الفساد الأول والعلو الأول

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الفساد الأول والعلو الأول


الشيخ عبدالكريم الخطيب


د. عبدالكريم الخطيب

1) ما ورد عن فساد بني إسرائيل في القرآن الكريم 1 من 4

لقد قام المفسر عبد الكريم الخطيب في كتابه (التفسير القرآني للقرآن) بإيضاح كافة الالتباسات – فيما يرى حول الفسادين والعلوين لبني إسرائيل بالحجة البينة ونورد هنا النص لما جاء في هذا لأهميته ودقته – في نظرنا – في إيضاح معاني هذه الآيات [فقد حكم الله سبحانه وتعالى عليهم أن يفسـدوا في الأرض مرتين - وهو قضاء لا مرد له – ولهذا جاء الفعل مؤكدا {لَتُفْسِدُنَّ} (الإسراء:4)..

وذلك لأنهم واقعون تحت هذا القضاء الذي لا يرد... والفساد الذي ينضح من كيان بنى إسرائيل هو فساد يجئ عن بطر وكبر وكفر بنعم الله التي يفيضها عليهم. ولهذا جاء قوله تعالى {وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} (الإسراء:4) .. معطوفا على هذا الفساد مؤكدا لتأكيده حيث أنه كائن منه ومتولد من كيانه فهو علو فاسد نتاج غرس فاسد ، فهم إنما يفسدون حين يمكن الله لهم في الأرض ويفيض عليهم الكثير من نعمه ... ويرى الزمخشرى أن المراد بالكتاب هو التوراة متابعا في هذا من سبقه من المفسرين وقد تبعه على هذا الرأي من جاء بعده ... وفى قوله تعالى {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} (الإسراء:4)

خبر محقق بأن الإفساد الذي يقع من القوم سيكون مرتين يقعان على امتداد حياة بنى إسرائيل في هذه الأرض ... والذي ينظر في قوله تعالى {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} يرى إن الإفساد الذي يقع من بنى إسرائيل مصاحب لصفة دالة عليه ... وهى أن يكونوا في حال هم فيها أصحاب قوة متمكنة وسلطان ظاهر وعلو في الأرض وأن هذا السلطان الظاهر لهم... إنما هو نعم مستنبته في أرض فاسدة... ومن هنا يكون البناء الذي أقاموا منه سلطانا... هو بناء فاسد يحمل في كيانه معاول هدمه وتدميره].

ويوضح الأستاذ عبدالكريم الخطيب الفساد الأول – في رأيه – كما يلي [فإذا نظرنا إلى بنى إسرائيل... نجد أن تاريخ القوم يحدث عن أنهم قد كانوا على تلك الصفة بعد سليمان عليه السلام الذي أقام لهم دولة وأنشأ فيهم ملكا واسعا عريضا... ثم بغوا وطغوا... فسلط الله سبحانه وتعالى بعضهم على بعض فانقسموا إلى مملكتين :- مملكة يهوذا في الجنوب وتضم بيت المقدس ومملكة إسرائيل في الشمال وتضم سامريا.

ثم سلط الله على المملكتين من يضربهما الضربة القاضية ويقضي عليهما القضاء التام، فقام الآشوريون في عام 853 ق.م وقضوا على مملكة إسرائيل وضموها نهائيا إلى آشور...

ولما ورث البابليون دولة الآشوريين في العراق فعلوا في مملكة يهوذا ما فعله الآشوريون في مملكة إسرائيل، ففي سنة 586 ق.م غزا البابليون مملكة يهوذا بقيادة ملكهم بختنصر واستولوا عليها ودمروا الهيكل وقادوا القوم ورؤساءهم أسرى.

وعلى هذا يمكن أن نقول أن هذا الأسر البابلي هو الذي يشير إليه قوله تعالى {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً} (الإسراء:5) .. ثم جاء بعد هذا قوله تعالى {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} (الإسراء:6).

وفى هذا إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى بعد أن أخذهم بعقابه.. عاد الله سبحانه بفضله عليهم وأخرجهم من هذا البلاء.. ومعنى رد الكرة عليهم أنهم أخذوا مكان القوة على حين نزل القوم الذين ابتلاهم الله بهم إلى حال أشبه بتلك الحالة التي كان عليها اليهود من الذلة والهوان، وذلك حين أغار الفرس على البابليين واستولوا على أوطانهم وجعلوهم غنيمة لهم. وفى قوله تعالى {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} إشارة إلى القوة التي لبسوها بعد هذا الضياع وأنهم أصبحوا أصحاب شوكة أكثر من شوكة البابليين الذين ساموهم الخسف] انتهى.

المصدر