القوة الناعمة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
القوة الناعمة

11 مارس 2009

بقلم: نيفين مسعد

عندما أطل المحلل الإسرائيلى إياه من شاشة الفضائية العربية الشهيرة، وعلق ابنها معربا عن سخطه من تكرار ظهور الرجل كانت منهمكة فى إعداد طعام العشاء، لكن عندما قال الابن ما قال توقفت عن العمل، سألته: «هل تعرفه يا أحمد؟» رد: «ومن ذا الذى لا يعرفه إنه دائم الظهور على الشاشة بمناسبة وبدون مناسبة!»

هكذا بعفوية شديدة وضع الابن يده على ظاهرة كانت تعيها ولا تملك تشخيصها، تماما كالنائم يزعجه كابوس ولا يذكر تفاصيله.

اعتاد أحمد ومن هم فى مثل عمره من الشباب أن يشاهدوا ساسة ومحللين استراتيجيين صهاينة يرددون الحواديت إياها عن دولة إسرائيل التى تريد العيش فى أمان ولا تقدر، فدونها وهذا الأمان بحيرة من العداء العربى الإسلامى.

يتكلمون عن يد إسرائيل الممدودة بالسلام ولا من يصافحها مع أن الأصل فى ديننا السلام. يَعَّبون من قاموس لا أعجب منه بين المعاجم والقواميس فيرادفون بين المقاومة والإرهاب وبين الاحتلال وحق الدفاع عن النفس.

هل يملك وعيك الغض يا أحمد أن يميز بين الطيب والخبيث.. هل لك حصانة من اكتووا بذكرى الحروب الست فلا يخترق ما تسمعه من أكاذيب المسافة بين أذنيك؟ نظرت إليه وهو متوحد تماما مع جهاز اللابتوب حتى لكأنه حرف من حروف الكيبورد فلم تتلق جوابا.

زمان على أيامها لم تكن تعرف للصهاينة إلا وجهين: موشى دايان وجولدا مائير.

وأغلب الظن أنه قد وقر فى ذهن جيل الستينيات وهى منه، أن كل رجال إسرائيل هم موشى دايان بعصابته السوداء الكريهة وأن كل نسائها هن جولدا مائير بدمامتها وشعرها الأشعث الملموم إلى الخلف فى غير اهتمام، وكان يكفى هذا ويفيض لأن يختزل أسطورة شعب الله المختار بغير حاجة إلى أن يتكلم أصحاب الذقون الحليقة والألسنة الذَلِقة فى نشرة الظهيرة أو ساعة الحصاد.

كان الزمان غير الزمان تذكر فى المرة الأولى التى سافرت فيها للخارج، وكانت لكلمة الخارج هيبتها فى وقت قل فيه من يسافرون فلا كانت هناك عولمة ولا يحزنون، تذكر كيف كان يثير فضولها الشديد مرأى الطواقى السوداء فوق رؤوس بعض أبناء رومانيا وبلغاريا ويوغوسلافيا لأنها اكتشفت معهم أن هناك يهوديا غير موشى دايان، وأن هناك يهودية غير جولدا مائير.

وأظنها سألت نفسها فى ذلك الحين: «هل الصهيونية فكرة أم ملامح.. وهل اليهودية دين أم جنسية؟»

لم تمر بتجربة كتجربة أمها جعلتها تذكر بكل الخير سارة خياطتها اليهودية، التى كانت تطرز لها أجمل فساتين السهرة، وتحن إلى جارتها ليلى أو Lili فى الدور الثالث بعمارة جاردن سيتى، والتى لم تكن تتذوق طعما لفنجان القهوة المحوج إلا معها.

لا لم تمر بهذه التجربة ولم تعايشها، ثم جاء عام 1948 ليفصل بين تاريخين، وبالنسبة لها هى شخصيا كان عام 1967 هو العام الفيصل، فلن تنسى ما عاشت تفاصيل هذا اليوم فى هذا الشهر فى هذا العام: 5 يونيو 1967.

صار الزمان غير الزمان، وأصبح شباب هذه الأيام يعيشون بين نقيضين، يهاجمون سلسلة كافيهات ستاربكس وينشطون بهمة فى حملة مقاطعة منتجاتها بال SMS والـ e-mails، لكنهم يتابعون فى الوقت نفسه التحليلات الفضائية لصهاينة حتى النخاع، ترى أيهما أولى بالمقاطعة المنتج الاستهلاكى أم المنتج الثقافى؟ غريب أمر هذا الشباب تحيط أعناق أبنائه الكوفية الفلسطينية بعد أن صارت المقاومة موضة، وتعددت ألوانها فصار منها الأحمر والأخضر والفوشيا، وكل الألوان، وتتدلى فى الوقت نفسه من خصورهم بنطلونات جينز تصنعها شركات أكثرها مملوك لرأس المال اليهودى، فهل هذه نقرة وتلك أخرى؟.

ربَى أولو الأمر منا أولادنا على هذه الازدواجية فهم يلعنون سياسة اسرائيل صباح مساء ثم يشترون منها و يبيعون، يهاجمون استخفاف الصهاينة بالقانون والأعراف ويشدون على أيديهم مصافحين، ويفعلون أحيانا أكثر بكثير من مجرد الشد، يبكوننا دما على شهدائنا ويلتمسون للقتلة العذر والتبرير .

طبعا سيخرج ألف صوت يرفض هذا المنطق مسلحا بشعار اعرف عدوك، لكن لماذا لا يعرف اليهود أعداءهم على طريقتنا؟ لماذا لا يفتحون قنواتهم لمناقشة أفكار سلمان أبوستة عن حق العودة ومصطفى البرغوثى عن حلم الدولة، ولماذا أغلقوها فى وجه عزمى بشارة، وهو من كان نائبا فى مجلسهم؟ لماذا لا يوعون فضائيا أبناءهم بـ «لا سامية» شعر محمود درويش وريشة ناجى العلى وصوت مارسيل خليفة؟ هم لم يفعلوا ولن يفعلوا يا أحمد، هل تعرف لماذا؟ لأنهم يخشون على أبنائهم من أثر الاعتياد على الآخر، أى علينا، هم يحرصون على صهيونية الدولة حرصنا على التبشير بها، هم يطوعوننا بكلتا القوتين الناعمة والغاشمة.

لذلك فإن أكثر ما تخشى منه فعلا كأم هو أن يأتى يوم لا ينكر فيه هذا الجيل على ساسة إسرائيل وحكامها إلا تكرار ظهورهم على الشاشة، تكرار ظهورهم فقط، أما خطابهم نفسه ومضمون هذا الخطاب.. فلا.

المصدر