النظام العالمي الجديد... ظلمه وكذبه ونفاقه

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
النظام العالمي الجديد... ظلمه وكذبه ونفاقه

فضيلة المرشد العام الأستاذ / مصطفي مشهور

الأستاذ مصطفي مشهور

يزعم الغرب أنه هو الذي قرر المساواة بين الناس وقضى على التمييز العنصري، وأنه هو الذي أعلن حقوق الإنسان وصكها في وثائق عالمية، وأنه هو الذي قاد العالم إلى الحرية وطبق قواعد الديمقراطية وأكد حق الشعوب في تقرير مصيرها، وأرسى قواعد الشرعية الدولية، ومن ثم يكون قد قام بأعظم الإنجازات الإنسانية والأخلاقية في تاريخ البشر، بل إنه نصب نفسه قاضيًا يمنح البراءة أو الإدانة لهذا النظام أو ذاك في هذه المجالات، ويبنى على قضائه طريقة التعامل مع هذه الأنظمة.

ولقد قامت هيئة الأمم المتحدة بعقد عدة مؤتمرات لمكافحة العنصرية، آخرها مؤتمر ديربان الذي عقد في جنوب أفريقيا، وكان المأمول من الغرب أن يتسق مع نفسه ويتفق مع مزاعمه ودعاواه وينحاز للحق والعدل والحرية والمساواة إلا أننا رأيناه يتنكر لكل هذه المبادئ، ويكشف عن وجه منافقٍ قبيحٍ، خصوصًا عند طرح موضوع مساواة الصهيونية بالعنصرية، فقد أهدر كل ما ادعاه من إنجازات ومبادئ إنسانيةٍ وأخلاقيةٍ، فبدايةً مارس ضغوطًا رهيبة على الدول من أجل استبعاد هذا البند من جدول الأعمال حتى لا يطاله النقاش، وهذا ما يهدم فكرة الديمقراطية من أصلها، فالمفروض أن يتضمن جدول الأعمال كل الموضوعات المقترحة، وأن تترك للنقاش الحر، وتتخذ القرارات بأغلبية الأصوات، أما أن يمارس الإرهاب الفكري والنفسي، ويتم الضغط بالترهيب والترغيب، فذلك هو الاستبداد والديكتاتورية بعينها، ويحدث كل ذلك إرضاء للوبي الصهيوني المنتشر في دول الغرب، الأمر الذي يفضح حقيقة الديمقراطية الغربية التي تفتخر بها على دول العالم.

ليس ذلك فحسب فعندما اتخذت ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية قراراتها بإدانة الصهيونية، وبحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإقامة دولته وعودة أهله من الشتات، اتخذت قراراتها بما يشبه الإجماع الشعبي، قام الأمريكيون (الديمقراطيون!) والصهاينة ومفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ! بسب هذه المنظمات وبوصفها بالغوغائية والوقاحة وعدم التحضر، ورفضت استلام وثيقة قراراتهم.

ولقد كان انسحاب أمريكا التي تزعم أنها زعيمة العالم من المؤتمر دليلاً على أنها تسير ضد التيار وعلى ضعف موقفها وتهافته، وأن زعامتها فاشلة لأن الزعامة الحقة تقوم على الحق والعدل والبذل أما تلك التي تقوم على القوة والقهر والأثرة والإغواء والإرهاب فمآلها إلى زوال.

بل إن دول الاتحاد الأوربي التي تتظاهر بالحياد في الصراع العربي الصهيوني، كشفت هي الأخرى عن حقيقتها في المؤتمر الحكومي وظلت تهدد بالانسحاب وتمارس الضغوط – وعلى رأسها فرنسا التي تزعم أنها صديقة للعرب – حتى لا يتضمن البيان الختامي أي إدانة للكيان الصهيوني ولو من بعيد.

ولم يقتصر الأمر على موضوع الصهيونية والعنصرية فقط، بل امتد ليشمل موضوع العبودية أيضًا، حيث يطالب الأفارقة العالم الغربي بالاعتراف بعنصريته طيلة القرون السابع والثامن والتاسع عشر، حيث قام النخاسون الأوربيون والأمريكان باختطاف ملايين الأفارقة وبيعهم كعبيد في أمريكا وأوربا لاستخدامهم وتسخيرهم في الأعمال الشاقة تحت سيادة الرجل الأبيض الذي كان يملك عليهم كل الحقوق حتى قتلهم دون أن يسأله أحد، ماداموا عبيده، وترتب على هذا قتل حوالي 30 مليونًا من البشر، طالب الأفارقة العالم الغربي بالاعتراف بذلك والاعتذار عنه، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم أممًا وشعوبًا، ولكن الغرب المتغطرس تعالى على ذلك، ورفض أن يقدم مجرد اعتذار فضلاً عن أن يقدم تعويضات، وظل يضغط من أجل حذف هذا البند من جدول الأعمال وهذه هي عدالة الغرب، وأخلاقه ومبادئه !

وهكذا تتضح حقيقة ديمقراطية الغرب.

أما عن العنصرية فإن النظرة العلمية الموضوعية النظرية منها والعملية تقطع بأن الصهيونية هي عين العنصرية، فالعنصرية تعني أن جنسًا ما أو عرقًا من الأعراق يعتقد أنه يتميز عن غيره من البشر، ومن ثم يتعالى عليهم، ويستبيح قتلهم أو طردهم أو استخدامهم، والاستيلاء على أرضهم وممتلكاتهم، فالصهاينة يعتقدون أنهم شعب الله المختار وأنهم أبناء الله وأحباؤه وأن ليس عليهم في الأميين (الأغيار) سبيل، وأن جميع البشر ما خلقوا إلا لخدمتهم، ولذلك استباحوا القتل من أجل السيطرة، جاء في سفر التثنية (حين تقرب من مدينة كي تحاربها استدعها إلى السلم فإن أجابتك وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها ,إذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فتغنمها لنفسك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًا، أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب الإله نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما بل تحرمها تحريما كما أمرك الرب إلهك)

ويقول هرتزل : (إن تصورات آباء الصهيونية الأوائل دفعتنا إلى استعادة أرض أجدادنا من خلال العنف والتهجير والدم، إن أرض إسرائيل لا يمكن أن تستسقي إلا الدم)

ويقول بيجين : (إن الأسلحة العبرية هي التي ستقرر حدود الدولة العبرية، وإن الحل الأخلاقي الأمثل هو تفريغ الأرض من سكانها العرب)

بل إن استطلاعًا للرأي أجري أخيرًا بين الصهاينة اعترف 40% منهم أنهم عنصريون وأنهم لا يرون فيها منقصة ولا شك أن الآخرين نفوا ذلك سياسة ونفاقًا.

والواقع منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم يؤكد عنصرية الصهيونية التي هاجرت إلى فلسطين ثم قامت بالاستيلاء على القرى والمدن وإبادة أهلها أو طردهم ولا تزال حتى الآن تقتل وتدمر وتخرب وتحاصر بغية التجويع والتركيع وتعتقل وتعذب وتدنس المقدسات وتمنع الناس من الصلاة فيها وتسعى إلى هدمها، فليقل لنا الغرب المتحضر ماذا تكون العنصرية إن لم يكن هذا كله عنصرية؟

وأما عن حقوق الإنسان فيكفيني أن أنقل بعض المواد من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يتشدق الغرب بأنه راعيه وحاميه :

(يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميرًا، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضًا بروح الإخاء) (لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر) (لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه) (لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الخاصة بالكرامة) (لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفًا) (يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه) (لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، ولا يجوز حرمان شخص من جنسيته تعسفًا) (لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفا)

هذه بعض حقوق الإنسان الفرد، فما عساها تكون إذا كان الإنسان شعبًا وكانت الملكية وطنًا، وبماذا ينبغي أن يوصف الغرب إذا كان يدوس هذه الحقوق في حالة الشعب الفلسطيني ؟

وأما بالنسبة للشرعية الدولية، فأين حق الشعوب في تقرير مصيرها ؟ وعدم جواز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة ؟

وحق الشعوب في مقاومة الاحتلال ؟

وحق المدنيين تحت الاحتلال في الحماية ؟ إن الواقع يقول إن الغرب لا يكتفي بأن يضرب هذه المبادئ عرض الحائط، بل إنه يدعم الاحتلال والاستيلاء على الأرض وقتل المدنيين وتخريب بيوتهم ومزارعهم، ويمد الصهاينة بكل أنواع أسلحة البطش والقتل وحمايته سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا.

وإذا كان هذا كله متوقعًا من الغرب الظالم، فالمؤسف حقا هو موقف الحكومات العربية والإسلامية التي رضخت للضغوط وخضعت للتهديد واستسلمت للغواية وقبلت بيانًا هزيلاً لا يمس الكيان الصهيوني الغاصب بكلمة تجرح مشاعره، ولا بعبارة صدق تصفه بحقيقته البشعة، إرضاء لسادة البيت الأبيض وقادة أوربا، وبذلك أثبتت تلك الحكومات تبعيتها المطلقة للغرب، وانفصالها التام عن شعوبها بل عن مشاعر شعوب العالم الصادقة التي تجلت في موقف المنظمات غير الحكومية.

ورغم هذه السيئات كلها فلا شك أن المؤتمر كانت له منافع جمة، حسبما جاء في القول الأثير (رب ضارة نافعة) من هذه المنافع :

1) سقوط الأقنعة عن وجه الغرب القبيح وفضح نفاقه، حتى يستيقن المتشككون في ذلك.

2) بيان حقيقة الأنظمة والتأكد من أن سبب ضعفها وتهافتها أنها غير منتخبة ولا تمثل شعوبها.

3) التأكد من أن الضمير الشعبي العالمي لا يزال حيا، ولذلك يجب التعويل على الشعوب والتواصل مع المنظمات الأهلية، والصبر والدأب في شرح القضية والاهتمام بالعمل الإعلامي والدعاية الصحيحة حتى لدى الشعوب الغربية.

4) انكشاف دور أوربا وموقفها الحقيقي، وأنها تلعب مع أمريكا لعبة تكامل الأدوار.

5) أن الفضل في انحياز المنظمات الشعبية للحق مرجعه – بعد الله عز وجل – إلى الانتفاضة الفلسطينية وصبرها وصمودها وبطولة شعبها، وهذا يدفعنا إلى وجوب دعمها ونصرها بكل ما نستطيع ونبذل في سبيل تحقيق أهدافها كل غال ونفيس.

6) والنتيجة النهائية لكل ما سبق أننا لكي نستطيع مواجهة هذه الهجمة علينا بل لكي ننقذ البشرية مما انحدرت إليه ليس سوى الإسلام بمبادئه التي دمرت العنصرية من أول يوم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) "ليس منا من دعا إلى عصبية ومن قاتل على عصبية ومن مات على عصبية" " لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى" والذي فضل بلالا الحبشي وصهيبا الرومي وسلمان الفارسي على أبي لهب وأبي جهل العربيين، والذي صدر عن خليفته الثاني قوله "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا" والذي يرفض النفاق والتناقض بين القول والعمل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ) إلى آخر المبادئ التي تحتاج إلى حديث مستقل وصدق الله العظيم (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)