الهجرة والزلزال

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الهجرة والزلزال

د.إبراهيم زيد الكيلاني

ما وراء الطوفان

بين زلزال يتفجر في أعماق المحيط الهندي، فيهلك الحرث والنسل، ويجعل للفضائيات والصحافة العالمية حديثاً واسعاً عن الهلاك والضحايا، وما وراء الطوفان ..! وكذلك بجعل الحديث هادفاً حين يتحدثون عن المفاسد والشذوذ الذي كان يجري على سواحل هذا المحيط ومنتجعاته السياحية.

وبين زلزال آخر بدأ يتفجر في قلوب المجاهدين الذين اغتصبت أرضهم في [فلسطين] وفي العراق، وأخذوا يحولون الأرض ناراً على المحتلين الغاصبين، ليعقب هذا الزلزال هزات "للاحتواء" تتخذ من إشغال الناس بالانتخابات لأعطاء المحتل شرعية، وإعطاء نواب المحتل شرعية أخرى يمارسون من خلالها أشد أنواع القمع والبطش بالمقاومة ورجالها تحت ستار القانون والأمن (قانون الاحتلال، وأمن المحتل) !

إن نور الفجر حيث يبدأ يمحو أمواج الظلام، يترك أثره في نفوس الذين تعودوا على حياة الظلام والظلم، ويجمعون أمرهم لحجب النور، ولكن هيهات فشمس الله لا يحجبها حاجب، ونور الإسلام يغلب كل ظلام.

ولنقف عند السيرة النبوية، ودروس الهجرة المباركة لنتفيأ ظلالها ونحن نواجه لفح ريح المستعمر الصليبي الصهيوني، والله المستعان، وهذا ما نجمله بالنقاط التالية:

أولاً: كانت الدعوة الإسلامية زلزالاً في وسط المجتمعات الجاهلية وهي تدعو إلى التوحيد والعدل، وتحرير الإنسان، والعلم، ومحاربة الفقر والجوع والكهانة والشعوذة، وإقامة المساواة بين الناس.

ثانياً: حاول زعماء الجاهلية أن يخدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنازلات للاعتراف "بدينهم" مقابل أن يعترفوا بدينه، وليزيلوا الحواجز بين التوحيد والشرك، وبين الحق والباطل، أو لتلتقي عمامة العالم، وقبعة "الحاخام" الذي احتل الأرض، وهَوَّدَ المقدسات، وشَرَّدَ الشعب، في سبيل إطفاء نار المقاومة، وإخماد حرارة الزلزال !!

وكان توجيه القرآن الكريم واضحاً جلياً، مزلزلاً في تحريم تقديم التنازلات لأعداء الإسلام، الذين يريدون أن يخدعوا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بدعوته، ومداهنته ليعترف بدينهم، ويعطيه " الشرعية والمصداقية"؛ فأعلن القرآن الكريم التمييز، والمفاصلة.. (قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين).

وفي سورة القلم: (فلا تطع المكذبين، ودوا لو تدهن فيدهنون) وفي سورة الإسراء تربط الآيات بين ضغوط المشركين أصحاب السلطة والقوة، ليقدم النبي بعض التنازلات عن ثوابت دينه؛ ليعترفوا به، ويحظى باحترامهم، وخيراتهم، وبين ممارسة أنواع الأذى والكيد، والفتنة لاخراجه من بلده، ويرشد الله نبيه إلى الحصن الحصين الذي يلتجئ فيه إلى ربه ثابتاً على دينه مناجياً له في صلاته وقيامه، كما يرشده إلى الهجرة التي يجمع فيها أنصار دينه، وينظمهم لإقامة دولة الإسلام، وتحرير مكة من الشرك والمشركين، وليكون مدخل الصدق، ومخرج الصدق، في الهجرة والعودة، وانتصار الإسلام بظهور الحق، وإزهاق


الهجرة طريق التغيير والإصلاح

الباطل، في آيات متتابعة معجزة في سورة الإسراء: (الهجرة طريق التغيير والإصلاح:

الذي يستمع للفضائيات العربية وبرامجها ليلة استقبال العام 2005 الميلادي يجد ضياع العرب ممثلاً برجال الفكر والصحافة الذين أوسعوا الأنظمة نقداً، وأوسعوا أمريكا، الصهيونية شتماً، ولكنهم لم يهتدوا ولم يتفقوا على طريق الإصلاح والإنقاذ والتغيير فالأنظمة الاستبدادية، المدعومة من أمريكا وإسرائيل، تقدم الحماية لأمن أمريكا وأمن إسرائيل، وتقوم بقمع الشعوب، بأشد أنواع الفتك والإرهاب الذي تتحدث عنه سجون العدو الصهيوني، والعدو الأمريكي في "أبوغريب" و"غوانتانامو" وغيرها ... لا بد أن نخدع الشعوب، والعالم، بدمقراطية مزيفة، لا تسمن ولا تغني من جوع وهنا نجد أجراس الخطر تنذر ... البقاء، أو الهلاك لهذه الأمة، إذا لم تسلك طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإصلاح والمقاومة، والتحرير، وهذا ما سأحاول إيجازه بالنقاط التالية:

أولاً : حسن الاقتداء بسيرة النبي القائد.

ومن أعظم معالمها:

  1. الإيمان بالمبدأ والثبات عليه، ومقاومة الضغوط والمغريات وأسباب القمع.
  2. لا يأس ، ولا قنوط ولا استسلام.
  3. تجنيد المؤمنين، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
  4. الحرص على التربية الإيمانية، والثقافة السياسية: إن المجتمع الجاهلي القبلي تحول إلى رابطة الأخوة الإسلامية، التي حولتهم من حياة العداوة واستحلال بعضهم لدماء بعض، وأموال بعض، وأعراض بعض، إلى مجتمع المحبة والوحدة والرحمة الذي يرفع راية الإسلام، ويوحد الجزيرة في ظلها، ويحرر الأرض من ظلم كسرى وقيصر.

وفي هذه الحقبة من الزمن تعود الروابط الجاهلية التي حولت المجتمع العربي إلى دويلات أشبه بقبائل، تفتح الحدود أمام المحتل، وتقدم العون له، لاحتلال العراق، وترسيخ أقدامه في فلسطين.

فنسأل: أين المثقفون العرب، أين أصحاب الفكر والرأي من المحامين، والأطباء، والمهندسين، والإعلاميين، وما دورهم في معركة المصير.

والجواب: شغل هؤلاء بأنفسهم،ورتبهم،ورواتبهم وأما العلماء فهم فريقان: فريق يقاوم، وقاوم، وقدم الشهداء،ولا يزال وحده يواجه في العراق، وهيئة العلماء على رأس المقاومة، وفي فلسطين، وأسهمها وشهيد الفجر أحمد ياسين، وعبدالعزيز الرنتيسي، ويحيى عياش، وغيرهم من حفظة القرآن الكريم وأعلام الأمة هم الذين فجروا الانتفاضة المباركة وقادوا الأمة.

وفريق آخر رضي أن يكون في خندق الحاكم لاهثًا وراء رتبته وراتبه، فاقدًا احترامه عند الناس، وقد قطع صلته برب الناس!

2- حسن الانتفاع بسنن الله وآياته الكونية في القرآن الكريم، أو فيما نراه مشاهداً من هذه الآيات، أن نتوب لله ونرجع إليه شعباً وقائداً ورعية وراعياً.

قال تعالى: (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون، قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين، فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين) (سورة الأنبياء: 11-15).

وقد رأيت أن أنقل بعض عبارات الإمام المفسر الزمخشري:


يالثارات الأنبياء

قال الزمخشري: الآية " واردة عن غضب شديد ومنادية على سخط عظيم؛ لأن القصم أفظع الكسر - وكأن الزمخشري يفسر لنا ما صنعه الزلزال " سوني" من هلاك - ثم تحدث الزمخشري عن فساد بني إسرائيل وإهلاك الله لهم، وتسليط عدوهم عليهم بسبب محاربتهم لدعوة الله، وقتلهم للأنبياء فقال:"بعث الله إليهم نبياً فقتلوه، فسلط الله عليهم بختنصر، كما سلطه على أهل بيت المقدس فاستأصلهم، وروي أنهم لما أخذتهم السيوف ونادى مناد من السماء : يالثارات الأنبياء ندموا، واعترفوا بالخطأ.وذلك حين لم ينفعهم الندمٌ.

وتصور الآية فرار المعذبين من أمواج الهلاك لما شعروا بالخطر: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون، لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون).

قال الزمخشري: (وارجعوا إلى ما أترفتم فيه) من العيش الرافد والحال الناعمة، والإتراف إبطار النعمة وهي الترفه".

وكأن الآية تصف هؤلاء الذين كانوا يعيشون على سواحل البحار في لهوهم وفجورهم وخمورهم ومعاصيهم (لعلكم تسألون) تهكم بهم وتوبيخ، أي ارجعوا إلى نعيمكم ومساكنكم لعلكم تسألون غداً عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم ... "

3- الهجرة : هجرتان : هجرة القلب إلى الله، وهجرة المؤمنين إلى خندق النصرة والمقاومة، الذي يقرأ قوله تعالى في سورة الأنفال (إن الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض) وقد كانت توجيهات القرآن واضحة فيه أن الذين يقفون متفرجين - على الحياد - والمعركة ملتهبة بين جند الله وجند الشيطان هم من الذين ظلموا أنفسهم لا يجدون عند الله ما يرجون من رحمة .. قال تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض) .. وكان حكم الله فيهم: (فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً).

وفي هذه المرحلة من تاريخ الإسلام تبينت المعالم: فالأمريكية الصليبية المتصهينة، والصهيونية الحاقدة، اجتمعتا في فلسطين والعراق لتهويد الأرض والقدس والتاريخ والحضارة.ودور المحتل وأنصاره أن يحيدوا الأمة.

وصار للهجر .. في وجه هذا الاحتلال والتحديات مفهوم جهادي جديد يعني أن ينتزع المسلم نفسه، من شواغله، وهمومه الشخصية، لينضم إلى خندق المقاومة والجهاد بالنفس، وبالكلمة، وبالمال، وبالنصرة في كل درجاتها، معلنًا البراء والانخلاع من الظالمين والمغتصبين ومن يساعدونهم متوجهاً إلى الله بجهده وقلبه مهاجراً إليه ذاهبًا إلى معسكر أحبابه وأنصاره والله المستعان.

المصدر