تذكرة بمفاهيم أساسية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تذكرة بمفاهيم أساسية

بقلم : د. محمد عبدالرحمن ... عضو مكتب الإرشاد


مقدمة

يطالعنا البعض كل فترة بفتوى أنه لا يجوز فى المجتمع تشكيل جماعات أو تجمعات بخلاف التى تحددها الدولة ويرضى عنها الحاكم، وينسب هؤلاء ذلك القول العجيب للإسلام دون دليل شرعى واحد، ودون مناقشة أو استدلال عن أن هذا التجمع أو ذاك على الخير أم على الشر ؟

وكأن الإسلام ونظامه السياسى يقوم على الاستبداد وعلىنظرية الحاكم الأوحد، وأن كل الحقوق الإنسانية والمجتمعية مرهونة برأى ورضى هذا الحاكم.

وكأن الحرية والديمقراطية حرام على أمة الإسلام من وجهة نظرهم أما دول الغرب الرأسمالية ، فهى التى يجوز لها أن تتمتع بهذه الحرية وتلك النعمة.

ونسى هؤلاء أنه لوقت قريب قبل قيام الثورة فى مصر وقبل نشوء قانون الجمعيات، كان يحق لأفراد المجتمع تشكيل الجمعيات والأحزاب والهيئات وتعرض أمرها على الشعب ليحكم عليه وعلى جدوى هذا التجمع، ويكون القانون الصحيح المعبر عن إراة الأمة والمعتبر شرعا (وليس قانون الحاكم وبطانته) هو الذى يحاسبها عندما تأتى بأفعال تستوجب المحاسبة.

ولم يخرج لنا أحد من العلماء وقتها، ببطلان هذا الحال، بل إن الشيخ محمد عبده كان من دعاة الإصلاح والحرية، فى المجتمع فى هذا الشأن.

وهذا الأمر الذى ذهب إليه هؤلاء قد لا يحتاج إلى ردّ لبيان مدى الخلل والفساد فيه، لكن للأمر انعكاسات وتساؤلات أخرى تلقى بظلالها مما يحتاج لإعادة الحديث عن المفاهيم الأساسية للدعوة وتوضيح لجوانبها، لتحديد الرؤية الصحيحة فى مجال الدعوة والعمل للإسلام والإصلاح فى المجتمع.

هل الإسلام هو مجرد أخلاقيات وسلوك شخصى يقف بذلك عنده واجب الفرد وانتماءه لدينه.؟ أم هو تشريع كامل ونظام متقن يقيم دولة ويربى مجتمعاً ويشكل أمة مترابطة لها قيادة مؤمنة، وشريعة وأحكام تطبقها ورسالة تعمل لها. يشير الإمام البنا إلى ذلك الأصل فيقول: الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعاً، فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ... كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء .. ) وهذا ما ذهب إليه جميع علماء ا لأمة.


حول مسئولية الحاكم والفرد

هل إقامة شرع الله وتطبيق أحكامه وحدوده وتشكيل الدولة التىتحمل الرسالة وتؤدى ذلك واجب الحاكم – فإذا توفر وقام بذلك كان بها، وإذا انحرف كان هو الذى سيحاسب عن ذلك فقط أما افراد الأمة فلا يلزمهم مسئولية تجاه ذلك ؟

إن المطالع لأحكام الشرع والتكليف بإقامة شرع الله يجدها لم توجه فقط للحاكم وإنما وجهت للمسلمين، ويكون أداءهم لهذا التكليف بإقامة الحاكم الذى ينوب عنهم فى التنفيذ، وواجبه الأساسى هو سياسة الدنيا وحراسة الدين وأنه نائب عن الأمة فى ذلك.

فإذا قام من يؤدى ذلك ويساعد عليه، أصبح من فروض الكفاية المتحققة، وإذا لم يقم هذا الأمر فى واقعها فإنها تأثم جميعاً ويصبح تحقيقه فرض عين، كلٌ على حسب علمه وطاقته وبالضوابط التى حددها الإسلام.

وقد رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الطريق لذلك، فربّى الناس على الإيمان ورسخه فى قلوبهم حتى وصل بهم من الانتشار والتأثير أن تحول غالبية المجتمع فى المدينة المنورة إلى الإسلام وأقام بهم دولته. والآن ونحن فى مجتمع ينتسب للإسلام وأمة ممتدة عبر العالم بمئات الملايين لكنها متفرقة مشتتة، لا يقام فيها شريعة كما أمر الله، ولا تحمل رسالتها بالمستوى الذى يرضى الله ورسوله، وبالتالى يصبح والحال كهذه أمراً واجباً على كل مسلم أن يصلح نفسه وأن يدعو غيره ويطالب القائمين المتغلبين بالرجوع إلى نهج الله حتى يأتى الحاكم الذى تربى على الفهم الصحيح ويؤدى واجبه وينزل على إرادة الأمة.

ولا يقتصر هذا الإصلاح على الحاكم بل يمتد ليشمل كل جوانب المجتمع من إصلاح الفرد لنفسه وفى محيطه ومجاله، وبناء البيت المسلم وإصلاح المجتمع ليتمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية والإرتقاء به ثم إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق ولا يكون هذا إلا بتربية الجيل المسلم تربية صحيحة فيكون منه الحاكم المسلم والقادة والمسئولين.

والحقيقة الأخرى أن هذا الأمر من الإصلاح والدعوة والتربية يحتاج مع الدعوات الصالحة والكلمات الحماسية إلى عمل مرتب ومنظم، فإن تربية الشباب والأجيال لا تنشأ بمسار عفوى، ولكن بجهد جماعى منظم متدرج يكمل فيه اللاحق ما بدأه السابق.


ضرورة العمل الجماعى

وينشأ السؤال التالى هل التجمع للعمل لأى جانب من جوانب الإسلام والدعوة، أو العمل الجماعى من سمات المجتمع المسلم ويتمشى مع منهج الإسلام ؟

إنه فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هناك تجمعات لأعمال البر ، فهناك طائفة الذين عرفوا بالقرّاء وقد تعاهدوا على منهج تربوى وأعمال للبر والخدمة العامة للفقراء ، وقد مدحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت هناك مجالس للذكر ومدارسة القرآن .

وكان هناك – فيما بعد – المرابطون على الثغور وقد وهبوا أنفسهم للدفاع عن الإسلام وحماية الدولة .. الخ .

وهاهى أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تشير إلى التجمع للعمل الصالح والثبات عليه، فيتحدث عن طائفة تعتبر تجمعاً وجزءاً من الأمة: " لا تزال طائفة من أمتى علىالحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتى أمر الله وهم كذلك .. " أو كما قال أتكون هذه الطائفة أفراداً متفرقين أم تجمعًا وكياناً منظماً ؟

وفى الآيات القرآنية ما يشير إلى ذلك { فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ }(التوبة: من الآية122)

وفى قوله تعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (آل عمران:104)

وقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ* إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } (الصف:2- 4) فهذا الأمر من روح الإسلام وطبيعته حتى فى الأمور الحياتية العادية يشير إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كنتم ثلاثة فى سفر فأمروا أحدكم "، " يد الله مع الجماعة "، " إنما تأكل الذئب من الغنم القاصية" .

لقد اتفق العلماء أنه إذا كانت دولة الإسلام قائمة مؤدية لرسالتها العالمية، وأحكام الشريعة مطبقة وتهتدى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى عملها ومجتمعها .. إذا كان الحال كذلك، فإن الدعوة إلى الله داخل المجتمع وخارجه تكون فرض كفاية يقوم بها ذوى الهمة ومن اتصفوا بالصفات اللازمة لذلك نيابة عن الأمة كلها.

أما إذا كان كل ذلك غائباً ودولة الإسلام مفككة الأوصال وتطبيق أحكام الشريعة فى أغلبه ليس قائماً، والأعداء قد احتلوا أو سيطروا على أراضيها ومقدراتها، وبغوا عليها وعلى مقدساتها، فإن الدعوة إلى الله والعمل لإقامة كيان الأمة الإسلامية وتطبيقها لمنهج الله ودفع الأعداء عنها، كل ذلك يصبح فرض عين واجب على كل مسلم ومسلمة كلٌ بحسب قدرته وإمكانياته، وبحسب ما يتولى من السلطة سواء من أصغر فرد فى الأمة إلى أعلاها سلطة ومنزلة . وأقله فيما يجب عليه أن يكون قدوة صالحة فى نفسه وفى من يعول وأن يمتلء قلبه بالرغبة فى تطبيق شريعة الإسلام فى كل المجالات واسترداد مجد أمته، وأن يتعاطف مع دعاته والعاملين له، وأن يكره الباطل والفساد وما يحدث من اعتداء على مقدرات الأمة.

لابد أن يحس المسلم أنه صاحب رسالة وأنه حامل هداية ونور، حتى ولو كان علمه قليلاً وإمكانياته معدومة وأن يستشعر أنه جزء من أمة هى أمة الإسلام لها رسالة لهداية العالمين.

هذا هو الواجب والحال الذى وضحته الشريعة وذهب إليه العلماء وأن التفريط فى هذا الواجب وإن كان لا يخرجه من دائرة الإسلام أو من انتمائه للأمة الإسلامية إلا أنه تقصير وتكاسل وانشغال عن هذا الواجب حسابه ومرده فى ذلك إلى الله الذى يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور .

وبالنظر إلى هذا الحال وإلى الواجب المطلوب تحقيقه، فإن كل وسيلة مجازة شرعاً توصل وتؤدى لتحقيق هذا الواجب الشرعى، تصبح هذه الوسيلة واجبة والقاعدة الأصولية ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب توضح هذا وبالتالى فإن التجمع والتساند والتعاون فى أدائها يصبح فرضاً لازماً على كل من قدر وارتضى العمل بالدعوة إلى الله، وهذا العمل الجماعى للدعوة والإصلاح ينتقل من مرتبة الجواز والندب وفرض الكفاية فى حالة وجود الدولة الإسلامية القائمة بواجباتها، إلى درجة أعلى تصل إلى الفرض والوجوب فى مواجهة هذا الواقع الأليم.

ويؤكد على هذا المبدأ أو الأصل متطلبات الواقع الذى تواجهه عملية الإصلاح وأن هذا ضرورى حيث أن حجم المطلوب ضخم يمتد لأجيال لا تنفع فيها مجرد الجهود الفردية المبعثرة.

وأن الأمة وهذا حالها تتعرض لهجمة شرسة من أعدائها – أعداء الإسلام – وتتعرض لمشروع غربى صهيونى يستهدف عقائدها وأخلاقياتها ورسالتها، ويطمع فى خيراتها وأراضيها ويسهر على هذا المشروع دولاً ومنظمات فلا يمكن أن يواجه بأسلوب فردى أو تجمعات غير منتظمة تسير بلا خطة أو هوية – لهذا كان وجود عمل وكيان جماعى منظم مكافئاً للواقع الموجود سواء فى أداء جزئية من واجبات الإصلاح، أو وفق نظرة شمولية لكل مطالب الإصلاح، يعتبر واجباً من ناحية الأصل فى ذاته ومن ناحية أنه ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب، .... ومن ناحية أنه المكافئ للواقع والتحدى الموجود، وبالتالى فهو وسيلة واجبة. وتكون بذلك الرؤية الشرعية أن العمل الجماعى المنظم فى أى مجال من مجالات الدعوة فريضة وواجب شرعى، ولا يمنع هذا الأفراد أن يقوم كل بما يقدر عليه.


من ضوابط العمل الجماعى فى المجتمع

وإذا تساءل أحد كيف تنشأ جماعات داخل المجتمع المسلم، والأصل فى المجتمع أنه أمة واحدة؟ فالمقصود هنا أنها ليست جماعة بديلة عن المسلمين أو أنها جماعة المسلمين، ولكنها جماعة من المسلمين داخل نظام الأمة تنهض بهذا الواجب لتؤدى هذه الأمانة وتعذر إلى الله، فهى تقوم بذلك كواجب عليها وفرض سوف تحاسب عليه وتدعو غيرها ليقوم به.

والتجمع والتساند هنا لا يقف عند مجرد التواجد والعلاقة الحسنة، بل قد يرتقى حسب الواجب العملى إلى التجمع كصف وقيادة، ويلزم لصحة ذلك شروطاً منها:

1. ألا يكون بديلاً عن الانتماء الواسع العام لأمة الإسلام.

2. وألا يرفع السيف على أمة الإسلام.

3. وألا يكفر أو يفسق من لم يكن معه فى ذلك، ولا يعتبر من تركه وخرج أنه خرج من الإسلام.

4. ألا يعتبر نفسه جماعة المسلمين، بل هو جماعة من جماعات المسلمين التى تشملها عمومية الانتماء لأمة الإسلام.

5. أن تكون رؤيته وأهدافه ووسائله منضبطه بشرع الله .

6. ألا يدخل فى حرب أو خصومة مع غيره من التجمعات التى تعمل للإسلام وهى منضبطة بضوابطه العامة ولا تخرج على أصول الشرع.


المفهوم الخاطئ لجماعة المسلمين

إن ما جاء من ألفاظ فى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مثل حزب الله، جماعة المسلمين، الفئة المؤمنة، الأمة الإسلامية، الفرقة الناجية .. الخ المقصود بها عموم الأمة الإسلامية، وليس يخصّ بها شريحة أوفريقاً منها فهى وصف للمجتمع المسلم وما يجب أن يكون عليه سواء كان هؤلاء موجودين فى إطار سياسى ودولة واحدة مثل ما كان الأمر فى دولة الخلافة أو متفرقين فى دول شتى، لكن يبقى الانتماء الإسلامى وعموم لفظ الأمة الإسلامية شاملاً لهم.

ومفهوم الحديث الذى جاء فيه أنه ستفترق أمتى على ثلاث وسبعون فرقة او شعبة الناجية واحدة والباقى فى النار، المقصود بها هو الفرق الضالة التى خرجت عن أصل الدين الإسلامى وأصبحت خارج الملة الاسلامية بإجماع الفقهاء أما المذاهب الفقيهة والأراء المختلفة فليست هى الفرقة الضالة المقصودة.

ودعوى الانعزال بحجة غياب جماعة المسلمين وإمامهم حسب فهم البعض الخاطئ لمعنى قوله فاعتزل كل تلك الفرق ولو أن تعض بأصل شجرة، خاص بالفرق الضالة ( وقد ورد حديث آخر عنهم : دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها) وأنه لا عذر لمن سار وراءهم حتى ولو بقى بمفرده، وليس يفهم من الحديث اعتزال العمل والدعوة للإسلام .

كذلك من الصور الخاطئة لمعنى التمكين فى الأرض، أن يدعى أفراد أو فصيل أو تجمع إسلامى أنه على مساحة مسجد أو ساحة قرية أو أى مساحة جغرافية أنه قد أقام إمارة الإسلام وأنه أصبح أمير المؤمنين وأن الواجب على كل مسلم فى العالم البيعة له، فهذا من الخلل الفقهى والشرعى الذى يؤدى إلى التنازع .

إنه لابد للمجتمع بوحدته الجغرافية السكانية والدولة التى تمثله وتنظم أموره أن تنحاز للإسلام وتقيم أحكام الشرع من منطلق الفهم والقناعة والإيمان قبل هذا الإدعاء وتنصيب نفسه أميراً للمؤمنين على العالم، لا يجوز شرعا أو أن ادعاء من معه من أفراد قد أصبحوا هم أهل الحل والعقد للأمة الإسلامية يقررون ما شاءوا فهذا انحراف لأن تنصيب الخليفة وأمير المؤمنين يكون بالتوافق بين عموم الأمة الإسلامية ويسبق ذلك استعادة الكيان الدولى للأمة الإسلامية ووحدتها وإقامتها للنظام الذى تسير عليه أمورها.

وبعضهم يدعى أنه أصبح هو جيش الإسلام الذى أعلن الجهاد والحرب على الكفارويتحدى دول العالم وأن على الجميع الخروج معه، فهذا الحماس الذى لا يستند لأصل شرعى أو إعداد حقيقى أو فهم للواقع وقدرة على مواجهته هو مغامرة فاشلة تضر ولا تفيد وتخدم الأعداء قبل أن تخدم الأمة الإسلامية. فالإعداد الصحيح يسبق شرعاً الجهاد بمعنى القتال ويضبطه أحكام الشرع ومبادئ الإسلام وليس هوى الأفراد وحماسهم.


توضيح الموقف من الحكام المتغلبين وانحرافهم

ويرى البعض أن وجود جماعات وكيانات تدعو للإسلام وتعمل له، فى هذا العصر الذى تغلب فيه الحكام وتظاهروا بالظلم والفسق، هو مخالف لرأى السلف وأنه يجب السمع والطاعة لهؤلاء الحكام ويستدلون بأحاديث، لم يفهموا نصوصها.

إن النصوص التى وردت فى الأحاديث وإن رأى علماء السلف فى الأمة، هو تحريم الخروج بالسيف على هؤلاء الحكام المسلمين الذين قصروا فى أداء واجباتهم وظلموا الناس، وذلك حفاظاً على الدم المسلم وعدم إشاعة الفتنة والقتال بين أفراده حيث هؤلاء حكام متغلبون معهم القوة والجنود والأتباع، ولم يذهب الحديث النبوى أو علماء الأمة إلى عدم العمل والدعوة والتربية والإصلاح فى المجتمع حتى ولو خالف ذلك رأى الحاكم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق " والقعود عن واجب الإصلاح لمن قدر عليه معصية، كما أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن متابعة هؤلاء الحكام فى ظلمهم بل والتبرؤ منهم، والقيام بالأمر بالمعروف ونهيهم عن المنكر والصبر عما يلحق بالداعية من جراء ذلك وقد قال صلى الله عليه وسلم " أفضل ا لجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر".

وقد قال صلى الله عليه وسلم " سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله" أو كما قال .

وقد تحمل علماء الأمة من السلف الصالح الأذى كالإمام أبى حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل وابن تيمية وغيرهم كثير فى سبيل القيام بدعوتهم والثبات عليها، ولم يكن هذا مسوغاً لرفع السيف أو القعود عن أداء الواجب الشرعى بالنصح وبالتالى لابد من مواجهة استبداد الحكام والأنظمة وطغيانهم وتفريطهم فى مقدرات الأمة وحقوقها، وذلك بالوسائل السلمية المختلفة.

وكان هذا هو رأى ومنهج الإمام الشهيد حسن البنا، حيث كان يرفض استخدام القوة والعنف داخل المجتمع المسلم مهما حدث، وعندما أقدم بعض الأفراد على مثل ذلك من أنفسهم قال فى بيانه المشهور، أنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، وإنما تكون القوة والقتال لمواجهة الأعداء، والمستعمر الغاصب مثلما حدث من كتائب الإخوان على أرض فلسطين ضد العصابات الصهيونية، وضد الاحتلال الانجليزى على ضفاف القناة.


بعض مبادئ دعوة الإخوان المسلمين وضوابطها

الإسلام هو الحل-إخوان.jpg

إن الدعوة التى بدأها الإمام الشهيد وأسس بها جماعة الإخوان المسلمين، لم يأت فيها بجديد، وإنما أحيا أمراً نساه وغفل عنه كثير من الناس، ونادى بالعودة والتمسك العملى بالإسلام والقرآن، وبتحقيق أهداف الأمة الإسلامية ورسالتها فى الأرض، ولم تكن كلماته وتوجيهاته وخطواته إلا ترجمة وشرح لهذه المبادئ والقواعد الإسلامية.

ولم يكن الإمام الشهيد فى دعوته ردّ فعل لحدث أو ظروف ومناخ، ولكنه فى الأصل والأساس انطلاقاً من الواجب الإسلامى كان الباعث لنشأة الدعوة يتمثل فى " الاعتقاد الجازم بأن رضا الله – سبحانه وتعالى – وبراءة ذمتنا يوم العرض عليه، توجب علينا العمل الجماعى لأداء تكاليف الشريعة عامة ولإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى خاصة وفق الفهم الصحيح الشامل للإسلام ( والذى عبرت عنه رسالة التعاليم عموماً وركن الفهم منها على وجه الخصوص) .

وينبنى على هذا الباعث أن تكون كافة ممارساتنا الجماعية نابعة من المنطلق التعبدى وأن يكون العمل الجماعى - وكذلك الجماعة – ليست غاية ولا وسيلة ، ولكنها فريضة، وأن الحاجة إلى الجماعة تظل قائمة ما دام التكليف الشرعى الباعث على إنشائها لم ينتف .

وبهذا يمكن تلخيص الرسالة التى تسعى الجماعة لتحقيقها – كما وضحها الإمام الشهيد " العمل على أن تكون كلمة الله هى العليا، بأن تسود قيم وأحكام الإسلام وشرائعه فى ربوع العالم {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } (لأنفال: من الآية39) وذلك :

أ‌- بالنهوض بالأمة الإسلامية لتتبوأ مكانة أستاذية العالم وتقوم بواجب الشهادة على العالمين { لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } (البقرة:143)

ب‌- وبالتعاون فيما بيننا على القيام بالتكاليف والواجبات الشرعية المناطة بنا، ويتمثل هذا فى الأهداف التالية:

1. تكوين الفرد المسلم

2. والبيت المسلم

3. المجتمع المسلم

4. تحرير الوطن من كل سلطان أجنبى

5. إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق.

6. إعادة الكيان الدولى العالمى للأمةالإسلامية بتحرير أوطانها وتحقيق الوحدة المنشودة، وإقامة الخلافة المفقودة، واسترداد الديار السليبة.

7. أستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام فى ربوعه ( منهج الإصلاح والتغيير عند جماعة الإخوان المسلمين صـ19، 20)

لقد اهتم الإمام الشهيد ببناء الجانب العقائدى والفهم ا لصحيح وتربية الأفراد، واعتبر أن ذلك أساس الإصلاح ا لذى ينطلق منه إلى كل جوانب الإصلاح المطلوبة وكان يقول : " إذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه أسباب النجاح " وكذلك صبغ دعوته وأقامها على هذه السمات الإسلامية:

1] أنها إسلامية صميمة، على الإسلام تعتمد، ومنه تستمد (رسالة اجتماع رؤساء المناطق) " إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة مبدأ" ( رسالة دعوتنا)

2] الاهتمام بتربية الفرد وإصلاح حاله فهو ركيزة الإصلاح وأن يتسع هذا ليشمل تكوين الجيل المسلم الذى يكون أساس الدولة الإسلامية .

3] أهيمة إيقاظ الأمة وتربية المجتمع وصبغه بالصبغة الإسلامية فى أخلاقياته وسلوكه وعرفه العام.

4] وأن يعرف هذا الشعب حقوقه وكيف يطالب بها وكيف يحافظ عليها، فلا يخدعه أى حاكم وهذه هى الضمانة الأساسية لعدم انحراف الحاكم حتى ولو كان الذى يحكم هوالإخوان المسلمون.

5] عالمية الدعوة، " والإخوان المسلمون لا يختصون بهذه الدعوة قطراً دون قطر من الأقطار الإسلامية، ولكنهم يرسلونها صيحة يرجون أن تصل إلى آذان القادة والزعماء فى كل قطر يدين أبناؤه بدين الإسلام" ( رسالة إلى أى شيء ندعو الناس صـ47)

6] شمولية التصور للإسلام، وشمولية العمل والإحاطة به فى جميع المجالات .

7] استخدام الوسائل السلمية فى الدعوة والنضال الدستورى والكفاح السياسى، والبعد عن العنف وإراقة الدماء.

8] التعاون مع قوة الأمة جميعاً الساعية للإصلاح، وفق المبدأ " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيها" .

وليس من مبادئ الإخوان احتكار العمل والمناشط فى مجال الإصلاح بل يرحبون بكل جهد ويحفظون لكل ذى فضل فضله.

9] أنها تهدف إلى الأمرين معاً: أ) الإصلاح الجزئى والمشاركة فى أعمال الخير والبر العامة. ب) الإصلاح الكلى الشامل ليتحقق به الأهداف الإسلامية الكبرى وأن هذا يحتاج أن تتعاون عليه الأمة جميعاً وأن تنهض به.

10] عدم التمحور حول رأى فقهى فرعى أو مذهب معين، بل هى تسع الجميع: " إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلى رأى عُرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهى تتوجه إلى صميم الدين ولبه " . ( رسالة دعوتنا صـ25)

هذه بعض المبادئ والسمات لدعوة الإخوان ومن أراد المزيد نحيلهم إلى رسائل الإمام الشهيد والكتابات التى شرحت الكثير منها.

إن ميدان العمل المطلوب واسع جداً والفجوة المطلوب اجتيازها فى إصلاح حال الأمة كبيرة واتساع مساحة الأمة الإسلامية شاسعة ممتدة، وبالتالى لا يستطيع فريق أن يحتكر التواجد والعمل ويلغى الآخرين لكن يسعى الجميع للتنسيق والتعاون وفق قواسم مشتركة ويحتفظ كل فصيل بشخصيته ورؤيته الخاصة مادام ليس فيها هجوم على أصل الدين أو مصلحة الوطن الأساسية.

أما اللجوء للتنازع وهجوم كل فصيل على الآخر، فهذا لا يؤدى للإصلاح، وعلى الجميع أن يركز على العمل الإيجابى فميدان الجهاد فيه متسع للجميع كما قال الإمام الشهيد بل وألزم الإخوان ألا تلتفت لهذه العرقلة أو ذلك الهجوم عليها من غيرها، واعتبر أن ذلك كفاحاً سلبياً لا تتورط فيه الجماعة ولا ترد على أصحابه بالمثل.

إن التصور المتكامل للعمل للإسلام للإصلاح وتحقيق رسالة الأمة بلا شك هو التصور الأكثر صواباً والمحقق لآمال الأمة، حيث يكون الفهم الشامل الصحيح للإسلام هو منطلقه، وتكون الأهداف العامة التى يسعى إليها شاملة لكل الجوانب ، وأن تكون ضوابطه ووسائله وميدان عمله معبرة عن هذا الشمول مكافئة للواقع والتحدى الذى يواجهه وضمن إطار الشرع وأحكامه، وأن يراعى التدرج وسنن التغيير والتمكين .. الخ كل ذلك يعطينا وصفاً ونموذجاً للعمل الجماعى الذى نتوحد على أساسه، لكن يبقى ذلك وصفاً وادعاءً حتى تأتى سنة الله فى الاختبار والابتلاء والتمحيص ومعيار الزمن فى الاستمرار والتواصل لتحكم على ذلك التجمع أو غيره بانه جدير بهذا النموذج الذى يحمل الدعوة ويتحرك بها.

لقد أكدت دورة التاريخ وما مرت به جماعة الإخوان من ابتلاءات، فأكدت مدى صدق الجماعة واستمرارها وثباتها جيلاً بعد جيل حتى أصبحت هى المشروع الرائد على ساحة الأمة الإسلامية كلها، تعمل وفق مبادئها وأهدافها لإيقاظ الأمة وإنهاضها لتقود معها هذه المهمة وتحقق الرسالة المنشودة.

وأما مستوى التطبيق لهذه المبادئ والرؤية العملية الشاملة فهو موكول للجهد البشرى ولا يدعى أحد الكمال أو العصمة أو القداسة، والمرجعية هى للإسلام وأحكامه وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم ولا يقف الإنسان أمام حالة فردية يحكم بها ويترك مسار الجماعة وواقعها العملى عبر عشرات السنين وما تحملته من محن، وما قدمته من عمل وإنجاز.


من ضوابط العلاقات مع الأفراد والتجمعات

الإخوان كما سبق أن أشرنا يعتبرون أنفسهم جماعة من جماعات المسلمين ضمن الانتماء الواسع لأمة الإسلام، وهم مقتنعون تمام الاقتناع بأهدافهم ومبادئهم حيث هى مستمدة من الإسلام ودعوته، وأنهم يجتهدون بأنفسهم لتحقيق هذه المبادئ فى أنفسهم وفى حركتهم، لا يحتكرون الدعوة إلى الله، ويقدمون التعاون والتنسيق على الخصومة والشقاق.

ويدعون كل مسلم فهم دعوتهم أن ينضم إليهم عن قناعة ورغبة، ومن امتنع عن ذلك أو كان معها وتركها لم ينزع عنه أحد صفة الإسلام أو يحرمه من العمل للإسلام.

والجماعة تلزم نفسها بما ألزمها به الإسلام، وثوابت الإسلام هى ثوابت الجماعة، ثم هناك درجة أخرى من العزيمة يحتاجها العمل المنظم وضوابط الجماعة، فلها أن تضع من الضوابط ما تلزم به نفسها وافرادها – بشرط ألا يخالف أصلاً شرعياً – فمن رضى بذلك وبايع عليه وشملته الجماعة وانتسب بذلك إليها، كان عليه الالتزام بضوابط الجماعة ورؤيتهم واهدافهم والاستجابة لقيادتهم.

ومن لم يعجبه ذلك فارقها وانفصل عنها دون استعداءً عليه.

وعليه أن يكون واضحاً فى موقفه حازماً فى أمره وباب الجماعة مفتوح لكل من أراد أن يدخلها ولكن بالشروط والضوابط التى تضعها وإلا فقدت الجماعة كيانها وتميزها وذابت قدرتها على التنظيم والحركة وهى لم تبدأ دعوتها هكذا ولم تواجه الشدائد والمحن بانفراط عقدها.

وتاريخياً كانت هناك عشرات الحالات من المفارقة، ومن التساقط على طريق الدعوة، لأسباب مختلفة، فكانت الجماعة تحترم الضعف البشرى والإرادة الشخصية ولا تنسى الجهد الطيب الذى كان مبذولاً من أحد، ولا تهتك ستر أحد ولا تسقط عنه حقوق المسلم العامة فى المعاملة والحياة، وكان من هؤلاء حالات هاجمت الدعوة تبريراً لموقفها فلم ترد عليهم الجماعة بنفس أسلوبهم أو تعتدى عليهم، ولا تتهم أحداً بكفر أو فسوق أو نفاق وتكل أمرهم لله.

وقد يصدر تساؤل هل لا يعمل للإصلاح والدعوة إلا أصحاب الفهم الشامل للإسلام، وإذا لم يكن فى جماعة من الجماعات، فليس عليه واجب نحو الدعوة؟

نقول: إن الفهم الشامل الصحيح لمبادئ الإسلام واجب على كل مسلم ليستكمل إيمانه، هذا فى مجال الفهم، وأن عليه العمل والإصلاح بما فهمه وعلمه حتى ولو كان شيئاً بسيطاً وأمامنا حديث رسول الله " لاتحقرن من المعروف شيئاً ".

ومع وجوب وجود من يقوم بالدعوة والإصلاح والعمل الجماعى وفق الرؤية الشاملة والأهداف الكاملة التى جاء بها الإسلام إلا أن هذا لا يمنع الأفراد والتجمعات المختلفة من الدعوة والعمل فى جزئية من الجزئيات أو فرعية من الفرعيات، فكل هذا صور من البر والعمل الصالح المطلوب، لكن لا يجعل هؤلاء الأفراد من أنفسهم معوقاً للجهود الجماعية ومخذلاً لها، فيحترم الدور الذى تؤديه وينصح لها ويدافع عن مبادئ الإسلام التى تدعو إليها، وليعلم أن العمل الجماعى درجته أرقى وأعلى وأوجب من مستوى العمل الفردى، وكلا الأمرين مقبول عند الله طالما خلصت النوايا.

وعن سلوك الداعية مع المجتمع يقول الشهيد سيد قطب فى الظلال : " ... فالناس فى حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة وإلى ود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم ، فى حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء – ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والودّ والرضا ... وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم" أ.هـ .


هل الوصول للحكم هدف فى ذاته

ونشير هنا فى ختام الحديث، أنه إذا كان تحقيق الأهداف العليا لعودة أمة الإسلام كياناً واحداً وخلافة راشدة على منهاج النبوة، يستلزم أولاً تحقيق هدف إصلاح الحكم لتكون هناك الحكومة والدولة التى تقيم أحكام الإسلام وتطبق شريعته، وتؤدى الرسالة المطلقة بها.

فإن هذا لا يعنى أن القفز على الحكم والوصول إليه يكون بأى طريق أو أنه مجرد هدفاً لذاته، بل يكون ذلك عبر أصول وأركان يجب توفرها أولاً، أهمها تربية الجيل المؤمن الذى يشكل أساس هذا الحكم، وتهيئة الشعب المسلم وإصلاح أمره حتى يكون قادراً على إقامة الحكم الإسلامي والحفاظ عليه وأداء الرسالة المطلوبة إن الإخوان يرفضون منهج الانقلاب والثورات وأسلوب القفز على الحكم، فهذا ليس من منهاجهم ولا يتفق مع أسلوب تربيتهم للأمة وتكوينهم للمجتمع، يقول الإمام الشهيد: " وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها " أ. هـ

إنهم لا يهدفون إلى هدم نظام أو مجرد تغيير باطل يُستبدل بعد ذلك بنظام آخر أو بباطل من نوع آخر، إنما هم يستهدفون إقامة البناء الإسلامى المتكامل فى المجتمع والأمة بأركانها كلها بناءً راسخاً قوياً يتحمل كل الضغوط ويواجه كل التحديات ويؤدى الواجب المطلوب منه وهذا الهدف الضخم أكبر وأوسع من مجرد تغيير نظام حكم أو استبدال حاكم، وهذا هو الفرق بين أصحاب الدعوة وحملة الرسالة، وبين أصحاب السعى للكرسى والعمل للمناصب ولو كان له شرعية قانونية .


تذكرة فى الختام

وقد يستعجل بعض الأفراد، ويرى أن معنى هذا زمناً طويلاً وعشرات أو مئات السنين لكى يتحقق أو ينظر إلى واقع التحدى الذى تواجهه الأمة فلا يتخيل كيف يحدث هذا ؟

أولاً: أن اليقين بنصر الله وتحقيق هذه الأهداف وعودة الأمة الإسلامية كما أراد الله لها أن تكون، جزء من الإيمان الذى يجب أن يكون عليه المسلم، فهو إيمان بوعد الله وتصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثانياً: يغيب عن الإنسان العامل الربانى فى تقدير الأمور ومشيئته المطلقة فى تسيير الأحداث ومسار الزمن، وأن هناك حكمة فى هذه المراحل وفى تهيئة التمكين لدينه، فما نحن إلا ستار لقدرة الله عز وجل .

ثالثاً: إن علينا استفراغ الجهد وبذل النفس والنفيس والثبات على دعوة الله، وحسن التوكل عليه والأخذ بأسباب النصر ومراعاة سنن الله، وأن الأمر يحتاج إلى أجيال وهى فى عمر الحضارات ليست بالشيء الكثير.

رابعاً: إن مقياس الإنسان الزمنى لمعدل الإنجاز تحكمه الرؤية البشرية القاصرة فعندما يهيؤ الله الأحداث ويأذن بتحقيق وعده، يتضاعف معدل الإنجاز، وما يتم فى عشرات السنين قد يتحقق فى فترة وجيزة، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته مثال على ذلك فقد استمروا فى جهادهم وثباتهم ما يزيد على العشر سنوات ومعدل الانضمام قليل ولكن فى أقل من عامين دخل العشرات والمئات من الأنصار دين الله، ثم قامت دولة الإسلام .

خامساً: أن مسئوليتنا الأساسية عند المحاسبة أمام الله عز وجل تقوم على سلامة القصد، ومدى الإخلاص، وعلى مدى صحة الخطوات، ومطابقتها لشرع الله، وليس على النتائج، فإن أصبنا كان لنا أجر الفائزين، وإن أخطأنا كان لنا أجر المجتهدين، مع وضوح أن استفراغ الجهد البشرى بكل الوسائل يقع ضمن الاجتهاد البشرى فى صحة الخطوات، وأن الداعية بإخلاصه وتجرده يدرك بعمق وبتطبيق عملى مبدأه وشعاره أن " الله غايته"

والله أعلم وهو يهدى السبيل