بين يقظة الشعوب وتراجع الأنظمة !!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
مقالة-مراجعة.gif
بين يقظة الشعوب وتراجع الأنظمة !!

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

رسائل.gif

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد،،،

فإن الناظر في واقع أمتنا اليوم يرصد ظاهرتين شديدتي الوضوح:

الأولى: هي تنامي الصحوة الإسلامية على امتداد العالم الإسلامي، وبين شتَّى شعوبه، وهي صحوةٌ ما عادت- بفضل الله- تقف عند حدود العناية بالمظاهر الإسلامية، والشعائر التعبدية المحضة، بل غدت تحمل هموم الأمة، وتتفاعل بقوة مع قضاياها، وتسعى لتقديم المشروع الإسلامي لنهضتها وتعميق رؤاه، والدعوة إليه، والتضحية في سبيل ذلك مهما عزَّت التضحية وبلغت تكاليفها، وآية ذلك والدليل عليه هذا الرفض الصارم للمشروع الصهيوني الأمريكي، الذي يسعى لفرض نفسه على أمتنا بالحديد والنار، بالترويج الدعائي والتضليل الإعلامي، بآليات الاقتصاد وإغراء الدولار.

ولا يقف الأمر عند حدِّ الرفض الشعبي المتنامي بل تعداه إلى مرتبة المقاومةالجسورة على مختلف الأصعدة الشعبية، وهي مقاومة أصبح الإسلام - بفضل الله- مرجعيتها الأولى، وغذاءها الروحي، ومددها المعنوي، كما نرى في فلسطين والعراق والشيشان وأفغانستان وكشمير وقطاني وغيرها.

والظاهرة الثانية: هي ذلك العجز المفزع للأنظمة الحاكمة أمام الهجمة الأمريكية الصهيونية، وهو عجزٌ فاضح تعبِّر عنه تلك الأنظمة بغير مواربة، ويُضاف إلى عجزها عن تلبية حاجات شعوبها في معيشة حرة بغير قهر، كريمة بغير ذل ولا مسغبة وفقر.. وهي أنظمة فقد كثيرٌ منها المشروعيةَ التي تتيح له حق الحكم؛ سواء أكانت مشروعية تُستمد من رضا الشعوب واختيارها الحر، أو من عظمة إنجاز الحاكمين وبراعة أدائهم وقيامهم بالمسئوليات الملقاة على عواتقهم.

وبدل أن تسلك تلك الأنظمةُ الطريقَ الوحيد لمعالجة أزمتها بالصلح مع شعوبها، واستمداد القوة منها فإنها تعالج أزمتها بمزيدٍ من الانبطاح أمام أعداء الأمة، واستجداء الرضا منهم، وقبول ابتزازهم، وقهر شعوبهم، ورميهم بالإرهاب تارة، ونكران الجميل تارة أخرى.

وربما حمّلت تلك الشعوبَ مسئولية عجزها وذلها، فاتهمتها بقصر النظر والتسبب في تفاقم الأزمات الاقتصادية باستمرار التوالد والتكاثر والانفجار السكاني، أو اتهمتها بالتطاول والغرور وتوهم إمكان الصمود أمام المارد الأمريكي الذي غدا قطب العالم الأوحد، وقَدَرُه الذى لا يُرد، أو المارد الصهيوني المدلل أمريكيًا، والمدجج بالسلاح النووي!!

ونحن لا عتب لنا على أنظمة مثل نظام حامد قرضاي في أفغانستان، أو إياد علاوي وغازي الياور في العراق، فتلك صنائع الاحتلال التى تسعى إلى إرضائه على حسابه مصالح الشعوب، حتى إذا حقق الاحتلال مآربه منها ألقى بها وراء ظهره، والأمثلة كثيرة في التاريخ القديم والحديث على سواء؛ ولكننا نعتب على أنظمةٍ ما زلنا نرجو أوبتها وتطهرها، ولا نستيئس من إمكان إصلاحها، فلا نملُّ من تذكير حكامها بأنهم إلى الله راجعون، وبين يديه محاسبون، وأنه لا مهرب من ذلك الحساب ولا مفر، إن نجحوا في الفرار من حساب شعوبهم الآتي بلا ريب إذا ظل الحال على ما هو عليه.

الدعوة لمنع عسكرة الانتفاضة!!

إنه من المؤلم أشد الألم أن تخرج بعض الأصوات في السلطة الفلسطينية- في هذا الظرف العصيب الذي يحاول فيه المخلصون لمَّ الشمل وتوحيد الصف- تهاجم الانتفاضةَ الشجاعة لأهلنا في فلسطين ، وتدعوهم لإلقاء السلاح والتقدم كخرافٍ بائسة إلى المذبح الصهيوني في انتظار جزارها حين يأتي عليها الدور، لقد جرب أهلنا هناك ذلك الرفض السلمي المقترح للاحتلال، والخروج كل يوم في مسيرات الاحتجاج والغضب، فما وجدوا في مواجهتهم سوى الرصاص الصهيوني، والقصف والتنكيل والاعتقال، والقتل بدم بارد أمام أعين العالم كله.

ثم كانت الطامة حين دنَّس شارون- قبل أن يصبح رئيسًا لوزرائهم- في حراسة قواتهم أرض المسجد الأقصى ، في اقتحام وقح فجَّر الغضب الكامن، فاستحالت الانتفاضة السلمية إلى انتفاضة مسلحة شرعتها كل قوانين السماء والأرض على السواء.. ثم قبل أهلنا هناك هدنةً من طرف واحد كبادرةٍ على الاستعداد لإعطاء فرصة للتسوية، وليشهد العالم أننا لسنا المعتدين.. فاستمر القتل والإجرام والقصف الصهيوني رغم ذلك، ثم تنبعث هذه الأصوات من جديد تزيّن الاستخزاء والمذلة لمن جرَّبوا عز الجهاد ولذة الشهادة، بدل أن تطالب بإنهاء الاحتلال أصل البلاء وسبب المشكلة ومصدر العدوان!!

تدفئة العلاقات مع الصهاينة واتفاقية الكويز

وفي توقيتٍ غير مناسب بالمرة، ومع استمرار العدوان الصهيوني على أهلنا في غزة والضفة ليل نهار يأتي الحديث عن بوادر دفء العلاقات بين الحكومة المصرية والكيان الصهيوني!!، فيطلقون سراحَ الجاسوس عزام- الذي تذكروا فجأة أنه أمضى نصف مدة العقوبة التي حكم عليه بها القضاء المصري العادي!- في حين يمضي آلاف المعتقلين الإسلاميين في سجون مصر زهرةَ شبابهم معتقلين سنين عددًا بغير محاكمة، أو محبوسين بحكم القضاء العسكري الاستثنائي، وقد جاوز بعضهم نصف المدة المحكوم عليه بها، فلم ير فيهم حكامنا ما رأوه في الجاسوس الصهيوني.

ثم تتوالى التصريحات غير المسئولة بقُرب عودة السفير المصري لدى الكيان الصهيوني، والقناعة بأن شارون رجل سلام!! وكأن ذلك هو الرد على استمرار العدوان على شعبنا في فلسطين، ومقتل الجنود المصريين الثلاثة على الحدود المصرية بنيران الصهاينة، وكأنه الرد على تصريح شارون بأنه اتفق مع الرئيس الأمريكي بوش على عدم إثارة قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم، وعدم انسحاب القوات الصهيونية إلى حدود عام 1967م.

ثم تباغتنا الأخبار المتسارعة بمزيدٍ من التنازلات غير المبررة، وتوقيع اتفاق المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني دون عرضٍ على البرلمان المصري، ودون علمٍ للشعب المصري به، وكأن الأمر لا يخصه في حاضره ومستقبله!!

لقد أفاض الاقتصاديون والمحللون السياسيون في بيان الأضرار الناجمة عن ذلك الاتفاق الذي يبرهن من جديد على أن أمريكا وحكامها- المتشبعين بالأساطير الصهيونية الدينية- إنما يهدفون إلى تسريع الخطى بدمج الكيان الصهيوني فى النسيج السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي والإسلامي، مما يحقق الأمنيات الصهيونية القديمة بالسيطرة الاقتصادية والعلمية على المنطقة، وبوابتهم إلى ذلك هي مصر بما لها من ثقل حضاري.

لقد صرح إيهود أولمرت- نائب شارون في أعقاب التوقيع على ذلك الاتفاق المشئوم- بقوله: "إن مصر زعيمة العالم العربي، وأهم دولة فيه، وعندما توقع اتفاقًا مع إسرائيل (الكيان الصهيوني) فإن هذا ضوء أخضر للدول العربية الأخرى كي تحذو حذوها"!

لقد أقرَّ الاتفاق حتميةَ وجود مكِّون صهيوني يبلغ 11.7% في كل سلعة مصرية يحقُّ تصديرها إلى الولايات المتحدة دون رسوم جمركية، ولقد جرَّبنا المكر والغدر الصهيوني في كل اتفاق معهم، وما يتوقعه بعض المحللين من مبالغة الصهاينة في قيمة أسعار المكوِّن الاقتصادي لتلك السلع لتبطل أو تقلل العائد المصري من تصديرها ليس من قبيل الظن السيء، بل هي الخبرة بتاريخٍ طويلٍ من التلاعب الصهيوني في كل معاهدة، وتطويعها لتحقيق الأهداف الصهيونية وحدها، دون التفات إلى شريك أو قريب.

إن ذلك الاتفاق لا يعني فقط التطبيع مع العدو الذي نجحت جماهير شعبنا في مقاومته وتحجيمه، ولا يعني فقط إنهاء المقاطعة الاقتصادية معه أو التحلل من هذه المقاطعة في الخفاء كما كانت تفعل بعض الأنظمة العربية طوال ربع قرن من الزمان، بل يعني أيضًا أن الصهاينة سوف يتعاملون مباشرة مع رجال الأعمال المصريين والعرب، وبعضهم- في نهمه وجشعه- لا يقيم وزنًا لمصالح أمته والأخطاء المحدقة بها، وقد بدا بعضهم بالفعل متهللاً منشرحًا متعجلاً، يمنِّي المخدوعين من الناس الذين أضرّ بهم الجوع وقعدت بهم البطالة بسنواتٍ من الرخاء!!

إن ذلك الاتفاق يُعد فرصة لإنعاش الاقتصاد الصهيوني الذي أنهكته سنوات الانتفاضة الفلسطينية الباسلة، ودماء أبنائها وشبابها.. وذلك ليس رجمًا بالغيب إذ زادت الصادرات الصهيونية إلى الأردن- منذ تنفيذها اتفاقية مماثلة- ستة عشر مرة في الأعوام الأربعة الأخيرة.

إنها سيرٌ في الاتجاه الخاطئ بدل أن نعزز التعاون العربي ونحقق السوق العربية المشتركة التي تباطأ حكامنا في تنفيذها منذ عقود من الزمن، ونخشى أن يجد فيها عديد من حكوماتنا العربية مبررًا لمزيد من الاتفاقيات المنفردة مع العدو الصهيوني والأمريكي سعيًا وراء سراب المصالح القُطرية المحدودة الضيقة، وتجاوزًا للحقيقة التي لا مفرَّ منها أننا أمةٌ في حال جهادٍ مع عدوها، وإننا لعلى ثقةٍ من أن جماهير أمتنا الواعية سوف تقف بالمرصاد لمثل هذا العبث بمستقبلها ومصيرها، ﴿وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون﴾ (يوسف: 23).