المقاطعة هي الأصل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


بقلم : فهمي هويدي

أ. فهمى هويدي

تركتُ مناقشة في الخرطوم حول التطبيع مع "إسرائيل"، ووجدتُ أن المناقشة مستمرة في القاهرة حول ذات الموضوع. جرى حوار الخرطوم في إحدى جلسات المؤتمر القومي، التي نوقش فيها ملف الإعلام والمقاومة. وقدم فيها زميلنا غسان بن جدو، أحد نجوم قناة «الجزيرة»، ورقة شرح فيها موقف القناة من ظهور بعض الإسرائيليين على شاشاتها. معتبراً أن ذلك يشكل استثناء ضرورياً، وضريبة تدفعها الجزيرة نظير السماح لها بتغطية الأراضي الفلسطينية.

أما في القاهرة فالجدل أثير بمناسبة أول زيارة يقوم بها لدار الأوبرا المصرية المايسترو الإسرائيلي دانيال بارينبوم. الموضوع كان واحداً، في حين أن الاتجاهات بدت مختلفة. فالرأي القوي في مناقشات مؤتمر الخرطوم كان مع مقاطعة "إسرائيل" ومنع صحفييها وسياسييها من الظهور على شاشات التليفزيون. أما الرأي الأعلى صوتاً في الإعلام المصري ـ وليس الأقوى بالضرورة ـ كان مع الترحيب بالمثقفين والفنانين الإسرائيليين الذين يدعون إلى السلام ويعارضون الاحتلال.

حين تتبعتُ المناقشات الدائرة على الجانبين وجدتُ أن هناك التباساً واشتباكاً بحاجة لأن تتضح فيه الخطوط والمعايير. بطبيعة الحال ليس لدى كلام مع دعاة التطبيع في كل الأحوال، الذين مازلت أجد حرجاً في مصافحة الواحد منهم، لشكي في طهارة أي يد تصافح إسرائيلياً. ولكنني أناقش آراء الوطنيين الغيورين الذين تحركهم النوايا الحسنة ولهم تقديرهم واجتهادهم في رؤية المصالح العليا.

ذلك أنني أعتقد أن مقاطعة المثقف للإسرائيليين ينبغي أن تكون الأصل في كل الأحوال، طالما ظلت "إسرائيل" على موقفها الاحتلالي وسياستها الاستيطانية، وأعتبر أن تلك المقاطعة هي الموقف الشريف الذي يمكن أن يتسق به المثقف الحر مع ضميره الوطني. لا فرق في ذلك بين مثقف في دولة اختار نظامها أن يتصالح مع "إسرائيل"، أو دولة ظلت على موقفها من رفض الصلح طالما ظل العدوان الإسرائيلي مستمراً.

هذا الأصل يمكن أن ترد عليه استثناءات تفرضها الضرورات التي تبيح المحظورات، من هذه الاستثناءات مثلاً ما يلي:

  • أن يكون المثقف فلسطينياً ومضطراً للعيش إلى جوار الإسرائيليين.
  • أن يكون الإسرائيلي معارضاً للصهيونية وليس فقط معارضاً للاحتلال.
  • أن تضيق الخيارات بحيث تكون المصلحة مرجحة على الضرر والمفسدة الناشئتين عن التواصل مع الإسرائيليين.

في غير هذه الحالات، حين تتسع الخيارات وتنتفي الضرورات، فإن الالتزام بأصل المقاطعة هو ما ينبغي أن ينحاز إليه كل مثقف شريف. وأي مساومة أو تفريط في هذا الموقف تصب في مجرى موالاة العدو ومكافأته وتشجيعه على التمدد والتمكين من الأرض المحتلة. ذلك أنه إذا كانت المقاومة المسلحة أعلى درجات التعبير عن رفض الاحتلال، فإن المقاطعة هي أدنى تلك الدرجات. إذ هي وحدها التي تذكره بجريمته طول الوقت.

إذا قمنا بتنزيل المعايير التي أشرت إليها على أرض الواقع، فذلك سوف يمكن الفلسطينيين من الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم مباشرة مع الإسرائيليين، وسوف يسمح بمد الجسور مع العناصر الرافضة للصهيونية داخل "إسرائيل" وخارجها، كما سيقنعنا بأن دعوة الموسيقار الإسرائيلي كانت تطبيعاً لأن الأمر لم تكن له أي ضرورة، وسيجعلنا نحتمل ظهور الإسرائيليين بصفة استثنائية في بعض البرامج التلفزيونية. طالما كان ذلك شرطاً لتغطية الأحداث في "إسرائيل" والأراضي التي احتلتها. إذ سيكون المردود في العالم العربي متجاوزاً كثيراً للثمن الذي دفع. وربما كانت هذه هي المرة الأولى التي تدفع فيها "إسرائيل" أكثر مما تقبض، لأنها اعتادت منا أن تقبض دون أن تدفع. بحيث تبتلع هي الأرض ونأكل نحن الهواء.

المصدر : نافذة مصر