تأييد حَذِرللحظر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تأييد حَذِرللحظر

عندي تأييد متحفظ لقرار حظر النشر في قضية الموسم المتهم فيها رجل الأعمال الشهير وضابط أمن الدولة السابق في قتل الفنانة اللبنانية، إذ رغم انني أحد ضحايا حظر النشر ولي سجل طويل يشهد بذلك وثقته بكتابي «مقالات محظورة» الأمر الذي يفترض أن يضعني في مقدمة الرافضين للحظر والمقاومين له، إلا أنني لا أخفي تعاطفاً مع القرار الذي اتخذ بشأن هذه القضية بالذات.

فقط لدي تحفظ عن بعض الأسباب التي ذكرت لتبرير الحظر، فقد نشرت بعض الصحف أمس ان سبب فرضه هو ان الشهادات والمرافعات من شأنها ان تأتي على ذكر بعض الشخصيات العربية المهمة، وهو ما لا يراد له ان يشيع بين الناس، حتى لا يساء الى تلك الشخصيات. وأنا لا أتردد في القول بأنه إذا كان هذا هو السبب فلا ينبغي ان يكون هناك حظر، لأن من شأن ذلك التستر على علاقات مريبة أو مشبوهة تورطوا فيها، وهذه ليست مهمة الإعلام الذي يتعين عليه في هذه الحالة ان يكشف تلك العلاقات بأدلتها بطبيعة الحال، لا أن يتستر عليها، خصوصاً أن لدينا ما يكفينا من مصادر الفساد بمختلف صوره واشكاله، السياسي والاقتصادي والإداري. ولسنا بحاجة الى حصص اضافية من الفساد الأخلاقي.

ولا يقولن احد ان للأمر علاقة من قريب أو بعيد بالتضامن العربي الذي سيكون في هذه الحالة من قبيل التعاون على الاثم المنهي عنه شرعاً، وليس تعاوناً على البر الذي نحن مدعوون اليه ومأمورون به.

تأييدي للحظر في هذه القضية بالذات يرجع الى امرين جوهريين، أولهما حاجتنا الى توفير جو مناسب لتحقيق العدالة في موضوع، خصوصاً بعدما بدا أن هناك ضغوطا قوية للتأثير في المحكمة أو الشهود أو الرأي العام، من خلال الإعلام أولاً والنشر ثانيا. ذلك اننا وجدنا برامج تلفزيونية عدة اعتبرت القضية فرصة لجذب المشاهدين وإثارة فضولهم، وتولى مقدمو تلك البرامج التحقيق في القضية واستدعاء المحامين للمرافعة فيها وفتح باب المناقشة الواسعة حولها، الأمر الذي لابد له ان يؤثر في الرأي العام والشهود ولا يضمن حياد المحكمة.

وقد وجدنا ان رأس المال المتوافر لدى بعض المتهمين لعب دوراً بتلك التعبئة سواء عن طريق الدفع بالمحامين الكبار لتقديم مرافعاتهم خلال البرامج التلفزيونية أو عن طريق المقالات المدفوعة التي نشرتها بعض الصحف أو حتى اصدار بعض المنشورات والكتب التي اعدت على عجل لنصرة رجل الأعمال الشهير وتبرئته، وقد ظهرت ثلاثة من تلك الكتب في الاسواق هذا الاسبوع.

وكنت قد حذرت في وقت سابق في هذا المكان من تلك المحاكمات التلفزيونية واستشهدت بآراء نفر من كبار فقهاء القانون، الذين اعتبروا التوسع في نشر التحقيقات والمرافعات في الصحف عنصراً يمكن ان يؤثر في حياد القضاء، فضلاً عن انه يجعل من الرأي العام عنصراً ضاغطاً لا يخدم تحقيق العدالة في نهاية المطاف.

الأمر الثاني الذي شجعني على تأييد حظر النشر هو ما ذكرته امس، وكتبته قبل إعلان قرار المحكمة والنائب العام، من ان اشغال الرأي العام بمثل هذه القضايا خصوصاً في ظل التأثير الهائل لوسائل الاعلام على الادراك العام، يمكن ان يصرف الانتباه عن أمور أكثر أهمية، واوثق صلة بمصير البلد ومصالحه العليا.

وكنت قد ضربت مثلاً لذلك بانشغال وسائل الاعلام المصرية، والمحطات التلفزيونية بوجه اخص، بقضية رجل الأعمال وقتل الفنانة اللبنانية وتجاهلها لإظلام غزة ومنع الوقود عنها واستمرار إسرائيل في تصفية عناصر المقاومة فيها، ومع الأسف فإن الصحف المستقلة وشبه المستقلة تورطت في هذا المسار وذهبت بعيدا في مسعى الاثارة لجذب القراء، حتى اصبحت الحوادث لا الاخبار تحتل موقعا بارزاً على صفحاتها الأولى والداخلية وهو ما ادى إلى تراجع اهتمامات القارئ وانكفائه على ما يشبع الفضول ويغذي نوازع الاثارة، في حين لا يضيف شيئاً يذكر إلى معارفه، خصوصاً هدم وطنه وأمته.