الصفات القيادية عند الإمام الشهيد أحمد ياسين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الصفات القيادية عند الإمام الشهيد أحمد ياسين

بقلم: د. محمد المدهون

يس غريباً أن يضفي الله من الهيبة على رجل مقعد ما يرفع مكانته بين الخلق، ويدفع الشباب أن يلتفوا حوله، ويجعل المحتلين والمتخاذلين معاً يحسبون له ألف حساب، ولو كان رهين المحبسين في العصر الحديث إعاقته الجسدية الدائمة، وزنزانته الموصدة لفترات طويلة من سني قيادته، أو الإقامة الجبرية التي فرضت عليه مرات عدة ولو على امتداد ساحة السجن الكبير (فلسطين السلبية) ..

وليس غريباً أن تتابعه عدسات وكالات الأنباء العالمية إذا همس بكلمة أو أومأ بإشارة لأنه صاحب الرأي الحصيف والقرار النافذ والكلمة المسموعة.

(الإمام الشهيد) عرف بين إخوانه بالتخطيط ولم يعرف بالصخب، وعرف ببعد النظر دون الالتفات للتهريج أو اللغط والخصومة وعرف بالتواضع في مركزه القيادي المرموق، ولم يعرف بالاستعلاء.

وعرفه إخوانه بصدق التوجه إلى الله وغرس البذور في حقل الله المثمر الذي تنبت السنبلـــة فيه سبع سنابل أكثر من التبجح ووضع البذور في حقول الخلق المعرضة للبوار، ومن هنا ظل الرجل شامخاً لا يطأطئ رأسه، راسخاً لا يتزعزع مثل رواسي الجبال.

لقد كان من ملامح السلوك القيادي للإمام الياسين الكثير ومنها

إرساء المنهج

الشهيد الياسين منذ أن بدأ تحركه الى آخر يوم من أيام حياته كان ينطلق من فهمه أنّ الإسلام هو الرسالة التي ينبغي أن تسود الحياة.

هذه المنطلقات كانت الأسس التي اقام عليها الإمام الياسين معالم نظريته في التحرك، وهو ما مارسه منذ الستينيات، كما بيّنه في خطبه وتوجيهاته.

أساسيات الانطلاق، أو لنقل إن أساسيات نظرية العمل السياسي عند الإمام الشهيد الياسين رحمه الله كانت واضحة منذ البداية. فمنذ شبابه كانت المنطلقات واضحة لديه، وكانت تلك المنطلقات هي الأسس الصلبة التي أقام عليها تصوراته للسياسة والمسيرة والعمل الإسلامي.

ولاشك ان هذا النداء الصادر من أعماق النفس، هو ألصق النداءات بالإنسان وأبلغها أثراً في نفسه، وإنّ الوصول الى الحق عن هذا الطريق لهو أيسر الطرق وأسهلها. لذا فقد كان الاعتراف بالإسلام وبعقائده سهلاً يسيراً وموافقاً للبداهة والفطرة، وللبرهان العقلي الصحيح.

والنظام الإسلامي هو النظام الأمثل الخالد، لأنه أحسن النظم البشرية وأصلحها للتطبيق. ودليل ذلك أننا نرى أنّ الفكر الحديث لم يسبق الإسلام بنظرية صحيحة صالحة للبقاء.. وبخاصة في مجالات التقنين والتشريع.

وإنطلاقاً من أنّ الإسلام سنّ مبدأ التكافل الاجتماعي وحثّ على معونة الفقراء وعتق الأرقاء. وحارب الاحتكار وتضخم الثروة. في زمان لم يكن يفكر بشيء من ذلك أحد إنطلق الإمام ليؤسس المؤسسات الخيرية التي ما تزال أياديها بيضاء وجهدها الأبرز في خدمة المجتمع الفلسطيني ودعمه بأسباب البقاء والمقاومة.

والمنهج التربوي في الإسلام، منهج واسع وعميق. يتكفل الفرد بالعناية والرعاية، منذ ولادته، ويسير معه في جميع أعماله وأقواله إلى آخر لحظة من حياته.

ومن هنا اهتم الإمام بإرساء قواعد العمل التربوي عبر المساجد ومؤسسات تعليمية وتربوية رائدة مثل الجامعة الإسلامية ومدارس الأرقم وغيرها.

بل إنه قد لاحظ بثاقب نظره أن التربية من خلال الحياة غير كافية لأن تُنشئ فرداً صالحاً بمعنى الكلمة، وكما يريده الإسلام أن يكون، لذا نراه قد التفت الى الوالدين فأمرهما بإصلاح أنفسهما وتهذيب سلوكهما لكي لا يرضعا ولدهما الصفات الخبيثة والأخلاق الدنيئة، بل ليربيا جيلاً صالحاً يسعى في خير مجتمعه وأمته، يسطع في ربوعه ضوء الإسلام وتصعد البشرية بجهوده في سلالم الكمال.

الوعي والحكمة

لقد قام الشهيد الإمام الياسين أحسن قيام بأداء دور القائد في فلسطين الجريحة، فالتفّت الملايين من الناس حوله وآمنت بخطه واتبعت نهجه، واستشهد هو تطبيقاً لمبادئه، وجماهيره ماتزال تواصل طريقه في فلسطين الشهادة. وآمنت به الطلائع الواعية من ذوي البصائر وأصحاب العقيدة الإسلامية الراسخة، ولا عجب في ذلك، فقد كان عهدهم بهذا المعلم الشهيد بعيداً فلطالما تثقفوا في مدرسته وتدارسوا روائعه وتعلّموا منهج الإسلام العظيم على يديه. لقد كان الإمام الياسين واعياً لما يقوم به، وذكياً في تصرفاته ومواقفه، وحكيماً بعيداً عن الانفعال أو التأثر بعناصر غير لصيقة بمشروعه الإسلامي. وكان الشهيد الإمام الياسين شجاعاً بطلاً غير متردد وغير هيّاب من الأعداء.

وكان يخفي ما يريد إخفاءه كما كان يظهر ما يريد إظهاره بإقدام وشجاعة فائقة حتى لو كلفه ذلك حياته.

كان يبذل كل جهده ووقته وكيانه من أجل الإنسان المسلم بصورة عامة والإنسان الفلسطيني بصورة خاصة. لذلك أحبه الناس بعقولهم وقلوبهم وكل جوارحهم.

الإرادة

لقد أدركت الصهيونية العالمية وأميركا وعملاؤها خطورة مشروع الإمام أحمد الياسين التغييري فكان قرار تصفيته.

لقد كانت معركة الإمام الياسين مع الإحتلال في فلسطين ومن خلفه الصهيونية العالمية والقوى الاستعمارية معركة بقاء أو موت. والشعب الفلسطيني من أعرق شعوب الأرض وأكثرها مواصلة لمسيرة الكفاح، لذلك فالإمام الياسين «رحمه الله» مستمر في قيادته كما هو شأن كل القيادات التاريخية للشعب الفلسطيني وهي في حقيقتها معركة المنهج ونظرية العمل السياسي والاجتماعي من أجل خدمة الإنسان وإقامة المعطل من شرع اللّه.

وعلى كل حال، فالمعركة عميقة في جانبيها النظري والتطبيقي، ومن هنا فإنّ من أهم معالم إدامة الصراع مع الظلم هو استخلاص نظريه في العمل الإسلامي بأشكاله المتنوعة الثقافي والاجتماعي والسياسي والعسكري.

خطيب مفوه

والخطابة واحدة من المفردات المهمة في نظرية العمل الدعوي عند الإمام الياسين في جانبها العملي هي إصلاح المنبر وتفعيله كمؤسسة تأثير وترشيد بين صفوف الأمة. فالخطيب يمكنه أن يتحرك على ساحات واسعة تتوسط مختلف قطاعات الأمة.

فإذا أصلح طرح الخطيب وفق منظور ناضج فإن الناتج هو أمة من الإسلاميين الواعين المؤمنين الذين يحملون الفكر النقي والتوجه السليم. ومن هنا اهتم الإمام الياسين في أن يكون خطيباً وأن يعد الخطباء.

إستغلال الفرص

كان الإمام الشهيد يتحرك بقدر الإمكان مع وجود الفرص السانحة، آخذاً بنظر الاعتبار الضغوط التي تمارس ضده للتقليل من نشاطه وإصلاحه وتأثير ذلك على الاحتياجات الكبرى للمجتمع.

وكانت دائرة التحرك تتسع لتشمل قطاعات أوسع من المجتمع متناسبة مع درجة ارتفاع الحاجة.

المعادلة كما يراها الإمام الياسين هي ان نشاط الدعوة يتناسب كثرة أو قلة مع همة القائمين عليها. ومن هنا فإن موقف القيادات العاملة والعناصر المجاهدة كانت تتأثر بدورها بهذه المعادلة.

فكانت حركتها تتصاعد عند تصاعد حركة القيادة.

مجاهد الصف الأول

وأمّا الجهاد فقد (فضّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً) وأعطى المجاهد درجة من الكمال والفضيلة لا يستحقها القاعد المتخاذل المتواكل المسوف لأعماله والمتباطئ عن تعاليم دينه القويم. والجهاد هو التفاني بجد وإخلاص في إنجاز العمل الذي أوكله الإسلام الى الفرد ليقوم به، فهو باب واسع من الأعمال تنتظم جميع الفعاليات الإسلامية الخيرة وليس مختصاً بحمل السلاح في سبيل الدفاع عن الإسلام كما قد يبدو لأول وهلة.

فالجهاد يشمل كل من وجد ضعيفاً ينوء بثقل الزمان فأسبغ عليه شيئاً من الرحمة والإحسان، ومن وجد فقيراً ينام الليل ولم يدخل جوفه الطعام منذ أيام فأعطاه شيئاً يسد رمقه، ومن وجد يتيماً قد قذفته داره الى قارعة الطريق فآواه وأشبعه وألبسه وأحسن تربيته، ومن وجد أخاه المؤمن مضطراً الى امر من أمور الحياة وهو متمكن من إعانته، فأعانه على تحمل مشاق حياته، ومن شعر بأن الله الذي خلقه من بعد عدم وأنعم عليه من بعد فقر وأسعده من بعد بؤس أهل للعبادة والدعاء فتقرب اليه ودعاه وأخلص في عبادته، ومن عرف ان الله عز وجل قد أرشده الى خيره وصلاحه وفرض عليه بعض الواجبات فقام بها بأمانة وإخلاص.

وذروة سنام الإسلام الجهاد الذي خصه الرسول صلى الله عليه وسلم والذي مارسه الإمام الشهيد الياسين في مراحل حياته حتى ختم الله له بالشهادة (نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله). وهكذا كان الإمام الشهيد رحمه الله ما ترك باباً للجهاد إلا وطرقه.

وعلى صعيد العمل المسلح، فإن تصور الإمام الياسين للثورة من خلال فهمه لحركة القيادة والعناصر ومدى استعدادها وقد وجد من القيادة الملازمة والجند استعداداً مطلقاً للتضحية أثلج صدره وأيقن أن الثمن باهظ لكن الجميع مستعد لدفع الثمن بنفس راضية. والإمام الياسين كان يسعى إلى إثبات الحق لأصحابه وإيلام الباطل متجسداً بالإحتلال وهزيمته على كل الصعد مع المحافظة التامة على ديمومة الصراع وإبقاء جذوة الجهاد مستعرة وقد كان.

القيادة عنوان التضحية

من أهم معالم السلوك القيادي للشيخ الشهيد الياسين هو إيمانه بدور القيادة المركزي في النجاح في قيادة الأمة، وإيمانه بنظرية التضحية التي تجسدها القيادة أولاً لتمثل القدوة. وعلى صعيده الشخصي، فإنه قد مثل القدوة الحسنة في كل مراحل جهاده عايش المحن بكل ألوانها مع إخوانه وتلاميده.

إن طبيعة فهم الإمام الياسين لعمل وحركة القيادة من أهل السبق كانت مصدراً مهماً لبلورة نظريته في العمل الإسلامي، وقد انعكس ذلك على مجمل تحركه اللاحق.

قد لا يدرك أهمية هذا العمل العظيم من لم يعاصر أو يعايش تلك الظروف والأوضاع القاسية إلا ان الحاضر خير شاهد على أهمية ما قام به الإمام الشهيد وما بذله من جهود جبارة في التضحية والفداء وبذل النفس من أجل الأهداف بحيث احتلت حيزاً مهماً في شخصيته. ففي الوقت الذي يمارس الإمام أعلى درجات الحذر نراه ينظر لمسألة التضحية في سبيل الله وفي سبيل إقامة حكمه منطلقاً أساساً لبناء المستقبل الواعد.

التمحيص والإبتلاء

ومن هدا المنطلق فإن التمحيص والإبتلاء مرتكز آخر من المرتكزات النظرية في التحرك عند الإمام أحمد الياسين. فهو يعتقد أنّ الأمم لكي تتكامل في مسيرها ينبغي لها أن تمر بعملية تمحيص، وأن الأفراد سيمرون ضمن ذلك بعملية تمحيص.

ومن هنا، فإن ما تمرّ به الأمة الإسلامية الآن عموماً، وأبناء فلسطين خصوصاً، هو حسب فهم الياسين عملية تمحيص في أحد جوانبه. ومن هنا فالمعاناة على مرارتها تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بناء الأمة.

ويتم ذلك عن طريق ما يسمى بـ (قانون الترابط بين الأجيال)، فإنّ كل جيل سابق يوصل ما يحمله من مستوى فكري وثقافي الى الجيل الذي يليه. ويكون على الجيل الآخر أن يأخذ بهذا المستوى قدماً الى الأمام. ثم أنّه يعطي نتائجه الى الجيل الذي بعده وهكذا..

وكذلك الحال بالنسبة الى نتائج التمحيص، فإنّ كل جيل يوصل الى الجيل الذي يليه، ما يحمله من مستوى في الإيمان والإخلاص.. فيصبح الجيل الجديد، قد وصل الى نفس الدرجة تقريباً من التمحيص التي وصلها الجيل السابق. ثم أنّ الجيل الآخر بدوره سيمرّ بتجارب وسيقوم بأعمال معينة وسيصادف ظروف الظلم والإغراء، فيتقدم في سلّم التمحيص درجة أخرى، وهكذا.

وبقانون تلازم الأجيال، سيأتي على الأمة زمان، يكون الجيل الذي فيها، قد حقق التمحيص الإلهي فيه نتيجته المطلوبة. حيث ينقسم المجتمع الى قسمين منفصلين الى من فشل في التمحيص فاختار طريق الضلال محضاً، والى من نجح فيه فاختار طريق الهداية والإخلاص محضاً. وبوجود هذه المجموعة يتحقق شرط الإنتصار.

ومن مستلزمات النجاح في التمحيص، الالتزام بالتعاليم الإسلامية الحقة. ويحذرالإمام الياسين من انجراف الفرد المسلم مع التيارات المعادية للإسلام واتباع عقائدها وأحكامها. فالمطلوب إسلامياً هو متابعة الرسول القدوة.

تحديد منطلقات العمل

ومن هنا بدأ الإمام الياسين، وانطلاقاً من وعيه وإلمامه في العمل بتصعيد موقف المواجهة مع الاحتلال، و الأسباب التي كانت تقف خلف ذلك أمور نذكر منها

1 ـ إن الإمام استطاع أن يعيد للتحرك الإسلامي في فلسطين حيويته وفاعليته وتنظيمه على أسس قوية وعميقة. ومن مظاهر ذلك

أ ـ بناء شبكة عمل نشطة في مختلف أنحاء فلسطين.

ب ـ إرساء قواعد المؤسسات الإسلامية.

ج ـ إيجاد الصلات مع العناصر المتحركة من أبناء الحركة.

د ـ تطوير وبناء عناصر جديدة وكسبها لصف التحرك الإسلامي.

2 ـ استطاع الإمام إيجاد جو إسلامي شعبي عارم يؤيد تحركه ويلتزم بتوجيهاته من خلال

أ ـ صلاة الجمعة.

ب ـ المسيرات.

ج ـ المواظبة على تثقيف الناس.

3 ـ إيجاد صلات حقيقية مع قطاعات الشعب المختلفة بصورة أصبح معها الإمام أحمد الياسين الرمز القيادي والديني الأول في المجتمع ودلك من خلال مؤسسات العمل الإجتماعي ومجلس القضاء الخاص بالشيخ والمؤسسات التربوية والمنابر الإعلامية واللقاءات اليومية في المساجد.

فضلاً عن بنائه لجسور الثقة والمحبة والصلة مع كافة الأطر والفصائل.

لقد عرف المجتمع الفلسطيني الإمام الياسين واعترف به قائداً جماهيرياً متواصلاً معه ومعايشاً له في الضراء والضراء، باعتبار ندرة لحظات السراء في فترة جهاده.

4 ـ الإمام الياسين بعد ذلك تمكن من أن يمارس كل الأساليب السرية والعلنية والذكية تحت عناوين مختلفة للوصول إلى الغايات الكبرى. وقد أثبت الإمام في هذه المرحلة أيضاً، أصالته القيادية.

فبمقدار نجاحه الواعي بفن استعمال الأساليب العلنية في العمل الدعوي و السياسي والسرية في العمل الأمني والعسكري، فإنه كان ناجحاً وواعياً للقيام بدوره في مرحلة الصدام والتصدي.

وانطلاقاً من فهمه أن تثبيت المكتسبات التي وصل إليها التحرك الإسلامي في فلسطين، لا يمكن أن يتم الحفاظ عليها إلا من خلال موقف الفرز الواضح.

ولم يكن ذلك إلا بالإصرار في موقفه ضد إرادة السلطة في فلسطين في مرحلة معينة مع الحرص على عدم الوصول إلى نقطة اللاعودة أو إهدار الدم الفلسطيني.