اللاجئين ، و الإفراج عن المعتقلين مقابل التنازل عن فلسطين لما قبلنا بذلك ، فكيف إذا كان الحديث عن جعل تلك القضايا قابلة لحلول وسط و أنها في النهاية ستخضع لمفاوضات ابتزازية ؟!!
و هل يجوز أن نفتح الباب أمام الكيان الصهيوني ليقيم علاقات دبلوماسية و أمنية و ثقافية و تجارية و غير ذلك مع كافة الدول العربية ، و أن يكون ذلك كما يفهم من النص شرطاً لتحقيق الاتفاق الدائم ؟!!!

و بعد :

لقد كانت السياسة هي فن الممكن ، فهل أصبحت اليوم فن التراجع ؟‍‍‍‍؟؟
أما أنا فأرى أن السياسة هي فن التمسك بالثوابت .

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.