الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الهجمة على السودان والأمة»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(أنشأ الصفحة ب'تذكرنا الهجمة القاسية والبالغة الشدة على الأمة الإسلامية بمخازى الغزو والقهر والهيمنة التى ح…')
 
لا ملخص تعديل
 
(١٠ مراجعات متوسطة بواسطة ٣ مستخدمين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
تذكرنا الهجمة القاسية والبالغة الشدة على الأمة الإسلامية بمخازى الغزو والقهر والهيمنة التى حاقت بالأمة على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، فما يحدث فى واقعنا الآن هو امتداد وترجمة واقعية لأهداف الغرب لتفكيك عرى الروابط بين مكونات الأمة وإبعاد الإسلام عن القيام بدوره الإصلاحى والاجتماعى والسياسى .
{{مقالة مراجعة أحداث}}


== <center>'''الهجمة على السودان والأمة'''</center> ==


وفى هذه الأيام تحاول الدول الغربية تركيع النظم والشعوب الأبية والصامدة، وتتداعى لأجل العدوان عليها، فمنذ ما يقرب من عشرين عاما على سبيل المثال بدأوا التغرير بالعراق والفتك به وإدخاله فى صراع مذهبى وطائفى، وها هو العدوان على الشعب الفلسطينى فى غزة لم تندمل جراحاته ومآسيه، والآن يتربصون بالسودان، ليس السودان الأرض والجغرافيا فحسب، ولكن السودان التاريخ والثقافة والهوية ومكوناتها الأفريقية العربية الإسلامية .
[[ملف:Sudan2.jpg|تصغير|<center>'''خريطة السودان'''</center>]]


تذكرنا الهجمة القاسية والبالغة الشدة على الأمة الإسلامية بمخازى الغزو والقهر والهيمنة التى حاقت بالأمة على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، فما يحدث فى واقعنا الآن هو امتداد وترجمة واقعية لأهداف الغرب لتفكيك عرى الروابط بين مكونات الأمة وإبعاد [[الإسلام]] عن القيام بدوره الإصلاحى والاجتماعى والسياسى .


وفى هذه الأيام تحاول الدول الغربية تركيع النظم والشعوب الأبية والصامدة، وتتداعى لأجل العدوان عليها، فمنذ ما يقرب من عشرين عاما على سبيل المثال بدأوا التغرير بالعراق والفتك به وإدخاله فى صراع مذهبى وطائفى، وها هو العدوان على الشعب الفلسطينى فى [[غزة]] لم تندمل جراحاته ومآسيه، والآن يتربصون بالسودان، ليس [[السودان]] الأرض والجغرافيا فحسب، ولكن السودان التاريخ والثقافة والهوية ومكوناتها الأفريقية العربية الإسلامية .


== أساس الصراع ==
== أساس الصراع ==


إن الهجمة شديدة القسوة على [[السودان]] والسعى لاغتيال رموزه سياسيا ومعنويا، هى نتيجة استعصاء النظام السودانى ورفضه القبول بالهيمنة الأجنبية، وسعيه الدائم لتثبيت دعائم مشروع حضارى لا يروق للغرب فى أوربا وفى أمريكا، فإن صمود الرئيس "[[عمر البشير]]" ونظامه وبمرجعيته الإسلامية يعتبره الغرب مبررا كافيا للعدوان وانتهاك سيادة الدولة وفرض الوصايا الدولية على الشعب السودانى، وانتقاص حقه فى التعبير عن تطلعاته وأمانيه بحرية وعدالة .


لقد جاء قرار اعتقال البشير ليكشف الحقائق ويضع الأمور فى نصابها، فإن صدور هذا القرار هو ترجمة حيّة ومنطقية للسياسات الغربية تجاه العالم الإسلامى، هذه السياسات التى تسعى لإحداث فوضى فى المجتمعات وزعزعة لاستقرارها، فليس من المستغرب أن تقع كل مناطق التوتر والقلق والتدخل الأجنبى العنيف، يقع كل ذلك فى مجتمعات إسلامية، ليس فقط السودان والصومال، ولكن يضاف إليها [[فلسطين]] و[[العراق]] و[[أفغانستان]] و[[باكستان]]، ولعلنا نتذكر أن هذه المناطق كانت مراكز إشعاع حضارى ساهمت فى نهضة البشرية.


إن الهجمة شديدة القسوة على السودان والسعى لاغتيال رموزه سياسيا ومعنويا، هى نتيجة استعصاء النظام السودانى ورفضه القبول بالهيمنة الأجنبية، وسعيه الدائم لتثبيت دعائم مشروع حضارى لا يروق للغرب فى أوربا وفى أمريكا، فإن صمود الرئيس "عمر البشير" ونظامه وبمرجعيته الإسلامية يعتبره الغرب مبررا كافيا للعدوان وانتهاك سيادة الدولة وفرض الوصايا الدولية على الشعب السودانى، وانتقاص حقه فى التعبير عن تطلعاته وأمانيه بحرية وعدالة .
إن الصراع الدولى حول "دارفور" هو صراع متعدد الأبعاد لا يقتصر فقط على الهمة فى نهب الموارد الطبيعية الظاهرة والكامنة فى هذه البلاد، ولكنه صراع حول الهوية لأجل تغريب ليس فقط أهل دارفور ولكن كل طوائف الشعب السوداني، ووضع حواجز بينها وبين [[الإسلام]] وفصلها عن الانتماء لجيرانها الشماليين عبر العديد من المشروعات السياسية، عبر ما يسمى التحول الديمقراطى الذى انتهكت باسمه حقوق الإنسان وجرى التدخل فى الشئون الداخلية للدول تحت مظلته .
 
 
لقد جاء قرار اعتقال البشير ليكشف الحقائق ويضع الأمور فى نصابها، فإن صدور هذا القرار هو ترجمة حيّة ومنطقية للسياسات الغربية تجاه العالم الإسلامى، هذه السياسات التى تسعى لإحداث فوضى فى المجتمعات وزعزعة لاستقرارها، فليس من المستغرب أن تقع كل مناطق التوتر والقلق والتدخل الأجنبى العنيف، يقع كل ذلك فى مجتمعات إسلامية، ليس فقط السودان والصومال، ولكن يضاف إليها فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان، ولعلنا نتذكر أن هذه المناطق كانت مراكز إشعاع حضارى ساهمت فى نهضة البشرية.
 
 
إن الصراع الدولى حول "دارفور" هو صراع متعدد الأبعاد لا يقتصر فقط على الهمة فى نهب الموارد الطبيعية الظاهرة والكامنة فى هذه البلاد، ولكنه صراع حول الهوية لأجل تغريب ليس فقط أهل دارفور ولكن كل طوائف الشعب السوداني، ووضع حواجز بينها وبين الإسلام وفصلها عن الانتماء لجيرانها الشماليين عبر العديد من المشروعات السياسية، عبر ما يسمى التحول الديمقراطى الذى انتهكت باسمه حقوق الإنسان وجرى التدخل فى الشئون الداخلية للدول تحت مظلته .
 
 


== نهب الموارد ==
== نهب الموارد ==


إن رؤيتنا للهجمة الغربية من منطلق حضارى لا يعنى إهمال أو تجاهل الأهداف الأخرى للدول الغربية، فيدلنا نشاط الشركات الأوربية والأمريكية العاملة فى [[السودان]] وفى أفريقيا على مدى الاستلاب الذى تتعرض له الشعوب فى هذه المناطق، فهذه الشركات وبدعم من دولها تحتكر النشاط الاقتصادى فى الصناعات الاستراتيجية والحيوية وتحرم السكان من جنى عوائدها .


 
إننا نرى أن دعم الدول الغربية لنهب ثروات الشعوب هو سياسة منظمة للإفقار والحرمان من عناصر ومقومات النهضة، هذا الوضع لا يحدث فى [[السودان]] فقط، ولكن أيضا فى دولة [[نيجيريا]] التى يحرم سكانها من الاستمتاع بعوائد النفط، وينطبق أيضا على مناطق زراعة البن والمطاط فى غرب أفريقيا .
إن رؤيتنا للهجمة الغربية من منطلق حضارى لا يعنى إهمال أو تجاهل الأهداف الأخرى للدول الغربية، فيدلنا نشاط الشركات الأوربية والأمريكية العاملة فى السودان وفى أفريقيا على مدى الاستلاب الذى تتعرض له الشعوب فى هذه المناطق، فهذه الشركات وبدعم من دولها تحتكر النشاط الاقتصادى فى الصناعات الاستراتيجية والحيوية وتحرم السكان من جنى عوائدها .
 
 
إننا نرى أن دعم الدول الغربية لنهب ثروات الشعوب هو سياسة منظمة للإفقار والحرمان من عناصر ومقومات النهضة، هذا الوضع لا يحدث فى السودان فقط، ولكن أيضا فى دولة نيجيريا التى يحرم سكانها من الاستمتاع بعوائد النفط، وينطبق أيضا على مناطق زراعة البن والمطاط فى غرب أفريقيا .
 
 


== ما أشبه الليلة بالبارحة ==
== ما أشبه الليلة بالبارحة ==


إن التداعى الدولى على السودان ومنذ عام [[2004]] ميلادية، يكشف عن جانب كبير من التواطؤ والمؤامرة الدولية، فلقد نال السودان وحده خلال تلك الفترة اهتماما غير عادى ، فقد أصدر مجلس الأمن أحد عشر قرارا خلال هذه الفترة، عكست هذه القرارات وما لحق بها من سياسات ومؤامرات استهداف تفتيت دولة السودان ووقوعها فى صراعات عرقية وطائفية .


 
إن ما يحدث من تواطؤ دولى فى هذه المرحلة لا يختلف، بل يتطابق مع التواطؤ الدولى فى مؤتمر برلين (1884) والذى أدى لتكالب الغزو الأوربى على أفريقيا، فهذا المؤتمر قسم أفريقيا وأخضعها لمصالح الاستعمار ومشاريعه الثقافية والفكرية، وهو ما يذكرنا أيضا بالاستعمار البرتغالى الذى دمر الحواضر الإسلامية وبدأ مشاريع وسياسات فرض التنصير على الشعوب الأفريقية، هذه هى ذات [[السياسة]] التى تمارسها اليوم أمريكا وأوربا فهى من ناحية تدعم عمل الكنائس فى أفريقيا وتتيح لها حرية التحرك، فيما تعمل على وقف مناشط الجمعيات والمنظمات الإسلامية تحت دعوى مكافحة ما يسمى "الإرهاب" وهذا ما نعتبره نوعا من التضليل والخداع .
إن التداعى الدولى على السودان ومنذ عام 2004 ميلادية، يكشف عن جانب كبير من التواطؤ والمؤامرة الدولية، فلقد نال السودان وحده خلال تلك الفترة اهتماما غير عادى ، فقد أصدر مجلس الأمن أحد عشر قرارا خلال هذه الفترة، عكست هذه القرارات وما لحق بها من سياسات ومؤامرات استهداف تفتيت دولة السودان ووقوعها فى صراعات عرقية وطائفية .
 
 
إن ما يحدث من تواطؤ دولى فى هذه المرحلة لا يختلف، بل يتطابق مع التواطؤ الدولى فى مؤتمر برلين (1884) والذى أدى لتكالب الغزو الأوربى على أفريقيا، فهذا المؤتمر قسم أفريقيا وأخضعها لمصالح الاستعمار ومشاريعه الثقافية والفكرية، وهو ما يذكرنا أيضا بالاستعمار البرتغالى الذى دمر الحواضر الإسلامية وبدأ مشاريع وسياسات فرض التنصير على الشعوب الأفريقية، هذه هى ذات السياسة التى تمارسها اليوم أمريكا وأوربا فهى من ناحية تدعم عمل الكنائس فى أفريقيا وتتيح لها حرية التحرك، فيما تعمل على وقف مناشط الجمعيات والمنظمات الإسلامية تحت دعوى مكافحة ما يسمى "الإرهاب" وهذا ما نعتبره نوعا من التضليل والخداع .
 
 


== إزدواجية المعايير ==
== إزدواجية المعايير ==


وإزاء هذا الوضع نستطيع إن نقول أن ازدواجية المعايير لم تعد قاعدة أو مبدأ فقط، بل هى عقيدة وأساس التوجهات والمواقف الغربية، هذه العقيدة التمييزية والتى تستبعد الآخر ولا تقبل به طرفا أو شريكا، بل إنها لا تعترف به أصلا، هذه العقيدة باتت تشكل وتصبغ كل التصرفات والسياسات، فهناك إزدواجية على مستويات عديدة على مستوى الدول والشعوب والأفراد .
وإزاء هذا الوضع نستطيع إن نقول أن ازدواجية المعايير لم تعد قاعدة أو مبدأ فقط، بل هى عقيدة وأساس التوجهات والمواقف الغربية، هذه العقيدة التمييزية والتى تستبعد الآخر ولا تقبل به طرفا أو شريكا، بل إنها لا تعترف به أصلا، هذه العقيدة باتت تشكل وتصبغ كل التصرفات والسياسات، فهناك إزدواجية على مستويات عديدة على مستوى الدول والشعوب والأفراد .


== [[تهويد القدس]] ==
== [[تهويد القدس]] ==


وفى الوقت الذى تستعر فيه الهجمة على [[السودان]]، لا يتوقف الكيان الصهيونى عن التوسع فى عمليات [[تهويد القدس]] (عاصمة الثقافة العربية عام[[2009]]م)، فبالإضافة إلى اغتصابه لأرض [[فلسطين]] فإنه يحاول ويسعى لاغتصاب ما تبقى منها، وبطريقة لا تقل فظاعة عن ما ارتكبه من جرائم منذ أن وطأت أقدام [[الصهاينة]] الأراضى الفلسطينية .


 
إن ما يحدث الآن من طرد لسكان [[القدس]] [[الشرقية]] من مساكنهم وبيوتهم هو مصادرة للحق فى العيش الآمن ومصادرة للحق فى السكن ومصادرة للحق فى الوطن، ورغم هذه المآسى ورغم ادعاءات الغرب بحماية حقوق الإنسان، لم نجد الدول الغربية أو الشرقية تأخذ خطوة واحدة حيال ما يحدث من انتهاكات بشعة، هذا فى الوقت الذى ثارت فيه همتها إزاء النظام السودانى، وهذا ما نعتبره تقويضا لمبدأ العدالة .
وفى الوقت الذى تستعر فيه الهجمة على السودان، لا يتوقف الكيان الصهيونى عن التوسع فى عمليات تهويد القدس (عاصمة الثقافة العربية عام2009م)، فبالإضافة إلى اغتصابه لأرض فلسطين فإنه يحاول ويسعى لاغتصاب ما تبقى منها، وبطريقة لا تقل فظاعة عن ما ارتكبه من جرائم منذ أن وطأت أقدام الصهاينة الأراضى الفلسطينية .
 
 
إن ما يحدث الآن من طرد لسكان القدس الشرقية من مساكنهم وبيوتهم هو مصادرة للحق فى العيش الآمن ومصادرة للحق فى السكن ومصادرة للحق فى الوطن، ورغم هذه المآسى ورغم ادعاءات الغرب بحماية حقوق الإنسان، لم نجد الدول الغربية أو الشرقية تأخذ خطوة واحدة حيال ما يحدث من انتهاكات بشعة، هذا فى الوقت الذى ثارت فيه همتها إزاء النظام السودانى، وهذا ما نعتبره تقويضا لمبدأ العدالة .
 
 


== واجبات الأمة ==
== واجبات الأمة ==


إننا لن نعول كثيرا على الغرب أن ينصفنا وإخواننا، أو ينصف إسلامنا العزيز علينا، وإنما أردنا أن نضع الأمور فى نصابها، ونوضح حقيقة ما يجرى وما يحدث، وهذا ما يلقى علينا تبعة التحدى والمسئولية .
إننا لن نعول كثيرا على الغرب أن ينصفنا وإخواننا، أو ينصف إسلامنا العزيز علينا، وإنما أردنا أن نضع الأمور فى نصابها، ونوضح حقيقة ما يجرى وما يحدث، وهذا ما يلقى علينا تبعة التحدى والمسئولية .


لقد استطاع الاستعمار غزو بلداننا والعبث بثقافتنا وتهديد أمننا بسبب تفرقنا وتخلفنا العلمى، فلابد من العمل على توطيد أواصر الوحدة وتطوير سياسات النهضة الاجتماعية والسياسية، هذه القضية تعد من الضروريات التى تقتضيها المرحلة الحالية، فالعالم الإسلامى يقف على عتبة تغييرات كبيرة وتتوافر لديه الإمكانات والموارد .
لقد استطاع الاستعمار غزو بلداننا والعبث بثقافتنا وتهديد أمننا بسبب تفرقنا وتخلفنا العلمى، فلابد من العمل على توطيد أواصر الوحدة وتطوير سياسات النهضة الاجتماعية والسياسية، هذه القضية تعد من الضروريات التى تقتضيها المرحلة الحالية، فالعالم الإسلامى يقف على عتبة تغييرات كبيرة وتتوافر لديه الإمكانات والموارد .


إن القضية الأساسية التى تشغلنا هى قضية التحرر من الغزو الاستعمارى الجديد وتعزيز الاستقلال الوطنى ومقاومة سياسات النهب والاستلاب، والتمسك بالهوية الإسلامية، والعمل على تطوير حركة تحرر تستند إلى المشروع الحضارى الإسلامى الذى يراعى حقوق غير المسلمين.
إن القضية الأساسية التى تشغلنا هى قضية التحرر من الغزو الاستعمارى الجديد وتعزيز الاستقلال الوطنى ومقاومة سياسات النهب والاستلاب، والتمسك بالهوية الإسلامية، والعمل على تطوير حركة تحرر تستند إلى المشروع الحضارى الإسلامى الذى يراعى حقوق غير المسلمين.


ولذلك فإن على الشعب السودانى وقواه الفاعلة العمل على تماسك الجبهة الداخلية، فضلا عن ضرورة التحرك السريع لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي للعمل بشكل متضامن للخروج من الأزمات والتوترات التى تحيق بالمنطقة كلها وليس بدولة السودان وحدها، وإننا ندرك أن هناك عقبات ستواجه الجميع فى المرحلة الحالية، ولكن عظم التحديات يفرض علينا التوحد والتمسك بهويتنا وحضارتنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(آل عمران: من الآية200).
ولذلك فإن على الشعب السودانى وقواه الفاعلة العمل على تماسك الجبهة الداخلية، فضلا عن ضرورة التحرك السريع لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي للعمل بشكل متضامن للخروج من الأزمات والتوترات التى تحيق بالمنطقة كلها وليس بدولة السودان وحدها، وإننا ندرك أن هناك عقبات ستواجه الجميع فى المرحلة الحالية، ولكن عظم التحديات يفرض علينا التوحد والتمسك بهويتنا وحضارتنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(آل عمران: من الآية200).


[[تصنيف:أحداث صنعت التاريخ]]


 
[[تصنيف:تصفح الويكيبيديا]]
== المصدر: ==
[[تصنيف:مقالات مختارة أحداث صنعت التاريخ]]
 
 
الشرقية أون لاين - 12/3/2009 م رسالة من محمد مهدى عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين
 
رسالة الإخوان 16 ربيع أول 1430 هـ/ 13 مارس 2009م-  العدد 585

المراجعة الحالية بتاريخ ١٠:٤٣، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٠


الهجمة على السودان والأمة

خريطة السودان

تذكرنا الهجمة القاسية والبالغة الشدة على الأمة الإسلامية بمخازى الغزو والقهر والهيمنة التى حاقت بالأمة على مدى ما يقرب من قرن من الزمان، فما يحدث فى واقعنا الآن هو امتداد وترجمة واقعية لأهداف الغرب لتفكيك عرى الروابط بين مكونات الأمة وإبعاد الإسلام عن القيام بدوره الإصلاحى والاجتماعى والسياسى .

وفى هذه الأيام تحاول الدول الغربية تركيع النظم والشعوب الأبية والصامدة، وتتداعى لأجل العدوان عليها، فمنذ ما يقرب من عشرين عاما على سبيل المثال بدأوا التغرير بالعراق والفتك به وإدخاله فى صراع مذهبى وطائفى، وها هو العدوان على الشعب الفلسطينى فى غزة لم تندمل جراحاته ومآسيه، والآن يتربصون بالسودان، ليس السودان الأرض والجغرافيا فحسب، ولكن السودان التاريخ والثقافة والهوية ومكوناتها الأفريقية العربية الإسلامية .

أساس الصراع

إن الهجمة شديدة القسوة على السودان والسعى لاغتيال رموزه سياسيا ومعنويا، هى نتيجة استعصاء النظام السودانى ورفضه القبول بالهيمنة الأجنبية، وسعيه الدائم لتثبيت دعائم مشروع حضارى لا يروق للغرب فى أوربا وفى أمريكا، فإن صمود الرئيس "عمر البشير" ونظامه وبمرجعيته الإسلامية يعتبره الغرب مبررا كافيا للعدوان وانتهاك سيادة الدولة وفرض الوصايا الدولية على الشعب السودانى، وانتقاص حقه فى التعبير عن تطلعاته وأمانيه بحرية وعدالة .

لقد جاء قرار اعتقال البشير ليكشف الحقائق ويضع الأمور فى نصابها، فإن صدور هذا القرار هو ترجمة حيّة ومنطقية للسياسات الغربية تجاه العالم الإسلامى، هذه السياسات التى تسعى لإحداث فوضى فى المجتمعات وزعزعة لاستقرارها، فليس من المستغرب أن تقع كل مناطق التوتر والقلق والتدخل الأجنبى العنيف، يقع كل ذلك فى مجتمعات إسلامية، ليس فقط السودان والصومال، ولكن يضاف إليها فلسطين والعراق وأفغانستان وباكستان، ولعلنا نتذكر أن هذه المناطق كانت مراكز إشعاع حضارى ساهمت فى نهضة البشرية.

إن الصراع الدولى حول "دارفور" هو صراع متعدد الأبعاد لا يقتصر فقط على الهمة فى نهب الموارد الطبيعية الظاهرة والكامنة فى هذه البلاد، ولكنه صراع حول الهوية لأجل تغريب ليس فقط أهل دارفور ولكن كل طوائف الشعب السوداني، ووضع حواجز بينها وبين الإسلام وفصلها عن الانتماء لجيرانها الشماليين عبر العديد من المشروعات السياسية، عبر ما يسمى التحول الديمقراطى الذى انتهكت باسمه حقوق الإنسان وجرى التدخل فى الشئون الداخلية للدول تحت مظلته .

نهب الموارد

إن رؤيتنا للهجمة الغربية من منطلق حضارى لا يعنى إهمال أو تجاهل الأهداف الأخرى للدول الغربية، فيدلنا نشاط الشركات الأوربية والأمريكية العاملة فى السودان وفى أفريقيا على مدى الاستلاب الذى تتعرض له الشعوب فى هذه المناطق، فهذه الشركات وبدعم من دولها تحتكر النشاط الاقتصادى فى الصناعات الاستراتيجية والحيوية وتحرم السكان من جنى عوائدها .

إننا نرى أن دعم الدول الغربية لنهب ثروات الشعوب هو سياسة منظمة للإفقار والحرمان من عناصر ومقومات النهضة، هذا الوضع لا يحدث فى السودان فقط، ولكن أيضا فى دولة نيجيريا التى يحرم سكانها من الاستمتاع بعوائد النفط، وينطبق أيضا على مناطق زراعة البن والمطاط فى غرب أفريقيا .

ما أشبه الليلة بالبارحة

إن التداعى الدولى على السودان ومنذ عام 2004 ميلادية، يكشف عن جانب كبير من التواطؤ والمؤامرة الدولية، فلقد نال السودان وحده خلال تلك الفترة اهتماما غير عادى ، فقد أصدر مجلس الأمن أحد عشر قرارا خلال هذه الفترة، عكست هذه القرارات وما لحق بها من سياسات ومؤامرات استهداف تفتيت دولة السودان ووقوعها فى صراعات عرقية وطائفية .

إن ما يحدث من تواطؤ دولى فى هذه المرحلة لا يختلف، بل يتطابق مع التواطؤ الدولى فى مؤتمر برلين (1884) والذى أدى لتكالب الغزو الأوربى على أفريقيا، فهذا المؤتمر قسم أفريقيا وأخضعها لمصالح الاستعمار ومشاريعه الثقافية والفكرية، وهو ما يذكرنا أيضا بالاستعمار البرتغالى الذى دمر الحواضر الإسلامية وبدأ مشاريع وسياسات فرض التنصير على الشعوب الأفريقية، هذه هى ذات السياسة التى تمارسها اليوم أمريكا وأوربا فهى من ناحية تدعم عمل الكنائس فى أفريقيا وتتيح لها حرية التحرك، فيما تعمل على وقف مناشط الجمعيات والمنظمات الإسلامية تحت دعوى مكافحة ما يسمى "الإرهاب" وهذا ما نعتبره نوعا من التضليل والخداع .

إزدواجية المعايير

وإزاء هذا الوضع نستطيع إن نقول أن ازدواجية المعايير لم تعد قاعدة أو مبدأ فقط، بل هى عقيدة وأساس التوجهات والمواقف الغربية، هذه العقيدة التمييزية والتى تستبعد الآخر ولا تقبل به طرفا أو شريكا، بل إنها لا تعترف به أصلا، هذه العقيدة باتت تشكل وتصبغ كل التصرفات والسياسات، فهناك إزدواجية على مستويات عديدة على مستوى الدول والشعوب والأفراد .

تهويد القدس

وفى الوقت الذى تستعر فيه الهجمة على السودان، لا يتوقف الكيان الصهيونى عن التوسع فى عمليات تهويد القدس (عاصمة الثقافة العربية عام2009م)، فبالإضافة إلى اغتصابه لأرض فلسطين فإنه يحاول ويسعى لاغتصاب ما تبقى منها، وبطريقة لا تقل فظاعة عن ما ارتكبه من جرائم منذ أن وطأت أقدام الصهاينة الأراضى الفلسطينية .

إن ما يحدث الآن من طرد لسكان القدس الشرقية من مساكنهم وبيوتهم هو مصادرة للحق فى العيش الآمن ومصادرة للحق فى السكن ومصادرة للحق فى الوطن، ورغم هذه المآسى ورغم ادعاءات الغرب بحماية حقوق الإنسان، لم نجد الدول الغربية أو الشرقية تأخذ خطوة واحدة حيال ما يحدث من انتهاكات بشعة، هذا فى الوقت الذى ثارت فيه همتها إزاء النظام السودانى، وهذا ما نعتبره تقويضا لمبدأ العدالة .

واجبات الأمة

إننا لن نعول كثيرا على الغرب أن ينصفنا وإخواننا، أو ينصف إسلامنا العزيز علينا، وإنما أردنا أن نضع الأمور فى نصابها، ونوضح حقيقة ما يجرى وما يحدث، وهذا ما يلقى علينا تبعة التحدى والمسئولية .

لقد استطاع الاستعمار غزو بلداننا والعبث بثقافتنا وتهديد أمننا بسبب تفرقنا وتخلفنا العلمى، فلابد من العمل على توطيد أواصر الوحدة وتطوير سياسات النهضة الاجتماعية والسياسية، هذه القضية تعد من الضروريات التى تقتضيها المرحلة الحالية، فالعالم الإسلامى يقف على عتبة تغييرات كبيرة وتتوافر لديه الإمكانات والموارد .

إن القضية الأساسية التى تشغلنا هى قضية التحرر من الغزو الاستعمارى الجديد وتعزيز الاستقلال الوطنى ومقاومة سياسات النهب والاستلاب، والتمسك بالهوية الإسلامية، والعمل على تطوير حركة تحرر تستند إلى المشروع الحضارى الإسلامى الذى يراعى حقوق غير المسلمين.

ولذلك فإن على الشعب السودانى وقواه الفاعلة العمل على تماسك الجبهة الداخلية، فضلا عن ضرورة التحرك السريع لجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي للعمل بشكل متضامن للخروج من الأزمات والتوترات التى تحيق بالمنطقة كلها وليس بدولة السودان وحدها، وإننا ندرك أن هناك عقبات ستواجه الجميع فى المرحلة الحالية، ولكن عظم التحديات يفرض علينا التوحد والتمسك بهويتنا وحضارتنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(آل عمران: من الآية200).