تحديات العصر ومسؤولية الدعاة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تحديات العصر ومسؤولية الدعاة

المستشار عبد الله العقيل

يواجه المسلمون في عصرهم الحاضر تحديات ضخمة تتطلب منهم الوقوف بحزم تجاهها وإعداد العدة اللازمة لمواجهتها آخذين بعين الاعتبار قوة أعدائهم وشراسة حربهم وشدة حقدهم على الإسلام ودعاته، وسعيهم الحثيث للحيلولة دون أن يستعيد المسلمون أمجادهم، ويأخذوا مكانهم اللائق بهم بين الأمم.

ومن أجل هذه الأهداف يسعى خصوم الإسلام بكل السبل المشروعة وغير المشروعة لزرع الخلافات وإضرام نار العداوات بين جماعات المسلمين على مختلف مستوياتها حتى لا يلتئم الصف الإسلامي ولا تتوحد المسيرة، وينشغل المسلمون بأنفسهم عن أعدائهم، ويكون بأسهم بينهم شديدًا.

ويمارس الكثير من حكام المسلمين دور الأقزام الذين يتلقون الأوامر من أسيادهم في الشرق والغرب لإذلال شعوبهم الإسلامية، والتضييق على الدعاة إلى الله والعاملين للإسلام، وكبت الحريات ومصادرة الأرزاق، وملء السجون بالألوف من أبناء الشعوب الإسلامية، ونشر الفساد في البلاد، وإشاعة الفاحشة ورعاية الهدامين والمفسدين في الأرض، وتقليدهم أسمى المناصب وإعطائهم مقاليد الأمور، وتكريم الساقطين والساقطات، وإهمال العلماء والعاملين والأساتذة المبرزين والشباب الصالحين، وتشجيع تيارات الإلحاد والتحلل وفتح المجال أمامها في كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، حتى تنفث سمومها في أجواء البيوت والأسر والمدارس والمجتمعات، فلا يبقى صغير ولا كبير ولا رجل ولا امرأة إلا وأصابه من رشاشها الشيء الكثير.

ومن هنا نحتاج إلى وقفة متأملة لما يجري في الساحة الإسلامية الواسعة، نعيد النظر في الكثير من المواقف، ونتخذ من الأساليب المشروعة ما يحقق للدعوة أهدافها، مستفيدين من تجارب السابقين، ومضيفين إليها حصيلة ما استجد، مختارين لكل مجال رجاله، ولكل بيئة ظروفها، مستهدين بمنهج الإسلام الأصيل المستمد من الكتاب والسنة وما أجمع عليه سلف الأمة الذي يَعتبر أول مراتب القوة قوة العقيدة، ثم قوة الوحدة، ثم قوة الساعد، ولا يصح بحال من الأحوال أن نفرط في جانب من الجوانب على حساب الآخر، ولا أن نهتم بقوة الساعد قبل قوة الوحدة، ولا بقوة الوحدة قبل قوة العقيدة، فالمسلم الحق هو الذي تكون عقيدة التوحيد قد تشربت في أعماق قلبه، واستشعرها في كيانه وأحاسيسه، وتمثلت في حركاته وسكناته وجوارحه، فصار يتحرك بالإسلام، ويمثله في كل تصرفاته ويواجه الخصوم بكل صلابة؛ لاطمئنانه إلى أن الله معه (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)، ويسعى جاهدًا لأن يأخذ الإسلام مكانه في واقع الحياة، ويحكم بمنهج الله، باذلاً جهده في بيان دعوة الإسلام، وداعيًا لجمع الكلمة تحت راية التوحيد، وآخذًا بكل الأسباب الموصلة إلى وحدة المسلمين وتوثيق أواصر الأخوة الإسلامية فيما بينهم والتعاون لإعداد العدة والأخذ بها (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة).

ولهذا فإن الوحدة المنشودة التي يتطلع إليها كل مسلم هي التي تجعل أخوة الإسلام الفيصل في العلاقات بين الأفراد والجماعات والمعلم البارز لكل تصرف يصدر من الدعاة أفرادًا أو قيادات، والميزان الذي توزن به الأمور وتحل بمقتضاه المشكلات والمعضلات، فقد شرع الرسول (صلى الله عليه وسلم) في ترسيخ معاني الأخوة الحقة بين المهاجرين والأنصار، ثم بعدها أخذ في الإعداد والاستعداد لمواجهة الخصوم بقوة الساعد والسلاح؛ فكانت المعارك الحاسمة بين الحق والباطل، وكان البلاء الحسن لرجال العقيدة والوحدة والأخوة والقوة، فحقق الله النصر على أيديهم، ورفع راية الإسلام، وأعلى كلمته، وقمع الباطل وأهله وأزال دولته، وأشرقت الأرض بنور ربها، وزال الطغاة، وتحطمت الأصنام، وانطلقت جحافل المجاهدين شرقًا وغربًا تطهر الأرض من دنس الباطل، وتستأصل شأفة المتكبرين والمتسلطين، وتحرر العباد والبلاد من الظلم والفساد وتظلها براية الإسلام الحنيف الذي جاء لخير الإنسانية كلها ولسعادة البشرية جميعها.

إن الوقفة المتأملة المطلوبة من الدعاة اليوم هي أن يراجعوا مدى التزامهم كأفراد وجماعات بهذا الإسلام، وأن يتأكدوا من سلامة الطريق المطلوب تحقيقها، وأفضل السبل المستطاعة المشروعة للوصول إلى الأهداف والمراحل اللازمة لكل خطوة من الخطوات؛ حتى تتضح الصورة، ولا يلتبس الطريق، وليحرص من بيدهم الأمر على الاختيار الجيّد البناء؛ فالعبرة بالكيف لا بالكم، والنوعية لا بالعدد، فكم من رجال قلائل أجرى الله على أيديهم الخير الكثير لما فيهم من مواصفات الرجال الصادقين المؤمنين، وكم من أعداد هائلة كانت من أسباب الشتات والضياع والهزيمة والفشل.

نسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إلى مواطن النصر، وأن يثبت قلوبنا على الحق، وأن يؤلف بينها على الأخوة، ويرزقنا التوفيق والسداد والرشد، إنه نعم المولى ونعم النصير.

المصدر