الشيخ علي بن يحيى معمر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ علي بن يحيى معمر
(1337 ـ 1400هـ = 1919 ـ 1980م)

بقلم:المستشار عبد الله العقيل

مولده ونشأته

الشيخ علي بن يحيى معمر

هو الشيـخ العلاّمـة الأديـب المؤرخ عـلي بـن يحـيى معمر، ولد سنة 1337هـ 1919م في قرية (تكويت) من إقـليم (نـالوت) فـي ليبيا.

ونشأ وترعرع في أسرة صالحة كريمة كان لها أطيب الأثر على استقامته وحسن سلوكه.

التحق بإحدى مدارس القرآن الكريم وهي مدرسة الشيخ عبدالله بن مسعود الكباوي، ثم انتقل إلى المدرسة الابتدائية، فأظهر نبوغاً فائقاً وذكاءً حاداً وموهبة امتاز بها بين أقرانه، ولفت أنظار أساتذته.

وحين قدم الشيخ العالم رمضان بن يحيى الليني الجربي التونسي إلى ليبيا، والشيخ الليني من تلامذة الإمام محمد بن يوسف أطفيش، انضم الشيخ علي يحيى معمر إلى حلقته العلمية واستفاد منه.



نشاطه العلمي

ثم سافر إلى تونس، لاحقاً بشيخه (الليني) وانضم إلى حلقته العلمية مرة ثانية ولازمه.

وبعدها انتقل للالتحاق بجامع الزيتونة بالعاصمة تونس.

ثم في سنة (1357هـ 1937م) سافر إلى الجزائر والتحق بمعهد الحياة بمدينة (القرارة) بوادي ميزاب، ويعتبر هذا المعهد من صروح المعرفة والعلم في العالم الإسلامي.

وعرفته الأندية الأدبية في القرارة بقصائده الشعرية، وأناشيده الرائعة الخالدة، وميوله الأدبية الواعدة، وشارك بفاعلية في جمعياتها الثقافية، وجلساتها الفكرية، وترك بصمات واضحة ماتزال حتى اليوم في مجلة الشباب التي كان (معهد الشباب) يصدرها آنئذ، وازدهرت المجلة بمقالاته النقدية وقصائده الرقيقة، وأناشيده المطربة، وعرفته أيضاً محاوراً قديراً، ومناظراً نحريراً.

كانت هذه الحركة الإصلاحية وما صاحبها من مهرجانات ثقافية متمثلة في الشعر، والمسرح، والأناشيد، تهز فؤاد علي يحيى معمر وتدفعه إلى المشاركة الفعالة، والاندفاع الجياش، فظهر طابعه على إنتاجه الذي كتبه في هذه المرحلة من عمره الدراسي، وكان من حسن حظه أن يعيش الفترة التي فرضت فيها الإقامة الجبرية على الشيخ بيوض من قبل الاستعمار الفرنسي (1943/1940م) وكانت الحرب العالمية الثانية سبباً في أن يبقى الطالب الشيخ إلى جانب أستاذه ينهل من معارفه ويستفيد من تجاربه.

وحين رأى شيوخه نبوغه وذكاءه عهدوا إليه بالتدريس في المعهد فصار تلميذاً ومدرساً في آن حتى 1365هـ 1945م حيث عاد إلى وطنه ليبيا وأنشأ مجلة اليراع ولكنها صودرت بعد صدور ثلاثة أعداد منها.

وتدرج من مدرس إلى مدير مدرسة إلى موجه تربوي، وكان يلقي الدروس والمواعظ، وينشر المقالات الدينية والأدبية في عدد من الصحف، وأنشأ مدرسة ابتدائية ومعهداً للمعلمين في بلدة (جادو) كما أنشأ جمعية الفتح ومدرسة الفتح في طرابلس.

شيوخه

أما شيوخه الذين تتلمذ عليهم فهم: الشيخ عبدالله بن مسعود الكباوي، الشيخ عيسى بن يحيى الباروني، الشيخ رمضان بن يحيى الليني، الشيخ محمد بن صالح الثميني، الشيخ الإمام إبراهيم بن عمر بيوض، الشيخ أبو اليقظان إبراهيم ابن عيسى بن يحيى والشيخ عدّون بن محمد شريفي وغيرهم كثيرون في ليبيا أو تونس أو الجزائر.

ومن تلامذته: الأخ الدكتور عمرو خليفة النامي الداعية الإسلامي خريج جامعة كامبردج في بريطانيا والذي كان له دور فاعل ومؤثر في النشاط الطلابي ونشر الدعوة الإسلامية في بريطانيا وليبيا متعاوناً مع إخوانه العاملين من الدعاة إلى الله في كل مكان.

منهجه في التأليف

عرف الشيخ علي معمر منذ مطلع حياته العلمية بقلمه السيال، وإنتاجه الغزير، واشتُهر بأسلوبه المتميز الذي يجمع بين الإثارة والبساطة، ويجمع بين مخاطبة العقول والقلوب بطريقة جذابة ساحرة، وذلك شأن أديب نهل من معين القرآن الكريم والأدب العربي القديم في أمهات مصادره.

لذا عندما توجه إلى التأليف كان يسعف قلمه ثقافة واسعة، وبيان ساحر، ومعارف مستفيضة، فترك للمكتبة الإسلامية العديد من البحوث والمؤلفات المتميزة بالعرض الجيد، والتحليل العميق.

هذا عدا مقالاته وقصائده التي نشر بعضاً منها بالصحف العربية ونشر بعضها الآخر في مجلة الشباب الصادرة بمعهد الشباب في الأربعينيات.

المنهج الإسلامي لكتابة التاريخ

يعد الشيخ علي يحيى معمر من ألمع الكتاب الإسلاميين في العصر الحديث، دعوة إلى الوحدة الإسلامية بما وهبه الله من عقل نير، وبصيرة نافذة، وقلب مؤمن يسع المؤمنين جميعاً، وقد اشتهر بمبادئه التي وضعها أساس الفكر الإسلامي وهي المعرفة والتعارف والاعتراف.

إن اليد البيضاء التي قدمها الشيخ علي معمر لن يستطيع تقديرها إلا من اطلع على الجهد العظيم الذي بذله في مؤلفاته للتقريب بين وجهات نظر المسلمين فيما حسبته بعض الكتب القديمة خلافاً حاداً وفُرقة لا لقاء بعدها.

وقد ظهرت آثار جهوده في البحوث التي أخذت تصدر من حين إلى آخر بأقلام أكاديمية نزيهة تنشد الحقيقة بكل تجريد، فصحح كثيراً من التصورات الخاطئة، وصوب أخطاءً فادحة، وأبان عن حقائق تاريخية ناصعة.

أهم مؤلفاته

- الإباضية في موكب التاريخ.

- الإباضية بين الفرق الإسلامية.

- سمر أسرة مسلمة.

- الميثاق الغليظ.

- الفتاة الليبية ومشاكل الحياة.

- الأقانيم الثلاثة أو (آلهة من الحلوى).

- الإسلام والقيم الإنسانية.

- فلسطين بين المهاجرين والأنصار.

- أجوبة وفتاوى.

- صلاة الجمعة.

- أحكام السفر في الإسلام.

- مسلم ولكنه يحلق ويدخن.

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- الحقوق في الأموال.

- الإباضية مذهب إسلامي معتدل.

ثلاثة دواوين شعر. (ولكنه أحرقها ولم يبق من شعره إلا ما نشر في الصحف والمجلات).

  • مسرحية (ذي قار).
  • مسرحية (محسن).

كما أن للشيخ علي معمر تعليقات، وتحقيقات لبعض كتب التراث، نذكر منها:

تعليق على كتاب الصوم من تأليف أبي زكريا يحيى الجناوتي (مطبوع).

تعليق على كتاب النكاح من تأليف أبي زكريا يحيى الجناوتي (مطبوع).

تقديم لكتاب سير مشايخ نفوسة، وهو من تحقيق الدكتور عمرو النامي (مطبوع).

وله مقالات وبحوث كثيرة نشرها في المجلات العربية، نذكر منها:

مجلة الشباب لمعهد الشباب بالقرارة.

مجلة المسلمون، يصدرها المركز الإسلامي بجنيف، سويسرا.

مجلة الأزهر يصدرها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، القاهرة.

(الأسبوع السياسي) و(المعلم)، تصدران بطرابلس، ليبيا.

(الرسالة)، يصدرها أحمد حسن الزيات، بالقاهرة.

وله مراسلات عدة مع مشايخه: الشيخ بيوض، الشيخ أبي اليقظان، الشيخ عدون شريفي، ولو جمعت لكونت مجلداً ضخماً، وهي تعد وثائق تاريخية مهمة.

معرفتي به

سعدت بمعرفته حين زارنا بالكويت أواخر ستينيات القرن العشرين، فقد شرفني بزيارتي في البيت والوزارة وفي جمعية الإصلاح الاجتماعي، فكانت أحاديث وحوارات عن موسوعة الفقه الإسلامي التي كنا قد شرعنا بإصدار بحوثها التمهيدية لعرضها على العلماء في أنحاء العالم الإسلامي لإبداء ملاحظاتهم، وكان منهم الشيخ علي معمر والشيخ أحمد الخليلي والشيخ محمد ناصر المرموري وغيرهم.

ولقد وجدتُ عند الشيخ علماً غزيراً وسعة في الصدر ورغبة في الحوار وخضوعاً لقوة الدليل، من خلال الحوارات والمحاضرات والمؤتمرات والبحوث والندوات التي اشترك فيها.

ولن أنسى ذلك الشاب العامل الدكتور عمرو النامي خريج جامعة كامبردج في بريطانيا الذي تعرّفت إليه عن طريق زملائه في الجامعة الدكتور أحمد العسال والدكتور مبارك العبيدي والدكتور حسن عبدالحميد صالح وغيرهم، الذين أثنوا عليه ثناء عاطراً.

وهو شاعر مسلم ولد في (بنالوت) بليبيا 1942م وبها تعلّم، ثم درس بمصر وحصل على الماجستير في الأدب ثم رحل إلى بريطانيا وأعد أطروحة الدكتوراه عن (تطور الفكر الإباضي) ناقشها في كمبردج سنة 1971م ثم درّس في (جامعة الفاتح) في ليبيا، ثم عمل أستاذاً معاراً بجامعة (مشيجان) بالولايات المتحدة الأمريكية ثم استقر في ليبيا؛ ليُلقَى في غياهب السجون ويعاني ويلاتها بسبب التزامه بالإسلام والدعوة إليه وانتمائه للإخوان المسلمين.

له قصائد كثيرة أشهرها قصيدة (أماه) التي قال في مطلعها:

أماه لا تجزعي فالحافظ الله

إنا سلكنا طريقاً قد خبرناهُ

في موكب من دعاة الخير نتبعهم

على طريق الهدى أنى وجدناهُ

وكان الدكتور النامي داعية من دعاة الإسلام العاملين، كما كان شعلة من الحماس والغيرة على الإسلام والعمل الدؤوب لنصرة الإسلام وقضايا المسلمين من خلال جماعة الإخوان المسلمين التي ارتبط بها وشارك في أنشطتها داخل ليبيا وخارجها.

شخصيته وصفاته

والشيخ علي يحيى معمر شخصية جذابة يزينه وقار العلماء وهيبتهم وطلاقة المحيا وبشاشة الوجه وحسن الحديث والذوق الرفيع والأدب الجم والتواضع والبساطة، وسعة الاطلاع على أحوال المسلمين ومشكلاتهم وبذل الجهد المستطاع لمساعدتهم وبخاصة عن طريق التعليم والتربية.

وكان يدعو إلى التقارب ونبذ الخلاف والتخلي عن العصبية المذهبية وإلى التسامح وفتح باب الاجتهاد والدعوة إلى الوحدة الإسلامية.

قالوا عنه

يقول عنه الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي السلطنة:

«لقد عرفت من الشيخ علي بن يحيى معمر ـ في خلال هذا اللقاء وهذه الزيارة وهذا السفر الذي رافقته فيه وكان لي فيه صاحباً بالجنب، وكنت له فيه صاحباً بالجنب ـ السماحة ودماثة الخلق وحسن المعاملة واللطف في مخالفة الناس والرغبة في الخير وعرفت منه أيضاً ميله إلى الأدب وقد كانت عباراته الأدبية لا تخلو من النكتة أحياناً، ومع ما كان يعانيه في ذلك الوقت ـ وقد كان ذلك في أخريات عمره ـ من الأسقام والبلاوي، فإنه بجانب ذلك كانت فيه نفس شابة من حيث الفتوة والقوة والانشراح واللطف في المعاملة مع الناس، فهو رجل جمع الأخلاق الحسنة بحذافيرها وكان حريصاً دائماً على جمع كلمة المسلمين وجمع شملهم».

وفاته

انتقـل أستاذنـا الشيـخ علي يحيى معمـر إلى رحمة الله في شهر صفر 1400هـ الموافق 1980/15/1م بعد أن تـدهورت صحته تحت وطـأة الضغوط السياسية التي يواجهها العاملون للإسلام في كل مكان وبخاصة تحت الأنظمة الدكتاتورية التي أهلكت العباد ونشرت الفساد وضجَّ منها الحاضر والباد.

رحم الله الشيخ وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وفي اضافة يقول د. فتحي الفاضلي:

طلبت من الشهيد " محمد يحي معمر"، نجل المرحوم الشيخ "على يحي معمر"، نبذة عن والده من اجل ان اوردها في كتابي "جذور الصراع في ليبيا"، فأرسل الي حينئذ بكلمات، قال فيها :

اعتقل الوالد، على ما اعتقد، في مايو 1973م، بعد ما يسمى بالثورة الثقافية، وسجن في سجن الحصان الاسود، بـ"باب بن غشير" بمدينة طرابلس، ومكث في القسم رقم "3"، احد عنابر السجن، وقد قام السجانون بحلق لحيته، التي لم يدخلها مقص مطلقا منذ ان نبتت، وذلك بأمر من القذافي نفسه، لما علمه ما يسببه ذلك من الم نفسي، حيث يعتبر الاباضية، كما هو الحال في اغلب المذاهب الاسلامية، ان حلق اللحية حرام.

والداعي الذي دفعهم الى ذلك (اي الى حلق اللحية) كتيب صغير اصدره الوالد- رحمه الله- تحت عنوان "مسلم ولكن يحلق ويدخن".

ورغم ان الوالد كان محاطا بالرعاية الكاملة والاحترام الكبير من جميع المعتقلين، بل وحتى من العسكريين المكلفين بالحراسة، إلا ان سنه وصحته لم تكن تسمح ببقائه في المعتقل، وكثير من رجال المباحث والتحقيق اعتبروا اعتقاله فضيحة للنظام، وليس اهانة للوالد، او حطاً من شأنه.

وقد اضطر النظام الى اخلاء سبيله بعد سبعة اشهر، وعندما عاد الى البيت، طلب الخويلدي وزير الداخلية (في ذلك الوقت) زيارته الى مكتبه، واعتذر له قائلا :" والله يا شيخ ما كنا نقصدك انت، واحنا غلطنا فيك"، فكان عذرا اقبح من ذنب.

ويواصل الابن حديثه عن والده قائلا :

لم تكن المعاناة التي قاساها الشيخ، في اعتقاله او في اعتقال ابنه وابن اخته وبعض اقاربه، واعتقال الدكتور "عمرو خليفة النامي"، تلميذه وصديقه واقرب المقربين اليه، وانما كانت المعاناة في المضايقات التي كان يقوم بها المدعو "حسن اشكال"، حيث كان يمنع الشيخ من الخروج من مكتبه في شهر رمضان، حتى يكتب شيئا للثورة، وقد رفض الشيخ مرارا، وكانت شدة "الازمة" (ضيق التنفس) التي يعاني منها، تزيد في معاناته. واشفق عليه اصدقاؤه ومحبوه واقسموا عليه لتلبية طلب "الثورة"، فكتب مقالات اراد بها طالبوها التمجيد "للثورة" والدعاية لها، الا ان كل من يتأمل فيها يتأكد بانها جاءت بما يكشف عن فساد نظام القذافي . انتهى سرد الابن.

ولم تنته قصة هذا الشيخ الوقور، عند سجنه مع ابنه في نفس الزنزانة، وحلق لحيته، امعانا في اهانته واذلاله، بل وضع، بعد اطلاق سراحه، تحت المراقبة الشديدة، كما هوجم المسجد الذي كان يلقي فيه دروسه (مسجد الفتح بمدينة طرابلس)، ثم ضيق عليه الى ان وافته المنية يوم الثلاثاء 27 صفر 1400 هـ الموافق 15 يناير 1980م، اثر نوبة قلبية، ودفن في مقبرة "سيدي منذر" بطرابلس. وللشيخ الجليل، سبعة ابناء هم: "محمد" و"يحي" و"خالد" و"حسن" و" فريد" و"عيسى" و"عبد الله"(1).

اما الابن الشهيد "محمد على يحي معمر" والذي سجن مع والده، فقد حكمت عليه المحكمة بالبراءة، واطلق سراحه، ثم قبض عليه في نفس اليوم، حيث اعيدت محاكمته، مع مجموعة من زملائه، فحكم عليهم بخمسة عشرة عاما، تغيرت، وكالعادة، وبقدرة قادر، الى المؤبد.

لكنه استطاع الهرب من السجن والانضمام الى المعارضة، حيث شارك في تأسيس "الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا"، واصبح عضوا في اللجنة التنفيذية للجبهة، وامينا لامانة نفس اللجنة، ونائبا لرئيس المجلس الوطني الثاني، ورئيسا للمجلس الوطني (1990م) ورئيسا للمكتب الدائم للجبهة (1992م)، وعضوا في الهيئة القيادية.

وكان الشهيد الابن قلما مبدعا، تألق في الدعوة الى محاربة الظلم والاطاحة بالظالمين. توفي (رحمه الله) في 7 يوليو 1994م، بعد عمر من البذل والعطاء والنضال، ودفن بمدينة "ليكسنتون" بولاية " كونتاكي" (2) و(3).

ولم يجف نبع هذه العائلة الكريمة، بل قدمت شهيدين اخرين هما "خالد على يحي معمر" و"يحي على يحي معمر" شقيقي المرحوم "محمد"، فقد كانوا ضمن شهداء عملية مايو 1984م، فقام النظام اثر ذلك بتهديم بيتهم في مدينة "نالوت"، واعتقل في تلك الاحداث باقي اخوتهم "حسن" و"فريد" و"عبد الله" و"عيسى".

وهكذا قدمت هذه العائلة الكريمة، الغالي والنفيس، فجاهدت في سبيل الله والوطن، بالنفس والكلمة والمال (2) و(3).

وقد يكون لنا، وباذن الله، عودة خاصة بالشهداء الثلاثة "محمد" و"خالد" و"يحي". اما الان فنواصل الحديث عن موضوع هذا العرض ( الشيخ علي يحي معمر ). فمن هو الشيخ "علي"، ولماذا تعرض الى ما تعرض له، وما سر اصطدامه بهذا النظام القمعي؟

ولد الشيخ "علي يحي معمر" في عام 1919م، بمدينة "نالوت"، والتحق باحد الكتاتيب بقرية "تكويت" (احدى ضواحي مدينة نالوت).

درس بعدها في المدرسة الابتدائية في نفس القرية.

ثم سافر في عام 1927م، الى "جربة" بتونس، لينظم الى حلقات احد ابرز العلماء في ذلك الوقت (الشيخ رمضان بن يحي اللّيني)، انتقل بعدها الى جامع "الزيتونة"، بـ"تونس" العاصمة، ثم الى مدينة "القرارة" بـ"الجزائر"، حيث التحق بمعهد "الحياة"، لمدة سبع سنوات، تتلمذ اثنائها على ايدي كبار العلماء، بل قام هو نفسه بمهام التدريس في نفس المعهد.

التحق عقب ذلك، وبالتحديد في عام 1937م بالحركة الاصلاحية التي كان يقودها الإمام "الشيخ بيوض"(4).

ثم عاد الى ليبيا في عام 1944م (او 1945م)، فأنشأ مجلة اليراع"، والتحق بمجال التربية والتعليم، فعمل في مجال التدريس والادارة والتفتيش. حيث ساهم، بجانب التدريس، بالعمل كمديرا لمعهد "جالو" للمعلمين، ومفتشا للغة العربية، ونائبا لمدير التعليم من عام 1967م الى 1969م، ثم التحق بقسم التخطيط والمتابعة بوزارة التربية والتعليم بمدينة طرابلس، حيث استقر هو والعائلة الكريمة (4) و (5).

وشارك ايضا في نشاطات فكرية وثقافية متنوعة عديدة، فقد كان محررا لمجلة الشباب"، واسس - كما ذكرنا- مجلة اليراع"، ونظم الحلقات والدروس، واشهرها التي كان ينظمها في مسجد "الفتح" بمدينة طرابلس. وساهم، بجانب ذلك، بمقالات حساسة للغاية، في عدة صحف ومجلات. وانتسب الى "الحزب الوطني"، احد الاحزاب التي كان يعمل لبناء ليبيا بعد مرحلة الغزو الايطالي، واسس جمعية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" في مدينة "جربة"، بتونس، وغير ذلك من نشاطات متنوعة في مختلف المجالات.

اما قمة عطائه وابداعاته فتظهر في انتاجه الغزير من الكتب والبحوث والمقالات، والشعر والرسائل والمسرحيات، فقد ساهم الشيخ "علي يحي معمر" في مجال الفكر والسياسة والادب والاجتماع والتاريخ.

وسيجد القاريء الكريم في نهاية هذا العرض، قائمة متواضعة تشتمل على شيء من انتاجه الغزير في مختلف هذه المجالات (انظر المرجع رقم 16).

وهكذا اجتمع لدى الشيخ الفاضل، العطاء بالقلم والصمود في وجه الظلم ومحاربة الظالمين.

ويعتبر الشيخ علي يحي معمر، من افذاذ علماء الاباضية واحد اعلامها، بجانب الدكتور "عمرو خليفة النامي"، والشيخ "إبراهيم بيوض"، والشيخ "أبو اليقضان إبراهيم"، والمجاهد "سليمان الباروني"، والشيخ "أحمد الخليلي"، والشيخ "أبو اسحق إبراهيم اطفيش".

كما عاصر شخصيات اسلامية عديدة، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر: الاستاذ "عباس محمود العقاد"، والدكتور "عبد الحليم محمود" (الذي اصبح شيخ الازهر فيما بعد)، والاستاذ "عبد السلام هارون"(6).. وقد ذكرت سيرة الشيخ، في معجم للاعلام الاباضية، او ربما في اكثر من معجم.

كما اعد "بالحاج قاسم" رسالة ماجستير (لم اطلع عليها) بعنوان "الشيخ علي يحي معمر وفكره العقدي"، وجدت فقط عنوانها كاحد المراجع.

ونشر موقع "ويكيبيدا" ايضا تعريفا عن الشيخ(7)، كما نشرت مواقع كثيرة جدا، كتبه ومقالاته ومسيرته ومواقفه.

ودعونا، بعد ما تقدم، نتصفح معا، ما قيل في شيخنا الفاضل، وما قيل عنه، فلعلنا نضع ايدينا، من خلال ذلك، على قائمة الجرائم التي اقترفها هذا الشيخ الجليل، فيستحق ما جرى له، من قبل هذا النظام الاهوج.

تقول مجلة صوت ليبيا" في مقال لها بعنوان "العالم الجليل : فضيلة الشيخ على معمر في ذمة الله" :

انتقل الى جوار ربه الشيخ "على يحي معمر"، وهو أحد علماء الجبل البارزين، وواحد من الشخصيات الجليلة الليبية، التي عُرفت بالتقوى والزهد والعمل الصالح.

فبعد خطاب القذافي الهستيري بمدينة زوارة، في الخامس عشر من ابريل من عام 1973م، الذي أسقط فيه القوانين، ودعى الى حرق الكتب وتهديم المكتبات، وحرض فيه عناصر سلطته ضد المثقفين وضد المستنيرين، وذوي المواقف الوطنية، واثناء حملة الاعتقالات بالجملة، والتي وضعت فيها سلطات القمع مئات المثقفين داخل السجون، كان الشيخ "على معمر"، احد ضحايا هذه الهجمة، فلقد داهم زبانية النظام منزل هذا الشيخ العالم الجليل، وحُمل هو وأحد انجاله، بطريقة وحشية الى السجن، حيث حلق العساكر شعر رأسه ولحيته، وحيث اخذ نصيبه من التعذيب(8).

وقضى الشيخ فترة طويلة داخل السجن، حتى افرج عنه، بينما قدم ابنه محمد الى المحكمة، التي قضت عليه بالسجن المؤبد.

وقد تمكن ابن الشيخ بعد ذلك، من الفرار من السجن والخروج من البلاد، ومنذ ذلك الحين والشيخ "علي معمر"، يتعرض الى الملاحقات والمضايقات المتواصلة، كان اخرها الضغط عليه، وإجباره على ان يكتب مقالا يدافع فيه عن "افكار القذافي" من وجهة النظر الدينية.

لم يحتمل الشيخ هذا الموقف الذي وضعه نظام القذافي فيه، فمرت به ساعات عصيبة، أصيب أثرها بنوبة قلبية اسلم بعدها روحه الى بارئها(8).

وتواصل "صوت ليبيا" حديثها عن الشيخ، قائلة :

وقد اصيب رفاق الشيخ وعارفو قدره، بصدمة كبيرة لرحيله المفاجيء، وطفحت نفوس الجميع بالحزن العميق لوفاة العالم الجليل والمربي الفاضل الذي قدم لبلاده، الكثير وعانى من اجلها الكثير، على ايدي جلادي القذافي وسفاحيه.

وكان داخل السجن، ورغم فنون التعذيب والقهر والاذلال، ورغم تقدم سنه، رجلا ثابت الجنان، رابط الجأش، عظيم الشجاعة، الامر الذي كان يرفع من معنويات اخوانه المناضلين، ويزيد من صلابتهم في وجه الجلادين، ويقدم أروع الامثال على الصبر والثبات، في ساحة النضال الشجاع ضد نظام القمع والهمجية (8).

وجاء في مقال نشرته "مجلة الانقاذ" بعنوان "شخصية العدد.. فضيلة الشيخ على يحي معمر" :

انه (رحمه الله) كان شعلة من الحركة والحماس، فكان يُدرس بالمساجد ويخطب بها، وكان دارسا وباحثا ومؤلفا.

رقي في اوائل الستينات، الى درجة مفتش، ثم مديرا لمعهد "جادو" للمعلمين، ولما عرف عليه المثابرة والجد والاخلاص والوفاء، عين مفتشا للغة العربية في المحافظات الغربية، ثم نائبا لمديرالتعليم في الفترة ما بين عامي 76-1969م.

وبعد الانقلاب المشؤم، نُقل (رحمه الله) الى قسم التخطيط والمتابعة بوزارة التربية والتعليم في طرابلس. فكان مصلحا ومجددا وداعيا الى العودة الى روح الاسلام الحقيقية، سواء في نقاشه لمناهج التربية والتعليم، او من خلال دروسه التي كان يلقيها بمسجد "الفتح" بطرابلس(9).

ولا غرابة في ان يصطدم شيخنا مع عصابة الانقلاب في اول ايامها، فتعتقله في 1973م، ليمضي قرابة العام في سجون القذافي، متعرضا خلالها لكل انواع التعذيب والهوان.. وخرج بعدها ليزيد اصراره على مبادئه التي دعى اليها.. والتي غرسها قيمة ومعنى وروحا في اولاده السبعة.. ودفع حياته ثمنا لها.. وليحمل الراية من بعده خيرة ابنائه وابناء شعبه الليبي، الذين ارتوت بدمائهم أرض ليبيا الغالية(9).

وكرد فعل حاقد من القذافي.. فقد داهم زبانيته بيت الشيخ في "نالوت" وهدموه.. ولم يقتصر حقدهم.. وغضبهم على ذلك.. بل امتد الى بيت من بيوت الله.. غلا وانتقاما.. حيث تعرض مسجد "الفتح" في طرابلس للتدمير.. وهو المسجد الذي دعا الشيخ "علي يحي معمر" لبنائه وساهم بالتدريس فيه(9).

ونجد في مقدمة كتاب "دراسات عن الاباضية"، تعريفا بمؤلف الكتاب (الدكتورعمرو خليفة النامي)، يمكننا من خلاله ان نلمس شيء من خصائص وجهود ومميزات ودور شيخنا الوقور، فقد ورد في هذا التعريف:

ان نالوت كانت تتحدث عن حركة اصلاحية ونهضة اسلامية واعية يترأسها، ويدعو اليها احد ابناء نالوت الشيخ "على يحي معمر"، وسرعان ما ارتسمت صورة الشيخ "علي يحي" المهيبة، في ذاكرة الطفل (عمرو خليفة النامي) (10).

وكان الفتى اليافع "عمرو خليفة النامي"، يختلف الى مجلس الشيخ "علي يحي معمر"، ويسمع منه فصولا من تاريخ الفاتحين الاوائل، والمجاهدين البواسل، الذين رفعوا لواء الاسلام عاليا في هذه الربوع، ويحرك في ضميره ذكريات الرجال العظام من اسلافه الامجاد، الذين تشهد كل ذرة رمل في الجبل على منافحتهم عن الاسلام، سواء في العهدين "الاموي" ام "العباسي" ام في العصر الحديث، ضد الاستعمار "الايطالي" و"الحكم العثماني" (10).

وقضى "الشيخ علي يحي معمر"، حوالي عشر سنوات ينهل من معين معهد "الشباب" (ربما يكون هو نفسه معهد الحياة) على يد شيخ الحركة الاصلاحية الامام الشيخ "ابراهيم بيوض".

عاد بعدها متحمسا للنهضة والاصلاح، وبعث ما اذبلته الايام من نضارة الامجاد السالفة، وكان لابد ان ان يتأثر الشاب الذكي "عمرو خليفة النامي" بكل ما يجري حوله ويدور(10).

وجاء في موقع اخر من نفس المقدمة :

انه برز، في اوائل الستينات، الى عالم الفكر الاسلامي، كاتبان اباضيان، احدهما هو الشيخ "علي يحي معمر" الليبي النفوسي، والذي يعد، بمؤلفاته القيمة، من اهم الدعاة الاسلاميين الداعين الى وحدة المسلمين في هذه العقود الاخيرة (10).

وكان كتابه الرائد في منهجه وفحواه "الاباضية بين الفرق الاسلامية"، يصب في قناة التوحيد بين المسلمين، وجمع كلمتهم، وقد هداه فكره النير وذهنه الاسلامي الثاقب، الى وضع نظرية يعلي عليها المسلمون المعاصرون بناء وحدتهم، وعبد طريقا يسلكونه الى جمع كلمتهم، ولم شملهم، وقد لخص هذه النظرية في المباديء الثلاثة: المعرفة، التعارف، الاعتراف (10).

ويضيف الدكتور "محمد صالح ناصر" في مقال له بعنوان "الشيخ علي يحي معمر.. مؤرخ.. أديب.. وداعية":

عرفته الأندية الأدبية في "القرارة" بقصائده الشعرية، وأناشيده الرائعة الخالدة، وميوله الأدبية الواعدة، وشارك بفعالية في جمعياتها الثقافية، وجلساتها الفكرية(11).. وكان من حسن حظ الشيخ، أن يعيش الفترة التي فرضت فيها الإقامة الجبرية على الشيخ "بيوض" من قبل الاستعمار الفرنسي (1940-1943م)، وكانت الحرب العالمية الثانية سببا في أن يبقى الطالب الشيخ إلى جانب أستاذه ينهل من معارفه ويستفيد من تجاربه(11).

ونظرا لمواهبه الفذة وقدراته المتنوعة، ولا سيما في ميداني الشريعة والأدب، أسند إليه الشيخ "بيوض" تدريس بعض المواد في معهد "الشباب"، حيث بقي سبع سنوات، كانت من أحفل سنوات عمره استفادة وعطاء.. كما اشتهر بأسلوبه المتميز بالنسبة لمنهجه الاسلامي في كتابة التاريخ.. فقد جمع اسلوبه بين الإثارة والبساطة، وبين مخاطبة العقول والقلوب بطريقة جذابة ساحرة.

ويواصل الدكتور " محمد صالح ناصر" حديثه قائلا:

وهو من ألمع الكتاب الإسلاميين في العصر الحديث، دعوة إلى الوحدة الإسلامية، بما وهبه الله من عقل نير، وبصيرة نافذة، وقلب مؤمن يسع المؤمنين جميعا.. كما ان اليد البيضاء التي قدمها الشيخ علي معمر، لن يستطيع تقديرها، إلا من اطلع على الجهد العظيم الذي بذله في مؤلفاته للتقريب بين وجهات نظر المسلمين(11).

ويقول الدكتور "محمد موسى":

جمع الأستاذ "علي يحي معمر" إلى تواضعه وغزارة علمه، صفات عديدة، ولعل أبرزها بعد النظر وسعة الأفق، فنجده في جميع أعماله، يدعو إلى وحدة صف المسلمين، ونبذ الخلافات الجزئية(12).

وقيل عن كتاب "الإباضية بين الفرق الإسلامية":

انه محاولة جادة لوضع المذهب الإباضي في مكانه الحقيقي من الأمة الإسلامية، ومحاولة من المؤلف لتصحيح بعض الأخطاء التي توارثتها الأجيال عن المذهب الإباضي، فجعلته في قفص الاتهام.

إذ يتتبع المؤلف كتاب المقالات، من القدماء والمعاصرين والمستشرقين، ثم يبين حقيقة فرق الإباضية، وآرائهم الفقهية، ومسائلهم العقدية، ومواقفهم السياسية، محاولا رأب الصدع في بناء الأمة الإسلامية، بوضع لبنة التقارب بين المذاهب(13).

اما موقع "ليبيا المنارة" فقد نظم ندوة، بعنوان الشيخ "علي يحي معمر.. سيرته وعطاؤه الفكري والتربوي والاباضي في ميزان النقد والتحليل".

وذلك بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين على رحيل الشيخ. وقد جاءت صيغة الدعوة الى هذه الندوة، كالتالي:

رحل الشيخ عنا، وهو في الواحدة والستين من عمره، ملأها علما ومعرفة، وبحثا وتنقيبا، وفكراً وتربية وتعليما، وجاهد خلالها بقلمه ومداد حبره، من اجل وطنه الحبيب ليبيا، وضحى بنفسه وأبنائه وأسرته، من أجل كرامة وعزة شعبه، وتمنى الشهادة في سبيله، فساقها الله عز وجل، لثلاثة من أبنائه الأسود "محمد" و"خالد" و"يحي".

وتواصل " ليبيا المنارة" قائلة في نفس الدعوة :

ان الشيخ "علي يحي معمر"، هو الشيخ الذي يهمس الناس بذكراه في ليبيا، كلما هب نسيم ترحاله، وتعتقل كتبه، ويسجن مقتنيها، وهو الشيخ الذي بكته الكتب والقراطيس والأقلام والمنابر والفقه والكلم، وهو الشيخ الذي ترك لنا موروثا دينيا وفكريا ومذهبيا وحركيا، يستحق منا اليوم أن نقف على ضفاف نهره نعيد القراءة فيه من جديد (14).

ذلك بعض ما قيل في الشيخ وبعض ما قيل عنه، ولعل الوقت قد حان لنطلع على بعض اقواله، فقد نجد فيها ما يبرر جرائم النظام.

فيقول الشيخ متحدثا عن المذهبية :

إن المذهبية في الأمة الإسلامية لا تتحطم بالقوة، ولا تتحطم بالحجة، ولا تتحطم بالقانون، فإن هذه الوسائل لا تزيدها إلا شدة في التعصب وقوة في رد الفعل، وإنما تتحطم المذهبية بالمعرفة، والتعارف والاعتراف، فبالمعرفة يفهم كل واحد ما يتمسك به الآخرون، ولماذا يتمسكون به، وبالتعارف يشتركون في السلوك والأداء الجماعي للعبادات، وبالاعتراف يتقبل كل واحد منهم، مسلك الآخر برضى، ويعطيه مثل الحق الذي يعطيه لنفسه (15).

ويقول عن التاريخ:

أما الصورة الأخرى التي يكون فيها تاريخ الدولة هو تاريخ الأمة، فذلك عندما تكون الأداة الحاكمة خاضعة لقانون الأمة وشوراها، فلا تصدر إلا عن رأيها، ولا تمتاز بشيء عن أي فرد منها، وفي الفتوح الإسلامية، زمن الخلافة الرشيدة أمثلة واضحة لذلك. إن تاريخ الدولة في ذلك الحين، هو نفسه تاريخ الأمة، وذلك لأن ما يصدر عن الدولة هو ما يصدر عن الأمة، راضية به راغبة فيه(15).

ويقول عن مفهوم "الوطن".. في مقال له بعنوان "الوطن الاسلامي" :

إنني أعتبر الأرض الإسلامية وطناً واحداً بحدوده الشاسعة، وعندما أضطر إلى تتبع التقسيمات السياسية الموجودة الآن، أحس بالمرارة والألم، ولقد كان تاريخ الأمة الإسلامية في عصوره المختلفة، مرتبط الحوادث، متحد المشاعر، متوافق العواطف، مشتبك المصالح، متصل الأجزاء.

ورغم ما اصطنعته السياسة من حدود.. تشعر أنك تعيش في أمة واحدة ربطت بينها العقيدة، التي وجهت قلوب أفرادها جميعاً إلى الإيمان بالله، ومحبة الأخوان في الدين، وتجد التاريخ الحقيقي لهذه الأمة التي تنبسط على أكثر قارات العالم، في وحدة الشعور والعاطفة والعقيدة والأمل، وفي طريقة التفكير والكفاح والعمل، وفي الاتجاه الذي يتجه إليه الأفراد والجماعات، وفي عدم اعتراف هذه الأمة بالحدود التي تفصلها عن بعضها (15).

ويقول عن "الحاكم" في كتابه "آلهة من حلوى" :

وعندما يعرف الحاكم أنه عبد الله وليس إلهاً، وإنه يستوي في تلك العبودية مع أي فرد من أفراد شعبه، وأنه مخلوق من لحم ودم وليس من حلوى، وأنه ينبغي أن يتبع منهجا واضحاً وضعه عالم الغيب والشهادة، وأنه ليس مبتدعاً ولا خلاقاً ولا مبتكراً ولا آتياً بالمعجزات، وإنما هو منفذ فقط، وأن ما ينسبه الناس إليه من ذلك، إنما هم يكذبون فيه، ويعرفون أنهم يكذبون، كما يعرف هو نفسه، أنهم يكذبون(15).

ويقول عن "الحرية" في فصل "المعركة المفتعلة" من نفس الكتاب :

لا شك ان الله عندما خلق الإنسان، أنعم عليه بالحرية، في جملة النعم الكثيرة التي أغدقها عليه، ولكن تلك الحرية التي أنعم الله بها على الإنسان - ذكراً كان أو أنثى - إنما كان مراعى فيها - بطبيعة الحال- حدوداً معينة لا يصح تجاوزها، فليس من حق الإنسان أن يدَّعي باسم الحرية مطلقية التصرف، ليس من حريته أن ينكر النعم التي أسبغت عليه، ويتوجه بالشكر إلى من لم يقدمها له، وليس من حريته أن يقدم طاعته لمن لا يستحق منه الطاعة، وليس من حريته أن يعبث فيما يقتضيه نظام الحياة، وناموس الكون، وسبب العمران، وليس من حريته أن يطيع الشيطان، أو يعبد الأوثان، أو يزهق الأرواح، حتى روح نفسه(15).

وهكذا.. يمكننا بعد هذه الرحلة ان نستعرض قائمة الجرائم التي قام بها الشيخ "علي يحي معمر":

فالشيخ استاذا وصديقا ومقربا للدكتور "عمرو خليفة النامي"، العملاق الحاضر دوما، والشيخ هو والد الشهيد "محمد" الذي هرب من سجون النظام، ثم قارعه في عقر داره، وهو والد لاثنين من الشهداء، قدموا انفسهم فداء للاسلام والوطن.

والشيخ مارس مهنة التدريس، وحرر واسس المجلات، وانشأ المدارس والمعاهد والجمعيات، وكتب الرسائل والمسرحيات والمقالات، واعد البحوث، والف الكتب، ونظم القصائد، والدروس والحلقات.

فشيخنا الوقور.. دارسا وباحثا ومؤلفا.. ومعلما ومديرا ومفتشا.. ومصلحا وداعيا ومجددا.. وعلما في الفقه.. واديبا وشاعرا وموجها. وهو رجل.. بعيد النظر.. واسع الافق.. ذو اسلوب سهل متميز بديع.

لكن اكبر جرائم الشيخ تتمثل في حبه لامته الاسلامية، فهو من احد رواد الدعوة الى وحدة المسلمين، ونبذ الفرقة، والخلاف بينهم.

من اجل ذلك.. استحق الشيخ غضب الثورة والثوار، واستحق ان يسجن مع ابنه في نفس الزنزانة، امعانا في الاذلال والاهانة.. واستحق ان يُقتحم بيته.. ثم يهدم فيما بعد.. وان يحلق شعر رأسه.. ولحيته.. وان يضيق عليه.. وان تحرق كذلك مكتبته.

فنظامنا.. وما ادراك ما نظامنا.. عدو الابداع والمبدعين.. وعدو لمن يحمل فكرة او رأيا او طموحا.. نظامنا يخاف.. ممن يحبه الناس.. وممن يستمع اليه الناس.. وممن يحبون الخير للناس.. يخاف ممن يقول كلمة الحق.. يخاف من الذين يحبون الاسلام والامة والوطن.. يخاف من الحرية.. وممن يدعون اليها.. يخاف من المجدين.. المثابرين.. الجادين.. يخاف ممن لا يخشون في الله.. لومة لائم.. نظامنا.. وباختصار.. شديد.. عدو للبشر.

لذلك كان رجل في مكانة ومقدرة وكفاءة واخلاص وجد ومثابرة وطموح الشيخ "علي يحي معمر"، ضحية لهذا النظام العبثي الفوضوي الجبان.

اما الشيخ "علي يحي معمر"، فقد ترك فكرا.. وعلما.. وتراثا.. ثم.. زين كل ذلك بدماء.. شهداء ثلاثة.. الواحد منهم.. بامة.. فبارك الله لك جهودك.. وجزاك الله.. عنا.. وعن الاسلام.. والامة.. والوطن.. كل خير.. فقد بلغت.. واعطيت.. وابدعت.. ووفيت.. وقدرك ومكانتك وعلمك.. في النفوس والقلوب.. وإنا لله وإنا اليه راجعون.. ولن يرضى وطن.. انت احد رجاله.. ان يُستعبد.. او يرزخ.. او يستكين.. لطغاة الارض جميعا . والله ولي التوفيق.

المصدر

وأيضا

1. الشهيد محمد علي يحي/الانقاذ/ العدد 45 (عدد خاص عن الشهيد محمد علي يحي معمر) / يناير 1995م / ص 3.

2. تعزية.. هنيئا لكم آل يحي / فتحي الفاضلي (نشرت باسم اسرة التحرير) / المسلم / العدد 29 / رجب 1415هـ - ديسمبر 1994م / ص 20.

3. الشهيد محمد علي يحي /الانقاذ/ العدد 45 (عدد خاص عن الشهيد محمد علي يحي معمر) / يناير 1995م / ص 3

4. الشيخ علي يحي معمر.. مؤرخ.. اديب.. وداعية/محمد صالح نصر/ موقع الاستقامة/ .www.istiqama.net

5. ملفات خاصة.. علي يحي معمر/عن موقع "المعرفة"/السبت 23/10/1426هـ - الموافق 26/ 11/ 2005م.

6. العقاد وجملة من كبار علماء مصر يتبنون عقيدة أهل الحق والاستقامة/علي الالفي/ موقع سبلة عمان/ السبلة الدينية.

7. علي يحي معمر/ الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).

8. العالم الجليل.. فضيلة الشيخ علي معمر في ذمة الله / صوت ليبيا / ص33.

9. شخصية العدد.. فضيلة الشيخ علي يحي معمر/ الانقاذ / العدد التاسع / رمضان 1404هـ- يونية 1984م/ ص 27.

10. دراسات عن الاباضية/ د. عمرو خليفة النامي/ الطبعة الاولى 2001/ دار الغرب الإسلامي/ بيروت - لبنان/ ص 6-10.

11. الشيخ علي يحي معمر.. مؤرخ.. اديب. وداعية/محمد صالح نصر/موقع الاستقامة /.www.istiqama.net

12. علي يحي معمر في سطور/ د. محمد موسى بابا عمي/ موقع الاستقامة/ www.istiqama.net

13. عن موقع شبكة اهل الحق والاستقامة.. www.ibadhiyah.net

14. ندوة بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين على رحيل الشيخ علي يحى معمر، تحت عنوان "علي يحي معمر: سيرته وعطاؤه الفكري والتربوي والاباضي في ميزان النقد والتحليل" / موقع المنارة/ يناير 2004.

15. فصول من كتب الشيخ علي يحي معمر/ www.istiqama.net

16. شيء من اعمال ومؤلفات الشيخ "علي يحي معمر": الكتب: في موكب التاريخ، الاباضية بين الفرق الاسلامية، سمر اسرة مسلمة، الميثاق الغليظ، الفتاة الليبية ومشاكل الحياة، الاقانيم الثلاثة، الاسلام والقيم الانسانية، فلسطين بين المهاجرين والانصار.

الرسائل: اجوبة وفتاوي، صلاة الجمعة، احكام السفر في الاسلام، مسلم ولكنه يحلق ويدخن، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحقوق في الاموال.

البحوث: مناقشة للشيخ خليل المزوغي، بحث حول أجوبة يعقوب يوسف بن خلفون.

المقالات: الحزم في التربية، الطفل في القرآن الكريم، حاكم مصر والحكم الذاتي، الاستسلام ليس من خلق الاسلام.

التعاليق: تعليق على كتاب الصوم لابي زكريا الجناوني، تعليق على كتاب الزكاة لابي زكريا الجناوني، مقدمة لكتاب "سير مشايخ نفوسة"، الذي حققه د. عمرو خليفة الناميي.

المسرحيات: مسرحية "ذي قار"وهي مسرحية سياسية، ومسرحية "محسن".

ويمكن الاطلاع على هذه الكتب في عدة مواقع منها، على سبيل المثال، موقع اهل الحق والاستقامة www.istiqama.net

ألبوم الصور

ألبوم صور: الشيخ علي بن يحيى معمر
 

الشيخ علي يحي معمر

الشيخ-علي-يحي-معمر-الثاني-شمال-الصورة

الشيخ علي يحي معمر

الشيخ-علي-يحي-معمر-بنظارته

الشيخ علي يحي معمر

الشيخ-علي-يحي-معمر-في-اليبيا

الشيخ علي يحي معمر

الشيخ-علي-يحي-معمر-في-عهد-الملك-السنوسي

الشيخ علي يحي معمر

الشيخ-علي-يحي-معمر-وسط-الليبيين

الشيخ علي يحي معمر

الشيخ-علي-يحي-معمر-وسط-طبيب

الشيخ علي يحي معمر

الشيخ-عمرو-النامي-وناصر-المرموري-وعلى-يحي-معمر