بيان بائس

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بيان بائس

17 يوليو 2008

بقلم : الأستاذ / فهمي هويدي

يصدمنا البيان الذي صدر باسم مجمع البحوث الإسلامية بخصوص فيلم «السادات» الذي وزعته إحدي الصحف الإيرانية، حتي أزعم أنه أساء إلي المجمع وابتذله إلي مدي بعيد، فلا موقف البيان كان متوازناً أو رصيناً، ولا حجته كانت قوية، أما لغته فكانت مما لا يليق بأهل العلم.

لقد تحدث البيان عن شريط لم يره أحد، واعتمد علي ما تناقلته وسائل الإعلام، بالتالي فإن المجمع لم يتثبت من الموضوع الذي يعلق عليه البيان، وقد اعتدنا من أهل العلم حين يتصدون لمثل هذه الأمور أن يبدأوا كلامهم بعباراة «إذا صح كذا وكذا أو إذا كان الأمر علي النحو المنشور أو المتداول»، ولكن الذين أعدوا البيان لم يسيروا علي ذلك النهج، وآثروا أن يلتحقوا بـ«الزفة» الإعلامية، فعبروا عن انفعال اتسم بالخفة، أكثر مما عبروا عن الحكمة وسلامة النظر، وكانت النتيجة أن البيان انطلق من غضبة للرئيس السادات لم نر لها نظيراً في غضبة المجمع للإساءة التي لحقت بالنبي عليه الصلاة والسلام في قصة الرسوم الدانماركية الشهيرة.

ليس من عادة مجمع البحوث الإسلامية أن يقحم نفسه في تقييم الأعمال الفنية والأفلام الوثائقية، خصوصاً إذا كان لها طابعها السياسي، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد لا بالشأن الدين ولا بمصالح المسلمين، ولذلك بدا موقفه شذوذاً علي رسالته ودوره، وميلاً غير كريم مع ريح الهرج الإعلامي الذي يثير موقفه أسئلة عدة تستريب في دوافعه ومقاصده.

لا تتوقف دهشة المرء عند هذا الحد، وإنما يتسرب إليه الشعور بالخجل حين يقرأ الحجج المتهافتة التي أوردها بيان المجمع وبني عليه رأيه في «أن إعداد الشريط الوثائقي» يمثل أبشع صورة للخروج علي أحكام الإسلام وعلي آدابه وعلي قيمه الشريفة»، هذا الخروج انبني علي وصف الرئيس السادات في الشريط بأنه «فرعون»، وهو ما اعتبره البيان تكفيراً له، في حين أن كلمة فرعون محملة بأكثر من معني في الخطاب الاصطلاحي، وأشهر هذه المعاني في الثقافة المصرية السائدة تربط بين الوصف وبين الاستبداد والاستعلاء، بل إنه يوظف أحياناً في التعبير عن الفخر والاعتزاز، ولا تنس أن الفريق القومي لكرة القدم حين يحقق فوزاً أو يحصل علي كأس، فإن أعضاءه يوصفون بالفراعنة، الأمر الذي يعني أن فرعون في خلفيته التاريخية يختلف عنه في الخطاب المعاصر، ولكن بيان المجمع تجاهل ذلك وحاكم الشريط استناداً إلي خلفيته التاريخية التي اندثرت، في حين أنه لو قرئ في ضوء الاستخدام المعاصر لكلمة فرعون، فإن ذلك سوف يسقط تماماً ما أورده بيان مجمع البحوث من آراء أقحمت الإسلام في الموضوع.

أما فيما يتعلق بلغة البيان فالخجل منها أشد، فالذي كتبه وجهه إلي حكام إيران، الذين لا علاقة لهم بالموضوع، علماً بأن وزير الإرشاد هناك بعث برسالة إلي صحيفة «مجروري إسلامي» استنكر فيها إصدار الشريط، واعتبره مسيئاً إلي العلاقات مع مصر، من ناحية أخري فإنه حفل بالتعبيرات والأوصاف التي يتنزه عنها أهل العلم، فهو يصف الذين أنتجوا الشريط بأنهم «فئة ضالة مضلة»، واعتبر ما صدر عنهم بحسبانه «سلوكاً سفيهاً» وفيلماً قبيحاً، يعد بمثابة جريمة منكرة، وفي موضع آخر عاد البيان ليؤكد أن «الفئة الإيرانية الضالة عندما أقدمت علي هذا الفعل الشنيع تكون قد ارتكبت «أبشع ألوان الجرائم والغرور والجهالة».

إلي جانب هبوط مستوي التعبير، فقد سجل البيان هبوطاً مماثلاً في مستوي الرؤية السياسية والتفكير، ذلك أنه اعتبر استقبال شاه إيران في مصر بعد الثورة من مكارم الأخلاق، ووصف زيارة السادات لإسرائيل بأنها من آيات كمال العقل والحكمة السياسية، وتحدث صراحة عن أن إنتاج الشريط سيؤدي إلي تقويض الدعوة أي التقريب بين السنة والشيعة، ثم خلص إلي أن رأب الصدع الحاصل «لن يتم إلا إذا تم إحراق الفيلم».

إن ملف استخدام المؤسسات الدينية أو تطوعها لخدمة الأهواء السياسية يحفل بنماذج أخري مماثلة «لا تنس تنديد شيخ الأزهر بالدعوة إلي مقاطعة الاستفتاء ودعوته إلي جلد الصحفيين الذين تحدثوا عن صحة الرئيس» وهو سلوك يبتذل تلك المؤسسات ويفقدها شرعيتها، ويحولها من منارة هادية للناس إلي مجرد ذيل للحكومة لا رصيد له في الدنيا أو الآخرة.

المصدر