النصر الحقيقي أم وهم الانتصار؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
النصر الحقيقي أم وهم الانتصار؟!
توفيق الواعي.jpg

بقلم: د/ توفيق الواعي

يقع كثير من الأفراد والأمم في وهم الانتصار، ويضلُّون الطريق إلى الجادة، ويسيرون بخطى سريعة إلى الخديعة والفشل الذريع في كل شيء، وهؤلاء للأسف في أمتنا جمٌّ غفيرٌ، وخَلْقٌ كثيرٌ، تتبدَّل بسوء نية أو ببلاهة في عقولهم وأفئدتهم الأمور والوقائع، وتغيَّم أمام أنظارهم الحقائق، فيسيرون في ضبابية خداعة يفرضونها على الناس فرضًا بصلفٍ وتسطيحٍ عجيبٍ يدعو إلى الرثاء.

وكنا نسمع بعد كل هزيمة أو كارثة ثورية سيلاً من الخداع الذي يبشر بهذا النصر الوهمي "انتصرنا انتصرنا يوم ما هب الجيش وثار".. "انتصرنا ما دام القائد الديكتاتور في أمن وسلام بيننا".. إلى آخر هذه التُرَّهات والأكاذيب التي تريد أن تعمِّي على طوفان الخراب، وأمواج الفشل والكوارث التي حلَّت بالأمة، وقد تسبب ذلك في عدة أمور، منها:

1- عدم معرفة الحقائق أو بحثها ومحاسبة المخطئ أو المتسبب في الكوارث.

2- بروز أفواج من المهمَّشين، الذين صنعهم الزخم الإعلامي المضلِّل والمروِّج لهذا الوهم الخادع.

3- ظهور طبقة من المنافقين الذين لا رغبة لهم في إظهار الحقيقة وتحمُّل تبِعاتها، بل آثَروا السلامة ليعبُّوا من ذهب المعزِّ وماله، وينتفعوا من حرامه وسحته، وسلطانه وسطوته.

4- ابتعاد كثير من الطاقات الفاعلة والعقول النابهة عن الساحة؛ احترامًا لأنفسهم وللحقائق الموءودة، وخوفًا من بطش السلطان وجنده.

5- هدم الأمة؛ باعتلاء سدَّتِها دجاجِلَةٌ لا يفقهون ولا يعلمون، وحسبك من أمة تصير هزائمها انتصارًا، وإخفاقاتُها تقدُّمًا، وعجزُها وإهمالها عطاءً، وعِمالتُها حنكةً، واستعمارُ الغير لها انفتاحًا وتقدمًا، وعملاً صالحًا تفتخر به وتدعو الناس إلى الاقتداء به.

6- جرأة الأعداء عليها، وطمعهم فيها، وتكريسهم للمظالم، وتحريمهم وتحليلهم للأمة في ثقافتها وعقيدتها.

7- ضياع وحدة الأمة؛ لأن اتباع الهوى صارَ هو الغالب، والأهواء تختلف، فتختلف القلوب، وهذا ما يريده الأعداء.. توهين الأمة.. بتفريق أبنائها وتباغضهم وتحاقدهم، ونسيانهم الأخوَّة ورابطة الدين والعقيدة، وإصابتهم بداءِ فساد ذات البَين، حتَّى دبَّ فيهم دبيبُ العنصريات البغيض والعنجهيات المَقيت.

8- الغرور وعدم الاستفادة من التجارب، فمن يحرص على الاستفادة من تجاربه ونتائج أعماله يزِد صوابه دائمًا، فتزيد سعادته، وتقل أخطاؤه ويزول شقاؤه، أما الأمة والفرد الذي لا يَعتبر ولا يستفيد من تجاربه ونتائج أعماله فإنه يظلُّ على خطئه و"لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" (خرَّجه البخاري ومسلم)، ولا يعرض عن الانتفاع بالنذر والحوادث إلى الخاسرون الضالون.. ﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾ (يونس: 101).

أما النصر الحقيقي فإنه يبدأ:

أولاً: بالنصر على النفس؛ لأنها مجمع العزائم، وملتقَى الإرادات، ومكمَن القوى، ونبع الإصلاح، وصدق الله.. ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ (الرعد: من الآية11)، والتغيير ليس مجرد دعوى يدَّعيها الناس ترفعهم إلى صفوف المنتصرين العاملين، وهل كل من زعم أنه بطل وشجاع وعامل مُجِدٌّ يكون كذلك إذا جدَّ الجِدُّ، ذلم ما تثبت التجربة خلافه، وذلك ما ينقضه تاريخ الانتصارات ونه ضات الأمم.

ثانيًا: بالأهداف والآمال، وذلك هو الفارق بين المؤمنين الذين يثقون في نصر الله، يقولون: ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: من الآية 249)، إذن فلا قنوط ولا يأس، وعلى بركة الله تسير القافلة إلى الهدف.

ثالثًا: بالإعداد المعنوي والمادي؛ لأن الاسلام لابدَّ له من قوة ينطلق بها وسط أعدائه الذين يفكرون في الاعتداء عليه، والذين لا تُرهبهم إلا القوة، والإسلام ليس نظامًا لاهُوتيًا، وإنما هو منهج عملي واقعي للحياة، يحمي نفسه من الظلم، ويتبع الأسباب والسُّنَن في النهضات، وصدق الله.. ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: من الآية60).. أما إذا تخاذل الإنسان المسلم وضيَّع، فإنه سيعيش ذليلاً مَهينًا، وعقيدته تأبى ذلك عليه.. ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ (التوبة: من الآية 46).

رابعًا: بفكرة يدافع عنها وحق يجاهد في سبيله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (الحج: 77-78) المدافعون عن الحق دائمًا لهم قوة الاقتناع، وقوة الفضيلة، وقوة العقيدة، وذلك شيء مركوز في الفطرة السليمة، تحافظ عليه وتضحي في سبيله.

خامسًا: عون الله- سبحانه وتعالى- والالتجاء إليه، وردُّ الأمرِ إليه، بعد فعل الإنسان كل ما يملك من أسباب وطاعة له- سبحانه وتعالى.. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد: 7)، فنصر الله وتأييده ثابت ومؤكَّد لمن نصر دينَ الله وجعل كلمةَ الله هي العليا، وكان الله ورسوله أحبَّ إليه من كل شيء، وهذا النصر ثابت وإن تقدمه عسرة وجهاد وتمحيص واختبار ويأسٌ من النصر.. ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ (يوسف: 110).. نعم إنه آتٍ لا محالةَ، ولن تستطيع قوى المهازيل منعَه ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (الصف: 8).

وبعد، فلا شك أن النصر الحقيقي تكونُ له حلاوةٌ وطلاوةٌ، ويعلو ولا يُعلى عليه، ويثلج الصدور، ويريح النفوس من عناء الطريق؛ بتحقيق وعد الله- سبحانه- وإسعاده للقلوب المؤمنة ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الصف: 13).

فهل نتعلم أسباب النصر الحقيقي ونعمل له، ونودع النصر الزائف الموهوم، الذي عانت الأمة منه كثيرًا، نسأل الله ذلك آمين.

المصدر

قالب:روابط توفيق الواعى