الناقد عماد الدين خليل: الصراع أبدي بين الرؤية الإسلامية والرؤية الوضعية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الناقد عماد الدين خليل: الصراع أبدي بين الرؤية الإسلامية والرؤية الوضعية

[21-07-2004]

مقدمة

يُعتبر الدكتور عماد الدين خليل من أبرز الأدباء والنقاد الإسلاميين، ولد في الموصل بالعراق عام 1939م، حصل على الدكتوراه في التاريخ عام 1968م بكلية الآداب عين شمس بالقاهرة، وعمل في مختلف الجامعات العراقية، كما أشرف على مكتبتَي الجامعة المركزية والمتحف الحضاري، وترأس شعبة الدراسات في المديرية العامة لآثار المنطقة الشمالية في العراق سابقًا.

أصدر الدكتور عماد الدين خليل عدة مؤلفات تجاوزت الستين كتابًا في كافة مجالات المعرفة، في السيرة وتاريخ الإسلام والأدب الإسلامي، والعديد من الأعمال الإبداعية والأدبية، نذكر من بينها:

مع القرآن في عالمه الرحيب

العلم في مواجهة المادية

مؤشرات إسلامية في زمن السرعة

حول إعادة تشكيل العقل المسلم

دراسة في السيرة

المأسورون(مسرحية)

في النقد الإسلامي المعاصر

فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر

جداول الحب واليقين (شعر)

الإعصار والمئذنة (شعر)

الفن والعقيدة

التقيناه أثناء زيارته للمغرب مؤخرًا، فكان هذا الحوار الشامل معه، حول الملف العراقي، وقضايا الأدب الإسلامي، والنقد والإبداع، ووضع الأدب الإسلامي وآفاقه:


نص الحوار

المقاومة والأمل
  • لا شك أنكم كأديب ومفكر عراقي قد تأثرتم بما يحدث في العراق، كيف ترون هذه المحنة؟
العراقيون متشبثون بوحدة أرضهم وبلادهم، وستكون الكارثة الكبرى لو مضت الخطة إلى آخر أمدها في تفكيك العراق، الذي عاش موحدًا لمئات السنين، وكان نقطة ارتكاز في العالم الإسلامي كله، في اتجاه المشرق والمغرب معًا، وتصورنا للمستقبل- ولا يعلم الغيب إلا الله- أن هناك محاولات على درجات متفاوتة، ما بين فيدرالية معقولة تُمسك بالعراق موحدًا، وما بين نوع من التفكيك الذي يخشى أن يتحقق، ولا ندري إلى الآن ما الذي يدور داخل العقل الأمريكي بخصوص هذه المسألة على المستوى الآخر، ولحسن الحظ فإن العراقيين استطاعوا أن يتجاوزا كل محاولات إثارة فتنة طائفية أو عرقية إثنية، وتمكنوا حتى الآن من الحفاظ على وحدتهم الاجتماعية من أي محاولة للاختراق؛ مما قد يقود إلى ويلات لا يعلمها إلا الله.
كما هو الحال في عالم الطبيعة وفي التاريخ البشري على السواء، كلما ادلهمَّت الظلمات، وزادت الخطوب، وكثرت المصائب والانكسارات بشرنا بانبلاج الفجر إن شاء الله، بموقف قد يعيد الميزان إلى مكانه الطبيعي، ويمكِّن لهذه الأمة في الأرض، ويتيح لها أن تخرج أكثر قدرةً على صياغة تاريخها.. دائمًا الانهزامات تعلم، وكما لو استعرنا مصطلحات "توينبي" فإنها تحديات إذا تمت الاستجابة إليها بالشكل المطلوب فإنها تنقلنا إلى وضع أحسن بكثير مما كنا عليه في القرن الماضي، وهذه ثوابت قرآنية تعلِّمنا كيف أنه ليس ثمة انكسار للمسلم في هذا العالم إذا أحسن التعامل مع قوانين الحركة التاريخية، والتعلم من تراكم الخبرات، وقد حدث هذا للأمة الإسلامية واستطاعت أن تنهض مرةً ومرتين وثلاثًا.
  • أنتم تعدون أحد النقاد البارزين في ساحة الأدب الإسلامي، وواكبتم هذه التجربة.. كيف ترون وضعية هذا الأدب اليوم تنظيرًا وابداعًا؟
الأدب الإسلامي قدم الكثير، ولكنه في معطياته الإبداعية والتنظيرية والنقدية والدراسية يحتاج إلى إعادة النظر في ملفه؛ من أجل تحقيق قدرٍ من التوازن المطلوب، فهناك طغيان وتفجر وعطاء زاخر في بعض السياقات، وهناك نضوب أو غياب في سياقات أخرى، يعني على سبيل المثال النقد التطبيقي محدود إلى حد كبير، للأسف الشديد لا يكاد يواكب النشاط الإبداعي، فنحن في حاجة إلى تحفيز نقادنا على أن يواصلوا بالجهد الممكن وفي الحدود القصوى متباعة ما يقدم من أعمال إبداعية؛ من أجل التغطية النقدية، وإعطاء المبدع الفرصة لكي يتلقَّى التوجيهات من الناقد، فنحن بحاجة إلى تحقيق التوازن بين النقد والإبداع.


لماذا الشعر

  • لكن كيف تفسر هذا الحضور الطاغي للشعر مقارنةً بالأجناس الأدبية الأخرى، هل لكوننا أمةً شاعرةً بالدرجة الأولى؟!
نعم؛ لأننا أمة شاعرة أولاً، وثانيًا لأن تراثنا الأدبي في أساسه وعموده الفقري تراث شعري إلى حد كبير، فنحن أبناء أولئك، وهذا أمر طبيعي، وثالثًا لأن بعض الأجناس الأدبية ليست من صنع أيدينا، بل هي مستعارة من الغرب (من الآخر)، وهي جديدة علينا، لم نتعرف عليها إلا قبل مائة سنة أو خمسين سنة أو أقل من هذا، فنحن بحاجة إلى فترة زمنية لكي تتمكن أيدينا من هذه الأجناس، هذا هوالسب الأساسي في نظري، ولكن المشكل أن الكثيرين من الذين يحملون الهم الإسلامي يرون في مسألة الأدب والفن مسألةَ ترفيه..، مسألة قد لا تحمل أي قيمة، يجب أن توضع جانبًا لحساب الأمور الفكرية والدراسية وغيرها من الأمور الجادة، هم ينسون أن الأدب خطاب على أكبر قدر من الشفافية والقدرة على التواصل مع الطرف الآخر، فنحن فرطنا في أداة ذات فاعلية عالية جدًّا.
  • البعض يقول إن حالة الأدب الإسلامي اليوم تشبه تقريبًا حالة أدب الحداثة أو الحداثة الثانية المتطرفة، أي كثرة التنظير والتبشير وقلة الإبداع.. ما رأيك؟
على العكس مما تقول، نحن بحاجة إلى المزيد من التنظيرات، ولكن بشرط أن نضع في حسابنا تحقيق التوازن المطلوب، نحن نحتاج إلى منهج للدراسة الأدبية وللنقد، المنهج غائب في بنيتنا النقدية الراهنة، فهنالك جوانب قد تحتاج إلى كثير من الجهد، ولكن يبقى أن التنظير والدراسة ضروريتان ضرورةً بالغةً؛ لكي تلاحق هذا الكم الهائل من بعض جوانب الإبداع والأجناس الأدبية.
  • بعد عقود من ظهور الأدب الإسلامي، ما زال هذا الأدب ربما على الهامش.. بماذا تفسرون الحصار المضروب عليه من قِبَل بعض الجهات الرسمية في العالم العربي والدوائر الثقافية المختلفة، خاصةً التي تنسب نفسها إلى الحداثة؟!
هذا صراع أبدي بين المعنيين بالأدب الإسلامي والعلمانيين، ويندرج كثير من الحداثيين في سياقهم، هو صراع أبدي كما كان صراعًا بين محمد- صلى الله عليه وسلم- وأبي جهل، يعني صراع بين الرؤية الإسلامية والرؤية الوضعية الملتصقة بالأرض، التي لا تريد أن تمد يدها أو تتفهم على الأقل البعد الإنساني للخطاب الإسلامي، ويوم أن تدرك الجهات الأخرى أن الخطاب الإسلامي هو واحد من أكثر المعطيات شفافيةً وإنسانيةً، وأنه فضاء مفتوح قد تقلل من هذه الكراهية، ومن هذا الرفض لهذا الخطاب الذي يخدم المسلم نفسه.


مشكلة الحداثة

حوارات187.jpg
  • الملاحظ الآن أن الحداثة الأدبية والفنية وصلت إلى طريق مسدود، يتبين هذا من تراجع قرَّاء هذه الموجة وعزلة أصحابها يومًا بعد آخر، لغياب أية قضية يحملونها أو يبشرون بها، لكن الأدب الإسلامي ما زال قاصرًا عن ملء الفراغ.. هل المشكلة فيه أم في القارئ أم في صعوبة التواصل بين الطرفين؟!
هذه هي المشكلة.. قضية الحداثة.. هي حلقة من سلسلة طويلة من المعطيات الوضعية في الغرب وفي الشرق، الذي يلاحق حتى الآن ما ينتج في الغرب، الغربيون ينكثون غزلهم بين الحين والحين، وترى بعضهم يضرب بعضًا، ويلاحق بعضهم بعضًا، ويجل بعضهم محل البعض الآخر، على المستوى السياسي والفكري والأدبي والثقافي والحضاري لا تكاد تجد حالةً واحدةً، لا تستمر الوجودية إلى ما لا نهاية، ولا الشيوعية إلى ما لا نهاية، ولا النازية، فهي تنطفئ في نهاية الأمر.
ونحن نرى أن البنيوية جاء بعدها ما بعد البنيوية والتفكيكية، ولا ندري إلى أين يتجهون؛ لأنهم لا يعتمدون على ثوابت كما نعتمد نحن، الفارق بيننا وبينهم أننا نرتكز في معطياتنا بما فيها الأدبية على ثوابت تحترم المتغيرات، ونضع أقدامنا على قواعد صلبة، آتية من عمقنا الإسلامي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما هم فيعتمدون على رؤى هذا الشخص أو ذاك، هذا الفيلسوف أو ذاك، هذا المفكر أو ذاك، وهؤلاء تنطوي معطياتهم على القصور والنسبية والزمنية، وتنطوي أيضًا على قدر كبير من الأهواء والظنون وتضخيم الذات على حساب الحقيقة، وكما يقول القرآن الكريم ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى﴾ (النجم: 23)، وكما تقول علينا حقًّا أن ننتهز هذا الفراغ الذي تخلفه انكسارات معطياتهم، ليس على مستوى الأدب فحسب، بل كذلك على مستوى الثقافة أيضًا، لنملأه بالقدر المطلوب.
وفي رأيي أن الفراغ لن يملأ، واحترام الآخر لنا ولأدبنا لن يتحقق إلا إذا أعطينا أهميةً بالغةً للجوانب الفنية من أدبنا، الجوانب الشكلية أو الفنية أو الجمالية؛ لأن الكثيرين يتصورون أن الأدب الإسلامي هو بمضامينه، والحال أن الأدب لن يكون أدبًا إلا بأن ينطوي على قدر كبير ملتحم بالمضمون من القيم الفنية.
  • كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن وضع نظرية نقدية عربية إسلامية، وأنتم كتبتم منذ زمن بعيد في هذا الاتجاه.. ما ممكنات نجاح مثل هذا المشروع؟!
التنظيرات وضعت والحمد لله، هناك نحو سبعة أو ثمانية كتب وضعت ربما، تعالج نظرية الأدب الإسلامي، تلم بأطراف الجهد الأدبي وتعطي رؤيةً إسلامية أصيلة لهذا الجهد هذا موجود وهو يساهم في وضع نظرية نقدية إسلامية، وإنما القضية في المنهج الذي يعتمد آليات متفَقًا عليها لتعامل مع الظاهرة الأدبية الممتدة في الزمان والمكان، والتعامل أيضًا مع النص الأدبي، ومحاولة اختراقه بأكبر قدر من الضبط.


تحديات كبيرة

  • ما التحديات الكبيرة المطروحة على الأمة العربية والإسلامية اليوم، برأيكم ما الدور المطلوب القيام به من قبل المثقف والأديب والشاعر؟
هو دور مؤكد ومحتوم؛ من أجل أن يوصل رؤية هذه الأمة وخطابها إلى كل الأطراف الأخرى في هذا العالم؛ لكي يحفز ضمائرهم وينظر بعين أكثر موضوعيةً وجديةً إلى قضايانا التي مال بها الميزان لصالح الطرف الآخر، واغتيلت حتى أعمق بعد فيها، لم تتعرض أمة لاغتيال حقها المشروع، وحتى رؤيتها للحياة وحريتها في مفاصلها كافة كما تعرضت له هذه الأمة عبر الثلاثين أو الأربعين سنة الأخيرة.
لأديب في هذه الأمة صوت يحمل قدرةً فائقةً على إعادة وتقديم رؤية هذه الأمة للطرف الآخر؛ لعله يفتح ممرًا إلى العقل والوجدان الغربيين.. هذه مسألة، والمسألة الأخرى أن الإعلاميات المعاصرة والمعلومات الحديثة انفجرت انفجارًا كبيرًا، وتتطلَّب جهدًا أدبيًا إبداعيًا فائقًا؛ لكي يغزو الشاشة، الشاشة الآن في حاجة إلى المزيد من الأعمال المسرحية والتمثيلية والسينمائية والتلفازية والحوارات التي توضع بأيدي الأدباء الإسلاميين.

المصدر