بين الطب النفسي والشعوذة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
بين الطب النفسي والشعوذة
04-09-2005


مقدمة

شعوذة ودجل

- الفراغ النفسي والعاطفي والعقائدي وراء هذه الظاهرة

- طبيعة المرأة تجعلها أكثر اهتمامًا بهذه الأمور

- لا تضاد بين العلاج والرُّقية الصحيحة والطب النفسي

تأخَرَت في الزواج.. إذن هناك مَن عمل لها عملاً، فلتذهب إلى العرَّاف ليُبطل هذا العمل..!!

هناك مشكلات مع زوجها.. إذن هي مسحورة ومعمولٌ لها عمل، فلتذهب إلى الدجَّال والعرَّاف ليفكَّ السحر ويبطل العمل..!!

ابنها متمرد لا يسمع الكلام أو منحرف أخلاقيًّا ربما يكون مسحورًا أو ممسوسًا، فلتذهب به إلى العرَّاف والدجَّال ربما ربنا يهديه ويهدأ باله عندما يبطل العمل وينفك السحر..!!

هكذا أصبح حال الكثيرين من المجتمع لا همَّ لهم سوى فكّ العمل، حتى ارتادوا أوكار العرَّافين والدجَّالين دون وعي أو تفكير، فما هي الشعوذة؟ وما الفرق بينها وبين المرض النفسي؟! حول هذه التساؤلات كان لنا هذا الحوار مع الدكتورحاتم محمد آدم - استشاري الأمراض النفسية العصبية من مصر:

  • ما العلاقة بين الشعوذة والطب النفسي؟!
لا يصح أبدًا ومن غير اللائق المقارنة بين الشعوذة والدجل وبين الطب النفسي، فالأول أمرٌ لا يصحُّ عقلاً ولا قانونًا ويعاقَب مرتكبُه بالحبس والغرامة، والثاني أمرٌ تقترن به كليات الطب، وعلمٌ مبنيٌّ على تصورات وأبحاث، وله تراخيص قانونية، ويشهد المتخصصون فيه في المحاكم شهادات تُبنى عليها أحكام، وله فروع دولية في الأمم المتحدة وجمعيات عالمية ومحلية، وتعتبر مهنة الطب النفسي من أعلى المهن دخلاً في الدول المتقدمة، وعياداتهم عليها طلب وضغط كبير، والأمر الأول (الشعوذة) سمتٌ للتخلف والجهل، والثاني سمت حضاري، فكيف تتم المقارنة بينهما لمجرد اشتباه بأن المرضى هنا وهناك يعانون من أعراض مشتركة؟!
  • هل المؤمنون والملتزمون دينيًّا لا يمرضون نفسيًّا؟!
بل يمرضون، أو بمعنى أدق قد يمرض بعضهم، وقد يكون السبب في ذلك البدء في الابتعاد عن طريق الإيمان وضعف الوازع الديني لديهم، وانشغالهم بأمور أخرى تبعدهم عن ربهم، وقد يكون السبب ضعف الجهاز التنفسي والعصبي؛ ما يجعلهم غير قادرين على تحمل ضغوط الحياة، فبعض الشخصيات تكون قابلةً للكسر مع أقل ضغوط أو مع الضغوط المتوسطة، كما قد يكون السبب أيضًا خللاً وراثيًّا تكون معه الأسرة أو بعض أفرادها لديهم استعداد للإصابة بأمراض نفسية أو عصبية، ولا بد عندئذ من التدخل الطبي لإخراجهم من أزمتهم وعبور محنتهم، لا للجوء إلى الدجل والشعوذة.

خلل داخلي

مسلمون بإحدى المساجد
  • لاحظنا في الفترة الأخيرة تزايد الإقبال على الدجالين المشعوذين، والغريب أن هذا الإقبال موجودٌ بين أوساط المتعلمين والمثقفين من أبناء الطبقات الراقية في المجتمع، فما السبب في ذلك؟!
القضية هي الفراغ النفسي والعاطفي والعقائدي لدى الناس، فهي لا ترتبط بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي أو بالبيئة والتعليم، فهي خللٌ داخلُ الشخص نفسه يجعله يلجأ لهذا النوع من الدجَل والشعوذة لحل المشكلات التي تواجهه في الحياة.
  • ولماذا يلاحَظ ذلك أكثر وسط النساء بصفة خاصةً؟
قد يرجع ذلك إلى طبيعة المرأة، فالمرأة انفعالية عاطفية، أحيانًا تشعر بعدم الأمان وعدم وجود قوة تستند إليها، فإذا اجتمعت كل هذه الأسباب- مع ضعف الإيمان بالله وضعف اليقين في قدرته- فقد تندفع المرأة غير العاقلة إلى تقليد الآخرين أو البعث عما سمعت عنه أنه حل.. وهو ليس بحل.
  • لماذا يلجأ الدجَّالون والمشعوِذون إلى استخدام الدين كوسيلة للنصب على الآخرين؟
هؤلاء الذين ينصبون على الآخرين متهمون بتعاطي التفكير العيني، وهو ببساطة التفكير المبني على غير قانون الأسباب والمسببات التي يعرفها العقلاء، والدين نفسه قد دعا إلى التفكير وتحليل الظواهر والأخذ بالأسباب، ومن لم يفعل ذلك فهو غير متدين ولا يؤمن بالسنة إيمانًا صحيحًا، فالأخذ بالأسباب هو سنة الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
والغيب الصحيح هو ما نصَّ عليه القرآن والحديث الصحيح من وجود الجن والسحر والشياطين، وعدم إنكارهم، أما كيف يؤثر على مسارات الأمور فهو ما لم يوضحه الكتاب والسنة، ونحن غير مطالبين بتصديقه ولا بتكذيبه، ومن دعا إلى ذلك فقد دعا إلى أمرٍ لا بينةَ له، وحسبنا الله ونعم الوكيل فيمن يشوِّهون الدين أو يستخدمونه كوسيلة لإثبات ذاتهم أو لفت الأنظار إليهم.
  • هل هناك تعارض أو تضاد بين الطب النفسي والعلاج بالقرآن والرقى الشرعية الصحيحة؟! وهل يمكن الجمع بينهما؟
لا يصح أبدًا ادعاء التناقض بين العلاج النفسي والعلاج بالقرآن والرقية الشرعية الصحيحة، بل عندما يشتد عود الأطباء النفسيين المسلمين وتزداد مكانتهم وثقلهم التقني والإبداعي فإنهم ساعتها سيتمكنون من صياغة نظرية عربية إسلامية في الطب النفسي، تعتمد أساسًا على عدم إبعاد المعتقدات الدينية والقيم الإسلامية، بل وتصوغها في إطار لا يتعارض مع التطور العلمي، وهناك محاولات جادة في ذلك (ويؤجر أصحابها إن شاء الله) وإن كانت ما زالت في مراحلها الأولى، وللعلم فإن فريق العلاج النفسي في مستشفيات إنجلترا يضم الطبيب والأخصائي النفسي والأخصائي الاجتماعي والممرضة ورجل الدين.
  • ترى لماذا لا نفعل ذلك في بلادنا؟ أم أننا نقلد الغرب فقط فيما لا ينفع ولا ينهض بأمتنا؟
إن كل من يدعي أن العلاج بالقرآن للمريض المسلم لا يفيد فهو إنسان لا يحترم عقله، ولا يحترم الإسلام، وإن من يعتقد في شيء ينتفع باعتقاده هذا ويؤثر ذلك على سلوكه لا محالة.
  • ماذا نفعل مع المريض غير المسلم، أو مع من لا يعتقد في الكلام السابق نتيجة خبرات شخصية مرَّ بها؟!
هناك وسائل وطرق لإخراجه من أزمته وعبور محنته؛ لعله يستبين خطاه بعد أن تمر محنته بسلام إن شاء الله.
  • ماذا تقول لكل من يلجأ لدجَّال أو مشعوِذ لحل مشاكله ويستعمل مقولة: "اسأل مجرب ولا تسال طبيبًا"؟!
أقول: لا تسلك درب المهالك وإن كثر السالكون، وهؤلاء الدجَّالون حِبالهم طويلة، وحين ينتهي بك المطاف ستعرف أنك ضللت الطريق، وكلامي هذا ليس دفاعًا عن الطب النفسي أو إثباتًا لوجوده تمهيدًا للاعتراف به.. فقد تخطى الطب النفسي هذه المرحلة منذ زمن بعيد، وهو الآن موجود ومعترف به وله مكانته، ولكنَّ أمتَنا دائمًا تأتي بعد حين وتناقش قضايا انتهت منها الدنيا، وكأنها معزولةٌ عن العالم غارقةٌ في متاهات لا تسمن ولا تغني.

المصدر