الشيخ فتحي الخولي معلم الجيل.. وداعًا ..

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ فتحي الخولي معلم الجيل.. وداعًا ..
فتحى.jpg

د. توفيق الواعي

وداعًا يا أعزَّ الأحبة، وأغلى الرجال، وشيخ الدعاة، وحكيم المربِّين..

وداعًا يا شيخ الإخوان ، وأكرم المجاهدين، وأصدق العاملين، ورائد المحجَّلين..

مجاهدون وفي العلياء تعرفنا متوَّجون بنصر الله والدين

الله أكبر في البأساء نعلنها كي يزدهي النصر في شتَّى الميادين

عشتَ أيها الحبيب في جهاد شديد، وكرب مديد، وظللت مكافحًا في سبيل الله، لا تلين لك قناةٌ في شبابك أو كهولتك، في فراغك أو شغلك، ومررت بفتراتٍ صعبةٍ وحقبٍ مظلمةٍ، إذا أخرج الإنسان فيها يده لم يكد يراها، واستمرت هذه الفترة أكثر من نصف قرن، تخللها بعض النفحات الإلهية التي تصاحب المجاهد من حين إلى حين.

ذهب الشيخ إلى ليبيا معلمًا في مدارسها في سنة 54، وكان عبد الناصر قد توحَّش وتفرعن على إخوان مصر، بالتعذيب والسجن والتشريد والقتل، وقمت أنت خطيبًا في ليبيا لتعلن عما يقع لإخوانك من عذاب وتنكيل، فقامت قيامة عبد الناصر فرعون مصر ، كيف يجرؤ أحد- ولو في أقصى المعمورة- على الإفصاح عن ذلك!! وكان العقاب دفعات من الهول تبدأ بتسفيرهم في صناديق إلى مصر لينالوا جزاءهم وهو (الموت بالتعذيب عند الوصول)!.

ولما أعلن عن تسفيري من ليبيا إلى مصر ، رفضت السلطات الليبية، وكان ذلك زمن الحكم السنوسي، واتفق على تسفيري آخر العام الذي بقي عليه حوالي خمسة عشر يومًا، ولما حان وقت السفر، هربني بعض إخواني خارج ليبيا عن طريق البحر إلى ميلانو، ثم طوردت في ميلانو، فذهبت إلى سوريا وفي سوريا طوردت إلى لبنان ، ثم من لبنان إلى قطر ، ثم السعودية في فترات كلها ترقُّب ومطاردة وصراع بين المخابرات، وهل كان يفعل ذلك مع "إسرائيل" أو مع أعداء الأمة؟! ولكنه يطارد من يقول لا إله إلا الله، ويتكلم عن الظلم والبغي الذي أضاع صفوة الأمة.

قد كان مضطلعًا بالخطب يحمله فضيقت بخطوب الدهر أضلعه

يكفيه من لوعة التشتيت أن له من النوى كل يوم ما يروعه

ما آب من سفر إلا وأزعجه عزم إلى سفر بالرغم يزمعه

كأنما هو في حل ومرتحل موكل بقضاء لله يذرعه

كان الرجل يتحمَّل بصبر وثبات تلك الصعاب في سبيل الله بغير جناية جناها ولا أخطاء ارتكبها:


يخوض إلى المجد والمكرمات بحار الخطوب وأهوالها

وإن ذكرت للعلا غاية ترقَّى إليها وأهوى لها

والغريب أن هذا الرجل وإخوانه من الدعاة الصابرين الصامدين لم يتذمَّروا من فعل هؤلاء الظلمة الباغين، وعاشوا دهرًا طويلاً في هذا الضيق والعذاب الأليم، في حين قد ارتمت أقذامٌ كثيرًا فوق الغثاء المهين، واستناموا للذل والتدجين، ولكن هؤلاء الدعاة الصادقين عرفوا من أول يوم أن مهور الرجولة غالية، وأثمان المجد مرتفعة، وطريق الكفاح باهظ التكاليف:

دربت للمجد والساعون قد بلغوا جهد النفوس وألقوا دونه الأُزُرا

فكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرهم وعانق المجد من أوفى ومن صبرا

لا تحسب المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تبلغ الصبرا

وإذا أراد الإنسان الكشف عن نفس الشيخ الكبيرة العظيمة فإنه تأخذه الدهشة، لعظم هذه الشخصية الفذة التي بعد هذا العناء تتبرَّع بكل ما تملك لبلده في مصر بمشاريع عظيمة وكبيرة، ولكنه لم يرغب أن يتحدث يومًا عما قدمه لهذا الوطن.. ابتغاءَ أن يكون عمله خالصًا لوجه الله وحده.

إلا أن قرار النظام المصري الفاسد بإحالته إلى المحاكمة العسكرية أجبرنا على نشر هذا التقرير حول.. المشاريع الخيرية لفضيلة الشيخ.

وهذا بيان ببعض المشاريع الخيرية ببرشوم الكبرى مركز طوخ- قليوبية، المنفذة بمعرفة الشيخ فتحي الخولي (87 عامًا) ابتغاء وجه الله تعالى، والتي يتمُّ تنفيذها على نفقته بهدوء منذ سنوات للآن، ومنذ هاجر إلى السعودية قبل أكثر من خمسين عامًا، وهي إجمالاً:

- مدينة علمية تضم 6 معاهد علمية ونموذجية (مستوى رفيع).

- وحدة صحية كبيرة تبرع بأرضها للمحافظة.

- محطة تحلية وتنقية مياه لخدمة المنطقة تبرع بأرضها للمحافظة.

- محطة فرز وتصدير موالح.

- مشروع قومي.

- التبرع رسميًّا بجميع أملاكه وعقاراته وكل ماله بمصر لله هبةً بدون عوض.

وبعد.. فهذا الجهد المبارك والمشكور بعد هذا كله لم يجد تقديرًا، ولم يمنع اضطهادًا أو مطاردةً، وكأني بقول القائل:

غزلت لهم غزلاً رقيقًا فلم أجد لغزلي نساجًا فكسرتُ مغزلي

ولكن الله عوَّض الشيخ في الدنيا قبل الآخرة، ففتح الله عليه فتوح العارفين في العلم، وفتح عليه في اليسار والمال حتى كان من أغنياء إخوانه، وفتح الله عليه في القبول والتكريم فكرَّمته السعودية وأعطته جنسيتها، وكرَّمته وأعطته درع التعليم، وسلَّمه له أمير مكة المكرمة، وهو الآن ينتظره تكريم الله سبحانه وتعالى في أخراه حين استكمل جهاده وودعنا تاركًا فراغًا كبيرًا..

نسأل الله أن يعوِّض المسلمين عنه خيرًا.

وألقت عصاها واستقرَّ بها النوى كما قرَّ عينًا بالإياب المسافر

وأخيرًا.. سلام عليك في جهادك، وسلام عليك في عطائك، وسلام عليك يوم يبعث من في القبور.. و﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (البقرة: من الآية 156).

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى