الموسوعة الحركية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الموسوعة الحركية


الموسوعة الحركية

إعداد – جمع – تحقيق

مؤسسة البحوث والمشاريع

بإشراف فتحي يكن

تراجم إسلامية من القرن الرابع عشر الهجري

المجلد الأول

بسم الله الرحمن الرحيم

من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا... قرآن كريم

الإهداء

إلى العاملين في الحقل الإسلامي ..

كتابا وخطباء ...

دعاة وباحثين ..

ثوارا ومجاهدين في سبيل الله ..

نقدم ... المجلد الأول من الموسوعة الحركية وهو الجزء الخاص بتراجم إسلامية من القرن الرابع عشر الهجري .

آملين أن يتحقق به النفع , وتتم الفائدة .

حريصين على سماع كل ملحوظة حول هذا المشروع وعلى كل جهد يبذل إكماله إنجاحه ..

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

المؤسسة

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد , الصادق الوعد الأمين , على آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واقتدي بسنته إلى يوم الدين ..

وبعد . فهذا هو الجزء الأول من ( الموسوعة الحركية ) التي اعتزمنا بعون الله إصدارها ... وهو الجزء الخاص بتراجم وسير ( إسلاميين) عاشوا في حقب متفرقة من القرن الرابع عشر الهجري . منهم العالم ومنهم الفقيه , ومنهم الإمام ... ومنهم الداعية إلى الله والمجاهد في سبيل الله ....

ليس بينهم قاسم مشترك سوي خدمة الإسلام من هذا الطريق أو ذاك فكل ميسر لما خلق له ..

وكلهم من رسول الله ملتمس غرفا من البحر أو رشفا من الديم

وقد تكون لنا على أحدهم أو بعضهم قضية أو أكثر إلا أن ذلك لا يجعله خارج الإطار .. بل إن تقويم الرجال بما لهم وعليهم أمر يطلبه الشرع ومصلحة إسلامية تستين من خلالها المسالك والرؤي .. وبالتالي فهو سبيل الاستفادة والإفادة لمن هم على درب الإسلام سائرون ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض لله يرثها عبادي الصالحون )

إن الغاية الأساسية من هذه ( الموسوعة ) أن يكون خطوه على طريق ( موسوعة كبري تضم بين جنباتها ما يحتاجه دعاة الإسلام والعاملون له للرجوع إليه بسهولة ويسر من تراجم وحركات ومنظمات وقضايا وكتب ودوائر ومؤسسات وصحف ووثائق الخ .

والموسوعة الحركية هذه تتألف من الأجزاء التالية :

الجزء الأول : تراجم وسنن إسلامية

الجزء الثاني  : مذاهب وفرق وحركات إسلامية

الجزء الثلث  : تراجم وسير غير إسلامية

الجزء الرابع  : مذاهب وحركات غير إسلامية ,

الجزء الخامس  : قضايا إسلامية مختلفة .

الجزء السادس : متفرقات إسلامية وغير إسلامية


ولم يكن اعتمادنا ابتداء على التأليف بقدر الاعتماد على الجمع والتحقيق وذلك مما تيسر من مؤلفات وصحف ومجلات سيجزي إثباتها بحسب ارتباطها بالموضوع حرصا على نسبة الفضل لأهله ..

ونحن على قناعتنا بأن المشروع ضخم والطريق شاق وأن هذا العمل يحتاج إلى أجهزة متفرغة ... إلا أننا – كذلك – بأنه لابد من بداية والمسيرة تبدأ بخطوة والأعمال لضخمة تكون مسودات ومشاريع على الأقل تحفظ أمور كثيرة من الضياع والزمن كفيل باستكمال ما نقص منها إن شاء الله فعسي أن تكون هذ1ه الخطوة بداية صغير لعمل كبير ... ومشروعا يستثير الهمم لعمل ضخم في نطاق البناء الإسلامي الحركي .

سائلين الله تعالي إن يشفع بالعفو السيئات وأن يبارك بكرمه الحسنات وأن يجعلنا من الظاهرين على الحق لا يضرنا من خالفنا حتي يأتي أمر الله والله غالب على أمره .

صفر 1399 كانون الثاني 1979

مؤسسة البحوث والمشاريع الإسلامية

  • محتوي المجلد الأول من الموسوعة الحركية

الاسم

شكيب أرسلان

جمال الدين الأفغاني

محمد إقبال

مالكولم أكس

جواد رفعت أتيل خان

عبد المحسن الأسطواني

محمد بن إبراهيم

البشير الإبراهيمي

حسن البنا

عبد الحميد بن باديس

مالك بن نبي

على فؤاد باشكيل

عبد العزيز البدري

مصطفي بولات

محمد جميل بيهم

حسين الجسر

محمد خير الجلاد

عبد القادر الجزائري

محمد الحامد

أمين الحسيني

عبد القادر الحسيني

صلاح حسن

عبد العلي الحسني

محب الدين الخطيب

عبد الكريم الخطابي

عبد الوهاب دبس وزيت

رشيد رضا

عمر الرافعي

عبد الغني الرافعي

عاصم رضا

محمد رباح

أمجد الزهاوي

مصطفي السباعي

محمد بن علي السنوسي

أحمد الشريف السنوسي

عبد العزيز السيسي

عبد القادر السيسي

نواب صفوي

محمد بن عبد الوهاب

محمد عبده

عبد القادر عوده

حسن عشماوي

عبد الكريم عثمان

محمد صالح عمر

صالح العقاد

محمد فرغلي

علال الفاسي

عز الدين القسام

سيد قطب

محي الدين القليبي

عبد الرحمن الكواكبي

محمد أحمد المهدي

عمر المختار

مصطفي لطفي المنفلوطي

محمد أمين المصري

أبو الخير الميداني

محمد المانع

أبو الأعلي المودوي

مصطفي نجا

محمود نشابه

سعيد النورسي

تقي الدين النبهاني

محمد نصيف .

حسن الهضيبي

الفضيل الورتلاني


( أ )


شكيب أرسلان

جمال الدين الأفغاني

محمد إقبال

مالكولم أكس

جواد رفعت أتيل خان

عبد المحسن الأسطواني

محمد بن إبراهيم

البشير الإبراهيمي

الأمير شكيب أرسلان

ولد شكيب أرسلان يوم الاثنين 25 كانون الأول عام 1869 م في ( الشويفات) بلبنان وهو شكيب بن حمود بن حسن أرسلان يرتقي نسبه إلى الملك المنذر التنوخي .. وعائلته حاربت الروم بمعية خالد بن الوليد رضي الله عنه , وأثناء خلافة أبي جعفر المنصور كما كان لها نصيبها في جهاد الصليبيين ومعاونة دولة الخلافة العثمانية في فتوحاتها .ووالدة الأمير سيدة شركسية كان الأمير يكن لها كل حب وتقدير.

تلقي الأمير في الخامسة من عمره المبادئ الأولي للقراءة والكتابة على يد الشيخ مرعي شاهين سليمان , وتعلم القرآن وحفظ جانبا كبيرا منه على يد معلم اسمه فيصل ثم دخل المدرسة الأميركية في قريته ( الشويفات ) حيث درس الجغرافية والحساب و الانكليزية, وعندما بلغ العاشرة من عمره دخل مدرسة الحكمة ببيروت وقضي فيها سبع سنوات تعرف خلالها بالإمام محمد عبده في احدي زياراته لهذه المدرسة فأعجب كل منهما بالآخر وتوطدت العلاقة بينهما . وتأثر الأمير بأفكار الإمام وتلقي على يده دروسا في الفقه والتوحيد عام 1887 في المدرسة السلطانية ببيروت وحضر مجلس مفتي الشام الشيخ محمد المنيني عام 1889 .

نظر الأمير رحمة الله إلى واقع أمته ودرس مشاكلها وشخص أسباب تأخرها وسبيل النهوض بها فوجد أن بعدها عن الإسلام رأس كل بلية وأصل كل داء " وأن الإسلام لهو أجدر من غيره بأن لا يكون مسئولا عن انحطاط احد وأنه طالما نهض بأهله إلى الدرجات العلي عندما كانوا يعملون بمقتضاه حق العمل وإنما كان المسئول عن هذا الانحطاط المسلمون لا الإسلام "

اتصل الأمير شكيب بالمصلحين من أمثال الأفغاني وعبده وأخذ عنهم الكثير من الآراء والأفكار الإسلامية فتأثر بها ودعا لها باستطاعتنا أن نقسم جهاده في مجال الحقل الإسلامي إلى شطرين اقتضاهما الواقع السياسي للقضية الإسلامية .

الشطر الأول : وينتهي بذهاب الدولة العثمانية وتتميز هذه المرحلة بدفاعه عن الخلافة العثمانية لتي كان يري فيها عزا للإسلام وقوة للمسلمين ويري أرسلان أن تجتمع الشعوب المسلمة في كل مكان حول الخلافة للدفاع عنها العم على حل مشاكل الدولة الداخلية . وقد سعي رحمه الله كثيرا للتوفيق بين العرب والحكام الأتراك , فدعا العرب للإلتفاف حول دولة الخلافة ومساندتها إلا أن هذه المحاولات لم تعط ثمارها فوعود الحلفاء الخلابة يمنح الاستقلال الذاتي للعرب جعلتهم ينقضون على دولة الخلافة إلى جانب الحلفاء رغم تحذير الأمير شكيب أرسلان وإعلانه دائما أن الغرب غير مخلص في تعاونه مع العرب وغنما همه ضرب دولة الإسلام واقتسام أراضيها ومنها البلاد العربية .

وبقي أرسلان ثابتا على موقفه رغم ملاقاته الكثير من المشاكل وتحمله العديد من الاتهامات الباطلة.. كان ينظر للغرب نظرة حذر ويقظة وهي عين النظرة التي كان الأفغاني وعبده ينظرانها للغرب , ولعل رأيه هذا كان امتدادا لرأيه الذي كونه عن الغرب عند زيارته لباريس عام 1893 ولم يدرك العرب سلامة هذا الرأي إلا بعد أن أفاقوا على أصوات وقع أقدام الجيوش الأجنبية تغزو بلادهم وتدوس معها كل العهود والمواثيق التي قطعت لهم .. وهكذا أسقطت الخلافة وتقاسم الحلفاء البلاد العربية بينهم وبذلك انتهي الشطر الأول من جهاد الأمير .. وخلال هذه الفترة أشغل رحمه الله , وظائف متعددة فقد كان قائمقام لقضاء الشوف , ونائبا في مجلس ( المبعوثان ) العثماني فمفتشا لبعثات الهلال الأحمر المصري وكانت له خطوة كبيرة في مقر الخلافة ولدي كبار المسئولين الأتراك كان يستغلها لتقريب وجهات النظر بين الحكام والعرب .

وخلال هذه الفترة أيضا سافر لأول مرة إلي مصر عام 1890 وتعرف على جمهرة من المفكرين والعلماء منهم الشيخ على يوسف صاحب( المؤيد) حيث كتب له احدي الافتتاحات لتي استعصي علي الشيخ كتابتها كما وأنه كتب لجريدة الأهرام باسمه الصريح وأحيانا بتواقيع رمزية وفي عام 1890م سافر إلى الآستانة والتقي بالمصلح الكبير جمال الدين الأفغاني وتأثر بأفكاره ,ثم سافر إلى فرنسا عام 1892 والتقي بالشاعر أحمد شوقي . وحارب الطليان إلى جانب المجاهدين المسلمين في طرابلس الغرب عام 1911 وكتب من هناك غلى مختلف الجهات الإسلامية حاثا المسلمين على نجدة إخوانهم أبناء طرابلس ليحث أبناءها على البذل والفداء من أجل طرابلس وتعاون بذلك مع الشيخ محمد رشيد رضا وكتب أربعين افتتاحية في جريدة " المؤيد" حول هذه القضية ثم عاد متخفيا إلى طرابلس ليشترك مع القائد العثماني أنور باشا في حرب ايطاليا ووضع الخطط العسكرية التي لو نفذت بأكملها لما ضاع الأمل في إنقاذ طرابلس وبرقة .

وسافر إلى المدينة المنورة عام 1914 لينشئ مدرسة فيها كما وأنه قاد فرقة من المتطوعين ليحارب ضد الحلفاء أثناء الحرب الكبرى وساهم أثناء وجوده في الشام بالتخفيف من غلواء جمال باشا واستطاع أن يخلص الكثيرين من غضبه وبطشه.

الشطر الثاني : ويبدأ بانتهاء الخلافة الإسلامية وينتهي بوفاته , وتتميز هذه الفترة بسعيه وجهاده المتواصل لطرد المستعمرين وجمع شمل المسلمين في دولة واحدة قوية فأخذ يساهم في المؤتمرات الدولية ليعرض قضايا أمته ويطالب بطرد الدخلاء عنها وكان بعد انتهاء الحرب وسقوط دولة الخلافة قد غادر تركيا إلى بلدة ( مرسين ) الواقعة على الحدود التركي السورية ليكون قريبا من وطنه وأمه ثم توجه رحمه الله إلى برلين مزمعا الإقامة إلا أنه قرر بعد سنوات الإقامة في جنيف حيث كان عضوا بارزا في الوفد الفلسطيني السوري المؤلف للدفاع عن قضايا العرب وحقوقهم أمام عصبة الأمم .

وأسس عام 1924 جمعية ( هيئة الشعائر الإسلامية ) في ألمانيا وترأس 1926م وفدا سوريا لبسط قضية بلاده أمام لجنة الانتداب بروما وسافر إلى ديترويت عام 1927 ليترأس مؤتمرا عربيا عقد هناك بدعوة من عرب المهجر وفي أواخر هذه السنة زار روسيا بدعوة خاصة وألقي محاضرات عامة ومناظرات خاصة بين فيها جوانب الإسلام المختلفة وأحقيته في أن يسود العالم .

وفي عام 1929 حج بيت الله الحرام حيث خرج بكتابه الموسوم " الارتسامات اللطاف في خاطر الحاج إلى أقدس مطاف " وبعد ذلك بسنة زار أسبانيا وأوحت له هذه الزيارة بمعلقته الموسومة بـ" الحلل لسندسية في الآثار والأخبار الأندلسية " واصدر في نفس العام جريدته ( الأمة العربية ) باللغة الفرنسية في جنيف ليدافع على صفحاتها عن قضايا أمته في الحياة الحرة الكريمة .

وكان في عام 1924 ضمن وفد الصلح الذي أرسله المؤتمر الإسلامي في القدس للتوفيق بين الملك عبد العزيز آل سعود والإمام يحي ملك اليمن بعد نشوب الحرب بينهما حيث وفق الوفد في مهمته .

وبعد أن سمحت له فرنسا بزيارة سوريا وصلها صيف عام 1937 م واستقبله أهلها استقبالا حافلا وعين رئيسا للمجتمع العلمي العربي بدمشق تقديرا لجهوده في الدفاع عن قضايا العرب والمسلمين إلا أنه ترك سوريا ورئاسة المجمع وسافر إلى أوروبا بعد أن نفضت فرنسا معاهدة عام 1936 لتي عقدتها مع سوريا .

وفي عام 1939 سمح له بزيارة مصر حيث قضي فيها قرابة الستة أشهر حفلت بمختلف نواحي نشاطه ثم عاد إلى أوروبا وبقي هناك حتي عام 1945.

وتحررت بلاده من نير الاستعمار الفرنسي فصمم على العودة إلى بلاده لكنه كان مثقلا بالديون التي لم يستطع سدادها إلا في عام 1946 وفي هذه السنة شد الرحال إلى بيروت فوصل في 30 تشرين الأول عام 1946 عن طريق الإسكندرية فاستقبله لبنان حكومة وشعبا استقبال الفاتحين , وسعد بلقاء أصدقائه وأحبائه ووالدته , إلا أن جهاد السنين كان قد أضني جسمه فبعد أربعين يوما من وصوله إلى لبنان عاجلته المنية وأسلم الروح وكان ذلك يوم الاثنين 9 كانون الأول عام 1946 وشيع في اليوم التالي بموكب مهيب سار في مقدمته رئيس جمهورية لبنان وقتئذ وصلي على جثمانه الطاهر في الجامع العمري ببيروت ثم نقل إلى مسقط رأسه في التشويفات.

من آثاره : الحلل السندسية 10 مجلدات – غزوات العرب – لماذا تأخر المسلمون؟ الارتسامات اللطاف – رحلة إلى الحجاز سنة 1354هـ - شوقي ( أو صداقة أربعين سنة ) – السيد رضا ( أو إخاء أربعين سنة ) – حاضر العالم الإسلامي – تاريخ لبنان – رحلة إلى ألمانيا – مذكراته – الشعر الجاهلي - ديوان شعر – ترجمات من الفرنسية .

جمال الدين الأ فغاني

18391897م

ولد السيد جمال الدين الأفغاني واضع اللبنات الولي في صرح النهضة الإسلامية الحديثة في ( اسعد أباد ) بالقرب من " كابل " عاصمة أفغانستان كما روي هو عن نفسه أما الإيرانيون فيردون موده إلى قرية من ذات الاسم تقع بالقرب من همدان بإيران ولا شك أنه من قبيل الحدس أن يقال عن الرجل بأنه ولد في إيران في الوقت الذي تسمي هو بالأفغاني.

على أن البروفيسوراي . جي. براون واضع ترجمة حياة المفكر المذكور يقول (في مؤلفه ثورة إيران صفحة 3-4) أنه فضل النسب الأفغاني على الإيراني حتي لا يجد أية مشقة في الظهور كمسلم على جانب عظيم من الورع والاستقامة ومهما تكن الحقيقة في شأن مولده فقد عرفه الناس بالأفغاني . ولقد دوّن ( دبليو . أس . بلنت) في مذكراته تحت تاريخ 14 سبتمبر سنة 1883 مقتبسا من كتاب ( ثورة إيران صفحة 402) أن السيد جمال الدين الفغاني ينحدر من عائلة عربية . بيد أن صاحب المنار السيد محمد رشيد رضا لا يقر هذا الرأي فقد ذكر في المجلد الثامن من المنار عام 1905 أن جمال الدين على الرغم من فصاحته ومنطقيته لم يستطع التغلب على اللهجة الفارسية التي كانت تتخلل حديثه بالعربية .

أما والد الفقيد وهو السيد سغدر فقد أدعي أنه يتصل في نسبه إلى العلامة الإسلامي السيد على الترمذي ( المتوفى عام 279 هجرية مطابق 892 ميلادية ) وما كاد الفتي جمال الدين يبلغ الثامنة عشرة من عمره حتي كان قد استوعب كافة العلوم الإسلامية وتضلع فيها كالنحو وفقه اللغة والبلاغة والتاريخ والفلسفة واللاهوت والطبيعيات والحساب والفلك والمتافيزيقيا – أى علم ما وراء الطبيعة – والتشريح والطب وغيرها من العلوم قام جمال الدين الأفغاني في غضون تلك الفترة برحلة إلى الهند حيث قضي عاما واحدا أضاف فيها إلى ذخيرته العلمية الزاخرة تعلم اللغة الانكليزية بالإضافة إلى إجادته اللغات الفارسية والبشتو والأوردية والتركية والعربية وعندما قام الهنود بثورتهم المعروفة ( في سنة 1857) كان جمال الدين في مكة .

تقلد جمال الدين الأفغاني منصب رئيس وزراء الأمير محمد الأعظم حاكم أفغانستان إذ ذاك وسنه لا تزيد على 27 عاما . وفي سنة 1869 سافر إلى القسطنطينية مارا بالهند ومصر حيث استقبله السلطان عبد الحميد استقبالا حافلا ولكنه لقي في القسطنطينية معارضة من العلماء المسلمين فنقل مركز نشاطه إلى القاهرة في شهر مارس .

وفي مصر خصص له رياض باشا رئيس وزرائها إذ ذاك علاوة شهرية قدرها عشرة جنيهات مصرية . وهناك بذل كل ما في وسعه لتبصير الأمة المصرية بخطر التدخل الأجنبي ونفوذه في البلاد وقد ركز جمال الدين عداءه للإنكليز بصورة خاصة وقد صادف خلال إقامته في مصر التي دامت زهاء ثماني سنوات معارضة من زعماء الدين المتزمتين الذين ظلوا يناصبونه العداء . ومن جهة أخري أثار نشاطه السياسي اشتباه الموظفين الانكليز في مصر وحدث خلال إقامته في مصر أن عزل الخديوي إسماعيل وارتقي العرش من بعده ابنه توفيق باشا الذي عمل أولا وقبل كل شئ على أبعاد جمال الدين الأفغاني من مصر في شهر سبتمبر من نفس العام .

ويقول الأستاذ أى . جي . براون في الصفحة الثامنة من كتابه ( ثورة إيران ) أن حكومتي فرنسا وبريطانيا قد اتحدتا سويا في الضغط على الخديوي بتخليص البلاد من خطر" الثائر الخطير" ومن طل تغيير يهدف إلى إقامة حكومة تتمتع بتأييد الجماهير ورضاها .

في سنة 1882 عاد جمال الدين الأفغاني إلى الهند واستقر به النوي في مدينة حيدر أباد الدكن . أما الحركة المصرية الحديثة التي ناصرها جمال الدين وغذاها بشعوره الوقاد وأفكاره الحرة فقد تطورت إلى ثورة عرابي المشهورة التي اتخذها البريطانيون تكأة لاحتلال مصر وبسط نفوذهم عليها . فأصدرت الحكومة البريطانية في الهند أمرا على الفور بحجر جمال الدين وكان وقتها في كلكتا ووضعته تحت المراقبة ولم يطلق سراحه إلا بعد أن خمدت الثورة المصرية وقضي عليها . بعد ذلك غادر جمال الدين الهند إلى لندن ومنها إلى باريس حيث أقام ثلاث سنوات .

ذكر ولسن في كتابه ( الحركات الحديثة بصفحة 72) أن جمال الدين قد زار أمريكا بيد أن البروفيسور بارون والأستاذ دبليو. أس. بلنت في مؤلفيهما ( تاريخ مصر السري صفحة 120) ينفيان ذلك . استغل جمال الدين فرصة وجوده في فرنسا فتعلم اللغة الفرنسية .

وهناك في فرنسا نشب بينه وبين العلامة ارنست رينان خلاف حول موضوع " الإسلام والعلوم الحديثة " على صفحات الجرائد . وقد انضم إليه في المعركة تلميذه القديم محمد عبده الذي كان منفيا عن مصر في ذلك الوقت لاشتراكه في الثورة العرابية ومن هنا أخذا معا يصدران جريدة عربية أسبوعية سمياها العروة الوثقي كانا يرميان من إصدارها إلى تنبيه الشعوب الإسلامية إلى ضرورة توحيد قواتهم ضد الاستعماري الغربي كان جمال الدين المدير السياسي للجريدة المشار إليها بينما كان زميله الشيخ محمد عبده محررها الأدبي . وقد تميزت الجريدة بعدائها الشديد للإنكليز . صدر العدد الأول من هذه الجريدة في 13 مارس 1884 وصدر العدد الأخير في 16 أكتوبر من نفس السنة . وقد حظرت الحكومة البريطانية دخول الجريدة إلى كل من الهند ومصر ولكن هذه الجريدة على الرغم من قصر عمرها كان لها أعظم الأثر في العالم الإسلامي كله في بعث الوعي الإسلامي بين الشعوب الإسلامية لمختلفة .


ووفقا لما ذكره صاحب جريدة المنار الأستاذ محمد رشيد رضا في الصفحة 455 – المجلد الثالث : أن الجريدة المذكورة كانت لسان حال جمعية سرية تحمل نفس الاسم أسسها جمال الدين من عناصر مختلفة من مسلمي مصر والهند وشمال أفريقية وسوريا وكان هدف هذه المنظمة تحقيق الوحدة الإسلامية وإيقاظ المسلمين من سباتهم وتنبيههم إلى الأخطار المحدقة بهم ثم السير بهم قدما في الطريق المؤدي إلى مغالبة تلك الأخطار . أما هدفها المباشر فقد كان منصبا إلى تحرير مصر والسودان من الاحتلال البريطاني .

وقد أسس جمال الدين عدا هذه المنظمة جمعية إسلامية عالمية أخري أسماها أم القري كان يريد بها انتخاب خليفة واحد للعالم الإسلامي بأسره بيد أن السلطان عبد الحميد قضي على هذه الحركة .

بعد أن فشلت الجريدة العربية التى كان يصدرها في باريس توجه جمال الدين عقب زيارة قصيرة للندن لمفاوضة الساسة الانكليز في شؤون ثورة المهدي في السودان – إلى موسكو ومنها انتقل إلى بتر سبرغ التي سميت فيما بعد بلننغراد وامتدت زيارته لروسيا إلى أكثر من أربع سنوات .

حدثت زيارة جمال لدين للندن في عام 1885 . ولا شك أن قرار وزير الخارجية البريطانية في التخلي عن فكرة إعادة فتح السودان يعود الفضل فيه إلى الجهود المتصلة التي بذلها جمال الدين وزميله الشيخ محمد عبده في هذا الصدد .

أشار الأستاذ دبليو . أس . بلنت استنادا إلى كتاب ( ثورة إيران صفحة 203) أنه تقرر ذات مرة في لندن أن يتجه وفد بريطاني برياسة الدين إلى مدينة القسطنطينية ليستغل نفوذه لدي السلطان عبد الحميد لقبول تسوية للنزاع تشمل جلاء البريطانيين عن مصر وعقد حلف مع تركيا تنضم إليه إيران وأفغانستان ضد روسيا ولكن ألغي هذا المشروع بعلاوته في اللحظة الأخيرة وبعد أن تمت جميع الإجراءات الخاصة بالرحلة . وفي سورة الغضب الذي تملكت جمال الدين إزاء هذا التذبذب لبريطاني غادر جمال الدين لندن متجها إلى موسكو حيث ضم صوته إلى المنادين بإنشاء حلف تركي روسي ضد انكلترا .

وبينما كان جمال الدين في مدينة ميونخ بألمانيا حيث أوفد إليها من قبل ناصر الدين شاه إيران في مهمة سرية دعي للمجئ إلى غيران لتولي رياسة الوزارة فما عتم أن لبي الدعوة .

على أن وجوده في إيران ما لبث أن أثار شكوك ملك إيران للتأييد والحب اللذين كان يتمتع بهما لدي الشعب الإيراني . فاضطر جمال الدين إزاء هذه الحالة إلى الاعتكاف في جامع الشاه عبد العظيم وظل معكتفا فيه نح سبعة أشهر . وقد انضم إليه في هذا الوقت كثيرون أبرزهم الاثنا عشر شخصا الذين قيل أن لهم صلة بثورة إيران الوطنية وكان أحد هؤلاء الاثنا عشر هو الذي اغتال شاه إيران في اليوم الأول من شهر مايو سنة 1896 . وفي هذا الصدد يقول الأستاذ براون في كتابه ( ثورة إيران صفحة 67) أن القاتل ويدعي ميرزا رضا الكرماني قد اعترف أثناء التحقيق بأن لجمال الدين يدا في القضية . بيد أن جمالا كان في القسطنطينية عندما وقع الاغتيال وقد طالبت حكومة غيران بتسليم جمال الدين وثلاثة من رفاقه غير أن السلطان رفض تسليمه . أما الثلاثة الآخرون فقد سلموا للسلطات الإيرانية وأعدموا سرا في تبريز ( ثورة إيران صفحة 11) أما أسباب خروجه من إيران فقد عللته السلطات الحاكمة أنه وجد يعبث بحرمة الجامع فأبعد إلى تركيا في باكورة عام 1891.

بعد أن مكث جمال الدين ردحا من الزمن في البصرة غادرها إلى انكلترا ومن هناك عاد إلى القسطنطينية في سنة 1892 وبقي فيها إلى أن وافاه الأجل المحتوم .

لقد قضي جمال الدين البقية الباقية من حياته الحافلة في القسطنطينية اشبه بالأسير منه بالطليق . وفي اليوم التاسع من مارس 1938 أسلم النفس الأخير على أثر إصابته بداء السرطان في فكه والذي انتقل منه إلى حنجرته . دفن في ضريح الشيخ في القسطنطينية .

وقد حامت حول أسباب موته شبهة في غيران فقد أشيع فيها بأن المرض وإن كان شبيها بمرض السرطان إلا أنه في الحقيقة وواقع الأمر لم يكن سرطانا وإنما كان موته نتيجة لتسمم شفته لاستعماله سواكا مسموما غير أن الأتراك ينكرون هذا .

لقد لمست كل من أفغانستان وإيران وتركيا والهند وانكلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا جميعها آثار هذا الرجل المناضل وأحسسن بنشاطه الدائب واتصالاته العديدة .وإذا كان لأحد أى فضل في بقاء الثورة واستمرارها فإن ذلك يعود إلى توجيهات جمال الدين وتشجيعه لها .

ويعزي نجاح الثورة الوطنية في تركيا إلى آراء جمال الدين الثوروية خلال السنوات التي قضاها في القسطنطينية كما كان للثورة الوطنية في مصر المحرض الرئيسي بل للنهضة الثقافية والدينية التي كان يتزعمها الشيخ محمد عبده .

هكذا كان جمال الدين لم يذهب إلى فج من فجاج الأرض إلا وانطلق معه أتون الثورة والاستياء متجليين دون مبالغة في تلكم الحركات التحررية الوطنية التي زخر بها العالم الإسلامي خلال القرن العشرين بفضل حملة الدعاية القوية التي كان يشنها في سبيل التحرر والنهوض .

كان جمال الدين الأفغاني يهدف من كل هذه الحركات الثورية المستمرة إلى تحقيق وحدة الشعوب الإسلامية تحت حكومة إسلامية واحدة كما كان غرضه الأكبر ن تأييد الخلافة العثمانية أن يخلق دولة إسلامية واحدة تلتف حول رايتها جميع الشعوب الإسلامية . بدأ حركته هذه في مصر ولما خابت مساعيه هناك أودع آماله في حركة المهدي في السودان ثم كرر محاولاته في إيران وأخيرا نقل مركز نشاطه إلى دار الإمبراطورية العثمانية وقد كان للشغف والانحلال اللذين يرزح تحتهما العالم الإسلامي في ذلك الوقت أثر بالغ على نفسيته .

كان جمال الدين يؤمن في قرارة نفسه أنه لو حرر المسلمون أنفسهم من نير الحكم الأجنبي وطبقوا تعاليم دينهم الإسلام على مطالب العصر الحاضر لأفلحوا في إيجاد نظام جديد مجيد لهم دون الاعتماد على الشعوب الأوروبية او محاكاتها أن الدين الإسلامي بالنسبة لجمال الدين الأفغاني دين عالمي بصورة جوهرية وأنه يتمتع بجميع المقومات التي يستمدها من صميم القوة الروحية الكامنة فيه والتي تؤهله ليجاري تطور الأحوال والظروف في كل مكان وزمان .

الوسيلة التي اختارها جمال الدين لتحقيق فكرته هي الثورة السياسية فقد رأي فيها الطريقة الوحيدة العاجلة لنيل الشعوب الإسلامية حرياتها التي لابد منها لإصلاح شؤونها ونهوضها من جديد . وعليه فقد وجه جهوده الثوروية نحو قلب النظم القائمة حينئذ وكانت تدفعه رغبة جامحة لإعادة تنظيم المجتمع الإسلامي على قواعد جديدة وإيمان لا يتزعزع في قابلية الإسلام للتطور او التجديد باعتبارهما عنصرين ضروريين لتحقيق هذه الفكرة لابد أن تسري عدواهما من قطر إلى آخر .

وتعتبر جهوده المحمودة في التوفيق بين جماعتي السنة والشيعة ليتنازل أحدهما للأخر في وجهات نظره دليلا على روح التسامح واللين التي كان يعتقد أنها ضرورية إذا أريد البرء للجروح العميقة التي أصيب بها الإسلام .

إن كفاءات جمال الدين العلمية في جميع ميادين العلوم السياسية في اجتذبت إليه جماعات عديدة من التلامذة والمعجبين والمريدين الذين غرس جمال الدين في نفوسهم نظرياته التى تنصب على الملائمة بين وجهات النظر اللاهوتية والفلسفية للإسلام وبين العلوم والأفكار الحديثة أما الشيخ محمد عبده حواريه الأكبر فهو الرجل الوحيد الذي تشبع بآرائه وتأثر بروحه واقتفي أثره .

محمد إقبال

1873 -1938

ولد محمد إقبال في مدينة سيالكوت من ولاية بنجاب سنة 1289هـ و1873م

من أبوين عرفا بالتقوي والصلاح فأبوه محمد نور كان متصوفا عاملا كادحا في كسب رزقه يعمل لدينه ودنياه . قال لأبنه محمد إقبال حين رآه يكثر من تلاوة القرآن الكريم: إذا أردت أن تفقه القرآن فاقرأه كأنه أنزل عليك . وكانت أمه تقية ورعة بلغ من ورعها أنها كانت تتحرج أن تأكل من وظيفة زوجها إذا كان يعمل مع رئيس عرف بالرشوة , مع أن وظيفة زوجها لم تكن من مال هذا الرئيس.

بدأ إقبال التعليم في طفولته على أبيه ثم ادخل مكتبا لتعليم القرآن الكريم فحفظ الكثير منه , والتحق بعد ذلك بكلية في بلده حيث تعهده صديق والده الأستاذ مير حسن أستاذ اللغتين الفارسية والعربية في الكلية , وكان من خير المربين فتأثر به إقبال وحبب إليه الثقافة والآداب الإسلامية ولما أنهي دراسته هذه سافر إلى لاهور عاصمة البنجاب والتحق بكلية الحكومة فيها , وكانت لاهور تحفل بالمعاهد والمجالس الأدبية والعلمية , ونال من الكلية درجة أستاذ في الفلسفة واللغة الانكليزية وعين مدرسا في الكلية الشرقية في لاهور . وفي هذه الفترة من حياته نظم إقبال الشعر وبرع فيه وذاعت شهرته .

سافر محمد إقبال سنة 1905 إلى لندن والتحق بجامعة كمبرج ونال شهادة عليا في الفلسفة وعلم الاقتصاد وأقام في لندن ثلاث سنين يلقي محاضرات في موضوعات إسلامية أكسبته الثقة والشهرة وتولي كذلك تدريس آداب اللغة العربية في جامعة لندن .

كما درس القانون واجتاز امتحان المحاماه وسافر إلى ألمانيا وأحرز من جامعة ميونخ الدكتوراه في الفلسفة .

عاد محمد إقبال إلى الهند سنة 1908 فاستقبله أصدقاؤه والمعجبون بأدبه ونظموا القصائد في الترحيب به واشتغل بالمحاماه وكان في عمله مثال الاستقامة والأمانة . لا يتوكل في قضية حتي يعلم أن موكله صاحب حق فيها وأنه يستطيع أن يأخذ له حقه كما عمل في التعليم ف فكان يدرس الفلسفة والأدب العربي في كلية الحكومة في لاهور ولكن عمله في التعليم لم يطل بل استقال وقال عندما سئل عن أسباب استقالته ( إن خدمة الانكليز عسيرة ما فيها أني لا أستطيع أن أحدث الناس بما في نفسي ما دمت في خدمتهم وأنا الآن حر ما شئت قلت وما شئت فعلت ) ولكن صلته بالتعليم لم تنقطع فكان على صلة دائمة بالكلية الإسلامية في لاهور كما اشترك في لجنة تولت تنظيم التعليم في بلاد الأفغان بدعوة من حكومتها ولم ينقطع عن إلقاء المحاضرات العلمية في مختلف لجامعات الهندية .

اشترك محمد إقبال في توجيه سياسة بلاده وكانت فلسفته السياسية الأمل والعمل والجهاد ودعوة العزة والكرامة وكان شعره أناشيد مسلمي الهند الجاهدين فقد أشعل النفوس ثورة على سلطان الانكليز في الهند وأمن المجاهدين بالأمل والعزم والإقدام وانتخب سنة 1926 عضوا في الجمعية التشريعية في البنجاب , وعمل في حزب الرابطة الإسلامية .

وفي سنة 1930 خرج على الناس برأيه الخاص في إنشاء دولة الباكستان وأن تقسيم الهند على أسس جنسية ودينية ولغوية وكتب بذلك إلى محمد علي جناح رئيس الرابطة الإسلامية ونادي بهذا الرأي في شعره وخطبه وشهد مؤتمر الطاولة المستديرة الذي عقد في لندن سنة 1932 للبحث في دستور الهند وأصيب الشاعر إقبال بمرض طالت مدته رغم عناية الأطباء ولقي الموت راضي مبتسما كما قال في شعره :

آية المؤمن أن يلقي الردي........... باسم الثغر سرورا ورضا

وكانت وفاته سنة 1938 .

صفاته :

ولد محمد إقبال في بيت تقي وصلاح فنشأ تقيا ورعا قوي الإيمان وتعهده في صباه أستاذه وصديق والده مير حسن وهو معلم قوي الشخصية يؤثر في طلابه ويطبعهم بطابعه فنمي في نفسه قوة العقيدة وحبب إليه الثقافة الإسلامية .

وكان حاد الذكاء مرهف الإحساس نظم الشعر ونبغ فيه وهو لا يزال في مرحلة الشباب وخلف ثروة عظيمة من جيد الشعر , ترجم كثير من قصائده إلى عدة لغات وكان واسع الثقافة عزيز العلم نال الإجازات العلمية العالية في مختلف العلوم في الآداب والفلسفة والاقتصاد والحقوق وهو لم يتجاوز الثانية والثلاثين من عمره وله عدة مؤلفات في الدين والفلسفة ترجم بع1ها إلى لغات كثيرة .

وصفه القائد الأعظم محمد علي جناح عندما خطب في ذكراه فقال : ( ما كان إقبال بالواعظ والفيلسوف وكفي بل كانت تتمثل فيه مع التفكير والإلهام مزايا الشجاعة والعمل والثبات والاعتماد على النفس والإيمان قبل كل شئ بالله والإخلاص للدين , وكانت تتلاقي في نفس آمال الشاعر المثالية وسليقة الرجل الذي ينظر إلى وقائع الأمور ,وبهذا يتجلي لنا مسلما حق الإسلام ) .

دعوته الإصلاحية :

لمحمد إقبال فلسفة وآراء في الحياة ضمنها شعره وفيها دعوة الإصلاح تبرز في النواحي الآتية :

1- كان إقبال معجبا بالإسلام والمسلمين ويري في العرب الأولين , المثل الأعلى في اكتمال الشخصية والإخلاص والتضحية فالمسلم لا تعرف أرضه الحدود ولا يعرف أفقه الثغور, قد وسعت عاطفته الشرق والغرب له عهود في التاريخ خالدة وله حكايات ومواقف في البطولة لا تزال موضع الدهشة والعجب . والإسلام بعقيدة التوحيد وما تبعثه في نفس الفرد من روح القوة والحرية وبما جاء به الرسول الأعظم في رسالته الخالدة من الآداب والأحكام كفيل بسعادة البشر أجمعين .

كان يتغني في شعره بماضي الإسلام وما أسداه للعالم من خير فالأمة الإسلامية أمة لا تفني لأنها قائمة على أصول خالدة لا ينال منها تقلب الزمان وكرّ الأيام مرت عليها فتنة التتار وغيرها من الفتن ولكنها سلمت وبادت الأقوام وفنيت الأجيال وثبتت الأمة الإسلامية على الخطوب الجسام ولحوادث العظام .

أمة الإسلام تبقي ابدا..........وأذان الحق فيها خلدا

أحيث العشق قلوب تسعر شبها من ( لا إله) الشرر

وإذا مر ببلاد كان للإسلام فيها ماض مجيد هاجه الحنين إلى ذلك الماضي وبكاه , مر بجزيرة صقلية في عودته من أوروبا إلى الهند سنة1908 فنظم قصيدة افتتحها بقول ( ابك أيها الرجل دما ولا دمعا فهذا مدفن الحضارة العربية )

وزار اسبانيا بعد حضور مؤتمر الطاولة المستديرة في لندن سنة 1932 ووقف في مسجد قرطبة وقفة شاعر مؤمن وقفة خاشع أمام الإيمان الذي جاء بهذه الحفنة العربية المؤمنة إلى هذه البلاد النائية فأخضعوها لعزمهم وعقيدتهم وتوجه إلى القبلة وصلي ركعتين في هذا المسجد المهجور الذي لم يسمع فيه أذان ولا أقيمت صلوات منذ مئات السنين .

وهو شديد التفاؤل عظيم الإيمان بمستقبل المسلمين يقول مخاطبا نهر قرطبة ( الوادي الكبير) : (إن على شاطئيك أيها النهر العزيز رجلا يري حلما لذيذا , يري في مرآة المستقبل عصرا في طيات الغيب يري عصرا قد بدت تباشيره وظهرت طلائعه ليعينه ولكنها لا تزال محجوبة عن أعين الناس لو كشفت هذا الغطاء عن وجه هذا العالم الجديد وبحث بما في صدري من أفكار وأسرار لشق ذلك على أوروبا وفقدت رشدها وجن جنونها ).

ورغم أن الشاعر محمد إقبال تعلم في جامعات أوروبا وعاش بين أهلها ردحا من الزمن لم تخدعه حضارتها وكان يري أن الحضارة الأوروبية لا تحقق رخاء الإنسانية وسعادتها فهي حضارة مادية أخضعت العالم لعلمها وتنظيمها وسخرت الطبيعة لمقاصدها ومصالحها ولكنها حائرة مضطربة لا تملك الإيمان ولا تملك العاطفة ولا تملك الغايات الصالحة لذلك حذر المسلمين وخصوصا الشباب من الوقوع في حبائلها والانخداع بزخارفها ,وقد وقعت بعض الأمم الإسلامية في شراكها ففقدت عزتها وأنفتها وأصبحت شعوبا ضعيفة ودعا المسلمين إلى دراسة الإسلام دراسة جديرة وطلب منهم لتمسك بدينهم وعقيدتهم فهو مصدر عزتهم وحريتهم وفخارهم وتأخذ إقبالا الهزة والاعتزاز عندما يتحدث عن الرسول والإسلام فيقول :

العجب إذا انقادت لى النجوم وخضعت لى الأفلاك والكواكب فقد ربطت نفسي بركاب سيد عظيم لا يأفل نجمه ولا يعثر جده ذلك هو البصير بالسبل خاتم الرسل وإمام الكل محمد صلي الله عليه وسلم الذي وطئت قدمه الحصباه فأصبحت أثمدا يكتحل به السعداء ).

2- تربية الذات الإنسانية :وهي أساس فلسفته فهو يري أن تربية الذات واكتمالها هو أساس الحياة ومصدر سعادة الإنسان لذلك فهو يدعو إلى إدراك الذات وتقويتها والعمل الدائب والجهاد الذي لا ينقطع ويري أن الحياة في العمل والجهاد وأن الموت في الاستكانة والسكون . ومما يقوي الذات الثقة بالنفس والاعتداد بها والاعتماد عليها والاستغناء بها فيقول: ( لا تبغ رزقك من نعمة غيرك ولا تستجد ماءا ولو من عين الشمس واستعن بالله وجاهد الأيام ولا ترق وجه الملة البيضاء , سقطت درة عمر رضي الله عنه وهو راكب فنزل ليأخذها وأنف أن يسأل أحد الرجال أن يناوله درته ).

ومما يقوي الذات ضبط النفس عن لخوف والشهوات فالذي لا يحكم في نفسه خليق أن يحكم عليه غيره .

والإسلام عني بالنفس الإنسانية ودعا إلى اكتمالها وتجميلها بالأخلاق الفاضلة وهو في أصوله يحقق ذلك فعقيدة التوحيد تنفي عن النفس الاستكانة للمخاوف والشهوات وتميت لخوف والشك وتحي الأمل والعمل وتقهر كل صعب وتذلل كل عقبة وأحكام الإسلام تحقق للذات الإنسانية الحرية والمساواة والعدل .

وهو بهذا يخالف الصوفية الذين انتشرت مذاهبهم في بلاد الهند بل لعله يرد عليهم في قولهم بوحدة الوجود وإنكار الذات وسمي التصوف المتضمن هاتين العقيدتين تصوفا غير إسلامي .

3- الدولة الإسلامية : بني إقبال فلسفته على الذات الإنسانية ودعا إلى تربيتها وتقويتها فهو يعترف بالفرد ويؤمن بقواه الكامنة ولكن هذه الذات لا تتم تربيتها واكتمالها إلا في لجماعة وإن عمل لجماعة إن تمكن الفرد من بلوغ كماله وإظهار كوامن فطرته ومنتهي قدرته فالصلة بين الفرد والجماعة صلة وثيقة فالفرد مرآة الجماعة , الجماعة مرآة الفرد , فإذا غفل الفرد عن واجبه أو تجاوز وحده أرشدته الجماعة وعلمته .

فإذا الواحد في الجمع انتمي..........فهو كالقطرة صارت خضرما

روحه من قومه والبدن............سره من قومه والعلـــــــــن

وهذه الجماعة لابد لها من رسالة تجمعها وقانون ينظمها وغاية تسعي إليها , ولا بد أن تتحقق في هذه الرسالة وفي هذه القوانين ما يوفر للفرد والجماعة السعادة ى والخير ولابد أن تكون الغاية التس تسعي إليها سعادة البشر أجمعين . ويري ان رسالة الإسلام تحقق كل ذلك .

لذلك فهو يدعو إلى قيام دولة إسلامية ترعي هذه المبادئ وتعمل على تطبيقها لخير المسلمين وخير البشر أجمعين وهو في دعوته لا يري الوطن أساس الآمة ويقول ( إن العصبيات الوطنية قطعت أرحام الأم) .

لذلك دعا إقبال دولة باكستان في الهند لتضم المسلمين الذين تجمعهم عقيدة واحدة وهدف واحد في الحياة ولتقوم بواجبها الذي تفرضه شريعة الإسلام على المسلمين ولقيت دعوته في أول الأمر معارضة حتي من زعماء المسلمين ولكن واقع الحياة في لهند واختلاف طوائفها اختلافا كبيرا في العقيدة والعادات واللغة والأخلاق جعل انفصال باكستان عن الهند ضرورة لا محيد عنها .

نتائج دعوة إقبال :

كان من أهم نتائج دعوة إقبال قيام دولة باكستان بعد وفاته بتسع سنوات سنة 1947 وبذلك تحققت للمسلمين أمنية من أعز الأمنيات وهي جمع شتات المسلمين في الهند وتعاونهم في العمل لخير المسلمين والعالم أجمع وتحقيق أهداف رسالة الإسلام السامية .

وتقوم الباكستان بجهود جبارة في العمل والإصلاح كانت مثارا إعجاب جميع من راقبوها وهي تسير في حياتها الاستقلالية بخطي ثابتة كتب أحد الباحثين بعد قيام باكستان فقال :( ليس في وسع منصف أن ينظر إلى العمل الرائع الذي تم في هذه الدولة الناشئة خلال خمس سنوات بغير نظرات الإكبار وليس فيوسع منصف أن ينكر عليهم صدقهم واقتدارهم وحسن تصرفهم للأمور التي تجل أحيانا عن التعريف ) .

الشهيد مالكولم أكس

ولد الشهيد مالك الشباز أو ( مالكولم أكس) سنة 1925 ,لأب قسيس معمداني قتله البيض في طفولة مالكولم. وقد عاش طفولة تعيسة تعصرها الفاقة والتشرد قادته إلى الجريمة , ومن ثم إلى النتيجة الحتمية وهي السجن سنة 1946 .

عاش في السجن ت سنوات بين 1946 -1952 حيث سمع لأول مرة بجماعة المسلمين السود وزعيمها " اليجا محمد " ومبادئ هذه الجماعة خليط من العقائد الإسلامية وأحقاد السود على الأمريكان .

بين سنتي 1952 -1962 بلغ مالكولم كل حظوة وتقدير من اليجا محمد بعد أن انخرط في جماعته .

وفي سنة 1963 – نيسيان 0 تعمق الخلاف بينهما بعد مقابلة شخصية ومناقشة في الشائعات الخلقية حول اليجا محمد .

واستمر مالكولم في اعتقاده الإسلامي المشّوه,وكفاحه العنيف لتحرير الزنوج حتى سافر حاجا سنة 1964 وتنقل بعد الحج بين بيروت والقاهرة والجزائر وغيرها من البلاد الإسلامية , وكانت نقطة التحول في حياته وقال في نيويورك بعد عودته من الحج :

[في أرض محمد وإبراهيم وهبت نعمة النظر السليم للإسلام وقد كنت قبلها عنصريا ولكنني اليوم قد حدت بوجهي عن العنصرية]

واخذ يبشر بالإسلام الصحيح ويجاهد في سبيل نشره بين الزنوج حتى كانت مؤامرة اغتياله أثناء محاضرة كان يلقيها عن الإسلام حيث أطلق عليه مأجورين ثلاثة النار من بندقية حربية ومن مسدسين وعلى بعد ثمانية أقدام منه ثم وقفوا فوق الجثة وأخذوا يجهزون على الداعية المغدور بالمسدسات حتي تكسرت أفخاذه وأقدامه وفكه وانبجس الدم من كل جزء فيه وارتفعت روحه إلى بارئها ...

جواد رفعت أتيل خان

هو المجاهد الكبير الجنرال جواد رفعت أتيل خان ولد في تركيا عام 1889 وتوفي عام 1967 وعاش ثمانية وسبعين عاما قضاها في الجهاد ضد أعداء الوطن في الداخل والخارج .

ففي أثناء الحرب العالمية الأولى قاتل في جبهة سيناء ونقل بعد أن جرح رئيسا للاستخبارات في الجيش التركي الرابع المرابط في دمشق وكان آنئذ برتبة رئيس وعندما عاد إلى تركيا اشترك في حرب التحرير ضد الانكليز الفرنسيين واليونان الذين احتلوا قسما كبيرا من تركيا واستطاع أن يجمع فلول الجيوش العثمانية المندحرة وأن يسلح الأهالي ويحرر بهم ساحل البحر الأسود وإن يتقدم باتجاه أنقره لذا منحه مجلس النواب التركي في أول اجتماع له بعد الاستقلال الوسام الوطني الذهبي كما منحته قيادة الجيش رتبة جنرال . ثم انتقل الفقيد إلى الجهاد الأكبر في محاربة الأعداء في الداخل ممن عملوا على تحطيم الدولة و إضعافها. وكان في المقدمة اليهود الذين عملوا في إسقاط الدولة وتكالب الأعداء عليها والتخريب في الداخل ليتسني لهم تحقيق حلمهم بتأسيس دولة يهودية في فلسطين وخاصة التشكيلات اليهودية السرية التي يحاول اليهود أن يسيطروا بها على العالم باتخاذ شعارات ووسائل مختلفة من ماسونية وشهود يهوه وروتاري وليونز كلوب الخ ..

ولأول مرة منذ غروب شمس الدولة العثمانية يشيع جثمان محمولا على الأيدي ومصاحبا بالتكبير في تركيا وأذكر أني زرته مرة فرايته غائصا في تفكير عميق فقال لي :

بني لقد وصلت بأعدائنا الوقاحة إلى حد الاستخفاف بنا لقد فكروا بشرائي لقد زارني قبل هنيهة فلان وفلان – وهم من كبار الماسونين الأتراك – وعرضوا على مأئتي ألف ليرة على أن لا أطبع كتابي [ إسرائيل ] وأتلفه ولما أعلمتهم أن هذا غير ممكن انتقلوا إلى التهديد لقد قالوا فيما قالوا : أنك تعلم مدي قوتنا,وبأننا أزلنا من هو اقوي منك ( يقصدون قريبه السلطان عبد الحميد خان) أفلا يمكننا إزالتك ؟

فقال لهم رحمه الله : لا.... فقد أصلت كلمتي إلى كل من لم تستطيعوا تحذيره بعد ولأنني قد أمنت نفسي في مؤسسة عظيمة فلا تقدرون على إلا بإذنها . قالوا : ومن . قال : الله

جواد رفعت خان في صحافة تركيا :

نشرت جريدة " يني استانبول " ف يعددها الصادر في 5 شباط :

انتقل إلى رحمته تعالي مع إطلالة فجر البارحة الجنرال المتقاعد جواد رفعت أتيل خان الذي قضي عمره في محاربة اليهودية وأعداء الإسلام وسيصلي على جثمانه في هذا اليوم والمرحوم أبرز من عرف في محاربة الصهيونية وكشف حجمها وكان المرحوم يجيد العربية والفرنسية والانكليزية .

ومن أشهر كتبه :

1- كسف عملت الماسونية علي محو الإسلام .

2- حقيقة الماسونية.,

3- إسرائيل.

4- أيها المسلم هذا عدوك .

5- بنو إسرائيل وحقيقتهم .

6- المحاولات التي جرت للقضاء على الإسلام .

7- من مذكرات الجاسوسية " سوزي ليبرمان" اليهودية .

8- الجواسيس اليهود في جبهة سيناء .

9- لماذا أحارب الماسونية ؟

10- الإسلام والترك ضد الماسونية...


عبد المحسن الأسطواني

ولد الفقيد عام 1275هـ 1859م في دمشق من أسرة من أكرم الأسر الدمشقية وأغناها بالعلم والعلماء وترجع أرومتها إلى بعض النجباء من أبناء فلسطين الذين انتقلوا إلى دمشق أيام إقامة شيخ الإسلام العلامة أحمد بن تيمية فيها فتتلمذوا عليه وأخذوا عنه الفقه الحنبلي حيث تمذهبت أسرته من بعده بالمذهب الحنبلي إلى قريب من مائة وخمسين عاما خلت ثم تمذهب بعد ذلك بالمذهب الحنفي فنشأ فيها علماء الجلاء في الفقه الحنفي كان منهم والد الفقيه العلامة الكبير الشيخ عبد القادر الأسطواني رحمه الله .

تلقي علومه الأولي على أبيه وعلى كبار علماء دمشق في ذلك الحين ومنهم الشيخ سليم العطار والشيخ سعيد الأسطواني والشيخ محمود الحمزاوي وغيرهم .

تقلب في الوظائف العلمية والسياسية من اكتمال شبابه حتى سنوات خلت وكانت أول وظيفة عمل فيها هي أمانة الفتوي في دمشق وعمره حينذاك لم يتجاوز الثلاثين من العمر وبقي في هذه الوظيفة حتى قبيل الحرب العالمية الأولى حيث نجح في الانتخابات وعين نائبا في مجلس المبعوثان العثماني عام محمود الحمزاوي وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى اختاره الملك فيصل من بين الشخصيات النابغة لإرساء قواعد حكمه فاختاره في عام 1919 عضوا في مجلس الشورى الذي كانت مهمته تنظيم سياسة البلاد وإدارتها وتأليف حكومتها ثم عين رئيسا لهذا المجلس واستمر في رئاسته حتى عام 1924 حيث حله الفرنسيون بعد أن ضاقوا ذرعا بوقوفه في وجه سياستهم الغاشمة وقوانينهم الجائرة .

ولما اندلعت الثورة السورية ضد الاستعمار الفرنسي عام 1926 شددت السلطات الاستعمارية الرقابة عليه وعلى إخوانه من أعضاء مجلس الشورى مما اضطره إلى الإقامة في بيروت ثم عاد غلى دمشق عام 1927 بعد انتهاء الثورة فعين قاضيا شرعيا ممتاز الدمشق وبقي في هذا المنصب حتي عام 1936 حيث عين رئيسا لمحكمة التمييز الشرعية مدي الحياة ( استثناء من قانون التقاعد) نظرا لغزارة علمه وعظيم استقامته وكفاءته.

ولما حصل انقلاب حسني الزعيم عام 1949 أصدر قرارا بإلغاء جميع الاستثناءات فأحيل إلى التقاعد بعد أن خدم الدولة بما يزيد عن سبعين عاما كا فيها مثال العالم الجرئ العامل لخير أمته وبلاده والذي لا يخشي في الله لومة لائم .

ومنذ ذلك الوقت لزم داره وعكف على مطالعة الكتب ومجالس العلم والأدب وكان له في أواخر حياته مجلس أسبوعي مع كبار الشخصيات السياسية والعلمية في دمشق منهم الرئيسان الفقيدان محمد على العابد وهاشم الأتاسي والعلامة الفقيد فارس الخوري وغيرهم من شيوخ العلم والسياسة والأدب وقد عرف مجلسهم هذا " بمجلس الشيوخ " وكنا تحدث عنه نحن الشبان أنئذ ونتمني حضور جلسة من جلساته الممتعة لولا ما كنا نتحلي فيه من " صغر السن " !..

أبرز ما في تاريخ حياته رحمه الله أربعة جوانب رئيسية:

أ‌- حياته العلمية عرف الفقيد رحمه الله بالذكاء والنباهة منذ نعومة أظفاره وهذا ما أهله لمنصب أمين الفتوى وهو لما يتجاوز الثلاثين , كان حسن الفهم لما يقرأ أو يسمع حسن الاستيعاب لهما قوي الذاكرة سريع البديهة ما جعله محل إعجاب شيوخه وكبار رجال عصره .

اتفق أن ذهب أثناء الحرب العالمية الأولى مع الهيئة العلمية برئاسة الشيخ أبو الخير عابدين مفتي الديار الشامية آنذاك إلى استانبول للإطلاع على أحوال الجنود العرب في الجيش التركي المرابط على الدردنيل وهناك طلب منه إلقاء درس فيجامع السلطان بعد صلاة لجمعة على غير استعداد منه فألقي درسا حضره كبار علماء الإسلام والمشايخ والأمراء والقضاء وكبار رجال الدولة وعدد غفير من طلاب العلم وجماهير المصلين في المسجد استحوذ على إعجابهم جميعا فما انتهي من درسه حتي أقبلوا عليه يقبلون يده ويبدون له عن عظيم تقديرهم لعلمه وفضله ثم بعد أيام أقام السلطان رشاد حفلا تكريميا لوفد الهيئة العلمية فخض فقيدنا الكبير بأكبر قسط من رعايته وتقدم إليه فقبل يده أمام كبار رجال الدولة وعلمائها وأمرائها ووزرائها وهذه أول مرة تقع من سلاطين بني عثمان الأواخر على ما نعلم .

ولما تولي رئاسة محكمة التمييز الشرعية ظهرت آثار علمه الغزير وفهمه العميق فكانت تصدر عنه الأحكام التي لا تزال مرجع الحكام والقضاة في دقتها وصوابها .

وقد شغل منصب أستاذ في معهد الحقوق ( كلية الحقوق) منذ تأسيسه عام 1923 فدرس مجلة الأحكام العدلية وأحكام الأوقاف وكان مثال العالم المحقق الذي يدرس النص من خلال أهداف روح التشريح مما ترك أعمق الأثر في نفوس تلاميذه وزملائه أساتذة المعهد .

ب‌- حياته الوطنية: رأينا كيف كان الفقيد ممن أدوا إلى بلادهم أجل الخدمات إبان العهد الفيصلي باختيار الرجال الأكفاء لإدارة الدولة وإصدار القوانين اللازمة لإشادة بناء الدولة الجديدة وذلك خلال عضويته ورئاسته لمجلس الشوري ثم كيف وقف في وجه أطماع الفرنسيين وقوانينهم الجائرة مما حملهم على حل مجلس الشورى والتخلص ومنه ؟

وفي عهد الانتداب لفرنسي جاءه بعض علماء دمشق والطائرات الفرنسية تضرب دمشق يطلبون إليه التوجه إلى الجامع الأموي للدعاء على الفرنسيين فانتهزهم قائلا :" الدعاء على الأعداء في المساجد صنيع المقعدين والعدو بحاجة إلى مقاومة فإلي السلاح ".

وفي عهد الاستقلال عام 1936 زاره في بيته رئيس الجمهورية مع أقطاب الكتلة الوطنية اعترافا بفضله وطلبا لنصحه وإرشاده في فجر الاستقلال فقال لهم :

قال الله تعالي في كتابه الكريم ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم ما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) ( يقصد الشيخ بذلك التنبيه إلى خطر أولئك الذين كانوا أعوان المستعمر في بطشه وعدوانه ) ثم قال : وروي البخاري عن رسول الله صلي الله عليه أنه قال : ما بعث الله نبيا ولا استخلف خليفة إلا كانت له بطانتان : بطانة تأمره وتحضه عليه , وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه والمعصوم من عصمة الله " ثم أخذ الشيخ يوجه نصائحه إلى رجال الحكم في عهد الاستقلال فما أتم حديثه حتي أهوي الفقيد الكبير سعد الله الجابري ( رئيس الوزراء) على يديه فقبلهما وكذلك فعل الآخرون .

جـ - حياته الأخلاقية : عرف الفقيد بدمائه الأخلاق وصدق الحديث ونزاهة الحكم , وجرأة الجنان , والعطف على المضطهدين والمظلومين في كل دعوي ترفع إليه , فكان ينصفهم ويحكم بالحق على خصومهم مهما كانت منزلته عالية واتفق أن عالما كبيرا من علماء دمشق توفي فطلب ابنة من الشيخ أن يحل محل أبيه في وظائفه الدينية فأبي الشيخ وقال له :

أنت لا تصلح لذلك فغضب ذلك الرجل وكان يحتل منصبا عاليا في الدولة وهدد الشيخ بعزله وقطع راتبه وتم للشيخ ما أراده دون أن يعبأ بتهديد أو وعيد .

وكان رحمه الله مع شدته في الحق صاحب نكتة ودعابة لا تفارقه في أغلب أحواله ومما يذكر عنه في ذلك أن أحد تلاميذه توفي فقام ابنه بتوزيع شراب ( العرقسوس ) صدقة عن روحه في كل شهر , وأراد الولد أن يعرف رأي الشيخ في صنيعة هذا فقال له :" رأيت والدك في المنام فأخبرني أن أهل الجنة قد غرقوا من العرقسوس فغادروها ,وبقي أبوك وحده في الجنة فهلا رحمته فأرسلت إليه بعض الطعام ليأكل ؟...".

د- تعميره : عاش الشيخ رحمه الله مائة سنة وثماني سنوات ظل إلى آخر لحظة فيها محتفظا بذاكراته العجيبة ولم يحتبس في البيت إلا في السنتين الأخيرتين من عمره وقد سئل عن سر طول عمره فأجاب بأنه طوي الفراش منذ الستين ( كناية عن بعده عن الحياة الزوجية ) وأنه كان قليل الطعام يأكل كل يوم وجبتين خفيفتين في الصباح في الصباح والمساء , وبأنه اعتاد أن ينام بعد صلاة العشاء مباشرة في الغالب ويستيقظ قبل بزوغ الفجر وأنه كان يقول لأهله لا تخبروني عن شئ من الأخبار البيتية المزعجة ... هكذا قال رحمه الله والآجال بيد الله ولكل شئ سبب.

ومن المناسب أن هنا نذكر هنا أن زوجته قد توفيت منذ سنتين وهي تشرف على التسعين وأن له شقيقة لا تزال على قيد الحياة قد بلغت أكثر من خمس وتسعين سنة.

وبعد فلقد فقدت دمشق والعالم الإسلامي بوفاة العلامة الكبير الشيخ عبد المحسن الأسطواني وجها كريما من أكرم وجوه علمائها شدة في الحق ونزاهة في السيرة وإخلاصا للعلم ولئن كان الموت نهاية كل حي فإن جيلنا الذي يعيش أصعب فترات تاريخ أمتنا فتنا ومشكلات قد فقد بوفاة الشيخ الكبير تاريخا حيا حافلا بالأحداث تاريخ أتنا فتنا ومشكلات قد فقد بوفاة الشيخ الكبير تاريخا حيا حافلا بالأحداث تاريخ قرن كامل شهدت فيه أمتنا من منعطفات التاريخ ما حول سيرها وكيانها وحياتها الاجتماعية فالخسارة بالفقيد الكبير خسارة متعددة الجوانب يرحمه الله ويحسن إليه ويجعل سيرته في الخالدين .

محمد بن إبراهيم

ولد في الحجاز وتوفي فيها عام 1389هـ 1970م.

تولي الإفتاء الأكبر للبلاد السعودية كما عهد إليه الإشراف على مدارس البنات عمل على إنشاء المعهد العالي للقضاء , ليعد القض العالم الصالح.

كما أنشئ في عهده وتحت رعايته ما يربو على الخمسين كلية ومعهدا دينيا .

كان له دور كبير في نشر الثقافة الإسلامية في الأراضي الحجازية المباركة .

كما أنشئت تحت رعايته وإشرافه بالتعاون مع الشيخ عبد العزيز بن باز الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والتي تضم طلابا من جميع أنحاء الدنيا.

كما كان رئيسا لرابطة العالم الإسلامي التي عملت على جميع شمل رجالات العالم الإسلامي ونشر الدعوة في كثير من أقطاره .

كما كانت حياته مملوءة بالنافع من علم يقرأ أو يسمع ففي الزمن السابق كان يتولي التدريس في حلقات يعقدها في مسجده في الرياض وعندما كثرت أعماله كان يقتصر على بعض الدروس العامة في التوحيد والتفسير والموعظة .

وقد عرف ملوك آل سعود مكانته فكانوا يولونه الاحترام ما يستحقه ويفزعون إليه في الفتوي ويستجيبون لما يطلب ويعودونه في مرضه ويبادلونه التهنئة في العيد .

اشترك في مؤتمر العلماء الذي كان له شأنه العظيم يوم أن اختلف فيصل بن الدرويش وجماعته مع الملك عبد العزيز .

البشير الإبراهيمي

ولد محمد البشير الإبراهيمي في 14 كانون الثاني عام 1889 بدائرة ( سطبف بالجزائر حيث تلقي تعليمه الأولي فحفظ القرآن، الكريم ودرس بعض المتون في الفقه واللغة العربية .

وفي سنة 1911 توجه نحو المشرق العربي فمر بالقاهرة حيث تعرف على بعض شعرائها ومفكريها وبعد نحو ثلاثة شهور قصد المدينة المنورة بالحجاز فأقام فيها وتفرغ للدراسة كطالب علم ظل يتردد على أساتذة اللغة والدين وعلى مكاتب المدينة فدرس واطلع على الكتب القديمة والحديثة برغبة ملحة في التحصيل والاطلاع .

في هذه الأثناء وصل إلى المدينة المنورة عبد الحميد بن باديس قادما من الجزائر عام 1912 فتم التعرف بينهما , وتواصلت اللقاءات بينهما ثم عاد ابن باديس إلى الجزائر أما البشير الإبراهيمي فقد انتقل سنة 196 إلى دمشق حيث باشر فيها نشاطا إسلاميا حتي أواخر سنة 1920 حيث عاد الى الجزائر ...

الفترة الثانية :

بعودة البشير الإبراهيمي إلى الجزائر تبدأ الفترة الثانية من حياته فشرع في التعليم كزميله وصديقه عبد الحميد بن باديس واستمرت علاقاتهما التي بدأـ في الحجاز تتوطد ومشاوراتهما تتكرر واتصالاتهما تتسع فلما كانت سنة 1931 أسست جمعية العلماء المسلمين الجائريين في 5 مايو كرد فعل على الاستعمار الذي عمل الاحتفال بالعيد المئوي للاحتلال وانتخبت الجمعية عبد الحميد بن باديس رئيسا لها والبشير الإبراهيمي وكيلا فواصل الرجلان عملهما مع سائر أعضاء الجمعية وازدادت مسؤولياتهما وأسست الجمعية صحف " الشريعة " و" السنة" و" الصراط ثم " البصائر" التي صدرت سنة 1935 والتي استطاعت أن تنقل صوت الجمعية خارج الجزائر فقال عنها احدهم فى المشرق العربي " طلعت عنا البصائر , من عاصمة الجزائر فأسمعت العالين الشرقي والغربي صوتها العالي المرفوع ".

واصل البشير الإبراهيمي نشاطه ضمن الجمعية كشخصية بارزة مؤثرة حتى كانت الحرب العالمية الثانية فأبعدت السلطات الاستعمارية بعض أعضاء الجمعية وفرضت على بعضهم الإقامة الجبرية كما اعتقلت آخرين في السجون فأوقف بن باديس في قسنطينة وابعد الإبراهيمي إلى " آفلو" بالغرب الجزائري حيث أوقف أيضا وبعد نحو أسبوع فقط توفي ابن باديس . أفرج عن البشير الإبراهيمي سنة 1943 فاستمر في ممارسة عمله كرئيس لجمعية العلماء بعد وفاة ابن باديس وأثناء حوادث 1945 التي أبيد فيها الآلاف من أبناء الجزائر بين الذين طالبوا بحقهم في الحرية والحياة .

ثم أعلنت الحكومة الاستعمارية ".... كأنها رأت عدد القتلي منا لم يبلغ النصاب المقرر فحكمت محاكمها العسكرية على العشرات بالإعدام ونفذته فيهم " أما عن إطلاق سراح المعتقلين فيقول ".... سراحنا باسم العفو العام والامتنان كأننا مجرمون ألحقنا العفو لا مظلومون برأتنا العدالة "

بعد هذه الحوادث التي كشف فيها الاستعمار عن وجهه الحقيقي ونياته الحاقدة استأنف الإبراهيمي نشاطه رئيسا للجمعية فأعاد صدور جريدة " البصائر سنة 1946 بعد توقف دام أكثر من خمس سنوات ..

الفترتان الثالثة والرباعة :

لقد كانت حركة جمعية العلماء مرحلة هامة في يقظة المجتمع الجزائري وكان أثرها أبرز في الميدان الإصلاحي والتعليمي مما ساعد على خلق مناخ فكري أخذ في الانتعاش تدريجيا لكنه في حاجة إلى عناصر وطنية تشيع فيه روح الحياة أكثر.

من أجل ذلك سافر البشير الإبراهيمي سنة 1952 إلى بعض البلدان العربية والإسلامية ملتمسا من بعض حكوماتها أن تخصص منحا دراسية للطلبة الجزارئيين ولم يشأ البشير الإبراهيمي أن تتوقف مهمته عند هذا الحد . أما الفترة الرابعة فهي فترة النهاية شيخوخة تحد من الحركة والنشاط ونسيان أو تناس وتنكر له من طرف البعض عاد الإبراهيمي إلى وطنه واتصل بالأمة الجزائرية في أول صلاة أم فيها الجمهور بمسجد " كتشاوة" الذي أعيدت له صفة المسجد بعد أن كان الاستعمار قد حوله إلى كنيسة كان ذلك الاتصال بالجمهور عن طريق الإذاعة التي نقلت خطبتي الجمعة فأعادت كلماته للكثيرين من رفاقه وغيرهم أعذب الذكريات وأحلاها لكن الصمت لا يلبث أن يفرض نفسه عليه فعاني وتألم . وفي 19 مايو 1965 توفي الإبراهيمي فودعته الأمة الجزائرية بقلوب حزينة وعيون دامعة عليه كشخص من رجال الإصلاح فيها وأحد بناة نهضتها الفكرية الحديثة من الذين عملوا لإصلاح مجتمع وأسهموا في تكوين شبابه وإرشاده وتثقيفه .

أغمض البشير الإبراهيمي عينه في بلاده وحاز قبرا في ثراها كما كان يتمني انتهي كشخص من الحياة وبقي في ماله من أعمال وآثار بين الناس

في مواجهة الاستعمار :

كان البشير الإبراهيمي الشخصية الثانية البارزة بعد أن باديس فكان ساعده وعضده في المعركة الإصلاحية فعمل لتأسيس المدارس وتعميمها وخلفه بعد وفاته رئيسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين فواصل المسيرة التي بدأها مع ابن باديس علاملا من أجل إيقاظ النفوس الخاملة منددا بالبدع المتفشية ناصحا للأمة بضرورة الاتحاد والتآزر داعيا لنبذ الخلافات الحزبية الضيقة والقضاء على الروح الإقليمية المتفشية في كثير من النفوس المتحجرة معرضا بالصراعات الشخصية التي تخدم الأفراد والاستعمار وليست في صالح المجتمع الجزائري وتطوره ساعيا من أجل تكوين شباب الوطن ثقافيا وتوجيهه عقديا مناوئا للاستعمار في نطاق وسائله الفكرية وحدود استخدامها .

تبرأ الإبراهيمي من أن يوصف بالسياسي وأن جمعية العلماء أيضا ليست جمعية سياسية ولكنه جمعية دينية . وسواء قال الإبراهيمي هذا عن اقتناع وصدق أم قاله تجنيا لمضايقات العدو فإنه لما لا حقه الاستعمار ولاحق أعضاء الجمعية باسم السياسة فإن الإبراهيمي جهر بالقول : (... ولنكن علماء وسياسيين ولنكن كل شئ يحمي أتنا ويحمي ديننا ولغتنا ... مادمت لا تجد صاحبك إلا حيث تكره , فمن العدل ألا يجدك صاحبك حيث يكره ).

وكان البشير الإبراهيمي صوته الواضح المعبر عن مشاعر الأمة الجزائرية, أو عن أغلبية وطنية يستجيب للأحداث اليومية ويتخذ منها موقفا وله فيها رأي .( ابدأ بما شئت واختم بما شئت من النظم والقوانين التي تساس بها الجزائر تجدها كلها دائرة في مبادئها وغاياتها على محور واحد : هو احتقار المسلم الجزائري وبغضه .. هلم تجد الاستعمار يقول لك أنا أحق منك بالتصرف فيد دينك . فقد أصبحنا لكثرة ما بلونا من سرائر السياسة الاستعمارية وعجمنا من أعوادها نفقه كثيرا من اتجاهاتها ومراميها ).

لن ننكر أبدا الأثر الذي أحدثته التنظيمات الوطنية الأخرى في سبيل بعث وعي وطني , لكن جمعية العلماء كانت أكثر تأثيرا في الجمهور لطابعها الديني الذي يشد إليها جماهير المواطنين , خاصة عندما تري هذه الجماهير أن الدين غدا وسيلة لإثبات الشخصية الوطنية التي من بين دعائمها اللغة الوطنية كان للجمعية أثرها في مختلف الأوساط في المدن والقري فاستجابت الفئات الشعبية تبذل الإعانات المادية وتقدم الهبات لبناء المدارس وتعليم العربية الأمر الذي أغاظ الاستعمار وأثاره فإذا كان يصعب عليه منع المقبلين على التعليم العربي فإنه حاول أن يقيد هذا التعليم فالمدارس لا تفتح إلا برخص والمعلمون لا يباشرون عملهم غلا بشروط تخضع للظروف والملابسات والمعلمون هم عرضة للمضايقات والدعوات إلى السجون .

يقول الإبراهيمي في احدي هذه المناسبات ...( كان التعليم جريمة يترتب عليها العقاب ... بدأت دعوة المعلمين تتري ,ونحن نقدر أنها ستعم وأن أول المطر قطر وإن الأحكام ستكون بالغرامة فالسجن ولكننا سندخل هذه المحاكم برؤوس مرفوعة وسنتلقي هذه الأحكام بنفوس مطمئنة بالإيمان وحسبنا شرفا أن يكون ذلك في سبيل ديننا ولغتنا ...وحسب الاستعمار ديمقراطية ان يحاكم معلمي العربية والإسلام)و( يحرم الاستعمار الفرنسي التعليم على ملسمي الجزائر ويفرضه على أبنائه في وطنه فأعجب لشئ واحد يحرم في وطن ويفرض في وطن ومن عرف الاستعمار معرفتنا به لم يعجب ولم يندهش خصوصا في وطن كالجزائر لغته العربية ودينه الإسلام ).

الأستاذ والمرشد :

في الفترة الثانية من حياة الإبراهيمي عمل أستاذا ومرشد بعد عودته من المشرق ثم سافر في الفترة الثالثة سنة 1952 حرصا على مستقبل الطلبة وفي أثناء إقامته هناك طيلة عشر سنوات كان الأب العطوف للطالب الجزائري .

هؤلاء الطلبة الذين كانوا يسافرون للدراسة خارج الجزائر كان يعلق عليهم الإبراهيمي آمالا كبيرة وكان وهو في الجزائر لا يفتر في إسداء النصح لهم وتذكيرهم بواجباتهم نحو وطنهم فمثلم أعطي كثيرا من اهتمامه للتعليم داخل الجزائر لم يهمل الطلبة وهم خارج الوطن قال في إحدي كلماته التوجيهية يخاطب الطلبة ... ( ها أنتم هؤلاء تبوأتم من مدارسكم ميادين جهاد فاحرصوا على أن يكون كل واحد منكم بطل ميدان ... كنا أول من نام وآخر من استيقظ.... نهدم ونرفع الأنقاض ونبني ونعمر في آن واحد).

ثم يخاطب الطلبة الجزائريين خارج الوطن ..( أعيذكم بالله وبشرف العلم أن تعودوا إلى الوطن كما فارقتموه بنصف قارئ وربع قارئ ,وعشر قارئ ) ثم يصيف ( ... أنتم يا أبناءنا – بواكير نهضة علمية وقد أطل زمانها وظهرت تباشير فجرها الصادق ... والعلم هو أساس الوطنية وقطب رحاها ومركز دائرتها ودليل سيادتها .. لاحق لكم بل الحق كله للوطن عليكم ) .

وما كان يغيب عن الإبراهيمي النزعات أو التيارات التي يمكن أن تحرف الطالب وتصرفه عن هدفه ..الأساسي وتضله فيكون بذلك قصر في حق وطنه يقول في مثل هذه المواقف يخاطب الطلبة الجزائريين ( أن لصوص العقول أفتك من لصوص الأموال , واشد منهم عبثا وإفسادا .. أعيذكم بالله ويشرف لعلم وبأمانة الوطن أن تنفقوا من أوقاتكم في غير الطلب والتحصيل للعلم .. إن هذه الأمة يا أبنائي هي أمتنا وهي رأس مالنا وهي مناط قوتنا ومظاهر أعمالنا فعلينا أن نراعي شعورها في غير واجب يترك أو محرم يؤتي ).

يقول الإبراهيمي : أن ( من أراد أن يخدم هذه الأمة فليقرأها كما يقرأ الكتاب وليدرسها كما يدس الحقائق العلمية فإذا استقام له والعمل وأمن الخطأ وضمن المجتمع والتمام له .. أن،ي جربت ودرست وأنني قرأت هذه الأمة وفهمتها ) درس المجتمع الجزائري فكان لسانا معبرا عنه أيام محنته دفاعا عن قيمة وعقيدته وقوميته ورفض كل محاولة تدعوا إلى الاطمئنان للعدو المحتل أو التعاون معه ( يعذر النائم ولا يعذر المستيقظ والأمة نامت نوما طويلا وثقيلا ... أفاقت الأمة الجزائرية إفاقة غير منتظمة لأن الأحداث التي سببت لها النوم حقنتها بأنواع شتي من المخدرات ) ولم يهلم التشهير بكل نزعة تكون سببا في زرع الخلافات في أوساط الشعب الجزائري ( أصل دائنا التفرق والخلاف ومن الخلاف تشعبت شعب تلتقي معه في الأثر والنتيجة والشر والضر فأذكر الخلاف تذكر التخاذل والأنانية وهن العزائم والتفريط في المصالح الوطنية وأذكره تذكر كل مرض عقلي تعانيه .

وعن حسه العربي والإسلامي يقول ... ( قومي هم العرب أولا , والمسلمون ثانيا فهم شغل خاطري وهم مجال سرائري وهم مالئوا أرجاء نفسي ) وقد أساءه أ ن تكون هناك أقطار عربية أو إسلامية اسما لا فعلا لا تفعل ما يخدم العروبة أو الإسلام .... ( هذه ممالك العروبة والإسلام كثرت أسماؤها وقل غناؤها وهذه أحوال العرب والمسلمين الذين يقبل عليهم العيد فيقبل بعضهم على بعض يتقارضون التهاني ويتعللون بالأماني الإلا أعدل إذا لقيت الأعياد بوجه عابس ولسان بكي وقلم جاف وقلب حزين ؟"

ويتجاوز بعد ذلك إظهار الاستياء إلى الدعوة الصارخة لتغيير الوضع ( نأسي عليك يا شرق أن تتقاذفك الأقدار فتنقلب من عبادة الأصنام الحجرية إلى عبادة الأصنام البشرية فمتي تنهض بمن يكسر هذه في الآخرين كما كسرها محمد في الأولين ) كما اهتم بالقضية الفلسطينية في المقدمة ( أ‘مال عرب فلسطين مقدمة فأين الكتاب ؟ وطالبهم فأين لكتائب ؟ وواجب فأين ما لا يتم الواجب إلا به ؟).

كانت ثقافة الإبراهيمي ثقافة عربية متينة درس التراث وتمثلها فكان من أبرز الأثر في كتاباته . ولم تكن كتاباته مجرد صدي لهذه الثقافة التقليدية بل فيها ابتكار وأصالة تستوحي التراث لكنها تعبر عن وجدان صاحبها وتعكس ذاته متانة العبارة وقوة في الأداء ورشاقة في الصياغة يميل إلى السجعة لكنه لا يخضع لها بل يخضعها لمقصده الذي يريده لأداء المعني كاملا لا لمجرد اكتمال الشطرة أو الوحدة , من أقوله في مثل هذه المواضع ... ( أيها الأعراب هل فيكم بقايا من حرب محارب , دبت بينكم العقارب وأنتم أقرب , فتكدرت المشارب وتقوضت المضارب وغاب المسدد في الرأي والمقارب ).

لقد أحب الإبراهيمي وطنه وأخلص له وأحب أمته وتعلق بها ناصحا موجها فكانت شخصيته مؤثرة في الإصلاح والثقافة والتربية والدب وكان له دوره البارز ومواقفه الواضحة فاحتل مكانة خاصة في الوطن وخارجه ..

(ب)

عبد الحميد بن باديس

مالك بن نبي

على فؤاد باشكيل

عبد العزيز الدبري

مصطفى بولات

محمد جميل بيهم


عبد الحميد بن باديس

ولادته ونشأته :

ولد في 5 / 12 / 1889 بقسنطينة في أسرة لها تالد من علم وفضل يشهد به تاريخ الجزائر من عهد المعز بن باديس الصنهاجي إلى العهد العثماني حيث كان أبو العباس أحميدة بن باديس من أشهر قضاة قسنطينة وأفاضل علمائها غير أن العصور المظلمة قضت على ما كانت تتمتع به هذه الأسرة وغيرها من الأسر الجزائرية من علم ومجد وبطولة ورجولة وكمنت تلك الخصائص والمميزات إلى أن تجلت في عبد الحميد فكان همزة وصل ربط الأواخر بالأوائل , وجدد أمجاد الجزائر وأزال عنها غبار الخمول والنسيان .

تعلمه :

حفظ القرآن على الشيخ محمد بن الماداسي وتلقي مبادئ العلوم على الشيخ أحمد حمدان الونيسي بجامع سيدس محد بن النجار بقسنطينة وقد أخذ عليه عهدا بأن لا يعمل عملا للحكومة ولا ينخرط في وظائفها ووفي عبد الحميد بهذا العهد وأخذه على بعض تلامذته الذين توسم فيهم خدمة الصالح العام .

هجرته في طلب العلم :

هاجر شيخة حمدان إلى الحجاز فتاقت نفس عبد الحميد إلى جامع الزيتونة فذهب إليه سنة 1908 فتلقي العلم على علمائه حتي أحرز على شهادة التطويع في العلوم وهي من أكبر الشهادات العلمية في ذلك العهد وكان من شيوخه الذين لهم أثر في توجيهه العلمي الشيخ محمد النخلي رحمه الله والشيخ الطاهر بن عاشور حفظه الله .

سفره إلى الشرق

ما كاد يستقر بقسنطينة بعد عودته من تونس سنة 1912 حتي تحركت في نفسه دواعي الشوق إلى البقاع لمقدسة فحج واعتمر وجدد العهد بشيخه حمدان وروده هذا برسالة إلى الشيخ محمد بخيت أحد علماء عصره في مصر فاتصل به وبكبار الشيوخ ورجع من هناك بإجازات وأسانيد .

مباشرته للتدريس

عاد إلى قسنطينة ورابط بمسجد سيدي قموش يقضي بياض يومه في تعليم الشبان مبادئ العلوم والإسلام الصحيح , ويوجههم التوجيه الحسن , وعند إقبال الليل يلتفت إلى الكهول والشيوخ المتلفين حوله بالجامع الأخضر يدعوهم إلى الله علي بصيرة ويذكرهم بأيام الله فكانت مجالس دروسه كثيرة الزحام تخرجت عليه طبقة من العلماء والأدباء امتازوا بعمق التفكير وصدق التعبير فكانوا بحق رواد النهضة الجزائرية في العلم والأدب والوطنية .

اشتغاله بالصحافة :

كان من مؤسسي جريدة النجاح ثم تخلي عنها وأسس سنة 1925 جريدة المنتقد وتولي رئاسة تحريرها وأسند إداراتها للشهيد أحمد بوشمالي وكان من كتابها الشيخ مبارك الميلي والشيخ الطيب العقبي رحمهما الله وقد نشرت في عددها السادس مقالا للميلي تحت عنوان إلى الدين الخالص ومثل هذه لقصيدة وذلك المقال يعد جراءة كبري في ذلك العهد .. لتناولهما العادات المألوفة بالنقد والتجرح وسارت على خطتها حتي عطلت بقرار بعدما برز منها ثمانية عشر عددا فأصدر بعد ذلك جريدة الشهاب على خطة المنتقد ومباديه , فلاقت في سبيل ذلك ما لاقت من العناء والصعوبات فلم تلن قناتها لغامز وتحالفت قوي الرجعية وكل هازم على عبد الحميد حتي أصبح مهددا في حياته .

محاولة اغتياله :

ففي سنة 1927 بينما هو متوجه إلى سكنه بعد خروجه من درس التفسير ليلا إذا بأحد الحناة يحاول اغتياله فاستغاث الشيخ فألقي الناس القبض على الجاني قبل إتما الجريمة فهنأ الشعراء الشيخ بالنجاة وما زلت أذكر , طالع قصيد محمد العيد:

حمتك يد المولي وكنت بها أولي فيا لك من شيخ حمته يد المولي

مكانة الشهاب:

للشهاب مكانة مرموقة في الشمال الإفريقي فما زلت أذكر أن الشيخ مصطفي شعبان بتنس رحمه الله كان يكتب في جريدة الشهاب ويعمل على نشرها كان يكتب فيها من المغرب الإقصي ويعمل على نشرها الأستاذ علال الفاسي والفقيه غازي وغيرهم من شباب الأمس وشيوخ اليوم وأذكر أن مما نشرته الشهاب إذ ذاك للشاب السيد علال قصيدة طالعها :

ابعد مرور الخمس عشر ألعب

وذلك في سنة 1927 وقد استحالت الشهاب من جريدة أسبوعية إلى مجلة شهرية فكانت سجلا لتاريخ الجزائر العلمي والسياسي في عصر الانبعاث فى الفترة التي كان بين الحربين والكبرى والحرب الأخيرة وكان يحرر فيها فصل ( في المجتمع الجزائري ) أحمد توفيق المدني غالبا ويحرر فصل ك ( الشهر السياسي ) دائما ويحرر عبد الحميد القسم الديني والقسم العلمي من المجلة وأهمها مجالس التذكير التي تسعي وزارة الأوقاف حاليا في جمعها ونشرها كما تولت طبع ونشر مجموعة دروسه في علم التوحيد على الطريقة السلفية .

عبد الحميد ونادي الترقي :

في سنة 1927 أسس السادة : الحاج مماد المنصالي . محمود بن ونيش عمر الموهوب . أحمد توفيق المدني وبعض الإخوان نادي الترقي فكان هذا النادي ملتقي النخبة المفكرة سواء من كان منهم مقيما بالعاصمة أو من كان وافدا عليها من الخارج وكانت تلقي فيه المحاضرات والمسامرات وتقام فيه لحفلات فكان عبد الحميد كلما جاء إلى الجزائر يحاضر فيه أو يسامر أو يجتمع فيه بالشباب الناهض المتوثب من طلبة العلم والمفكرين فكان النادي بذرة صالحة للنهضة الجزائرية .

ولقد تكونت لجنة تحضيرية قد انبثقت عنها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكان كاتب اللجنة الشيخ أحمد توفيق المدني ورئيسها السيد عمر إسماعيل رحمه الله عبد الحميد رئيس جمعية العلماء .

تأسست جمعية العلماء بعد الاحتفال بمضي قرن على احتلال الجزائر فكان ذلك ردا عمليا على المحتفلين الذين كانت أصواتهم تردد الجزائر فرنسية وكان شعار العلماء المصلحين : الإسلام ديننا العربية لغتنا .

الجزائر وطننا وقد ظهر هذا الشعار أول ما ظهر مكتوبا على كتاب الجزائر للشيخ أحمد توفيق ثم تناولته الألسنة والأقلام ولقن للتلامذة في المدارس وذلك سنة 1931 وفي 5 مايو من هذه السنة اجتمع علماء القطر الجزائري بنادي الترقي فأسسوا جمعية العلماء وأسندوا رئاستها إلى عبد الحميد بن باديس بإجماع وكان غائبا حيث لم يحضر معهم في اليوم الأولي ولا في اليوم الثاني وفي اليوم الثالث جاء إلى الاجتماع وألقي كلمة جاء فيها :

إخواني أنني قد تخلفت عن جمعكم لعظيم اليوم الأول والثاني فحرمت خيرا كثيرا وتحملت إثما كبيرا ولعلكم تعذرونني لما لحقت في اليوم الثالث وأذكر لحضراتكم ما تعلمونه من قصة أبي خيثمة الأنصاري لما تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم في غزوة تبوك ثم لحقه فقال الناس هذا راكب يرفعه الآل ويضعه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم كن أبا خيثمة , فقالوا : هو أبو خيثمة فاعتذر إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقبل عذره ودعا له بخير ومثلكم من كان له في رسول الله صلي الله عليه وسلم القدوة الحسنة وهكذا كان يستلهم أقواله وأفعاله من السنة النبوية .

وألقي خطابا آخر في ذلك الاجتماع عندما باشر مهام الرئاسة هذا نصه :

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه إخواني أنني ما كنت أعد نفسي أهلا للرئاسة لو كنت حاضرا يوم الاجتماع الأول فكيف تخطر لي بالبالي وأنا غائب لكنكم بتواضعكم وسلامة صدوركم وسمو أنظاركم جئتم بخلاف اعتقادي في الأمرين فانتخبتموني للرئاسة .

إخواني كنت أعد نفسي ملكا للجزائر أما اليوم فقد زدتم في عنقي ملكية أخري فالله أسأل أن يقدرني على القيام بالحق الواجب .

إخواني أنني أراكم في علمنكم واستقامة تفكيركم لم تنتخبوني لشخصي وإنما أردتم أن تشيروا بانتخابي إلى وصفين عرف بهما أخوكم الضعيف هذا : الأول أنني قصرت وقتي على التعليم فلا شغل لي سواه فأردتم أن ترمزوا إلى تكريم التعليم إظهارا لمقصد من أعظم مقاصد الجمعية وحثا لجميع الأعضاء على العناية به كل بجهده الثاني أن هذه العبد له فكرة معروفة وهو لن يحيد عنها ولكنه يبلغها بالتي هي أحسن فمن قبلها فهو أخ في الله ومن ردها فهو أخ في الله فالإخوة في الله فوق ما يقبل وما يرد فأردتم أن ترمزوا بانتخابي إلى هذا الأصل وهو أن الاختلاف في الشئ الخاص لا تمس روح الأخوة في الأمر العام.

هذا مبدأ عبد الحميد في الحياة فالرجل قرآني وربتني استمد هذا من قول الله تعالي : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن وهذه الطريقة كان يسلكها مع جميع الناس سواء على تأسيس جمعية العلماء حتي دخلت في معارك حامية مع أذناب الاستعمار ومع أصحاب البدع والخرافات وأخذت تؤسس المدارس الابتدائية لتعليم الدين واللغة وترسل وفود الوعاظ يجولون المدن والقري وكان عبد الحميد أسس بقسنطينة مدرسة التربية والتعليم وجعل لها فروعا في القطاع القسنطيني وكاد التعليم يعم المداشر والقري فأوجست الحكومة _ الفرنسية خيفة في نفسها فعطلت غالبية المدارس وزجت ببعض المعلمين في السجون وحاكمتهم محاكمة المجرمين , فكان عبد الحميد يشجع أبناءه المعلمين على المقاومة ويثير حماس الجماهير ويحتج على هذه المعاملة .

طريقته في الاحتجاج على الحكومة :

له في الاحتجاج طريقتان : الأولي باسمه رئيس جمعية العلماء وهي الاحتجاجات التي لا تخرج عن دائرة القانون . الثانية باسمه الخاص وهي الاحتجاجات اللاذعة التي يصف فيها الاستعمار بكل نقيصة ويفضح فيها مكائده ويكشف مخازيه وسألناه مرة لماذا هذه التفرقة في الاحتجاجات؟ فقال : الاحتجاجات التي أمضيها باسم جمعية العلماء أحافظ فيها على الجمعية ,والاحتجاجات التي أمضيها باسمي لا أحافظ فيها على شخصي ولمح إلى هذا في خطاب ألقاه في 27 سبتمبر 1936 أثر اجتماع الجمعية العامة حيث قال :

إن هذا العبد الضعيف يقدم بلسان العجز الشكر لأعضاء الإدارة إخوانه إن قدموه للرئاسة وجددوا له ثقتهم به هذا مع علمه بعبء الرئاسة الثقيل وما يلزم لها من التضحية التي هي أول شروط الرئاسة ولقد قال الهذلي :

فإن رئاسة الأقوام فأعلم..........لها صعداء مطلعها طويل

وإن هذا العبد الضعيف لثقته في الله وقوته بالله واعتزازه بقومه واعتماده بعد الله على إخوانه لمستعد لهذه الصعداء وإن طال مطلعها وطال .

ثم قال إن ميدان العمل في هذه الجمعية لميدان واسع وهنالك للعمل ميادين أخري لا أدخلها باسمها ولكن ( إن كان فيها منفعة ) أدخلها باسمي إن كان عند قومي قيمة لاسمي وأرجو أن يعينني الله عليه .

أيها الإخوان !

إن على كل رئيس حقا وقد قال الأحنف بن قيس :

إن على كل رئيس حقا.........أن يخضب الصعدة أو تندقا

والصعداء هي الرمح يريد أنها تخضب بالدماء أو تنكسر وتندق في يده أثناء محاربته الأعداء ولكن صعدتنا نحن التي نخضبها هي القلم ( وخضابه الحبرا) ولكنه لا يندق هذا القلم حتي تندق أمامه جبال من الباطل .

وإن من الحق أن نتأدب بالأدب النبوي ومنه أن لا نتمني لقاء العدو فإذا لقيناهم فلنصبر والله معنا .

عبد الحميد بن باديس والمؤتمر الإسلامي :

تهاتف كثير من رجال السياسة على الاندماج ورأوا أنه الطريقة الوحيدة التي تصل بها الجزائر إلى حقوقها المسلوبة ومن بين هؤلاء نواب يرون أن لا حق لأحد أن يتكلم في السياسة الجزائرية سواهم وأن لهم البت في مصير الأمة والأمة غائبة عن الميدان فنشر عبد الحميد أراء له في السياسة الجزائرية في جريدة ( لادفانس) الدفاع التي كان يصدرها الأستاذ العمودي رحمه الله باللسان الفرنسي وذلك في عدد 2 جانفي 1936 وكان من تلك الآراء عقد مؤتمر إسلامي جزائري لأن المرجع في مسائل الأمة هو الأمة , الواسطة لذلك هي المؤتمرات فبقيت الفكرة تتردد في النوادي حتي فازت الجبهة الشعبية بفرنسا في الانتخابات فتأسس المؤتمر الإسلامي الجزائري يوم 7 جوان سنة 1936 وكان غالبية من به من دعاة الاندماج وأنصار مشروع بلوم فيوليت .

وقرر العلماء أن يشارك فيه الشيوخ عبد الحميد بن باديس الطيب العقبي البشير الإبراهيمي , محمد خير الدين وغيرهم من العلماء بإسمهم الخاص وقد كان لمشاركة هؤلاء العلماء أثر فعال في تعطيل اندماج وإبراز الذاتية الإسلامية العربية الجزائرية حيث جاء في مطالب المؤتمر ما يلي :

- المحافظة على الحالة الشخصية الإسلامية مع إصلاح هيئة المحاكم الشرعية بصفة حقيقية ومطابقة لروح القانون الإسلامي .

- فصل الدين عن الدولة بصفة تامة وتنفيذ هذا القانون حسب مفهومه ومنطوقه .

- إرجاع سائر المعاهد الدينية إلى الجماعة الإسلامية تتصرف فيها بواسطة جمعيات دينية مؤسسة تأسيسا صحيحا .

إرجاع أموال الأوقاف لجماعة المسلمين ليمكن بواسطتها القيام بأمور المساجد والمعاهد الدينية والذين يقومون بها .

إلغاء كل ما اتخذ ضد اللغة العربية من وسائل استثنائية وإلغاء اعتبارها لغة أجنبية .

حينئذ علم دعاة الاندماج أنهم أخذوا على غزو وإن هذه المطالب التي قدمها العلماء وأيدها الشعب قد أفسدت عليهم تدبيرهم وقالوا العلماء يجهلون السياسة فما معني مشاركتهم فيها أنهم لرجعيون وو.... فأجابهم الأستاذ الإبراهيمي حفظه الله إذ ذاك على صفحات الشهاب وكان مما قاله لهم :

فويحكم ... إن العلماء الذين تعنونهم من الأمة في الواقع والحقيقة في حال أنكم لا تعدون منها إلا على الزعم والدعوي , وأن العلماء يمثلون الوصف الذي ما كانت الأمة أمة إلا به وهو الإسلام ولسانه .

وإن مطالب الأمة التي رفعت صوتها بها في المؤتمر ترجع إلى أصول أربعة : الدين والسياسة والاجتماع والاقتصاد وأن لكل مطلب من هذه المطالب فروعا تشابكة وأن كل أصل من هذه الصول يحتاج إلى بحوث دراسات تفتقر إلى كفايات واختصاصات وإذا كان في نواب الأمة ومفكر من فيه الكفاءة والمؤهلات لدراسة المطالب السياسية ووصل مقدماتها بنتائجها وإعطاء رأي ناضج فيها أو كان في فلاحينا وتجارنا من نعتمد علهي وعلي رايه في المطالب الاقتصادية مثلا فمن للمطالب الدينية وما يتبعها من اللغة العربية غير العلماء ؟

وفد المؤتمر إلى باريس :

شكل المؤتمر وفدا إلى فرنسا لتقديم المطالب إلى الحكومة الفرنسية كان عبد الحميد من أعضاء الوفد ذهب الوفد يوم 18 جوليت 1936 وشرح القضية في النوادي السياسية واتصل بالوزراء ورؤساء الأحزاب وصارحه م دالادي وزير الحربية إذ ذاك أنه لا يمكنه أن يوافق على إعطاء المسلمين الجزائريين النيابة في البرلمان مع محافظتهم على الشريعة الإسلامية في الحقوق الشخصية وقال لهم إن فرنا معها مدافع فقال له عبد الحميد : والجزائر معها الله فقفل الوفد إلى الجزائر وهو بين اليأس والرجاء بل هو إلى اليأس أقرب . وكتب عبد الحميد مقالا في الشهاب وصف فيه تلك المقابلات ختمه بقول الشاعر :

إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته.........على طرف الهجران إن كان يعقل

ويركب حد السيف من أن تضيمه..........إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل

- الحرية التامة في تلم اللغة العربية وبهذا أخفق المؤتمر الإسلامي ومرجع إخفاقه إلى مشاركة العلماء فيه فلجنة قسنطينة طلبت من عبد الحميد أن يضع لها من المطالب ما ينافي الإسلام فوضع مطالب منها :" المساواة في الحقوق السياسية مع المحافظة على جميع الذاتية " وهذا الذي أقره المؤتمر بإجماع وبه سقطت جميع المشاريع " الأبروجيات " كما قال عبد الحميد رحمه الله .

شبح الحرب الأخيرة وأثره في نفس عبد الحميد:

في سنة 1937 تكاثفت السحب في سماء السياسة العالمية فظن الناس أنهم من الحرب قاب قوسين أو أدني فبعث جماعة الميعاد الخيري " هيئة متكونة من الاغوات والقياد " وبعثت جماعة اتحاد الزوايا وغيرهما من الهيئات برقية ولاء وتأييد للحكومة الفرنسية وشذت جمعية العلماء عن ذلك فكبر ذاك على الإفرنسيين فأوعزوا إلى من يعد العلماء ويمنيهم ويرغب منهم إرسال برقية ولاء ليظهر المسلمون الجزائريون مظهر اتحاد وفاق في موالاة فرنسا وخاطبوا في ذلك الشيخ الطيب العقبي رحمه الله فعرض القضية على الشيخ عبد الحميد فقال سينعقد الاجتماع العام للجمعية في هذا الأيام , وطبعا يتقدم ذلك اجتماع المجلس الإداري وسأضع هذا الاقتراح في اجتماعه ليقول الأعضاء الإداريون كلمتهم .

وفي الاجتماع الإداري طرح عبد الحميد القضية بهدوء وطلب من الأعضاء إبداء آرائهم فكانت غالبية الآراء ضد كتابة البرقية واستصوب لعقبي وإرسالها وقال الحرب على الأبواب وإرسال البرقية يخفف من حدة الفرنسيين فتسلم لنا مدارسنا ونوادينا ومشاريعنا الخيرية ونبقي على اتصال بأمتنا ولو في زمن الحرب وأخذ يدافع عن نظريته فعارضه كثير من الأعضاء التصويت برفع الأيدي فكانت النتيجة أربعة أصوات منهم العقبي يقولون بإرسالها وأثني عشر يقولون بعدم إرسالها واحتفظ عبد الحميد بصوته ولما انتهت المناقشة حمد الله وأثني عليه وكان مما قاله :

لو كانت أغلبيتكم تؤيد إرسال البرقية ما كنتم ترونيي في مجلسكم هذا بعد اليوم وانتقلت القضية من الاجتماع الإداري الخاص بالأعضاء الإداريين إلى الاجتماع العام الذي تحضره الجماهير فقال عبد الحميد على رؤوس الملأ أقول صراحة واجتماعنا هذا لا يخلو من جواسيس رسميين أو غير رسميين – أني لن أمضي البرقية ولن أرسلها ولو قطعوا رأسي وماذا تستطيع فرنسا أن تعمله ؟ إن لنا حياتين حياة مادية حياة أدبية روحية فتستطيع القضاء على حياتنا المادية بقتلنا ونفينا وسجننا وتشريد يدنا ولن تستطيع القضاء على عقيدتنا وسمعتنا وشرفنا فتحشرنا في زمرة المتملقين إننا قررنا السكوت .

نتج عن هذه الحادثة استعفاء الشيخ الطيب العقبي من العضوية الإدارية لجمعية العلماء وقال المسئولون من الفرنسيين ما معني السكوت ؟

السكوت دعوة صارخة إلى عدم التأييد وقال الخصوم هل أصبح العلماء دولة فهم محائدون ؟ وغير ذلك من عبارات التهكم والتحريش .

فاشتدت معاكستهم للجمعية وحربهم لها حتي اندلعت نار الحرب الثانية وبعد أسبوعين من اندلاعها فرضت الإدارة الإقامة الجبرية على عبد الحميد في قسنطينة ومنعوه من مغادرتها .

تفكيره في الثورة

أيا اشتعال الحرب اجتمعت به لآخر مرة بنادي الترقي وكان حاضر الاجتماع تلميذه الشيخ محمد بن الصادق الملياني ليس غير , وبعدما تحادثنا معه في مواضيع خاصة عامة انتفض رحمه الله وقال : هل لكم أن تعاهدوني فقال له الشيخ محمد الملياني لا أستطيع قبل أن أعرف ثم توجه إلي وقال  : وأنت فقلت إذا كان على شئ أنت فيه معي فإني أعاهدك , قال طبعا أنا لا أكلف غيري بما لا أكلف به نفسي فممدت يدي وصافحته وقلت : أني أعاهدك ولكن على ماذا ؟ قال أني سأعلن الثورة على فرنسا عندما تشهر عليها ايطاليا الحرب ثم افترقنا ولم يعد بعدها إلى الجزائر وهكذا كانت نيته ولست أدري كيف تكون الحالة لو عاش فينا إلى ذلك الحين .

طريقته في العمل :

يطوف ببعض أنحاء الجزائر للوعظ والتذكير وتفقد الرفقاء وتوجيههم كل أسبوع والنظام الذي كان يسير عليه هو : إن دروسه تبتدئ صباح السبت وتنتهي مساء الأربعاء وفي ذلك المساء يغادر قسنطينة وما يعود إليها إلا صباح السبت حيث يستأنف التدريس فتارة يقضي يومي عطلة الأسبوع بالنسبة إليه أيام عمل لا تخلو من مفيد أو جديد .. بالإضافة إلى ما يقوم به من مشاركة أعضاء جمعية العلماء في تحرير الجريدة التي تصدرها الجمعية بلسانها .

صموده وثباته إلى أن مات :

حاول الفرنسيون أيام الحرب أخذ مدرسة التربية والتعليم وإحلال اللغة الفرنسية فيها محل اللغة العربية فقال لهم لا أسمح بهذا حتي أموت دونه فحاولوا الحصول منه على كلمة يشم منها رائحة تأييد في حربهم مع الألمان فما استطاعوا حتي اسلم الروح لباريها يوم 16 أبريل 1940 أثر مرض لازم فيه الفراش أياما معدودات وحامت الأقاويل حول موته فمن قائل مات مسموما ومن قائل أنه مات موته طبيعية - ولا يعلم الحقيقة إلا الله – وذلك شأن الناس عند موت كل عظيم .

مالك بن نبي

ولد عام 1905 في مدينة قسطنطية في الجزائر وتوفي عام 1973 في الجزائر هو مهندي جزائري تخرج في الثلاثينات وكان قد تقلب في معاهد العلم قبل ذلك منذ ولادته في الجزائر عام 1905 وقد سطر في كتابه الأولين من " يوميات شاهد القرن " ومراحل الطفولة ومراتع الدراسة في الجزائر وباريس " فأتاح للقارئ أن يستمع إليه كشاهد يرقب الحياة من خلال فكرة ويعطينا صورة كافية عن عملية التأثير النفسي لمجتمع متخلف يتصل بالحضارة في صورة طالب يدرس الثقافة الغربية أو عامل يبلغ في أرضها الكفاف أو سياسي يلعب دورا في مستقبل البلاد .؟

فقد أتاحت له نشأته في الجزائر أن يشهد يوميات الاستعمار تحمل حصيلة مئة عام قبله أو يزيد وكان ذلك نقطة اتصال هامة كونت في فكر الأستاذ مالك تجربة نقلت قلمه من صفحة الأرقام كمهندس إلى صفحة الفكر يتعرض لمشكلات الحضارة بدلا من مشكلات الإنتاج الحضاري .

لقد وجد نفسه كمثقف جزائري أمام ترتيب ضروري لرسالته في المجتمع فلا بد أولا من بناء الإنسان قبل بناء الآلة حتي لا نصنع العربة قبل الحصان فنقع في استحالة الوصول إلى الهدف .

في يوميات " شاهد القرن " يرتسم الأستاذ مالك لقارئ فكره .

جزائري طبعته أصالة الشعب فمازجت روحه وعقله فإذا القلم يشده إلى منابعه الأولي صاحب رسالة في المجتمع .

تلك ملامح تبدو فيكل صفحة من صفحات يومياته ترسخ المعرفة أقدامه في أرضها كما يسقي الجذور فقد تميز الأستاذ مالك بن نبي عن سائر المتصلين بالثقافة الغربية يحتويها كأداة للتفكير بينما هذه الثقافة أغرقت في محتواها الآخرين فأفقدتهم قدرة التحديد الصحيح لمشكلات .

وأنه لتوافق يدعونا إلى المقارنة بين طه حسين والأستاذ ابن نبي في آن واحد .

ومع تقديرنا للنهضة الأدبية والفكرية التي بعثها الدكتور طه حسين فإن الحصيلة النهائية لكتابة " مستقبل الثقافة في مصر " أو الكتب الأخري المتصلة بالأدب أو بالإسلام حصيلة وصفية شيئية لا تقدم حقيقة للإنسان المتخلف الذي قيده التخلف عن أى مبادرة فاعلة .

أما الأستاذ ابن نبي فقد دخل باريس جزائريا مسلما يبحث لأمته عن طريق إلى الحضارة وهو في مهمته هذه لم يفقد مقياس الأشياء فاستطاع السيطرة عليها كمراقب يفهم المقدمات والنتائج .

فالأستاذ مالك يضع فكرة في إطار مشكلة تتطلب الحلول . إذ الفرد المسلم مشكلة في عالمنا المعاصر . أنه متخلف .والقضية الملحة أن نضعه في مجري التقدم .

وهذا التقدم لا يمكن أن يتحقق من خلال التكديس في الإنتاج الحضاري والفكري بل من خلال البناء الذي يضع المسلم على مقود التاريخ .

والمشكلة من هذا الجانب تتجاوز الانتماء الفكري فكما أن التخلف باد في مبادرات المسلم هو أيضا واقع الرجل الآخر الذي يبحث عن نهضته خارج تراثه .

فالمجتمع الإسلامي في سائرة ما يحتويه من اتجاهات ما يزال في عالم الأشياء ..

ومن هنا يأخذ الأستاذ مالك بن نبي مبادرة جد يدة في ترسيخ القواعد.فالقضية تتطلب تجديدا ديناميكيا متحركا للنهضة.

ومن هنا كانت مؤلفاته جميعها تحت عنوان ( مشكلات الحضارة )

من آثاره الفكرية :

1- الظاهرة القرآنية .

2- مشكلة الثقافة

3- شروط النهضة .

4- وجهة العالم الإسلامي

5- مذكرات شاهد القرن ( الطالب )

6- مذكرات شاهد القرن ( الطفل)

7- ميلاد مجتمع

8- دور المسلم ورسالته .

9- بين الرشاد والتيه.


على فؤاد باشكيل

حياته :

ولد في مدينة " صمصون " سنة 1893 وأرسله والده شكري لمدرسة ( طيار باشا الابتدائية ) ثم انتقل بعدها للمرحلة المتوسطة في (مدرسة الأربعاء الرشدية ) ولما لم يكن بتركيا في ذلك العهد تحصيل ثانوي ذهب لفرنسا حيث التحق بثانوية " بوفن " وبعدها انتقل لجامعة " غرينوبل" حيث درس الحقوق . وفي سنة 1928 حصل على الدكتوراه في الحقوق الدستورية وهو أول تركي يحصل عليها ثم التحق بعدها بكلية العلوم السياسية وقد درس الفلسفة بكلية الآداب .

لقد عاد لتركيا في سنة 1929 وعمل مساعدا لمدير التعليم العالي بوزارة المعارف التركية ثم انتقل بعدها لكلية الحقوق بأنقرة فعمل فيها مدرسا للحقوق الرومانية وبنفس الوقت كان يدرس تاريخ المدينة ( بمؤسسة غازي للتربية ) ويعتبر من مؤسسي كلية الحقوق باستنبول وفي عام 1939 رفع لدرجة ( أورديناروس برفوسور) وكان مديرا لكلية التجارة والاقتصاد , وكان عميدا لكلية الحقوق وكان يشتغل أستاذا ( لحقوق العمل ) في كلية التجارة والاقتصاد العالية .

وفي أنقرة كان أستاذا بمدرسة العلوم السياسية ويعتبر من مؤسسي كلية الحقوق بأنقرة .

وما كاد يحدث انقلاب 27 أيار المشروم حتي تسلط عليه العسكريون الملحدون وبدأوا يضايقونه بشتي الصور فسجن في زنزانة السجن الحربي باستنبول ثم نقل إلى سجن الحكم العرفي في مزرعة ( بال موم جوم ) .

وكان رحمه الله من الـ( 147 ) أستاذا الذين فصلهم العسكريون من الجامعة لأسباب مختلفة وكانت تهمته معروفة أنه ( مسلم ) ثم أفرج عنه .

وفي عام 1961 رشح نفسه لانتخابات مجلس الشيوخ عن مسقط رأسه صمصون ) فنجح بها .

وقد حصلت انتخابات رئاسة الجمهورية فرشح نفسه وكان أقوي المرشحين لهذا المنصب فتدخل العسكريون وشهروا عليه المسدسات يطلبون منه أن يسحب فقال لهم أنا لا أخشي الموت ... وأعلم أنه حق ولكنكم بهذا العمل تقتلون الديمقراطية التي تدعونها ... والاهم من هذا أنا سأنسحب لا حقن دماء عشرات الألوف من المسلمين الذين سيذبحون بهذه الفتنة العمياء فيما لو قتلت .

جهاده :

بدأ حياته بمكافحة الحكم الدكتاتوري العلماني الذي فرض على تركيا أثر إلغاء الخلافة وذلك عندما حكم حزب الشعب الجمهوري وكان صوته رحمه الله أول صوت يرتفع فى الجامعة :" أن يا مسلمون أفيقوا من سباتكم حطموا القيود وارفعوا الرؤوس في وجوه الملحدين "...عن طريق مقالات ومحاضرات وخطب يدافع بها عن الإسلام والمسلمين ويهاجم العلمانية والإلحاد ولقد وجدت كلماته هذه صدي في قلوب المسلمين فبدئوا يستيقظون من نومهم العميق وقد اتجه الحكم الدكتاتوري إلى تكذيبه أولا , ثم إلى سجنه وتعذيبه ..

أشهر رحلاته:

حضر المؤتمر الإسلامي الذي عقد في كراتشي سنة 1952 والمؤتمر الإسلامي الذي عقد في القدس مع عدد من المسلمين الأتراك عام 1960 .

عبد العزيز البدري

ولد في العراق وتوفي فيها عام 1969.

الشيخ عبد العزيز البدري علم من أعلام الدعوة الإسلامية في العراق لم يقعد عن مجابهة الباطل يوما بل لقد صارع الطغيان في اعتي صوره وكافة عهوده ...

ومن يسلك هذا السبيل لابد له أن يبتلي فيدفع الثمن وغالبا ما يكون الثمن حياته ..

عمل فترة من الزمن مع – حزب التحرير الإسلامي – وانتدبه الحزب للعمل في لبنان في مطلع الستينات ثم ترك الحزب بعد خلاف معه حول كثير من الأمور والقضايا .

عاد إلى العراق وتابع دعوته وجهاده في سبيل الله .

لقد بذل للإسلام شبابه ووقته وفكره وقلمه واصدر في العراق عددا من الكتب القيمة منها : الإسلام بين العلماء والحكم حكم الإسلام في الإشتراكية ..

لم يأبه الشيخ البدري لترغيب أن ترهيب ولم يحفل لتحذري أو إنذار .. بل تابع الطريق فكان أن اعتقل بتهم هي أو هي من بيت العنكبوت وكانت المؤامرة لقد رفض أن يؤدي الدور الذي أعد له : أن يحفظ أقوالا يدلي بها أمام التلفزيون وكان أن سلمت جثته إلى أهله بعد أيام بدعوي أن الشيخ قد مات في نومه قلبية مع تحذير شديد بأن لا يكشف غطاء النعش .

وكانت صلاة الجنازة ف يجامع أبي حنيفة النعمان وكشفت الجبة الملطخة بالدم وظهرت الجثة المشوهة أمام الناس أكثر من مرة وتدفقت الدعوات والرحمات للشهيد المسجي واستمطرت اللعنات على الطغاة لعملاء الجبناء

من آثاره :

- الإسلام بين العلماء والحكام .

- حكم الإسلام في الإشتراكية .

- الإسلام ضامن للحاجات الإنسانية

- الإسلام حرب على الإشتراكية – في طريق الطبع

- كتاب الله الخالد – القرآن الكريم

مصطفي بولات

ولد مصطفي بولات في ( أرض روم ) بتركيا عام 1940

عمل رئيسا لتحرير جريدتي ( القول الحق ) و( حركة) ولما يتجاوز العشرين من عمره .

ثم عمل في جريدة ( يني استقلال ) و( صباح)

ثم أسس جريدة الاتحاد الأسبوعية ثم جريدة ( آسيا الجديدة)

كان مثالا للشاب المسلم الذي يجاهد بقلمه ولسانه ما استطاع دخل السجن مرارا وبلغت الدعاوي التي أقيمت ضده مائة وخمسين دعوي وكان آنذاك يعمل في صفوف ( النورسيين) جماعة النور وجريدته تعتبر الناطقة باسمهم .

وكانت وفاته عام 1970 على أثر حادث سيارة رحمه الله .

محمد جميل بيهم

ولد في بيروت عام 1887 وتوفي فيها عام 1978

محمد جميل بيهم واحد من أبرز الشخصيات الإسلامية التي أنجبها لبنان في هذا القرن .. ولقد تقدم على كثير من معاصريه في مجالاته متعددة وتبوأ مكانه مرموقة ليس في بلده فحسب بل في أقطار عربية وأجنبية ومحافل دولية .

كان محمد جميل بيهم أحد معالم الثقافة العربية والإسلامية في جيلنا الحاضر وفي طليعة الذين حاولوا الإصلاح الاجتماعي في حياتنا السياسية .

تلقي محمد جميل بيهم قسطا وافرا من العلم ... وعرف العربية والتركية والفرنسية وكثرت أسفاره في المشرق والمغرب وفي أوروبا وأميركا ما زاد في اتساع أفقه وأكسبه خبرات واسعة ومعرفة بطبائع الشعوب ..

لقد خلف محمد جميل بيهم مكتبة ومتحفا قل نظيرهما ..

كان صريحا في كل ما يكتب رائده الحق والإصلاح ووضع النقاط على الحروف ولا سيما فيما يتعلق بالأمور السياسية اللبنانية منها والعربية ..

لم تتوقف نشاطات المؤرخ والعلامة محمد جميل بيهم على تأليف الكتب بل تجاوزت إلى كتابة المقالات في الصحف في أكثر من موضوع سياسي وأدبي وثقافي ولقد جمع مقالاته تلك في عدة مجلدات .

ولقد ساهم – كذلك بكثير من الخدمات وتولي كثيرا من المسؤوليات من ذلك :

- رئاسة المجمع العلمي اللبناني سنة 1929

- رئاسة جمعية إخوان الثقافة منذ سنة 1942

- عضوية المجمع العراقي من 1952

- تمثيل لبنان في المؤتمر السوري بدمشق عام 1919.

- رئاسة الوفد العربي الفلسطيني إلى الولايات المتحدة الأميركية وكوبا والمكسيك عامي 1938 -1939.

- مثل الحكومة اللبنانية سنة 1946 للتحقيق في قضية فلسطين مع لجنة ( موريسون)

- رئاسة الوفد اللبناني إلى مؤتمر العالم الإسلامي في كراتشي عام 1951 .

من آثاره:

المرأة في التاريخ والشرائعفلسفة التاريخ العثمانيالمرأة في التمدين الحديثالإنتدابان في العراق وسوريةفلسطين أندلس الشرققوافل العروبة ومواكبهاخلال العصورالحلقة المفقودة في تاريخ العربفتاة الشرق في حضارة الغربواشنطن تعبد الطريق لموسكوالعروبة والشعوبيات الحديثةفلسفة تاريخ محمدعروبة لبنانلبنان بين مشرق ومغربأسرار ما وراء الاتحاد السوفياتي والصين – وغيرها .

(ج)

حسين الجسر

محمد خير الجلاد

عبد القادر الجزائري

الشيخ حسين الجسر

ولد في مدينة طرابلس – لبنان – سنة 1261 هجرية وتوفي سنة 1327 .

تلقي الشيخ حسين الجسر علومه الأولي في مسقط رأسه ثم بارحها إلى القاهرة للتخصص في الأزهر .

وهناك انكب على التحصيل لمدة خمس سنوات ظهر خلالها نبوغه وذكاؤه ثم عاد إلى طربلس عام 1284 هـ . وجلس للتدريس في الجامع المنصوري الكبير وجامع طينال والمدرسة الرجبية . والشيخ الجسر رحمه الله خاص غمار الميادين كلها وهي المسجد والمدرسة والجريدة والكتاب . بدأ عمله في المسجد حيث كان يقوم بهداية الناس ووعظهم فى الجامع المنصوري الكبير وفي جامع طينال والمدرسة الرجبية كما ذكرنا .

أسس بمفرده في طرابلس" الكلية الوطنية " لتدريس علوم الدين واللغة العربية على غرار الأزهر الشريف بالإضافة إلى الطبيعيات والرياضيات والآداب اللغة الفرنسية – التي استقدم لها أستاذا خاصا من بيروت – وذلك على غرار المرحلة الثانوية اليوم – في المدارس الرسمية .

وقد انتظم في صفوف هذه المدرسة عدد غير قليل من الراغبين في العلم والتحصيل .

وخرجت كثيرا من العلماء الأعلام ,الذين ذاع صيتهم في المشارق والغارب نذكر منهم على سبيل المثال :

صاحب جريدة المنار القاهرية السيد محمد رشيد رضا .

وعضو المجمع العلمي في دمشق الشيخ عبد القادر المغربي .

وأمين الإفتاء السابق في طرابلس الشيخ عبد المجيد المغربي .

والشيخ سعيد كرامي والشيخ صالح الرافعي ,والشيخ محمد رحيم , الشيخ كامل الميقاتي والشيخين محمد و وهيب البارودي.

علما بأن هؤلاء الإعلام قد اكتفوا بما حصلوه من علوم مدرسة الشيخ الجسر وحدها ولم يجد واحد منهم حاجة – فيما بعد – لدخول الجامع الأزهر .

ثم أنشأ جريدة " طرابلس " بالاشتراك مع الأستاذ محمد البحيري وهي أول صحيفة عرفتها طرابلس في تاريخها وتسلم الجسر رئاسة تحريرها فأودعها من مقالاته العديد على جميع الأصعدة ما يساعد أبناء الأمة على النهوض الحضاري والرقي الصناعي والازدهار التجاري والنمو الزراعي والاتساع العمراني والتقدم الصحي .

ثم جمعت مقالاته – فيما بعد – ضمن أربع مجلدات ضخمة , أطلق عليها اسم ط رياض طرابلس ".

من آثاره :

أ‌- الرسالة الحميدية وهي عبارة عن كتاب في العقائد دبجة العلامة الجسر في غاية من الوضوح والإتقان وأودع فيه من جودة الصياغة وغزارة العلم وسمو التفكير والبعد عن الجمود والاعتماد على العقل والتوفيق بين العلم والدين الشئ الكثير .

ب‌- الحصون الحميدية في التوحيد وعلم الكلام .

ت‌- مصنفات بلغ عددها 47 مصنفا وبعضها ما زال مخطوطا

ث‌- " الكواكب الدرية في الفنون الأدبية" وهو كتاب مفيد لم يتيسر طبعه إلى اليوم.

الأستاذ محمد خير الجلاد

ولد الأستاذ محمد خير الجلاد ولد في دمشق سنة 1912 ومارس مهنة التعليم يافعا وكان تدريسه أول الأمر في المدرسة ( الأمينية) ثم التجارية .

ارتحل إلى مصر والتحق بالأزهر عام 1936 ونال الإجازة العالية من كلية الشريعة عام 1942 ودخل التخصص في القضاء عام 1944 .

عاد إلى بلده دمشق واختار لنفسه أن يعمل في الكلية الشرعية على ضآلة المرتب فيها .

انتقل إلى وزارة المعارف واستمر يعمل فيها إلى أن توفاه الله يوم الجمعة 32 جمادي الأولي 1385 الموافق 17 أيلول 1965 .

والأستاذ الجلاد عصامي من الطراز النادر فلقد ذهب في مطلع حياته إلى مصر لطلب العلم في الأزهر وعاد بعد أن تزود من علوم الشرع بالزاد الأوفر ينذر قومه ويدعوهم إلى سبل الرشاد .. ولم يكن – رحمه اله – عريض الدعوي ولا متطاولا في ميدان العلم يدعي ما ليس فيه.. بل لقد كان في هذا المجال متواضعا يترك للناس أن يتنافسوا في الألقاب الفارغة ويشغل نفسه فيما هو أهم من ذلك بكثير يشغل نفسه بالعمل المتواصل للدعوة .

وكان علمه موصولا بالحياة فلا تلقي في سلوكه ما يناقض فكرته ولا تجد في حياته ذاك الازدواج البغيض الذي كثيرا ما نلقاه في حياة بعض الناس .

ولم يكن لديه في معظم فترات عمره ما يدعوه الناس بالفراغ فهو ينتقل أبدا من لقاء مع الدعاة إلى درس علمي إلى الاجتماع بنفر من الشباب يبصرهم بجوانب دينهم إلى قيام بواجباته الوظيفة من تحضير وتصحيح إلى نشاطه يتصل بمادة التربية الإسلامية ولقد كان رحمه الله قطبا لمدرسي هذه المادة العظيمة يلتفون حولها ويجتمعون به ليتعاونوا على تذليل ا يلقون من صعوبات إلى زيارات يقوم بها ليتألف بها قلوبا إلى الحق إلى قراءة وكتابة ,واستقبال زوار ... فلم يكن لديه شئ من الفراغ ...

وكان – رحمه الله – كريما من الاجواد الذين لا يضنون بشئ مما يملكون كريما على ضيوفا , باذلا إذا دعا داعي التبرع .

على أن هذا البطل الرجل عاش حياته على الكفاف .. كان يعطي ولا يأخذ وكان في نفسه غنيا وهذا هو الغني الحقيقي ..

عبد القادر الجزائري

زعيم إسلامي جزائري ولد في وهران عام 1817.

تبوأ أكبر مركز بين العلماء في المغرب كان فقيها ذا عبقرية إسلامية فذة في سنة 1348هـ 1830 أى بعد احتلال الفرنسيين لأرض الجزائر اجتمع العلماء وأصحاب الكلمة وبايعوا الشيخ عبد القادر على الأمارة والجهاد في سبيل الله لتحرير أرض الجزائر من الغاصبين وإقامة الشرع لحنيف , فأشأ رحمه الله حكومة إسلامية برئاسته لتحقيق هذه الغاية .

ظل يقارع الاستعمار الفرنسي 17 عاما ويرد هجماتهم المتلاحقة وعندما عرض عليه الصلح مع فرنسا أجاب " أن ديننا يمنعنا من طلب الصلح ابتداء ويسمح لنا بقبوله إذا عرض علينا وإن المفاوضة التي تطلبونها يجب أن تكون مبنية على شروط محترمة منا ومنكم ".

وكانت أبرز معاركه عندما حاصر " وهران" منطقة تكتل القوي الفرنسية حيث استطاع بعد معركة دامت ست ساعات أن يحرز النصر بجيشه القليل وأسلحته المصنوعة في الجزائر وقد انتهي الأمر إلى توقيع اتفاقية ( دي ميشيل) التي كانت نصرا له حيث أصبح حاكما مستقلا لولاية وهران .

ولكن الفرنسيين لم يلبسوا أن حشدوا طاقاتهم من جديد وطلبوا إمدادات عسكرية من بلادهم وكان في مقدور عبد القادر الجزائري أن يمضي في الحرب مواجها الفرنسيين بقوة لولا انضمام سلطان مراكش إلى فرنسا وانضمام بعض القبائل إلى سلطان مراكش ما خلق عددا من الجبهات المحاربة في أماكن متعددة وكانت هذه مؤامرة جديدة لتمزيق قوات عبد القادر ومع ذلك فقد رفض التسليم حتي حوصر ونفذت ذخيرته واعتقل في 21 ديسمبر 1847.

وبعد اعتقاله أخرج عبد القادر إلى فرنسا ثم اختار سوريا ليعيش فيها منفيا مع أسرته إلى حين وفاته عام 1883 وفي سنة 1967 نقل رفاته إلى الجزائر ..

(ح)

محمد الحامد

أمين الحسيني

عبد القادر الحسيني

صلاح حسن

عبد العلي الحسني

محمد الحامد

عالم حماه ومرشدها والأب الروحي لأهلها جميعا ولد في حماه وتوفي عام 1969.

نشأ فقيرا يتيم الأبوين , ولكن شقيقه الشاعر المشهور ( بدر الدين الحامد) شجعه على العلم حتي اجتاز مرحلة التعليم الابتدائي ثم التحق ( بدار العلوم الشرعية ) في حماه. وبعد تخرجه منها ارتحل إلى حلب حيث انتسب إلى ( المدرسة الخسروية ) الشرعية حيث كان يدرس فيها الشيخ الجليل ( أحمد الزرقا) فتأثر به الشيخ الحامد تأثيرا كبيرا لما من هيبة وعلم ... وبعد تخرجه من حلب عاد إلى بلده حماه ثم التحق بكلية الشريعة في الأزهر الشريف ونال الشهادة العالية وبعدها انتسب إلي قسم التخصص في القضاء الشرعي ..

وبعد انتهائه من الدراسة اختار التدريس وفضله على القضاء ..

تأثر الشيخ الحامد بعدد وافر من العلماء الأجلاء في سوريا .. وكان له تأثر خاص – كما يقول – بالمرحوم الشيخ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين .. وقد صاحبه في مصر سنين عديدة . ولقد بكاه بمرارة وألم يوم وفاته وقال حين جاءه نبأ اغتياله ..... أن المسلمين لم يروا مثل حسن البنا منذ مئات السنين في مجموع الصفات التي تحلي بها وخففت أعلامها على رأسها الشريف ).

مارس مهنة التدريس في ( ثانوية ابن رشد) بحماه ... وكان يلقي درسا عاما في المسجد كل ليلة بعد الغروب إلا ليلة الجمعة .. وكان له درس خاص في غرفته بالمسجد بعد الشروق من كل يوم إلا يوم الجمعة ... زهده وورعه:

عرض عليه حين تخرج من الأزهر أن يكون قاضيا في دمشق أو حماه فامتنع خوفا من الله تعالي .

طلب إليه مرات أن يكون عضوا في بعثات الحج فامتنع مع شدة شوقه للحج كما عرض عليه أن يكون عضوا في الوفد إلى المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في اندونيسيا فاعتذر وكلف أن يكون مفتيا لحماه فأبي بينما غيره لا يتورعون عن سبيل يوصلهم إلى ذلك , وبقي هذا المنصب شاغرا حتي توفي لعله يقبل .

اشتري من بائع جبنا وأرسله إلى البيت ولما أراد دفع الثمن لاحت منه التفاته فرأى عن البائع " باكتيات دخان " فقال له هل تبيع دخانا ؟ قال نعم . قال سارد لك الآن الجبن . ورده فعلا إليه لأنه رأي أن مال هذا البائع يمازحه مال خبيث وهو ثمن الدخان ".

استحق المرحوم مائة ليرة سورية من نقابة المعلمين بمناسبة إحالته للتقاعد فرفض تناولها لأنه لا يستطيبها.

وكان يتدرب في ( المقاومة الشعبية ) وفي يوم الرمي أخطأ الهدف بطلقاته الخمس فأتاه المدرب بخمس غيرها فسأله من أين هذه الطلقات وكان المدرب لبقا فقال له نحن نعطي هكذا لمن لا يصيب الهدف لنعلمه فقال له : إذن فعلي مسؤوليتك وفي عنقك . قال : نعم , وارشد الشيخ حتي رمي وأصاب وسر رحمه الله تعالي بذلك كثيرا وكان يثني على المدرب كلما يراه .

من رحمته بالمسلمين قام يجمع بنشاط عظيم تبرعات لإخواننا اللاجئين أول النكبة ثم خطر له أنه قد يكون بعضهم تبرع حياء منه فعاد يسأل كل من أخذ منهم ويطلب منهم السماح ومن ذلك اليوم لم يعد يقبل الاشتراك بجمع أى تبرعات .

جرأته في الحق

في عهد اللواء سامي الحناوي أعطي للمرأة حق الانتخاب وأجمع العلماء في حماه على شجب ذلك في خطبة الجمعة ولكن المحافظ أبلغهم قبل صلاة الجمعة أن ذلك ممنوع.

ولم يكن هناك وقت للتداعي وراء اجتماع والتشاور فتخاذل الجميع أما الشيخ رحمه الله فقد وطن نفسه على قول الحق وأداء النصيحة للمؤمنين فاستعد للذهاب إلى السجن بما يلزم من الثياب وأخذ مصحفه في جيبه ليتلو فيه القرآن أن سجن وألقي في إنكار ذلك خطبه نارية أشد مما كان هيأ قبل تبليغه المنع .

جهاده في سبيل الإسلام :

كان رحمه الله يري بحق أن على العلماء الدفاع عن الإسلام ورد كل شبهة أو إشكال يعرض للناس قياما بواجب لنصيحة وأداء بلغة شئ يحتاج لإيضاح أو بيان يهتم بالرد والتصحيح وتعريف العامة ذلك فكانوا كلما أشكل على أحدهم شئ أو رأي في صحيفة أو مجلة شيئا يعرض عليه فينبري لتقويم المعوج ودفع الشبه وإيضاح الغامض حتى أنهكته كثرة العمل عليه فينبري لتقويم المعوج ودفع الشبه وإيضاح الغامض حتى أنهكته كثرة العمل وأورثته هذا الداء في كبده منشدة الاجتهاد وهو لا رحيم نفسه لأنه باعها لله ورغم نصائح الأطباء له بترك العمل العقلي والعلمي فإنه كان لا يترك ذلك .

من آثاره :

- ردود على أباطيل

- حكم الإسلام في الغناء

- نظرات في كتاب إشتراكية الإسلام

- حكم نكاح المتعة في الإسلام

- رحمة الإسلام للنساء

- حكمة اللحية في الإسلام

- القول في المسكرات

- لزوم إتباع مذاهب الأئمة .

- حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبية .

- آدم لم يؤمر لبعض ما في كتاب القضاء والقدر

- بدعة زيادة التنويرات في المساجد ليالي رمضان وغيرها .


محمد أمين الحسيني

نشأته :

ولد السيد محمد أمين الحسيني في القدس عام 1897 وتلقي تعليمه الأولي والثانوي فيها ودرس أيضا العلوم الشرعية واللغتين العربية والفرنسية ثم التحق بالجامع الأزهر بمصر وكان خلال ذلك يلقي الدروس والمحاضرات في كلية الآداب ( بالجامعة المصرية ).

وخلال دراسته في مصر كان دائم الاتصال برجالاتها وبزعماء العرب والمسلمين يسمع منهم ويأخذ عنهم ويتبادل وإياهم الآراء في شئون الأمة العربية والعالم الإسلامي وما يؤدي إلى نهضتها حريتها وإنقاذهما من الاستعمار الأجنبي وأبرز هؤلاء كان الشهيد حسن البنا ..

ولما عاد إلى فلسطين ظل على اتصال وثيق برجالات الأمة العربية والعالم الإسلامي وفي الحرب العالمية الأولى تخرج ضابطا في الجيش العثماني في اسطنبول ولما وضعت الحرب أوزارها عاد إلى فلسطين ليستقبل عهدا جديدا من الكفاح في سبيل وطنه فلسطين وأمته العربية التي عدا عليها الاستعمار الأوروبي الغاشم وليعمل على تأليف الجمعيات والأندية لعلمية والثقافية والسياسية وبث روح النهضة والحرية في شبان العرب وليعمل بصورة خاصة على مقاومة الانتداب البريطاني ووعد بلفور الذي نص على جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود الحركة الوطنية الفلسطينية وسط تيارات السياسة الأجنبية الخطيرة وليقوم الحركة الصهيونية واليهودية العالمية مقاومة لا تعرف هوادة ولا تخضع لأية مؤثرات أو مغريات .

الكفاح في سبيل فلسطين :

نشبت ثورة القدس الأولي في نيسان عام 1920 التي قادها سماحته على رأس فريق من شبان القدس وصدر الحكم عليه غيابيا بالسجن عشر سنين بالأشغال الشاقة لكنه كان قد تمكن من الإفلات من قبضة المستعمرين واتصل برجالات القبائل لتوحيد العمل في سبيل الدفاع عن فلسطين ثم انتقل إلى سوريا في أول عهدها بالاستقلال حيث كان مجالا العمل فهيا واسعا في سبيل القضية الفلسطينية واشترك مع عدد من رجالات فلسطين في المؤتمر السوري الفلسطيني الذي انعقد في دمشق وأعلن استقلال سوريا .

ولما احتل الفرنسيون سورية وقضوا على استقلالها انطلق سماحته إلى صحراء سورية وعاش فيها مدة عمل خلالها علي الاتصال بزعماء القبائل العربية فيها إلى أن ألغي الحكم الصدر عليه فعاد إلى فلسطين وتولي منصب الإفتاء عام 1921 خلفا لشقيقه المرحوم السيد محمد كامل الحسيني .

في رئاسة المجلس الإسلامي :

ثم انتخب سماحته عام 1922 رئيسا للمجلس الشرعي الأعلى لإدارة شؤون الأوقاف والمحاكم الشرعية الإسلامية فأصلح إدارتها ونظم شؤونها وعمل علي صيانة أراضي فلسطين من التشرب إلى أيدي الصهيونيين الطامعين وقاوم السياسة الاستعمارية والمطامع اليهودية أشد مقاومة واضطلع بعبء الحركة الوطنية الفلسطينية اضطلاعا كاملا وعمل على عقد المؤتمرات الفلسطينية والمؤتمرات الإسلامية وإرسال الوفود السياسية إلى العالم الخارجي واشترك بنفسه مرارا على رأس وفود متعددة إلى الأقطار العربية والإسلامية كمصر والعراق وسورية وإمارات الخليج وإيران والهند وأفغانستان لاطلاع العالمين العربي والإسلامي على ظلامه فلسطين واستنهاض الهمم لإنقاذها من الخطر اليهودي والاستعمار البريطاني وبادر إلى عمارة المسجد الأقصى المبارك الذي كان في خطر الانهيار .

عقد مؤتمر العالم الإسلامي :

وقد عمل سماحته جاهدا لإخراج قضية فلسطين من الحيز المحلي الضيق وفي سبيل ذلك دعا سماحته إلى عقد المؤتمر الإسلامي العام في بيت المقدس عام 1931 الذي حضره مندوبون من كافة الأقطار الإسلامية للنظر فيما يهدد فلسطين من مطامع اليهود الدينية في المسجد الأقصى المبارك ومطامعهم السياسية الرامية إلى تحويل فلسطين إلى دولة يهودية . وكان هذا المؤتمر أول مؤتمر من نوعه يجمع عددا كبيرا من رجالات العالم الإسلامي من مختلف الأقطار من فلسطين , وسرية , ولبنان , والعراق , السعودية, اليمن , ومصر ,وليبيا , وتونس , والجزائر , المغرب , ومسلمي أوروبا في بلاد البلقان , وكالبوشناق وغيرهم , وتركيا ومسلمي روسيا وتركستان ومسلمي الهند ,واندونيسيا والصين وبعض الأقطار الإفريقية الإسلامية ولما نشبت ثورة فلسطين عام 1929 أثبت سماحته أمام لجنة التحقيق البريطانية برئاسة السير وولترشو , أن اليهود حاولوا رشوته بنصف مليون جنيه ليفرط في حقوق ليست لهم في مكان البراق الشريف .

فى الوفد الفلسطيني إلى لندن :

وفي عام 1930 اشترك سماحته في الوفد الفلسطيني إلى لندن , لمفاوضة الحكومة البريطانية بشأن قضية فلسطين وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني , ثم توجه إلى سويسرة واجتمع بالسير أريك دروموند الأمين العام للجنة الانتدابات وبعدد من كبار رجال السياسة في أوروبا وباحثهم في شأن القضية الفلسطينية .

في رئاسة اللجنة العربية العليا لفلسطين :

ولما حدثت ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 انتخب سماحته ‘ بإجماع أحزاب فلسطين لرئاسة للجنة العربية التي أدارت دفة الثورة في البلاد في اشد الأوقات خطورة واضطلع بالعبء كاملا في قيادة الثورة ستة أشهر كاملة انتهت بتدخل ملوك العرب وأمرائهم كما هو معروف بنداء وجهوه إلى سماحته واعدين فيه بأن تعمل بريطانيا على أنصاف العرب .

قرار تقسيم فلسطين ونجاته من قبضة الانكليز :

ولكن حدث بعد ذلك أن وضعت اللجنة البريطانية برئاسة اللورد بيل تقريرها بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود فتجددت الثورة عام وحاولت السلطات البريطانية القبض عليه وقيض الله له النجاة والاعتصام بداره داخل أسوار الحرم القدسي الشريف مدة أربعة أشهر وخلال ذلك ألقت السلطات البريطانية القبض على بعض أعضاء اللجنة العربية العليا ونفتهم إلى جزر سيشل لكن سماحته تمكن من النجاة مرة أخري إذ خرج خفية من فلسطين في زورق بحري صغير والتجأ إلى لبنان.

في الحرب العالمية الثانية :

ولما نشبت الحرب العالمية الثانية عام 1939 وضغطت بريطانيا على فرنسا لتسليمها إياه غادر لبنان سرا إلى بغداد وأقام بها نحو عام ونصف ( على رأس عدد من كبار المجاهدين الفلسطينيين الذين التجئوا إلى العراق ) دائبا على العمل في سبيل قضية فلسطين والقضايا العربية والإسلامية إلى أن نشبت ثورة العراق عام 1941 ضد التدخل العسكري البريطاني .

في غيران وأوروبا :

ولما أوشك الانكليز يحتلوا العراق اضطر سماحته للخروج إلى إيران مع قادة الثورة العراقية وعدد من مجاهدي فلسطين وسورية والعراق ولما احتلت القوات البريطانية والروسية إيران تعقبته السلطات البريطانية وأعلن الماريشال " ويفل" جائزة عشرين ألف جنيه إسترليني لمن يرشد إليه لكن الله تعالي سهل لسماحته سبيل النجاة فتمكن من السفر متخفيا إلى أوروبا وأقام سماحته بأوروبا طيلة أيام الحرب وتمكن من الحصول من دول المحور على اعتراف باستقلال فلسطين والأقطار العربية الأخرى إلى أن اعتقلته السلطات الفرنسية أثر خروجه من ألمانيا بعد انهيارها .

الصهيونيين يطالبون بمحاكمته

وكانت المنظمات الصهيونية والاستعمارية تسعي لتقديم سماحته إلى " محكمة نورميرغ" بتهمة كونه ( مجرم حرب) وأنه حرض السلطات النازية في ألمانيا خلال الخرب على إبادة اليهود . وكذلك حاولت الحكومة اليوغسلافية توجيه مثل هذه التهمة إلى سماحته بحجة عمله على تأليف فرق عسكرية مسلحة من مسلمي البوسنة والواقع أن النازيين لم يكونوا في حاجة إلى تحريض من أحد للانتقام من اليهود الذين خانوا ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وتواطئوا مع بريطانيا وحلفائها على القيام بأعمال التخريب وبث الدعايات الضارة ضد ألمانيا في ذلك الحين .

أما التهمة الأخرى فسببها سماحته ساعد سلمي البوسنة على تشكيل فرقتين عسكريتين من أ÷ل البوسنة للدفاع عن أنفسهم ضد هجمات العصابات الصربية التي كانت تفتك في مسلمي البوسنة دون مبرر .

العودة إلى الوطن :

وأخيرا تمكن سماحته من مغادرة فرنسا سرا إلى مصر صيف عام 1946 وكان هبوطه إليها فجأة في أعقاب الحرب العالمية مخترقا كل وسائل المنع والرقابة حادثا مدويا في العالمين العربي والإسلامي , وفي العالم الخارجي .

وكانت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية قد اجتمعت في بلودان صيف عام 1946 وتم الاتفاق مع المنظمات السياسية الفلسطينية على تأليف " الهيئة العربية العليا لفلسطين " لقيادة الحركة الوطنية وقد احتفظت اللجنة السياسية لسماحته برئاسة الهيئة العربية العليا وهو ما يزال معتقلا في فرنسا في ذلك الحين وسارعت السلطات البريطانية تطالب باعتقاله وعدم السماح له بممارسة العمل السياسي لكن السلطات المصرية في ذلك الحين أكرمت وفادته وأطلقت له حرية العمل وسرعان ما التف حوله رجالات فلسطين ورحب بمقدمه زعماء الأقطار العربية والإسلامية وكانت دار سماحته ملتقي قادة الحركات الوطنية في العالمين العربي والإسلامي .

استئناف الجهاد :

وشرع سماحته بعد أن تولي الرئاسة الفعلية للهيئة العربية العليا ينظم الصفوف الفلسطينية ويعمل على استئناف الجهاد لتحرير فلسطين ولما نشبت حرب فلسطين بين العرب واليهود في أواخر عام 1947 إثر صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في 29 نوفمبر من تلك السنة شرع سماحته يدير حركة الجهاد الفلسطيني واصلا العمل ليلا ونهارا وقام بتأليف ( جيش الجهاد المقدس ) بقيادة القائد الشهيد عبد القادر الحسيني ,واتصل بعدد من الدول العربية لإمداد حركة الجهاد الفلسطيني ببعض الضباط الفنيين. وقد أبلي الفلسطينيون بلاء حسنا في جهادهم الذي استمر ستة أشهر كسب الفلسطينيون خلالها معظم المعارك التي دارت بينهم وبين اليهود رغم قلة وسائل الكفاح التي كانت في أيدي المجاهدين الفلسطينيين إذا قورن بوفرة ما لدي اليهود منها من إمدادات الدول الاستعمارية التي كانت تساعدهم وتمدهم بكل وسائل الحرب والقتال وبالفنيين من الرجال العسكريين .

تدخل الدول العربية :

ولما اشتركت الدول العربية في حرب فلسطين ودخلت جيوشها أرض فلسطين فعلا يوم 15 مايو سنة 1948 , أسفر دخولها عن كارثة أليمة بسبب ما كان بينها من خلاف في الرأي حول قضية فلسطين وبسبب ما كانت تمارسه الدول الاستعمارية من ضغط على الحكومات العربية لصالح الصهيونيين فوقعت كارثة فلسطين وتشرد مليون عربي فلسطيني وقامت ( إسرائيل ) في صميم الوطن العربي كما هو معروف .

وبعد الكارثة التي أصيبت بها قضية فلسطين استمر يعمل جاهدا في سبيل تخفيف أثر هذه الكارثة متصلا بالدول الإسلامية والعربية للدفاع عن قضية فلسطين ولتهيئة السباب والوسائل لتحرير الوطن السليب .

مؤتمر العالم الإسلامي :

وفي عام 1951 دعي سماحته ليرأس مؤتمر العامل الإسلامي الذي انعقد في كراتشي وحضره ممثلون عن 45 دولة إسلامية ,وشعب إسلامي . وفي عام 1952 رأس مؤتمر علماء المسلمين الديني الذي انعقد في كراتشي أيضا وحضره عدد كبير من علماء المسلمين وفي عام 1955 سماحته مؤتمر باندونغ على رأس وفد فلسطيني . وكان لمساعيه اثر بارز في حمل المؤتمر الآسيوي الإفريقي على بحث قضية فلسطين .

في لبنان مرة أخري :

وفيما تلا ذلك من أعوام استمر سماحته في نضاله على رأس الهيئة العربية العليا لفلسطين . ومؤتمر العالم الإسلامي . عاملا على أثارة قضية فلسطين في المحافل الدولية والأوساط الشعبية وأرسل عدة وفود إلى الأمم المتحدة وإلى الأقطار الآسيوية والإفريقية وإلى مختلف دول أوروبا وأميركا لخدمة قضية فلسطين .

وفي مايويونيو 1962 . رأس مؤتمر العالم الإسلامي الذي انعقدت دورته الخامسة ببغداد بحضور مندوبين عن 37 قطرا إسلاميا وأعيد انتخابه رئيسا لهذا المؤتمر .

وكذلك اشترك في مؤتمر الرابطة الإسلامية الذي انعقد في مكة المكرمة في موسم الحج سنة 1388 هجرية – 1962 ميلادية بصفته أحد مؤسسي الرباطة الإسلامية المذكورة .

وفي مستهل شهر آذار عام 1967 عاد إلى القدس بعد هجرة استمرت ثلاثين عاما إلا بضعة أشهر قضاها مجاهدا في سبيل قضية فلسطين واستقبل بالحفاوة البالغة .

وفي 13 جمادي 1387هـ ( 16 أيلول 1967) رأس الدورة الطارئة لمؤتمر العالم الإسلامي التي انعقدت في عمان خاصة بالقضية الإسلامية الفلسطينية بسبب الكارثة الجديدة التي حلت بالعالمين العربي والإسلامية باحتلال القوات الإسرائيلية المعتدية لبقية فلسطين وبيت المقدس وفي السنوات التاليات اشترك سماحته في اجتماعات المجلس العام لرابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة مستمرا في عمله في رئاسة مؤتمر العالم الإسلامي والهيئة العربية العليا لفلسطين ساعيا جهده لما فيه جمع كله المسلمين والعرب وتوثيق الروابط بينهم ولا سيما الدفاع عن قضية فلسطين في المحافل الدولية والإسلامية والعربية.

صلاح حسن

ولد الشهيد " صلاح حسن ط في مدينة القاهرة عام 1925.

انضم منذ شبابه إلى صفوف الحركة الإسلامية في مصر .

تخرج من المعهد العالي للتربية الرياضية سنة 1952 .

ساهم مساهمة كبيرة في أعداد وتدريب الشباب الجامعي الذين تشكلت منهم كتائب المقاومة في قناة السويس وقد اشترك الشهيد فعليا في عمليات المقاومة .

عمل مدرسا بالمدارس الثانوية كأستاذ للتربية البدنية في القاهرة .

انتقل إلى السودان وعمل في نفس الحقل في مدارس طبرة وجوبا ,وكان له فيها نشاط بارز كما ساهم في دعوة الوثنيين في جنوب السودان إلى الإسلام .

سافر إلى الكويت عام 1956 وعمل في مجال التربية البدنية في " ثانوية الشويخ" وترك فيها أثرا جيدا .

ترك حقل التعليم عام 1962 وانتقل إلى حقل التجارة يمارسها حتى عام 1967 عام الهزيمة .

بعد هزيمة حزيران غادر الكويت إلى الأغوار تفرغ للجهاد في سبيل الله مدربا وقائدا لمجموعة المقاتلين المؤمنين .

قضي شهيدا في معركة " كفار روبين" فجر الجمعة 28 آب سنة 1970 بغور الأردن الشمالي .

عبد العلي الحسني

ولد في الهند – لكهنوا – سنة 1311 هـ الموافق 1892 م وهو اليوم الذي تأسست فيه جمعية ندوة العلماء .

تولي إدارة ندوة العلماء زهاء ثمان وثلاثين سنة بعد وفاة والده العلامة عبد الحي الحسني سنة 1923 فكان خير خلف لخير سلف ولقد أتيح لندوة العلماء بفضله أن يعم نفعها ويقوي أثرها ولقد أجري بعض التغييرات والتعديلات في منهاج الندوة مما أتي بنتائج مثمرة وآثار باهرة من العلم والدين والأدب وكذلك تمكنت الندوة من إحراز ثقة كبار علماء الهند والعالم الإسلامي .

كان عبد العلي الحسني ذا شخصية فذة فهو يستحق أن يسمس مؤسس عهد جديد ويستحق أن يسجل اسمه في رأس قائمة الخبراء المطلعين أنه لم يركز تفكيره في ناحية من نواحي الحياة الإسلامية وإنما كان يفكر في نواحي الحياة كلها وكان ينظر إلى الحياة الإسلامية بمنظار مسلم قوي الإيمان يحمل مسؤوليته ويشعر بها في كل حين وآن .

بدأ الدكتور الشيخ عبد العلي الحسني يعاني من وطأة المرض وضغط الدم قبل ستة أشهر من وفاته ولكنه بالرغم من كل ذلك لم يقصر في أداء واجباته إلى أن وافته المنية في 28 ذي القعدة 1389 هـ الموافق 7 أيار سنة 1961 رحمه الله.


(خ)

عبد الكريم الخطابي

محب الدين الخطيب


محب الدين الخطيب

ولد بدمشق سنة 1305 هجرية ونهل الكثير من علمائها ومنهم والده محافظ المكتبة الظاهرية الغنية بالمخطوطات وصهره الشيخ مصطفي الطنطاوي والشيخ طاهر الجزائري وغيرهم , وتابع دراسته في الآستانة وكان فيها مع رجالات العرب الناهضين لحركة التتربك التي نادي رجال " تركيا الفتاة " بعد خلعهم السلطان عبد الحميد ثم انعزل عنهم مع الفئة المؤمنة التي ناهضت الفريقين عندما وجدت بذور الفرقة والتبعية يغذيها الأجنبي عند الفريقين وتابع الطريق مع الصفوة المختارة التي عملت لبقاء الوحدة الإسلامية والحفاظ على العربية لغة القرآن .

ثم شرق وغرب فكان معلما في اليمن قبل الحرب العالمية الأولى .

وأقام في مصر بعد ذلك محررا في جرائدها المؤمنة ومنها ( المؤيد) وانشأ المكتبة السلفية ومطبعتها التي قامت بنشر العديد من الكتب الإسلامية وكان آخرها " فتح الباري ".

وأسهم في النهضة الدينية فكانت مجلته الأدبية " الزهراء " تردفها مجلة " الفت؛" التي صدرت عام 1327هـ أكبر مدافع عن الإسلام في الكنانة ولسان الثورة السورية والفلسطينية الوحيد بعد توقف " الشوري " وكان يقوم بتغذية الجرائد المصرية والأوروبية بأخبار الثورة وشارك مع رجالات مصر في تأسيس جمعية الشبان المسلمين حيث كان أمين العام خلال فترة طويلة .

ثم توي تحرير جريدة الإخوان المسلمين ولما تولي مشيخة الأزهر المصلح الكبير الشيخ [[محمد الخضر حسين التونسي]] سلمه رئاسة تحرير " مجلة الأزهر" .

وله العديد من المؤلفات العربية في التاريخ والفرق كان فيها جميعا لسان صدق في الدفاع عن السنة والتقصي للثابت من الأخبار ونقل عن التركية عددا من المؤلفات منها " سرائر القرآن ".

عبد الكريم الخطابي

ولد الأمير عبد الكريم الخطابي عام 1301 هـ في لدة " اجدير " بالجزائر وهي خليج صغير على شاطئ المتوسط بين تطون ومليلة ونشأ على حفظ القرآن الكريم ودراسة الفقه والتمسك بقواعد الإسلام الحنيف ويتصل نسبة بالنبي صلي الله عليه وسلم .

تلقي الأمير عبد الكريم دروسه الابتدائية والثانوية في مليلة ثم التحق بجامعة القرويين – أقدم جامعة في العالم – بفاس , ثم تخرج مدرسا بمليلة وعمل محررا في بعض الصحف اليومية ثم عين قاضيا بعد ذلك حيث بدأ خطره يشتد علي الأسبان حتي أنهم قبضوا عليه في عام 1915 بتهمة الميل للعثمانيين والعمل على الدفاع عن الخلافة وإلهاب الشعور الإسلامي " ضد الصليبيين الجدد " وقدموه للمحاكمة أمام مجلس حربي عسكري ظهرت فيها شجاعة الأمير الفائقة وثقته المطلقة بهذا الدين الذي يعتنق .

التفت إليه الجنرال ( أى اسبورو) رئيس المجلس العسكري قائلا : هل تعمل حقا ضد الحلفاء ؟ فقال : نعم فسأله : وما هو سبب ذلك ؟ يقول الأمير عبد الكريم : فقلت له : " لأن الدولة العثمانية دخلت الحرب باعتبارها دولة الخلافة الإسلامية وهي تقف بجانب ألمانيا واستو ريا وأنا مسلم ماركشي والخليفة نادي بالجهاد ضد الحلفاء لتحرير بلادنا التي تحتلها فرنسا واسبانيا ".

فقال له الجنرال : ما هي علاقتك بالخلافة ؟ فأجابه : أنها خلافة المسلمين كلهم في مشارق الأرض ومغاربها , لذلك فأنا معهم لنحارب الحلفاء ... فضحك الجنرال ثم قال له : أنا أعلم أنك رجل نبيل ومن أسرة نبيلة معروفة ولكن ألا تعلم أن دولة اسبانيا ملتزمة الحياد وأنت قاضي القضاة في منطقة الحماية ؟ فقال له الأمير عبد الكريم : هذا لا يمنعني من القيام بواجبي وأنا أري كثير من ضباطكم يتعاملون مع الألمان الموجودين هنا لتغذية الحرب ضد فرنسا , بجانب تركيا ثم إذا كانت الوظيفة تمنعني من القيام بالواجب الوطني فأنا مستقيل من هذه الوظيفة منذ الآن لأتفرغ للقيام بالواجب المحتم علي ّ.

وزج بالأمير عبد الكريم في السجن , وبدأ كفاحه الدامي ضد الأسبان الواغلين . الذين اعتبروا اعتقاله " رهينة" عن والده , الذي بدأ كفاحه ضد الأسبان في الريف المراكش وحاول الطل المجاهد الهروب من السجن فقام في الساعة الحادية عشرة ليلا بالقفز من أعلي برج في القلعة إلى الأرض بواسطة حبل معلق على طرف حديدي مربوط به فتدلي مع الحبل . ولكن الحبل لم يصل به إلى الأرض فبقي فترة من الزمن معلقا في الفضاء ثم رأي أن يقفز لمسافة الباقية وكانت الريح شديدة عاتية فسقط على رجله اليسري نتيجة اختلال توازنه من شدة الريح فكسرت ساقه وشج رأسه وخرج يده عن موضعه .

وأعيد هذه المرة إلى سجنين سجن القيد وسجن المرض وعلم والد الأمير في الوقت الذي كان يستعد لشن هجوم كبير على الأسبان فكتب إلى القائد الأسباني يقول له : لا تعتقدوا أن اعتقال ولدي ووجوده عندكم في السجن يمنعني من العمل ضدكم فهو وأنا وجميع أفراد العائلة مستعدون دائما لمواجهة الظالمين بما يستحقون .

وعندما دخل بعض الضباط على الأمير السجين وطلب إليه أن يقنع والده بالكف عن محاربة الأسبان وهدده بنقله إلى سجن " ملقة" وهو سجن الجرمين التفت إليه الأمير قائلا : أنني لا أستطيع أن آمر الذي بشئ بل هو الذي يأمرني وأنا مطيع له في كل شئ وأنا مستعد للذهاب إلى سجنكم في ملقة ولا يهمني ذلك مطلقا ولتفعلوا بي ما تشاءون من اليوم وأنتم ظالمون على كل حال ولا تنتظروا مني شيئا غير هذا ...

ولما فات على الأسبان الغرض من سجنه خلوا سبيله بعد ذلك ,ودارت بين الأسبان وأهل الريف بقيادة والد الأمير عبد الكريم عدة معارك , وكان الجيش الأسباني يحتل شرق الريف وغربه والفرنسيون يحتلون جنوب الريف وتوفي والد الأمير قبل أن يسير الأسبان جيشا كبيرا من الشرق بمدافعه وطائراته يزحف غربا نحو أرض الريف ,ولم يترك شبرا من الأرض إلا قام بتحصينه وبناء القلاع فيه وتقدم الأمير عبد الكريم بألف من المجاهدين لمقابلة خمسة وعشرين ألف جندي مجهزين بالعتاد والذخيرة ومن ورائهم مؤخرة وحاميات ....

وتقدم الجيش الأسباني بقيادة الجنرال سلفستري فاحتل بلدة أنوال ثم تقدمت فصيلة منه واحتلت المركز الحصين ابسران وركز المجاهدون هجوما معاكسا شديدا استردوا فيها المركز وأفنوا الحامية وغنموا كل ما فيه فأقسم الجنرال العالج ليبيدن جيش الحفاة العصاة صيادي الأسماك !...

واستظل المجاهدون للمعركة الفاصلة براية محمد صلي الله عليه وسلم وطافت في أذهانهم بطولات بدر ... ألف مجاهد في مقابلة خمس وعشرين ألف جندي في معركة استمرت خمسة أيام كاملة من عام 1931 تسفر عن إبادة الجيش الكبير على أيدي الفئة المؤمنة ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ).

أما أسبانيا فقد سقطت حكومتها وقامت محلها حكومة أخذت على عاتقها تجهيز مائة ألف جندي لتطبق بهم على " أجدير" بلدة الأمير عبد الكريم من عدة جهات .. ولكن فات جميع دول الاستعمار أن الشرارة التي انقدحت في النفس المسلمة الغافلة فأيقظتها لن تخبو بعد اليوم أبدا وأن الذي انتصر عليهم اليوم ليسوا أولئك النفر القليل.. ولكنه هذا الإسلام العظيم فلو أن هؤلاء استشهدوا اليوم فيسحمل الراية من بعدهم كثيرون غيرهم ... حتي يكتب الله النصر للمؤمنين ..

وعمل الأمير عبد الكريم بعد ذلك على تنظيم الجيش وإزاحة العقبات التي تقف في طريق نموه ولم تنسه الأعمال الحربية القيام بالإصلاحات التي تحتاجها البلاد فنظم مالية البلاد التي لم تقع تحت قبضة المستعمر وأصلح فيها الإدارة ونظم التجارة والزراعة وعني بحالة الريف الصحية والتعليمية

وتوالي جهاده مع جنوده الذين لم يزيدوا على ألف وستمائة مجاهد مع أسبانيا في جهة الغرب وكذلك مع الفرنسيين من الجنوب في معارك لاهبة متلاحقة بصيب فيها من الأعداء ويصيب الأعداء منه يصيبون من أعدائهم بإيمانهم وسلاحهم ويصيب منهم الأعداء بـ... الغازات السامة التي استعملها الأسبان أكثر من مرة ..

ولما اشتدت وطأة الأمير عبد الكريم على الأسبان بعد الهزيمة التي ألحقها بهم في آب من عام 1934 لم يسع الديكتاتور الأسباني " بريمودي ريفيرا" ألا أن يتولي القيادة العسكرية بنفسه ليعمل على إنقاذ جيشه وتفاوض مع الفرنسيين لكي يقوموا بنجدته وأثمرت مفاوضاته معهم فاتفقت القوتان الفرنسية والأسبانية على محاربة عبد الكريم وكانت فرنسان اقوي دولة برية في العالم والجيش الأسباني ثالث الجيوش الأوروبية .

وفي ربيع عام 1925 بدأ الفرنسيون هجومهم تحت ستار ضد هجوم مفتعل " وكان الفرنسيون يريدون بفتح الجبهة التخفيف عن الأسبان ومساعدتهم , وكان فتح الجبهة مفاجئا , ولم ينته المجاهدون بعد من القضاء على الأسبان وكانوا شبه محصورين بين البحر في الشمال وهو في يد الأسبان والفرنسيين والسبان من الشرق والغرب ثم الفرنسيين من الجنوب ".

وسار جيش عبد الكريم بقيادة أخيه لمقابلة الفرنسيين الذين توجهوا إلى فاس وأخذت الحصون تسقط بأيدي الجيش المجاهد غير عابئ بالغارات الوحشة التي تشن عليه من هنا ومن هناك وبالرغم من أن المجاهدين قد فقدوا ميزتهم في حرب الجبال وهم في طريقهم إلى فاس إلا أن قوتهم تضاعفت بسبب ازدياد عدد القبائل المنضمة إليهم والتقوا مع الإمداد الفرنسية لكبير في مزيان " فهزم الفرنسيون هزيمة منكرة وأصبح الطريق إلى العاصمة مفتوحا فأسرع رئيس وزراء فرنسا إلى ميدان المعركة وعزل القائد الفرنسي المدعو " لوتي المعروف بالحنكة والبراعة وعين الماريشال " بيتان" كبير العسكريين الفرنسيين ولبت فرنسا من اسبانيا أن تفتح جبهة رابعة وغطت الطائرات سماء مراكش وأخذت تضرب المدنيين على غير هدي بل أنها تعمدت ضرب السواق التجارية ودور العلم والمستشفيات لتشع الذعر والخوف بل لتنفس عن شئ من حقدها الصليبي وتعمل على تطبيق بند من أهم بنود الحضارة الغربية !!

وأسرع القائد الفرنسي الجديد وشن هجوما انتزع به أهم معاقل المقاومة" الرانس" بينما كانت أسبانيا تستعد للنزول بأجدير فتم هذا الأمر في نيسان عام 1925 بعد شهر من سقوط " البرانس " وفي أيار من العام القادم كانت الجيوش الفرنسية والأسبانية تسير مجتمعة قيادة " بيتان" تزحف من جميع الجهات على الأمير عبد الكريم والمجاهدين المغاربة حين فاوضته وطلبت إليه التسليم فأبي ذلك عليه دينه وفاؤه وفضل الاستشهاد في ساحة المعركة ولم تلبث قوي الشر والعدوان أن أطبقت على الأمير وجماعته وقادته أسيرا في 10 تشرين أول 1926 إلى جزيرة " رينيون" على المحيط الهندي شرقي مدغشقر .

وأمضي المجاهد الأسير مع شقيقه وأهله عشر سنوات كاملة وراء لجج المحيط يعاني مرارة النفي والوحدة والانقطاع عن العالم ولكنه أن اقتطعت صلاته بالأرض فإنها موصولة بالسماء بحبل متين ... لقد عكف الأمير رحمه الله علي قراءة كتب لتفسير والحديث ولعقيدة كان قد اصطحبها معه إلى الجزيرة وعكف على العبادة والتوجه إلى الله .. فأصبح رقيق النفس مرهف الشعور يتوجه إلى الله بالدعاء وقد خط الشيب عارضيه ووراءه سنوات من الجهاد في سبيل الله وحده ... جهاد في الشباب وعبادة وعلم وورع في المشيب وإخلاص لله في كل عمل ووعد من الله بالجنة للشهداء .. كل ذلك طريق إلى دار الخلود مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين .

ويمضي الأمير في الجزيرة النائية لموحشة أحد عشر عاما آخر يسمح له فيها بالتنقل في أرجاء الجزيرة الصغيرة وقراء بعض الصحف والمجلات الفرنسية .

وفي عام 1947 أعلنت فرنسا على العالم نبأ إطلاق سراح بطل الريف الأمير عبد الكريم الخطابي وأقاربه جميعا بشرط الإقامة في أحد قصور باريس الذي أعدته لهم فرنسا ووصلت الباخرة المقلة للأمير إلى بور سعيد في 29 أيار 1947 لتتابع طريقها إلى فرنسا وتشاء إرادة الله أن يتمكن الأمير المجاهد من اللجوء إلى مصر والبقاء فيها .. مثلا رائعا من أمثلة الكفاح والفداء والصبر والجهاد وليعم كل من يري الأمير الخطابي أو يقرأ تاريخ حياته الطويل ... إن الإسلام يصنع الرجال .. وإن الرجال يصنعون التاريخ وغن مدرسة بدر الكبرى باقية ما دام في الدنيا لسان ينطق وشمس تشرق على الأرض .

قال المستر كورتي عضو مجلس العموم البريطاني :" إن عبد الكريم رجل حرب وجلاد وزعيم يعرف كيف يجعل الجماهير تنقاد إليه حتي صار الناس في الهند وبغداد والقاهرة يرون فيه رجلا يصح أن يكون أميرا للمؤمنين وحاملا لسيف الإسلام فإذا أصبح والحالة هذه في مركز يدعوه فيه إلى الجهاد في أفريقيا الشمالية وبلاد العرب والأناضول فإن انجلترا وفرنسا وايطاليا تتعرض لأخطار جسيمة ولا يبعد أن تمس هذه الأخطار دولا أخري غير هذه أيضا ".

(د)

عبد الوهاب دبس وزيت

هو علامة وفقيه ومقري الشام وأفقه أهلها في مذهب أبي حنيفة كان معروف يدعي إليه ولا يسكت عن منكر يراه ولا يخاف في الله لومة لائم .

كان دائم الاشتغال في الفقه والتدريس له يؤمه الناس من كل مكان ليسألونه عن أحكام دينهم ويجلس لهم لذلك ويعقد الجلسات الدورية ويلقي فيها الدروس العلمية النافعة .

من ابرز الصفات إلى عرف بها إجادته تلاوة القرآن واتقان أدائه وقد تولي تدريس مادة التجويد في مدارس جمعية القراء بدمشق .

كان يحرص على أداء فريضة الحج كل عام ويتجشم في سبيل ذلك العقبات .

كان زاهدا في الشهرة . مترفعا عن الأحكام لا يعرفهم ولا يعرفونه,ولا يرغب في التقرب إليهم ؟

كان يع بالحق ويقر حكم الله في المسألة على الوجه المثل وعندما يتهاون في ذلك بعض العلماء ممن يخشون الناس أشد من خشيتهم لله .

توفي في دمشق عام 1389 هـ الموافق 1970 ميلادية رحمه الله .


(ر)

عبد الغني الرافعي

عمر الرافعي

مصطفى صادق الرافعي

محمد رباح

رشيد رضا

عاصم رضا


الشيخ رشيد رضا

ولد السيد محمد رشيد رضا عام 1282 هجرية في بلدة القلمون المتاخمة لمدينة طرابلس اللبنانية على شاطئ البحر المتوسط وتلقي فيها القراءة والكتابة وقواعد الحساب المعتمدة ثم دخل المدرسة الرشيدية في طرابلس , فتوسع في العلوم التي تلقاها مضيفا إليها علوم النحو والصرف والعقائد والعبادات إلى جانب اللغة التركية وكان يهتم كثيرا بقراءة كتاب الإحياء للإمام الغزالي هذا الكتاب الذي أثر كثيرا في دينه وأخلاقه .

نشأ السيد رشيد رضا في بلدته القلمون وظل مثابرا على الدرس والتحصيل والقراءة والبحث عن كل جديد فأدرك أن قائدي الدعوة الإسلامية في عصره هما السيدان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده فصمم على اقتفاء أثرهما وشمر قاصدا مصر للاتصال بهما وكان له ما كان بعد أتم دراسته على علماء طرابلس المشهورين وبخاصة الشيخ حسين الجسر .

قدم السيد رشيد إلى مصر وأنشأ مجلة المنار التي بثها أفكاره في الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي .

وكان – رحمه الله – أول لقب الشيخ محمد عبده " بالأستاذ الإمام ".

وما هو إلا زمن قصير حتي ذاع صيت " المنار" بين المسلمين وأضحت المجلة الإسلامية الأولي في العالم وانتشرت أبحاثها في الآفاق وباتت فتاواها جانب تفسيره للقرآن الكريم المعروف ـ تفسير المنار " والذي لم يطل عمر السيد رشيد – رحمه الله – لإتمامه فوافته منيته لما بلغ في تفسيره سوة يوسف وعلى وجه التحديد و قول الله تعالي :" رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السموات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ".

على أن مؤلفات السيد رشيد رضا علاوة على ما ذكرنا كثيرة . منها :

1- نداء للجنس اللطيف .

2- الوحي المحمدي .

3- مساواة المرأة بالرجل .

4- ذكري المولد النبوي .

5- الوهابيون والحجاز .

6- رسالة في الصلب والفداء .

7- حقيقة الربا .

8- تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده .

9- يسر الإسلام وأصول التشريع العام .

10- الخلافة أو الإمامة العظمي .


هذه لمحة موجزة عن حياة المجاهد السيد رشيد رضا وعن ما قدمه للعالم الإسلامي من تراث علمي عظيم ولو أن الله سبحانه مد في عمره بضعة سنين لأتيح له إلى جانب ما أتيح إكمال تفسير المنار الذي يعتبر من أشهر التفاسير لكتاب الله الكريم ..

لكن المقدر واقع لا محالة فبينما كان السيد رشيد رضا عائدا يوم الخميس الواقع في 23 من جمادي الأولي عام 1354 من توديع الأمير سعود بن عبد العزيز في مدينة السويس المصرية فاجأته منيته في الطريق وفاضت روحه الطاهرة إلى ربها راضية مرضية .

الشيخ عمر الرافعي

من أعلام طرابلس .. وأدبائها المعروفين وشعرائها المجيدين المجددين ومن رجال الفضاء الذين عرفوا بالنزاهة وسعة الاطلاع على القوانين قضت السياسة وإن شئت فقل أهواؤها وأسرارها الخفية أن تقصيه عن الوظيفة فتحرم القضاء قاضيا عادلا ولكنه لم يقص عن هذا العمل وعن خدمة الأمة الإسلامية ببعض مواهبه إلا لينصرف بجميع مواهبه إلى خدمتها خدمة أعظم الأمة الإسلامية ببعض مواهبه إلا ليتصرف بجميع مواهبه إلى خدمتها خدمة أعظم نفعا وأجل وقعا . وقد سمت به همته آنذاك إلى إعادة بناء قاعدة " للجامعة الإسلامية " التي لا رجاء لجميع شملها المتفرق إلا عن طريق رجوع المسلمين إلى الخلافة .

فالرافعي وهو بمثابة اليد البيضاء لقضية الإسلام جدير بأن نعرف به وإن كان أعرف من أن يعرف .

مولده ونشأته – ولد في 3 شوال سنة 1299 للهجرة وسنة 1881 للميلاد في مدينة ( صفاء الهمين ) حيث كان بها والده رئيسا لمحكمة الاستئناف .

في ميدان لعمل - مارس الصحافة , وأراد أن ينشئ جريدة باسم (باب النصر ) في مدينة حلب سنة 1324هـ ولكن الظروف السياسية حالت بينها وبين إصدارها فعاد إلى طرابلس يشتغل بمهنة المحاماة ثم عضوا ملازما في محكمة بداية نابلس ثم مثلها في بيروت كما أنه زاول التعليم في عدة معاهد في بيروت ودمشق .

اضطهاده وسجنه – نسب إليه إعداده دارا بدمشق لاجتماع الجمعية الشورية العربية فقبض عليه عام 1916 ثم حكم عليه بالموت ثم ثم استبدل الحكم بالسجن المؤبد وفي عام 1918 أفرج عنه وعاد إلى طرابلس .

مكانته الأدبية : الرافعي مشهود له بالفضل والنبل والعلم ولو انصرف إلى الحياة العلمية البحتة لكان له متسع لإظهار مواهبه كلها ومع ذلك فإنه لم يقصر في هذا المضمار فإن مؤلفات لم يطبع منها شئ منها كتاب ( أساليب العرب في الشعر والرسائل والخطب ) وكتاب أسماه ( القضية المصرية في القضية العربية ) وله شعر جيد كثير طبع منه ( الجزء الأول ).

ومن هذا الديوان نقتطف هذه القصيدة :

من نفحات الأستاذ الشيخ عمر الرافعي

دعوة الحق

دعوة الحق نهجها الإسلام
حيث فيه الهدي وفيه السلام
فاستقيموا على الطريقة فيه
فلقد أفلح الذين استقاموا
وكفي أنها السبيل إلى الله
عليها قام الهداة العظام
فكتاب المولي وسنة طه
حسبنا قدوة وآل كرام
هم نجوم الهدي بكل سبيل
ضل فيه الوري وحار الأنام
لم تمت أمة النبي وفيها
من ذويه مجدد وإمـــام
دعوة الحق هذه فاجيبوا
داعي الله ما استجاب الأنام
لا تقولوا سني وشيعي افتراقا
لا تييحوا المقال وهو حرام
فرقتنا سياسة الحكم قـــــدما
وبها اليوم صار يرجي الوئام
فهلموا يا قوم نجمع شملا
إنما الدين عنده الإسلام

عبد الغني الرافعي

ولد الشيخ عبد الغني في طرابلس سنة 1232هـ وتوفي في أم القري ( مكة المكرمة ) سنة 1308هـ.

تشبع من الثقافة الإسلامية علا اختلاف ألوانها : فكان محدثا , وصوفيا , وفقيها , وأصوليا. ولغويا . وشاعرا , وأديبا .

كما كان ثاقب النظرة , لماح الخاطر , وافر الإنتاج

تسلم مركز الإفتاء في طرابلس والقضاء في تعز باليمن وأخيرا رياسة الاستئناف في صنعاء .

بث الدعوة الإسلامية في دروسه وسلك لطريقة الخلوية في تصوفه ونشر علوم الدين , والتصوف , والأدب ,في بلده ثم في كل مكان حله كان يحي العلم فيه ويحضر دروسه فطاحل العلماء ليستقوا من موارده وليستزيدوا من واسع علمه ومعرفته .

تخرج على يده علماء كثيرون من أشهرهم :

الشيخ إبراهيم الأحدب, والشيخ درويش التدمري والشيخ خير الدين الميقاتي والشيخ محيي الدين سلهب.

ولما كان الشيخ عبد الغني – إلى جانب فقهه الحلم قد أسلست له اللغة العربية قتادها فقد جاءت أشعاره وكتاباته مشرقة الديباجة فصيحة الألفاظ رشيقة المضمون .

وثقافته هذه خلقت عنده نظرية المزج بين اللغة والدين .

ومن هنا كان تراثه العلمي مقصورا على الفقه والتصوف والأدب .

له في النثر ( الدبائع ):

أما شعره فغزير اتسم معظمه بالطابع الصوفي ومن أشعاره في هذا اللون ما قاله :

1- في المديح خليل الرحمن عليه السلام .

2- في مدح سيدنا موسي عند زيارته لمقامه الشريف .

3- في مدح سيدنا داود .

4- في السيد البدوي عندما زار مقامه في جامعه المعروف بطنطا .

وأما في العلوم الشرعية فقد ترك الشيخ عبد لغني العديد من المؤلفات منها :

أ‌- كتاب الفتاوي .

ب‌- تعليقات على حاشية ابن عابدين .

ت‌- عدة رسائل في المسائل الفقهية المهمة .

ث‌- ومن مؤلفاته في التصوف :

ج‌- أ- شرح حافل على بديعيه الصفي الحلي في الأدب .

ح‌- كتاب ترصيع الجواهر المكية في تزكية الأخلاق المرضية .

خ‌- أسرار الاعتبار فيما أودعه الله تعالي من الحكم في الشجار .

د‌- على أنه – طيب الله ثراه قد فهم الصوفية على حقيقتها وأقام أذواقه ورياضياته وأشواقه الروحية على أساس من الكتاب والسنة .

مصطفى صادق الرافعي

أديب مبدع وقف قلمه وفكره للدفاع عن العروبة والإسلام وصد عاديات المتهجمين على أصالة العربية ومكانتها ذلك هو الكاتب الكبير مصطفى صادق الرافعي .

ولد في في قرية من قري محافظة القليوبية في مصر عام 1880 ميلادية من أسرة لبنانية نزحت إلى أرض الكنانة وأقامت في طنطا وكانت أسرته معروفة بالتدين والصلاح والعلم وتولي عدد من أفرادها منصب القضاء الشرعي في المحافظة حتي أصبح اسم عائلة الرافعي مرادفا للعلم والمكانة الأدبية .

ونشأ أديبنا تحت رعاية هذه الأسرة الكريمة وتهيأ له أن يطلع على ما مكتبة والده من أمهات المؤلفات في علوم الدين واللغة والأدب والاجتماع فانطبع بطابع الأسرة في سلوكه الاجتماعي وأسلوبه الفكري وتعبيره الأدبي مع أنه لم يحصل من الإجازات إلا على الشهادة الابتدائية إلا أنه استطاع أن يعوض ما فاته عن طريق الدراسة النظامية بالمطالعة والدراسة الخاصة حتي أصبح من أشهر كتاب اللغة العربية وأعرفهم ببواطنها على مدار العصور .

انصرف الرافعي إلى التراث الإسلامي والعربي يقرأ ويفكر ويحفظ فقد حفظ القرآن واستظهر كتاب نهج البلاغة وكان ينصح الناشئين والمتأدبين بقراءة رسائل الجاحظ وكتاب الحيوان والبيان والتبيين والأغاني وكليلة ودمنة , والألفاظ الكتابية للهمداني ..ولا شك أنه قرأ هذه الكتب جميعا وقد ساعدته هذه القراءات على أن يعيش في جو التعبير العربي الجزل والصياغة الأدبية المحبوكة .

وكان الرافعي متشددا فيما يمس دينه ويحكي أصدقائه أنه كتب في احدي رسائله إليه اسم الرسول عليه الصلاة والسلام دون أن يتبعه بالصلاة عليه فكتب إليه الرافعي يعاتبه عتابا شديدا معتبرا ما فعله سوء أدب لا يقبل من أحد ولا يقر أحدا علي كما كان عزيز النفس أبي الروح مع أنه عاش عيشة كفاف يشكو ضعف الجسد والمرض المزمن وعدم القدرة على القراءة والكتابة .

كان ثري الإنتاج كثير الكتابة ومما خلفه لنا : ديوانه الذي صدر في ثلاثة أجزاء وديوان النظرات , وتاريخ العرب و وإعجاز القرآن وحديث القمر والمساكين ورسائل الأحزان والسحاب الأحمر وأوراق الورد ووحي القلم والمعركة تحت راية القرآن وغيرها كثير ..

وفي فجر يوم من أيام مايس عام 1937 استيقظ الرافعي فتوضأ وصلي وجلس يقرأ بعض آيات القرآن الكريم حتى توفاه الله ضحي ذلك اليوم فأسلم الروح بعد حياة حافلة بجليل الأعمال رحمه الله رحمة واسعة وأفسح له في الجنان مع لخالدين .

الشيخ عبد الرحمن عاصم رضا

ولد عاصم رضا في بلدة القلمون قرب طرابلس – لبنان عام 1890 ميلادية تلقي علومه الأولية في قرية " دده" ثم في طرابلس .

سافر إلى مصر ملتحقا بابن عمه السيد رشيد رضا عام 1920 وعمل كوكيل له في إدارة مجلة المنار المشهورة .

عاد إلى لبنان قبيل وفاة السيد رشيد رضا عام 1935 وبلغه الخبر وهو في بلدة القلمون مسقط رأسه .

سافر مجددا إلى مصر وعاد منها إلى القلمون لكن السلطات الفرنسية أقدمت على اعتقاله وبعدها استقر نهائيا في القلمون .

تلقي دروسا في مدرسة " دار الدعوة والإرشاد " بالقاهرة التي أنشأها السيد رشيد رضا كما حضر دروسا في كلية الآداب بالجامعة المصرية .

كان أميرا للحج اللبناني عام 1363 هجرية 1945 ميلادية وحج مرة أخري عام 1965 حيث حضر أول مؤتمر إسلامي .

وكان له خلقان بارزان : سعة العلم وسعة الصدر إلى جانب سخائه في بيته وخارج بيته وكثيرا ما يشتري من الكتب النافعة يوزعها على أهل العلم هدايا نشرا للعلم والحق والخير وكان يقدم الجوائز للطلاب في المدارس الرسمية للبنين والبنات فبما إذا حفظوا سورة من القرآن كسورة النور وسورة الحجرات فلقد وزع ما يري عن مائتي نسخة من معجم الطالب وألوفا من نسخ القرآن العظيم من الطبع الأنيق والتجليد المخرف المتقن .

ومن أبرز صفاته أنه كان يمينا لعالم الشيخ محمد رشيد رضا صاحب المنار وأمينا لسره ومستشاره الخاص والمشرف على مقالاته النافعة والمصحح لها مع القصد الحسن والإخلاص التام والدأب الطويل وأثني عليه أكبر رجالات إسلام والأمير شكيب أرسلان والسيد رشيد رضا وعالم الشام الشيخ محمد بهجة البيطار والمرحوم الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر والشيخ عبد المجيد أفندي سليم مفتي الديار المصرية رحمه الله.

محمد رباح .. الشاعر الإيطالي المسلم

هو فنسينز ماريا ريبواو" محمد رباح" كما أسمي نفسه .

من مواليد مدينة " نابولي" 8 أكتوبر 1947م.

درس مرحلة الابتدائية في نفس المدينة .

انتقل مع عائلته إلى مدينة " بوتنسا بيجينو" حيث عمل والده كمفتش في وزارة التربية ودرس هناك المرحلة المتوسطة.

ثم انتقل كذلك إلى مدينة " سبوليتو" حيث أنهي المرحلة الثانوية بتفوق ودخل جامعة ( بيروجيا) التي تبعد عن بلده حوالي " 70 كلم ".

في بيروجيا) يكثر الطلبة العرب في جامعتها وهكذا بدأ احتكاكه بالوسط الأجنبي عنه .

في 12 نيسان 1970 م . حيث بقي له بضعة شهور للتخرج انتقل إلى رحمة الله أثر إصابته بسرطان الدم .

نبذة عن حياته الخاصة :

بدأ بكتابة الشعر صغيرا وهذا إيحاء عن رهافة حسه كما بدا بكتابة دواوين وعمره ستة عشر عاما وعند وفاته بلغت ألف صفحة لم تطبع إلى الآن كما كان يعشق الرسم ولهذا يجد الداخل إلى بيته عشرات من اللوحات الزيتية تزين الجدران وقد تقلب في أحضان النعمة والتعرف على الطبقات الراقية في المجتمع الإيطالي وخاصة فئة الأدباء حيث كان والده مفتشا في وزارة التربية وهو وحيد أهله وهكذا اختياره للفرع الأدبي في المرحلة الثانوية ودراسة الأدب في الجامعة كما أنه وهكذا اختياره للفرع الأدبي في المرحلة الثانوية ودراسة الأدب في الجامعة كما أنه يعزف على كثير من الأدوات لموسيقية لأكبر الموسيقيين العالميين . ويتكلم اللاتينية ويترجم عنها وله ترجمات منا الشعر من اللاتينية إلى الإيطالية كل هذه العوامل ودراسته المقارنة للأديان ( على ما بها من دس على الإسلام ) جعلت عنده الحافظ للتعرف على الإسلام لأنه وجد فيه الشئ الوحيد الذي يركن إليه وخاصة في وقت الشدة كما تري في كثير من قصائده .

إسلامه:

أسلم رحمه الله حوالي سنة 1968 حوالي سنة 1968م. وأتقن الصلاة والصيام وكتب كتابه عن خطيبته " ريتا" التي كان يعرفها قبل الإسلام ,وحسن إسلامه وعقيدته وعبادته وقام بزيارة مع والده إلى سوريا سنة 1969 م. حيث كانت رحلة الوداع لينام بعدها قرير العين في العالم الآخر وكان في استقباله نفر من خيار الناس خاصة في مدينة حلب ورأى فيها ما يسر نفسه ويرضي ضميره وما حز في نفسه واثر فيها والذي نلمسه في إحدى قصائده كما سنري أثره في الأدب الإيطالي .

يعتبره كثير من الأدباء من أكبر ثلاثة شعراء في القرنين التاسع عشر والعشرين ونري ذلك في كثير من الجوائز الأدبية والألقاب والكتب والمقالات وفي المذياع .. وكلها منحت إليه وأشادت بع بعد وفاته , أى بعد صدور ديوان شعره لأنه صدر بعد وفاته وقد كتب بخط يده قبل وفاته " الديوان سيصدر يتيما " مشيرا إلى ان الديوان سيصدر بوفاة صاحبه . وقد صدرت عنه بالإيطالية خمسة كتب حتى الآن لعدد من ألأدباء الطليان .

إن مثل هذا العدد من الكتب عن شباب لم يتجاوز 23 عام لحري به أن يكون من العظماء وخير لنا أن نعرف عنه وأن نؤتيه قدره من أن يفتخر به أعداؤنا ويعتبرونه في صفوفهم وهذا ما يسيئه في قبره رحمه الله .

أما الجوائز والأوسمة والألقاب فإحداها ما أرفقه في هذا الموضوع ما نشرته جريدة " تامبو" عن فوزه بإحداها مع صورته واليكم بعضها على سبيل المثال :

1- جائزة برغامو.

2- جائزة كاردانيللي

3- جائزة جيبو.

4- جائزة ماريا كريستينا بولوجيا

5- جائزة سوبير تيرم .

6- أما ما كتبه المجلات والصحف والجرائد فمما يوازي عدة مجلدات .

نظرات في شعره :

1- كثرة الكلمات العربية وخاصة الدينية

2- كثرة التعابير والاصطلاحات الدينية

3- رقة الإحساس في شعره .

4- ومعجزة الشعر الإيطالي " كما يعتبرونها قصيدته " خذني يا إلهي " حيث كتبها قبل وفاته بزمن قليل .

ترجمة لمقتطفات من قصائده بدون تعليق

1- قصيدة " مكتبة بيروجيا " وفيها يتكلم عن الفتي العربي " ويقصد المسلم " لمعارفه أولا ولمعني القصيدة.ثانيا :" وبنفس العزة تمثل الأقدمون النبلاء في الصحراء ".

2- قصيدة " إلى صفوح " أحد الطلبة المسلمين في إيطاليا وقد أهداها له لتقواه وورعه .ط وهكذا ستفوز – صفوح ".

رجل عدل وصاحب عقيدة مدهشة صادقة تحير العقول .

3- في قصيدته الرائعة " الفتيات جدد .والوطن بعيد "

" كيف نريد أن نتأقلم في الضباب ونستنشق هواء بغ بن "

ونصعد درجات الجامعة المليئة بالضوضاء وهكذا نريد آذنا يكاد يخرج من القلب إلى القلب يقول لنما :

" الحمد لله نحن مسلمون "

4- قصيدته العاطفية " كعبة إليك حاجا ساتي " " كل ليلة أتوجه إليك إله واحد رحمن رحيم "

5- " وخذني يا إلهي "

" وهكذا أحرقت حياتي .

لا أريد أن ارجع إلى الوراء .

وإليك أرجع

مثل الرجل الذي يتألم) :


(ز)

الشيخ أمجد الزهاوي

أحد كبار علماء العراق والأب الروحي للعراقيين ولد في العراق وتوفي عام 1387 هـ الموافق 1967م.

عاش للإسلام فعاش في قلوب الناس ..وتجرد لله فأحبه الناس من أعماق قلوبهم حبا مجردا عن الأغراض الدنيوية ...

وعمل له ولمصلحة المسلمين وفي خدمة الدين الحنيف , فبارك الله عمله ..

وأتت أعماله الصالحة أكلها ضعفين ... وما كان لله دام واتصل .. وما كان لغيره انقطع وانفصل :

هو بهذا رجل عظيم , لأنه لا يشتري صفات العظمة .. أنه يصوغها لنفسه بيده .. أنها تنبع من قوة شخصيته ومن عظمه إيمانه .

كان الزهاوي رجلا ربانيا بكل ما في هذه الكلمة من معني ... كان كبير الروح كبير القلب .. ورعا في غاية الورع .. ذكيا المعيأ وفقيها مجتهدا بارزا بين علماء العالم الإسلامي في هذه المرتبة لذلك فه كبير علماء العراق بل ومن كبار العلماء في العالم الإسلامي ... ورجل الفتوي بينهم .. إذا قال الزهاوي كلمة أحني العلماء لقولته تلك رؤوسهم إجلالا لعلمه وتقواه وورعه ..

ولقد كان _ رضي الله عنه وأرضاه – فى مستوي مسؤوليته التي قلدته إياها المقادير فعلي الرغم من كبر سنه وشيخوخته ووصوله إلى السن التي يخلد فيها الناس إلى الراحة والاستجمام وينشدان الهدوء والابتعاد عن المشاكل العامة .. في هذا السن بالذات نجد الرجل العظيم يقوم بأعمال تعجز عنها همم الشباب وعزمات الرجال ... كانت مشاكل المسلمين قد شغلته عن نفسه وأهله وماله وصحته وكانت قضية فلسطين شغله الشاغل ... لقد أسس من أجل فلسطين جمعية إنقاذ فلسطين لتعمل على جمع المعونات وإرسال المجاهدين إلى فلسطين ... ومن أجل بعث الوعي الإسلامي فيا النفوس أسس جمعية التربية الإسلامية التي فتحت لها مدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية لتعليم الناشئة من أبناء المسلمين وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة ... وأسس جمعية الإخوة الإسلامية لتعمل على جمع كلمة المسلمين ونشر الثقافة الإسلامية بينهم على الصعيد الشعبي العام .

ومن أجل فلسطين جاب مشارق الدنيا وعبر الدنيا وعبر البحار والجبال والسهول ووصل إلى أقاصي اندونيسيا وجال في أرجاء القارة الهندية واتصل بالملايين من الناس .. لم يكن يكلمهم بلسانه فهو لا يفهم لسانهم ولا كانوا يفهمون لسانه .. كان يكلمهم بقلبه وروحه وإيمانه الصادق العميق ,وعاد إلى العراق بعد جولته الطويلة تلك ليقيم المؤتمرات هنا في العراق وهناك في الأقصى في مسري محمد صلوات الله وسلامه عليه وعند الخطوط الأمامية ..

وكما كان لسانه لا يسكت عن ذكر الله كان أيضا لا يسكت عن النصح والإرشاد للناس والشباب بصورة خاصة .. وكان لسانه كالسيف المشهر على رقاب الذين لم يكن ليعنيهم من أمر الإسلام شئ ..

وكان رحمه الله ذا طراز خاص ... طراز يمثل جيلا بأكمله ومدرسة فكرية قائمة بذاتها تمثل نمطا خاصا من التفكير والتفاعل مع المحيط ومع الظروف وبانتهاء حياته يكون ذلك الجيل قد انتهي وانقطع آخر خيط كان يصلنا به .. لقد كان رحمه الله بركة العصر وبقية السلف الصلح .. ولقد صدق من قال : إذا أردت أن تنظر إلى وجه صحابي فانظر إلى وجه أمجد الزهاوي ..


(س)

مصطفي السباعي

محمد بن علي السنوسي

أحمد الشريف السنوسي

عبد العزيز السيسي

عبد القادر السبسبي


الدكتور مصطفي السباعي

ولادته ونشأته :

ولد مصطفي السباعي عام 1915 في مدينة حمص من أسرة علمية عريقة هي من أكرم الأسر الحمصية وأغناها بالعلم والعلماء منذ مئات السنين . وكان أبوه وأجداده يتولون الخطابة في الجامع الكبير بحمص جيلا بعد جيل, وقد تأثر في أول نشأته بأبيه العالم الفاضل والمجاهد الثائر والخطيب البليغ الشيخ " حسني السباعي " عليهما رحمة الله ورضوانه . فلقد كان لأبيه مواقف مشرفة مع أ‘داء البلاد فكان في طليعة العاملين والمؤبدين للحركات الوطنية وقد ساهم بقسط وافر في المقاومة المسلحة ضد الفرنسيين وقيادة المجاهدين الثائرين ضد الاستعمار والمستعمرين والطغاة والمستبدين .. كما كان رحمه الله من محبي الخير مساهما في تأسيس الجمعيات الخيرية والمشاريع الاجتماعية مغيثا للملهوفين مدافعا عن المظلومين والبائسين .. فكان لذلك أثر كبير في نشأة مصطفي السباعي . ولقد رافقت نشأته أيضا ظروف قاسية كانت تمر بالبلاد فكان لذلك كله أثره في دفعة منذ حداثته في طريق لكفاح الوطني ضد أ‘داء البلاد من المستعمرين وعملائهم .. وفي طريق الجهاد الديني لإعلاء كلمة الله وحرب أعدائه .. إلا أن هذه الظروف لم تحل دون إقباله رحمه الله على العلم وحضور مجالسه ولقد كان يصحب أباه إلى مجالس العلم التي كان يعقدها مع لفيف من فقهاء حمص وعلمائها الأخيار .

طلبه للعلم :

بدأ يحفظ القرآن الكريم وتلقي مبادئ العلوم الشرعية على أبيه حتي بلغ السن التي تخوله دخوله المدرسة الابتدائية حيث التحق بالمدرسة السعودية الابتدائية وبعد أن أتم فيها دراسته الابتدائية بتفوق ظاهر التحق بالثانوية الشرعية حيث أتم فيها دراسته عام 1930 بنجاح باهر لفت أنظار كبارا أساتذته الذين كانوا يتوقعون له مستقبلا علميا باهرا لما كان يتمتع به من الذكاء المبكر والنباهة المتوقدة والبديهة الحاضرة والنشاط المتوثب .. فقد كان رحمه الله منذ صغره حركة دائبة لا تعرف الكلل ولا الملل ولا الفتور .. فكان لذلك محط أعجاب أساتذته وأقرانه وجمع معارفه .. ولم يقتصر في دراسته الشرعية على المناهج المدرسي وإنما كان لى جانب ذلك يحضر – كما ذكرنا مجالس العلم التي كان يعقدها والده مع كبار فقهاء وعلماء حمص , وبالإضافة إلى ذلك كان يتردد على غيرهم من علماء حمص يتلقي عنهم العلوم الإسلامية المختلفة أمثال العلماء السادة المشايخ طاهر الأتاسي مفتي حمص في ذلك الوقت وزاهد الأتاسي ومحمد الياسين وعبد السلام وأنيس كلاليب وغيرهم كما أنه كان مولعا بالمطالعة والبحث في كتب الأدب والثقافة المختلفة وأثناء ذلك كان يلقي خطبة الجمعة في كثير من الأحيان في الجامع الكبير نيابة عن أبيه وهو فتي لم يتجاوز الثامنة عشرة ما جعله يحتل مكانه مرموقة في بلده وحازا إعجاب الجماهير التي كانت تتوق لسماع خطبه القوية الحماسية التي طالما ألهب فيها المشاعر وأيقظ العقول والقلوب بجرأته النادرة وعرضه الجذاب وأسلوبه المثير وفكرته الواضحة ... ورأى بعد ذلك أن يتابع دراسته الشرعية فسافر إلى مصر والتحق بالجامعة الأزهرية وانتسب إلى قسم الفقه وذلك في عام 1933 م فأدهش أساتذته هناك لما أبداه من تفوق باهر جعل اسمه على كل لسان بين جميع أساتذة وزملائه ثم انتسب إلى كلية أصول الدين ونال إجازتها بتفوق والتحق بعدها بقسم " الدكتوراه" لنيل شهادتها في التشريع الإسلامي التي نالت درجة الامتياز بعد أ ناقشتها لجنة من كبار علماء الأزهر وكان ذلك عام 1949 م وقد أدهش اللجنة بدقته العلمية واستيعابه للموضوع من كل جوانبه وما أبداه من آراء ومناقشات ودفاع دحض به شبهات المستشرقين وأعداء السنة لنبوية بأدلة علمية دامغة ولقد أصبح هذا الكتاب القيم من أهل المراجع العلمية في موضوعه ومن أمضي الأسلحة في الدفاع عن السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي لكل باحث وعالم وطالب علم ...

مباشرته التدريس والوظائف التي شغلها :

أحب رحمة الله مهنة التدريس رغبة منه في نشر العلم وتربية النشء على أخلاق الرجولة والفضيلة وأدرك أهمية التدريس في تكوين هذا النشء وإعداد الأجيال إعدادا يناسب ما ينتظرها من مسؤوليات وأعباء لتحرير البلاد من الاستعمار وآثاره , واستعادة فلسطين التي كانت وكل قضية عربية وإسلامية شغله الشاغل وليساهموا في بناء مجتمعهم على أسس متينة من العلم والأخلاق والشعور بالمسؤولية لذلك انخرط في سلك التعليم فكان يدرس اللغة العربية والتربية الدينية في مدارس حمص الثانوية ثم انتقل إلى دمشق وعمل مع فئة من إخوانه على إنشاء مدرسة تحقق ما تصبو إليه من أهداف في التربية والتعليم لأنه لم يكن يري في مناهج المدارس الحكومية ما يحقق الهدف المنشود فضلا عن فقدان عنصر التربية السليمة فيها فأسس المعهد العربي في دمشق الذي انضمت إلى إدارته بعد ذلك جمعية التمدن الإسلامي رغبة في توسيع المشروع ودعمه فأصبح اسم المعهد ( المعهد العربي الإسلامي ) الذي ما زال قائما إلى الآن رغم أنه لم يعد لمؤسسيه أية علاقة به لظروف شتي .. ولم يقتصروا على إنشاء هذا لمعهد في دمشق بل فتحوا له فروعا في معظم المحافظات وكان فقيدنا رحمه الله أول مدير لهذا المعهد الذي خرج في زمانه عددا كبيرا من الطلاب ممن شغلوا فيما بعد وظائف تدريسية وغيرها من مختلف الوظائف والأعمال وكانوا من خيرة ما أنتجته المدارس في بلدنا علما وخلقا وشعورا بالمسؤولية .

ولكن مؤهلاته الفطرية وإمكانياته العلمية وطاقاته المبدعة كانت تهيئ له مهمة أكبر فوقع عليه الاختيار ليكون أستاذا في كلية الحقوق بجامعة دمشق فعين فيها منذ عام 1950 م فكان من ألمع أساتذة الجامعة في فن التدريس وخصب الإنتاج العلمي .. ولكن هذا المنصب الجديد لم يكن ليستوعب إلا جزءا من نشاطه وطاقاته المتوثبة المتوقدة.... كما أن طموحه العلمي وشعوره بالمسؤولية نحو خاصة مستقلة للشريعة الإسلامية تكون إحدى كليات الجامعة وتعمل على تخريج علماء في الشريعة الإسلامية تكون احدي كليات الجامعة وتعمل على تخريج علماء في الشريعة الإسلامية على أرفع المستويات العلمية والفكرية ...وأراد أن يثبت بذلك جدارة التشريع الإسلامي لتحقيق الخير والتقدم والازدهار لا متنا ولكل أمة في عصرنا وفي كل عصر .. ولقد نجحت مساعيه رغم كل العراقيل والصعوبات التي وضعت في طريقه لإخراج هذه الكلية إلى عالم الوجود فكان أن تم تأسيسها عام 1955 وكان أول عميد لها إلى جانب قيامه بالتدريس في كلية الحقوق واضطلاعه بكافة المسؤوليات العامة الملقاة على عاتقه كداعية وصاحب فكرة ...ولقد عمل منذ تسلمه عمادة كلية الشريعة بالتعاون مع إخوانه من الأساتذة الجامعيين الذين يؤمنون بفكرته على إرساء دعائم هذه الكلية على أمتن الأسس العلمية والفكرية والأساليب الحديثة لتحقق الهدف المنشود في تخريج أجيال من العلماء الدعاة والفقهاء والمدرسين الجديرين بحمل لواء الفقه الإسلامي ونشره والتمكين له ..

قيادته للمقاومة المسلحة ضد الفرنسيين :

في عام 1954 وفي شهر أيار قامت القوات الاستعمارية الفرنسية بحملات العدوان والإرهاب والتدمير والتنكيل بالمواطنين والثوار وخيم شبح الحرب على البلاد .. فهب السباعي يرحمه الله يقود المقاومة المسلحة ضد القوي الفرنسية في حمص وأطلق الرصاصة الأولي بادئا هذه المقاومة وأظهر هو ورجاله بسالة نادرة وشجاعة أذهلت الأعداء الفرنسيين وأدخلت الهلع على قلوبهم وكبدتهم الخسائر الفادحة في الأرواح والعتاد وردتهم خائبين ..

البدء بالدعوة وبعث الفكرة الإسلامية :

لم يكن في البلاد الشامية حتي مطلع القرن العشرين تيار إسلامي واضح المعالم , كما أنه لم يكن للإسلام دعاة وجنود من المثقفين الذين جمعوا إلى جانب الثقافة العصرية الحديثة ثقافة إسلامية ناصحة وإنما كانت هناك دعوات دينية وطرق صوفية جمعيات تقتصر في دعوتهما على بعض جوانب الإسلام مكتفية بالدعوة إلى مكارم الأخلاق والتمسك بالعبادات دون اهتمام بالجوانب الأخرى مع الابتعاد عن معالجة مشكلات الجماهير والتحسس بها .. ولم تكن تخلو بعض هذه الدعوات والطرق من بدع وخرافات وضلالات مدخولة ومدسوسة على الدين وهذا ما جعل الإسلام ومن كان يحمل بعض رسالته , في عزله عن الفئات المثقفة وعن جماهير الشعب ومشكلاته ..

وشعر السباعي رحمه الله بحاجة الإسلام إلى جماعة تؤمن به إيمانا صادقا واعيا يدفعها للتضحية في سبيله وتحقيق أهدافه في إقامة ميزان الحق بدل ميزان القوة في الأرض .. فبدأ يدعو الناس إلى الإسلام ويبصرهم بحقائقه ويعرفهم بأهدافه وغاياته وسرعان ما استجابت الجماهير لدعوته والتفت حوله ولكن ظروف البلاد في ذلك الوقت التي وضعته ف يخط الكفاح الأول ضد الاستعمار وعملائه وما لاقاه على أيديهم من اعتقال وسجن وملاحقة وإيذاء لم تدع له الفرصة الكافية لبناء الجماعة التي يشعر بضرورة وجودها .. الجماعة القادرة على إيجاد التيار الإسلامي القوي الذي يشق طريقه في زحمة التيارات الفكية والاجتماعية المتصارعة ,وتحقيق السبق والتفوق عليها... فساهم في بداية الأمر في تأسيس وقيادة عدد من الجمعيات الإسلامية في حمص وفي غيرها ومنها " الرابطة الدينية بحمص ,وشباب محمد صلي الله عليه وسلم والشبان المسلمين في دمشق "... وظل يعمل للإسلام عن طريقها إلى أن سافر إلى مصر سنة 1933 لمتابعة دراسته العليا هناك ,وما أن استقر به المقام في القاهرة حتى بادر إلى الاتصال بداعية الإسلام العظيم حين البنا – الإمام الشهيد – وكان قد سمع به من قبل وعرف جهاده في سبيل الإسلام وكان الإمام البنا عليه رضوان الله قد فرغ من بناء جماعته التي استطاعت بقيادته الفذة أن توجد في مصر رغم كل العقبات التيار الإسلامي الذي أثبت وجوده وأعاد لها وجهها الحقيقي المشرق بعد أن مسح ما علق به من ضلالات وبدع الفرعونية والتغريب.

ورأي السباعي أن الوقت قد حان لإخراج الحركة الإسلامية من نطاق العمل الشعبي العام غلى نطاق الحركة المنظمة بدأ باصطفاء العناصر الطليعية وانتهي إلى تأسيس الجماعة المنشودة مختارا لها نفس اسم الحركة الإسلامية في مصر لإخراج الحركة من النطاق المحلي إلى نطاق الوطن الكبير فأعلن رحمه الله قيام " جماعة الإخوان المسلمين " وذلك في عام 1945 وقد انتخبته الهيئة التأسيسية لجماعة فيما بعد " مراقبا عاما " مدي الحياة وبايعته الجماعة على ذلك وقادة الجماعة قيادة الحكيم المقدام متجاوزا بها أحلك الأيام وأشد العقبات حتي استطاع أن يجعل لدعوتها صوتا مسموعا مهابا وحتي استطاع أن يوجد في وسورية التيار الإسلامي الواعي الذي استقطب خيرة الشباب المثقف المؤمن.... واستمر السباعي القائد يمنح دعوته وجماعته من شبابا المتوقد وحيويته النادرة وعقله الجبار وعبقريته الفذة وروحه القوية وكل ذرة من جهد ووقته حتي سقط من الإرهاق الذي لو سلط على جبل كبير لصدعه ولكن السباعي القائد لم يستسلم للمرض ولم تفتر همته للآلام المبرحة المضنية فبقي يمد الجماعة ودعوتها بقوة معنوية من قلبه الكبير وبتوجيه سديد رشيد من عقله الحكيم حتى آخر لحظة من حياته رحمه الله ..

إلى ميدان الجهاد وخط النار : في عام 1948 ارتكبت منظمة الأم المتحدة جريمتها النكراء بإقرارها , مشروع تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وتدويل القدس ... فأعطت بذلك " إسرائيل " وضعا شرعيا !! يبرر – في زعمها – اغتصابها للقسم الأكبر من فلسطين .. وإمام هذا لتحدي لمبادئ الحق والعدالة وتجاهل إرادة الشعب العربي الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره ثارت الشعوب العربية والإسلامية ودفعت الحكومات العربية لدخل المعركة ضد القوات اليهودية الغاصبة..

وهنا دعا السباعي رحمه الله الأمة إلى الذود عن كرامتها وحقوقها وحريتها وانطلق يجوب المدن والقرى السورية من حدود فلسطين في الجنوب إلى حدود تركيا في الشمال , ومن حدود العراق في الشرق إلى الساحل السوري في الغرب يدعو إلى التطوع لانقادا فلسطين ويثير لهفة المؤمنين إلى جنة الرضوان التي فتحت أبوابها خلف نيران المعركة في الأرض المقدسة واندفع في مقدمة الركب يقود كتائب الشباب المؤمن من جماعة الإخوان المسلمين من رباهم على مبدأ " والموت في سبيل الله أسمي أمانينا ".. فخاض بهم المعارك القاسية في الميدان الذي اختاره مركزا لانطلاقه وحركاته وكان في قلب مدينة القدس وأطرافها ليحمي بيت المقدس أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وكان القتال يوم ذاك بدور فيها من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع فضرب حينذاك وإخوانه أروع نماذج البطولة وقد تساقط من حوله عشرات الشهداء من المجاهدين .

كفاحه في ميدان الصحافة :

لقد كان السباعي رحمه الله طاقة جبارة من النشاط المتوقد الذي لا يعرف الملل ولا الفتور فليس غريبا أن يخوض الميادين المختلفة ويكافح في جبهات متعددة ... ثم ينجح ويتفوق في كل الميادين وينتصر في كل الجولات ...ولقد أدرك رحمه الله أهمية الصحافة ويتفوق في كل الميادين وينتصر في كل الجولات .. ولقد أدرك رحمه الله أهمية الصحافة كسلاح فعال في يد الفكرة الإسلامية تستخدمه في توجيه وقيادة الرأي العام وتوعية الجماهير بأهدافها وقضاياها فأنشأ لذلك جريدة المنار من 1947 إلى 1949 أى إلى قيام انقلاب حسني الزعيم الذي أوقفها وظلت كذلك إلى أن تملك امتيازها الأستاذ بشير العوف الذي استأنف إصدارها باسمه كجريدة سياسية مستقلة .

وفي عام 1955 وبعد أن عادت الأوضاع الشرعية والدستورية للبلاد عاد السباعي إلى ميدان الصحافة من جديد فأسس مع إخوانه جريدة الشهاب السياسية الإسلامية الأسبوعية وكان المشرف على تحريرها وسياستها العامة وقد استمر صدورها حتي قيام الوحدة مع مصر عام 1958 وتوقفت بعدها عن الصدور بعد أن قامت بواجبها نحو قضايا الأمة العربية والإسلامية وقضايا الشعب خلال أكثر من ثلاث سنوات خير قيام ولقد كان للسباعي فيها مقالات وبحوث روحية وفكرية واجتماعية وتاريخية وسياسية رائعة .

وفي نفس العام 1955 حصل الدكتور السباعي على امتياز بإصدار مجلة المسلمون بعد احتجابها فاختار لها اسم " حضارة الإسلام" التي أعطاها من جهده وفكره ما جعلها تشق طريقها بقوة ومضاء ولقد أراد أن يجعل من هذه المجلة مدرسة للفكر الإسلامي الأصيل توضح معالم الطريق وتوحد مناهج التفكير وتعكس حقيقة الإسلام الناصعة في صورة مشرقة واضحة .. كل ذلك بأسلوب مرن جذاب بعيد عن تعصب المتعصبين وجمود الجامدين ودون حيدة عن طريق الحق وروح الشريعة الخالدة .

من مواقف الرجولة والكرامة :

في عام 1952 قامت معارك دامية في منطقة قناة السوي في مصر حيث كانت القاعدة البريطانية الكبري قد فرضت سيطرتها على الشعب المصري وعلى حكامه مما جعل فئة من الشباب المؤمن في مصر تثور ضد الاحتلال البريطاني وطغيانه فنظموا العصابات المسلحة من الشباب الجامعي المؤمن وقاموا بالإغارة على المعسكرات البريطانية عملوا على نسف مراكزها العسكرية وجسورها وقطارات المؤونة التابعة لها فهب السباعي رحمة الله يدعو الأمة لمؤازرة الشعب العربي المؤمن في مصر وقدم إلى وزير مصر المفوض كتابا يعرض فيه تطوع آلاف من شباب الإخوان المسلمين للذهاب إلى القنال والمساهمة في معركتها .. ولكن السلطات السورية ألقت القبض عليه وزجته في سجن المزة قرابة أربعة أشهر .

وفي عام 1956 وعندما وجهت دول الاستعمار الثلاثة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا انذرها لمصر بعد تأميمها قناة السويس قام السباعي يدعو الشعب للوقوف إلى جانب إخوانه فيمصر وكان له فضل في تحويل الجامعة إلى ما يشبه الثكنة العسكرية فانخرط أساتذتها وطلابها في المقاومة الشعبية وظل السباعي أثناء حوادث العدوان يلبس لباس المقاومة الشعبية وكان يريد أن يجعل من هذا الزي زيا شعبيا لعموم أبناء الشعب .

وفي عهد أديب الشيشكلي وأخر عام 1952 عرض الدكتور السباعي لمضايقة السلطة الحاكمة التي فرضت عليه رقابة مزعجة تحصي عليه حركاته وسكناته .. ولم يكتفي الشيشكلي بهذه المضايقات لكن أشتط في ذلك وطلب من أساتذة الجامعة وكبار الموظفين أداء قسم الولاء لعهده والدخول في الحرة التي أسسها باسم " حركة التحرير" ولكن السباعي الذي تعشق الحرية وعاش يدافع عنها بلا هوداة رفض الانصياع للأوامر وتمرد عليها وأبي أداء القسم لعهد غير شرعي فغضب الشيشكلي لهذا التمرد وأصدر مرسوما بتسريحه من الجامعة وأبعده عن البلاد فاختار رحمه الله لبنات وبقي حتي أخر عهد الشيشكلي وهناك في لبنان التف حوله مئات من الشباب الجامعي لمثقف وأظهروا له استعدادهم لإنشاء حركة إسلامية في لبنان بقيادته وفعلا فقد أسس معهم الحركة التي استمرت بعد ذلك حتي الآن تسير على النهج الذي رسمه لها السباعي رحمه الله .

وفي عام 1957 وبعيد عودته من رحلته العلمية إلى الاتحاد السوفيتي هجم عليه المرض هجمة عنيفة فأخذ منه أكثر نصفه الأيسر فشل حركته وأثار فيع الآلام المضنية .. فأقعده بعد طول مجالدة ولكنه رحمه اله كره القعود وكره الراحة والكسل ولو كان بسبب المرض الشديد فتمرد عليه وجالد الآلام واستمر يتابع نشاطه بإلقاء دروسه الجامعية ومحاضراته التوجيهية لطلاب العلمية على مدرج جامعة دمشق منها محاضرته عن " اشتراكية الإسلام " التي استمر إلقاءها أكثر من ثلاث ساعات وقد طبعت فيما بعد في كتاب كبير ....

ومنها أيضا محاضرته العلمية الرائعة عن " المرأة بين الفقه والقانون" والتي استغرق إلقاؤها كذلك أكثر من ثلاث ساعات وقد طبعت أيضا في كتاب كبير فيما بعد ... هذا بالإضافة إلى عديد من لمحاضرات العلمية الرائعة التي ألقاها في عدد من النوادي الثقافية والفكرية في دمشق .. كما استمر يمد الفكر الإسلامي بكل جديد من فكره وعلمه ويد الشباب المسلم بالتوجيه والوعي , ويعالج أهم مشكلات العالم الإسلامي كل ذلك على صفحات مجلة " حضارة الإسلام ".

ولقد كانت فترة مرضه الطويل الذي استمر ثماني سنوات حمل خلالها من الآلام مالا يقدر على حمله رجال من أولي العزم إلا من كان له صبر الأنبياء ورغم هذه الآلام المبرحة المستمرة فقد كانت فترة مضره هذه من أخصب فترات حياته إنتاجا فكريا وعلميا وأدبيا واجتماعيا. فألف القسم الاجتماعي من كتابه " هكذا علمتني الحياة " وهو في مستشفي المؤاساة عام 1962 وكان يختلس القلم والقرطاس في غفلة عن أعين الأطباء الذين شددوا عليه في ضرورة الابتعاد عن التفكير والقراءة والإخلاد إلى الراحة التامة . فكان هذا الكتاب من أروع كتبه وأطرفها لما حواه من الحكمة والتجارب والإرشاد والتوجيه السديد والرأي الرشيد والبلاغة الرائعة ... وفي هذه الفترة أيضا طبع كتابه " القلائد من فرائد الفوائد " وهو مختارات من بطون أمهات كتب الأدب والفقه والتاريخ ... وكذلك طبع كتابه العلمي الكبير السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " وهو أثر علمي خالد في الدفاع عن السنة ومكانتها وفي الرد على خصومها من المستشرقين والمغرضين ...

ولقد ضرب مصطفي السباعي عليه رحمة الله خلال مراحل مرضه أروع آيات الصبر الجميل مع ما فيه من الرضا والتسليم لقضاء الله وتحاشي التسخط والتبرم والشكوي فما كنا نسمع إلا الحمد الله يجري على لسانه كلما سألناه عن آلامه وحرمته لذة النوم أسرع من القلم والقرطاس ليسجل ما تفيض به نفسه من معاني روحية سامية يناجي بها ربه في جوف الليل الطويل .

وخلاصة القول أن السباعي قد أثبت رجولته الفذة في حال صحته وفي حال مرضه وكان رجلا عظيما في كل مراحل حياته عليه رضوان الله ورحمته .

وفاته :

وفي يوم السبت الثالث من تشرين الأول 1964 انطفأت الشعلة المتوقدة وهدأـ الحركة الدائبة وجف القلم السيال وسكت الصوت العذب الرنان وتوقف القلب الكبير وطاش سهم الفجيعة على غير هدي يصيب القلوب فيدميها والألسنة فيعقدها والعقول فيذهلها وإذا بالألوف يهرعون إلى بيت الفقيد لعلهم يسمعون ما يكذب النبأ ولكنه قضاء الله ولا راد لقضائه .. وهكذا كانت نهاية المطاف رحلة طويلة أبدية إلى الله جل شأنه بعد أن ترك طيب الله ثراه للأجيال المؤمنة من بعده وعلى مدي الآجال تاريخا زاخرا بالمآثر الخالدة وصفحات لا تطوي من الجهاد المتواصل من أجل العقيدة كتبها الفقيد الغالي بدمه وروحه وفكره وقلبه ... ستبقي ما بقي الوجود منارات هدي وعلامات طريق .. طريق الإسلام تتابع عليه الأجيال جيلا بعد جيل تذكر السباعي نموذجا رائعا للداعية المجاهد والمرشد المربي والقائد الموجه و ونموذجا فذا للإيمان الصادق ...

من آثاره العلمية

- أحكام الصيام وفلسفته

- أخلاقنا الاجتماعية

- السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي .

- السيرة النبوية

- المرأة بين الفقه والقانون .

- هكذا علمتني الحياة .

- عظماؤنا في التاريخ .

- القلائد في فرائد الفوائد .

- كتابات كثيرة متفرقة .

السيد محمد بن علي السنوسي

1202 -1276هـ 1987 – 1859م

- ولد السيد محمد بن علي السنوسي في مستغانم بالجزائر من أسرة تعتز بنسبها إلى الحسين بن على رضي الله عنهما وكان جده السنوسي والذي ينسب إليه من كبار العلماء . وقد عرفت أسرته بالعلم , فاتجه منذ حداثته إلى تلقي العلم فارتشف من مناهله في مستغانم وما وزوته . ولما أراد الاستزادة منه رحل إلى فاس في مراكش وكانت مركزا من مراكز العلم المشهورة فأقام فيها سبع سنين طالبا للعلم ومدرسا في جامعها الكبير وقد اكتسب ثقة طلابه واحترامهم عرف بينهم بفهمه السليم لتعاليم الإسلام ورغبته في إصلاح المسلمين والعودة بهم إلى الإسلام الصحيح النقي الشوائب .

وقد درس الصوفية وطرقها ليعرف وجوه الخلاف بينها وليحاول التوفيق بين جميع الهيئات التي تهتم بالإسلام ليوجهوا عنايتهم إلأى خير المسلمين عامة .

ثم رحل إلى ( لاغوات) في جنوب الجزائر وهي ملتقي عام للطريق ليوسع نطاق دعوته وليتمكن من الاتصال بالقدمين من الأقطار المختلفة ودعوتهم إلى الإسلام ثم رحل إلى طرابلس ثم إلى مصر وأقام فيها فترة واتصل أثناء إقامته بعلماء الزهر وأخذ عنهم وعمل لنشر آرائه في إصلاح المسلمين .

ورأى أن يرحل إلى الحجاز ففيه يستطيع أن يلتقي بالمسلمين من جميع الأقطار وأقام في الحجاز يعلم الناس ويأخذ عن علماء المسلمين القادمين في موسم الحج وأنشأ له زاوية في جبل ( أبي قبيس ) بمكة واتبعها بزوايا أخري لإتباعه في الطائف وجده وينبع .

ثم غادر إلى الحجاز إلى الجزائر , ولكنه لم يستطع دخول البلاد بسبب احتلال الفرنسيين فأقام في الجبل الأخضر في برقة وانشأ الزاوية البيضاء , وجعلها مركزا له ثم نقلها إلي واحة جغبوب) جنوب طرابلس مركز القوافل ليسهل عليه الاتصال بالمسافرين وفيها أقام مركزا كبيرا ولأتباعه فيه مدرسة واسعة ومكتبة تحوي آلاف مجلد في مختلف العلم . وانتشرت مراكز تعاليمه في جميع جهات برقة وتوفي سنة 1859 في واحو جغبوب .

دعوته للإصلاح :

شعر السيد محمد بن علي السنوسي بحاجة المسلمين إلى الإصلاح منذ حداثته فوجه جهوده إلى هذا الصلاح , ولما كانت الدعوة إلى الإصلاح تحتاج إلى ثقافة واسعة وعرفة تامة بتعاليم الإسلام وخبره بأحوال المسلمين فقد سعي إلى استكمال ذلك فرحل إلى فاس في مراكش وإلى القاهرة ثم إلى مكة للاستزادة من العلم والاتصال بعلماء المسلمين للأخذ عنهم ومخالطة عامة المسلمين في مختلف الأقطار لمعرفة أحوالهم وقد أرجع السنوسي أسباب تأخر المسلمين إلى الأسباب لآتية :

1- جهل المسلمين بأمور دينهم

2- تفرق آرائهم وتعدد مذاهبهم

3- فقد روح التضحية عند العلماء وحاجتهم إلى الحماسة في نشر الإسلام .

وحاول إصلاح هذه النقائص بنشر التعليم ومحاولة الجمع بين الآراء المختلفة والرجوع إلى رأي واحد وعقيدة واحدة ولم تكن هذه العقيدة غير العودة إلى الإسلام كما جاء به الرسول وكما سار عليه صحابته الأبرار ونبذ البدع والأوهام التي علقت بالعقيدة الصافية والتي كانت تأخر المسلمين وكان الاختلاف فيها سببا في الفرقة والخلاف بينهم كما أراد أن يوجد دعاة تتوفر فيهم روح التضحية في سبيل نشر الإسلام ووجد السنوسي أن الوسائل التي تسلكها الصوفية وسائل ناجحة في تحقيق هذه الأهداف مع تجنب ما في بعض الطرق الصوفية من مظاهر لا تتصل بهدفها الأصلي مثل التغني بالأذكار والضرب على الطبول .

لذلك أنشأ الزوايا وجعل فيها مراكز للتعليم وموطنا لإعداد دعاة ومرشدين تحلوا بفضائل الأخلاق وتمرسوا بالصبر والأناة لنشر الإسلام في مختلف الأقطار كما جعلها مركزا لأعمال أتباعه الزراعية والتجارية وملجأ يأوي إليه المسافرون .

ولحماية مراكز الدعوة من العدوان كانت تحاط بسور تعلوه الحصون والأبراج للدفاع عن الزاوية إذا تعرضت للعدوان . وكان شيخ كل زاوية يعين من قبل رئيس السنوسيين ووظيفته الإشراف على التعليم والفصل في الخصومات والعناية بقوافل التجار وتنظيم الدفع عن الزاوية وكان الاتصال تاما بين الزوايا وبين المركز الرئيسي للسنوسيين وهذا الاتصال المنظم هو الذي ساعد السنوسيين على الصمود أمام الاعتداء الإيطالي على طرابلس أعواما طويلة.

مزايا دعوته الإصلاحية :

يمتاز السنوسي في دعوته الإصلاحية بسلوكه طريقا علميا منظما فقد درس أسباب تأخر المسلمين فكانت في رأيه جهل المسلمين بدينهم واختلاف آرائهم ونقص الدعاة الذين يتحلون بالخلق القويم والحماسة لنشر الإسلام فأراد أ يعالج ذلك بتعليم المسلمين أمور دينهم وجمعهم على طريقة واحدة وهي عقيدة الإسلام الصافية وإعداد علماء يتوفر فيهم العلم الغزير والخلق القويم .

وكان يتحري الأماكن التي يستطيع فيها الاتصال كثيرا بسكان الأقطار الإسلامية وهي مكة ومراكز طرق القوافل التجارية في جغبوب وغيرها وأنشأ مدرسة للثقافة الإسلامية والتعليم ليوفر للمتعلمين ولمن يعدهم للدعوة الإسلامية موطنا للتعليم وحرص على أن يتخلق طلاب العلم بفضائل الخلاق والعقيدة الراسخة والإيمان القوي والتضحية في سبيل أداء رسالتهم في نشر الإسلام .

أثر دعوة السنوسي الإصلاحية :

ظهر أثر دعوة السنوسي في إصلاح حال المسلمين ونشر الإسلام في الأقطار التي انتشر فيها دعائه في حياته وبعد موته في عهد خلفائه وتجلت آثارها فيما يأتي :

1- سادت الألفة بين القبائل العربية في طرابلس وما جاورها بعد أن كانت شديدة الاختصام تقضي وقتها في حروب وغزوات ورجعت إلى تعاليم الإسلام التي هذبت نفوسهم وصرفتهم إلى العمل المفيد المنتج .

2- نشرت تعاليم الإسلام في مناطق كثيرة لم تكن تعرف شيئا عنه فقد وصلت الدعوة السنوسية حاملة لواء الإسلام إلى بلاد تشاد ودار فور وواداي وغيرها من أقطار أواسط أفريقية وكانت القوافل التجارية وسيلة نشر الإسلام ومن أعمال السيد السنوسي الإصلاحية أنه اشتري قافلة تجارية من قوافل العبيد التي كانت تنقل من أواسط أفريقية إلى الشمال ثم حرر العبيد وعلمهم الإسلام وهداهم بهديه ثم أعادهم إلى بلادهم دعاة مبشرين فكان تأثيرهم في نشر الإسلام عظيما .

3- قاوم السنوسيون دخول الأجانب في البلاد الإسلامية فحاربوا الفرنسيين عندما دخلوا تونس كما قاوموهم عندما تقدموا إلى أواسط أفريقية وكان انتشار الدعوة السنوسية مصدر قلق وخوف لدي الفرنسيين فحاربوا دعوتهم في كل بلاد سيطروا عليها وكان جهادهم المشهود في مقاومة الاستعمار الإيطالي في طرابلس فقد حاربوا الإيطاليين نحو عشرين عاما اظهروا فيها من البسالة والتضحية ما كان مضرب الأمثال وجهاد البطل عمر المختار أحد زعمائهم يذكر بالإعجاب والتقدير .

السيد أحمد الشريف السنوسي

الإمام احمد بن محمد السنوسي من المشايخ الأربعة الكبار للطريقة السنوسية الذين تولوا أمرها بالتعاقب ونشروا تعاليمها القائمة على الكتاب والسنة .

فكانت مدرسة تعلم المسلمين الجهاد و التجرد لله سبحانه وتعالي وعدم الركون إلى الدنيا والشجاعة في الحق وقد اندفع إتباعها بتوجيه من مشايخها يجاهدون الكفرة المستعمرين بقلوب امتلأت إيمانا وبجرأة قل نظيرها وبنظام دقيق وهو بعض ما تعلموه في زواياهم المبثوثة هنا وهناك .

والسيد أحمد كما يقول شكيب أرسلان " حبر جليل وأستاذ كبير من أنبل الناس جلالة قدر وسراوة حال ورجاحة عقل قاتل الإيطاليين إذا انضم إلى الدولة العثمانية فحمل لواء الجهاد وحده وسارت برقة وطرابلس تحت لوائه ".

وهو من قادة المجاهدين والعلماء العاملين قد أوقف نفسه لنشر الإسلام وإعادة مجده وسلطانه ووقف في وجه الكافر المستعمر الفرنسي احدي عشرة سنة 1902م إلى محمود الحمزاوي والكافر المستعمر الإيطالي ا يزيد على السبع سنوات .

لقد عرف عن السيد المجاهد المثابرة على الجهاد والاستماتة في مقاتلة الأعداء فهو في الوقت الذي كان يجمع الجموع للجهاد ويحرضهم على القتال مبينا فضله وعظيم أجره وجزيل ثوابه كان يقود المجاهدين في ساحات الوغي ومن ذلك :

قاد السيد الجليل رحمه الله المجاهدين في الموقعة المعروفة ( يوم الجمعة ) التي حدثت في 16 أيار محمود الحمزاوي م قرب درنة فأبلي السيد والمجاهدون بلا حسنا وكانت الدولة والنصرة من نصيب السيد المجاهد المصابر " بحيث أعتقد الكثيرون أن النصر جاء كرامة له ...

نصرهم الله تعالي في هذه الموقعة والمواقع الأخرى في الوقت الذي كان سلاحهم السيف وأمثاله وهو المعروف بالسلاح الأبيض أما سلاح الأعداء فالمدافع والرصاص مع تفاوت كبير في العدد والعدد بين الفئتين ولكن صدق الله تعالي حيث يقول " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة والله مع الصابرين ".

عبد العزيز السيسي

ولد عبد العزيز السيسي عام 1348 هجرية في مصر وتوفي في الرابع عشر من ربيع الثاني 1391 في بيروت إثر نوبة قلبية عن عمر ناهز الثالثة والأربعين والأستاذ السيسي – رحمه الله - رجل علم وفضل وجهاد كان له فضل السبق في العمل الإسلامي في أوساط الطلبة في القاهرة إبان دراسته في كلية التجارة بجامعتها ثم شارك إخوانه عام 1948 في حرب فلسطين حيث أبلي فيها البلاء الحسن وعاد من هناك لتزج به السلطة الحاكمة آنئذ مع إخوانه في المعتقلات وخرج بعدها ليتم ما انقطع من دراسته الجامعية ويؤدي فرض الجهاد في كتائب الإخوان المسلمين في قناة السويس عام 1951 وعندما حيل بين الشباب المسلم وأداء واجبه مارس الفقيد نشاطا فكريا وعلميا بارزا حيث مارس مع عدد من إخوانه نشر الفكر الإسلامي عن طريق الكتب وإنشاء المكتبات .

وبعد تخرجه بفترة وقبيل محنة عام 1954 هاجر إلى الكويت حيث تولي فيها عددا من الوظائف الهامة أهلية وحكومية ثم أنشأ مكتبة البيان في الكويت وافتتح لها فروعا في كل من بيروت واستانبول .

أجري الفقيد الكريم عملية جراحية في القلب كان بعدها عرضه لمرض ما كان يغادره إلا قليلا وأخيرا وبينما كان في طريقه إلى لندن لمتابعة علاجه عاجلته نوبة قلبية في مطار بيروت أودت بحياته .

عبد القادر السبسبي

ولد عبد القادر السبسبي في حلب وفيها توفي عام 1973

كون السبسبي ثقافته بنفسه .. فقد كان من أول شبابه كاتبا عند احد المحامين فتولدت لديه رغبة المطالعة الحقوقية والشرعية . وكان يسهر الليالي الطوال على المجلدات القضائية حتي فقه الأحكام واستظهر كثيرا منها وأصبح محاميا بالممارسة ثم أدي وأمثاله امتحانا مسلكيا قبل الناجحون به في سلك الحامين النظاميين وقد كان من المتفوقين الأوائل , واحتل مكانا مرموقا في طليعة المحامين الشرعيين في سوريا ..

في عام 1356هـ أسست " دار الأرقم " بحلب وكانت مركزا رئيسيا لرابطة " شباب محمد " صلي الله عليه وسلم في سورية واستقطبت اهتمام لشعب المسلم وانضوي تحت لوائها صفوة الشباب الواعي المثقف وقد سارع الأستاذ السيسي إلى الانتساب لهذه المؤسسة الإسلامية العاملة رغم فارق السن بينه وبين جل أعضائها ولم يمض على انتسابه وقت كبير حتي انتخب عضوا إداريا ثم رئيسا لدار الأرقم التي أصبح اسمها من بعد " الإخوان المسلمون" ولم ينقطع منذ ذلك الحين عن لثبات على المبدأ في السراء وفي الضراء ,وقد شارك في جل مؤتمرات الجماعة وبذل قصاري جهده المخلص في مختلف مشاريعها وأعمالها في ميدان الثقافة والصحة والدعوة الإسلامية .

ولما حلت الجماعة وحيل بين أعضائها وبين العمل الرسمي المنظم لبث الأستاذ السبسبي مع إخوانه البررة متمسكين بمبادئهم الإسلامية يعملون لله عملا حرا مرسلا لا يبغون إلا وجه الله يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ولا يخافون في الحق لومة لائم .

ولما تقد في العمر " تقاعد" في المحاماة واتجه اهتمامه إلى مزيد من المطالعات الإسلامية وأخذ يتتبع المجلات ويعلق على ما يراه محتاجا إلى التعليق فيها ويكتب البحوث يجتهد في ذلك وسعه ولا يجره اختلافه في بعض وجهات النظر مع إخوانه له كرام كبار أن يحفظ لهم حقهم من الفضل ويذكرهم دائما بالتقدير والإجلال .

كان القادر السبسبي عصاميا مهوبا وقد أكتسب من المكابدة والجد الصابر المثابر تقدير قيمة واكتئب من طريقته الصوفية " السبسبية" من البيئة الشعبية التي نشأ في صميمها ثقافتها الخاصة فحفظ الأمثال العامة والأقاصيص والنوادر الشعبية التي كان صحباه جوا من الطرفة والمرح واكتسب من عمله الإسلامي سلامة الاتجاه ونصاعة المبدأ والحرص على الصدق وقد جعل منه كل ذلك شخصية إسلامية محترمة مرموقة .

الشهيد نواب الصفوي

شاب متوقد إيمانا وحماسة واندفاعا بلغ من العمر تسعة وعشرين عاما درس في مدينة " النجف" بالعراق ثم رجع إلى إيران ليقود حركة الجهاد ضد الخيانة والاستعمار .

أسس في غيران حركة " فدائيان إسلام " التي تؤمن بأن القوة والإعداد هي سبب تطهير الأرض المسلمة من الصهيونيين والمستعمرين .

كان لحرته في أوساط الشعب الإيراني أثر كبير في تلك الانتفاضة الجبارة التي شغلت العالم منذ أعوام التي كانت تستهدف القضاء على الخونة وتأميم شركات الزيت .

كان نواب صفوي يهدر دم الانكليز والأميركان ودم عملاء الكافر المستعمر كانت له رحمة الله , مواقف جريئة خالدة مع شاه إيران ومصدق وأديب الشيشكلي وجمال عبد الناصر .

عندما التقي بشاه إيران دار بينهما هذا الحوار :

الشاه : كيف الأحوال

صفوي : جيد بحمد الله حال من هو مؤمن موحد

الشاه : أنا مؤمن صفوي – هذا لا يكفي بل يجب أن يكون للإيمان أثر ظاهر بقدر استطاعتك فالمصباح إذا قال أنا مصباح ولم يكن له نور ذلك دعوي بدون دليل وهذا لا يكفي ! وعندما خرج سأله الصحفيون عن موقف الشاه من القضية التي تشرف من أجلها بمقابلته أجاب بكبرياء : لقد تشرف الشاه ب بخدمتي ولم أتشرف أنا به .

كان معتقلا أثناء حكومة الدكتور مصدق وقد حاول أن يأخذ منه تصريحا ولو شفهيا بأنه سوف لا يعارضه وبذلك يفرج عنه ولكن نواب صفوي أب وقال لرسول مصدق :

اسكت وتأدب نحن قوم لا نري الموت إلا سعادة وبحول لله لن نفشل ..

منع نواب صفوي دفن جثمان والد الشاه في مقابر المسلمين لأنه كان على حد قوله – صنيعة للكفار والمستعمرين .

في عام 1953 زار نواب صفوي المملكة الأردنية الهاشمية لحضور المؤتمر الإسلامي في القدس ثم زار بعد ذلك عمان وقابل الملك حسين ووجه إليه كلمة جريئة نشرتها الصحف آنذاك ثم زار دمشق والقاهرة .

عندما قابل الزعيم أديب الشيشكلي أثناء زيارته لدمشق قال له :

لقد لمست أن الشعب لا يحبك وليس معك لأنك تضغط عليه وتكبت حريته ولذا فمن واجبك أن تكون مع الشعب لتبقي .

في أثناء زيارته لمصر في جامعة ألقي في جامعة القاهرة خطابا حماسيا قويا دعا فيه إلى تعبئة القوي لعامة وتجنيد الشباب لإنقاذ فلسطين وقد تعالت الأصوات القوية آنذاك بهذا الهتاف الجبار الله أكبر العزة للإسلام وقد حاول شباب هيئة التحرير أن يقاطعوا نواب صفوي ولكن شباب الإخوان المسلمين وكان ذلك قبل المحنة الأخيرة أسكتوهم على الرغم من تأييد البوليس المصري لهم .. وقد حنق عبد الناصر على السيد نواب صفوي فأمر بإخراجه من القطر المصري ثم عدل عن ذلك واستقبله في مكتبه بمجلس الوزراء وهناك سمع عبد الناصر رأي زعيم فدائيان إسلام في حكم عبد الناصر الذي يستند إلى الإرهاب وكبت الحريات وقف رحمه الله موقفا جزئيا من الأحلاف وقاوم بكل قوة وعناء انضمام إلى إيران إلى أى حلف فقبض عليه بتهمة مشاركته قتل حسين علاء رئيس وزراء إيران وحكمت محكمة عسكرية عليه وعلى رفاقه بالإعدام .

كان لهذا الحكم الجائر صدي عنيفا في البلاد الإسلامية وقد اهتزت الجماهير المسلمة التي تقدر بطولة نواب صفوي وجهاده وثارت على هذا الحكم وطيرت آلاف البرقيات من أنحاء العالم الإسلامي تستنكر الحكم على المجاهد المؤمن البطل الذي يعتبر القضاء عليه خسارة كبري للإسلام في العصر الحديث .

ولكن تجاهل حكام إيران الذين يسيرون في ركاب الاستعمار رغبة الملايين من المسلمين ورفض الشاه العفو عنه وسقط نواب صفوي وصحبه الأبرار شهداء برصاص الخونة وعملاء الاستعمار وانضموا إلى قافلة الشهداء الخالدين الذي سيكون دمهم الزكي الشعلة الثائرة التي تنير للأجيال القادمة طريق الحرية والفداء ..

وهذا الذي كان فما أن دار الزمان دورته حتي قامت الثورة الإسلامية في غيران ودكت عرش الطاغية ( الشاة ) الذي تشرد في الآفاق.. وصدق الله تعالي حيث يقول ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين أنهم لهم المنصورون وأن جندنا لهم الغالبون ).


(ع)

محمد عبده

محمد بن عبد الوهاب

عبد الكريم عثمان

حسن عشماوي

صالح العقاد

محمد صالح عمر

عبد القادر عوده


محمد بن عبد الوهاب

1115-1206هـ 1703-1791 م

ولد الإمام محمد بن عبد الوهاب في العيينة من بلاد نجد من أسرة اشتهرت بالعلم بكان أبوه قاضيا وكان جده وأعمامه من العلماء المعروفين وعرف محمد بن عبد الوهاب من صباه بالذكاء وقوة الذاكرة وصفاء الذهن والإقبال على القراءة والميل إلى مناقشة الآراء للوصول إلى حقائق المسائل .

بدأ دراسته على أبيه فحفظ القرآن الكريم وتعلم الدين والفقه على المذهب الحنبلي والتفسير والحديث وظهر لديه ميلي إلى تطبيق ما يعلمه من أمور الدين على المسلمين في بلده وفي البلاد المجاورة ودفعه حبه لاستكمال ثقافته ودراسته أحوال المسلمين ومعرفة مدي تطبيق أحكام الدين بينهم إلى القيام برحلات إلى الأقطار الإسلامية فرحل إلى مكة لأداء فريضة الحج وليتصل بالحجاج القادمين من مختلف الأقطار الإسلامية ويتعرف على أحوالهم ويدرس شؤونهم ثم زار المدينة المنورة واتصل بعلمائها ورحل إلى البصرة وتعرف على علمائها فأخذ عنهم وناقشهم آراءهم وأنكر على بعض أهالي البصرة ما يقومون به عند الأضرحة والقبور من أعمال يظنون أنها تقربهم من الله وهي تنافي عقيدة التوحيد الصافية التي جاء بها الإسلام فثاروا عليه فاضطر أن يعود إلى نجد وأن يقطع الرحلة التي كان ينوي القيام بها إلى بغداد ودمشق وعزم على تنفيذ الإصلاح الذي يراه وان يعيد الناس إلى عقيدة التوحيد الخالصة التي لا تشوبها شائبة الإشراك بالله .

واستقر محمد بن عبد الوهاب في العيينة وفي حريملا من بلاد نجد وعاد إلي حياة الدراسة والبحث باذلا جهده في النصح والإرشاد وداعيا إلى طرح العادات الفاسدة و الابتعاد عن التعلق بالأموات والقبور والأضرحة فاستجاب لدعوته فريق من الناس وقاومها فريق آخر وقام محمد بن عبد الوهاب مع من استجاب لدعوته بتنفيذ ما دعا إليه فقطع بعض الأشجار التي كان يتبرك بها الناس ويتقربون إلى الله بزيارتها كما قام بهدم قبة على قبر زيد بن الخطاب ليمحو من تلك المنطقة اعتقادهم بأثر الموات والمقابر في شفاء المرضي وجلب الرزق ودفع النوائب .

وقام المناوئون لدعوته بتحريض أمراء نجد ومنهم أمير العيينة على محاربة دعوة محمد بن عبد الوهاب والتي نسبوها إليه فسموها الوهابية وكان أنصاره يسمون ( الموحدين ) فاضطر أن يرحل إلى الدرعية مركز الأمراء السعوديين .

وجد محمد بن عبد الوهاب في الدرعية منبتا خصبا لدعوته فقد رحب به أميرها محمد بن سعود وتعهد بحمايته والتمكين لدعوته من الانتشار وبايعه على نصرة الدين والجهاد في سبيله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكانت هذه المناصرة للدعوة من الأمراء السعوديين نقطة تحول حياتهم وأساسا للإصلاح الديني في جزيرة العرب فقد أخذت الدعوة تسير في طريقها القويم بين أهالي الدرعية فرجعوا إلى عقيدة التوحيد الصافية ونبذوا عاداتهم في التقرب إلى القبور والموتي الأشجار وأقبلوا على أداء فروضهم الدينية وتمسكوا بأهداب الدين وأصبحوا لمحمد بن عبد الوهاب أعوانا ولدعوته الإصلاحية دعاة وأنصارا .

وأخذ محمد بن عبد الوهاب يدعو الأمراء وأصحاب الرأي والعلماء في بلاد العرب إلى التمسك بالدين والرجوع إلى عقيدة التوحيد التي جاء بها الإسلام ونبذ كل عادة تشوبها شائبة من الشرك والتقرب إلى غير الله وكان الأمراء السعوديون يحمون الدعوة بقوتهم ويهيئون لها أسباب الذيوع والانتشار وكان محمد بن عبد الوهاب يلجأ إلى القوة بمساعدة الأمراء السعوديين في نشر دعوته وإزالة أسباب الفساد والشرك ولم تمض سنوات قليلة حتي انتشرت الدعوة في بلاد نجد كلها ووصلت أخبارها إلى جميع الأقطار العربية والإسلامية وتوفي سنة 1206هـ في الدرعية عاصمة الأمراء السعوديين بعد أن شاهد نتائج ا‘ماله وثمرة جهاده ونجاح دعوته .


أخلاقه :

عرف محمد بن عبد الوهاب منذ صغره بالذكاء وقوة الحافظة والإقبال على الدراسة والبحث والشعور بوجوب تطبيق أحكام الدين في حياة الناس فالله لم يشرع أحكامه لتحفظ في بطون الكتب وليتدارسها العلماء في مجالسهم ومعاهدهم فقط وإنما شرع أحكامه ليعمل بها الناس وليأخذوا بها في مختلف شؤون حياتهم لذلك صرف عنايته إلى دراسة أحوال المسلمين وما يشيع بينهم من عادات فإذا رأي ما يخالف أحكام الدين نبه إليه ودعا إلى نبذه .

وكان مخلصا لدعوته تحمل من أجلها مشاق الارتحال والهجرة من موطنه وعداء الجاهلين الذين تأصلت في نفوسهم عادات حاربها ودعا إلى اجتنابها فتعرض للخطر ولكنه يبال على ذلك بل ثابر على دعوته حتي رأي ثمرة جهاده وكان لما وهب من صفات أثر في نجاح دعوته .

وكان عالما مؤلفا خلف مؤلفات كثيرة منها كتاب التوحيد وكشف الشبهات وشروط الصلاة وأركانها وفضل الإسلام وكتاب السيرة والهدي النبوي وغيرها .

دعوته الإصلاحية

كان محمد بن عبد الوهاب يري أن عقيدة التوحيد التي تبلورت في ( لا إله إلا الله) هي عماد الإسلام والتي تميز بها عما عداه , فلا أصنام ولا أوثان ولا عبادة آباء وأجداد ولا أحبار ولا كهان فالوحيد أساسه الاعتقاد بأن الله وحده هو خالق هذا العالم والمسيطر عليه والمشرع له وليس في الخلق من يشاركه في خلقه ولا في حكمه ولا من يعينه على تصريف أموره .

فمعني لا إله إلا الله ليس في الوجود صاحب سلطة حقيقية تسير العالم وفقا لما وضع من قوانين إلا الله وليس في الوجود من يستحق العبادة والتعظيم إلا هو ( قل يا أهل الكتاب تعالوا كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ,ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون ) .

وكان يري أن هذه العقيدة هي التي سمت بنفوس المسلمين عن عبادة الأحجار والأوثان وتقديس العظماء والتي نقلت العرب إلى طور جديد سمت فيه نفوسهم فلم يخافوا الموت في سبيل الحق ولم تخضع نفوسهم لغير الله فلا سلطان لمخلوق إلا في حدود شرع الله رأي محمد بن عبد الوهاب فلا بلاد نجد وفي الأقطار التي ارتحل إليها انحرافا من المسلمين عن عقيدة التوحيد التي دعا إليها الإسلام فهذه أضرحة الأولياء يحج إليها وتقدم إليها النذور ويعتقد أنها قادرة على النفع والضر فيطلب إليها الزائرون جلب الخير غليهم ودفع الشر عنهم ولم يكتف بعض المسلمين بذلك بل أشركوا مع الله حتى النبات والجماد فهذه نخلة يعتقدون أنها تؤثر في حياة الناس وهذا غار يحج إليه الناس للتبرك .

هذا التدني في عقيدة التوحيد إلى حضيض الشرك كان سبب تأخر المسلمين وزوال سيادتهم وانهيار ملكهم فقد ركنوا إلى مثل هذه الخرافات في حياتهم العامة فالزرع ينمو إذا قدم منه لوولي ويذوي إذا غضب على صاحبه صاحب ضريح والبقرة إذا نذرت لضريح نبي أو ولي وتموت إذا لم تنذر والمريض يشفي إذا قد للضريح قربانا ويفعلون مثل ذلك في الغني والفقر والسعادة والشقاء ومثل هذه النفوس الضعيفة التي تذل للحجر والشجر لا تستطيع أن تقف أمام الولاة والحكام الظالمين تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر فذلت للحكام والمستبدين بعد أن تعودت الذل للأحجار والأشجار وكلما مرت القرون ازدادت الآلهة والمقدسات وازدادت النفوس ذلة وخضوعا حتي وصلت الحالة بالأمة الإسلامية غلى زوال سلطانها وفقد عزتها ولا يصلح آخر المسلمين إلا بما صلح به أولهم فلابد من العودة إلى الحياة الإسلامية الأولي حيث التوحيد الصحيح والعزة والكرامة ولابد من هدم هذه البدع والخرافات وما يوصل إليها باللين والموعظة الحسنة أو بالقول إن لم تنفع الموعظة .

لذلك حارب كل ما ابتدع في الإسلام حارب الاجتماع لقراءة مولد والاحتفاء بزيارة القبول وخروج النساء وراء الجنازة وإقامة الأذكار المصحوبة بالغناء والرقص وبناء الأضرحة ووضع الأكسية عليها والتوسل بالأنبياء والأولياء بل يكون التوجه في العبادة لله وحده .

وعلى هذا الأساس يري محمد بن عبد الوهاب أن الله وحده هو مشرع الأحكام والعقائد فليس كلام أحج حجة في الدين إلا كلام الله وسيد المرسلين فما قاله العلماء والعقائد فليس كلام احد حجة في الدين إلا كلام الله وسيد المرسلين فما قاله العلماء في العقائد والحكام ليس حجة علينا إلا إذا استند إلى كتاب الله أو سنة رسوله فسبيلنا في التشريع الكتاب والسنة وهما مصدر الأحكام فكل من استوفي وسائل الاجتهاد له الحق أن يجتهد بل عليه أن يفعل ذلك ويستنبط من الأحكام ما يؤديه إليه جهاده حسب فهمه لنصوص الكتاب وما صح من السنة وإقفال باب الاجتهاد كان نكبة على المسلمين إذا ضاع شخصيتهم وقدرتهم على الفهم والحكم وجعلهم جامدين مقليدن يبحثون وراء عبارة في كتاب أو فتوي مقلد مثلهم فتفرقوا أحزابا وشيعا ولا منجاة من هذا الشر إلا بإيطال ذلك كله والرجوع إلى أصول الدين ومصادر تشريعه .

وهكذا كانت دعوة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية ترتكز على أساسين رئيسيين هما الدعوة إلى التوحيد الذي لا يخالطه شرك والرجوع في التشريع إلى الكتاب والسنة ومثل هذه الدعوة نادي بها الإمام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وهو الذي درس الفقه الحنبلي عرف لابن تيمية هذه الآراء فأعجب بها وأخذ نفسه الدعوة إليها وتطبيقها وعكف محمد بن عبد الوهاب على دراسة كتب ابن تيمية ونسخ بعض رسائله بخط يده ولا يزال بعضها محفوظا في المتاحف مكتوبة بخط محمد بن عبد الوهاب .

اثر دعوته الإصلاحية :

كان لدعوة محمد بن عبد الوهاب آثار متعددة منها :

1- وحدت بين قبائل العرب في بلاد فقد كان لكل بلد ولكل قبيلة أمير يحكمها وكانت العلاقة بين الأمراء عداء في أكثر الأحيان وكانت الطرق غير مأمونة والسلب والنهب على أشدهما فوحدت الدعوة بين الأمراء الذين استجابوا لها فانتشر الأمن وشمل البلاد الاطمئنان .

2- أزالت من حياة من العرب ف نجد البدع والخرافات وإعادتهم إلى حظيرة الدين بعد أن ابتعدوا عنه وأهملوا القيام بواجباته فعادوا إليه يؤدون فروضه ويقومون بواجباته ويرعون حرماته .

3- كان لتعهد الأمراء السعوديين بحماية الدعوة ونشرها أثر في قوة مركزهم في بلاد نجد إذ أصبحوا حماة الدعوة وأنصارها فالتف العرب حولهم وقوي سلطانهم وأسسوا دولة قوية نشرت سلطانها على بلاد نجد والأقطار المجاورة ونشرت فيها الرخاء والأمن .

4- كان لنجاح دعوة محمد بن عبد الوهاب الإصلاحات صدي في الأقطار الإسلامية وفي دعوات المصلحين الذين ظهروا بعده . فمن الهند قدم الزعيم السيد أحمد إلى الحجاز لأداء فريضة الحج سنة 1822 وعرف دعوة محمد بن عبد الوهاب وآمن بها ولما عاد غلى الهند قام بنشرها وأسس في البنجاب شبه دولة طبق فيها أحكام الإسلام وأقام حربا عوانا على البدع والمنكرات فلم يرض ذلك الأجنبي المحتل فحاربه الانجليز حتي استطاعوا التغلب عليه والقضاء علي أتباعه .

وعندما قدم الإمام السنوسي مكة حاجا عرف دعوة محمد بن عبد الوهاب فلما عاد إلى بلاد المغرب سار في دعوته على نهجها . وفي بلاد اليمن ظهر الإمام .

الشيخ محمد عبده

1849 -1905م

ولد في إحدي القري المصرية وحفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة في منزله ثم أرسله أبوه إلى المعهد الديني في طنطا ليتلقي العلم وأقام في المعهد سنتين ضاق فيهما ذرعا بوسائل التعليم التي يؤخذ بها المبتدي فعزم على ترك المعهد والانصراف إلى الزراعة ولكن إصرار والده وإرشاد أحد أقاربه حببا إليه العلم فرجع إلى المعهد ثم انتقل ولم تكن نفس الشيخ محمد عبده ترتاح غلى الطريقة التي يسير عليها التعليم في الأزهر من العناية بألفاظ الكتاب وجمله المعقدة دون صرف العناية الكافية للموضوع لذلك كان يختار من شيوخ الأزهر من تحرر من هذه الطريقة .

ولما قدم جمال الدين الأفغاني مصر اتصل به وأعجب بطريقته في التعليم فلازمه وأخذ عنه وقد وجد عنده روحا جديدة روحا جديدة في فهم الدين والعلم تختلف عما ألفه عند كثير من شيوخ الأزهر .

وكان محمد عبده أنبه طلاب جمال الدين وأشدهم تأثرا بطريقته وأكثرهم اعترافا بفضله ولما تم الشيخ محمد عبده دراسته في الأزهر ونال الشهادة العالية انصرف إلى التدريس ولكنه لم يدرس الكتب التي تعلم في الأزهر ولم يسلك الطريقة التي يسير عليها شيوخه في التعليم بل اختار كتبا في العقائد والأخلاق والتاريخ والبلاغة لم يعهد تدريسها وسلك في التعليم طريقة جديدة تنمي الفكر وتقوي العقل وتقوم الأساليب .

واختير بعد ذلك مدرسا للتاريخ في دار العلوم فاختار لطلابه مقدمة ابن خلدون التي حوت آراء المؤرخ في أصول المدينة وأسباب تقدم الأمم واضمحلالها .

وشرح لطلابه ما احتوت عليه المقدمة من مبادئ اجتماعية وتاريخية فكان في عمله هذا مبتكرا في اختيار الموضوع وفي منهاج التعليم .

واتجه رأي الحكومة المصرية إلى إصلاح جريدة الوقائع المصرية وهي الجريدة الرسمية للحكومة فعين الشيخ محمد عبده رئيسا لتحريرها ومراقبا للمطبوعات فاختار للجريدة من الكتاب من يثق بهم بهم من تلاميذ جمال الدين .

وكانت الجريدة قاصرة على نشر قوانين الدولة فأضاف إليها مقالات عامة في الأدب والأخلاق والنقد وإرشاد المواطنين إلى الطريقة الصحيحة في تدوين أعمالهم فكان في عمله مرشدا وناقدا لأعمال الحكومة والموظفين .

ولما شبت الثورة العرابية اتهم بمؤازرتها فقدم للمحاكمة وحكم عليه بالنفي إلى سوريا فسافر إلى بيروت وأقام فيها نحو عام ولما وافاه كتاب من جمال الدين يدعوه للقائه في باريس توجه إليها واتصل بأستاذه وألفا معا جمعية " العروة الوثقي " واصدرا جريدة بهذا الاسم للدفاع عن حقوق الشرقيين والمسلمين .

وقد استطاعت الجريدة رغم حياتها القصيرة أن تخلق في أبناء الشرق روحا جديدة حببت إليهم طلب الحرية ونمت فيهم روح الوطنية وأحيت عندهم الشعور بمقاومة الغاصبين .

سافر الشيخ محمد عبده بعد ذلك إلى لندن للاتصال برجال السياسة البريطانيين والدفاع عن القضية المصرية ثم عاد إلى بيروت وانصرف إلى التعليم في المدرسة السلطانية .

وقد وضع منهاجا جديدا للمدرسة وأقام بيروت يعلم في المدرسة ويدرس في المساجد ويؤلف الكتب إلى أن سمح له بالعودة إلى مصر .

ولما عاد إلى موطنه رغب أن يعود إلى التعليم ولكن الخديوي خشي تأثيره في تلاميذه فأبي أن يجيب طلبه وعين في القضاء وكان في قضائه مضرب الأمثال في تحري الحق والعدل وكان وهو في القضاء لا ينقطع عن التفكير في الإصلاح فقدم مناهج الإصلاح في التعليم في المدارس المصرية وفي الأزهر ولقي في سبيل دعوته ألوانا من المعارضة ونصبت له الدسائس والمكائد من خصومه وحاسديه وعين بعد ذلك مفتيا للديار المصرية وعضوا في مجلس الأوقاف وفي مجلس شوري القوانين وقد استطاع أن يحفظ الأوقاف من أطماع الحاكمين وتعرض بسبب ذلك إلى نقمهم وعاش بعد ذلك يعمل لإصلاح الأزهر والتعليم وقوانين الدولة والجمعيات الخيرية إلى أن وافاه أجله سنة 1905 م.

أخلاقه:

كان الشيخ محمد عبده وافر العقل والذكاء زاخرا بالنشاط الفكري والروحي وصفه قاسم أمين فقال عنه ( يطالع ويتعلم ويفتي ويجلس في جلسات مجلس شوري القوانين ومجلس الأوقاف ويضع مشروعات الإصلاح للأزهر وللمحاكم ويمتحن طلبة العلم ويؤلف الرسائل ويدافع عن الدين ويراسل علماء المسلمين وكان مع كل ذلك يجد وقتا ليزور أصحابه ويشاركهم جميع أفراحهم وأحزانهم ).

وكان فيه عزة النفس وإباء الضيم وترفع عن سفاف الأمور وطموح إلى المعالي وامتاز بشجاعة أدبية يقول ما يعتقد أنه الحق ويعتمد في شجاعته على ربه وإيمانه وكم سببت له شجاعته من متاعب احتملها في صبر وثبات وكان أهم خصائصه غيرته الشديدة على الإسلام والمسلمين فهي محور أعماله ومصدر آلامه وآماله فكم لاقي في سبيل إصلاح المسلمين وتعرض للنفي والتشريد وسخط الحكام وأعوانهم وقد نصحه أصدقاؤه أن يستريح من هذا العناء ويعود إلى عمله في القضاء فلم يطاوعهم واستعذب الشدائد في سبيل دعوته .

دعوته للإصلاح :

لعل المصلحين في البلاد الإسلامية متفقون على أن أسباب تأخر المسلمين ما أصاب عقولهم وأفكارهم من الجمود وما أصاب عقيدتهم من الشعف وما دخلها من شوائب العقائد الأخري وأن الوسيلة الوحيدة للإصلاح هو تحرير الفكر والرجوع في فهم الدين إلى طريقة سلف الأمة قبل ظهور الاختلاف بين المسلمين وانقسامهم أحزابا وشيعا ولكن المصلحين اختلفوا في وسيلة الإصلاح وقد رأينا جمال الدين يعمل على إنهاض المسلمين دينيا واجتماعيا وسياسيا ويسعي إلى تحقيق كل ذلك في العالم الإسلامي .

والشيخ محمد عبده وهو تلميذ جمال الدين سار على طريقته في الإصلاح وشاركه العمل في تأليف جمعية العروة الوثقي وتحرير مجلتها ولكنه كان يميل في دعوته الإصلاحية إلى الهدوء والرفق وإرساء قواعد الإصلاح لتثبت أمام ما يصادفها من عقبات ولم يكن يؤمن بالطفرة والوثوب في الاصلاح لذلك انصرف في دعوته بعد أن فارق جمال الدين إلى إصلاح العقيدة وطرق التعليم وتنظيم الإدارة ولم يتعرض للأمور السياسية إلا بقدر يسير وكان يري أن الإصلاح الحقيقي الداخلي هو وسيلة الخلاص من الاحتلال الأجنبي وأن جلاء القوات الأجنبية وإصلاح السياسة المصرية لا يأتي إلا عن طريق استنارة الشعب وفهم حقوقه وواجباته ومصر في زمنه لم تبلغ بعد هذا المبلغ و خير وسيلة لذلك هو التعليم وهو في هذا يخالف جمال الدين الذي جمع بين الدعوتين إصلاح العقيدة والإصلاح السياسي بمهاجمة الاحتلال الأجنبي ودعوة الحكام إلى رعاية العدل والعمل بالشوري وتأليف دولة إسلامية عامة تحقق للمسلمين العدالة والحرية .

وقد اقتنع محمد عبده برأيه وسار في دعوته وسلك في تحقيقها وسائل متعددة منها :

1- إصلاح الأزهر : كان يري أنه إذا أصلح الأزهر قدم للعالم أكبر خدمة لأنه سيخرج جماعة يغارون على الدين ينبثون في أنحاء العالم الإسلامي ويحملون رسالة الإسلام في جميع الأقطار وقد بذل جهده في إصلاح الأزهر فوضع برنامجا للتعليم فيه وجعل من دروسه التي كان يلقيها أمثلة لما يجب أن تكون عليه دروس العلم .

2- إصلاح العقيدة الإسلامية بمحربة ما داخلها من شوائب وتوضيها للناس مستقاة من القرآن الكريم والسنة الصحيحة وفي سبيل وفي سيبل ذلك قام بتدريس بعض كتب العقائد وتفسير القرآن الكريم وكان يري أن إصلاح المسلمين عن طريق دينهم أيسر ,اصح من إصلاحهم عن طريق تقدير المنفعة المادية والتقليد الأوروبي .

3- إصلاح التعليم في المدارس المصرية وغيرها من المدارس الإسلامية وقد طبق بعض وجوه الإصلاح في المدرسة السلطانية في بيروت وفي دار العلوم بمصر وقدم مناهج لإصلاح التعليم دعا فيها توجيه التعليم وجهة نافعة تهدف إلى تقوية الروح الديني والوطني في الناشئة وكان يري أن التعليم هو أهم وسائل الإصلاح لذلك حلول العودة إليه بعد رجوعه إلى مصر ولكن الخديوي توفيق حال بينه وبين ذلك .

4- إصلاح اللغة العربية لغة القرآن الكريم والكتابة والخطابة , وكان الشيخ محمد عبده في الوقائع المصرية معلما ومرشدا لكتاب الدولة وموظفيها وقام بتدريس بعض كتب اللغة والأدب في المدرسة السلطانية وفي الأزهر وسلك في تدريسه طريقا قويما ونهجا يعين على إدراك الأساليب البليغة والسير على منهاجها .

5- وقف قلمه ولسانه في الدفاع عن العرب والمسلمين فألف كتابه " الإسلام والنصرانية " ردا على الكاتب الفرنسي ( هانوتو) حين تعرض للمقارنة بين النصرانية والإسلام وفي هذا الكتاب يشرح محمد عبده عقيدة التوحيد وأثرها في تهذيب خلق الإنسان وأعماله وينقي عن الإسلام عقيدة الجبر كما أثبت نصرة الإسلام للعلم والفلسفة وفضله عن نشر العلوم في عدة مقالات ردا على أحد الكتاب .

6- الإصلاح السياسي : كان محمد عبده فعالة في مجلس الشوري يبحث القوانين والمشروعات ويوجهها لما فيه خير الأمة كما عمل تنبيه الشعب إلى حقه في الحكم والسيادة والوقوف أمام الحكام إذا تجاوزا حقوقهم المشروعة وقد تعرض بسب ذلك إلى غضب الخديوي وانتقامه ولكنه لم يقف في وجه الاحتلال ولم يجهر بعداوة المحتلين اعتقادا منه بعقم ذلك ما دام الشعب لم يعد إعدادا كافيا للقيام بالمهمة التي يدعي إليها .

أثر دعوته  :

أيقظ الشيخ محمد عبده الشعور الديني عند المسلمين وأشعرهم أنهم يجب أن يهبوا من رقدتهم لإصلاح نفوسهم ,وأن يعتمدوا في هذا الإصلاح على الذين والعلم فاكبر عمدة في الخلاق هو الدين وأكبر سلاح في الدين هو العلم , ومن حسن حظ المسلمين أن دينهم يشرح صدره للعلم ويحض عليه وفي سبيل العلم دعا محمد عبده إلى إصلاح وسائل التعليم وإنشاء الجامعات العلمية .

وكان لدعوته الدينية والعلمية أثر في العالم الإسلامي فقد خلف في تعهد هذه الدعوة تلاميذ تلقوها عنه شفاها أو أخذوها من كتبه ومقالاته وزاد دعوته قوة أنه لم يكن يدعوا إلى الإصلاح نظريا فقط بل كان يحاول أن يحول إصلاحه إلى عمل وينغمس في الحياة الوقاعية ليتمكن من تنفيذ برامجه الإصلاحية .

عبد القادر عودة

استشهد عام 1954

التحق بكلية الحقوق بالقاهرة وتخرج منها عام 1930 وكان من أول الناجحين ...

التحق بوظائف النيابة ثم القضاء وكانت له مواقف غاية في المثالية .

في عهد عبد الهادي الإرهابي قدمت إليه – وهو قاضي – أكثر من قضية من القضايا المترتبة على الأمر العسكري بحل ( جماعة الإخوان المسلمين ) فكان يقضي فيها بالبراءة استنادا إلى أن أمر الحل غير شرعي ....

وفي عام 1951 أصر عليه الإخوان المسلمون بضرورة التفرغ لمشاطرة المرشد العام أعباء الدعوة فاستقال من منصبه الكبير في القضاء وانقطع للعمل في الدعوة مستعيضا عن راتبه الحكومي بفتح مكتب للمحاماة لم يلبث أن بلغ أرفع مكانة بين أقرانه المحامين ..

في عهد اللواء محمد نجيب عين عضوا في لجنة وضع الدستور المصري وكان له فيها مواقف لامعة في الدفاع عن الحريات ومحاولة إقامة الدستور وعلي أسس واضحة من أصول الإسلام وتعاليم القرآن ..

عام 1953 انتدبته الحكومة الليبية لوضع الدستور الليبي ثقة منها بما له من اسع المعرفة وصدق الفهم لرسالة الإسلام ...

لماذا حكم عليه بالإعدام ؟

قدم عبد القادر عوده إلى محاكمة في تهمة لا صلة له بها وهي محاولة اغتيال جمال عبد الناصر ... أما السباب الحقيقية فهي ما تتميز به شخصيته من مكانة رفيعة وقدرة حركية وصبر على مواقف الشدة والجهاد وجرأة في الحق نادرة .. ومن أبرز هذه الأسباب ما يلي :

1- كان الشهيد عودة قد تزعم الدعوة إلى التقريب بين الإخوان وعبد الناصر في مطلع الخلاف .. وظل عبد الناصر أن بإمكانه تقريب ( وكيل الجماعة ) الشهيد عوده إليه وشطر الجماعة بذلك شطرين ... وكان موقف عوده الصامد من هذه البادرة الصدمة التي ملأت صدر عبد الناصر حقدا عليه ورغبة في البطش به..

2- وعندما نصح عبد القادر عودة جمال عبد الناصر عام 1954 بضرورة إلغاء قرار حل جماعة الإخوان مخافة أن يتهور شاب منهم في حالة غيظ واندفاع فيقوم بعمل من أعمال الاعتداء بعيدا عن مشاورة قادة الحركة ... أجاب عبد الناصر :( كم عدد الإخوان .... مليونان ... ثلاثة ملايين ... أنني مستغن عن ثلث الأمة ومستعد للتضحية بسبعة ملايين إذا كان الإخوان سبعة ملايين ) وهنا غلب الذهول الشهيد عودة وقال في ثورة ( سبعة ملايين ثمنا لحياة فرد .. ما أغناك عن هذا يا جمال ).

وهذا الموقف كان من الأسباب التي دفعت إلى المصادقة على حكم الإعدام ..

3- ومن الأسباب كذلك أن الشهيد عوده كان قد وقف موقفا وطنيا خالدا حين عمد الضباط إلى اتخاذ قرار بعزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية ... فأقدم على استلام الراية وابتدر قيادة الحركة ونظم عشرات الآلاف من الجماهير . في مظاهرة لم يشهدها تاريخ مصر كله مما أرغم الضباط والوزراء على الرضوخ لإرادة الشعب وإعادة اللواء محمد نجيب رئيسا للجمهورية المصرية ..

ومن هذا اليوم أيضا تقرر انتهاز الفرص للحكم على عبد القادر بالموت ..

4- ومن الأسباب كذلك أن عبد الناصر أقدم علي توقيع معاهدة مع الانجليز فطلب مكتب الإرشاد الفقية القانوني الشهيد عبد القادر عودة أن يتناول الاتفاقية تناولا قانونيا بعيدا عن أسلوب التحامل والتشهير فجاءت الدراسة التي سلمت إلى السلطات المصرية في ذلك الوقت دراسة قانونية تبرز للعيان ما تجره الاتفاقية على البلاد من استبقاء الاحتلال البريطاني مقنعا مع إعطائه صفة الاعتراف الشرعية فضلا عما يجره على مصر والبلاد العربية من ويلات الحروب دفاعا عن مصالح الانجليز والأمريكان كما هو واضح في الدراسة إياها .

وبذلك ازداد الحكم رغبة في الانتقام من عبد القادر عودة .

ويوم الخميس الواقع في 9 كانون الأول عام 1954 كان موعد تنفيذ حكم الأعدام بعبد القادر عوده وأخواه الخمسة .. وتقدم الشهيد عوده إلى منصة الإعدام وهو يقول ( ماذا يهمني أين أموت ... أكان ذلك على فراشي أو في ساحة القتال .. أسيرا أو حرا .. أنني ذاهب إلى لقاء الله) ثم توجه إلى إلى الحاضرين وقال لهم ( أشكر الله الذي منحني الشهادة ... إن دمي سينفجر على الثورة وسيكون لعنة عليها ).

من آثاره:

1- التشريع الجنائي في الإسلامي ( مجلدان )

2- الإسلام وأوضاعنا السياسية .

3- الإسلام وأوضاعنا القانونية .

4- الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه .


حسن عشماوي

بدأ نشاطه واهتمامه بوطنه في وقت مبكر عقب تخرجه من كلية الحقوق جامعة القاهرة سنة 1942 وكان قد حصل منها على دبلوم القانون الخاص م عام 1944 .

وقد التقي أيام كان يعمل وكيلا للنائب العام في سنة 1944 بالأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين وقد ارتبط من يومها بالحركة الإسلامية وبالعمل لها .

وترك وظيفته عام 1949 ليتتفرغ للمحاماة واستهل عمله بالدفاع عن المتهمين من الإخوان في قضايا أطلق عليها اسم قضايا " الجيب " والأوكار .

وقد واصل نشاطه الإسلامي خاصة من خلال مجلس نقابة المحامين إذا استطاع في فترة وجيزة أن يفوز في انتخابات المجلس ممثلا للاتجاه الإسلامي في وقت اشتد فيه الصراع داخل النقابة بين الحركة الإسلامية والحركة الموالية للاتجاهات الشيوعية مما أبرزه بشكل واضح في المجال السياسي.

وكان لصحبه والده في مكتب المحاماة مدة ثلاث سنوات فضل كبير فيما تميز به الفقيد من هدوء وعمق ي التفكير رغم ثورة الشباب .

وقد كان حلقة اتصال بين الحركة الإسلامية والضباط الأحرار في التعاون ضد الانجليز أيام حركة القنال عام 1951 وبعد قيام الثورة عام 1952 .

وحين أعلنت حرب الإبادة على الحركة الإسلامية في مصر عام 1954 استطاع الفقيد أن يختبي ثلاث سنوات كاملة داخل مصر ثم تمكن من مغادرة مصر سرا عام 1957.

وقد عمل خارج مصر مستشارا قانونيا لوزارة المالية بالسعودية وأستاذا بكلية الحقوق في جامعة الرباط وأخيرا نائبا لرئيس إدارة الفتوي والتشريع ثم مستشارا قانونيا لوزارة الدفاع والداخلية في الكويت .

وقد اتجه الفقيد في السنين الأخيرة إلى الكتابة والتأليف وتسجيل تاريخ الحركة الإسلامية .

وقد ظهرت له مسرحية :" قلب آخر لأجل الزعيم " وهي مسرحية سياسية عن الدكتاتورية والحرية مسرحية " الشيخ عليش " وهي سياسية رمزية ولم تكتمل إذا وافته المنية وهو يعدها .

و"مع القرآن " وهي رسائل أرسلها من مخبئه في مصر إلى زوجته خلال فترة اختبائه من 1954 -1957 سجل فيها انطباعاته أثناء قراءته للقرآن أفرغ فيها الأسلوب الذي ينتهجه في تربية أولاده تربية إسلامية استقلالية .

وكان يعد كتابا عن تاريخ الحركة الإسلامية في مصر وبخاصة الفترة من 1950 إلى 1954 .

وكان يعد كتابا عن تاريخ الحركة الإسلامية في مصر وبخاصة الفترة من 1950 إلى 1954 .

وقد كان للفقيد شخصية فذة في ذكائه اللماح , وروحه الوديعة وصدره الرحب الذي اتسع دائما للحوار في بساطة تضمك إليه وتسامح يستلب من كل شرس مهاجم حدة العداوة ولم يكن ذلك إلا تعبيرا عن تفهم عميق للنفس الإنسانية وحساسية نادرة للمجتمعات والناس كل ذلك في إصرار على الحق وعي عميق لمنهج القرآن العظيم , تحس بالقرآن محبة في قلوب أولاده , ونغمة تتردد في بيته ولسانا عفيفا وسلوكا يصاحبه مع العدو والصديق .

ومع الخلق الدامث الوديع كان العقل الراجح المثقف المتفتح الذي يتلمس طريق الحق أيا كان مكانه أو مصدره فالحكمة ضالة المؤمن .

لقد كان يري الإسلام العظيم طريق الإنسانية حتي تقوم الساعة في رحابه تستوعب كل الثقافات لتمنحها من الإسلام الروح والاتجاه وتعيدها إلى الفطرة دون أن تسحق إبداعها الفردي أو خصائصها الذاتية .

عاش مع القانون مشرعا ومراقبا للتطبيق فرآه أقوي ما يكون حين ينبع من نفوس الناس اختيارا واقتناعا ومراقبة لله فأراد للمسلمين حكومة يحس أفرادها أنهم من البشر يجتهدون فيخطئون ويصيبون فهم يحكمون بشريعة الله من خلال خبرتهم وتقديرهم واختيارهم الشخصي .

كان بيته دائما وأبدا مفتوحا للجميع منتدي للفكر والإخوة والحوار الدائم والتسامح والحب .

عاش بالإسلام خلقا وللإسلام أملا وحركة مهاجرا في سبيله داعيا إليه حتي آخر نفس من أنفاس حياته التي اختتمها مساءا الأربعاء 17 ذو الحجة 1391 هـ الموافق 2-2- 1972 م مسلما الروح في هدوء لم يشعر به من حوله رحمه الله وأسكنه فسيح جناته .

عبد الكريم عثمان

ولد عبد الكريم عثمان في مدينة حماة عام 1929 لأب يشهد له أهل حماة قاطبة بالروع والتقي كما تشهد له رسائل الشيخ حسن البنا بالإيمان والإخلاص فسار سيرة طيبة منذ كان صبيا .

اختلف إلى المدرسة الابتدائية فنال شهادتها عام 1941 ثم التحق بثانوية ابن رشد يتابع تحصيله فتفوق في دراسته وبزا ترابه وبدت عليه علائم النجابة ومخايل الذكاء فلم يكد يبلغ صف الشهادة الثانوية حتي نضجت موهبته الخطابية فكان رحمه الله المتحدث المفوه الخطيب المصقع يرتجل الكلام في كل مناسبة تفرض عليه ذاتها ويقول كلاما موزنا دون أن يتعلثم أو تتعثر له عبارة مما لفت أنظار العاملين في الحقل الإسلامي إلى هذه الموهبة النادرة فقرروا إيفاده في بعثة إلى جامعة القاهرة عام 1947 لينال منها الشهادة العالية في الفلسفة وعلم الاجتماع فنال درجة الامتياز طيلة السنوات الأربع ومارس الكتابة في أثناء الدراسة بسلسلة من المقالات عن التأمينات الاجتماعية في الإسلام نشرها في جريدة المنار الدمشقية أثبت فيها أن التأمينات الاجتماعية في الإسلام أصيلة وقادرة على حل جميع مشاكلنا الاجتماعية وقارنها بالتأمينات الاجتماعية في النظم الغربية التي تفتقر إلى روح العدل وحقيقة المساواة وتوثقت صلته أيام دراسته بالمرحوم الشيخ حسن الينا فرافقه وأكثر من صحبته وأولع به ولم يعد قادرا على فراقه حتي نال الشيخ البنا الشهادة في سبيل لله .

عمل رحمه الله مدرسا في مدينة دير الزور فخلف فيها من الآثار ما لا ينسي كان مصدر إشعاع لنور الإسلام في أوساط الطلاب العمال والعامة وكان خطيب الجمعة الذي ينتظر الناس بفارغ الصبر سماعه حتى أحبته المدينة بكل فئاتها وطبقاتها والتف حوله الشباب وتأثروا به واتبعوا الدعوة حمل لواءها وكافح في سبيلها دون كلل أو ملل حتى وافاه الأجل ثم عمل في مدينتي حلب وحماه فسار سيرته في دير الزور وخلف جمهورا تأثرا به وأخذ عنه وسارا على طريقه .

أدي خدمة العل في الجيش السوري فكان الجندي المخلص والضباط المثالي والمسلم الغيور الذي فرض محبته واحترامه في الوسط العسكري على من يوافق رأيه أو يخالفه فيه .

أوفدته وزارة التربية إلى جامعة القاهرة عام 1960 ضمن مجموعة من المتفوقين للحصول على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية وكان من قبل قد عكف على دراسة الحقوق ونال شهادتها من الجامعة السورية فأمضي زهاء خمس سنين في تحضير رسالته ونشر عدة بحوث عن الفلسفة الإسلامية والفلاسفة المسلمين في أثناء دراسته ثم قدم أطروحته لتناقش على مدرج كلية الآداب بجامعة القاهرة فكانت تظاهرة علمية حضرها مئات المعنين في البحوث العلمية والدراسات الجامعية وبعد خمس ساعات من النقاش العلمي والحوار الفلسفي أصدرت اللجنة حكمها بمنح الأستاذ عبد الكريم عثمان درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية بدرجة امتياز من مرتبة الشرف الأولي فعاد إلى بلاده بيد أنه لم يجد له مكانا ولا متسعا !! وصادف أن جاءه عرض من جامعة الرياض للتدريس فيها فقصدها وأمضي ست سنوات في كلياتها كانت من أخصب أيام حياته وأغناها أسند له تدريس الثقافة الإسلامية فنظم منهاجا ووضع كتبها ونشر مؤلفات عنها فأصبحت مادة مقررة في جميع كليات الجامعة العملية والنظرية تلازم كل اختصاص وكل منهاج مقرر وهذه أول بادرة علمية تتبوأ فيها الثقافة الإسلامية المكان اللائق في المحيط الجامعي المعاصر وبعد بضعة شهور عضت عليه الجامعة الليبية تنظيم منهاج للثقافة الإسلامية في كليات الجامعة على غرار ما قدمه في جامعة الرياض لولا أن المنية عاجلته واختاره الله إلى جواره .

من آثاره العلمية :

- معالم الثقافة

- نظرية التكليف ( آراء القاضي عبد الجبار)

- النظام السياسي في الإسلام

- سيرة الغزالي وأقوال المتقدمين .

- الدراسات النفسية عند المسلمين .

- وظائف النفس عند المسلمين .

- وظائف النفس عند المسلمين .

- المصارف العقلية .

- تحقيق مثبت دلائل النبوة ( للقاضي عبد الجبار الهمذاني ) جزءان

الشيخ صالح العقاد

ولد في دمشق وتوفي فيها عام 1970

واحد من كبار علماء العصر في فقه الشافعية وبقية من بقايا السلف الصالح في هذه الأمة .

قضي عمره المديد بالعلم والتعلي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكل ولا يمل هذا مع ذهن صاف جول وحافظة واعية وقدرة على استيعاب المسائل وفهمها وتحليل العبارة العويصة .

كان صداعا بالحق لا يبالي أرضي العامة سخطوا جريئا في قول ما يعتقده أنه الحق لا يسايرهم ولا يخشاهم ولا يحرص على رضاهم .

كان يحارب البدع ولقد تحمل في سبيل ذلك الكثير من سفه السفهاء وحسد الحاسدين .

كان يكتسب المال عن طريق التجارة ولكن هذا لم يكن ليصرفه عن طلب العلم والتعبد بل كان عونا له على طاعة الله .

كان يعتذر عن الذهاب غلى الحكام ولقد دعي من قبل رؤساء الجمهورية مرات عديدة ولكنه كان يعتذر عن إجابة تلك الدعوات وكان يقول " بئس العالم بباب الحاكم ونعم الحاكم بباب العالم ".

ظل قرابة خمسين سنة يقوم بالتدريس في عدد من مساجد دمشق

- فله درس يومي بعد صلاة الفجر .

- وله درس يومي بعد الظهر في ( النووية ) .

وله درس بعد العصر في غرقته المتواضعة في جامع الدين الشهيد

وكان يصلي المغرب في " الصالحية " في جامع الشيخ محيي الدين ثم يجلس لقراءة القرآن وتدريس العلم حتي العشاء وكان له درس عام بعد عصر كل يوم جمعة .


(ف)

علال الفاسي

عالم من علماء المغرب وأحد قادة قادة الفكر الإسلامي فيه وتوفي عام 1974

" علال الفاسي " علم عملاق , حجمه في الزمان والمكان أكبر من السنوات التي عاشها والأرض التي وجد فيها .

مدرسة علال الأولي التي استمر إشعاعها يواكب حياته قرآنية منذ الطفولة قروية في العلم والتعليم حتي آخر حياته حيث كان عمله العلمي الوحيد الذي لم " يتقاعد" منه هو التدريس في [ دار الحديث الحسينية] قمة الدراسات الإسلامية العليا التي تعد للدكتوراه في جامعة القرويين .

وقد حرص على الاحتفاظ بالتدريس هذا حين تقاعد من التدريس في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس وقد انتقل إلى جوار الله وهو يشرف على عدد كبير من الرسائل الجامعية لصفوة من خريجي دار الحديث .

وآثاره العلمية منها بخاصة متسمة بروح هذه المدرسة القرآنية ومن أهمها ( دفاع عن الشريعة )و (مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها ) وحتي في إثاره السياسية والفكرية الأخرى لا يغيب إشعاع المدرسة الإسلامية .

ومن أهم كتبه : النقد الذاتي المغرب العربي منذ الحرب العالمية الأولى إلى اليوم الحماية الإسبانية في المغرب من الوجهة التاريخية والقانونية نهج الاستقلالية


ق

عز الدين القسام

سيد قطب

محيي الدين القليبي


عز الدين القسام

18821935

رجل دين ثار في سبيل الاستقلال في سورية وجاهد ضد الانتداب البريطاني والاستعمار الصهيوني بفلسطين من مواليد - جلبة ) قضاء اللاذقية في سورية . انتقل إلى حيف عقب ثورة 1925 في سورية فأنشأ حلقات للوعظ وترأس جمعية الشبان المسلمين ثم انضم إلى حزب الاستقلال العربي قام بتنظيم الحلقات السرية الجهادية ضد الانتداب البريطاني وقاد ثورة مسلحة في جبال جنين تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1935 استشهد يوم العشرين من تشرين الثاني ( نوفمبر) 1935 في معركة مع قوات الاحتلال البريطاني وكان له أعمق الثر على شباب فلسطين في الثلاثينات والأربعينات ويعتبر بحق شيخ ثوار فلسطين .

جهاد الشهيد عز الدين القسام :

وكان الشيخ عز الدين القسام مجاهدا مؤمنا في فطرته ونشيطا في بث الدعاية للحركة الوطنية ودعوة الشعب إلى مقارعة الأعداء وكان الشيخ عز الدين يشغل وظيفة ( مأذون شرعي ) في المحكمة الشرعية في حيفا التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى وكان خطيبا لجامع الاستقلال في حيفا وانصرف الشيخ عز الدين القسام بناء على إتقان مع رجال الحركة الوطنية وتأييدهم وعونهم له إلى تشكيل منظمة عسكرية سرية كما كان يختار رجالها من أصدق الوطنيين وأشدهم استعدادا للجهاد ضد الاستعمار والصهيونية وعرف رجال هذه المنظمة بالقساميين) نسبة إلى مؤسسها وقام هؤلاء المجاهدون بسلسلة من أروع الكفاح والنضال وخاصة في مدينة حيفا وشمال فلسطين أكسبت الحركة الوطنية قوة والمسلمين عزة وأثارت مخاوف الانكليز وأدخلت الرعب إلى قلوب الصهيونيين وكان القساميون يحيطون أعمالهم بالسرية والكتمان المطلقين ولذلك ذهبت سدي جميع الجهود التي بذلها الانكليز لاكتشاف أمر المنظمة القسامية ومعرفة رجالها .

وفي خريف عام 1935 وقد تطورت الحركة الوطنية تطورا بالغا وعم الشعب حماس عظيم للكفاح والنضال تمت مباحثات سرية بين القسام وزملائه وبين رجال الحركة الوطنية بالقدس وانتهت إلى اتفاق على انتهاج خطة معينة في مقارعة الأعداء .

إعلان العصيان  :

وشعر الشعب أن في الجو شيئا ما ولمس استعدادا عاما لإعلان العصيان والتمرد على الاستعمار وحكمه فبات يرتقب النتائج ولم يطل انتظار الناس للحدث المرتقب ففي اليوم الثاني من شهر تشرين الثاني عام 1935 ( وهو يوم ذكري صدور تصريح بلفور المشئوم ) تقلد الشيخ عز الدين القسام وعدد من زملائه وتلامذته السلاح وخرجوا إلى منطقة جبلية وعرة في قضاء جنين وأعلنوا الثورة الفلسطينية السادسة على الانكليز استمرت عدة أيام وتكبد فيها الأعداء خسائر فادحة بالأرواح وحاول الانكليز مرارا تطويق القسام وعصبته المؤمنة والانقضاض عليها في معاقلها ولكن تأييد الشعب للمجاهدين وحرصه على سلامتهم أحبط جميع هذه المحاولات .

وعلم احد أفراد قوات الأمن وكان معروفا بأنه كان يعمل جاسوسا للإنكليز بالمكان الذي كان يعتصم فيه القسام ورجاله وينقضون منه على الانكليز وهو واقع داخل أحراج يعبد في قضاء جنين فدلهم عليه فأرسل الانكليز قوة كبيرة من رجالهم لمداهمة المجاهدين فخرج إليهم البطل وإخوانه وكان عددهم قليلا وأبوا الفرار ( وكانوا يستطيعونه) فوقعت معركة رهيبة استمرت يوما كاملا بين المجاهدين الفلسطينيين والقوات البريطانية صمد فيها القساميون وقاتل شيخهم قتال الأبطال وظل يناضل ويكافح وينزل بالأعداء الخسائر الفادحة حتي خر صريعا في ميدان الجهاد شهيدا كريما في سبيل الله والإسلام واستشهد في هذه المعركة بعض إخوان القسام وجرح آخرون منهم وأسر غيرهم فأحيلوا إلى المحكمة العسكرية فأصدرت عليهم أحكاما بالسجن تتراوح بين عامين وخمسة عشر عاما ووجم أهل فلسطين لهول الكارثة التي حلّت باستشهاد القسام ثم تظاهروا في مدنهم وقراهم ضد الاستعمار وطغيانه وصدرت التعليمات للهيئات الإسلامية المختصة في حيفا لدفن الشهيد الغالي باحتفال مهيب يليق بمركزه وجهاده وإنشاء ضريح له في المقبرة الإسلامية بالباجور التي أطلق عليها اسم مقبرة الشهداء . وقد اشترك في الصلاة على روح الشهيد جمهور ضخم من الناس الشاذة التي لجأت إليها السلطات البريطانية وقع احتكاك بين المشيعيين جرحي ومصابين ( أما الخائن الجاسوس الذي دل على معقل القسام وعصبته فقد اغتاله المجاهدون فيما بعد ).

وكان لثورة القسام ذيول خطيرة في البلاد حيث ألهبت النفوس واثارت الشعور الإسلامي وفتحت باب الجهاد على مصراعيه للشعب الفلسطيني الباسل فخاضه في ربيع عام 1936 في ثورة هائلة .

محيي الدين القليبي

مولده ونشأته .

ولد محيي الدين القليبي حوالي 1312 هجرية من أسرة عريقة نزحت من بلده ( قليبة) بتونس واستقرت بالعاصمة منذ القرن الثاني عشر الهجري وكان أبوه الشيخ محمد بن عبد القادر القليبي يعمل كاتبا بالدائرة السنية منذ عهد ( على باي ) وهو شيخ الطريقة العيساوية بضاحية المرسي وفي أحضان هذه الأسرة الكريمة تربي الشاب محيي الدين فحفظ القرآن الكريم ثم انتقل إلى جامع الزيتونة مفضلا طريقة الانتساب الحر ينهل من العلوم أنقاها حتى وصل إلى المرحلة النهائية ثم انقطع عن الدراسة لينضم إلى طليعة الرواد المصلحين والشباب المثقف الذي يتحسس طريق الخلاص من جور الحكم الاستبدادي والاستعمار الفرنسي البغيض .

نضاله :

في عام 1922 التقي القليبي بالشيخ عبد العزيز الثعالبي الزعيم التونسي الكبير الذي حمل لواء الكفاح ضد الاستعمار الغاشم فعمل معه وتصدي لمقاومة الاستعمار ومقارعة دعاة التخاذل يخطب في المجتمعات والندوات ويحبر المقالات الجريئة للصحف التي كان يوقعها بأسماء مستعارة تواضعا لا خوفا ..

ومن الجرائد لتي ساهم القليبي في تحريرها والكتابة فيها : الاتحاد – الأمة – لسان الشعب – المشير النذير – النديم العصر الجديد – مرشد الأمة ....

كان القليبي يواجه جبهات متعددة في كفاحه من ذلك : الاستعمار , والإدارة الجائرة والصحف الاستعمارية ودعاة التخاذل المتميعين من المثقفين ودعاة التحرر الزائف .. إلى آخر السلسلة من الضلالات والانحرافات ..

مواقف وابتلاؤه:

قدم للمحاكمة لأول مرة بسبب مقال نشر بجريدة ( العصر الجديد في 16 % 2/1924 واشتهر القليبي في ذلك الوقت بأنه مثل السرطان للجرائد ما اتصل بجريدة إلا وعطلتها الحكومة كما ذكر ذلك مازحا الشيخ سليمان الجادوي صاحب جريدة مرشد الأمة ...

وحوكم مرة أخري ونفي إلى ( برج لوبوف ) حيث أصيب بمرض السكر ..

وأهم فترات كفاحه وهو في ريعان الشباب مواقفه المشرفة في عهد ( لوسيان سان ) الممتد من سنة 1922 إلى سنة 1928 حيث ابلي بلاء حسنا في كفاحه للاستعمار وأفكاره ..

تأثره بحركة الإخوان المسلمين :

في عام 1948 عاد من الشرق واعتزم العمل لإقامة دعوة إسلامية على غرار حركة الإخوان المسلمين الذي كان قد تأثر بها خلال إقامته في المشرق .. ولكن مجري الأحداث لم يسايره في الخط الذي رسمه ولقي مقاومة من الجميع .

ثم جاءت ظروف أخري اضطرته إلى الهجرة ثانية ليساهم في الجهاد الإسلامي مع أبطال الجهاد من إخوانه مثل الشيخ الحاج أمين الحسيني والأمير عبد الكريم الخطابي والشيخ الخضر حسين حتي وافاه الأجل المحتوم في دمشق .

آثاره العلمية :

ترك القليبي آثارا علمية كثيرة منها المطبوع ومنها غير ذلك ..

من الآثار المطبوعة :

1- كتاب ( مسألة التجنس)

2- كتاب ( مأساة عرش )

3- كتاب ( ملك تونس )

4- وكان القليبي قد أسس في دمشق كذلك دار الفكر الإسلامي للتأليف والترجمة والنشر ...

عبد الرحمن الكواكبي

1265-1320هـ 1848-1902م

ولد السيد عبد الرحمن الكواكبي في حلب من بيت يعتز بنسبه وعلمه وماله ففيه كانت نقابة الأشراف في حلب ولأسرته مدرسة تسمي المدرسة الكواكبية وكان أبوه أحد المدرسين في مساجد حلب .

تعلم كما يتعلم ناشئة زمانه درس اللغة العربية وعلوم الدين في مدرسة أسرته ثم أكمل ثقافته بقراءة بعض العلوم الرياضة والطبيعية وتعلم اللغتين الفارسية والتركية وعكف على قراءة كثير من كتب التاريخ .

ولما أتم دراسته انغمس في الحياة العملية وتنوعت أعماله فعمل في الصحافة وأنشأ جريدة الشهباء وتقلد القضاء ورئاسة البلدية وقام بأعمال عمرانية تجارية وقد أكسبه تعدد الأعمال خبرة بالناس وتجربة في الحياة .

وكان في كل أعماله الرسمية وغير الرسمية يصطدم بنظام الدولة واستبداد الحكام وفساد الإدارة فينازلهم وينتصر عليهم حينا وينتصرون عليه أحيانا وكان سلاحه النزاهة والاستقامة والعدل وسلاحهم الدسائس والتهم .

وكان له مكان مرموق في لده يقصده أصحاب الحاجات لقضائها ويلجأ إليه أرباب المشاكل لحلها وكان رجال الحكم يستشيرونه أحيانا فيبدي رايه في جرأة ومن ورائهم رجال الدولة في الآستانة فزورت عليه التهم وقدم للمحاكمة ولكنه برئ مما نسب إليه .

وكان من نتائج خصوماته مع رجال الحكم ضياع أمواله خسارة تجارته ولكنه احتمل ذلك بنفس قوية لا تجزع ولا تحول.

رحل الكواكبي إلى الأقطار الإسلامية مستطلعا أحوالها الاقتصادية والاجتماعي فساح في سواحل أفريقيا الشرقية وسواحل أسيا الغربية ودخل الجزيرة العربية واتصل برؤساء قبائلها كما نزل لهند , واستقر به المقام في مصر وكان في نيته أن يتم رحلته في بلاد المغرب ولكن المنية عاجلته سنة 1902 .

أخلاقه وصفه الأستاذ أحمد أمين فقال ( مؤدب اللسان لا تؤخذ عليه هفوة يزن الكلمة قبل أن ينطق بها وزنا دقيقا حتي لو ألقي عليه السلام لفكر في الإجابة متزن في حديثه إذا قاطعه أحد سكت وانتظر حتي يتم حديثه ثم يصل ما انقطع من كلامه فيؤدب بذلك محدثه نزيه النفس لا يخدعها مطمع ولا يغريها منصب شجاع فيما يقول ويفعل مهما جرت عليه شجاعته من سجن وضياع مال وتشريد وهو مع أنفته وصلفه على الكبراء متواضع للبائسين والفقراء يقف دائما بجانب الضعفاء يشع على من يجالسه الاتزان والتفكير الهادئ وحب الحمية ونصرة المبدأ والتضحية للفضيلة ).

طريقته في الإصلاح :

لطبع السيد الكواكبي وأخلاقه أثر في السبيل الذي سلكه في محاولة الإصلاح فهو هادئ الطبع متزن الأفكار يبحث المشاكل في هدوء وروية لا يصدر أحكامه إلا بعد دراسة وتمحيص يتعرف الأسباب ويحاول إصلاحها ليصل إلى النتائج التي يسعي إليها كان يدعو إلى التخصص في المعرفة وأن يحصر كل قادر نفسه في فرع من فروع العلم أو الفن حتي يتقنه وقد طبق هذا على نفسه فلم يتوزع بين فقه ولغة وإنما وهب نفسه الإصلاح المسلمين حين شعر بفساد أحوالهم .

وقد هيأ نفسه لدعوة الإصلاح فانصرف إلى تعرف أحوال المسلمين في جميع أقطار الأرض وفي سبيل ذلك .

أ‌- عكف على مطالعة تاريخهم في ماضيهم وحاضرهم وما كتبه الكتاب المحدثون في الكتب والمجلات والصحف .

ب‌- رحل إلى البلدان الإسلامية واتصل بشعوبها ودرس أحوال البلاد الاقتصادية ونوع ترتبها وما فيها من معادن دراسة دقيقة كما درس حالتها الاجتماعية وما يشيع فيها من نواحي الضعف والفساد وما فيها من عوامل القوة والنشاط وقد جعل من هذه الدراسات أساسا لدعوته الإصلاحية التي قامت على قواعد قويمة من الدراسات والبحث في طبائع الشعوب والأمم وما يصيبها من عوامل الانحلال والضعف وما ينهضها من أسباب القوة والحياة وقد اتخذ من الشعوب الإسلامية في وقته أساسا لدراسته سجل الكواكبي نتائج دراسته لأحوال المسلمين في زمانه ومحاولته إصلاحهم في كتابين له هما :

طبائع الاستبداد وأم القري .

طبائع الاستبداد

بحث في هذا الكتاب الاستبداد وعرفّه ( بأنه صفة للحكومة المطلقة العنان التي تتصرف في شؤون الرعية ما تشاء بلا خشية حساب ولا عقبا ).

ووصف الكواكبي المستبد بأنه يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم ويحكم بهواه لا بشريعتهم وهو يعلم من نفسه أنه الغاصب المعتدي فيكم أفواه الملايين من الناس ويسدها عن النطق بالحق والمطالبة به .

والمستبد عدو الحق وعدو الحرية وقاتلها وهو يود أن تكون رعيته يقرأ تحلب وكلابا تتذلل وهو يرجع عن استبداده وظلمه إذا وقفت الرعية في وجهه وقاومت ظلمه واستبداده .

والمستبد كما يري الكواكبي يخشي العلم لأن العلم نور وهو يريد أن تعيش الرعية في الظلام لأن الجهل يمكنه من بسط سلطانه والعلوم التي يخشاها المستبد هي علوم الفلسفة العقلية دراسة حقوق الأمم وعلوم السياسة والاجتماع ونحو ذلك من العلوم التي تنير العقل وتثير النفوس على الظالم وتعرف الإنسان حقوقه وكيف يطلبها وينالها .

أثر الاستبداد :

بحث الكواكبي في كتابه أثر الاستبداد في نواحي حياة الأمة المتعددة فذكر أنه سبب في اختلال نظام الثروة لأنه يجعل لطائفة قليلة من الناس حظ الاستمتاع بالثروات الطائلة وترك سائر أفراد الشعب في شقاء وفقر وبؤس .

وذكر أن الاستبداد من عوامل فساد الأخلاق لأنه ينزع من القلوب عاطفة المحبة فالإنسان في ظل الاستبداد لا يحب وطنه لأنه يشقي فيه ولا يحب قومه لأنهم عون للظلم عليه ولا يركن إلى صديق لأنه لا يثق به وهو يلعب بالأخلاق فيجعل من الفضائل رذائل ومن الرذائل فضائل فيسمي النصح فضولا والحمية طيشا والرحمة مرضا والنفاق سياسة الدناءة لطفا والنذالة دماثة وظرفا .

وذكر أن الاستبداد يقف في طرق العلم لأن الحكومات المستبدة تقف دون النشاط العلمي والفكري .

وعلى العموم فالاستبداد يحول دون تقدم الأمم في النواحي المختلفة لأنهه يمنع من تربية الأمة تربية صالحة في أجسامهم وعقولهم وأخلاقهم وإنما يريد من الشعوب أن تعيش وتنمو الأشجار في الغابات والإحراج يسطو عليها الغرق وتحطمها العواصف ولا يسمح لها أن تحمتي بما بمنع عنها عوادي الأيام وما يحفظ كيانها من عوامل الظلم والفساد .

الاستبداد والدين :

عرض الكواكبي في كتابه إلى الاستبداد والدين وكان في ذلك يرد على بعض كتاب الغرب الذين يقولون إن الاستبداد في السياسة متولد عن الاستبداد في الدين لأن بعض الأديان تبث في نفوس الناس الخشية وتهددهم بالعذاب بعد الموت ثم تفته لهم بابا للخلاص بالالتجاء غلى رجال الدين بالذلة لهم والاعتراف أمامهم وطلب الغفران منهم .

والمستبدون السياسيون يتبعون هذه الطريقة يسترهبون الناس ويذلونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتي لا يجدوا ملجأ إلا التزلف لهم ولهذا خلعوا على المستبد صفات الله كولي النعم والعظيم الشأن وما إلى ذلك .

ورد الكواكبي على هؤلاء بأن الإسلام في جوهره الأصيل لا ينطبق عليه هذا القول فقد بني على قواعد الحرية السياسية فأمره شوري وتعاليمه تقضي بإزالة الاستبداد والتمسك بالعدل وخضوع جميع الناس لنظام واحد . والإسلام لا يعترف بسلطة دينية خاصة ولما سموا رجال الدين .

ولكن دخل على المسلمين لفساد كما دخل على غيرهم من الأمم فتحول نظام الحكم من نظام شوري إلى استبداد وأضاعوا مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو المبدأ الإسلامي الذي يراقب به أولوا الأمر في الأمة .

التخلص من الاستبداد :

يري الكواكبي أن الاستبداد لا يقاوم بالقوة وإنما يقاوم باللين والتدريج ببث الشعور بالظلم وهذا يكون بالتعليم لأن الاستبداد محفوف بأنواع القوات كقوة الجند وقوة المال فإذا قوبل بالقوة كانت فتنة تحصد

الناس وإنما الواجب المقاومة بالحكمة في توجيه الأفكار نحو إقامة العدالة . والاستبداد مع اعتماده على هذه القوات يضعف أمام الوسائل المحكمة .

ويجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة ما يحل محله ومعرفة الغاية معرفة واضحة دقيقة ومتي وضحت الغاية يجب السعي في إقناع الناس بها ويجب أن ينشر ذلك في كل الطبقات حتي يصبح عقيدة عندئذ لا يسع المستبد إلا الإجابة طوعا أو كرها .

أم القري

هذا الكتاب يدل على عبقرية الكواكبي وسعة علمه وإطلاعه الواسع على حال الشعوب الإسلامية ونفاذ تفكيره ففيه يقف من المسلمين موقف الطبيب من المريض بفحص داءه ويتعرف أسبابه ويصف علاجه في أسلوب قصصي جذاب .

يتحدث في هذا الكتاب عن جمعية عقدت في مكة حضرها ممثلون عن كل قطر إسلامي وقد أزال حبهم لإصلاح المسلمين ما بينهم من خلاف في الرأي والمبدأ فلا سني ولا شيعي ولا شافعي وحنفي فالكل مسلم والكل يريد إصلاح الشعوب الإسلامية .

د وبعد أن اتفقت كلمة الممثلين على حاجة الشعوب الإسلامية إلى الإصلاح ليتحرروا من سلطان غيرهم وليعود إليهم عزهم السالف ومجدهم الأثيل وليؤدوا رسالة الإسلام التي عهد الله إليهم نشرها وتبليغها الناس أخذ كل عضو يبين أسباب ضعف المسلمين مستوحيا ذلك من حالة المسلمين في بلاده وبعد أن عرض كل ممثل رأيه وناقشه فيه الممثلون الآخرون انتهوا إلى أن أسباب تأخر المسلمين ما دخل عليهم من عوامل الضعف في النواحي الآتية :

أ‌- العقيدة :

1- انتشار عقيدة الجبر بين المسلمين ونشر ما يدعو إلى التزهيد في الدنيا وترك السعي والعمل .

2- اختلاف المسلمين في عقيدتهم وتفرقهم أحزابا وشيعا .

3- إضاعة سماحة الدين وتشدد الفقهاء المتأخرين وإدخالهم في تعاليمه الخرافات والأوهام .

4- تهوين علاه الصوفية من شأن الدين وجعله لهوا ولعبا والتوسع في تأويل الآيات والأحاديث والتحايل على التحرر من الواجبات والإيهام بأن الدين أمورا سرية .

5- الاعتقاد بأن الدين يتنافي مع العلوم الحكمية والعقلية .

6- تطرق الشك إلى عقيدة التوحيد وتهاون العلماء في تأييدها .

ب‌- السياسة والحكم:

1- حرمان الأمة حرية القول والعمل وفقدانها الأمن الأمل .

2- فقدان العدل والتساوي في الحقوق بين طبقات الأمة .

3- ميل الحكام للعلماء المدلسين واعتبارهم العلم صفة يحسن بها

4- الأمراء على الخاصة وإبعادهم للمخلصين من العلماء .

ج‌- الأخلاق والاجتماع :

1- الاستغراق في الجهل الارتياح إليه .

2- استيلاء اليأس على النفوس .

3- فساد نظام التعليم .

4- عدم العناية بتعليم النساء وتهذيبهن .

5- فساد النظام المالي .

هذه خلاصة لأسباب تأخر المسلمين كما توصل إليها المؤتمرون بعد أن عرض كل ممثل حالة المسلمين في بلده فما علاج ذلك ؟

وصف الكواكبي العلاج على لسان المؤتمر فقرر تأليف جمعية دائمة تعني بإصلاح المسلمين وتشرف على تنفيذ برنامجها الإصلاحي بإزالة أسباب تأخر المسلمين وتنقية ما علق في عقائدهم من شوائب والرجوع بهم إلى مبادئ الإسلام القويمة بتعميم التعليم بين المسلمين والترغيب في الفنون والعلوم النافعة وإيجاد المدارس العالية وتوحيد أصول التعليم ووضع مناهج للرقي بالأخلاق .

وتؤلف الجمعية من مائة عضو عامل لكل عضو وظائف معينة يؤديها ولا عدد للأعضاء المساعدين ويشترط في الأعضاء العاملين العفة والأمانة والإخلاص وسعة العلم والقدرة على التأثير في الناس وإمكان التفرغ للعمل لأغراض المؤتمر ويكون مركز الجمعية في مكة ولها فروع في جميع الأقطار الإسلامية وهذه الجمعية لا تكون تابعة لحكومة وما يكون شعارها ( لا نعبد إلا الله ) .

أثر دعوة الكواكبي :

عاش الكواكبي في بيئة انتشر فيها الظلم والاستبداد ولم يكن يسمح لحد أن يذكر رجال الحكم بسوء أو أن ينتقد أعمالهم وأن يبحث في أمور تتعلق بنظام لحكم وتفهم الشعوب حقوقهم وواجباتهم وتوقفهم على مناحي الظلم والعدل وتهيئهم للمطالبة بالحقوق إذا سلبت والقيام بواجبات إذا أهملت .

أما العلوم التي انتشرت دراستها في عهده فهي علوم النحو والصرف وبعض أبحاث الفقه والأدب التي لا تمس الحاكم ولا تفهم أين هم من حاكمهم وأين حاكمهم منهم .

فظهور الكواكبي بكتابيه شجاعة كبيرة وفتح عالم جديد في عالم الدراسة والبحث وهو أن لم يظهر مهاجمته لحكام زمانه ولم يتخذ منهم أمثلة لأبحاثه في الاستبداد وأسباب تأخر المسلمين إلا أنه استطاع أن يشق لغيره في البحث طريقا جديدا شديد الوعورة مليئا بالصعاب .

وأن يفتح أمام الباحثين ودعاة الإصلاح سبيلا واضحا في دراسة أحوال المسلمين واكتشاف أمراضهم في العقيدة وزفي شؤونهم الاجتماعية والسياسية ومحاولة علاج هذه الأمراض والنهوض بالشعوب الإسلامية لتستعيد مكانتها بين شعوب الأرض وتؤدي رسالتها العظيمة بنشر الإسلام بين أرجاء المعمورة كما استطاع بما كتب وبموقفه من حكام زمانه أن يبعث في نفوس كثير من الناشئة الشعور بالظلم وأن يدفعهم إلى السعي للخلاص منه .


(م)

محمد المانع

عمر المختار

محمد أمين المصري

مصطفي لطفي المنفلوطي

محمد أحمد المهدي

أبو الأعلى المودودي

أبو الخير الميداني

السيد محمد محمد أحمد المهدي

1260 -1302هـ -1844 -1885م

ولد السيد محمد أحمد المهدي في جزيرة ( لبب) في مجري النيل جنوب مدينة دنقلة من أسرة عربية ينتهي نسبها إلى الحسين بن على رضي الله عنهما وعرفت بالكرم والنخوة والتمسك بأهداب الدين وكان أبوه عبد الله يعمل في الزراعة وصناعة السفن .

ولما بلغ السابعة من عمره دخل الكتاب فحفظ فهي القرآن وجوده ثم أخذ يختلف إلى المساجد وخلوات الصوفية يتلقي العلم ويأخذ عن شيوخها طريقتهم في العبادة وذكر الله وقد بهرته الصوفية فأقبل عليها وراض نفسه على التقشف وقهر نازع النفس ورغباتها والأعراض عن الدنيا ونعيمها .

وكان أهله يرسلون إليه بالمال القليل لينفقه على نفسه وليستعين به على قضاء حاجاته ولكنه كان حين يصله المال يصيب منه حاجته ثم يتصدق بما بقي منه فإذا احتاج إلى المال ذهب إلى الغاية فاحتطب وباع ما احتطبه أو يذهب إلى النيل فيلقي بصنارته في الماء ليصطاد من السمك ما يقتات به وكان مكبا على الدرس والتحصيل قانعا بما يصل إليه من أهله أو من عمل يده .

وفي تنقله بين بين مجالس العلم في المساجد وخلوات الصوفية درس القرآن الكريم وعلوم الدين واللغة والفلسفة والمنطق والتصوف فوجد فيها خير مكان للعزلة والانقطاع للدرس والتأمل والتفكير وانتظم محمد أحمد المهدي في سلك المتصوفين وأخذ الطريق عن كبار رجال التصوف ولزم شيخ الطريقة السمانية حينا من الدهر فعهد إليه شيخه نشر الطريقة في جزيرة ( آبا ) فأقام فيها مسجدا وخلوة للتعليم والإرشاد وورد إليه الناس من مختلف الأقطار كان يتولي تعليمهم وإرشادهم وكانت أخلاقه السمحة ومنطقه الفصيح من أسباب إقبال الناس عليه وحدث بينه وبين أستاذه سببها أمور لم يرض عنها المهدي ورأي أن الدين يأباها ففارق أستاذه وعاد إلى جزيرته يعظ الناس ويرشدهم وهم مقبلون عليه مأخوذون بوعظه مسحورون ببلاغته وعذب حديثه وكان في وعظه يحدث الناس عن تعاليم الإسلام وعن الظلم المنتشر في البلاد والمنكرات التي يرتكبها بعض الناس ويدعوهم إلى التمسك بأهداب الدين والانصراف عن الدنيا لتصفو نفوسهم وتطهر قلوبهم ورأي المهدي إتماما لما أخذ به نفسه من إرشاد الناس وتعلميهم أن يقوم برحلات إلى أقاليم السودان ليعظ الناس ويحضهم على التمسك بادين فطاف أرجاء السودان داعيا وهاديا فأقبل عليه الناس من كل مكان عاد من رحلته بعد أن وثق صلته بالقبائل المنتشرة في أنحاء السودان وبالمريدين من أتباعه.

ورأى في رحلته ما يعانيه الناس من ظلم واستعباد وما انتشر في البلاد من فساد شاهد أرواحا مهددة بالفناء وحريات مغتصبة وبلادا خربة هجرها أهلها من شدة الضرائب شاهد في رحلته الولاة والحكام وقد خرجوا عن تعاليم الإسلام فظلموا الناس وأذلوهم ونهبوا أموالهم وأذاقوهم ألوان العذاب ودفعوا الأثرياء وأعوانهم إلى التكالب على لذات الحياة والانغماس في الشهوات رأي أن القوانين الموضوعة تخالف تعاليم الإسلام فهي تبيح شرب الخمر وتجبي الضرائب الفادحة ولا تجمع الخراج والزكاة ولا تردع السارقين والظالمين . رأي ذلك وهو يتلو قوله تعالي :" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ".

المهدي :

فكر السيد محمد أحمد ( المهدي ) فيما رأي أيسكت عليه ويترك البلاد في هذا الاضطراب والظلم والفساد أن ينهض للإصلاح وإزالة الظلم ومحو الفساد إتباعا لأمر الله ؟..

انقطع للصلاة والعبادة والتفكير ثم خرج عن صمته أعلن دعوته صريحة مدوية أعلن أنه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا أعلنها في حشد من مريديه وأنصاره فبايعوه على الرضا بالله ربا وبالإسلام ديننا ومحمد نبيا ورسولا وبه إمام ومهديا على الزهد في الدنيا والجهاد في سبيل الله وكانت فطرة ظهور المهدي سائدة في السودان , وبعد أن أعلن السيد محمد أحمد أنه المهدي وأن الرسول عهد إليه بها أخذ يرسل دعاته إلى مختلف أنحاء السودان يدعون الناس إلى التصديق بدعوته والانضواء تحت لوائه , وبلغ الأمر حاكم الخرطوم فدعاه لمقابلته فلم يجبه إلى طلبه . وأرسلت الحكومة حملتها الأولي لمقاومة حركة المهدي فهزمت الحملة وقتل معظم رجالها بسيوف جماعة المهدي وعصيهم وأثار انتصار المهدي الأول شعور الناس فأخذوا يهرعون من كل مكان للانضمام إليه فنظم المهدي جيوشه وأرسلها إلى مختلف أنحاء السودان فتغلبت على قوات الحكومة وانضم الكثير منهم إلى حركة المهدي .

وأرادت بريطانيا بعد هزيمة عرابي واحتلالها مصر أن تمد يدها إلى السودان فطلبت من خديوي مصر أن يرسل جيشا للقضاء على حركة المهدي بقيادة القائد الانكليزي ( هكس باشا) فلبي طلبها ولكن الحملة فشلت وقتل قائدها .

وأرسل الخديوي إلى السودان حاكما انكليزيا أخر هو الجنرال غوردن فوصل السودان داعيا بفكرة مناطقه , وأعلن سياسته في جمع من أهال الخرطوم وأمر بإطلاق سراح المسجونين وإيقاف تحصيل الضرائب وأرسل إلى المهدي أصحابه وعرض عليهم الأمر وقرر رد الهدية ورفض ما عرض عليه وأعلن أنه لا يريد ملكا ولا جاها ولا مالا وإنما يريد رد " الناس إلى دينهم ومنع الظلم والفساد ودعا الجنرال غوردن إلى الهداية والآلام وأدرك غوردن أن دعوة المهدي مسيطرة على السودان وأنه إذا ترك فسوف يقوي أمره ويعظم خطره فطلب إرسال حملة عسكرية للقضاء على حركة المهدي فجهزت بريطانيا حملة وأرسلتها إلى السودان ولن المهدي أسرع إلى مهاجمة الخرطوم والاستيلاء عليها وقتل غوردن قبل وصول الحملة .

ومضي المهدي في تأسيس دعائم دولته فأخذ في الإنشاء التعمير بني مسجدا ومصنعا للذخيرة وأقام كثيرا من المنشآت التي يقتضيها نظام الحكم وسك النقود .

كما مضي في نشر دعوته فأرسل إلى خديوي مصر يدعوه إلى تطبيق الإسلام وعدم اتخذا الكافرين أولياء وسار خليفته التعايشي على نهجه فكتب بذلك إلى الخليفة السلطان عبد الحميد وأهالي نجد والحجاز وإلى سلاطني غربي السودان .

وأصيب المهدي بالحمي فأوصي بالإمامة من بعده لأحب أنصاره إليه وأشدهم إخلاصا للدعوة عبد الله التعايشي وتوفي 1885م وعمره احدي وأربعون سنة

أخلاقه :

كان السيد محمد أحمد المهدي تقيا ورعا زاهدا في الدنيا قضي حياته منذ طفولته وما لديه قليل إلى أن بسط سلطانه على السودان وكثرت لديه الأموال والغنائم وهو يعيش معيشة خشنة في مطعمه وملبسه وكان يروض نفسه على هذه الحياة بخلوته في غار له ينقطع فيه للعبادة وكان يتحرج من أن يمد يده إلى مال فيه شبهة فقد رفض أن يتناول طعاما من دار شيخه حين علم أنه يتقاضي راتبا من أموال الدولة , ولاحظ شيخه ذلك فعظم مكانه عنده وقال له : يابني أني ورثت عن آبائي هذه الساقية وهذه الأرض وأني لأقتات أنا وأهلي منها وأنك لتوليني فضلا و شاركتني القليل مما لدي وقبل بعد لأي على أن يؤدي عوض ذلك عملا في حرث الأرض وزرعها .؟

دعوته الإصلاحية :

كانت الحالة في السودان هي التي دعت المهدي للقيام بدعوته فقد رأي في السودان فريقين من الناس فريقا عاش في بؤس وشقاء وتعذيب وإرهاق وهم جمهور الشعب السوداني وفريقا يعيش في نعيم وثراء ولهو إسراف وهم طبقة التجار وأرباب المناصب في الدولة . ورأى كذلك حكاما ينتسبون للإسلام ولكنهم في أحكامهم ومعاملة الرعية بعيدون عن الإسلام ورأي كذلك حكاما ينتسبون للإسلام ولكنهم في أحكامهم ومعاملة الرعية بعيدون عن الإسلام ومن ورائهم حكام غير مسلمين ركنوا إليهم واستعانوا بهم في إذلال الناس ونهب أموالهم ورأي من واجبه أن ينهض للإصلاح ويدعو الناس للعمل بتعاليم الإسلام ليحقق العدالة ويضمن للناس الحياة الحرة الكريمة واتخذ لتحقيق أهدافه الوسائل الآتية :

1- ربي أتباعه تربية قوامها الزهد في الدنيا والتمسك بالدين والتضحية بالنفس والمال في سبيل الله والبعد عن الآثام فلا خمر تشرب ولا غواية ترتكب ولا لهو ولا كذب ولا حسد وضرب لهم من نفسه أمثالا لكل ما دعاهم إليه وكانت الخلوة والمسجد والاجتماعات العامة هي وسيلته في الدعوة إلى هذه الفضائل .

2- ثار على كل منكر رآه مها كانت منزلة صاحبه فقد أنكر ما رآه في بيت شيخه حين شاهد الرقص والغناء والإسراف في إنفاق المال في حفلة ختان لده وفارق شيخه.

3- اعتبر حكام السودان وولاته خارجين عن الدين لأنهم لم يطبقوا أحكام الإسلام فأباحوا المنكرات وظلموا الناس فنهبوا أموالهم وزجوهم في أعماق السجون وقد بدأهم بالنصيحة والموعظة الحسنة فأرسل إلى حاكم الخرطوم وإلى حكام الولايات يدعوهم إلى الاعتراف بإمامته والرجوع إلى تعاليم الإسلام فمن إجابة ضمه إلى أنصاره ومن خالفه حاربه .

4- لم يخدع بما يظهره بعض الأجانب من ذوي الأطماع من الانشقاق على المسلمين والمحافظة على دينهم ونشر الأمن في ربع بلادهم لذلك كتب إلى الجنرال غوردن حين عرض عليه سلطة كردفان وفتح طريق الحج وحقن دماء المسلمين يقول : تؤمن بحرف مما جاء في هذا الدين وإنك لمن معشر عرفوا بعدائه وكرهه فإن كنت ممن يشفق على المسلمين فأولي بك أن تشفق على نفسك وتخلصها من سخط خالقها وتحملها إتباع الدين الحق) وكتب بعد استيلائه على الخرطوم إلى الخديوي توفيق يحذره من الركون إلى غير المسلمين فقال : وما يحسن بك أن تتخذ الكافرين أولياء من دون الله وتستعين بهم على سفك دماء أمة محمد صلي الله عليه وسلم ألم تسمع قوله تعالي ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوي عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) وما هذه الطاعة لأعداء الله والله يقول ( يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ) .

5- حذر المسلمين وحكامهم من الاستماع إلى بعض الذين يدعون العلم ويسخرون علمهم في قضاء مصالحهم والتقرب إلى الحكام الطاغين وقد تمكن الجنرال غوردن من حمل علماء السودان على إصدار الفتاوي ببطلان دعوي المهدي كما تمكن الخديوي في مصر من حمل بعض علماء الأزهر على فعل مثل ذلك فحذر الخديوي في كتابه ( من الركون إلى أقوال علماء السوء الذين أسكرهم حب الجاه والمال حتي اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فيهلكون كما أهلكوا من قبلك ).

6- أقام في المنطقة التي امتد إليها نفوذه نظاما إسلاميا وطبق تعاليم الإسلام في جميع نواحي الحياة فعين قضاة من صفوة العلماء الأتقياء ونوابا عنه في الأقاليم ممن يثق بصلاحهم وعلمهم وعهد إليهم مباشرة القضاء والأحكام والفصل بين الناس . ونظم الشئون المالية فأنشأ بيت المال وعين جباه لجميع الزكاة وقسم الغنائم كما تقضي الشريعة الإسلامية ومنع حيازة الأرض لأنها لا تملك بل هي محوزة لبيت المال وجعل بيت المال موردا لرزق المسلمين يعطي كل منهم بمقدار حاجته هو وعائلته .

7- رجع في أحكامه إلى عهد الإسلام الأول فلم يتقيد بمذهب من المذاهب الأربعة في أحكامه لأن المسلمين في أول عهدهم لم يكونوا مختلفين في مذاهبهم وأحكامهم ولأن الاختلاف في المذاهب قد يضر بعقول البسطاء الذين لم يتفقوا في الدين ولم يقفوا على أصوله وتعاليمه فكان يرجع في أحكامه إلى مصادر الفقه الإسلامي من الكتاب والسنة وكان قضائه الذين اختارهم من صفوة العلماء قادرا على الرجوع في قوانينه وأحكامه إلى ما كان عليه المسلمون في حياتهم الأولي وراية في هذا متفق مع رأي المصلح محمد بن عبد الوهاب .

8- رأي المهدي التباين بين طبقات الناس فمنهم الغني الذي توفرت له كل أسباب النعيم ومنهم المعدم الذي أزرت به الأيام فأراد أن يزيل ما بين الناس من الفروق وأن يقرب ما بين الغني والفقير فأبطل الألقاب والرتب الرسمية وفرض على الجميع إتباع لباس واحد هو جبة الزاهدين ومنع النساء من التزين بحلي الذهب والفضة وحرم الاحتفال بالأعراس والختان احتفالا فيه إسراف وحدد المهر في الزواج وعاقب من خالف ذلك بمصادرة أمواله وضمها إلى بيت المال وأبطل الغناء والرقص ومنع البكاء على الميت والاشتغال بالدجل وكتابة الرقي والتمائم وحرم شرب الدخان وصنع التبغ .

جاء في إحدي مشوارته ( فالبسوا الجبب المرقعات وألبسوا نساءكم البسيط الساتر ولا تجاوروا من ترك الجهاد أو فعل منكرا من المنكرات ولا تمنعوا الأراضي لأنها لا تملك بل هي محوزة لبيت المال وليتعلم بعضكم من بعض وليكسر المجاهد طرفه لأخيه المجاهد وإن لا يعلو عليه ويساويه في الفراش والأكل وأن الأمراء والكافة كلهم على حد سواء إلا في الأمر والنهي ).

نتائج إصلاحاته

كان المهدي صاحب حركة إصلاحية ورسالة دينية ولم يكن رجل دنيا أو طالب ملك أو سلطة وقد أكد في ذلك كثير من رسائله فهو المهدي خليفة رسول الله أراد الله له ذلك فعليه أن يقوم بإصلاح لمسلمين وردهم إلى دينهم ونهض لهذا العبء فبذل في سبيله كل ما وهبه الله من قوة وجهد وسلك في إصلاح المسلمين كل طريق ففتح بذلك باب تجديد واجتهاد وإصلاح وربي فئات من أصحابه تربية إسلامية عمادها الإخلاص في الجهاد والزهد في الدنيا وكان لذلك أثر بعيد المدى في حياة السودان الاجتماعية .

عمر المختار

ولد عمر المختار في سنة 1277 هجرية في وادي البطنان ببرقة وكانت قبيلة ( المنفة ) التي ينتمي إليها هي احدي القبائل العربية المشهورة بقوة البأس في المنطقة وكان والده مختار بن عمر قد نذر لله أن رزق بولد ليهبه للعلم والدين ولم يكن هذا الوالد يتصور أن أبنه الطفل الذي بدأ يتحرك ف يمهده سيحرك الدنيا حين يبلغ مبلغ الرجال ... ولكن القدر كان يعد أضخم برنامج لهذا الطفل الذي سيصبح فيما بعد من أعظم المجاهدين في ليبيا .

وما أن أتم عمر المختار سنوات الخمس الأولي من حياته حتي ألأحقه والده بمدرسة ( زنزور) الأولية ليتعلم القراءة والكتابة ثم التحق بزاوية الجغبوب ليتلقي مبادئ الدين الحنيف والتاريخ الإسلامي والأدب العربي .

زاوية الجغبوب هي إحدي الزوايا التي أقامها محمد بن علي السنوسي المعروف بالسنوسي الكبير وتتكون كل منها من ثلاث غرف : الأولي إعطاء الدروس لأبناء البادية . والثانية لاستضافة المسافرين . الثالثة لسكني القائمين بالتدريس , ويطلقون عليهم اسم " الإخوان " وقد أقيمت كل زاوية بجوار بئر وألحقت بها مزرعة يقوم بفلاحتها الإخوان ويقتاتون من ثمراتها كما أقيم مصنع صغير أو ما يشبه المصنع لإنتاج مصنوعات أهل البادية وتسويقها للقبائل .. وأقيمت الزاوية على موقع عسكري هام لتعليم الناي الجهاد والدفاع وفنون الحرب ... ولنكتمل في أذهانهم معاني التربية الإسلامية وتأخذ طريقها على الواقع تطبيقا وعملا وسلوكا وجهادا .

وبعد أن أتم عمر المختار تعليمه في زاوية الجغبوب وظهرت عليه علائم النبوغ , والعبقرية قرر السنوسيون تعيينه شيخا على زاوية القصور بالجبل الأخضر قرب النرج ولهل هذه الوظيفة كانت امتحانا صعبا لقدرته على مواجهة المواقف العصيبة فقد كان في المنطقة التي تقع بها الزاوية قبيلة متمردة لا تعترف بالقوانين وأفراد هذه كان في المنطقة التي تقع بها الزاوية قبيلة متمردة لا تعترف بالقوانين وأفراد هذه القبيلة يحتاجون إلى أسلوب خاص في التعامل لاستئصال شأفة التمرد غيهم وانتزاعهم من حياة العنف إلى حياة التراحم والتعاطف والأمن والسكينة .

لا ريب أن عمر المختار كان يعلم دقة موقفه ولكنه استطاع بما أوتي من حكمه ولباقة ومرونة أن يطفي جذوة التمرد في نفوس أبناء هذه القبيلة وأن يبسط ف نفوسهم آداب الإسلام .

أن أول خطوة خطاها المستعمر الإيطالي للاستيلاء على ليبيا هي أنه أنشأ بنكا في سنة 1329 هجرية , وأعلن أن أهداف البنك هي مساعدة المعوزين من أبناء ليبيا إقراضهم بضمان الأرض حتي يتم السداد وإذا عجز المقترض عن الدفع استولي البنك على الأرض وبهذه الوسيلة استطاع البنك الإيطالي أن يستولي على مساحات كبيرة من الأراضي الليبية .

ثم إن إيطاليا أوفدت بعثة إلى طرابلس في سنة 1328 وأدعت أنها بعثة علمية يتقوم برحلة ميدانية للكشف عن معدن الفوسفات الموجود في الأراضي الليبية وتبين عند القبض عليها بعد قيام المعارك أنها بعثة عسكرية جاءت لوضع الخرائط الحربية ماذا صنع عمر المختار , وقد لاحت في الأفق نذر الشر من الحكومة الإيطالية ؟

انبعثت العزة الإسلامية ف ينفس العالم الفقيه وراح يستعرض في مخيلته ما يوجبه الإسلام في مثل هذه الواقف ماذا يجب على المسلمين أن يفعلوه إذا ابتدأهم طاغية بالعدوان وعلى الفور دعا عمر المختار عقد المؤتمرات لتهيئة البلاد نفسيا وعسكريا لمواجهة الغازي المستعمر .

كان يرتكز في دعوته إلى أن الإسلام دين قوة وعزة وجهاد وان المستضعفين في الأرض مصيرهم الدرك الأسفل من النار وأن من قتل دون أرضه فهو شهيد ومن قتل دون عرضه فهو شهيد ... وكانت ثقافته الدينية الواسعة أقي عامل في بعث الهمم ويتخذ العزائم .. مما جعل ليبيا كلها تتحول بين عشية وضحاها إلى معسكر يتأهب الجهاد ..

وفى الوقت الذي استعدت فيه ليبيا لمواجهة أى عدوان عليها أرسلت الحكومة الايطالية إنذارا إلى الحكومة العثمانية في 26 من سبتمبر سنة 1911 تهددها فيه باحتلال طرابلس وبني غازي بدعوي أن الحالة أصبحت جد خطيرة ضد الرعايا الإيطاليين وردت الحكومة العثمانية على الإنذار الإيطالي ردا ضعيفا متهافتا وطلبت أجزاء مفاوضات في هذا الشأن ولك الأسطول الإيطالي كان في طريقه إلى الساحل الليبية .

كان عمر المختار يقوم بجولة في مختلف المدن الليبية يحث الناس علي الجهاد وبينما هو في مدينة الكفرة إذا به يسمع أن بني غازي ضربها الإيطاليون بقذائف الأسطول وأن أهالي المدينة اشتبكوا ي قتال دام مع قوات المستعمر وأن لجهاد أصبح فرضا على كل مسلم ومسلمة .

عاد عمر المختار مسرعا حتي بلع " الخروبة" وجمع حوله آلاف المجاهدين وعسكر في مكان يبعد عن بني غازي بحوالي 20 كيلوا مترا ومنه استطاع ن يحدث الرعب والفزع القوات الإيطالية وأن ينزل بها أفدح الخسائر .

بدأ اسم عمر المختار يتردد في أورقة مبني الحكومة الإيطالية بروما ..,عرف ساسة إيطاليا ابن البادية الذي كان حتي عهد قريب رائدا دينيا قد أصبح أدق وأحكم قائد عسكري في ليبيا .

وإزاء عجز الحكومة الإيطالية وقواتها في البر والبحر والجو عن مقاومة هذا الفارس المسلم وإخوانه المجاهدين اتجهت إلى الاستانة صلحا مع الحكومة العثمانية وبهذا تنقذ البقية الباقية لها من كرامة وكبرياء ثم تحاول بعد ذلك أن تستولي على ليبيا بالخداع .

وقعت المعاهدة بين الدولتين في 21 أكتوبر سنة 1912 دون أن يعلم بها أحد في ليبيا ثم سحبت الحكومة العثمانية قواتها بحجة أن الحرب وضعت أوزارها ولكن المجاهدين لم يضعوا أسلحتهم ولم يطفئوا شعلة الجهاد بل ربضوا في مواقفهم ينتظرون ما تسفر عنه الأحداث .

وفي الفترة التي ساد فيها الهدوء المدن الليبية لأن الحكومة الإيطالية سحبت قواتها منها كانت هناك قمع واستبداد بالمجاهدين فقد زج ببعضهم في السجون واعتدي على ماشية وأغنام البعض الآخر .. وكان يقابل هذا اختطاف وقتل الضباط الإيطاليين مما جعل الحكومة الإيطالية تضج من كثرة عدد الضحايا وما أرغمها على إصدار قانون في سنة 1919 تعلن فيه أنها ستحكم البلاد دون قهر أو بطش .

ولكن الأحداث جرت سراعا ونشبت المعارك من جديد بين المجاهدين والقوات الإيطالية وظل عمر المختار يقود المجاهدين من موقعة إلى موقعة طوال عشرين عاما خاض خلالها أكثر من ألف معركة كما أ‘ترف بذلك أحد القواد الإيطاليين .

وبالرغم من أن عمر شارف على السبعين من عمره فإن جذوة الشباب ظلت متقدة في روحه وظل الشيخ الذي امتلأ جسده بالجراح يتمتع بقدرته القتالي ولا يخبو له عزم ولا تفتر له همة .

بيد أن الموت الذي تنحي عن طريق عمر المختار طوال عشرين سنة أمضاها في الجهاد وقف يترصد له في مساء الجمعة 28 ربيع الثاني سنة 1350 .

كان قد اتخذ من الجبل الأخضر معقلا للمجاهدين بعد أن استولي الجيش الإيطالي على مدينة ( الكفرة ) ومعظم لمدن الليبية .. وفي ذلك المساء لحزين خرج وبصحبته خمسون مجاهدا لاستطلاع قوات العدو ... ولكنه فوجئ بقوات ايطالية تحاصره من كل مكان .. ومع هذا ظل يبادلهم إطلاق الرصاص حتي أصيب جواده برصاصة وسقط على الأرض . عندئذ أسرته القوات الإيطالية وأبلغت حاكم المرج فأقبل مسرعا على طائرة خاصة , وأمر بنقل عمر المختار إلي ميناء سوسة ومن هناك ركب الطرد الإيطالي ( أوسيني ) وجيء به إلى بني غازي لمحاكمته .

لبث في سجن بني غازي أربعة أيام ثم حل موعد محاكمته يوم 3 جمادي الأولي سنة 1350 ولما سيق إلى ساحة المحاكمة وتلا عليه الكولونيل مارينوني قرار الاتهام لم ينكر عمر المختار تهمة واحدة ... وإنما قال : أنكم معتدون على أرضنا وبلادنا وأن الإسلام أوجب علينا الجهاد ضد الغاصبين المعتدين .. أنني لم افعل شيئا إلا تنفيذ تعاليم الإسلام .. فالإسلام يأبي الخضوع .. لأهله , والذل .. لمعتنقيه .

وجم القاضي الإيطالي حين سمع ما قاله عمر المختار ولم يلبث أن نطق بالحكم الذي أعدته الحكومة الإيطالية قبل المحاكمة وهو إعدام عمر المختار شنقا .

وفي اليوم التالي سيق المجاهد إلى ساحة الإعدام وظل يردد الشهادتين حتي صعدت أنفاسه الطاهرة إلى الملكوت الأعلي .

مصطفي لطفي المنفلوطي

ولد مصطفي المنفلوطي في بلدة " منفلوط " بصعيد مصر عام 1293هـ (1877)م.

تلقي علومه العالية في الأزهر زهاء عشر سنوات.

أتصل بالإمام محمد عبده ولزم حلقته واغترف من بحره واعتبره إماما في الإصلاح فاقتفي أثره .

أعجب مصطفي بسعد زغلول وبدعوته التحررية فتحزب له ودافع عنه بحرارة .

عاد إلى مسقط رأسه عام 1907 وبدأ بنشر مقالات اجتماعية وسياسية في جريدة " المؤيد "... تقلد مناصب مختلفة في دواوين الحكومة .. وتوفي وهو رئيس لطائفة من كتاب مجلس الشيوخ .. انطفأت شعلته وأسلم الروح في 12 حزيران عام 1924 فيكون قد عاش سبعا وأربعين سنة .

من طريف ما يذكر عنه انه لما جاوز الأربعين بقليل كتب مقالا عن سن الأربعين وذكر فيه أنه القمة من هرم الحياة ولم ينشر مقاله هذا إلا بعد موته ..

أقام له المجمع العلمي العربي بمدمشق حفلة تأبينية كبري وتحدث عنه كثير من الأدباء والشعراء وكان المنفلوطي في حياته مسلما يحامي عن دينه ويدافع بحماسة عن الإسلام والمسلمين يمقت المدينة الغربية لما فيها من أثام وفجور ويكره الاحتلال الانكليزي ويندد بالعملاء والمأجورين وخلف لنا المنفلوطي تراثا أدبيا كبيرا وقليلا من الشعر فله " النظرات بأجزاء ثلاثة و" العبرات " وروايات أشهرها " الشاعر " و" مجدولين" و الفضيلة "..

كتب عن الإسلام يقول :

نبئني عن الإسلام أين مستقره ومكانه وأين مسلكه ومضطربه وفي أى موطن من المواطن حل ومعهد من المعاهد نزل ؟

أفي الحانات والمواخير التي يغص بها الفضاء وتئن منها الأرض والسماء والتي ينتهك فيها المسلمون حرمات دينهم بلا خجل ولا حياء فكأنما هم يشربون الماء الزلال ؟

أم في حوانيت الباعة حيث الغش الفاضح والغبن الفاحش مزخرفا بالأقوال الكاذبة والأيمان الباطل ؟

أم في مجالس الأحكام حيث للدينار الأحمر السلطان الأكبر على سلطان العدل وسلطان الذمة وسلطان الشرائع اللهم إلا ما كان من تلك الألواح المكتوب فيها " العدل أساس الملك " أو " إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ".

أم في مجالس المتصوفة حيث الألعاب الجمبازية والحركات البهلوانية والسرقات باسم العادات وانتهاك الحرمات بعنوان البركات ؟

أن أراد المسلمون لأنفسهم نجاحا وللإسلام صلاحا فليبدؤوا عملهم بتهذيب العقائد الدينية وتربية النشء الجديد تربية إسلامية لا تربية مادية ..

كتب عن المرأة فقال ( إن المرأة المصرية شقية بائسة ولا سبب لشقائها وبؤسها إلا جهلها وضعف مداركها ...)

رحمه الله وجزاه عن أمة الإسلام خير الجزاء ..

من آثاره العلمية :

النظرات ثلاثة أجزاء

الشاعر

مختارات المنفلوطي

العبرات

ماجدولين

الفضيلة

في سبيل التاج


محمد أمين المصري

ولد محمد أمين في دمشق وفي ربوعها الخيرة نشأ وفي كريم أجوائها المتدينة المحافظة درج وشب وكان الناس يومذاك بين عالم ديني منقطع عن الحياة المعاصرة ويتبعه العامة وشاب متفرنج تقلي علوم الغرب بروح مجافية للدين فأضحي لا يبالي بالدين ولا يهتم به .

ونشأت ناشئة فاضلة من فتيان دمشق المسلمة تلقت من علوم العصر ما يتلقي أولئك المتفرنجون ولكنها لم تنس دينها ولم تنحرف عن الصراط المستقيم وبقيت وفية للإسلام وتعاليمه , مقيمة لحدوده وأحكامه , معلنة باعتزاز وإباء استمساكها به وتبنيها له .

كان أولئك الفتية يتلهبون حماسة ويمتلثون غيره فتنادوا للتعاون على الخير والبر والتقوي واتخذوا لهم من ربي جبل قاسيون مقرا يؤثرون إليه فيتدالون الرأي في الذي يجب عليهم أن يعلموا ويقرأون بعض كتب التراث كإحياء علوم الدين ليتزودوا ويلتفون حوله مجلة الرسالة يطالعون بنشوة وسرور مقالات الرافعي .. وكان فقيدنا [[محمد أمين المصري]] واحد من هؤلاء الشباب ..

وانتهت اجتماعاتهم المباكرة إلى العمل على إنشاء أول حركة إسلامية حديثة في بلاده بلاد الشام .

هكذا بدأت حياة الطالب محمد أمين المصري في ( مكتب عنبر ) عملا للإسلام ومواجهة للانحراف واستعدادا للمضي في المعركة إلى الرمق الأخير ... ويبدو .. كما يقرر ذلك إخوانا الكبير الأستاذ عبد الرحمن الباني – أن هذه القراءة في كتب الغزالي تركت أثرا كبيرا في حياة الدكتور أمين ظل حتي آخر حياته عليه رحمه الله ورضوانه والشئ الذي يذكره عنه الأستاذ الباني أن لدكتور أمين كان يتميز عن زملائه بإرادة صلب جعلته يطبق كثيرا مما يمر معه في الأحياء مهما كان هذا الذي يطبقه صعبا .

وكان – غفر الله له – يمتاز بالابتسامة المضيئة العذبة والحنان الدافئ والرفق الوفير والوفاء الجم لصاحب المعروف فكان يشكره ويذكره بكل خير وكان يتمتع برنة صوت محببة تزيدها الابتسامة الدائمة حلاوة وسحرا أما بشاشته واهتمامه بمن يلقي ومحاولة خدمته فشئ منقطع النظير .

سار أمين في ( مكتب عنبر) حتي حمل شهادة البكالوريا ( قسم الرياضيات ) ثم تابع دراسته في دار المعلمين حتي نال شهادة أهلية التعليم , وانتظم مدرسا في قرية ( داعل ) إحدي قري محافظة حوران ثم انتقل إلى دمشق مدرسا في مدرسة طارق ابن زياد فعاد إلي أولئك الفتية يواصل عمله معهم لرفعة الإسلام وكانت لديهم اهتمامات روحية وعلمية واجتماعية .

فمن مظاهر الاهتمامات الروحية في فقيدنا أنه التحق ببعض مشايخ الصوفية يلتمس تصفية نفسه وتزكية روحه والتزم بتكاليفها وظل إلى أن تبين له ما تنطوي عليه من فساد وانحراف فتركها محذرا منها مبينا ما رآه فيها من المساوئ.

ومن مظاهر الاهتمام العلمي تلك الندوات العلمية التي كان يسهم فقيدنا فيها إسهاما جيدا وحضوره دروس عالم الشام الشيخ محمد بدر الدين الحسني ودروس الشيخ ابن الخير ميداني وغيرهم .

ومن مظاهر الاهتمام الاجتماعي اشتراكه مع زملائه في إنشائه الحركة الإسلامية الواعية التي أشرت إليها آنفا .

ثم انتقل عمله إلى الثانوية فكان معيدا في التجهيز ومدرسا للدين فيها فزاد نشاطه في الدعوة إلى الله جدا لأن الذين يعلمهم شبابا لا أطفال وكانت الدعوة القومية في أوج نشاطها وانتشارها وذيوعها واستطاع بلباقة فائقة أن يشق طريقه في الدعوة في أوساط هؤلاء الشباب وأن يحقق ما يريده من الخير علي وجه يضمن له الاستمرار في عمله وكانت دعوته للإسلام في هذه المرحلة عن طريق الدعوة إلى الأخلاق .

وفي سنة 1941 ذهب إلى مصر للدراسة في كلية أصول الدين في الأزهر والداعي إلى ذلك استكمال معرفة هذا الدين والرغبة في إصلاح المسلمين ونال من هذه الكلية الإجازة ثم دخل معهد التربية وحمل شهادته .

وقد أعجب أيما إعجاب بالعالم العامل المجاهد الشيخ محمد الأودن رحمه الله ويبدو أن الصلة بقيت قائمة بينهما على أتم وجه وقد اصطحبني مرة إلى زيارة الشيخ الأودن في بيته في مكة رحم الله الجميع وكانت له صلة طيبة بالحركة الإسلامية في مصر وكان يحرص على حضور محاضرات الأستاذ البنا رحمه الله و محاضرات العلاقة السيد محمد الخضر حسين وكان يلقي بعض الخطب في الحفلات الإسلامية التي كانت تقام وله موقف مشهور في الجرأة في قول الحق ومواجهة الناس به وذلك أثناء حفلة أقيمت في دار جمعية الهداية الإسلامية في القاهرة .

وعاد أمين المصري إلى بلاد الشام فعين مدرسا في الثانوي وقد درس علوما عدة منها المنطق وعلم النفس .

ثم أرسل إلى باكستان ملحقا ثقافيا بالسفارة السورية عمل هناك على نشر العربية وتعليمها وألف في ذلك كتابا مهما وممن تخرج على يديه الأستاذ خليل أحمد الحامدي مدير دار العروبة للدعوة الإسلامية بباكستان ثم عاد ليعمل في وزارة المعارف يشترك في وضع مناهجها للتعليم .

وفي سنة 1956 سافر إلى انكلترا لدراسة الدكتوراه وكانت له قصة في اختيار موضوع الرسالة إذ أبي المستشرقون أن يكون موضوعه نقد " شاخت" فاختار موضوع في " معايير نقد الحديث عند المحدثين ".

وعندما عاد إلى الشام عمل في لجنة التربية والتعليم في وزارة المعارف ثم أستاذا في كلية الشريعة في جامعة دمشق ودرس فيما درس العقيدة ومصطلح الحديث وفقه السيرة.

وقد عهد إليه كلية التربية أن يدرس الطلاب المتخرجين من كلية الشريعة طرق تدريس الدين وألف كتابا في الطرق الخاصة للتربية الإسلامية ليفيد منه الذين يعدون للقيام بالتربية الإسلامية وتدريس العلوم في المدارس المتوسطة والثانوية .

ثم عمل في الحفل العام فتعاون مع رابطة العلماء في توجيه الناس ودعوتهم إلى الخير ثم اتخذ من جامع المرابط في حي المهاجرين بدمشق منطلقا للدعوة ... إذ كان يخطب فيه الجمعة ويلقي فيه الدروس وكان لنساء يحضرون في مكان خاص بهن وقد كان لهذا النشاط أثر كبير ولحقه بسببه غير قليل من الأذى .

كما عمل أيضا في خدمة المدارس الشرعية ولا سيما التي كانت تفتح ابوابها للطلاب الأتراك .

ثم هاجر إلى الحجاز بعد أن أدرك أن الظروف الصعبة التي قامت في بلده لا تتيح له أن يعمل ما يريد من أجل خدمة الإسلام فتراس قسم الدراسات العليا في كلية الشريعة في مكة ثم المدينة حذر من ابتعاث أبناء المسلمين إلى ديار الكفار ليتلقوا دينهم عن اليهود والنصارى وكان له نشاط مشكور في إذاعة المملكة العربية السعودية وتلفزيونها .

وق تبين له – تغمده الله في واسع رحمته – أنه لابد من قيام دعوة إسلامية قوية متميزة شاملة ووجد أن هذا هو السبيل الأوحد لإصلاح المسلمين وخدمة الإسلام وكان ينادي بذلك ولا سيما في أيامه الأخيرة .

كما تبين له – عن طريق التجربة الذاتية فساد لطرق الصوفية التي تدعي العمل لإصلاح النفس ومن أجل ذلك كان من أشد الناس حربا للدجالين القائلين بوحدة الوجود وكان يحذر من خطرهم أعظم التحذير ويعلن أن الخير كل الخير في إتباع ما كان عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم والسلف الصالح لهذه الأمة .

وكان رحمه الله محبا لخدمة الصالحين لا يبخل بجاهه ولا يتأخر عن مساعدة يملكها .

من آثاره العلمية :

1- كتاب الطرق الخاصة للتربية الإسلامية .

2- كتاب تعليم العربية ويقع في 4 أجزاء وهذا الكتاب ألفه خلال تعليمه العربية في باكستان .

3- الطفل السوي وبعض حالات شذوذه وقد ترجم هذا الكتاب عن الفرنسية بالاشتراك مع غيره ونشر في عدد خاص من مجلة المعلم العربي تصدر في دمشق .

4- محاضرات في فقه السيرة ( مطبوع على الآلة الكاتبة )

5- محاضرات في العقيدة ( مطبوع على الآلة الكاتبة )

وله عدد من المؤلفات التي لم تطبع بعد .

أبو الخير الميداني

1290-1380هـ -1875 -1961م

نشأ أبو الخير في حي العقيبة – أحد أحياء دمشق الأصيلة – فقيرا بعد أن رأت عيناه الدنيا سنة 1875م في ذلك البيت الذي أغمض فيه عينيه وودع هذه الحياة عام 1961 , وكان طبيعيا أن يختلف الفتي إلى المدارس كما يختلف إليها أترابه ولكنه لم يكن كسواه من الطلاب الذين يتعلمون ويلهون ويبطرهم الغني ويقعدهم اكسل .. بل كان أكثر زملائه جدا لم يعرف أنه قصر يوما في درس أو تواني عن واجب ... وهو – برغم فقره – ينال في كل امتحان الدرجة الأولي ويتفوق على غيره في كل علم وفن حتي نال أعلي الشهادات وأرقي الدرجات .. وأترابه كلهم يصفونه الود الخالص لما يتمتع به من لطف وإيناس وخلق رفيع نادر المثال ..

وكانت ( استانبول) في مطلع هذا القرن الميلادي عاصمة الخلافة ومقر الملك فيها المدارس العالية والمعاهد الكبري .. فكان على مثل ذلك الشاب النابه ( أبي الخير ) أن يشد الرحال إليها لينهل من معين العلم فيها ويعود - من بعد – إلى دمشق وقد تحقق أمله في أن يكون عالمها الفذ وأديبها الفريد ومعلمها الكبير ..

واستقبلت ( استانبول ) الفتي الذكي ورعته خير رعاية أعجب به معلموه وغذوه بالعلم والمعرفة وعقدوا عليه – لما رأوا منه – كبير الآمال ... ولكن رسالة صغيرة كتبت بالدموع جعلت الفتي يجمع متاعه ويودع معاهد شبابه ومعقد آماله ويعود لهيف الصدر إلى دمشق ... أنها رسالة الأم الباكية التي استبد بها الحنين وهزه الشوق فكتبت إليه تدعوه بدموعها فأسرع يجفف بقبلاته هذه الدموع ..

أكب الرجل هنا في دمشق على الدرس والتحصيل وأقبل على العلم يطلبه ي2صل فس سبيله الليل بالنهار في جد دائم وعزيمة صادقة فلا يدع حلقة درس تفوته ولا يترك شيخا إلا أفاد منه ... وتمر الأيام بحلوها ومرها والرجل في رياض العلم يطوف من ثمرها الطيب يجني ... ثم إذا هو بصفاء روحه ونقاء سريرته يسير في درب العلماء العاملين ويتقدم حثيثا في مدارج السكاكين .. ويصبح حديث الشام يغدو إليه طلاب العلم من كل مكان وفي زاوية صغيرة في حي الشيخ ( العقبة ) تسمي زاوية ( الأجري ) كان يجتمع كل يوم من حول الشيخ طلاب العلم فيعلمهم العربية والفقه والقرآن والحديث والأصول والتوحيد وكل علم فيه نفع في دنيا ودين ... وكانت دروسه – في التوبة والأجري – حديث المجالس والندوات لأنه – رحمه الله – كان يتخير دائما الموعظة الصالحة والحكمة الناصحة يعالج بذلك ما بالناس من أدواء يصلح ما يسود المجتمع من انحراف في أسلوب لطيف مؤثر يهز القلب ويهذب النفس .. ويرق ويلين حتي يلمس أوتار الشعور ويستّدر عبرة الخشوع ..

لم يكن الشيخ يتحدث بلسانه فحسب بل كان مؤمنا حاضر القلب يرشدك حاله قبل مقاله فلا تملك إلا تتأسي به وتنهج نهجه... ذلك أنه - رحمه الله – أن دعا إلى خير كان أسبق الناس إليه وأن أمر بمعروف كان الناس عملا به , وأن نهي عن منكر كان أبعد الناس عنه لا تجد في مجلسه إلا أمرا بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس وإذا ذكر الله وجل قلبه وإذا سمع آيات الله زادته إيمانا .. بوجه الناس إلى عدم التعليق بالدنيا وزخارفها فلا تجده إلا منصرفا عنها معرضا عن مغرياتها ... وإذا به حقا الصورة الصادقة للمسلم الزاهد في عصر سيطرت فيه المادة حتي طغت وتملكت قلوب الناس ولم ينج من شرها إلا من عصم الله وسما من تراب هذه الأرض ينعم هنالك في أجواء الملأ الأعلى بلذة الخلد ونعي الأبد .

كان يجلس إليه العلماء في الشام جلوسهم إلى المرشد الصادق يقبسون من علمه وهم علماء ويفيدون من حكمته وهم شيوخ ويتعظون بكلماته البسيطة اليسيرة وهم خطباء ويتعلمون منه وهو انب التسعين عزيمة المؤمن التي تقصر دونها عزائم الشباب ..

كان إذا حزب الناس في الشام أمر أو اعتدي على دينهم فاجر أو نال من أخلاقهم فاسق هرع علماؤهم وأهل الرأي فيهم إلى دار الشيخ ..وهناك على المقاعد المتواضعة في الغرفة البسيطة يعقد مؤتمر صغير تقول فيه دمشق كلمتها وتعلن رأيها فإذا الكلمات القليلة التي ينطق بها الشيخ في أناة وهدوء فتناقلها الألسنة وتتلقفها القلوب ,وصواعق ترتجف لها نفوس الأشرار , وتنهار بها عزائم – المفسدين .. فيتواري الباطل وجلا وينحسر الشر خزيا ... لأن الحق الذي ينطق به الشيخ باسم الإسلام نور الله الخالد فلا ينطفئ وأمر الله الغالب فلا يقهر ..

محمد المانع

هو محمد بن عبد لعزيز بن مانع من عائلة مشهورة بالعلم والفضل كان أبوه من العلماء وكان أبوه وعمه وجده ممن تولوا لقضاء ولد ببلدة عنيزة من أقاليم القصيم العوجان والشيخ محمد بن عبد الله بن سليم عالم القصيم واشتهر بشغفه الزائد بحب الكتب وطلب العلم . ثم رحل إلى بغداد ومكث بها عدة أعوام وتلقي العلم فيها على يد عدد من أشهر علمائها منهم المرحوم السيد محمود شكري الألوسي والشيخ نعمان الألوسي وانتقل منها إلى مصر وأقام بها فترة أخري حيث درس في الأزهر الشريف والتقي بعدد من العلماء والدعاة منهم السيد رشيد رضا والشيخ محمد عبده والشيخ حسين والشيخ محمود شلتوت كما كانت له رحلة إلى دمشق والتقي بكبار علمائها كالشيخ جمال الدين القاسمي والشيخ عبد الرزاق البيطار والشيخ سليم العطار والشيخ بدر الدين الحسني والشيخ حسن الشطي والشيخ جميل الشطي والشيخ عبد القادر بدران وغيرهم .

وقد استقدمه إلى البحرين المرحوم مقبل الذكير حيث بقي بها أربع سنوات يعظ في المساجد ويدرس ويعلم اشتهر في منطق الخليج بسعة لاطلاع وحسن الدعوة إلى الله فاستدعاه المرحوم الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني حاكم قطر إلى بلاده في سنة 1334هـ فأقام بها أربعة وعشرين عاما حيث تولي القضاء والفتيا وتزوج في قطر وأنجب أولاده الثلاثة الأساتذة : عبد العزيز المفتش بمعارف السعودية سابقا , وعبد الرحمن وكيل دار التوحيد سابقا, وأحمد مدير البعثات العلمية السعودية بمصر حاليا . وقد أنشأ أول مدرسة علمية في هذه المنطقة حوالي سنة 1336هـ استمرت نحو 17 عاما وخرجت جيلا من العلماء والمثقفين هم طليعة النهضة التعليمية في هذه البلاد وفي ساحل عما فتتلمذ على يديه عليه شيوخ قطر ومن تلاميذه أيضا الشيخ عبد الله بن زيد أل محمود والشيخ عبد الله الأنصاري والشيخ عبد الله بن تركي والحاج قاسم درويش والشيخ محمد حسن الجابر وعبد الله بن صالح الغزالي والمرحوم مبارك بن نصر والمرحوم مبارك بن فضالة والشيخ ابن دهيش قاضي مكة والمرحوم العلامة عبد الرحمن بن سعدي والشيخ ابن عثيمين الأديب المشهور وابن عتيق من فقهاء الرياض والشيخ أحمد بن حسن العالم السلفي في الشرقة وغيرهم .

وقد طلب إليه بعض تجار ساحل عمان أن ينتقل إليهم فتمسك به حاكم البلاد المرحوم الشيخ عبد الله بن قاسم فأوفدوا إليه عددا من أبنائهم على نفقه المرحوم على بن محمود نذكر منهم الشيخ مبارك بن سيف الناخي والشيخ محمد بن خافان ألبو خاطر والمرحوم محمد بن عبيد بن فايز من الشارجة والشيخ عبد الله بن محمد الشيبة والشيخ حميد انب فلاو والشيخ عبد الله بن حميد بن ثاني منعمان وكذا الشيخ محمد سعيد غباش من رأس الخيمة وكثيرا غيرهم .

وفي نحو سنة 1358 هـ . تقريبا ذهب لزيارة المملكة العربية السعودية ولما علم المرحوم الملك عبد العزيز بن سعود استقدمه للاستفادة من علمه و أسند إليه عدة وظائف وأول عمل تولاه أن عين رئيسا لهيئة التمييز العليا والإشراف على رئاسة الفتيا وجميع المحاكم لشرعية ورئاسة هيئة الوعظ والإرشاد .

تم تسلم رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعين بعد ذلك مديرا للمعارف في المملكة العربية السعودية فقام بتنظيمها مدة نيف وأربعة عشر عاما كان فيها مثال الدأب والاجتهاد وقد أدخل تعديلات كثيرة على نظم التعليم منها أنه استقدم العلماء من مصر والشام لأول مرة ومنها أنه افتتح مدارس نظامية عديدة في مناطق نائية من المملكة ووضع نظاما حسنا للتفتيش والمراقبة ومنها أنه انشأ دار التوحيد بمكة حيث سلمت إدارتها للعلامة الشيخ محمد بهجت البيطار ثم عينه الملك عبد العزيز رئيسا للمحكمة الشرعية العليا كما أسهم في نشاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وكان في كل ذلك يتمتع بتأييد الملك وإعجابه ولما توفي الملك عبد العزيز أنزله الملك سعود نفس المنزلة التي كانت له عند أبيه وعين مستشارا للمعارف واستمر كذلك حتي سنة 1377هـ حين طلبه سمو الشيخ على بن عبد الله الثاني حاكم قطر السابق من الملك سعود وأصبح مرافقه ومستشاره الديني ومن أجل أعماله في هذه الفترة الاشتغال بتحقيق عدد من الكتب النادرة وكان يقدم توصياته إلى الشيخ على الذي قام بطبعها ونشرها , ولا زال بعضها تحت الطبع فتجمعت من ذلك ذخيرة أدبية وفقهية قلما يوجد لها نظير في أية دولة عربية وتعتبر من مفاخر قطر إذ تزيد في جملتها على 60 كتابا تقع في نحو مائه وخمسين ألف مجلد توزع في سبيل الله وقد استفاد منها خلق كثير في شتي أنحاء العالم هذا بالإضافة إلى مجهوده الخاص في كثير من مسائل الإفتاء والتأليف وله عدة كتب مطبوعة منها الرسائل الثلاث وحاشية قيمة على دليل الطالب وطبعت معه وسبل الهدي شرح فيه شواهد شرح القطر وشرح العقيدة السفارتية وحاشية على العمدة وتحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر والقول السديد فيما يجب على العبيد, شواهد لمغني وكشف الغطا عما في أعلام الوري من الخطأ وحاشية على رسالة الكلنبوي في أدب البحث وغير ذلك وكان رحمه الله واسع الإلمام بالمؤلفات القديمة دائم المطالعة والبحث والإطلاع في علوم الدين والأدب والتاريخ وكان حريصا على حضور الصلاة في المسجد إلى آخر وقت من حياته ( قبل أن يقعد المرض حتى أنه كان يسقط أحيانا بين الصفين ) من الإعياء وهو يحاول أن يصلي من وقوف متكئا على عصاه بعد أن جاوز الرابعة والثمانين ولكنه ظل دائما متمتعا بذاكرته القوية وألمعيته الفكرية وكان دائم النشر لعقيدة التوحيد مظهرا للسنة منكرا للبدعة وكان مجلسه مقصد طلاب العلم لما فيه من مذاكرات في العلم والتعليق على الكتب ومباحث الدين .

أبو الأعلى المودودي

مولده ونشأته

ولد أبو الأعلى المودودي في 25 - 9- 1903 في مدينة ( أورنك أباد) في ولاية حيدر أباد في أسرة فاصلة اشتهرت بالدين والفضل والعلم تعرف بالأسرة المودودي نسبة إلى الشيخ ( قطب الدين مودود جشتي ) مؤسس الطريقة الجشتية في الهند خلال القرن السادس الهجري .

كان والده رحمه الله محاميا على ثقافة عالية ووعي عميق صدمته الحضارة الغربية التي انخدع بها كثيرون من معاصريه . وهذا ما دفعه إلى تعليم أولاده في المنزل وإلى عدم إرسالهم إلى المدارس الانكليزية ..

ولكن الحياة لم تمتد طويلا بهذا الأب الفاضل حيث وافتة المنية والمودودي لما يبلغ السادسة عشرة من عمره واضطر للانصراف إلى شئون البيت إلا أنه على الرغم من كل ذلك من يفتر عن مطالعة العلوم الإسلامية من ينابيعها الصافية وعن دراسة العلوم الحديثة من مصادرها الأصلية ... وهكذا أعد نفسه من الناحيتين الإسلامية والعصرية .

المودودي الصحافي :

بدأ المودودي حياته العملية صحفيا وتولي منصب رئاسة التحرير في كبريات صحف الهند مثل ( تاج) ( مسلم ) وصحيفة الجمعية في دلهي والتي كانت في طليعة المدافعين عن مصالح المسلمين وحقوقهم آنذاك . ثم أصدر مجلة شهرية مستقلة عام 1923 هي مجلة ( ترجمان القرآن) وكان لها دور أساسي في الحركة الإسلامية في القارة الهندية .

المودودي وافتراءات غاندي :

ولقد تصدي الأستاذ المودودي للتصريحات والمفتريات التي كان بها غاندي والتي تهدف إلى الطعن بالإسلام وإثارة الشبهات حول رسالته . ولقد فند المودودوي أكاذيبه في كتابه الشهير ( الجهاد في الإسلام) .

المودودي والغزو الفكري :

وتصدي الأستاذ المودودي للأفكار الغربية بإيمان وقوة وعلمية وجعل همه منحصرا في تنقيح الأفكار وغربلة الدعوات ومعالجة المشكلات السياسية والتربوية والاقتصادية وإفراغ التعاليم الإسلامية في قالب عصري يلائم مدراك أهل العصر وطبائعهم كما أنه كشف النقاب عن عورات الزنادقة والمنحرفين والقاديانيين وفن مزاعم منكري حجيه السنة وانتقد جمود بعض علماء المسلمين ..

المودودي يؤسس الجماعة الإسلامية :

تمخض كفاح الأستاذ المودودي وجهاده الدائب عن تكوين ( الجماعة الإسلامية ) في لاهور سنة 1941 وانتخب أميرا لها .. ولقد أعلن أن رسالتها هي الإصلاح الشامل الحياة المسلمين اليوم على أساس الإسلام النقي واتخاذ الشريعة الإسلامية دستور للبلاد ..

المودودي وقيام باكستان

لم يساند مسلم في الهند حركة باكستان بحماس كما ساندها الأستاذ المودودي حيث هب لإقناع المسلمين في الهند أنهم أمة متميزة وعليهم أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم في دولة خاصة بهم إذا ضد الاضطهاد الهندي عنهم .

هاجر المودودي إلى لاهور بعد التقسيم وكرس حياته كلها لإيجاد منهج إسلامي للحياة في باكستان تقوم عليه دولة إسلامية حقيقية ذات دستور إسلامي أصيل وبدأ يطوف البلاد من أقصاها إلى أقصاها حيث ثارت عليه ثائرة قادة الباكستانيين وأعوانهم من المنحرفين وألقوه في السجن عام 1948 ولكن الجمعية التأسيسية اضطرت للاستجابة لمطالب المسلمين فأصدرت قرارها الذي يعرف بقرار المبادئ اعترفت فيه بأن باكستان دولة لا يحكمها إلا الله تعالي وأفرج عن المودودي بعد ذلك عام 1950 .

المودودي يواجه الإعدام بسبب القاديانية:

لم يكن السجن ليستطيع أن يفل من عزم المودودي رحمه الله فلقد خرج من السجن أكثر نشاطا وحيوية وإيمانا فأنشأ حركة المطالبة بوضع دستور إسلامي للبلاد والتف الشعب حوله مؤيدا .

وفي هذه الأثناء طالبت أغلبية الباكستانيين في ( البنجاب) أن يعلن في الدستور أن ( القاديانية) أقلية منفصلة عن الأمة الإسلامية ... ففرضت الأحكام العرفية لإبطال هذا لمطلب فكتب عندئذ الأستاذ المودودي كتابه ( المسألة القاديانية ) يدعم فيه هذا المطلب ويشجب سياسة الحكومة . فألقي القبض عليه في مارس عام 1953 ثم حكم عليه بالإعدام فاستقبل الحكم بشجاعة وإيمان وقال ( إن كانت تلك إرادة الله فأني أتقبلها بكل فرحة وإن لم يكتب لى الموت في الوقت الحاضر فلا يهمني ما يحاولون فعله , فإنهم لن يستطيعوا إلحاق أقل ضرر بي )

وكانت ردود الفعل والاحتجاجات على هذا الحكم الجائز عظيمة جدا في جميع أنحاء العالم الإسلامي الأمر الذي اضطر السلطات لتخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة ثم أفرج عنه بعد إلغاء الأحكام العرفية فاستعاد نشاطه الإسلامي دون أن يؤثر فيه السجن أي تأثير ....

ثم تسلم المشير أيوب خان الحكم في باكستان بتاريخ 27 تشرين الأول 1958 وفرض الأحكام العرفية وحل جميع الأحزاب السياسية بما فيها الجماعة الإسلامية إلا أن هذا القرار لم يزد المودودي إلا تصميما على رفعة شأن الإسلام مهما كلفه من أمر الأمر الذي ساعده لإعادة الجماعة الإسلامية قانونيا ..

ولقد تزايد نشاط الجماعة الإسلامية حتي بلغ ذروته عام 1964 فغضبت الحكومة واعتقلت جميع زعمائها البارزين ولكنها وتحت ضغوط الجماهير تراجعت عن ذلك .

المودودي والصراع الهندي الباكستاني :

لم يمنع اضطهاد الحكومة الباكستانية للأستاذ المودودي من أن يقف بكل قوة وإخلاص ضد أطماع الهند في باكستان .. في أثناء الهجوم النهدي الغادر على باكستان عام 1965 وقف المودودي معلنا للمسلمين جميعا أن الدفاع عن الوطن هو الجهاد عينه . وأن كل من يعين البلاد في صد العدوان مجاهد ..

كذلك قام الأستاذ المودودي بشن حملات عنيفة على الوحشية الهندية ضد مسلمي كشمير وعارض قرارات وقف إطلاق النار وقرار طشقند 10- 1 – 1966 لأنها تمثل انتصارا سياسيا كاملا للهند ..

وهكذا استمر الأستاذ المودودي يقود الجماعة الإسلامية في أدق مراحلها وأصعبها بشجاعة وإيمان وقوة إلى عام 1972 حيث وجد أن حالته الصحية لم تعد تسمح له بذلك فسلم أمانته الثقيلة إلى الأستاذ محمد طفيل ولكنه بقي المرجع الرئيسي للجماعة بالإضافة إلى تفرغه للعمل الفكري إلى أن أسلم روحه الطاهرة إلى خالقها بتاريخ 22 أيلول 1979 بعد مرض عقبته عملية قرحة أجريت له بنيويورك حيث كان في زيارة لأبنه الذي يعمل طبيبا هناك .

نشاط المودودي خارج باكستان :

لم يقتصر نشاط المودودي خارج باكستان :

لم يقتصر نشاط المودودي على باكستان , وإنما تعداه إلى جميع الأقطار الإسلامية ... فلقد زار فلسطين والجزيرة العربية ومصر وغيرها ... ووضع في عام 1961 خطة كاملة لتأسيس الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة كما سخر كل قواه وجماعته لمناصرة المسلمين في تحرير فلسطين تحريرا كاملا وليس جزئيا .

وفي دورة انعقاد مؤتمر العالم الإسلامي المنعقد في مكة عام 1966 أكد المودودي بصفته أحد مؤسسي هذه الرابطة على الحاجة الملحة لاكتفاء كل قطر إسلامي ذاتيا من الناحية العسكرية ..

أثاره العلمية :

خلف الأستاذ المودودي ثروة علمية ضخمة منها :

- مبادئ الإسلام

- [[المصطلحات الأربعة في القرآن

- نظرية الإسلام الخلقية

- الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية

- الحجاب

- تفسير سورة النور

- موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه

- واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم

- الجهاد في سبيل الله

- الإسلام والجاهلية

- شهادة الحق

- الدين القيم

- منهج جديد للتعليم والتربية

- أسس الاقتصاد

- معضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام

- مسألة ملكية الأرض

- القانون الإسلامي

- نظام الحياة في الإسلام

- واجب الشباب المسلم اليوم

- البعث بعد الموت

- الثبوت العقلي للرسالة المحمدية

- نحن الحضارة الغربية

- المسألة القاديانية

- البيانات

- الحضارة الإسلامية أصولها ومبادئها

- حركة تحديد النسل في ميزان النقد

- تذكرة دعاة الإسلام

- أضواء على حركة التضامن الإسلامي]]

- الإسلام والمدينة الحديثة

- في محكمة العقل

- بين الدعوة القومية والرابطة الإسلامية

- العدالة الاجتماعية حقيقتها وسبل تحقيقها

- حدود التشريع الإسلامي ومكانة الاجتهاد فيه

- نحو ثورة إسلامية

- الانقلاب الإسلامي


(ن)

تقي الدين النبهاني

مصطفي نجا

محمود نشابه

محمد نصيف

سعيد النورسي


الشيخ مصطفي نجا

ولد الشيخ مصطفي بن محمد نجا في بيروت فجر يوم السابع والعشرين من رمضان سنة 1229 هـ 1851 وما أن أيفع حتي بادر إلى تلقي علومه الشرعية والأدبية عن كبار العلماء أمثال مفتي بيروت العلامة الشيخ عبد الباسط الفاخوري والإمام المحدث الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي والشيخين أحمد بن المفضل ومحمد ابن سعيد السلاوي من علماء المغرب والشيخ محمد بدر الدين الحسني محدث الديار الشامية كما أخذ الطريقة الشاذلية عن الشيخ على نور الدين اليشرطي التونسي .

وفي العقد الثاني من عمره اتجه إلى العمل في التجارة وذلك لعدم ميله إلى المناصب ولكن أعماله في هذا الحقل لم تكن لتمنعه من النهوض بأعباء رسالته في ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فثابر على بذل النصح للمسلمين وإرشادهم إلى ما فيه صلاح أمرهم في الدنيا الآخرة ومن مؤلفاته المطبوعة كتاب " كشف الأسرار لتنوير الأفكار " وقد قرظه عدد كبير من العلماء في مقدمتهم العلامة الجليل الشيخ عبد الباسط الفاخوري وله رسالة في التربية والتعليم سماها " نصيحة الإخوان بلسان الإيمان " أورد فيها فصولا تتضمن إنكار المحدثات والبدع في التعليم والتثقيف كما حذر فيها من مغبة قيام المسلمين بإلحاق أولادهم في المدارس التبشيرية التي أنشأتها البعثات الأجنبية في البلاد وردا على ما كانت تقوم به هذه المدارس من تضليل لنشء بهدف تغريبه وإبعاده عن دينه وتراثه .

جهاده في التربية والتعليم :

لبي الشيخ مصطفي نجا الدعوة لتسلم رئاسة لجنة ( مدرسة ثمرة الإحسان الإسلامية ) التي أنشئت في مطلع هذا القرن وظل قائما بشؤونها مدة سبع سنين حيث شارك في التعليم فيها وتوجيه هيئتها التعليمية لتعلم أصول ترتيل القرآن الكريم وعلوم الدين وقد اعترض سنة 1920 على تبرج المعلمات وشجب النتائج السيئة المترتبة على ذلك , فكتب إلى مدير المعارف يقول :" إن أكثر المعلمات يأتين إلى مدارس البنات متبرجات بزينة تفتن العباد في هذا العمل وأدي ذلك إلى ما لا خير فيه والمعلمة لا تكون على هذه الصفة لأنها معلمة الأخلاق ومعلمة الآداب مصلحة غير مفسدة فيجب أن تكون كالمرأة في حشمتها وثيابها البسيطة وإلا كانت من أعظم البليات على الوطن ".

وزع أمواله ورفض زيادة راتبه بعد توليه منصب الإفتاء .

وكما أوقف الشيخ مصطفي نجا وقته على تعليم المسلمين أمور دينهم ودعوتهم إلى الخير فقد جعل حياته وقفا على رعاية المحتاجين والفقراء منهم فكان بذلك خير قدوة جعلت منه محطا لأنظار المسلمين ومعقدا لأمالهم هذا ما جعلهم يتتبعون برجاء نتائج المحاولات التي قام بها وجهاء بيروت والعلماء فقناعه بقبول منصب الإفتاء الذي ظل شاغرا بضعة أعوام عقب وفاة الشيخ عبد الباسط الفاخوري رحمه الله ولكن عزوف الشيخ مصطفي نجا عن قبول المناصب وأعراضه عنها كان حدا سريعا لهذه المحاولات وسدا منيعا بين القائمين بها وبين الأمل بنجاحها وكثيرا ما كان يلجأ إلى التعبير عن شعوره بمدي ثقل الأمانة وما يترتب على التقصير في حمل تبعاتها فيقول للذين يلحون عليه بقبول منصب الإفتاء :" ذروني من متاعب هذا المنصب فلست من الذين إذا وسد لهم هذا الأمر ينصرفون إلى الراحة , بل لابد لي من القيام بمصالح العباد وهي لا تعد وإلا فإني مسئول أما الله إذا أهملت طلب أى كان ومصالح الناس كثيرة وهي ذمتي إذا قصرت عنها فذروني من المناصب وخلوا بيني وبينها " ولكن شاء الله إن لا تذهب الجهود التي بذلت لإقناعه عبثا فما أن أعلن الدستور سنة 1908 حتي عرضت المسألة على مجلس الولايات فتم بحثها مع المعروضات المشتملة على آلاف من الأختام وبينها عرائض أهالي طرابلس وصيدا وصور ومرجعيون وكلها تطالب بتعيين الشيخ مصطفي نجا مفتيا ثم لجأ المجلس إلى تنظيم المضبطة القانونية بذلك وأبرق ملاذ الولاية إلى مقام مشيخة الإسلام في اسطنبول بطلب التصديق فتم تعيين الشيخ مصطفي نجا مفتيا لبيروت في 8 ربيع الأول 1327 هـ 1908 م. ورضخ العالم الجليل لمشيئة الله فغمرت الفرحة قلوب المسلمين وهبوا يحتفلون بمفتيهم الأكبر ونظموا العديد من القصائد بهذه المناسبة.

عارض الانتداب ورفض فصل المحاكم الشرعية عن الدولة بعد قرار عصبة الأمم بوضع البلاد المحتلة تحت الانتداب وجهت اللجنة الأميركية التي وصلت بيروت لاستفتاء الأهالي – الدعوة إلى اجتماع للمشاورة حضره عشرة من العلماء وعشرة من أعيان المسلمين ولما تشعبت لآراء أدلي المفتي الأكبر برأيه فقال " أنني أري أن نرفض انتداب أية دولة على بلادنا لأن الانتداب يعني الوصاية وهي لا تكون إلا علي قاصرا أو مجنون ونحن لسنا كذلك بل بحمد الله عقلاء والانتداب اسم مخترع يراد به الاستعمار الذي تتفاني الشعوب المستعمرة برفع نيره الثقيل عن كواهلها " فصادق المجلس على قوله ولكن سياسة الدول الثلاث قضت رغم ذلك بانتداب فرنسا على البلاد ولم ينس جورج بيكو – حاكم بيروت في بداية عهد الاحتلال موقف المفتي ومعارضته للانتداب فوجه إليه دعوة للاجتماع على انفراد بواسطة السيد عبد القادر الدنا وما أن بدأ الاجتماع وانتهي الترحيب حتي بدأت مرحلة " الهمس الهادف " وفيها وجه القنصل الفرنسي كلامه للمفتي قائلا :" يا صاحب السماحة " أنني وجميع من عرف ذاتك المحترمة ومبادئك الشريفة من الفرنسيين نقدر حبك للخير والدعاية إلى السلام وبما أنك رئيس الطائفة الإسلامية الكريمة فإني أقدم إليك هذا " المغلف " الذي يحتوي على 36 ألف ليرة مصرية لك أن تتصرف بها أو توزعها على السادة العلماء , أو لإصلاح المساجد " فنهض المفتي الأكبر من مجلسه بوقار يشوبه انفعال الرجل الشريف وقال :" لا حاجة لى بالمال فأنا وإخواني من أهل العلم لكل منا وظيفة براتب يكفيه وكذلك المساجد لى بالمال فأنا وإخواني من أهل العلم لكل منا وظيفة براتب يكفيه وكذلك المساجد فلها أوقاف تفي باحتياجاتها " ثم غادر الاجتماع منصرفا بين دهشة جورج بيكو والصدمة التي تلقاها على يدي العالم الجليل المترفع عن دناياه الهامسين ومغلفاتها الملغومة .

وعندما أرادت الحكومة فصل المحاكم الشرعية عن الدولة تلقي دعوة الحضور اجتماع يعقد من أجل المصادقة على ذلك فحضر وبعد الترحيب به قال المستشار :

إليك يا سماحة المفتي قرار الحكومة الذي صادق عليه مجلس النواب بإرجاع الأوقاف الإسلامية إلى الطائفة على أن تفصل المحاكم الشرعية عن الدولة وأن تصرف رواتب موظفيها من صندوق الأوقاف " فاستشاط المفتي غضبا واعترض على القرار قائلا " لم نكن ننتظر من الحكومة مثل هذا الاجحاف بحقوقنا المكتسبة منذ أجيال أما تعلم الحكومة أن هذه البلاد إسلامية إلا فلتعلم أن القانون قد اعتبر المحاكم الشرعية ودوائر الإفتاء رسمية ومن ثم يكون من الواجب استيفاء الرواتب من صندوق الحكومة لا من مال الأوقاف المشروط إنفاقه على أمور معينة لا يجوز الصرف منها على أشياء لم تتعين لها وعليه فإني أرفض قرار الحكومة وأطلب إلغاءه " وما أن انتهي كلامه حتي تم إلغاء القرار نزولا لا عند رغبته .

الشيخ محمود نشابه

ولد الشيخ محمود بن عبد الدائم نشابه في مدينة طرابلس سنة 1225 هجرية وتوفي فيها سنة 1308 وهو نفس العام الذي فجعت فيه طرابلس – أيضا بفقد زميله الشيخ عبد الغني الرافعي . لم يتلق الشيخ محمود من العلوم شيئا في مسقط رأسه لكونه بارح طرابلس إلى القاهرة يافعا والتحق لتوه بالأزهر الشريف حيث أمضي في طلب العلم هناك زهاء ثمانية عشر عاما عاد بعدها إلى طرابلس عام 1266 هـ وباشر رسالة التعليم والإرشاد في الجامع المنصوري الكبير .

وكان – رحمه الله - يلقي دروسه على فترتين ولفئتين : فترة كان يخص بها العوام ويبث علومه فيهم في الجامع المنصوري الكبير وفترة كان أعدها للخواص يلقي عليهم دروسه في مدرسته الخاصة المواجهة للجامع المذكور .

ومن العلماء الأجلاء الذين كانوا يحضرون على الشيخ محمود نشابه دروسه في المدرسة – علاوة على السيد رشيد رضا :- مفتي طرابلس الأسبق مصطفي كرامي – والشيخ علي رشيد الميقاتي والشيخ عبد الفتاح الزعبي والشيخ عبد اللطيف نشابه وكثير غيرهم من العلماء الهداة والأعلام الدعاة .

حفظ الشيخ محمود القرآن الكريم وتعمق في مختلف العلوم الدينية والأدبية وتفوق فيها تفوقا ملحوظا بدليل أنه – رحمه الله – بعد أن أتم دراسته في الأزهر وعاد إلى طرابلس ولم يكن كبار علمائها إذ ذاك على بينة من مدي تحصيله ففاجاؤه في أثناء درسه الهام في الجامع الكبير بمائة سؤال وسؤال كانت إجابته عليها كلها صحيحة وموقفه , اقروا له عندها بفضله,واعتمدوا قطبا –مثلهم - من أقطاب العلم .

هذا وللشيخ محمود نشابه – علاوة على المخطوطات – عدة مؤلفات مطبوعة نذكر منها :

أ‌- الدر الثمين في أحكام تجويد الكتاب المبين .

ب‌- حاشية على متن البيقونية في مصطلح الحديث

ت‌- نثر الداري على شرح الفناري .

ث‌- العقود الدرية على الأسئلة النحوية للشيخ عبد الغني الرافعي .

ج‌- تعليق على شرح الضناوي في المنطق .

ومما يروي عن الشيخ محمود – رحمه الله – أنه بينما كان – يوما – يلقي درسه الخاص في مدرسته إذ قدم إليه مدحت باشا " الصدر الأعظم العثماني " وجلس بين المستمعين فلم يهم الشيخ محمود للقائه والترحيب به حتي فرغ من درسه عندها تقدم منه الصدر الأعظم وقبل يده ثم استوضحه عن الراتب الذي تقاضاه أجرا على درسه فأجابه الشيخ محمود بأنه ينشر العلم حسبه لوجه الله مبتغيا في ذلك وجه الله ودون أى مقابل .

ولما أمر له الصدر الأعظم بمكافأة شهرية أبي الشيخ قبولها وآثر البقاء على موقفه لا يسأل على نشر العلم أجرا .

وهكذا باختصار أمضي الشيخ محمود حياته كلها زاهدا في الدنيا ومتاعها بعيدا عن الحكام لم يقصد أحدهم بتأليف ولم يرتبط به في مدار .

سعيد النورسي

المقلب بـ" بديع الزمان"

مولده وصدر حياته

ولد بتاريخ 1293هـ 1873 م في قرية صغيرة تابعة لقضاء ( هيزان ) في ولاية ببدليس بتركيا من أبوين كرديين .وبعد أن تم له من العمر تسع سنوات بدأ يتجه إلى طلب العلم متأثرا بتوجيهات أخيه الكبير : الملأ عبد الله .

فراح يتنقل بين مختلف المدارس المبثوثة حوله في القري والأقضية ولم يكد يتم له من العمر ثمانية عشر عاما حتي أصبح في عداد فحول العلماء فقد أتقن في هذه الفترة جميع ما مر عليه من علوم الآلة :" علوم اللغة والعلوم العقلية على اختلافها " وعلم الأصول والفقه وعلوم القرآن . وانكشفت مواهبه عن ذكاء حاد وحافظة عجيبة مذهلة فحفظ جملة من مقامات الحريري وحفظ القاموس المحيط إلي حرف " السين" وحفظ كتاب جمع الجوامع في أصول الفقه في ما لا يزيد عن شهر واحد حتي أصبح اسمه حديث المجالس بين أهل العلم وطلابه وسرعان ما أصبح يلقب بينهم بـ" سعيدي مشهور".

ولقد أيقظت مزياه هذه , عوامل الحقد عليه في نفوس كثير من أهل العلم والدين لم تتحل نفوسهم بمزايا المسلمين – وما أكثر هؤلاء في كل عصر ومكان – فراحوا يحدقون به ممتحنين لهمرة وواشين به إلى بعض الأمراء والولاة الأخرى ولكن علمه الغزير وتواضعه العجيب كانا ينجيانه مما يراد به من سوء . ولقد أحدق به ذات يوم بعضهم ... قاصدين إيذاؤه فقال لهم : اقتلوني .. ولكن أرجوا أن تحافظوا على مكانة لعلم وسمعته !" وسمع وإلي سعرت بالأمر وكان يقدر بديع الزمان فقصد إلى معاقبة الذين حالوا إيذاءه, ولكنه عارضه قائلا :" نحن طلاب العلم , نتخاصم ... ونتراضي .. ولذا فلا أري من الحسن أن يتدخل في شأنهم من ليس منهم على أن الخطأ كان مني !...." قال هذا وعمره لا يزيد على السادسة عشرة !

شكل حياته في هذه الفترة :

بدأ سعيد النورسي حياته بالزهد والتقشف وسلوك سبيل الفلاسفة والحكماء وهذا السبيل الذي اختاره سعيد النورسي لنفسه منذ فجر شبابه – وإن كان الإسلام لم يلزم أهله أن يحضروا أنفسهم فيه – يدل على أن نفسه وتفكيره كانا منصرفين منذ صباه عما تنشغل به نفس كل إنسان في هذه السن , وعلى أن أمورا جليلة أخري كانت تستأثر بفكره وهمه .

وكان يتخذ من مبدأ :" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" دستورا لحياته فكان يسير به هذا الدستور نحو الورع والحيطة في جميع شؤونه حتي أنه كثيرا ما كان يقتات بالأعشاب حينما يتوفر له القوت المطهر من كل ريبة .

وكان يحرص دائما على أن يترك شيئا من طعامه للنمل !.. فإذا سئل عن ذلك أجاب : ( أنها مكافأة مني لنظام هذه الأمة وجمهوريتها الرائعة ) وكان شغوفا بطول الإقامة عند قبر الشيخ أحمد الخاني الشاعر الكردي المشهور , رغم الوحشة المحيطة حول القبر .

غير أنه كان إلى جانب هذا مصارعا عظيما ذا هوي بحمل الأسلحة المختلفة استعمالها والرمي وركوب الخيل ذا روح عسكرية عالية وكان يتحلي في ذروة هذه الصفات بشجاعة نادرة لا يقيم لمخلوق وزنا رغم صغر سنه دخل ذات يوم على رئيس عشيرة " ميرا " مصطفي باشا وكان ظالما يستهين بحقوق الله وحقوق الناس فلما نظر إليه الباشا قال له :

لماذا جئت إلى هنا ؟

فقال : جئت لأشادك فأما أن تسمع وتطيع وأما أن أقتلك !..

فغضب الباشا .. ثم نظر إلى سيف بيد بديع الزمان قائلا :

بهذا السيف القذر تقتلني؟

فقال : السيف لا تقطع ... وإنما اليد

فقال الباشا مغضبا : لى علماء كثيرون في هذه الجزيرة فإن تغلبت عليهم أجبتك إلى ما تقول وإلا فسألقيك في نهر الفرات .

فقال بديع الزمان : كما أنه ليس من شأني أن ألزم جميع العلماء فليس من شأنك أن تقليني في البحر ولكن أريد منك إن أجبت على أسئلة العلماء أن تكافئني بإعطائي بندقيتك فإن لم تجبني إلى نصيحتي قتلتك بها :

وجمع الباشا له العلماء .. وكسب بديع الزمان الشرط ... وتاب الباشا على يده توبة صادقة ؟.

بدء اشتغاله بالسياسة :

أخذ سعيد النورسي يهوي حياة السياسة منذ أن ناهز العشرين من العمر وبدأت حياته هذه في ماردين ولما رأي وإليها صراحته وقوته في معارضة الأمور نفاه إلى بدليس ولكن سرعان ما تمكنت صداقة قوية بينه وبين وإلى بدليس جعله يعيش فيها مكرما معززا .

وفي صدر حياته هذه شعر بالحاجة إلى العلوم الكونية والطبيعة التي لم يكن قد تمكن فيها بعد فانكب على دراستها وفي فترة قصيرة أتقن علوم التاريخ والجغرافيا والرياضيات والجيولوجيا والفلسفة القديمة والحديثة وبعض اللغات الأجنبية وكان هذا لنبوغ العجيب مثار حديث الصحف والجرائد ثم كان سببا لأن يتفق العلماء على منحه لقب " بديع الزمان " .

وكان بحكم حياته السياسية الجديدة يطالع الجرائد صباح كل يوم فاطلع ذات يوم في بعضها على خبر مثير وهو أن وزير المستعمرات البريطاني قال في أحد الاجتماعات الخاصة :

ما دام القرآن بين أيدي المسلمين معززا فإنه سيعيق سبيلنا لابد من إخفاء هذا الكتاب عنهم أولا !...

فثار بديع الزمان وأعلن لمن حوله أنه سوف يكرس حياته كلها لخدمة القرآن والكشف عن المزيد من مظاهر إعجازه .

وما هو إلا أن قصد استانبول سعيا وراء تأسيس مدرسة تضاهي الجامع الأزهر باسم " الزهراء " وما أن حل في استانبول حتي راحت الصحف تتحدث عنه وكتبت إحداها هذه العبارة ( طلع في أفاق استانبول إنسان يحمل شعلة نارية من الذكاء لعجيب ).

وصادفت أن كان الشيخ بحيث شيخ الأزهر إذ ذاك قادما إلى استانبول في زيارة سياحية فالتقي بديع الزمان في بعض المجالس ودار بينهما حديث طويل ثم وجه الشيخ بخيت إلى بديع الزمان هذا السؤال .

- ما قولكم في الدولة العثمانية والأمة الأوربية ؟

- فأجابه بديع الزمان باللغة العربية :

- " إن أوربا اليوم حاملة بالإسلام وستلده يوما ما والدولة العثمانية حاملة بالنهج الأوربي وستلده يوما ما "..

فقال الشيخ بخيت معجبا: إن مثل هذا الشاب لا يناظر .. إن جوابا وجيزا بليغا صادقا مثل هذا الجواب لا ينطق به إلا من كان مثل بديع الزمان .

- وحينما ظهرت في سنة 1908 حرية محمد رشاد وجمعية الاتحاد والترقي التي كانت تتقنع بالدين ظاهرا وتخفي رجس الماسونية واليهودية باطنا بادر بديع الزمان فألف جمعية إسلامية باسم " الاتحاد المحمدي " سرعان ما انضم إليها من شتي أطراف الدولة العثمانية آلاف الناس .

- ولقد ظهرت براعته السياسية في أسلوبه الذي اتخذه لحرب جماعة الاتحاد والترقي لقد رأي أن الحرب الصريحة للاتحاديين لا تفيد لافتتان بسطاء المسلمين وكثير من الشيوخ بالظهر الذي اتخذوه لأنفسهم إن حرب مثل هذه الجمعية تعني لدي أولئك البسطاء محاربة الإسلام فراح بديع الزمان ينادي بنفس الشعار الذي ينادي به الاتحاديون وهو : الحرية ولكنه أخذ يلح على ربط هذه الحرية بتشريع الإسلام ومبادئه وعقيدته وراح ينشر المقالات الثورية ضاربا فيها على هذا الوتر بعنف وشدة وكان ينادي بلهجة المنذر قائلا :

- إن لم نلتحي إلى الحرية التي خط طريقها الإسلام فإن استبدادا واستعبادا عظيمين سيلحقان بنا وسنصبح ضحية للحرية عما قريب.

كان هذا الأسلوب هو السبيل إلى تنبيه الناس لخطر يجثم في رأس الاتحاديين في الوقت الذي لا يستطيع الاتحاديون أخذه بأي جزيرة لأنه ينادي بنفس شعاراتهم بيد أنه كان يسعي بهذه الشعارات نحو تكتل إسلامي سريع على حين أنهم كانوا يستخدمونها لشل قوة الإسلام ووضع القومية الطوارنية مكانها .

ولقد أثار عمل بديع الزمان هذا مخاوف الماسونيين الذين كانوا من وراء الحركة الاتحادية فأرسلوا رئيس محفلهم الثري اليهودي العظيم :" قرصو" لمقابلته ولكنه ما لبث أن خرج من عنده قائلا لرفاقه :

لقد كاد هذا الرجل العجيب أن يزجني في الإسلام بحديثه !

وقرصّوا هذا هو أول صهيوني ماسوني عمل على قلب الخلافة العثمانية وخلع السلطان عبد الحميد واستلاب فلسطين .

المحاكمة الأولي لبديع الزمان :

لم يجد الاتحاديون من سبيل أمامهم أخيرا سوي القبض على بديع الزمان فقبض عليه في حادثة 31 مارس ( آذار ) 1909 التي أعدم فيها 15 مسلما وقدم إلى نفس المجلس الذي حوكم فيه هؤلاء ولعل القصد كان تخويفه من العاقبة التي حلت بهم ... وبعد أن حكم على خمسة عشر بالإعدام توجه رئيس المحكمة " خورشيد باشا " إلى بديع الزمان قائلا : وأنت أيضا تدعو إلى تطبيق الإسلام ؟ وطلب منه أن يتكلم بما لديه .

فقام وألقي على سمع المحكمة كلاما رائعا كان من الجدير أن أنقله كله للقارئ لولا ضيق الصفحات .. كان من جملة ما قال :

"... لو أن لى ألف روح لما ترددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام .. لقد قلت في حادثة أنني طالب ... ولذا فأنا أزين كل شيء بميزان الشريعة أنني لا أ‘ترف إلا على ملة الإسلام .. أنني أقول لكم وأنا أقف أمام البرزخ الذي تسمونه السجن في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الآخرة لا لتسمعوا أنتم وحدكم بل ليتناقله العالم كله .

لقد حان للسرائر أن تنكشف وتبدو من أعماق القلب .. فمن كان غير محزم فلا ينظر إليها .

أني متهئ بشوق إلى قدومي للآخرة وأنا حاضر للذهاب مع هؤلاء الذين علقت مشانقهم تصوروا ذلك البدوي الذي شاقه الحديث عن استانبول للقدوم إليها أنني مثله تماما في شوقي إلى الآخرة والقدوم إليها .. أن نفيكم إياي إلى هناك لا يعتبر عقوبة... إن كنتم تستطعيون, فعاقبوني المعاقبة الوجدانية ..

لقد كانت هذه الحكومة تخاصم العقل أيام الاستبداد .. والآن فإنها تعادي الحياة وإذا كانت الحكومة هذا فليعش الجنون ... ولعش الموت .. وللظالمين فلتعش جهنم !

لقد سألتموني : هل أنت داخل في جمعية الاتحاد المحمدي ؟ وأنا أقول لكم : مع الفخر من أصغر أفرادها ولكن هل لكم أن تخبروني من هم الذين يوجدون خارج هذه الجمعية غير المجانين والسفهاء ؟

وكانت جريمتي الأخرى أنني تصديت للرد على دعاة الماسونية والإلحاد من أصحاب الصحف وقلت لهم أن على الأديب أن يكون أديبا في دعوته ... خصوصا إذا كان سمع الأمة ولسانها وأنني أقول الآن : كما أنه لا يناسب الشيخ الوقور أن يلبس لباس الاقصين فكذلك لا يناسب استانبول أن تلبس أخلاق أوربا ..."

وسرعان ما نشرت الصحف خطابه هذا الذي يزيد على عشر صفحات كبار وتناقلته الألسنة وتجمهر آلاف المسلمين من اتباع بديع الزمان وغيرهم حول مبني المحكمة يهدرون بالوعيد ويهتفون بملء الحناجر :

فلتعش جهنم للظالمين ... ولعش الموت للمخربين ..

وكانت النتيجة أن حكم على بديع الزمان بالسجن لمدة ... ولكن سرعان ما أخلي سبيله .

لم يدم بديع الزمان في استانبول كثيرا بعد ذلك , حيث اتجه إلى وان وهناك انصرف للتعليم والتوجيه والتأليف.

بديع الزمان القائد الحربي المتطوع :

ولما قامت الحرب العالمية الأولى تطوع فيها برتبة ضابط كبير وكان يعود في أمسيات الحرب إلى معسكره حيث يتحلق من حوله فيدارسهم علوم القرآن ومن أعجب الأمور أنه ألف في تلك الغمرة كتابه لرائع : ( إشارة الإعجاز) وهو أول مؤلف له بالعربية .

بديع الزمان أسيرا في يد روسيا :

وقع بديع الزمان أسيرا في تلك الأثناء بيد الروس وذات يوم دخل إلى معسكر السري قائد روسي فقام جميع الأسري ما عدا بديع الزمان .

فنظر إليه القائد قائلا : لعلك لا تعرفني !

فقال بديع الزمان : بل أعرفك أنك ذلك الذي تدعي : نقولا .

فقال القائد : إذن فأنت تستهين بعظمة روسيا ..!

فقال : ليس كذلك ,ولكن الله الذي أؤمن به قضي أن يكون المؤمنون أعلي من غيرهم وهذا يمنعني من القيام .

وكان من نتيجة ذلك أن حكم عليه بالإعدام وحينما جئ به للتنفيذ فوجئ بالقائد نفسه يتقدم إليه قائلا :أنني أجلّ دينك هذا الذي أعزك إلى هذا الحد وعفي عنه .

وبعد ذلك نقل إلى سيبريا وبقي هناك فترة طويلة يعاني البرد القرس ولكنه استطاع أن يهرب أخير فوصل إلى استانبول بعد جهد عن طريق ألمانيا ثم فيينا ثم بلغاريا .

وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى استولي الانكليز على استانبول عام 1918 ووجهوا ستة أسئلة إلى المشيخة الإسلامية عن طريق كنيسة ( انكليكان) أريد منها البدء بسلسلة مؤامرات على الإسلام فوجهت المشيخة الإسلامية هذه الأسئلة بدورها إلي بديع الزمان ليجيب عليها بستمائة كلمة حسب طلب الانكليز . فكان جواب بديع الزمان :

" أن هذه الأسئلة لا يجاب عليها بستمائة كلمة ولا بستة كلمات ولا بكلمة واحدة بل ببصقه واحدة على أفواه السائلين ". فحكم عليه بالإعدام .. ثم عدل عن ذلك خوفا من ثورة الأناضول .

موقف بديع الزمان من مصطفي كمال :

حينما ثم عصيان الأناضول وكان مصطفي كمال على رأس الحركة , استدعي بديع الزمان سنة 1920 إلى أنقرة للاحتفال به وتكريمه ولكنه فوجئ حينما وصل إليها بخيبة أمل كبري إذ شعر بالاتجاه نحو معاداة الشريعة الإسلامية وحينئذ قاطع احتفال تكريمه وسرعان ما اختفي من بينهم ثم أرسل بيانا مطولا إلى المجلس النيابي الذي كان مصطفي كمال رئيسا له ضمنه نصائح لهم في عشر فقرات وجعل عنوانه هذه الجملة :" أعلموا أيها ( المبعوثون ) أنكم مبعوثون ليوم عظيم "

وكان من تأثير هذا البيان الذي تولي إلقاءه ( كاظم قرة بكر ) أن استقام على التدين وإقامة الصلاة ستون نائبا منهم غير أن هذا أثار حفيظة مصطفي كمال فاستدعي بديع الزمان ودخل معه في مناقشة حادة في ديوان المجلس النيابي وكان مما قاله كمال : لا ريب أننا بحاجة إلى أستاذ قدير مثلك لقد دعوناك إلى هنا للاستفادة من آرائك المهمة ولكن أول عمل قمت به لنا هو الحديث عن الصلاة لقد كان أول جهودكم هنا هو بث الفرقة في أهل هذا المجلس .

فأجابه بديع الزمان مشيرا إليه بأصبعه في حدة :

" باشا ... باشا ...أن أعظم حقيقة تتجلي بعد الإسلام إنما هي الصلاة إن الذي لا يصلي خائن وحكم الخائن مردود ".

وهنا اضطر مصطفي كمال أن يعتذر منه وينهي الحديث .

ومع ذلك فقد كان بديع الزمان يأمل أن يخرج من ظلام الحكومة الكمالية نورا وأن يقلب سعيها إلى خدمة الإسلام ولكن العقبات أخذت تظهر متوالية .

وكان ينتهز الفرصة تلو الأخرى لنصيحة مصطفي كمال وتحذيره من الانحراف عن جادة الإسلام بيد أنه لم يكن يوافق على شئ من آرائه ولكنه مع ذلك أراد أن يستجلب قلبه لمكانته بين الناس فجعله رئيسا للوعاظ في شرق الأناضول كله وعضوا في رئاسة جامعة " دار الحكمة " ومنحه ( فيلا) ضخمة يسكن فيها وجعله من المقربين إليه ..

غير أنه – وقد علم ما يهدف إليه كمال من منحه كل هذا – لم يوافق على قبول شئ منه , ولم يلبث أن فارق أنقرة إلى وان بعد أن تزلف إليه النواب طويلا أن لا يفارقهم ,وهناك أنزوي عن الحكام والناس في مكان منعزل عن الجميع وذلك عام 1921 .

وكان هذا التاريخ هو الفاصل بين مرحلتين متمايزتين من حياة بديع الزمان كان يطلق بعد ذلك على فترة ما قبل هذا التاريخ من حياته اسم : سعيد القديم , ويطلق على نفسه في ما بعد ذلك اسم : سعيد الجديد.

بدأ بديع الزمان الفصل الثاني من حياته بقوله ( أعوذ بالله من الشيطان والسياسة ) ثم راح يتخذ من هذه الكلمة دستورا لجميع صفحات هذا الفصل الجديد من عمره فقد غادر أنقرة إلى مكان ما في بلدة ( وان ) منزويا عن الحكام والنواب مبتعدا عن جميع مشاكل السياسة وأصحابها .ولكنه راح في نفس الوقت يبعث صيحات التوجيه والإرشاد بين صفوف الشبان وبصورة خاصة المثقفين منهم – مضمنة رسائله التي عرفت فيما بعد برسائل النور وعرف أنصارها بجماعة النور .

تعريف برسائل النور :

ورسائل النور هذه سلسلة تتألف من 135 رسالة ويتناول جميعها الجواب عن مختلف المشكلات الروحية والنفسية والعقلية التي تطوف بأذهان الجيل الحاضر وهي تنطلق من محور القرآن وتفسيره إذ يتناول بديع الزمان الآية بالتفسير مرتين يعرض في الأولي المعني الظاهري لها ثم يحلل في المرة الثانية على ضوئها دلائل الإيمان ويكشف ما فيها من أسرار كونية ورموز تتعلق بهذا العصر ودوره الحضاري .

ولم يكن بديع الزمان يكتب رسائله هذه إلا نادر إذ كان نصف أمي من حيث القدرة الكتابية فكان يملي أفكاره في حالات وجدانية متأثرة على حين يسجل تلاميذه من حوله ما يقول في عجلة وضبط .

أما كيفية انتشار هذه الرسائل بين الناس ففيها الأعجوبة الخارقة التي تكشف عن مدي ما تفعله عقيدة هذا الدين في نفس صاحبها إذا تحول فيه الشغف إلى قوة والجبن إلى شجاعة والكسل إلى ثورة من الحيوية والنشاط !...

كان أتاتورك إذ ذاك قد سفر عن وجهه ... فالغي جميع وجوه النشاط الإسلامي وفي مقدمتها الكتابة بالحرف العربية وما قد يتضمنها من بحوث وتعليمات إسلامية فكان سبيل جماعة النور إلى نشر رسائل الأستاذ هو أن يأخذ كل فرد منهم على نفسه كتابة ما يمكنه من النسخ عن كل رسالة تظهر فإذا وزعها على القراء كان على كل من هؤلاء أيضا أن يقم بنفس الوظيفة وهكذا تتكاثر هذه الرسائل في الأيدي عن طريق لتوالد المطرد وكما تنتشر الدوائر المتداخلة على سطح الماء إذ يقذف فيه بحجز تنتشر هذه الرسائل بسرعة مذهلة في مختلف البلدان والقري والمجتمعات لقد ظل جماعة النور قرابة عشرين عاما ينشرون رسائل النور بهذه الوسيلة فقد كانت أيدي الشبان والفتيان تقوم بما تعجز عنه آلات الطباعة وكثيرا ما تعرضت فتيات للسجن والتنكيل إذ ظهر للسلطات أنها تسهر الليالي الطويلة وهي تنسخ هذه الرسائل ثم توزعها في صناديق البريد أو في صفوف المدارس .

بديع الزمان في المنفي :

كانت رسائل بديع الزمان وجماعته التي سرعان ما تكاثرت وعمت مختلف المناطق – أول عقبة اعترضت طريق مصطفي كمال إلى المجتمع اللاديني فأصدر أمره بسوق بديع الزمان إلى " بارلا" أحد منافي اسباريا النائية فقذف به إلى هناك وحيدا محاطا برقابة شديدة تحجزه عن الاتصال بأي إنسان ...! ولكنه ما لبث أن أثر على بعض من حراسه فانقلبوا إلى أعوان لمبادئه وأفكاره الإسلامية وهكذا أتيح له أن يشتغل في منفاه ذاك بتصحيح رسائله التي كانت تأتيه من تلاميذه وأن يتابع اشتغاله بالرد على سبل الإلحاد .

مرت على بديع الزمان في " بارلا" ثمانية أعوام كان هو الذي يتولي أثناءها صنع طعامه وغسل ثيابه وإدارة جميع شؤونه .

ولكن مصطفي كمال لم يكتف بذلك .. فقد كانت إشعاعاته الدينية تترسب إلى الناس وكانت رسائله تظل تنتشر وتتكاثر ولذلك فقد أصدرا أوامره بنقله مخفورا مع 120 من طلابه إلى سجن في ( اسكي شهر) ثم أحيل المحاكمة بتهمة تأليف جمعية سرية والعمل على قلب نظام الحكم !... وبعد تحقيق طويل لم يعثر فيه على شئ يدين بديع الزمان حكمت عليه المحكمة بالسجن أحد عشر شهرا .

المحاكمة الرابعة لبديع الزمان :

لم تكد الحكومة التركية تأذن لجماعة النور بالاتصال برائدهم وبطبع رسائله وكتبه حتي راحت حركة ( النور ) تكتسح كل جهات البلاد لتركية وانطلق إشعاعها إلى ما وراء ذلك كالباكستان والهند ... وأصبحت رسائل بديع الزمان تنتشر في كل بلدة وسوق ومسجد ومدرسة وجامعة بل كثير ما كانت آلاف النسخ منها تتمطر فوق رؤوس الناس بواسطة إلقائها من الطائرات بواسطة ضباط ينتمون إلى حركة النور .

فعاد الجزع يستبد من جديد بأفئدة السلطات فقد رأوا أن تيار النور سيكتسحهم لا محالة وشعروا أن دائرة الإلحاد واللادينية ينتقص أطرافها بسرعة مذهلة وأن الواجهة الثقافية والفكرية للشعب التركي من علماء وأدباء ومفكرين وأساتذة جامعة ينضوون تباعا تحت لواء هذه الدعوة بحماس منقطع النظير .

فما كان منهم إلا أن انقضوا مرة أخري على بديع الزمان حيث ألقوا القبض عليه مع ثلة كبيرة من أبرز أتباعه ثم ما لبثوا أن أحالوهم إلى محكمة جزائية كبري في ولاية أفيون بنفس التهم السابقة وذلك عام 1948 .

وضيق الخناق على سعيد النورسي هذه المرة في سجنه أكثر من أى وقت مضي فقد زج به في زنزانة لا تتسع لأكثر من فراش صغير قذر تعوم وسط رطوبة عفنة باردة أما طعامه فلم يكن أكثر من قدح ماء وكسرة من الخبز اليابس تقدم له مرتين في كل يوم ومع ذلك فقد دست له السلطات في إحدي هذه الوجبات سما ناقعا للتخلص منه بدون أن تعرضهم محاكمته لنقمة الملايين من المسلمين ولكن أعاجيب لطف الله خيب آمالهم في ذلك .

وكانت محاكمته هذه المرة أهم أحداث عام 1948 في تركيا فقد علقت الصحف والمجلات أنفاسها لتستمع إلى بيان بديع الزمان وإلى ما تنتهي إليه هذه المحاكمة ولقد سجلت فيما بعد وقائع هذه المحكمة مع بيان بديع الزمان وبيانات بقية طلابه الذين حوكموا معه في كتاب ضخم بعنوان : محكمة آفيون الجزائية .

وكان الحكم الذي أصدرته هذه المحكمة بحق بديع الزمان هو السجن مدة عشرين شهرا غير أن ثلة كبيرة من المحامين والقضائيين أعلنوا عدم شرعية هذه المحاكمة بسبب أنها انبنت على نفس التهم التي حوكم بديع الزمان قبل ذلك بسببها ودا دامت الأحكام السابقة قد أعلنت عن براءته من هذه التهم فلا يجوز تجريمه بعد ذلك بها . وهكذا أحيلت القضية إلى محكمة التمييز ولكن السلطات ظلت تماطل في النظر في الحكم إلى أن أنقضت المدة التي حكم عليه بها وقد كان هذا هو كل قصد الحكومة :

أن يحجز بديع الزمان عن الناس ويجمد نشاطه ونشاط أتباعه .

وفاته :

عاش بعد ذلك بديع الزمان بقية عمره منعزلا عن الناس في مدينه " اسبارطة" إلى أن كان قبل وفاته بثلاثة أيام حيث اتجه مع بعض من تلامذته في سيارة صغيرة إلى أورفة دون أن يستأذن من السلطات فقد كان محجرا عليه التنقل من بلدة إلى أخري وقبل أن تدخل بهم السيارة مدينة أورفا عارضتهم قوة من الجيش وأمرتهم بالعودة إلى المكان الذي قدموا منه ولكن بديع الزمان قال لهم في هدوء دون أن يتحرك من داخل السيارة يبدو أنني لن أستطيع الإجابة إلى طلبكم ولكني أؤكد لكم أني لن أبقي في أورفا أكثر من يومين فتخلت جماعة الجيش عن طريقه ودخل أورفا وبعد يومين فقط من دخوله إليها أعلن العالم الإسلامي عن وفاة بديع الزمان بتاريخ 27 رمضان عام 1379.

أبرز خصائص بديع الزمان :

كان سعيد النورسي نصف أمي , لا يكتب إلا بصعوبة وجهد ولذا فقد كان في أكثر إحيانه يسجل كتبه ورسائله بواسطة الإملاء .

لم يتزوج بديع الزمان وعاش كل حياته عزبا وحينما سئل عن سبب اختياره الحياة العزوبة أجاب : أنني لا أستطيع أن أقوم بواجبات الزوجة على ما أنا فيه من حياة القلق والاضطراب ولقد صدق بديع الزمان فلقد عاش حياة كلها عزلة وانفراد ونفي وسجن .

عاش بديع الزمان عمره كله مبتعدا عن الصدقات والزكوات والهدايا من أى مصدر كانت ولقد جاءه مرة وكيل وزارة المعارف الباكستانية بهدية من المال الوفير فاعتذر عن قبولها قائلا : أنك تحملني علا الإخلال بقاعدتي التي التزمتها في حياتي أن من أهم التهم التي توجه في هذا العصر إلى أهل العلم ودعاة الإسلام – جمع المال من الناس وأنني مدعو – بما أقامتني الأقدار فيه من هذه الوظيفة – إلى محاربة هذه التهم بالتزام رفض أى مال يأتيني من أى إنسان وحينما دعاه وكيل وزارة معارف باكستان إلى الهجرة إلى باكستان حيث سيجد هناك تقدير أكبر لعمله ودعوته ويعيش في نجوة من هذا العذاب الذي يعانيه أجابه :

إن الداء الذي دبّ إلى جسم العالم الإسلامي إنما نبع من هذا المكان بالذات ولا جدوي من أى محاولة تكون بعيدة عن مكمن الداء إن الفساد الذي ينتشر اليوم في العالم الإسلامي إنما انطلق من هنا حيث الخطط الصهيونية والأفكار الشيوعية والمؤامرات الماسونية وإن من الخيانة أن أهرب من وجه هذا كله غلى مكان آخر .

كان يلح على جماعة النور أن لا يربطوا حركة النور ورسائله باسمه , قائلا أن هذا ظلم كبير للحقيقة أن الحقيقة الخالدة لا يمكن لها أن تتأسس على كاهل شخص يجب أن تعلموا أنني مجرد دلال أنادي على بضاعة القرآن ومعجزاته الموجودة بين يدي الإنسان في كل عصر إن من أكبر الخطأ اتخاذي مظهرا أو قائدا لعمل هذه الرسالة إذ أن شخصي معرض دائما للتهم والنقد والهجوم والإيذاء وفي ذلك ما يضعف من قيمة رسالة النور نفسها عندما تقرن بي على أنني الموجد لها والمبدع لحقيقتها لا تربطوا رسالة النور بشخصي الفاني لئلا تضروها بذلك اربطوها بمنبعها الأصيل فهو بعيد عن أى متناول ..

من آثاره العلمية إشارات الإعجاز الصقيل الإسلامي - المئنوي العربي – التفكير الإيماني – ذو الفقار – رائد الشباب – الخطبة الشامية .

تقي الدين النبهاني

ولد في القدس ودرس في جامعة الأزهر بالقاهرة وعمل عضوا في محكمة الاستئناف الشرعية في القدس ...

في عام 1950 أصدر كتابا بعنوان " رسالة العرب" ظهرت من خلاله نزعته القومية بشكل واضح ..

وبعد ذلك أسس " حزب التحرير " ثم انتقل إلى عمان ومنها إلى دمشق وبعد ذلك إلى لبنان حيث أمضي بقية حياته حيث توفي في بيروت عام 1978 .

أظهر النبهاني في بداية أمره الصداقة لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن فكان كثير الثناء عليها وعلى مؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا مما شجع الإخوان على فتح دورهم أمامه حيث ألقي في عدد منها محاضرة عن نظام المال في الإسلام تكاد تكون مقتبسة بكاملها من كتاب " العدالة الاجتماعية في الإسلام " للشهيد سيد قطب .

ثم لم يلبث أن تحول مع حزبه حربا على هذه الحركة وهذا أمر ملحوظ وملفت ويدعو للدراسة والـأمل ... وهذا ما دفع بعض الباحثين والكتاب الإسلاميين إلى تناول حركة النبهاني بالدراسة والتحليل منهم : الدكتور صادق أمين في كتابة ( الدعوة الإسلامية فريضة شرعية وضرورة بشرية ) والأستاذ فتحي يكن في كتابه ( نحو حركة إسلامية عالمية واحدة ) والأستاذ غازي التوبة في كتابة ( الفكر الإسلامي المعاصر ) والأستاذ محمد سعيد رمضان البوطي في مجلة حضارة الإسلام وغيرهم ..

من الكتب التي صدرت باسمه

نظام الإسلام

نداء حار إلى العالم الإسلامي

مفاهيم سياسية لحزب التحرير

التفكير.

نظام الحكم في الإسلام

النظام الاجتماعي في الإسلام

النظام الاقتصادي في الإسلام .

الشيخ محمد نصيف

ولد عام 1303 هـ - وتوفي عام 1391هـ.

ولد الشيخ محمد نصيف في جدة بالمملكة العربية السعودية , وأسرته تعتبر من أعرق السر العربية الحجازية المهتمة بالعلم وقد نشأ في أسرة ذات ثراء ونعمة ومحافظة على أمور الدين مع اشتغال بالتجارة والإدارة .

عين في أول لعهد السعودي رئيسا للجنة العلماء والإصلاح ثم آثر التفرغ للعلم والمعرفة والقراءة واقتناء الكتب واستقبال العلماء ورجال الفكر والإصلاح والدعاة من جميع البلدان الإسلامية وكان ينشر المقالات العلمية والتاريخية في عدد من الصحف والمجلات العالمية مثل مجلة المنار ومجلة الأزهر ومجلة الفتح ومجلة الزهراء .

وكان لاهتمام الشيخ نصيف بأثر السلف والاتجاه السلفي أثر في تشجيع نشر هذا التراث مما ساعد على نشر كثير من هذه الكتب على نفقته الخاصة وتوزيعها مجانا على طلاب العلم والمعرفة في البلاد العربية والإسلامية .

من مآثره الكثيرة تبرعه بمكتبته الغنية بالتراث العربي الإسلامي لمدينة " جدة " حيث تعتبر مكتبته الأولي من نوعها في العالم الإسلامي .

رثاه ( الشيخ سعدي ياسين ) بكلمة نشرتها مجلة الشهاب اللبنانية في سنتها الخامسة العدد الخامس نقتطف منها ما يلي :

( اليوم ... بلغني النبأ المؤلم الذي هز أضالعي وأسأل مدامعي .. نبا وفاة ( الشيخ محمد نصيف ) وانتقاله إلى رحمة الله ورضوانه وعلمت أنه توفي رجل الفضل والعلم والوجاهة عالم الحجاز بل عالم العالم الإسلامي ذي البر والخير والسعي في نشر الإسلام مستعينا على ذلك بذات يده .. وكم بذل بنفوذه وواسع جاهه وكم عمل ..

كان – رحمه الله – بابه مفتوحا للقاصدين والزائرين ومنزلة ندوة للعلماء والأدباء وأهل التقوي والدين ومكتبته مستقي للمؤلفين والمراجعين وهي أكبر مكتبة خاصة في المملكة العربية السعودية فيها المخطوط والمطبوع أولع بمطالعتها فاتسع إطلاعه وطال بالعلم باعه ولا سيما كتب الحديث من الصحاح والسنن والمساند..

جالس الملوك والولاة والحكام ولكن لم يبعهم دينه بل كان معهم مثال الناصح الأمين والواعظ المشفق ضانا بدينه وأمانته على كل واحد يقصدهم ليبلغهم حوائج الناس ومطالب الشعب فنصر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته ورحمه رحمة واسعة)

من الكتب التي طبعها على نفقته وبالاشتراك مع غيره :

- الجواب الباهر في حكم زيارة المقابر

- التوسل والوسيلة

- لخطوط العريضة لمذهب الشيعة

- الرحلة اليمانية

- الجيل المثالي

- الأدب المفرد .

الفضيل الورتلاني

مجاهد جزائري وداعية إلى الإسلام ولد في الجزائر وفي أحضان فطرتها الطاهرة وجبالها الشماء تربي وترعرع فاكتسب من الأولي قوة الروح وصفاء العقيدة والصلابة في الدين ومن الثانية الإرادة القوية والعزيمة الجبارة .

فتح غينيه في أحضان ( جمعية العلماء ) وتزود من الميادين العامرة بأبطالها وفتح أذنيه على الأصوات المجلجلة بالعلم والإصلاح – من دروس بحقائق التنزيل والحكم النبوية والتاريخ الإسلامي والأدب العربي تفيض كلها بالبيان و السحر فنشأ مؤمنا متين العقيدة حرا عميق الفكر صريحا لاذع الصراحة جرئ اللسان غيورا على دينه ووطنه ولذلك اعتبر من بواكير النهضة الجزائرية...

لازم الورتلاني إمام النهضة ( عبد الحميد بن باديس) وتأثر به أيما تأثر وبخاصة في مواقفه من المستعمرين والطغاة ..

في فرنسا:

وفي عام 1936 ميلادية انتقل إلى فرنسا ليرد هناك على الناشئين من أبناء الإسلام ما أضاعه الوسط ن دين ولغة وليعيد إلى لجزائر قلوبنا تنكرت لها .. وأفئدة هوت إلي غيرها .. ولقد أسس في باريس وضواحيها بضعة عشر ناديا .

في مصر

وفي عام 1938 هاجر إلى مصر بعد أن تزايد الضغط عليه من الفرنسيين وكان له في مصر مواقف مشهورة وخدمات جلي على كل صعيد وكان خلال الفترة التي قضاها هناك على صلة وتعان مع ( جماعة الإخوان المسلمين )

في اليمن:

وزار الورتلاني اليمن على عهد ( الإمام يحي ) أمام اليمن آنذاك .. وكان له أثر بالغ في تطوير القضية اليمنية وفي شعور اليمنيين بالحاجة إلى الحرية مع إمكان الحصول عليها وفي توعيتهم بأنهم بعيدون عن ركب الحضارة وإن ف مقدورهم اللحاق بها ..

وتشاء الأقدار أن تقع محاولة للانقلاب في اليمن في تلك الفترة بالذات من ( السيف عبد الله) فاتهم الورتلاني بأنه وراءها مما دفعه للهروب من اليمن خلسة .. وبقي الورتلاني على ظهر باخرة ينتقل في البحار أياما متعددة وأبواب الدنيا جميعا مرصودة في وجهه والحاكمون بأمرهم والمستعمرون يلاحقونه بأراجيفهم ويطاردونه في كل مكان ..

في لبنان :

وأخيرا في عهد حكومة سامي الصلح سمح للورتلاني باللجوء إلى لبنان شريطة أن يبقي ذلك مكتوبا غير رسمي تجنبا لمشاكل الطغاة والمستعمرين .

وبقي في لبنان فترة يعطي من نفسه ويبذل من ذاته خطيبا ومحدثا مناقشا وداعية وشارحا لكثير من القضايا الإسلامية الهامة وكان طيلة إقامته في لبنان على اتصال وتعاون مع جماعة عبد الرحمن ..

كان الورتلاني إنسانا شغلته الاهتمامات الكبرى العامة عن نفسه .. كان يصل الليل بالنهار ويمضي عليه اليوم والليلة لا يذوق طعاما أو قد يمضي عليه أكثر من ذلك ولا يذوق نوما شأنه في ذلك شأن أرباب الرسالات .. مما أدي إلى اختلال ظاهر في صحته .. فلقد أصابه الربو وضيف التنفس والسكر وغير ذلك من الأمراض والعلل ..

وهكذا تمتلئ حياة الورتلاني بالمعاناة .. ويستمر متنقلا من مكان إلى مكان يجوب أقطار الأرض يبشر بدعوته ويقوم بواجب الدعاية للجزائر ووجوب العمل لتحريره من الاحتلال الفرنسي الغاشم .. إلى أن لفظ نفسه الأخير وهو في ميدان الجهاد رحمه الله .