با كستان وأفغانستان حرب الأشباح

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


با كستان وأفغانستان حرب الأشباح

في الموروث الشعبي أن شبح المقتول يظل يسكن ويحوم حول المكان الذي سالت دماؤه فيه بحثا عن قاتله لينتقم منه أو إزعاجا لأي وافد جديد يريد أن يحل مكانه في محل إقامته، وقد يصل الأمر بهذا الشبح إلى مطاردة القاتل أيا كان مكانه في نومه أو في يقظته .. ويقولون أن هذا الشبح والأشباح من أمثاله لا تهدأ حتى تنتقم لنفسها .. أو تقوم الساعة.

ما يجري الآن على الساحتين الأفغانية والباكستانية وفي الجبال والوديان على الحدود المشتركة بينهما، وفي خرائب وكهوف الساحتين يكاد أن يكون تصديقا عمليا لهذا الموروث الشعبي، وتصريح الرئيس الباكستاني هذا الأسبوع دفاعا عن عجز جيشه في القضاء على طالبان باكستان الذي قال فيه أن المقاتلين يذوبون في الجبال يكاد يؤكد هذا الموروث، ولا قيمة بعد ذلك لعدم اقتناع القوات الغازية وقياداتها الغربية والأمريكية بعكس ذلك فقد لا تكون على قناعة كاملة بهذه الحكايات، وإنما الواقع الشعبي وعلى طول تاريخ المعارك في هذه المنطقة يقول أن ازدياد عدد قتلى سكانها بسبب الحروب يترتب عليه صعوبة كسب المعارك بما يوحي بازدياد عدد الأشباح التي تزيد سخونة حرارة حركتها سخونة الدماء المُسالة فتنضم إلى من زالوا على قيد الحياة من المدافعين عن أرضهم في الحرب .. ولهذا عجزت كل الجيوش الغازية عن تحقيق النصر في هذه المناطق، كما عجزت في التاريخ الحديث بريطانيا عندما كانت عظمى وعجز الاتحاد السوفيتي والآن قوات الناتو بحجمها وعديد دولها مع الحكومات والجيوش المحلية المتعاونة ويزداد تأزمها مع كل نفس إنسانية يتم قتلها خصوصا بعد أن اتسعت دائرة القتل وشملت نساءً وأطفالا وعجائزا ومدنيين ليسوا أصلا مشاركين في القتال، ولكنه القتل وسفك الدماء الذي يتولد عنه أشباح فيهم نساء وأطفال قد يكونون أكثر صخبا وأقوى شكيمة في طلب الثأر ومطاردة للغزاة.

ومرة أخرى تتأكد حكايات الموروث الشعبي (على الأقل عند ساكني المنطقة الواثقين بالمدد الخفي المتزايد) مما يسمعونه عن ازدياد صيحات الألم التي تخرج من عواصم دول التحالف الذي يصب رصاصه وقنابله على الكهوف والجبال لمدة تزيد الآن عن ثماني سنوات بحثا عن شبح لا أحد يدري عنه شيئا، أشَبَحٌ حقيقيٌ صار أم ما زال حيا وهو الشيخ أسامة بن لادن الذي قهر الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش وجعله يُنهي وهو أقوى رجل في العالم ولايته الرئاسية بغصة عدم نيل جائزة العثور عليه حيا أو ميتا، وواضح أن صورته (أسامة بن لادن وليس بوش) ما زالت معلقة في أركان البيت الأبيض وغرف العمليات في رئاسة الأركان الأمريكية ومكاتب البنتجون ومكتوب عليها: Wanted وكذلك في مكاتب المسؤولين في الغرب، ويُجْهد القوم أنفسهم في دفع المزيد من الجنود واعتماد المزيد من الأموال وتغيير القيادات وتبديل الخطط وتحدي الأزمة الاقتصادية، وكل ذلك لم يحجب صيحاتهم وتصريحاتهم التي انطلقت ويعتبر بعضها أن باكستان الآن أصبحت أخطر منطقة في العالم ويختلف معهم آخرون من نفس المعسكر ويقولون بل الأخطر هم أشباح أفغانستان التي أخرجها الرصاص من أجساد أصحابها وانطلقت في هضم الأرض وتقليص سيطرة الحكومة في كابول عليها مما يتسبب في حرج القيادة العليا في واشنطن التي أتاحت لكل من رئيس أفغانستان وباكستان شرف اللقاء وتسجيل الصور التذكارية وكلاهما يبتسم أمام عدسات المصورين بأقصى ما يستطيع من انفراجة الشفتين مظهرا ما يستطيعه من أسنان وأنياب .. لعلها تردع الأشباح المقاتلة لسلطتيهما، ولعلها أيضا نصيحة ممن يحترفون الأعمال السحرية أقنعتهم بأن مثل هذه الصور مع أقوى رجل في العالم كفيلة بإرعاب الأشباح وإغلاق كهوف الجبال أمامها فتهاجر مضطرة إلى العالم الآخر.

لا يظنن أحد أننا في "رسالة الإخوان" قد استغرقتنا حكايات الموروث الشعبي، ولكن صورة ما يجري في المنطقة وعلى أرض بلدين مسلمين ومع ما يخرج للإعلام من رصد للأحداث أو تصريحات لمسؤولين محليين ودوليين يوحي بأن هناك كارثة قادمة أكثر مأساوية مما هو حاصل .. فواضح حسب ما يصدر عن القيادات العسكرية أن سنوات الحرب الماضية لم تقلص عدد المقاتلين بل ازدادت بانضمام آخرين من شعبهم إليهم وبإخراج البعض الآخر من حياديته وسلبيته إلى التنديد بسلوك الغزاة كما حدث في جامعة كابول (هذا الأسبوع) ولم يتبق إلا مجموعة العملاء الذين يخافون من الأشباح ليلا فيتركون لها الأرض وحرية العمل ثم يعودون إليها في النهار، وفي باكستان تدحرجت التصريحات من تماسك الوضع في هذا البلد إلى التأكيد على أن المنشآت النووية في أيدي أمينة مع بدايات تسريب احتمالات انهيار باكستان بسبب الحرب والهاربين منها وعجز الدولة عن الإعاشة والإغاثة ومتابعة الحرب في وقت واحد وحماية المشروع النووي والذي كان من المفترض أن يوفر هو لها الحماية.

يقيننا ويقين الكثيرين وهو ما لم يعد من السهل إنكاره أن وجود حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وبهذه الكثافة والضراوة ليس بسبب ما قيل عن الانتقام لأحداث 11/9/2001م في نيويورك، وليس أيضا بسبب نهج حركة طالبان في حكم بلدها، ولم يعد خفيا أن صراعا غربيا شرقيا حلّ محل الصراع بين الرأسمالية والشيوعية وهو الذي يجري على الأرض في المنطقة وأن استنزاف طاقة الولايات المتحدة الأمريكية أحد معالم استراتيجية هذا الصراع انتقاما لما حدث لروسيا قائدة الاتحاد السوفييتي سابقا ثم للسيطرة على المنطقة احتمالا لمواجهات أخرى عسكرية واقتصادية متعددة بعدما دخلت إيران على الخط أيضا.

وبعيدا عن مقولات الموروث الشعبي وأشباح القتلى أو قتلى الأشباح فتاريخ الحروب في المنطقة سابقا واحدا لم يتغير حتى مع تطور نوعية السلاح وازدياد قسوته، أهمه والعامل الحاسم فيه بقاء الجبال وكهوفها وصلابة المدافعين والمقاومين واتساع وجودهم في كل مواجهة مع كل اتساع لساحات المعارك، والله سبحانه وتعالى يعلم الغيب، وبتقديرنا البشري وحسب قراءة الماضي فإن شوق التحالف الغربي للحسم العسكري وإيقاف نزيف الدم والمال سيظل شبحا يطارده على كل شبر من أرض المنطقة، وفي أكثر من منطقة من العالم بعد أن زرع أشواكا بنفسه فيها إذا تخلص من شوك الأولى فستظل أمامه باقي أشواك العالم التي زرعها في جبال أفغانستان وباكستان ويحصد زرعها الآن في مناطق يُعْلن هو قلقه منها .. ويبقى التعريف الأدمى للحرب هو حرب الأشباح.

موضوعات ذات صلة