المقومات الضرورية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
المقومات الضرورية...... للانتخابات الديمقراطية


بقلم:أ.د. علي السلمي

لا تتقدم الشعوب والأمم بالتمني والانتظار، ولكن تحقق الشعوب آمالها في الرقي والنمو بالعمل والمشاركة الفاعلة في تقرير مصائر الأوطان. إن الشعوب الخاملة لن تصيب إلا الفقر والهوان والتخلف في كل ضروب الحياة، بينما تنعم الشعوب الواعية لحقوقها بفرص لحياة أفضل. وقد اكتشفت الشعوب النابهة وقياداتها الوطنية المخلصة أن الديمقراطية هي الطريق الأسلم لتحقيق النهضة.

إن الديمقراطية ترتكز على محاور رئيسة هي سيادة الشعب وحقه في الاختيار، وتداول السلطة والتعددية الحزبية، والفصل بين السلطات. واكتشف الجميع أن وسيلة تحقيق الديمقراطية هي الانتخابات النزيهة عبر صناديق زجاجية شفافة يحتكم إليها الناخبون ويختارون من خلالها المرشحين الذين يثقون في قدرتهم على تحقيق مصالحهم ورعاية شئونهم.

وقد استشعر الكثيرون من المهتمين بالشأن الديمقراطي في مصر ضرورة تغيير قانون مباشرة الحقوق السياسية كبداية لرحلة إعادة بناء الديمقراطية في مصر. ومنذ سنوات تجري محاولات من جانب بعض الأحزاب والقوى السياسية والمراكز البحثية لصياغة مشروع قانون جديد في نفس الوقت الذي وعدت الحكومة بإعداد قانون جديد يتوقع الناس أنه سيتم إقراره فجأة قرب نهاية الدورة البرلمانية الحالية تمهيداً لحل مجلس الشعب وإجراء انتخابات مبكرة بهدف إعادة تشكيل التركيبة السياسية داخل المجلس بما يتوافق ورغبات الحزب الحاكم.

وإذا كانت هناك حاجة إلى قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية فالحاجة أكبر للالتزام بمجموعة من المبادئ تجعل القانون الجديد فاعلاً بحقيقة في تغيير وجه الحياة السياسية في مصر على أساس ديمقراطي. وأول المبادئ أن يكون الهدف من القانون إتاحة الظروف وتهيئة المقومات لانتخابات نزيهة لا أن يكون مجرد تجميل للواقع التعس الذي تجري فيه كل الانتخابات في مصر، وأن يصدر عن رغبة حقيقية من الحزب الحاكم للدخول في عملية صادقة لبناء الديمقراطية والتخلي عن احتكاره الحكم وإقصاء كافة القوى السياسية الأخرى وتهميشها.

ولكي يكون القانون الجديد مؤثراً حقيقة في تطوير مناخ الانتخابات وثقافتها،يجب أن يكون جزءاً من عملية إصلاح سياسي شامل، وليس مجرد ترميم لجزئية محدودة من المنظومة السياسية مع بقاء باقي عناصرها على تخلفها وتباعدها عن طبيعة الديمقراطية ومتطلباتها. ولا شك أنه ليس مفيداً بذل الجهد وإهدار الطاقات للوصول إلى قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية لا يتماشى مع المد الديمقراطي في العالم المعاصر ويتجاهل أهم مقومات الحكم الديمقراطي وهو التداول السلمي للسلطة من خلال الاختيار الحر للمواطنين لحكامهم من بين مرشحين متعددين لهم فرص متكافئة في شرح برامجهم وتقديمها للناخبين عبر وسائل الإعلام من دون أن يحتكرها الحزب الحاكم ويحرم منها الأحزاب والقوى السياسية المعارضة.

ولكي يكون قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية مفيداً في بناء الديمقراطية، فإنه ينبغي أن يتضمن من القواعد والآليات والضمانات ما يسهم في كف يد الإدارة الحكومية وأدواتها التنفيذية والأمنية وأجهزة الإدارة المحلية عن التدخل في العملية الانتخابية، بحيث يكون للمصريين حرية الترشيح والتصويت من دون عوائق ولا موانع كالتي تتعرض لها القلة من المصريين من غير أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي الذين يغامرون بالاشتراك في اللعبة الانتخابية.

ومن غير المتصور أن يحدث قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية تأثيراً إيجابياً في مستوى تقدم العملية الانتخابية من دون إطلاق حرية تأسيس الأحزاب السياسية ورفع القيود عن حركتها وإبعاد التدخلات الأمنية عنها بما يؤدي إلى تحرير عمليات الانتخاب وتنمية دور المواطنين فيها من خلال تيسير انضمامهم إلى أحزاب سياسية فاعلة وإطلاق إرادتهم في المشاركة والاختيار. كذلك فإن الاعتراف بالخريطة الحقيقية للقوى السياسية على الساحة الوطنية ورفع القيود عنها وتيسير تحولها إلى قوى منظمة في صورة أحزاب شرعية هو من الشروط الأساسية لتفعيل أي مبادئ ديمقراطية يأتي بها القانون المنتظر لمباشرة الحقوق السياسية، ويأتي في هذا الإطار ضرورة كفالة حرية المستقلين للترشيح في الانتخابات وعدم التضييق عليهم باشتراط نظام للقوائم الحزبية فقط .

ولن تكتمل ثقافة الانتخاب كوسيلة للتعبير عن آراء المواطنين واختياراتهم من دون تحرير الحركة النقابية والطلابية، والامتناع عن أسلوب فرض الحراسة على النقابات المهنية ورفع الوصاية الحكومية عن النقابات العمالية. إن العملية الانتخابية كل لا يتجزأ، فلا يتصور أن تتوافر للانتخابات التشريعية والمحلية مثلاً فرص أفضل ومناخ ديمقراطي لا يتوافر في حالة انتخابات النقابات واتحادات الطلاب الجامعية! وقد ثارت تساؤلات عديدة بين المهتمين بالشأن الانتخابي عقب إعلان الحكومة عزمها على إصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية بعد أن تم إقرار التعديلات الدستورية في 2005 والتي فتحت المجال للأخذ بأي نظام انتخابي مع ضمان تمثيل المرأة.

ومن التساؤلات المطروحة هل يتم الأخذ بالنظام الفردي أم بنظام القوائم أم يؤخذ بنظام مختلط؟ وهل تكون النسبة المخصصة للمرأة دائمة أم مؤقتة؟ وكيف تكون اللجنة العليا للانتخابات هي البديل الأفضل عن الإشراف القضائي على الانتخابات؟ وهل يتم الأخذ بفكرة القيد التلقائي إلكترونياً في الجداول الانتخابية بدلاً من جعل القيد مسئولية على المواطن نفسه؟

كل الأسئلة السابقة، وغيرها من الهموم التي تثيرها مأساة الانتخابات التشريعية والمحلية في المحروسة، كانت هي الدافع لمحاولات المهتمين بالشأن العام للعمل على إعداد مشروع جديد لقانون مباشرة الحقوق السياسية يكون بداية لمرحلة بناء الديمقراطية. ومن أهم المحاور التي تشترك فيها معظم تلك المحاولات أنها تفضل الأخذ بنظام الانتخاب بالقائمة النسبية المغلقة حيث لا يجوز المزج بين القوائم أو الإضافة إليها أو الحذف منها وذلك بديلاً عن نظام الانتخاب الفردي. كما تدعو المشروعات المقترحة إلى الأخذ بتعريف واسع للعامل والفلاح، الأمر الذي يقلل من آثاره السياسية السلبية، وتمكين المعتقلين والمحبوسين احتياطياً من التصويت، وكذلك اعتبار كل محافظة دائرة انتخابية واحدة.

ومن الواضح أن آراء المهتمين بتطوير العملية الانتخابية تتفق على أن تكون "اللجنة العليا للانتخابات" هيئة مستقلة محايدة وغير قابلة للعزل ويتم تشكيلها من قضاة وممثلين لبعض النقابات المهنية وهيئات ومجالس لها طابع قومي على أن يحظر تولي أعضاء اللجنة أي مناصب في الدولة أثناء عضوية اللجنة، كما يحظر عليهم عضوية المجالس النيابية لمدة محددة بعد انتهاء عضوية اللجنة. ويرى البعض أن يتم انتخاب أعضاء اللجنة العليا للانتخابات انتخاباً مباشراً من الشعب على أن يختاروا هم رئيس اللجنة من بينهم. وتتولى اللجنة تقسيم الجمهورية إلى دوائر انتخابية وفق قواعد تضعها اللجنة، وتعد جداول الناخبين، وتضع الجدول الزمني لمراحل العملية الانتخابية.

كما تضع اللجنة قواعد تنظيم الدعاية الانتخابية ومحاسبة المرشحين الذين يخالفون قواعد تنظيم الانتخابات. وتكون اللجنة هي الجهة المختصة بتلقي طلبات الترشيح والنظر في الطعون وإعلان قوائم المرشحين النهائية وقواعد توزيع الرموز الانتخابية، وتشكيل اللجان العامة والفرعية المشرفة على عملية الاقتراع وتحديد مقراتها، وإعداد وطبع البطاقات الانتخابية وإعداد صناديق الاقتراع ووضع القواعد الضامنة لوصولها إلى اللجان الفرعية قبل الموعد المحدد لبدء التصويت بوقت كاف وتأمينها. وتتوالى مسئوليات اللجنة إلى إعلان النتائج النهائية للانتخابات.

ويرى بعض المختصين في الشأن الانتخابي أن يتم إعداد جداول انتخابية جديدة في كل دورة انتخابية تعتمد اللجنة العليا للانتخابات في إعدادها على قاعدة بيانات انتخابية مستمدة من قاعدة بيانات الرقم القومي وتكون بطاقة الرقم القومي هي المستند الوحيد المقبول للقيد في الجداول الانتخابية أو لتعديل أي بيان من بياناتها. وأخيراً، فإن العبرة ليست بإصدار قانون جديد، ولكن الأهم هو أن تكون رغبة الدولة صادقة في التحول إلى نظام ديمقراطي قوامه عمليات انتخابية نزيهة. كما أن المسئولية في النهاية هي مسئولية المواطن عن المحافظة على حقوقه وممارستها بكل جدية حتى تتحقق الغاية من نداء سيد درويش له .." قوم يا مصري".