القارىء سامر قنديل يكتب : خطاب ما قبل الثورة وما بعدها

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
القارىء سامر قنديل يكتب : خطاب ما قبل الثورة وما بعدها

بقلم: سامر قنديل

القارىء سامر قنديل يكتب : خطاب ما قبل الثورة وما بعدها

" إن سأم الإنسان من استنشاق هواء غير نقي لن يدفعه يوما للامتناع كلية عن التنفس". تلك كانت كلمات الفيلسوف الألماني عمانويل كانت، قالها فيما أعتقد لأصحاب الأفكار الإصلاحية حتى لا ييئسوا من محاولاتهم ويتجهوا للتخلي عن قناعاتهم حتى ولو على المستوى النظري.

لقد بحث عدد غير قليل من المفكرين المصريين في الفترة ما قبل 25 يناير عن إجابات لأسئلة دارت بخلدهم أو فرضها تاريخنا القديم والمعاصر أو بالأحرى الواقع المعاش. وبدأت تلك الأسئلة بسؤال " اللا" لماذا لا يثور المصريون؟

وهؤلاء أعادوا قراءة تاريخ طويل تم في أحداثة طرح هذه القضية اعتمادا على مراجعة تاريخية لتأصيل الأسباب التي وقفت وراء السلبية أو الخوف المصري من السلطة وبالتالي انتهاج سبيل آخر غير الثورة.

ولكن جاء البعض ربما من قراءته للواقع وشعوره باليأس من حدوث الثورة التي تقود إلى التغيير ليُنظر في اتجاه مغاير ليس فقط يستبعد الثورة بل يرفضها من خلال قراءة لتاريخ العالم الذي نجح في التحول الديموقراطي.

وضربوا أمثلة على ذلك بأن الثورات الشعبية الكبرى التي تحركت فيها الجماهير لإسقاط الأنظمة الحاكمة مثل الثورات: الفرنسية 1789 والروسية 1917 والإيرانية 1979 كانت استثناءات وأن معظم الدول التي تحولت نحو الديموقراطية جاءت "عبر عملية تطور داخلي عرفت أشكالا متنوعة من الاحتجاجات الشعبية مثلت عنصر ضغط على النظام دفعت قوى وتياراتإصلاحية من داخله إلى إجراء إصلاحات متدرجة أسست للنظم الديمقراطية".

بل وصل الأمر بهؤلاء إلى الجزم بأن الثورة الشعبية "وهم" لن يحدث لأنه لم يحدث في مصر ومعظم دول العالم إلا في مواجهة المحتل.

وعول أصحاب هذا الرأي – وأنا كنت منهم- على تبني النخبة السياسية الحاكمة أجندة إصلاح بضغط من الاحتجاجات والانتفاضات يتفاعل معها نشطاء جدد من خارج النظام.

ملوحين في هذا السياق إلى خطورة تفكك الدولة وتحلل النظام وانهيار المؤسسات والمرافق العامة.

ونحن هنا لسنا بصدد الرد أو التقليل من شأن هذا الطرح إلا فيما يتعلق بالأمور التي أسقطها الواقع والمرتبطة باستحالة قيام الثورة فنحن نعيش عصرها، بل أولا: للتأكيد على أنه كان من الصعب التعويل على النخبة التي كانت حاكمة قبل الثورة للقيام بالدور الإصلاحي، لأنها لم تكن مؤهلة لذلك ولا كان في أجندتها في الأساس، ومن ثم لم يكن حتى باستطاعتها القيام بهذا الدور لأنها ببساطة تفتقد لهذه الشروط:

1: لابد أن تكون هذه النخبة نخبة وطنية همها مصلحة هذا الوطن دون اعتبارات لأية مصالح شخصية لأفرادها، أو دون ارتكانها إلي أي دعم خارجي مهما كانت صوره وأشكاله.

هذه النخبة لابد وأن تكون من الطبقة الوسطى المثقفة المصرية، أو كما يُطلق عليها الإنتليجنسيا التي كانت دوما تقود الحركة الوطنية وتحشد الجماهير، وتسقط بحنجرتها وأقلامها الحكومات.

أو علي الأقل يكون أفرادها علي وعى بحاجات الطبقات المتوسطة والدنيا ويكون لديها إدراك عميق بالأزمات التي تعيشها هذه الطبقات.

2: لم يكن يسيرا – بل من الممكن القول – أنه كان مستحيلا أن تصل مجموعة من الطبقات الوسطى الاجتماعية إلي قمة الهرم الاجتماعي المصري في الوقت الحاضر، ولا حتى في المستقبل القريب، نظرا لتجذر سياق اجتماعي بغيض يعتمد على وراثة المناصب وغياب العدالة والموضوعية في طريق الترقي الاجتماعي، ناهيك عن إيديولوجيا الأنظمة الديكتاتورية الأثيرة بالاعتماد على أهل الثقة لا الكفاءة لاسيما النظام المصري في الفترة الأخيرة.

3: من استقراء النسق الاجتماعي المصري في الوقت الحاضر وحتى يحدث هذا التغيير الذي يقود هذه الفئة الاجتماعية إلي موقع الصدارة الذي يمكنها من إحداث التغيير، كان السبيل إلي ذلك لن يتم إلا بالثورة.

ثانيا: لنتدارس، قبل أن نطوي هذه الصفحة مؤقتا، التأثيرات السلبية للتحول الثوري والتي أبدى من استبعدها عدم رغبته في أن تكون هي السبيل إلى التغيير والإصلاح لاعتبارات نراها وجيهة تتمثل في:

1: من خلال استقراء التجارب التي مرت بها الأمة المصرية، وغيرها من الأمم، يمكننا تبين أن التغير الثوري، رغم سرعة تأثيره، عادة ما يأتي بسلبيات ربما تؤدي إلي نتائج عكسية.

كما أن طبيعته الثورية يصاحبها دائما قرارات تتسم بالانفعالية وتفتقد للحنكة السياسية.

ولهذا تنتهي عادة التغيرات التي تصاحب الثورة إلي نتائج مخيبة تعود بالمجتمع إلي الوراء وتؤدي إلي تحول النظام السياسي إلي نظام قمعي‏,‏ ويتم احتكار عملية صنع القرار لقلة من النخبة السياسية الحاكمة‏,‏ بغير مشاركة سياسية مجتمعية جادة.

2: ربما ينطق هذا الاعتبار أكثر على ثورة يوليو لطبيعة النخبة العسكرية التي قامت بها وامتلكت أدوات التغيير فيها من ناحية، ولعلاقة قيامها بوجود محتل من ناحية أخرى.

ولا أظن أن هذا السياق يمكنه أن يفرض نفسه على المشهد السياسي المصري الآن بعد الثورة إلا في حالتين: الأولى داخلية وهي الإسراع في انتقال السلطة – برغم أهميته- قبل أن تتحقق المشاركة المجتمعية السياسية، أو حدوث أزمات حادة اقتصادية أو أمنية تأتي بنظام قمعي جديد ولو في ثوب الثورة.

والثانية تتعلق بعنصر الخارج الذي كان دائما عنصرا فعالا في التحولات السياسية والنهضوية التي مرت على مصر منذ الحملة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر.

3: من أجل تفادي سيناريو الإجهاض الداخلي فلابد من حسم مسألة انتقال السلطة الذي من الأفضل، في هذه المرحلة الانتقالية، أن يكون لمجلس رئاسي يضم مدنيين وعسكري لفترة انتقالية لا تزيد على العامين يتم خلالها استتباب الأمن مع تغيير عقيدة وأهداف الجهاز الأمني بما يتوافق مع المرحلة القادمة، وتحقيق المصالحة ليس بين الشرطة والشعب فحسب بل بين من كان مؤيدا للنظام السابق والمعارضين له لفتح صفحة جديدة حتى لا ننزلق في دوامة التخوين والاستبعاد والانتهازية.

على أن يتم في هذه المرحلة وضع دستور جديد للبلاد يكون بمثابة عقد اجتماعي يقيد سلطات الحاكم لصالح الشعب وساعتها ستكون الجمهورية البرلمانية – بعد المشاركة المجتمعية- هي الأنسب.

4: أما لتفادي التأثير السلبي للخارج فيمكن القول أن محاولات الإصلاح الوطنية علي مدار تاريخ مصر الحديث قد تأثرت ولاشك بعنصر الخارج، الذي زاد تأثيره وتأصل في الثلاثين سنة الأخيرة، فلابد من انتهاج سياسية تحاول قدر الإمكان استبعاد تأثير هذا العامل أو علي الأقل تحييده.

حتى لا تصدم محاولة الإصلاح به، هذا التصادم الذي قد يؤدي إلي إجهاض المشروع برمته.

ومن ثم يجب على السياسة المصرية أن تحاول دراسة نماذج الدول التي مارست نوعا من العزلة الخارجية في سياستها لفترة، مثل إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية في مراحل مختلفة ومحددة من تاريخها، تمكن الدولة من تنفيذ خططها التنموية والإصلاحية، حتى إن عادت إلى حلبة السياسة تكون قد وقفت على أرض صلبة تستطيع من عليها الانطلاق بخطوات واسعة وثابتة للأمام.

ولا ينفي هذا الخيار بأي حال من الأحوال أن عدم كفاءة النظام المصري المحتضر وفشله في العديد من الملفات الخارجية، والأهم عدم وعيه بالدور التاريخي لمصر في محيطها الإقليمي والعربي، كان سببا جوهريا من أسباب قيام الثورة.

غير أننا هنا بصدد إعادة تأهيل إن جاز التعبير وإنعاش للدور السياسي لمصر الذي لن يتأتى إلا من خلال ظهير داخلي قوي ومتماسك على كافة الأصعدة.

وأخيرا يجب الإشارة إلى أن الخطاب الإصلاحي اليأس قبل 25 يناير يؤكد أن الثورة التي حدثت في مصر لم تكن متوقعة، أو على الأقل لم يكن يتوقع حدوثها في هذا التوقيت، بل كانت أمنية من بعض المصريين الذين وصلوا إلى القنوط من تحسين الأوضاع ومن إمكانية الإصلاح.

وفي الوقت نفسه بدت هذه الثورة وليدا شرعيا من رحم المعاناة التي مر المصريون في الثلاثة عقود الأخيرة وربما قبل ذلك بكثير.

والسؤال الملح هنا هل تستطيع هذه الثورة أن تكتب تاريخا جديدا لمصر وتمحي سلبيات عصور تاريخية متعاقبة؟.

المصدر