الوثائق البريطانية التي تدين الحكومات المصرية العميلة في حربها للإخوان المسلمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢١:٣١، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٠ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'الوثائق البريطانية التي تدين الحكومات المصرية العميلة في حربها للإخوان المسلمين.. محمود الصبا…')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الوثائق البريطانية التي تدين الحكومات المصرية العميلة في حربها للإخوان المسلمين.. محمود الصباغ حقيقة التنظيم الخاص مقدمة تحرص الحكومات التي تحكم في ظل الاستعمار البريطاني أن تتظاهر للأمة بأنها تتخذ قراراتها في شئون البلاد الداخلية بوحي من إرادتها الوطنية، دون تدخل للمستعمر في هذه الشئون، وأن كل الحكمة من وجود قوى الاحتلال في هذه البلاد هي الدفاع عن البلاد في حالة تعرضها لهجوم غادر من دولة أجنبية أخرى. ويتفنن الاستعمار الإنجليزي في إبرام معاهدات الصداقة بين حكومة إنجلترا وبين مثل هذه الحكومات، تحشوها بعبارات السيادة والاستقلال الزائفة، وذلك للاستهلاك المحلي حتى تقبل الشعوب نصوص هذه المعاهدات وهي تستشعر بعض العزة والكرامة ولكنها تضمن للمحتل استمرار قواته جاثمة على صدر الدولة المحتلة، ومن هذا المنطلق يوحي السفير البريطاني لرئيس الدولة باتخاذ القرارات التي تتفق مع مصالح الاستعمار العالمية، وأن يمهد لهذه القرارات بسيل من الشعارات الوطنية الرنانة، حتى تتهيأ الأذان لقبولها وكأنها ذروة الأماني الوطنية، فيهتفون لهؤلاء الحكام مشيدين بانتصاراتهم، حتى في الحروب التي انهزموا فيها، ولقد صور المرحوم أحمد شوقي بك أمير الشعراء هذه الحقيقة في مسرحيته الشعرية مصرع كليوباترا، فقال رحمه الله على لسان حابي أحد المصريين مخاطبًا من يدعي «ديون»: اسمع الشعب ديون

كيف يوحون إليه

ملأ الجو هتافا بحياتي قاتليه

أثر البهتان فيه وانطلى الزور عليه

يا له من ببغاء عقله في أذنيه

والذي يعنينا في هذا الفصل هو أن نسرد نصوص الوثائق البريطانية والأمريكية التي كشف عنها المؤرخ محسن محمد بعد أن مضت المدة القانونية لسريتها، ورفعت كل من الحكومتين البريطانية والأمريكية الحظر على نشرها، وتقتصر على موضوع الكتاب، فهي تؤيد بالدليل المادي ما ذهبنا إليه في الفصل السابق من خيانات حومتي محمود فهمي النقراشي، وإبراهيم عبدا لهادي، كما تضمنت أن هذه الخيانات لم تكن صادرة عن عقائد خاطئة لهذين الفحلين، الذين مارسا أعمال الوطنية والفداء في شبابهما، ولكنها كانت خيانات عميلة للمستعمر ينفذها الخائن بأسلوب يستحي المستعمر أن يسلكه لشدة انحرافه وبعده عن كل قيمة إنسانية.

ولابد لي أن أسجل قبل أن أحاول عرض هذه الوثائق، أنها لا تعطي كل الحقيقة ولكنها تكشف الجزء الذي يسمح المستعمرون بكشفه في الزمن الحالي اعتقادًا منهم أنه لا يضر بمصالحهم، أما الوثائق التي لا تزال نصوصها تمثل خطورة على مصالح الاستعمار في حالة نشرها، فإنها تظل محظورة رغم مرور المدة القانونية التي تكفي لرفع الحظر. إن العدو يقظ وهو حريص دائما أن يلبس مسوح الود والإخلاص ليتسرب إلى أعماق الإدارات المحلية فيقودها لتحقيق مآربه في سهولة ويسر، وإن الوثائق الآتية هي خير دليل على ذلك كله بشهادة العدو نفسه، كما أنني أحذر القارئ من العبارات المغرضة التي دست في هذه الوثائق للإساءة إلى الإخوان المسلمين ويمكن للقارئ أن يلمحها فور قراءتها، إلا أنني حرصت لأمانة النقل أن أنقلها كما جاءت في جريدة «المسلمون» دون أدنى تغيير. الوثائق ( ): أولا: رصد الأعداء لفكرة الإخوان المسلمين وأهدافهم تمهيدًا للتعامل معهم على أساس من الدراسة العلمية: (العدد 44 من مجلة المسلمون): (أ) قال هيوات دان- رجل المخابرات البريطانية في مصر الذي يجيد اللغة العربية وتزوج مصرية مسلمة- في بحث قدمه سرًا للإنجليز ثم نشره بعد ذلك كتابًا ولكن بأسلوب مختلف عن جماعة الإخوان المسلمين قال: «تتمتع الجماعة بشعبية تفوق ما كان يتمتع به الوفد عند نشأته، وفي عصره الذهبي ويرجع ذلك إلى حسن البنا فهو رجل تنظيم على درجة عالية من الكفاءة، يصوغ تعاليمه الدينية بطريقة بارعة تمكنه من جذب خيرة شباب البلد إليه، ومجموعة أخرى من أصحاب المناصب والمكانة الطيبة. وهو يتوجه إلى المشاعر الدينية، ويستخدم التنويم المغناطيسي العميق خلال خطبه وأحاديثه». (ب) قالت المفوضية الأمريكية: «خطورة الإخوان تكمن في المبادئ المتعصبة التي تعتنقها، وطبقًا لما يقول الإخوان، مادامت مصر دولة إسلامية فيجب أن تحكم بقانون القرآن». (ج) قالت السفارة البريطانية: «الهدف المعلن للجماعة إقامة حكومة ومؤسسات مصرية على أساس المبادئ القرآنية الأصيلة، ونبذ الثقافة الغربية التي تعتبرها الجماعة مسئولة عما أصاب المجتمع المصري من انهيار الأخلاق، وانحلال السلوك، وفساد القيم، فقد جلبت على الشعب ما يعانيه من تعاسة وفقر، ومهمة الجماعة إقامة تنظيم قوي لديه مشاعر العداء للأجانب» انتهى وواضح أن المقصود من كلمة الأجانب هو الاستعمار ولكن بصيغة مهذبة. ثانيًا: رصد لنشاط الإخوان المسلمين تمهيدًا لضربه ضربة قاضية: (العدد 45 من جريدة المسلمون): كتبت المخابرات البريطانية تقريرًا تقول فيه: «قبل الحرب العالمية الثانية بلغ عدد فروع الإخوان في مصر نحو 500 فرع ويرجع انتشارها السريع إلى أسباب منها فشل السياسيين الفاسدين في مصر في كبح جماح القلاقل الاجتماعية، فمكن ذلك من يدعو لاتخاذ الإسلام منهجًا من جذب أتباع من البيئة المضطهدة، وأصبح الإخوان بعد رعاية علي ماهر لهم، يتمتعون بدرجة ما من الاكتفاء الذاتي». ويفسر الأستاذ محسن محمد التقارب بين علي ماهر وبين الإخوان بالحقائق الآتية:

كان علي ماهر خصمًا للوفد، ولم يكن عضوًا في الحزب السعدي، أو حزب الأحرار الدستوريين أصحاب الأغلبية في مجلس النواب. ومن هنا سعى علي ماهر إلى الحصول على تأييد الإخوان المسلمين، وأيده في ذلك صالح حرب، وعبد الرحمن عزام، وعزيز المصري، وقابئل هؤلاء جميعًا الملك فاروق الذي كان يميل للألمان ويعادي الوفد والإنجليز، ويرى أن تجمعات الإخوان يمكن استغلالها في معارضة الوفد. ويؤيد الأستاذ محسن محمد وجهة نظره هذه بالبرقية التالية الصادرة من السفير البريطاني اللورد كيلرن إلى لندن: «عمل علي ماهر باشا بنشاط من وراء الكواليس لتأكيد سياسته الخاصة بالحركات المعادية للأجانب من خلال التنظيمات الإسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين، وحركة مصر الفتاة، وجماعة الإخوان المسلمين وعدد آخر من الجمعيات الإسلامية أقل شهرة والتي تمارس نشاطها في الخفاء. وأخذ علي ماهر باشا يشجع نوادي وجمعيات الشباب، وكان الهدف انتظام الأجيال القادمة تحت راية الملكية الوطنية المتطرفة، وكراهية الأجانب والمفهوم التقليدي للإسلام في مواجهة التيار الأكثر ليبرالية كحزب الوفد- وللأقباط نفوذ فيه- فإن مكرم عبيد باشا كان سكرتيرًا عامًا للوفد.. وكذلك في مواجهة الاحتلال الأجنبي». والكلمة الأخيرة من هذه البرقية هي بيت القصيد، فكل ما ذكره اللورد كيلرن عن كراهية الأجانب إنما هو تعبير فيه تورية، والمقصود الحقيقي منه هو كراهية الاحتلال. أما علي ماهر باشا نفسه فلم يكن له من هذا كله إلا سياسته الثابتة بتجنيب مصر ويلات الحرب وهي السياسة التي نالت تأييد جميع الهيئات الشعبية في مصر ومنها الإخوان المسلمون فالتفوا حوله وأيدوه. ثالثًا: الأعداء يبدءون أول مناوشة مع الإخوان المسلمين: (العدد 45 من جريدة المسلمون: استقال علي ماهر باشا وتولى الحكم بعده حسن صبري باشا الذي توفى وهو يلقي خطاب العرش داخل البرلمان فخلفه حسين سري باشا صديق الإنجليز، فبدأ الإنجليز في توجيه أول مناوشة مع الإخوان المسلمين مستعينين بصديقهم حسين سري باشا، وقد بلغت السلطات البريطانية حسين سري باشا أن حسن البنا يعمل في أوساط الإخوان لحساب إيطاليا وطلبت هذه السلطات إلى رئيس الوزراء العمل على الحد من نشاطه، وقد ورد هذا النص في مذكرات الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف في وزارة حسين سري. رأى حسين سري باشا نقل البنا إلى بلد ناء في الصعيد وكلف محمد حسين هيكل باشا بتنفيذ القرار بصفته وزيرًا للمعارف، تحقيقًات لهدف الإنجليز في الحد من نشاطه. وقد سجل السير مايلز لاميسون (اللورد كليرن) في البرقية 338 هذه الواقعة على استحياء، فهو يحاوب أن ينسب القرار إلى حسين سري باشا شخصيًا ثم يتهم تصرف حسين سري باشا بالشكل الفج الذي اتخذ به القرار بأن صرح أن القرار قد صدر بناء على اقتراح السفير البريطاني، ولتدرك هذه المعاني أيها الأخ العزيز اقرأ نص البرقية -338 الصادرة من السفير البريطاني السير مايلز لاميسون: «كانت الملامح الرئيسية التي تميزت بها التطورات السياسية في مصر ازدياد حدة الصراع بين رئيس الوزراء وعلي ماهر باشا. هاجم رئيس الوزراء علي ماهر باشا في معاقله الإدارية وشتت صنائع خصمه بالتنقلات. وهاجم سري باشا علي ماهر باشا في التنظيمات الإسلامية التابعة لماهر باشا بنفيه حسن البنا رئيس جماعة الإخوان المسلمين إلى قنا. ويبدو أن رئيس الوزراء تصرف في هذه المسألة بشكل فج، فقد صرح بأنه اتخذ هذا الإجراء بناء على اقتراح السفير البريطاني، ولم يتعامل في هذه المسألة بمقتضى السلطات المخولة له بوصفه حاكمًا عسكريًا». والفقرة الأخيرة من هذه البرقية توضح بجلاء السياسة البريطانية التي تعتمد في تنفيذ مآربها على الأيدي المحلية، وتطلب منهم أن لا يعلنوا أنهم يتخذون قراراتهم تلبية لرغبة الإنجليز، بل عليهم أن يلبسوا القرارات الثوب الوطني الصادر من السلطات المخولة لهم بقوة القانون، وما ما نفذه النقراشي باشا بكل إخلاص عندما قرر حل الإخوان وادعى أن ذلك تم استنادًا إلى سلطاته المخولة له بقوة القانون، ولم يذكر أبدًا حتى في مجالسه الخاصة أنها رغبة بريطانية، حتى لا يشد أحد أذنه كما شد السير مايلز لاميسون أذن حسين سري عندما صرح بأن الإنجليز هم الذين طلبوا نقل حسن البنا، فوصف هذا التصريح بأنه اتخذ القرار بطريقة فجة، أي خالية من نضوج أساتذة العمل في خدمة بريطانيا الذين يخفون تمامًا دور بريطانيا الكائن وراء قراراتهم. رابعًا: الإنجليز يخسرون الجولة في هذه المناوشة: (العدد 45 من مجلة المسلمون): (أ) قال هيكل باشا في مذكراته: «أدى نقل البنا إلى ما لم يؤد إليه نقل مدرس غيره، جاءني غير واحد من النواب الدستوريين يخاطبني في إعادته إلى القاهرة ويرجوني في ذلك بإلحاح، ولما لم أقبل هذا الرجاء ذهب هؤلاء إلى رئيس الحزب عبد العزيز فهمي باشا وطلبوا إليه أن يخاطبني في الأمر، وخاطبني الرجل فذكرت له أن حسين سري باشا هو الذي طلب نقل الشيخ بحجة أن له نشاطًا سياسيًا، وأن النشاط السياسي محرم على رجال التعليم، كما أنه محرم على غيرهم من الموظفين، وأنه لا مانع عندي من إعادة الرجل إلى مدرسة المحمدية بالقاهرة. وخاطب عبد العزيز باشا رئيس الوزراء في الأمر وذلك له إلحاح طائفة من النواب الدستوريين ذوي المكانة، وأبدى لي سرى باشا أنه لا يرى مانعًا من إعادة الرجل إلى القاهرة فأعدته» -انتهى كلام محمد حسين هيكل باشا. وهكذا عاد الإمام الشهيد إلى القاهرة في يونيو من نفس العام وكان نصر الله للمؤمنين عظيمًا. ويسجل السفير البريطاني خسارته لهذه الجولة في برقية بالنص الآتي: «إن القصر الملكي بدأ يجد في الإخوان أداة مفيدة، وأن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم المحافظين بعدم التدخل في أنشطة الإخوان الذين يعملون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد». وقال السفير: «لا شك أن الجماعة استفادت كثيرًا من محاباة القصر لها كما نالت التأييد المادي والمعنوي من العصبة المعادية لبريطانيا التي يرأسها علي ماهر. وعلى أية حال فإن نتيجة قرار النقل والعدول عنه أفادت البنا فإن تراجع رئيس الوزراء الأسبق أشعر الشيخ حسن بأنه له من القوة ما يسمح بمضاعفة نشاطه من غير أن يخشى مغبة ذلك النشاط وأن هذا الشعور كان له أثره في تطوير الإخوان المسلمين». وهذه الفقرة الأخيرة هي بيت القصيد ففيها اعترف الإنجليز بأنهم خسروا الجولة الأولى من المناوشات بسب محافظة حسين سري باشا على كرامته وإجابته للمطلب الشعبي بعودة الأستاذ البنا إلى القاهرة رغم إرادة الإنجليز، ولكن السفير البريطاني لا بد أن يستعمل الواقعة ليدق إسفينًا أكبر ضد الإخوان المسلمين. (ب) طلبت السلطات البريطانية من سري باشا اعتقال حسن البنا وأحمد السكري وكيل الجماعة وكان السبب في ذلك تقارير المخابرات البريطانية التي أجمعت على أن الإخوان يقومون بدعايات مضادة للإنجليز ويخطبون ضد المخابرات في اجتماعات شعبية، ويجمعون معلومات عن تحركات القوات البريطانية ويجرون اتصالا مع موظفي السكك الحديدية ومع العاملين في المستودعات والمعسكرات البريطانية. وقد سببت تقارير المخابرات التي تقول: إن هناك شكوك في أن الإخوان يخططون للقيام بعملية تخريبية شاملة ضد المنشآت الحيوية وشبكة الاتصالات البريطانية، سببت هذه التقارير قلقًا كبيرًا للسفارة رغم أنها غير مما دعاها إلى أن تطلب من حسين سري باشا اعتقال البنا وأحمد السكري وعبد الحكيم عابدين فاعتقلتهم الحكومة في 16 أكتوبر سنة 1941 في معتقل الزيتون بالقاهرة، بناء على طلب الإنجليز. وأوقف سري باشا صحف الإخوان «التعارف» و «الشعاع» الأسبوعيتين و «المنار» الشهرية وأغلق مطبعتهم وحظر اجتماعاتهم ومنع الصحف من نشر أبناء عن الإخوان المسلمين واجتماعاتهم. ومرة أخرى تحرك الكثيرون للدفاع عن الإمام الشهيد وبينهم توفيق دوس باشا نائب منفلوط الذي قدم استجوابًا في مجلس النواب بشأن اعتقال حسن البنا بناء على طلب من الأخ محمد حامد أبو النصر (المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين) وهو من أبناء منفلوط. وانهالت العرائض والالتماسات على الملك ورئيس الوزراء تطلب الإفراج عن الشيخ، واعتصم الطلاب في مسجد السلطان حسين بالقاهرة، وفي 12 نوفمبر ألقت الشرطة القبض على 16 طالبًا يحاولون تنظيم اجتماع للاحتجاج على اعتقال زعيم الجماعة. فقرر سري باشا إطلاق سراح زعماء الإخوان المسلمين في اليوم التالي وكان نصر الله للمؤمنين عظيما. ولم يعجب هذا القرار السفير البريطاني بالطبع، فسأل سري باشا عن سبب الإفراج عن حسن البنا رغم أن السفير نفسه هو الذي أصر على الاعتقال. أجاب رئيس الوزراء: «أن افتتاح البرلمان سيجري بعد يومين، ولا استطيع ضمان النظام والأمن في ذلك اليوم إذا استمر اعتقال البنا وزميليه». ولم يعجب هذا الكلام السفير البريطاني بالطبع، فحسين سري صديق للإنجليز ولكنه يحتفظ بماء وجهه عند اللزوم، ويحافظ على كرامته أحيانًا، ومن ثم فلا يمكن أن تعتمد على أمثاله المصالح البريطانية. ولهذا السبب قرر الإنجليز استبدال حسين سري باشا بمصطفى النحاس باشا في 4 فبراير سنة 1942 دون مواربة أو استحياء، بل بأن حاصرت الدبابات البريطانية قصر عابدين وفرضت قرارها على الملك بالقوة المسلحة -فالإنجليز رجال عمليون لا تهمهم الصداقة كثيرا، بل تهمهم المصلحة. وعلى العموم فقد خرج الإخوان من هذه المناوشة وقد ظهرت قوتهم واضحة بعد أن أفرج عن الإمام الشهيد وصحبه في خلال أقل من شهر واحد على الرغم من أن الاعتقال كان في ظروف الحرب التي يسيطر فيها الإنجليز بيد من حديد على الشئون الداخلية لمصر وكان يمكن أن يمتد الاعتقال إلى سنوات عديدة، وكان ذلك دليل تسليم الإنجليز بشعبية الإخوان المسلمين التي لا يمكن تحديها في ظروف الحرب. خامسًا: الإنجليز يتخوفون من الهدنة القائمة بين حزب الوفد وبين الإخوان المسلمين باعتبارهما أكبر هيئتين شعبيتين في مصر: (العدد 47 من جريدة المسلمون): كتب السفير البريطاني يقول: «تتخذ العلاقات بين الإخوان والوفد شكل الهدنة من الناحية الفعلية ومن المفيد بالنسبة للإخوان أن يحتفظوا بعلاقات طيبة مع الوفد طالما أن المعارضة من شأنها أن تؤدي إلى إغلاق مقارهم واعتقال قادتهم وإلحاق أضرار جسيمة بمستقبل الجماعة، وقد التزم حسن البنا بنصيبه من الاتفاق بالامتناع عن توجيه النقد الاستفزازي للحكومة رغم أن موقعه الفكري من مبادئ الوفد لم يتغير. أما الوفد فظل ينظر إلى أنشطة هذه الجماعة بعين الشك ويحرص على القيام بالمراقبة الدقيقة لهذه الأنشطة، وتبقى العلاقات بين الطرفين متقلبة لا تستقر، والهدنة لا تدوم». والعبارة الأخيرة هي أهم العبارات لأنها تعبر عن أمل السفير في أن يقع صدام بين الوفد والإخوان يؤدي إلى القضاء على الإخوان وعزمه على تحقيق هذا الأمل. سادسًا: الأمريكان يتخوفون أيضًا من استمرار حسن العلاقة بين الإخوان والوفد: (العدد 47 من جريدة المسلمون): تلقت المفوضية الأمريكية 320 رسالة في يوم واحد وردت لها من 70 مركزًا للإخوان في القاهرة و 143 مركزًا في الأقاليم، وكتبت كل رسالة بأسلوب مختلف وكلها تحتج على الموقف الأمريكي فيما يتعلق بفلسطين، التي هي عربية تماما، وهم يتوقعون إعلانًا صريحًا يهدئ المشاعر ويضمن للعرب وطنهم. وقد كان انعكاس هذه الرسائل عند القائم بالأعمال الأمريكية هو برقيته إلى واشنطن في 29 أبريل سنة 1944م قائلاً: «ينظر النحاس إلى البنا باعتباره قوة يحسب لها حساب، فقد حضر أعضاء من وزارته اجتماعات أقامها البنا وقيل إنه منح الجماعة إعانة مالية كبيرة. ومن الواضح أن الإخوان مستعدون للتعاون مع الحكومة الحالية الموجودة في السلطة ومن المشكوك فيه أن يتبع الإخوان هذه الحكومة إلى المعارضة في حالة سقوط الوزارة. ونشاط الجماعة المقبل غير واضح ويمكن أن تصبح مثارًا للإزعاج أو حتى للخطر من زاوية طابعها الديني المتعصب». والفقرة الأخيرة هي أيضًا أهم العبارات لأنها تثير الحكومة الأمريكية ضد الإخوان وتزرع لديها اتجاه العمل على القضاء عليهم ولو عن طريق إيقاع فتنة بينها وبين حزب الوفد. سابعًا: الإنجليز يتدخلون صراحة في منع الإخوان من دخول البرلمان: (العدد 48 من جريدة المسلمون): عندما انتهت مهمة مصطفى النحاس في حكم البلاد أثناء الحرب لضمان الاستقرار فيها حتى ينتصر الخلفاء أقيل مصطفى النحاس في 8 أكتوبر سنة 1944م، وكلف أحمد ماهر برئاسة الوزراء، وقد حل مجلس النواب يوم 15 نوفمبر وحدد يوم 8 يناير سنة 1945م موعدًا لإجراء الانتخابات وقد رشح الإمام الشهيد نفسه في دائرة الإسماعيلية، كما رشح خمسة من الإخوان أنفسهم في دوائر أخرى. وقد أعيدت الانتخابات بين الإمام الشهيد والدكتور سليمان عيد متعهد توريد الأغذية لقوات الجيش البريطاني في منطقة القناة، لأن أيا منهما لم يحصل على عدد الأصوات اللازمة للفوز في الجولة الأولى. وفي الإعادة تدخل الإنجليز والحكومة بصورة أكثر سفورًا حيث: 1- طرد الحاكم العسكري البريطاني مندوب فضيلة الأستاذ حسن البنا من اللجان الانتخابية في سيناء وقام مندوبو الحزب السعدي بملء الصناديق بالأصوات المؤيدة على هواهم. 2- تولت سيارات الجيش البريطاني نقل العمال من المعسكرات البريطانية إلى صناديق الانتخابات للتصويت لصالح الدكتور عيد ببطاقات مزورة، فجميعهم مقيدون في دوائر انتخابية خارج منطقة القنال. 3- حشدت الحكومة وأنصارها وقامت بتزوير الانتخابات ضد فضيلة الأستاذ حسنا البنا وزملائه الخمسة الذين رشحوا أنفسهم في دوائر أخرى كمستقلين. وكانت نتيجة التزوير والتدخل البريطاني هي سقوط جميع مرشحي الإخوان، وعندما أعلن فوز مرشح الحكومة في الإسماعيلية كادت تحدث فتنة لولا تدخل الإمام الشهيد حيث خطب في الجموع قائلا: «هذه الحشود الهائلة بهذه الصورة الرائعة تصم الحكومة بالتزوير والتضليل، إن مراجلكم تغلي بالثورة، وعلى شفا الانفجار ولكن اكظموا غيظكم وانصرفوا إلى منازلكم وبلادكم مشكورين مأجورين لتفوتوا على أعدائكم فرصة الاصطدام بكم. إن عجز أمة أن تدفع بأحد أبنائها إلى البرلمان ليقول كلمة الحق والسلام لدليل على أن الحرية رياء وهباء، وأن الاستعمار سر البلاء». ثامنًا: الإنجليز يشيدون بنجاح حكومة النقراشي في الوقيعة بين الإخوان والوفد ويضاعفون التحذير من قوة الإخوان بعد محاولتهم الوقيعة بين النقراشي والإخوان: (العدد 49 من جريدة المسلمون): تمادى أحمد ماهر باشا في تحدي رغبات الشعب المصري إلى حد اتجاهه لإعلان الحرب على ألمانيا رغم تذكر كل طبقات الشعب من استمرار الاحتلال الإنجليزي لمصر بعد كسب الحرب بفضل جهودها، فقتله أحد الشبان الوطنيين من الحزب الوطني وهو المحامي محمود العيسوي، وخلفه في الوزارة محمود فهمي النقراشي باشا. اتهم جميس بوكر شخصيات عليا بأنها مولت بعض صحف المعارضة واتهم الوفد بأنه موال بالمال حزب مصر الفتاة وجمعية الشبان المسلمين، وقال إن فؤاد سراج الدين عرض أموالاً على جماعة الإخوان المسلمين ولكنهم رفضوا طبقًا لسياستهم في عدم التعاون مع الوفد، وذلك في برقية أرسلها إلى لندن على أثر الحملة العنيفة التي شنتها الصحف ضد بريطانيا والصهيونية بمناسبة قرب ذكرى وعد بلفور. وقد حاولت السير والترسمارت المستشار الشرقي للسفارة البريطانية أن يوقع بين حكومة النقراشي والإخوان، فذهب إلى حسن رفعت باشا وكيل وزارة الداخلية وقال له: «يتحرق حسن البنا شوقًا ليحل محل النحاس باشا والوفد». رد حسن رفعت قائلاً: «لا يمكن أن نعارض أمرءًا يمثل التطور الطبيعي» وأضاف: «يتعاون الإخوان المسلمون معي للتقليل في حجم المظاهرات التي ستجري غدًا بشأن قضية فلسطين في ذكرى وعد بلفور. لقد صاروا الآن أقوياء للغاية كما أن البنا قائد ملتزم تماما، وهو خطيب مفوه، ولديه قدرة عالية على التنظيم». قال والتر سمارت: «من الخطر مساندة الإخوان واستخدامهم كسلاح حتى لا يأتي اليوم تجد فيه هذه الحكومة، وكل الحكومات، أن التعامل معهم صار أمرًا عسيرًا، فهم جماعة تعمل في الظلام ومعادية للأجانب. واستخدامهم كسلاح يؤدي بالتأكيد إلى نمو قوتهم، وبالتالي تصبح السيطرة عليهم مستحيلا، وإني أدرك بالطبع زيادة قوتهم، ولكني متمسك برأيي في أن أنشطتهم يمكن أن تؤدي إلى قيام حركة معادية للأقباط». رد حسن رفعت قائلا: «لا اعتقد بوجود خطر من وراء ذلك فحسن البنا حريص للغاية على عدم السماح بمثل هذه الأعمال». أصر سمارت على موقفه وقال: «لازلت متمسكًا تماما برأيي في أن أي تشجيع للإخوان المسلمين يعد من الأمور الخطيرة». وقد اشترك الإخوان فعلا في تنظيم المظاهرات المعادية للصهيونية والاستعمار في ذكرى وعد بلفور، ولكنهم تمكنوا من تقليل أعمال التخريب التي حثت عليها الأحزاب المعارضة مثل الوفد ومصر الفتاة، كما استطاع الإمام الشهيد بعد ساعة أن ينصح المتظاهرين بالتفرق فأطاعوا وانصرفوا بنظام وقد شعر الوفد بالسخط على الإخوان الذين أسهموا في تهدئة أعمال الشغب الأمر الذي استبشر به السير والتر سمارات في برقية إلى لندن يقول: «يشعر الوفد بالسخط تجاه موقف الإخوان الذين قاموا بتهدئة أعمال الشغب التي وقعت أخيرًا بين صفوف الطلاب وقد اعتبر الوفد موقف الإخوان نوعًا من الخيانة. وقد تلاعب فؤاد سراج الدين بالإخوان المسلمين لبعض الوقت ولا شك أنه قدم إليهم بعض المال., وعلى أية حال فإن حكومة النقراشي تبدو كما لو أنها نجحت في الوقيعة بين الوفد والإخوان. لقد أصبحت الجماعة تضم حوالي نصف مليون عضو في مصر وافتتحت فروعًا لها في فلسطين وسوريا، ودفع الاستياء الذي يشعر به المصريون تجاه قادة الأحزاب السياسية الحالية إلى أن ينضم عدد منهم إلى الجماعة التي وجدت أعضاء لها بين الطبقات الراقية في المجتمع بعد أن كانت لا تضم إلا أبناء الطبقات الدنيا. ومن الواضح أن الإخوان المسلمين سلاح ذو حدين، فيمكن أن يكونوا اليوم أصحاب دور فعال في وقف أعمال الإثارة ثم يقوموا غدًا بدور خطير في التحريض على مثل هذه الأعمال وخاصة في القضايا الدينية مثل قضية فلسطين، ولا أظن أن بمقدورنا القيام بأكثر من تحذير حسن رفعت». وتشير هذه البرقية إلى اضطراب السياسة البريطانية من تزايد قوة الإخوان المسلمين وترحيبها بالوقيعة التي تصوروا أن حكومة النقراشي نجحت في إحداثها بين الوفد والإخوان عندما نسقت حكومة النقراشي تعاونا بينها وبين الإخوان للتخفيف من حوادث الشغب التي كان الوفد يخطط لمضاعفتها، لأن مثل هذه الوقيعة تخلق خصما قويًا للإخوان بمنع تزايد قوتهم، وذلك على الرغم من أن السير والترسمارت كان يحرض حسن رفعت ضد الإخوان رغم علمه أن الإخوان يساعدون الحكومة في التقليل من حوادث الشغب، فكأن الإنجليز قد وجدوا أنفسهم من فرط ارتباكهم يؤيدون الأمر ونقيضه في وقت واحد، بينما كان تخطيط رفعت أحكم منهم فهو يستفيد من روح الإصلاح عند الإخوان ليحقق وقيعة بينهم وبين الوفد دون أن يشعروا، وقد شعر الإنجليز بحكمة حسن رفعت وأشاروا إليها في البرقية. تاسعًا: الإنجليز يرحبون باشتدادت الخصومة بين الوفد والإخوان: (الأعداد 50، 51 من جريدة المسلمون): استمرت سياسة الإنجليز في تشجيع الحكومات المتعاقبة للوقيعة بين الوفد والإخوان، وقد اتهم أحد رجال الوفد إسماعيل صدقي صراحة أنه يستخدم الإخوان في محاربة الوفد، حيث قال إبراهيم فرج: إن صدقي ظن بدهائه أنه يستطيع بالإخوان محاربة الوفد، وكان من نتيجة هذا التصريح أن قامت اشتباكات في أنحاء كثيرة بين الوفد وبين الإخوان. وقد اجتمع المرشد العام مع مصطفى النحاس باشا لبحث إمكانية التقارب بين الهيئتين ولكن السفير البريطاني السير رونالد كامبل كان وراء فشل هذه المحاولة وأعلن: «أن الرجلين بحثا إمكانية التقارب في اجتماع عاصف ولكنهما لم ينتهيا إلى اتفاق حاسم». كما بعث السفير البريطاني إلى لندن برقية رقمها 1233 قال فيها: «هناك صراع خطير بين الوفد والإخوان في بورسعيد. قتل اثنان وأصيب كثيرون، وانتهز الوفد الفرصة فطالبت صحفه بحل الإخوان لأنها منظمة شبه عسكرية. وقتل الإخوان أحد الوفديين ولكن الوفد استعاد قوته.. والإخوان أضعف من الوفد». ويكرر الإمام الشهيد محاولته لإفساد الخطة الإنجليزية فيعلن ما نصه: «لا زلنا نجهل الدافع إلى خصومة الوفد والإخوان، ويقرر أنه ليس من داع لهذه الخصومة إلا التنافس الحزبي، ويزيدنا أسفًا وألما أن نحارب بأسلحة عجيبة: سلاح الكذب والافتراء بالإشاعة الكاذبة وسلاح التشويه بارتكاب الجرائم واستعداء الحكومة على حريات الإخوان والتحريش والشغب»، وتنجح محاولة الإمام الشهيد في تخفيف حدة الخلاف بين الوفد والإخوان فيجتمع بالإسكندرية الأستاذ أحمد السكري وكيل الإخوان بفؤاد سراج الدين سكرتير عام الوفد، وتنشر صحيفة الإخوان أن الحديث تناول وجوب أن تزول الخصومة بين الجماعة والوفد، وأن يحل محلها تفاهم وتعاون في هذا الظرف الدقيق أو أن تكون هدنة تحول اشتغال كل منهما بالآخر. وترصد كل من السفارة الأمريكية والسفارة الإنجليزية هذا التقارب، مع تشويهه أو تمنى الفشل له بنسبته إلى الأغراض الشخصية. فترى السفارة الأمريكية أن الجماعة هادنت الوفد لتحصل على معونته المالية، فتعوضها عن المساعدات التي توقف صدقي عن تقديمها، وتقول السفارة أن السكري له طموح سياسي وكذلك فؤاد سراج الدين، وكل منهما أراد التحالف لحسابه، ولكن العداء بين الوفد والجماعة لم ينته، فالوفد لا يريد أن ينافسه أحد في النفوذ بين الجماهير، وقد تأثر هذا النفوذ نتيجة قوة الإخوان، ولذلك يريد فرصة لإعادة تنظيم صفوفه حتى يتخذ موقفًا استراتيجيا ليهدم الإخوان ويدمرهم. ويريد الوفد أيضا أن يفسد دعاية الإخوان ضده، فقد أعلن المرشد العام من قبل أنه يعارض الوفد والشيوعية مما يعني تحالف الوفد والشيوعية ولذلك يسعى الوفد بتحالفه الجديد من الإخوان إلى هدم فكرة ارتباطه بالشيوعيين. وقالت السفارة الأمريكية: «إن اتفاق الوفد والجماعة سيفشل بعد تحقيق هدفهما المشترك وعندما يجد كل منهما الوقت المناسب لذلك». وقالت السفارة البريطانية: «علاقات الإخوان بالوفد طيبة إلى حد كبير، ولكن كل منهما يعمل مستقلا ولا يتفقان إلا على ضرورة أن يمتنع كل طرف عن التدخل في أنشطة الطرف الآخر». وكان القائم بالأعمال البريطاني قد كشف اللعبة التي يلعبها إسماعيل صدقي للوقيعة بين الإخوان والوفد في خطابه إلى لندن حين سمح صدقي بالمظاهرات التي اشترك فيها الوفد والإخوان والحزب الوطني ومصر الفتاة والشيوعيون فقال القائم بالأعمال. «هذا جزء من اللعبة الديماجوجية، لقد ألغى تدابير الحكومة السابقة بمنع اجتماعات الإخوان المسلمين، وكلف حسن رفعت باشا وكيل وزارة الداخلية من جانب صدقي باشا بتنفيذ هذه السياسة». أما المفوضية الأمريكية فقد كتبت إلى واشنطن تقول: «يتزايد تنظيم الإخوان كل يوم كقوة سياسية، وبالذات منذ تولي صدقي باشا السلطة وقد رفع رئيس الوزراء الحظر الذي فرضه النقراشي باشا على اجتماعات الإخوان وهو يجامل الإخوان، ربما بدعم مالي بأمل فصم ارتباطهم بالوفد». عاشرًا: السبب الرئيسي في حرص الإنجليز على الوقيعة بين الوفد والإخوان: لقد أوضح اللورد كيلرن في تقاريره إلى لندن السبب الرئيسي في حرص الإنجليز على الوقيعة بين الوفد والإخوان، وهو تخوف الإنجليز من أن تقوم ثورة في مصر عقب الحرب العالمية الثانية تطالب بالجلاء والاستقلال على غرار ثورة 1919 التي قامت عقب الحرب العالمية الأولى بقيادة حزب الوفد. وإذا ما تحقق هذا الحدس فإن تعاون الإخوان مع الوفد يجعل مثل هذه الثورة خطيرة للغاية، فقد دوخ المصريون الإنجليز في ثورة 1919 وهم عزل من السلاح، فماذا يكون الموقف لو قامت ثورة مشابهة وتعاون فيها الوفد مع الإخوان الذين يتسلحون بأسلحة متطورة. ويذكر اللورد كيلرن ذلك صراحة في تقاريره إلى لندن كما جاءت في العدد 49 من مجلة المسلمون حيث يقول: «استمر تهريب الأسلحة على نطاق واسع والتي كان شراء معظمها من مخلفات الجيوش التي شاركت في معارك الصحراء الغربية خلال الحرب العالمية الثانية وبدت سلطات الأمن عاجزة عن القيام بأي شيء حيال هذا الأمر. ولم يتوقف الأمر عند وجود تفتيش غير دقيق على شراء الأسلحة خلال هذه الحروب غير النظامية، بل كان في وسع سكان الأقاليم تحدي جهود السلطات لتنظيم حيازة الأسلحة النارية والإفلات من العقاب. وزاد من صعوبة مهمة الحكومة في التعامل مع هذه المشكلة أن الأسلحة المحظورة كانت من أنواع متطورة للغاية بينما كانت قوات الأمن المصرية المسلحة في الغالب بأسلحة قديمة لا تصلح إطلاقًا لاستخدامها لغرض فرض احترام القانون على القرويين المسلحين تسليحًا جيدًا. إن انتشار حيازة الأسلحة صار عاملاً جديدًا وخطيرًا على التأثير في العلاقات المصرية البريطانية، وفي حالة نشوب أية أعمال عنف معادية لبريطانيا على نطاق واسع سيصبح التعامل مع عناصر الشعب أكثر صعوبة عما كان عليه في عام 1919 منذ كانت معظم هذه العناصر غير مسلحة عام 1919م. وتحت ظل هذا الرعب كان الإنجليز يقبلون من حكومات الأقلية تخفيف الضغط أحيانًا عن الإخوان المسلمين بقصد اجتذابهم وعرقلة تعاونهم مع الوفد، ولكنها لم تكن تسمح لهذه الحكومات بالتمادي في هذه السياسة إلا بالقدر الضئيل الذي يحقق غاية الفرقة بين الإخوان والوفد، فإذا ما تحقق هذا الغرض كلفوهم بالضغط على الإخوان، وفي هذه المعاني يكتب الوزير المفوض البريطاني جيمس بوكر ما يأتي: «يجب أن نذكر أن الوفد لم يستطع عند افتتاح الجامعة في أكتوبر الماضي جذب الطلاق للتظاهر خارج الجامعة بسبب عدم تعاون الإخوان معه، فإنهم كانوا حينذاك يناصرون الحكومة. ويبدو أن خروج الإخوان إلى الشارع جنبًا إلى جنب مع الوفد، إنما يشير إلى اعتقاد الإخوان بأن حكومة النقراشي تقضي أيامها الأخيرة. ويشير ذلك أيضا إلى ضيق الجماعة بالحكومة التي بدأت أخيرًا في التضييق على أنشطة الإخوان. وبعد ذلك إشارة إلى التأثير المتزايد للجماعة، فعندما قررت أن تلقي بثقلها إلى جانب أعمال الشغب والاضطرابات كان لذلك أثره الفعال» والواضح أن تقرير اللورد كيلرن عن انتشار تسليح الإخوان المسلمين يفيد أن الحكومة أخفت عن الإنجليز تصريحها للإخوان بشراء السلاح، ولكن الأمر الواقع كان ظاهرًا لأجهزة المخابرات البريطانية الدقيقة، فظهر ذلك في تقاريرها، كما سيتضح فيما بعد. حادي عشر: الأمريكان يرصدون خطورة الإخوان على الصهيونية: (العدد 54 من جريدة المسلمون): كتبت السفارة الأمريكية إلى واشنطن تقول: «سيكون دور الإخوان المسلمين مهمًا في إثارة المسلمين في كل مكان ضد اليهود ومن يؤيدونهم إذا أصبح النضال لإنقاذ فلسطين دينيًا بجانب كونه سياسيًا». ثاني عشر: الإنجليز يحرضون المسئولين في مصر ضد الإخوان المسلمين صراحة: (العدد 57 من جريدة المسلمون): أبرق الوزير البريطاني تشايمان أندروز إلى لندن بنص ما قاله لحسن يوسف في تحذيراته من الإخوان وذلك في برقيته رقم 1679 عند وقوع حوادث انفجارات في القاهرة. «هذه الحوادث هي النتيجة الطبيعية للسماح لمنظمات مثل الإخوان المسلمين بالخروج عن نطاق السيطرة، وعدم اتخاذ عمل سريع جاد يسمح به القانون ضد أولئك المدنيين في مؤامرات الاغتيال وقتل أناس مثل أمين عثمان باشا والقاضي أحمد الخازندار بك. ومن المعروف للجميع أن الإخوان المسلمين والحاج أمين الحسيني مفتي القدس السابق يملكون مخازن كبيرة من المتفجرات والأسلحة لاستخدامها في فلسطين ظاهريًا، وسماح أية حكومة بمثل هذا الوضع يعتبر بمثابة دعوة لحدوث متاعب من هذا النوع. وتستطيع الحكومة بالتأكيد أن تقوم بعمل فعال حتى الآن لتحطيم هذه المنظمات»، والمستفادة من هذه البرقية هو علم الإنجليز بتصريح الحكومة للإخوان والهيئة العربية بحيازة السلاح واعتبارها الخازندار بك واحدًا من رجالها مثل أمين عثمان تمامًا. رد حسن يوسف بأنه يخشى أن يكون الإخوان المسلمون قد صاروا أقوى من أن يتم تحطيمهم بهذا الشكل، فسأله الوزير البريطاني عما يقترح عمله، ولكن حسن يوسف هز كتفيه يائسًا. وهنا يعد القسم الشرقي في وزارة الخارجية البريطانية مذكرة تاريخها 7 ديسمبر سنة 1948 أي قبل صدور حل الإخوان المسلمين بيوم واحد تستحث فيه على الاستهانة بقيادة الشعب الذي يجري في مصر وتحض على القضاء عليهم بدعوى أنهم يشجعون غيرهم ممن يهددون السلام ويفتحون الطريق أمام التغلغل الشيوعي مستقبلا، حيث تقول المذكرة المؤرخة 7 ديسمبر سنة 1948: «لا شك أن الشعب في مصر يقوده طلبة الجامعة عمومًا، وصبيان المدارس والسوقة مستعدون للانضمام للشغب من أجل النهب. ولا يجب أن ينظر إليهم بجدية كتعبير عن الرأي العام، ولكنهم يكشفون عن عجز الحكومة على الحفاظ على الأمن، فيشجعون غيرهم ممن يهددون السلاح ويفتحون الطريق أمام التغلغل الشيوعي مستقبلاً» ويلاحظ على هذه المذكرة التورية مبالغة في الحذر حيث وضعت عبارة قيادة الشعب الذي يجري في مصر، بدلا من قيادة الإخوان المسلمين المعنية تمامًا بهذه العبارة. وفي يوم 8 ديسمبر سنة 1948 وهو تاريخ صدور قرار حل الإخوان المسلمين أعدت وزارة الخارجية البريطانية مذكرة عن الموقف في مصر بصفة عامة قالت: «كان واضحًا منذ وقت طويل مضى، أنه ما لم يتلق الزعماء المصريون والرعب الآخرون وخاصة الجامعة العربية صدمة بالغة الشدة، من نوع ما تخرجهم من إطارهم الفكري، المتبجح والمدعي فسوف تستمر الأمور في الشرق الأوسط في تدهور»، ويلاحظ أيضًا على هذه التورية إمعانًا في إخفاء اسم الإخوان المسلمين صراحة، وقد استبدلها بعبارة: «الزعماء المصريون» كما استبدلت الهيئة العربية العليا بعبارة: «الزعماء العرب الآخرون». ومن ثم يكون المقصود بالصدمة بالغة الشدة هم الإخوان المسلمون والهيئة العربية العليا بقيادة الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين وجامعة الدول العربية المشرفة على تنظيم التطوع الشعبي للقتال في فلسطين. ذلك لأن دور المقاومة الشعبية في فلسطين، وضد اليهود في مصر، كان قد بلغ ذروته بإشراف من الجامعة العربية كما سبق أن أوضحنا في هذا الكتاب. وفي نفس التاريخ يصدر قرار حل هيئة الإخوان المسلمين بتوقيع محمود فهمي النقراشي باشا، فمن إذن الذي حرض على قرار الحل؟ الإنجليز أم أي شيء آخر؟ ثالث عشر: الإنجليز يتنصلون من تحريضهم الحكومة ضد الإخوان بعد أن نفذه النقراشي خضوعًا لإرادتهم: (العدد 58 من جريدة المسلمون): أعلن الإخوان المسلمون أن قرار حل جمعيتهم إنما صدر بتحريض سافر من الإنجليز وقدموا على ذلك دليلين: 1- طلبت السفارة البريطانية من النحاس باشا عام 1942 والحرب العالمية على أشدها والألمان على الأبواب حل الإخوان المسلمين وتعطيل نشاطهم فأبى أن يجيبها إلى ذلك واكتفى بإغلاق الشعب كلها مع بقاء المركز العام إلى حين (وهذا هو الفرق بين حكومات الأغلبية الحريصة على شعبها وبين حكومات الأقلية العميلة للمحتل). 2- أن سفراء بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا اجتمعوا يوم 20/ 11/ 1948 في معسكرات القوات البريطانية في فايد قرب الإسماعيلية وقرورا أن يتقدم السفير البريطاني باسمهم إلى السلطات المصرية بحل جماعة الإخوان المسلمين في أقرب وقت مستطاع. وقد ضاق الإنجليز ذرعًا بنشر نصوص الرسائل المتبادلة في هذا الشأن في مجلة الدعوة الصادرة في 31 يناير سنة 1951، فزار تشايمان اندروز الوزير البريطاني المفوض إبراهيم عبد الهادي باشا في منزله وقال له: هذه الوثائق مزورة، وإني أطلب منك أن تعلن ذلك باعتبارك رئيس الوزارة التي قبض في عهدها على المتهمين في سيارة الجيب وغيرها. وأضاف أندروز إذا وجدت حرجًا في النشر بالصحف أو الاتصال بالقضاء فإن السفارة البريطانية على استعداد لإعلان ذلك رسميًا، ولكن إبراهيم عبد الهادي اعتذر، فكلف الوزير المفوض المستشار القانوني للسفارة البريطانية المستر مورى جراهام بإرسال رسالة إلى وحيد رأفت مستشار الرأي لوزارة الخارجية المصرية يقول فيها: «إن أمر حل الإخوان المسلمين لم يكن محل حديث بين السفارة والحكومة المصرية». ويعلق الأستاذ محسن محمد على هذه الرسالة قائلاً: وكان موري يكذب فإن مقابلات السفير البريطاني السير رونالد كامبل للوزراء يقطع بأن السفير ألح على ضرورة الحل». وأقول إن اعتذار إبراهيم عبد الهادي لم يكن تحديا للإرادة البريطانية ولكنه كان تحرجًا من أن يبلغ خضوع إبراهيم عبد الهادي للإنجليز حد الدفاع عنهم صراحة بنفسه، كما توقع تشامبان أندروز بالضبط. رابع عشر: الإنجليز يتابعون التحريض على تحطيم الإخوان بعد قرار الحل: (العدد 59 من جريدة المسلمون): حاول الإنجليز العمل على أن يسهم الوفد في الوزارة مع إبراهيم عبد الهادي الذي خلف النقراشي باشا لتقويته على تحطيم الإخوان فقابل أندروز كريم ثابت باشا المستشار في محاولة جديدة حتى يساهم الوفد مع إبراهيم عبد الهادي في تحطيم الإخوان قال كريم ثابت: «عبد الهادي باشا أفضل رجل لوزارة الداخلية وقد ينجح في تحطيم الإخوان». قال أندروز وهو يتمنى للباشا حظًا سعيدًا لست متأكدًا تمامًا من أنه سينجح وإذا فشل سيقع جانب كبير من اللوم على كاهل الحكم لأنه ترك عبد الهادي يواجه الإخوان دون أن يكون الوفد معه، ولو كان قد اشترك الوفد لوفر فرصة أفضل كثيرًا للنجاح. وأضاف أندروز: «المهمة الرئيسية للحكومة هي تحطيم الإخوان» وهكذا يرسم الإنجليز للحكومات العميلة واجبها بكل صراحة وهي تطيع بكل خسة. خامس عشر: الإنجليز والأمريكان وراء فشل محاولات المرشد لتخفيف الحملة ضد الإخوان بعد قرار الحل: (العدد 61 من جريدة المسلمون): طلب مصطفى مرعي من الإمام الشهيد إصدار بيان يتهم الإخوان الذين قاوموا حكومة النقراشي وإبراهيم عبد الهادي بالإجرام ويتبرأ منهم، ويثبت أنهم يعملون على غير إرادته فأعد الإمام الشهيد البيان رغبة منه في تخفيف حدة الهجوم على الإخوان بينما رغبت الحكومة في استخدام البيان للتأثير على الإخوان في السجود للإدلاء باعترافات تدل على إخوانهم خارج السجون، ليتمكنوا من القضاء نهائيًا على الإخوان. ولم يكن هناك مانع شرعي يمنع الإمام الشهيد من إصدار مثل هذا البيان ليبطل مفعول سلاح كافر موجه ضد الإخوان المسلمين، فالحرب خدعة كما قال رسول الله . وإذا كانت الحكومة سيئة القصد في طلب البيان فإن حسبه الله، فإصدار البيان إن لم يخفف الضغط على الإخوان فلن يزده، لأن الضغط واقع فعلا في حالته القصوى التي لا تقبل الزيادة، وقد جاء البيان بالنص الآتي: «وقعت أحداث نسبت إلى بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها وتلا هذا الحادث المروع اغتيال رئيس الحكومة محمود فهمي النقراشي باشا الذي أسفت البلاد لوفاته، وخسرت بفقده علمًا من أعلام نهضتها، وقائدًا من قادة حركتها، ومثلا طيبًا للنزاهة والوطنية والعفة من أفضل أبنائها، ولسنا أقل من غيرنا آسفًا من أجله وتقديرًا لجهاده وخلقه. ولما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافى مع العنف، بل تنكره، وتمقت الجريمة مهما يكن نوعها، وتسخط على مرتكبيها، فنحن نبرأ إلى الله من الجرائم ومرتكبيها. ولما كانت بلادنا تجتاز الآن مرحلة من أدق مراحل حياتها، مما يوجب أن يتوفر لها كامل الهدوء والطمأنينة والاستقرار، وكان الحاكم قد وجه الحكومة القائمة، وفيها هذه الخلاصة من رجالات مصر هذه الوجهة الصالحة، وجهة العمل على جمع كلمة الأمة وضم صفوفها، وتوجيه جهودها وكفاياتها مجتمعة لا موزعة إلى ما فيه خيرها وإصلاح أمرها في الداخل والخارج. وقد أخذت الحكومة من أول لحظة على تحقيق هذا التوجيه في إخلاص ودأب وصدق، وكل ذلك يفرض علينا أن نبذل كل جهد ونستنفد كل وسع في أن نعين الحكومة في مهمتها، ونوفر لها كل وقت ومجهود للقيام بواجبها، والنهوض بعبئها الثقيل، ولا يتسنى لها ذلك بحق، إلا إذا وثقت تمامًا من استتباب الأمن واستقرار النظام، وهو واجب كل مواطن في الظروف العادية فكيف بهذه الظروف الدقيقة الحاسمة التي لا يستفيد فيها من بلبة الخواطر وتصادم القوى، وتشعب الجهود إلا خصوم الوطن وأعداء نهضته. لهذا أناشد أخواني، لله وللمصلحة العامة أن يكون كل منهم عونا على تحقيق هذا المعنى وأن ينصرفوا إلى أعمالهم، ويبتعدوا عن كل عمل يتعارض مع استقرار الأمن وشمول الطمأنينة، حتى يؤدوا بذلك حق الله وحق الوطن عليهم» انتهى. ويحرك الإنجليز استمرار الوقيعة فور إصدار هذا البيان بالتشكيك في نوايا المرشد العام والحض على القضاء على الإخوان. فيبرق تشايمان أندروز الوزير البريطاني المفوض إلى لندن قائلا: تبدو لهجة التصالح للبيان الذي نشر على نطاق واسع في الصحافة المحلية واضحة في كل من الإشارة إلى النقراشي باشا الراحل، وفي البحث على القيام بكل ما هو ممكن لمساعدة الحكومة بالمحافظة على النظام والأمن. وحسن البنا انتهازي وربما يكون غرضه تخدير السلطات بشعور من الأمن المزيف، على أمل أن تتراخى تدريجيًا جهودها للقضاء على الإخوان»، وهذه هي أول مرة يفقد اللسان الإنجليزي قدرته على ضبط النفس فيصف الإمام الشهيد أنه انتهازي مبالغة منه في نسف شبهة التصالح التي ظهرت له من البيان. كما يحرض القائم بالأعمال الأمريكي الحكومة بعدم تحقيق رغبة الإمام الشهيد فيقول جيفرسون باترسون القائم بالأعمال الأمريكي ما نصه: «حظى البيان باهتمام قليل على المستوى المحلي.. وقد نشأ عن رغبة حسن البنا لاسترداد موقعه الذي اهتز أمام الرأي العام ورغبته الواضحة في إعادة الجماعة، ولكن نظرًا لتوتر الأمن فليس العلاج أن تحقق الحكومة رغبته». ويرد إبراهيم عبد الهادي قائلاً لتشامبنان أندروز: «الانطباع الذي أخذته من بيان حسن البنا أنه بدأ يتراجع أما تصرف الحكومة، ثم يطمئن اندروز قائلا له: إني واثق من الحصول على أفضل ما لدى الإخوان، ولكني مستعد للقضاء عليهم» هذا هو بيت القصيد الذي يهدف إليه كل من الإنجليز والأمريكان. سادس عشر: الأمريكان يرحبون بمقتل الإمام الشهيد والأوفياء يتحسرون على شعب مصر: (العدد الرابع والستون من جريدة المسلمون): كتب جيفرسون باترسون الوزير الأمريكي المفوض في القاهرة يقول: «يوجد ترحيب في أوساط الرأي العام بزوال الشيخ البنا من المسرح وإن كانت هناك خشية من أن يؤدي مقتله إلى عودة الأنشطة الإرهابية من جديد لأن اختفاء حسن البنا بكل ما كان يتمتع به من سلطة مطلقة على الإخوان المسلمين ومن طموح غير محدود يعني زوال شخصية اختلف الناس عليها حيث يسهم ذلك في استتباب الأمن من جديد بعد أن تتبدد آثار صدمة اغتيال البنا من نفوس أتباعه». أما الضابط الكندي هاردي فقد قال: «إن وفاة البنا كان أكبر ضربة للحركة، بل هي ضربة صاعقة للإخوان بالمعنى الحرفي للكلمة، ولم يكن هناك شخص يملأ -في الحال- مكان البنا وكان هذا هو هدف الجريمة». الأوفياء يتحسرون على شعب مصر: (العدد الثاني والستون من جريدة المسلمون) أما الأمير المغربي عبد الكريم الخطابي عندما سمع نبأ الجريمة قال: «ويح مصر وإخواني أهل مصر- سفكوا دم ولي من أولياء الله». وأقول هذا هو الفرق بين قلوب الأعداء وقلوب الأحباب وحسبنا الله ونعم الوكيل. سابع عشر: الأمريكان مستعدون لاحتضان انقلاب في مصر ليوجهوه وفقًا لمصالحهم بعد أن تخلصوا من الإخوان المسلمين أو توجيهه ليخلصهم من الإخوان المسلمين إذا عادوا للنشاط: (العدد الخامس والستون من جريدة المسلمون): بعث وزير الخارجية الأمريكي إلى جيفرسون باترسون الوزير المفوض في القاهرة يقول: «اطلعت على تحذير وارد من مصدر موثوق فيه بأن انقلاب مشابهًا لذلك الذي وقع في سوريا يجري الإعداد له في مصر -تابع الموقف عن قرب ووافنا بتقرير عنه». ثامن عشر: الإنجليز يرصدون عودة الإخوان من جديد بعد إلغاء حكومة الوفد لمعاهدة عام 1936 تمهيدًا لتكرار الوقيعة بينهم: (العدد 67 من جريدة المسلمون). توجه السفير البريطاني الجديد السير رالف ستيفنسون إلى فؤاد سراج الدين وزير الداخلية يسأله عن الجماعة، ثم بعث السفير إلى لندن في 23 أبريل سنة 1951 يقول: «في حديث مع وزير الداخلية أمس أثرت مسألة الإخوان المسلمين، قال سراج الدين أنه لا يشعر بالقلق على الإطلاق إزاء مستقبل نشاط هذه الجماعة، ولم ينكر أنها كانت خطرة في الماضي ولكنه يرى أن ذلك يرجع إلى تشجيع القصر لها كسلاح ضد الوفد، وإلى شخصية الشيخ البنا، ولا يوجد الآن زعماء يتمتعون بسمات القيادة والمبادرة». لكن عودة الإخوان لم تتحقق رغم صدور حكم قضائي بتأييد الجماعة وبطلان أمر بيع المركز العام وبإعادة ممتلكات الجماعة وأرصدتها المالية بعد إلغاء حكومة الوفد لمعاهدة عام 1936 مع بريطانيا وضياع كل نفوذ للسفارة البريطانية على قرارات الحكومة، فصدر القرار بالإفراج عن ممتلكات الإخوان المصادرة بما في ذلك الصحف والمنشآت جميعها في 17 ديسمبر سنة 1951، وتسلم قيادتها فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي مكتملة القوة والقدرة والنشاط، وكان نصر الله للمؤمنين عظيمًا. خاتمة لازمة لهذا الفصل: لا بد لي قبل أن أنتقل إلى خاتمة هذا الجزء من الكتاب أن أكرر تحذيري للقارئ من كثير من النصوص التي وردت في هذه الوثائق بأقلام محرريها، والتي قصد منها إلقاء الظلال والشبهات على طهارة جماعة الإخوان المسلمين وبراءتها من كل غرض أو هوى وهي تسير حثيثًا لتحقيق رسالتها الخالدة التي تتلخص في تطبيق رسالة الله إلى البشرية جمعاء لتسعد وتهنأ ويعيش الناس إخوانًا تظلهم الآية الكريمة: ﴿وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا﴾ [الجن: 16] وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 66]. وإما قصدت من نقل هذه الوثائق بنصها ودون التعليق عليها إلا بالقدر الضروري، أن أبين للقارئ مدى حرص الأعداء على مراقبة كل نشاط خير لصالح البلد الذي يطعمون في خيراته منذ ولادته حتى يقضوا عليه قبل أن يشتد عوده فيحول بينهم وبين تحقيق ما يطمعون. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 21].