تربية الشباب المسلم للآباء والدعاة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تربية الشباب المسلم للآباء والدعاة


بقلم الدكتور / خالد أحمد الشنتوت


مقدمة الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله وحده لا شريك له ، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم وبعد :

فقد جاءت الصحوة الإسلامية في موعدها المقدور عند الله ، والله يقول في كتابه العزيز : { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } ( يوسف : 21 ) .

ويقول سبحانه وتعالى : { يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون ، هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون }(الصف: 8-9) .

فماذا تريد الصحوة الإسلامية ؟

لنستمع إلى أحد روادها وهو الإمام الشهيد حسن البنا _يرحمه الله _ يقول :

1- نريد أولاً الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته ، وفي خلقه وعاطفته ، وفي عمله وتصرفه ، فهذا هو تكويننا الفردي .

2- ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته ، وفي خلقه وعاطفته ، ونحن لهذا نعنى بالمرأة عنايتنا بالرجل ، ونعنى بالطفولة عنايتنا بالشباب ، وهذا هو تكويننا الأسري .

3- ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضاً ، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت . 4- ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود الشعب إلى المسجد ، وتحمل به الناس على هدى الإسلام .

(وتغيير حال الأمة ، وإرجاعها إلى حقيقة الإسلام ، أمر لا يتم بالسهولة التي يتصورها كثير من الناس ، إنما يحتاج إلى تبيين الحقائق المجهولة من هذا الدين ، ويحتاج ثانياً إلى تربية الناس على ما تقتضيه هذه الحقائق من سلوك واقعي في الحياة) .

فالتربية هي الطريق الوحيد لإعادة المسلمين إلى الإسلام ، لأنها الطريق الذي سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد ربى قاعدة مسلمة ، طيلة ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة ، علمهم عقيدة التوحيد ، فكراً وسلوكاً ، وزكاهم بالعبادة التي شرعها لهم ربهم عز وجل ، ثم بنى من المهاجرين والأنصار المجتمع المسلم الأول في المدينة المنورة . هذا هو الطريق الوحيد ، لأنه طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتبدأ التربية في البيت المسلم ، قبل ولادة الطفل وبعدها ، وتستمر مع الإنسان طوال حياته ، فالمسجد والمدرسة تعاونان البيت في مهمته ، وخاصة في تربية الشباب -عماد الأمة – ودرعها المتين ، واللبنات الصلبة لإقامة المجتمع .

( والشباب قوة خطيرة إذا تجمع على هدف معين ، وأخذ ماخذ الجد ، ومن اجل ذلك كانت عناية الأعداء منذ وقت مبكر بتمييع هذا الشباب ، وإتلافه ، وإشاعة التفاهة والانحلال في كيانه ، لكي لا يتجمع في يوم من الأيام على هدف معين ، ويأخذه مأخذ الجد ) .

ومن السموم التي نفثها –اليهود وعملاؤهم- بين الشباب ، المقولة التي تؤكد أن المراهقة هي القلق والاضطراب الذي يصل عند البعض إلى ما يشبه الجنون ، وتستغرق هذه المراهقة –كما يدعون- العقد الثاني من العمر كله ... ولدى التأمل والمراجعة ، يتضح من علم النفس أن المراهقة ليست فترة قلق واضطراب دائماً ، بل هناك مراهقة هادئة ، ويتبين أن القلق والاضطراب ليسا حتميين ، وإنما ينشآن من انحراف البشر عن شريعة الله عز وجل .

هدف البحث

لذا أراد الباحث أن يبلغ الشاب المسلم ، والأب المسلم ، والمدرس والمربي المسلم ، أن المراهقة فترة تغيرات سريعة ، هذا هو التعريف العلمي لها ، وأن الطفل المتزن السوي يبقى سوياً ومتزناً خلال المراهقة ، وأن العقد الثاني من العمر هو العقد الذهبي ، من حيث التحصيل العلمي والجد والاجتهاد ، لبناء المستقبل .

ويذكّر الباحث المربين المسلمين أن اهتمام البيت المسلم بأطفاله ، وإقامة المسجد – كما هو في المجتمع المسلم – ثم المدرسة المسلمة ليكملا مسيرة البيت المسلم ن كفيل ببناء جيل مسلم بعيد عن القلق والاضطراب ، كما هي الحال في أوربا وأمريكا ومن يدور في فلكهما .

وأراد الباحث أن يذكّر البيت المسلم بالطرق الإسلامية الصحيحة في تربية الأولاد بعد سن التمييز ، وقبل البلوغ وبعده ، لتحفظ الشباب ( ذكوراً وإناثاً ) من القلق والاضطراب .

مصطلحات البحث

الشاب المسلم : هو الفتى البالغ الذي نشأ في بيت مسلم ، واعتاد على دخول المساجد ، ونشأ في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولم تنحرف فطرته قبل البلوغ .

المراهقة : لها معنيان :

1- المعنى الشائع بين الناس – خاصتهم وعامتهم – يقول : المراهقة فترة من القلق والاضطراب والصراع ، تمتد من قبل البلوغ وحتى العشرين من العمر .

وهي فترة حتمية يمر بها كل إنسان .

2- المعنى العلمي عند المشتغلين في علم النفس فقط : المراهقة فترة تغيرات شاملة وسريعة ، أي تغير جسدي ونفسي وعقلي وروحي ، ونمو سريع لهذه الجوانب كلها ، حتى قالوا عنها : انقلاب كامل . الطفولة الهادئة : هي المرحلة الأخيرة من الطفولة وتبدأ منذ السابعة وتنتهي بالثانية عشرة ، وتسمى مرحلة التمييز ، ويمر الطفل خلالها في المدرسة الابتدائية ، وتسمى هادئة لسببين :

1- لأنها أقل حركة من الطفولة المبكرة التي تسبقها .

2- لأنها أقل تغيراً ونمواً من المراهقة التي تليها .

وهذه المرحلة فرصة ممتازة للعلم واكتساب الأدب والقيم الاجتماعية والخلقية .


الفصل الأول : لماذا يهتم المسلمون بالشباب ؟

روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ( ... إنه لا إسلام بلا جماعة ولا جماعة بلا إمارة ، ولا إمارة بلا طاعة ... ) . وكما يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي  : ثلاثة أرباع أحكام الإسلام أحكام للمجتمع ، وربعها فقط للفرد . والشباب هم أعمدة المجتمع ، يقوم عليها بناء الأمة ، لذلك يهتم الدعاة المسلمون والمربون بالأطفال والشباب ، أكثر من اهتمامهم بالشيوخ ، فما سر ذلك ؟


1- الشباب أقرب إلى الفطرة :

والفطرة هي الإسلام ، الذي فطرهم الله عليه ، ولم يصل الانحراف عن الفطرة عندهم كما هو عند بعض الرجال الجاهليين ، الذين شوه أعداء الإسلام تفكيرهم ، فحرفوهم عن الفطرة ، فالشباب ألين أكباداً ، وأرق أفئدة ، وإن الله بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً فحالفه الشباب وخالفه الشيوخ .

وفي الأثر (( نعرضوا للمطر فإنه حديث عهد بربه )) ، ويفهم الباحث أن المقصود بذلك أن المطر ماء قريب جداً إلى الماء الفطري كما خلقه الله عز وجل ، صافياً يتركب من ذرتين من الهيدروجين وذرة واحدة من الأكسجين ، بدون شوائب إلا ما وجد من غبار عالق في الجو ، أما بعد أن يجري الماء على سطح الأرض فإنه يحتوي على شوائب كثيرة ، حتى إذا زادت تغير الماء ، وانحرف عن فطرته ...

وقياساً على ماء المطر ، الماء الفطري ، يرى الباحث أن الأطفال يمثلون الفطرة ، وهذا هو مدلول ( براءة الأطفال ) ، أما الشباب فإن جلهم أقرب إلى الفطرة وينبغي أن يكون الشباب المسلم على الفطرة ، خاصة من نشأ منهم في بيت مسلم ، حافظ على فطرته من الانحراف .

أما الرجال ، فالمفروض أنهم في المجتمع المسلم على الفطرة ، أو أقرب إلى الفطرة ، أما في المجتمع الجاهلي ، فتجد الرجال أكثر انحرافاً عن الفطرة بمعنى أنهم اعتادوا على المنكر والحرام حتى ألفوه والعياذ بالله .

وفي المجتمعات المعاصرة التي يعيش فيها المسلمون ، ينبغي على الدعاة أن يوجهوا جل اهتمامهم إلى الأطفال والشباب للأسباب السالفة الذكر ، ولا يهملوا الرجال البتة .


2- الشباب يمثل أغلبية الأمة :

وخاصة في مجتمعاتنا العربية الفتية ، حيث تتزايد أعداد السكان ، فيشكل المجتمع الفتي هرماً ، قاعدته من الأطفال وقمته من الشيوخ ، لذا فالاهتمام بالشباب اهتمام بغالبية الأمة من الناحية الكمية .


3- الشباب هم رجال الغد ، وأمهات الجيل القادم :

فإذا أردت أن تعرف ماهية الأمة وحقيقة أمرها ، فلا تسل عن ذهبها ورصيدها المالي ، ولكن انظر إلى شبابها ، فإذا رأيته شباباً متديناً فاعلم أنها أمة جليلة الشأن قوية البناء ، وإذا رأيته شباباً هابط الخلق ، منشغلاً بسفاسف الأمور ، يتساقط على الرذائل فاعلم أنها أمة ضعيفة مفككة ، سرعان ما تنهار أمام عدوها ، فالشباب عنوان الأمة ( ) . والاهتمام بالبنات لا يقل أهمية عن الاهتمام بالفتيان ، لأنهنّ صانعات الجيل القادم ، فالفتيان هم جيل الغد ، والفتيات يصنعن الجيل الذي يليه ، فالاهتمام بالشباب إذن اهتمام بجيلين قادمين من أجيال الأمة . والاهتمام بالشباب هو العناية بأرواحهم وضمائرهم ثم عقولهم وأجسادهم ، ويجب أن نهتم بهم أكثر من اهتمامنا بالموارد الطبيعية ، والمصانع والمزارع ، لأن الإنسان أعظم ثروة في الأمة .


4- الشباب درع الأمة الذي يدفع عنها الأعداء :

فالجهاد فريضة على المسلمين ، لتبليغ الرسالة ، والدفاع عن دار الإسلام { ... حتى لا تكون فتنة ، ويكون الدين كله لله ... } (الأنفال 39) والجهاد ماض إلى يوم القيامة ، ومن أحق بالجهاد من الشباب !؟ ومع أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتسابقون إلى الجهاد شيباً وشباباً وهذا ما يراه بعض المفسرين من قوله تعالى { انفروا خفافاً وثقالاً ، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله } (التوبة :41) .

قال بعضهم : خفافاً وثقالاً أي شباباً وشيباً ، وهو ما قاله أبو طلحة وابن عباس والحسن البصري وعكرمة ومقاتل والضحاك وغير واحد .

وإذا كان هذا الأمر خاصاً في غزوة تبوك ، فالشباب أولى بالجهاد من الشيوخ ، لأنهم أقدر على الجهد والمشقة ، ولذلك تجند الأمم شبابها بين الثامنة عشر والعشرين في الخدمة العسكرية الإلزامية ، لعدة أسباب منها :

1- لأنهم أقدر على تحمل الجهد الجسدي .

2- لأنهم أقل من الشيوخ في مسؤولياتهم تجاه الآخرين ، فهم غير مسؤولين بعد عن الزوجة والأولاد .

3- لأنهم أكثر حماساً وعاطفة ، والحماس والغضب شرطان ضروريان للقتال .


5- مرحلة الشباب تجمع الحيوية مع الوعي :

فبينما تمتاز الطفولة بالحيوية والنشاط والحركة بدون وعي ، وتمتاز الكهولة بالوعي والحكمة والخبرة لكن ينقصها النشاط والحيوية ، تمتاز مرحلة الشباب بأنها تجمع الحيوية والنشاط والحركة مع الوعي والمعرفة إلى حد كبير .


6- لأن فترة الشباب هي فترة الانتماء :

فبينما يتمركز الطفل حول ذاته يتضح خط الغيرية عند الشباب ، ويصير مهتماً بالمجتمع والبشرية ؟ فيبحث عن الحزب أو الجماعة أو الجمعية التي تسلك أفضل الطرق لإصلاح الناس ؟ .

( ومن هذا الخيط يسعى الشاب من جانبه إلى الانتماء ، كما تتسارع الجماعات والأحزاب إلى جذبه من هذا الخيط ( الغيرية ) ... وتصل مشاعر الشباب في هذه الأمور إلى درجة الحماسة المتوقدة ، وإلى درجة الفدائية والتضحية بالنفس في سبيل ما يرى أنه الحق . وتستغل الجماعات والدول هذه المشاعر لما تريد تحقيقه ، فتجند طاقة الشباب وفدائيته ... ومن أجل ذلك تستكثر التكتلات الحركية من الشباب بين أعضائها ، وتجند الدول جيوشها من الشباب ) .

لذا فإن أوليات التكوين الحركيفي الصحوة الإسلامية المعاصرة ينبغي أن ينصب على الشباب من العمر ( 12-22 ) عاماً ، ثم تنصب على الأطفال من العمر ( 7-12) وهم أطفال ما بعد التمييز ، وينصب اهتمام البيت المسلم والمسجد على الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة ، أما الرجال بعد التخرج من الجامعة فتوجه لهم ما يتبقى من جهود بعد الشباب والأطفال .


الفصل الثاني : شباب لا مراهقة

تمهيد :

عمل الباحث مدة طويلة من عمره في المدارس الثانوية ، وقد آلمه كثرة التبرير من الآباء والمدرسين ، لسلوك الطلاب الطائش وتقاعسهم عن الدراسة ، وتبريرهم ذلك الإهمال بالمراهقة . فالآباء يوصون المدرسين كي يراعوا أولادهم ويسامحوهم ، لأنهم في طور المراهقة ، حتى المدرسين ضللتهم هذه المغالطة ، فصاروا ينظرون إلى الشباب نظرتهم إلى المريض الذي لا حرج عليه . ويسمع الشباب ذلك من آبائهم ومدرسيهم ، ويلاحظون هذا التبرير ، فيصدقون ذلك بالإيحاء ، وينعكس على سلوكهم ومواقفهم ، فيزدادون كسلاً وطيشاً . وصارت ( المراهقة ) سبباً مساعداً على الشغب والطيش وعدم المبالاة ، يضيع فيها الناشئة عند بداية شبابهم ، وربما يستمر هذا الضياع مدى العمر .

فما المراهقة ؟

هل هي مرحلة حتمية في حياة الإنسان ؟ هل هي الطيش والشغب ؟ أم التمرد والعصيان ؟ لذا سيقوم الباحث بتقديم التعريفات التالية :

1- المعنى الشائع للمراهقة . 2- المراهقة في علم النفس . 3- الشباب والمراهقة في اللغة . 4- المراهقة في التربية الإسلامية . 5- الرشد عند الفقهاء .


أولاً : المعنى الشائع للمراهقة :

مما لاحظه الباحث أن كثيراً من المفاهيم الشائعة ، ذات التأثير الكبير في حياة البشر ، كالمراهقة ، والسياسة ، والحضارة ، ... الخ . مفاهيم قلقة غير ناضجة ، ولا تثبت أمام التفكير العلمي الموضوعي ، ويبدو للباحث أن جهة ما ، تعمل على إفساد البشرية ، تقوم بنشر هذه المفاهيم الخاطئة ، وتروج لها بوسائل الإعلام ، فيكررها بعض الناس ويصدقونها ، بل يبرمجون حياتهم على ضوءها . ( ) وجزء بسيط ممن يستخدم كلمة المراهقة ، ويبرر سلوك أولاده ، أو تلاميذه بها ، فيسامحهم على أخطائهم ويشجعهم عليها دون أن يدري ، قسم بسيط من هؤلاء يعرف معنى المراهقة ، والقسم الأعظم يردد الكلمة وينساق مع الآخرين دون وعي .

المراهقة عاصفة :

يزعم الأمريكان أنهم أول من ابتدع علم النفس ، وأنه مع علم الإدارة يمثلان تأثير التفكير الأمريكي على العلم الحديث للإنسان المعاصر ، ويزعمون أن علم نفس المراهقة بدأ مع ( ستانللي هول ) عام ( 1917 م ) عندما ألف كتابه حول فترة المراهقة والبلوغ ، وكان ( هول ) متأثراً ب( دارون ) ، وقد ركز على أن المراهقة مرحلة ثورة وتوتر .

مويعبر ( ستانللي هول Hall ) عن المعنى الشائع للمراهقة عند عامة الناس فيقول : ( المراهقة فترة عواصف وتوتر وشدة ، تكتنفها الأزمات النفسية ، وتسودها المعاناة والإحباط والصراع والقلق والمشكلات وصعوبات التوافق ) ، ويرى ( جرندر Grinder ) (1969 م) : أن المراهقة مجموعة من التناقضات ، ويشبه البعض حياة المراهق بحلم طويل في ليل مظلم تتخلله أضواء ساطعة تخطف البصر أكثر مما تضيء الطريق ، فيشعر المراهق بالضياع ثم يجد نفسه عند النضج .

وتمتد المراهقة عندهم طيلة العقد الثاني من العمر ، ولذلك تعرف المراهقة عندهم باسم ( The Teen Years ) .

وقسم الغربيون مرحلة المراهقة إلى ثلاث مراحل هي :

1- المراهقة المبكرة من (12-14) .

2- المراهقة الوسطى من (15-17) .

3- المراهقة المتأخرة من (18-21) .

ويقول عبدالرحمن العيسوي عنها : ( فهي المرحلة التي ينتقل الطفل خلالها من مرحلة الطفولة المتأخرة إلى مرحلة الرشد ، ومراحل الانتقال في حياة الفرد دائماً .

يصاب الإنسان بالتوتر والقلق في الفترات التي يتعرض فيها للتغيير ، وقد بالغ البعض في وصف المراهقة بالعاصفة إلى الحد الذي جعل أحد علماء النفس (الغربيين) يصفها بأنها مرحلة جنون ( Madness ) ، ويعتبر ( ستانللي هول ) جميع المراهقين مرضى ويحتاجون إلى المعالجة الطبية والنفسية . المراهق الأمريكي :

ومما رسخ هذا المفهوم الشائع بعض الأبحاث الأمريكية ، التي طبقت على المجتمع الأمريكي ، ثم تعمم نتائجها على ( الإنسان ) ، وكأن المجتمع الأمريكي عينة صحيحة تمثل ( الإنسان ) كما خلقه الله عز وجل ، ومن هنا جاءت بداية الخطأ . يقول كمال دسوقي : ( لعل أكبر مسح وبائي هو الوحيد من نوعه لأمراض المراهقين النفسية المشخصة هو ما قام به ( روزن Rosen ) وزملاؤه سنة ( 1962 م ) حيث قاموا بتجميع الجداول المعدة في الولايات المتحدة للمرضى من سن (10 إلى 19) ، الذين خرجوا من (788) عيادة نفسية ، وثبت أنه من بين حوالي (000ر54) مراهق شملهم المسح ، (3٪) فقط اعتبروا بدون اضطراب عقلي ، و(20٪) آخرين لم يشخصوا لأسباب غير مذكورة ، و(77٪) مراهقين مرضى ) .

وتعني هذه الدراسة أن الغالبية العظمى للمراهقين مرضى نفسيين ، ودخلوا العيادات النفسية ، في الولايات المتحدة الأمريكية ، ويرد الباحث على هذه الدراسة بأن المراهقة أشد ما تكون في المجتمع الأمريكي ، المتقدم في الصناعة ، والمجتمع الأمريكي تتعقد فيه الحياة وتنحرف عن الفطرة . كأشد ما يكون الانحراف في المجتمعات الجاهلية .

ومن الجدير بالذكر أن علماء النفس في الغرب لا يجمعون على التعريفات السابقة ، إلا أن هذا المفهوم السابق للمراهقة صار شائعاً ، وكأن البعض يهتم بترويجه وإشاعته بين الناس ليضللهم ، وليدفع بالشباب وهم عماد الأمم إلى متاهات الضياع ن كما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون كما يلي : ( ومن المسيحيين أناس قد أضلتهم الخمر ، وانقلب شبانهم مجانين بالكلاسيكيات والمجون المبكر الذي أغراهم به وكلاؤنا ، ومعلمونا ، وقهرماناتنا ( أي المربيات ) ، في البيوت الغنية ، وكتّابنا ، ومن إليهم ، ونساؤنا في أماكن لهوهم – وإليهنّ أضيف من يسمين –نساء المجتمع- والرغبة في الفساد والترف ) .

خلاصة :

نخلص مما تقدم إلى أن المفهوم الشائع للمراهقة عند الغالبية العظمى من الناس ينحصر في جانبين : 1- المراهقة مرحلة توتر واضطراب وعاصفة ، لذا يجب على المربين التغاضي عن هفوات المراهقين ريثما يجتازون هذه المرحلة ، لأن المراهق مريض ، ولا حرج على المريض .

2- المراهقة مرحلة حتمية تبدأ من قبل البلوغ بقليل وتستمر حتى دخول الجامعة ، وسيمر بهذه المرحلة كل الأولاد والبنات في العالم .

وأهم نقد علمي موضوعي لهذا المفهوم الشائع عن المراهقة لدى غالبية الناس ، ما يقوله علم النفس عن المراهقة :


ثانياً : المراهقة في علم النفس :

المراهقة مرحلة انتقالية :

المراهقة مرحلة انتقال من الطفولة إلى الرشد ، وهي مجموعة من التغيرات التي تحدث في نمو الفرد الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي ، فهي مرحلة الانتقال التي يصبح فيها المراهق رجلاً ، وتصبح المراهقة امرأة ، ويحدث فيها كثير من التغيرات التي تطرأ على وظائف الغدد الجنسية والتغيرات العقلية والجسمية .

المراهقة تغير سريع :

والتغير صفة ملازمة للكائن الحي ، ولا يكف الإنسان عن التجدد والتغير ، لكن التغير في الطفولة بطيء ، وبعد المراهقة بطيء كذلك ، وأما التغير في المراهقة فإنه سريع جداً حتى إن محمد قطب يقول : ( نحن في فترة انقلاب كامل ) .

ويعني بها فترة المراهقة ، ويقصد بالانقلاب التغير السريع المفاجىء ، لأن التغيرات الكبيرة في حياة الطفل لم نلتفت إليها لأنها جاءت تدريجية ، أما التغير في المراهقة فإنه يجري بمعدلات كبيرة جداً ، على كافة المستويات الجسمية والنفسية والعقلية والروحية ، وربما كان النمو الجسدي هو المركز لهذه التغيرات ، كما أن النمو الجنسي مركز النمو الجسدي في المراهقة . فتنمو الغدد الجنسية وتصبح قادرة على أداء وظائفها في التناسل ، ويرافق ذلك النمو في الغدد صفات جنسية ثانوية ظاهرة مثل خشونة الصوت عند الفتى ونعومته عند الفتاة ، وظهور الشعر في مناطق معينة من جسم الفتى والفتاة ، ومن أهم مظاهر النمو الجسدي للمراهق تميز جسد الفتى عن جسد الفتاة ، بعد أن كانت الفوارق بينهما طفيفة في مرحلة الطفولة المتأخرة .

المراهقة إذن دفقة قوية من النمو ، وإذا كان النمو الجسدي تراه العين وتنبهر به ، فإن النمو الرحي والنمو العقلي والنمو الاجتماعي والنمو الانفعالي يتم كذلك على شكل دفقة قوية ، يقول محمد قطب  : ( فإن كانت فترة المراهقة والبلوغ تبدو أكثر خطورة وحروجة ، فبسبب التفجر العاطفي والجسدي الهائل الذي يصاحبها ، ويبدو كأنما تفجر فجأة ، فيصبح كالفيضان الذي يوشك أن يحطم الجسور ) ويقول :

( ففي هذه الفترة التي تتفجر فيها شحنة الجنس ، تنفجر شحنة روحية عجيبة ، شفافة صافية مشرقة ) .

وترجع أهمية المراهقة عند علماء النفس إلى أنها مرحلة التغيرات السريعة التي تطرأ على الفرد ، فتخرجه من عالم الطفولة ، وقد لا يدخل عالم الرجولة فوراً ، بل يبقى في مرحلة انتقالية بينهما ، وتختلف عنهما معاً ، فالمراهق يرى نفسه بأنه لم يعد طفلاً ، ويرى الفرق واضحاً بينه وبين الأطفال ، وينظر الكبار إلى المراهق على أنه لم يرشد بعد ولا يقبلونه في عالم الكبار ، وهكذا تكون المراهقة مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد .

وخلاصة المراهقة في علم النفس أنها مرحلة انتقالية من الطفولة إلى الرشد ، تتميز بالتغيرات السريعة والشاملة للفرد ، أما القلق والاضطراب فليسا حتميين ، وتطول فترة المراهقة أو تقصر بحسب حضارة المجتمع ، فقد تلغى فترة المراهقة وينتقل الطفل إلى مرحلة الرشد كما في المجتمع الرعوي والزراعي ، وقد تطول فترة المراهقة وتتضخم فتسبب القلق والمرض أحياناً كما في المجتمع الصناعي المعقد .

الاضطراب غير حتمي في المراهقة :

تقول ( مارجريت ميد Mead ) : ( المراهقة مرحلة نمو عادي ، وما دام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي لا يتعرض المراهق لأزمات ) وقد اهتمت ( ميد ) بدراسة المجتمعات البدائية ، كالقبائل التي تعيش في الخيام ، وتمتهن الرعي والصيد ، وقليلاً من الزراعة ، وتقول عن هذه المجتمعات البدائية : ( في هذه المجتمعات تختفي مرحلة المراهقة ، وينتقل الفرد من الطفولة إلى الرشد مباشرة ، بعد احتفال تقليدي ) . وقد أثبتت الدراسات أن المراهقة مرحلة نمو عادي ، وأن المراهق ا يتعرض لأزمة من أزمات النمو ما دام هذا النمو يسير في مجراه الطبيعي .

والأزمات والقلق ليسا ضربة لازب في المراهقة ، فقد تمر دون هذه الأزمات ، يقول عبدالرحمن العيسوي : ( وجدير بالذكر أن النمو الجنسي في المراهقة لا يؤدي بالضرورة إلى أزمات ، لكن النظم الحديثة هي المسئولة عن أزمة المراهقة ) .

ثم يعدد العيسوي أنواع المراهقة فيقول :

1- مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات .

2- مراهقة انسحابية يميل فيها الفرد إلى العزلة .

3- مراهقة عدوانية .

ثم يقول العيسوي تحت عنوان : ( أسطورة العاصفة ) :

( ولقد بالغ البعض في وصف المراهقة بالعاصفة إلى الحد الذي جعل أحد علماء النفس يصفها بأنها مرحلة جنون ( Madness ) ، ولقد ظل هذا الرأي مقبولاً لمدة طويلة ترجع إلى بداية القرن العشرين ، وربما قبله ، فمنذ أكثر من (81) عاماً نشر ( ستانللي هول : Stanely Hall ) رأياً مؤداه أن المراهقة مرحلة عواصف وضغوط ، ومعنى ذلك أن جميع المراهقين مرضى ، يحتاجون إلى المعالجة ، والحقيقة توجد فروق فردية واسعة في مثل هذه الاضطرابات ، وهناك أعداد كبيرة من المراهقين الأسوياء ، وتؤكد الدراسات الحديثة أن المراهقة ليست بالضرورة وبالطبيعة مرحلة عواصف وضغوط ، ففي بعض الدراسات لم تزد نسبة المضطربين منهم على (20٪) ، وكانت في الحقيقة لديهم أسباب مقوية للاضطراب ، ولم يكن اضطرابهم طبيعياً (( بسبب المراهقة )) ) . ( وكانت الغالبية الإحصائية من هؤلاء المراهقين المضطربين تنحدر من بيوت محطمة أو من بيوت غير سعيدة ) .

( أما المراهقون الأسوياء ، فإنهم ينحدرون من أسر يسودها الوئام والانسجام ، وكانت علاقاتهم بأسرهم طيبة ) . ويقول العيسوي : ( فإن من كانت طفولته سعيدة وسوية كانت مراهقته سعيدة وسوية ، ومن عانى من طفولة تعسة شقية كانت مراهقته غير سوية كذلك ) .

المراهقة مرض جاهلي حديث :

يقول الدكتور ماجد عرسان الكيلاني : ( إن التربية الحديثة تحرم الإنسان من حاجتين أساسيتين في وجود الإنسان هما : وجود ( مثل اعلى ) يتبناه الناشئة ويفنون فيه . وتوفير فرص المشاركة الجدية لخدمة المثل الأعلى ، وصرف الطاقات المتفجرة في سبيله ، وقد أفرز فقدان ذلك مضاعفات سلبية في حياة الناشئة ، أهمها ما سماه (فقهاء) التربية الحديثة ب ( المراهقة ) ، وهذه فتوى خاطئة أصدرها علماء النفس الحديثين ، تبريراً للسياسات الجائرة التي يمارسها مترفو العصر من أصحاب الرأسمالية والشركات الدولية .

فالمراهقة ليست ظاهرة حتمية فس تطور العمر الزمني للإنسان ، إنها مشكلة يمكن تجنبها كلياً في حياة الفرد ، وأن لا يمر بها الإنسان بها أبداً ، وهي من مزاعم علماء النفس في المجتمعات الصناعية الرأسمالية ، ومرض من أمراضه الاجتماعية وتحصل كالتالي :

في المجتمعات الرأسمالية الصناعية يجري الفرد ليكون عاملاً منتجاً مستهلكاً ، ولكن في كثير من الأحيان يصبح عدد العمال أكثر من الوظائف المتوفرة ، ولذلك يبقى الفرد ( مستهلكاً ) غير منتج ، وتتضاعف هذه المشكلة عند الناشئة حيث يبقى دون عمل ولا رسالة في الحياة تستهلك قدراتهم وطاقاتهم العارمة ، ويطلب إليهم أن يتكدسوا في شوارع الاحتياط دون عمل أو نشاط حتى تأتي الحاجة إليهم . وفي هذه الحالة بدلاً من أن يستهلك الانسان طاقته في عمل بناء ، يدخل في صراع مع هذه الطاقات النفسية والجسدية الباحثة عن متنفس وهو ما أسموه بالمراهقة ، فالمراهقة هي مصارعة طاقات وقدرات عقلية ونفسية وجسدية معطلة محبوسة ، ولمواجهة هذه المشكلات لجأت المجتمعات الحديثة إلى وسيلتين :

الأولى : إطالة مدة الدراسة المدرسية ، حيث يسجن الشباب والشابات في غرف الدرس حوالي ( 25 ) سنة من عمرهم ، ليسمعوا الكلام دون العمل ، وليعانوا من ضيق الطاقات المحبوسة وما قد يتبع ذلك من انفجارات نفسية وجسدية تتمثل في الانحرافات والممارسات ( الشائعة والرائجة في الغرب ) . الثانية : محاولة إشغال الناشئة بمشروعات الرياضة وبرامج الشباب والفن ، ولكنها حلول سطحية لا تتناسب ووسع الإنسان الذي أودعه الله فيه ، ولا توفر النشاط إلا لعدد محدود جداً تصيبهم الأمراض النفسية والاجتماعية أكثر من غيرهم ، عن طريق ألقاب البطولة الرياضية والفنية التي يطلقونها عليهم .

وقد تجنبت التربية الإسلامية مرض المراهقة ومضاعفاته حين أوجدت مثلاً أعلى للشباب أو رسالة يصرف طاقاته خلال الجهاد في سبيلها ، كالجهاد والدعوة .

ويقول العيسوي : ( يؤكد التراث الغربي أن المراهق طريد مجتمع الكبار والصغار معاً ، فإن تصرف كطفل سخروا منه ، وإن تصرف كرجل رفضه الرجال في مجالسهم ) .

إذا ينشأ الاضطراب والقلق عندما تعطل طاقات الشباب وتحبس ، ومن هذه الطاقات الحاجة إلى الجنس الآخر التي يشعر بها الفتى والفتاة منذ البلوغ ، ولا يسمح له بممارستها حتى الثلاثين في المجتمع الرأسمالي ، وربما بعد الثلاثين ، حتى يتمكن الفتى من القدرة المالية على الزواج ، والحاجة إلى تحمل المسئولية والعمل ، والانتماء ... وغيرها من الحاجات المعطلة عند الفتى والفتاة ، دون أن توجه طاقاتها للتصريف في مجال آخر ، فيحصل من ذلك القلق والاضطراب .

يقول عبدالعزيز النغيمشي : ( ومن المعلوم أن للإنسان حاجات ومطالب لابد من تحقيقها ، وللمراهق ثلاث حاجات :

1- نفسية ( كالحاجة إلى العبادة والأمن ) .

2- واجتماعية ( كالحاجة إلى الرفقة ) .

3- وثقافية ( كالحاجة إلى الاطلاع ) .

وهذه الحاجات يرتبط بعضها ببعض ) .

ولا شك أن لتقدم الحضارة المادية وتعقد الحياة المعاصرة دوراً في تأخر انتهاء مرحلة المراهقة ، لأنها تطيل فترة اعتماد الانسان على أهله وذويه ، وقد تمتد حتى الحادية والعشرين . أما في المجتمعات البدائية كالمجتمع الرعوي أو الزراعي ، فلا توجد هذه المرحلة ، كما قالت ( مارغريت ميد ) ، وكما هو ملاحظ في القبائل العربية التي عرف الباحث بعضها في أوائل النصف الثاني من القرن العشرين ، قبل أن تبعث هذه القبائل أولادها إلى المدرسة ، عندئذ كان ابن الثامنة والتاسعة من العمر يساعد والده في الرعي والزراعة ، وجرت العادة أن يرعى الأولاد الحملان بعد أن تعزل عن أمهاتها من أجل فطامها ، كما تسند أعمال مناسبة في المجتمع الزراعي – الرعوي لأبناء الثامنة والتاسعة من العمر ، أما أبناء العاشرة فلهم أعمال كافية ، حتى إذا دخل البلوغ وشب جسمه صار رجلاً تسند إليه كافة أعمال الرجل كالرعي ، والأعمال الزراعية ، وغيرها ويُزوج الفتى والفتاة في العمر(15 - 18) في الغالب . ومن الواضح أن الرعي والزراعة لا تحتاج إلى إعداد وتدريب مهني ، لذلك كان الطفل في الثامنة قادراً عليهما ... فالفتى في هذا المجتمع الزراعي – الرعوي يصرف طاقته في العمل ، ويشبع حاجته في تحمل المسؤولية ، والرفقة ، وحب الاطلاع ، ويتزوج فيشبع حاجته إلى الجنس قبل أن يشعر بالقلق والاضطراب ، لذلك لا تظهر فترة المراهقة بشكل واضح في مثل هذه المجتمعات ، وإذا ظهر شيء من الاضطراب عند الفتى سببه إهمال البيت لواجبه التربوي ، ولا يعزى إلى المراهقة . وسبب غياب المراهقة في هذه المجتمعات ، هو صرف الطاقة وإشباع حاجات الفتى والفتاة . ويقول ( هاريس ) ( 1962 م ) : ( ويلاحظ أن تقدم المراهقين إلى عالم العمل يساعد على الإسراع بنضجهم ، ويؤدي إلى توافقهم مع السلطة ، وينمو شعورهم بالمسؤولية والمكانة ، ويغير اتجاهاتهم نحو العمل ) .

كما نجد الفتيان والفتيات الذين ينشأون في بيوت العلم ، فيشبّون على طلب العلم ، وصرف طاقاتهم في سبيل ذلك ، لا يمرون في فترة قلق واضطراب في عمرهم تسمى المراهقة ، من هؤلاء جميع العلماء الأعلام كالأئمة الأربعة يرحمهم الله تعالى ، وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأبوداود والنسائي والترمذي ... وغيرهم كثير ، ويستنتج الباحث ذلك من أمرين :

1- نشأتهم في بيت علم منذ صغرهم ، نسميه البيت المسلم .

2- غزارة العلم الذي خلفوه للمسلمين بعدهم ، حتى أنهم لم يضيعوا ساعة من عمرهم في القلق والاضطراب الذي نسميه المراهقة .

ومن هؤلاء أيضاً شباب عرفهم الباحث كزملاء له أو من طلابه في المدارس الثانوية ، من بيوت مسلمة ، هؤلاء الشباب لم يلحظ الباحث ولا غيره عندهم القلق والاضطراب ، وكأنهم لم يمروا في مرحلة المراهقة الحتمية كما يدعي البعض بل كان الهدوء والأمن والطمأنينة تشع من وجوههم ، وسنرى فيما بعد أن أبناء الصحابة رضي الله عنهم ، وأبناء التابعين كذلك لم يمروا في فترة المراهقة .


ثالثاً : الشباب والمراهقة في اللغة

لقد آن لنا الآن أن نتأمل هذا المصطلح في اللغة ، مصطلح الشباب ثم مصطلح المراهقة ، ثم نرى أيهما أدق وأصح للاستخدام ، ليعبر عن هذه الفترة من (12-18) من العمر .

الشباب في اللغة :

الشباب جمع شاب ن وتجمع شبان كفارس وفرسان ، وقد تجمع على ( شببة ) ككاتب وكتبة ، جاء في السيرة : لما برز يوم بدر عتبة وشيبة والوليد ، برز لهم شببة من الأنصار ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما : كنت أنا وابن الزبير وشببة معنا ، والمؤنث شابة ، وتجمع على ( شواب ) .

ومادة ( ش ب ب ) تشير إلى معنى القوة والفتوة والحداثة والجمال والنماء ، فالشؤبوب هو الدفعة من المطر ، وأول كل شيء ، وشدة دفعه ، وفرس مشب هائج متمرد عصي القياد ، والشباب بالكسر النشاط ، ومن معانيها الحداثة والابتداء ، تقول فعل فلان هذا الشيء في شبابه ، وسافر فلان في شباب الشهر أي في أوله . ومن معاني الشباب الحسن والجمال ( وفي شمال إفريقية يقولون فتاة شابة ويعنون فتاة جميلة ) ، ونقول شبّ الخمار لون المرأة أي زاد في بياضها وجمالها . ومن معاني الشباب النماء والزيادة ، تقول شبّ فلان أي كبر وزاد حجمه ، وشبّ عن الطوق أي لم يعد الطوق يدخل في عنقه . ويسمى الإنسان من ( 16-40 ) شاباً ، ثم هو كهل حتى ( 60 ) ، ثم هرم بعد ذلك .

ويحدد المعجم الوسيط فيقول : شبّ الغلام ( شباباً ) : أدرك طور الشباب ، وشبّ النار ( شبوباً ) : توقدت ( والتوقد هنا يشير إلى التغيرات السريعة في طور الشباب ) ، والشاب : من أدرك سن البلوغ ولم يصل إلى سن الرجولة . إذن هناك مرحلة قبل سن الرجولة تسمى مرحلة الشباب وتبدأ عند البلوغ ، وتتصف هذه المرحلة بالجمال والقوة ، والنمو السريع المتدفق ، وغالباً تكون بعد البلوغ وقبل الزواج ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر ، وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء ))

ويتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقصد البالغين الذين لم يتزوجوا ، هؤلاء سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شباباً ، وهذه المرحلة التي تبدأ بالبلوغ وتنتهي بالزواج ، هي المرحلة التي تسمى اليوم بالمراهقة ، ويجدر بنا أن نسميها كما سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : يا معشر الشباب ، ول ميقل يا معشر المراهقين .

المراهقة في اللغة :

يقول القاموس المحيط : ( رهق ) فلان رهقاً : سفه وحمق وجهال . وركب الشر والظلم . وغشى المآثم . وفي التنزيل ( فزادوهم رهقاً ) : أي زادوهم إثماُ ، ومن معانيها : كذب ، وعجل ، أما ( راهق ) الغلام : قارب الحلم ، والمراهقة : الفترة من بلوغ الحلم إلى سن الرشد ، أما ( المراهق ) : الموصوف بالجهل وخفة العقل . أو الرجل الفاسد ، أو المتهم في دينه .

أما ( أرهق ) الليل : دنا ، وأرهق فلاناً : حمله على ما لا يطيقه . ويقول الدكتور عبدالعزيز النغيمشي : راهق الغلام فهو مراهق إذا قارب الاحتلام ، ومادة رهق تعني أيضاً السفه والخفة والعجلة وركوب الشر .

ولدى التمعن في معنى المراهقة الشائع بين الناس ، نجد أن السفه والجهل والعجلة من صفاتها ، فإذا قيل عن الرجل الراشد بأنه مراهق ، فهذا هجاء وذم له ... فالمراهقة لدى العامة هي الطيش والجنون كما سبق ذكره ...

وقد عمل الباحث أكثر من عشرين سنة في تدريس المرحلة الثانوية والمتوسطة ، وتعامل فيها مع الطلاب من العمر ( 13-20 ) سنة ، ومن الظلم للحقيقة أن نقول بأن السفه والخفة والحمق وركوب الشر صفات ملازمة لأكثرهم ، بل أن هناك مجموعات من هؤلاء الشباب التقى الباحث بهم في الثانويات ، والمساجد ، والمخيمات الإسلامية ، لا يستطيع الباحث أن يصف أحدهم بأي من هذه الصفات المذكورة ، بل إن بعضهم يتفوق على بعض المدرسين بالحلم والأناة والرشد ، وجميع شباب المساجد ، والمخيمات الإسلامية يتفوقون على بعض الرجال المتخرجين من الجامعات بالحلم والحكمة .


رابعاً : المراهقة في التربية الإسلامية

تنطلق التربية الإسلامية من الكتاب والسنة ، وتفهم سلوك الإنسان على ضوئهما ، ومن البدهي اختلاف التربية الإسلامية عن غيرها من التربيات الجاهلية ، وخاصة في نظرتها إلى الفرد والمجتمع . ويتفق المربون المسلمون مع علماء النفس الآخرين على أن المراهقة مرحلة انقالية بين الطفولة والرشد ، لكن يختلفون معهم في أمرين :

1- هذه الفترة الانتقالية أقصر مما يراها علماء النفس ، ويتعلق طولها بدرجة انحراف المجتمع عن الإسلام . وهي الفترة التي تسبق البلوغ وتنحصر بين ( 12-14 ) .

2- ليس القلق والاضطراب حتميين في هذه المرحلة ، وعندما يوجد مثل ذلك ، فلا يكون خاصاً بهذه المرحلة وحدها ، وبعبارة أخرى ، الفرد القلق والمضطرب ؛ يبدأ عنده منذ الطفولة وقد يستمر قلقه حتى الرشد .

يقول الدكتور ماجد عرسان الكيلاني : ( إن فقدان هاتين الحاجتين من التربية الحديثة ( المثل الأعلى والعبادة ) ؛ أفرز مضاعفات سلبية أهمها ما سمي ب ( المراهقة ) . فالمراهقة ليست ظاهرة حتمية في تطور العمر الزمني للإنسان ، إنها مشكلة يمكن تجنبها كلياً في حياة الفرد ، والمراهقة مرض من أمراض المجتمع الرأسمالي ، فالمراهقة هي مصارعة طاقات وقدرات عقلية ونفسية وجسدية معطلة ومحبوسة ، وقد تجنبت التربية الإسلامية مرض المراهقة حين أوجدت للشباب مثلاً أعلى يصرف طاقاته خلال الجهاد في سبيله ، فوفرت للشباب فرص المشاركة جنباً إلى جنب مع الكبار خلال المشاركة في العمل الجهاد ي والاجتماعي ) .

ويقول الدكتور عبدالرحمن العيسوي : ( النمو الجنسي في المراهقة لا يؤدي بالضرورة إلى أزمات ، لكن النظم الاجتماعية الحديثة هي المسئولة عن أزمة المراهقة ، وكما تقول ( مارغريت ميد ) : في المجتمعات البدائية تختفي مرحلة المراهقة ، وينتقل الفرد من الطفولة إلى الرشد مباشرة بعد احتفال تقليدي .

ثم يقول العيسوي : وللمراهقة أنواع :

1- مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات . ( عندئذ لا تسمى مراهقة ) .

2- مراهقة انسحابية يميل فيها الفرد إلى العزلة .

3- مراهقة عدوانية .

ثم يقول العيسوي تحت عنوان : ( أسطورة العاصفة ) :

هناك عدد كبير من المراهقين الأسوياء ، وتؤكد الدراسات الحديثة أن المراهقة ليست بالضرورة وبالطبيعة ، مرحلة عواصف وضغوط ، ففي بعض الدراسات لم تزد نسبة المضطربين منهم على ( 20٪ ) ، وغالبية المضطربين تنحدر من بيوت غير سعيدة .

وفي دراسة صموئيل مغاريوس( 1957 م ) ، عن أشكال المراهقة في مصر ، حيث استطلع أحوال المراهقين المصريين وصور مراهقتهم ، وكانت العينة مكونة من (90) طالباً في كلية التربية بجامعة عين شمس ن حيث طلب الباحث منهم كتابة موضوع عنوانه : ( دراسة المراهق ( س ) والظروف التي لابست مراهقته ) ، وعبر عن أمله في أن يكتب كل منهم عن نفسه ، وبعد تحليل الكتابات وجد الباحث أربعة اشكال للمراهقة في مصر هي :

1- المراهقة المتوافقة ( الهادئة ) .

2- المراهقة الانسحابية الانطوائية .

3- المراهقة العدوانية المتمردة .

4- المراهقة المنحرفة .

وتتصف المراهقة المتوافقة بالاعتدال والهدوء النسبي والميل إلى الاستقرار والإشباع المتزن ، خالية من العنف ، والتوتر الحاد ، متوافقة مع الوالدين والاسرة والمجتمع .

ورد الباحث المصري ذلك إلى المعاملة الأسرية السمحة ، المتصفة بالفهم واحترام رغبات المراهق ، وتوفير جو من الثقة والصراحة مع الوالدين ، وشغل وقت الفراغ بالنشاط الاجتماعي والرياضي ، والتدين ، وتسامي النواحي الجنسية والانصراف بالطاقة إلى الرياضة والثقافة الأدبية والدينية . أما المراهقة العدوانية المتمردة فردها إلى التربية الضاغطة المتزمتة في الأسرة ، والصحبة السيئة ، وخطأ الوالدين في التوجيه . وعلل الباحث المصري المراهقة المنحرفة بانعدام الرقابة الأسرية وتجاهل رغبات المراهق وحاجات نموه .

ويعلل الباحث الحالي سلوك المراهقة بأثر الأرة على الطفل ، فكل مرحلة زمنية بما فيها من حوادث وتطورات تؤثر على ما سوف يتلوها من مراحل زمنية ، كما أنها تأثرت بما سبقها ، فالطفولة تؤثر في المراهقة ، والمراهقة تؤثر في الشباب ، وهذا معنى ( من شب على شيء شاب عليه ) ، بالإضافة إلى آثار المجتمع الأخرى كالشارع والمسجد والمدرسة ، بالتالي فلا يرى حتمية القلق والتوتر والطيش في المراهقةكمرحلة نمو طبيعية لكل فتى ، من خلال البحث المذكور .

ويقول الشيخ محمد قطب  : ( نحن في فترة (( انقلاب )) شامل ، ومع كائن جديد لا يريد أن يكون طفلاً ،والتغيرات الجسدية هي مركز ذلك الانقلاب ،لكن إشعاعاته تشمل النفس كلها ) ، ( يريد أن يعامل كرجل ، فماذا علينا لو أعطيناه ذلك !؟ وبدأنا في تدريبه فعلياً على الحياة ) ، ( والمشكلة الكبرى التي تتحدث عنها كتب التربية وعلم النفس في هذه الفترة هي مشكلة الجنس ، وليس للجنس مشكلة في الإسلام ، فقد خلقه الله ككل طاقة حيوية ليعمل لا ليكبت ، إنه يقره مثل الدوافع كلها ، ثم يقيم أمامها حواجز لا تغلق مجراها ولكن ترفعها وتضبط مجراها ، أشبه بالقناطر تقام أمام التيار (( النهر )) . والجاهلية تعترف بضرورة التنظيم والضبط لكل دوافع الفطرة إلا الجنس ) .


خلاصة :

ونخلص من عرض آراء المفكرين المسلمين السابقة الذكر إلى ما يلي :

1- ليست المراهقة مرحلة حتمية .

2- المراهقة هي تعطيل الطاقات المتدفقة لدى الشباب ، وعنما توظف هذه الطاقات ، فإن المراهقة تصبح مرحلة سوية عادية ، وعندئذ يفضل البحث عن مصطلح آخر غير المراهقة .

3- تعقد الحياة البشرية المعاصرة ، لانحرافها عن شريعة الله عزوجل ، أفرز عدة أمراض ، منها المراهقة .


خامساً : مرحلة الرشد عند الفقهاء

تبدأ سن الرشد عند الفقهاء المسلمين بالبلوغ ، ومن علاماته ظهور شعر العانة ، وعندها يحاسب الفتى كالراشد في أحكام القضاء ، ومنها القتل ، فقد ورد في سيرة ابن هشام : ( ... وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم ، عن عطية القرظي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أن يقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم (( أي جميع الرجال )) ، وكنت غلاماً فوجدوني لم أنبت ، فخلوا سبيلي ) .

ويثبت البلوغ عند الفقهاء بما يلي : الاحتلام (( خروج المني )) عند الذكر ودم الحيض عند الانثى ، فإن لم يُر ذلك ، يعتبر الغلام بالغاً عندما يصل عمره الخامسة عشر عاماً هجرياً ، وتجري عليه أحكام الراشد .

وقد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناء الخامسة عشر معاملة الرجال في أهم شؤون حياة الصحابة ألا وهو الجهاد ، وملاقاة العدو ، ففي سيرة ابن هشام : ( ... وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ – يوم أحد – سمرة بن جندب ، ورافع بن خديج أخا بني حارثة ، وهما ابنا خمس عشرة سنة ، ... وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، والبراء بن عازب ، وعمرو بن حزم ، وأسيد بن ظهير ، ثم أجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة ) .

ومن المعلوم أنّ سنّ التكليف الشرعي يبدأ بسن البلوغ ، إذا تفرض الصلاة والصوم والحج ، وسائر فروض العين على المسلم البالغ والمسلمة البالغة ، ويحاسب على تركها في الدنيا من قبل الإمام المسلم ، وفي الآخرة إن لم يغفر له الرحمن الرحيم .وقبل البلوغ يجب أن يدرب الصبي كما تدرب الفتاة على هذه العبادات ، ليعتاد عليها ويتعلمها ، لكن لا يعاقب على تركها قبل البلوغ ، كما يعاقب الراشد . يقول محمد قطب  : ( ومما يلفت النظر أنه في هذا الوقت (( البلوغ )) بالذات ، تصبح الصلاة والصيام فرضاً ، وقد كانت الصلاة من قبل مجرد عادة تؤسس . هذا إشعار للفتى والفتاة بالتكليف الحق من قبل الله ، وبالتعرض لحق للثواب والعقاب ، ... والمنج الإسلامي يضيف إلى التكليف الشرعي حمل التكاليف الدنيوية كذلك ، فقد صار الفتى منذ اليوم مسؤولاً في البيت وفي المجتمع ، لأنه (( بلغ مبلغ الرجال )) فصار واحداً منهم ، يتصرف مثلهم ، ويعهد إليه بالأمور مثلهم ، وقد صارت الفتاة مسؤولة في البيت – ميدانها الأصيل – لأنها – بلغت مبلغ النساء – ودخلت عالمهن بالفعل فصارت واحدة منهن ، يعهد إليها بما يعهد إليهن من أمور ) .

نخلص مما سبق إلى أن الأحكام الشرعية في الإسلام لا تعترف بفترة انتقالية بين الطفولة والرشد ، كما في القوانين الوضعية التي لا تعتبر الإنسان رجلاً ، يطبق عليه القانون قبل الثامنة عشر من عمره ، وتعتبر الشريعة الإسلامية البالغ رجلاً راشداً في سائر التكاليف الشرعية ، وفي إقامة الحدود كذلك ، وفي تولي المسئوليات ، فمن المتواتر والمشهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمّر أسامة بن زيد رضي الله عنهما على جيش لحاربة الروم ، وعمره يتراوح بين السادسة عشر والثامنة عشر .

وأهم المسئولياتهي إمامة الصلاة ، إذ أن الفقهاء الشافعية يجيزون إمامة الصبي المميز في الفرض والنفل وفي الجمعة أيضاً ، أما الفقهاء الحنابلة فيجيزون إمامة الصبي المميز في النفل ، وفي إمامة الصبيان مثله ، أما الفقهاء الحنفية فقد اشترطوا البلوغ لصحة الإمامة في صلاة الجماعة . ( ) قضية واحدة فقط لم يعامل الشرع البالغين فيها معاملة الراشدين وهي قضية المال :

قال تعالى : { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح ، فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } ( النساء : 6 ) ، فقد اشترط البلوغ وايناس الرشد ، وقال تعالى :

{ ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً ... } ( النساء : 5 ) ، واختلف المفسرون في المراد بالسفهاء فقال بعضهم : الصبيان والأولاد الصغار الذين لم يكتمل رشدهم وهو منقول عن الزهري وابن زيد ، والقول الأصح ما ذكره الطبري إذ عم به الصبي الصغير ، والرجل الكبير ، ذكراً أو أنثى ( ) . ويلاحظ أن الشرع الإسلامي يعتبر المال مال الأمة ، والفرد مستخلف فيه ، لذا يمنع السفيه (( صغيراً وكبيراً )) من التصرف بالمال ، وبالتالي لا يقتصر حجر المال عن الصغار السفهاء ، بل يحجر على الكبار السفهاء أيضاً ، وعلة الحجر هي السفه وليس السن . فالسفه لا يرتبط بسن معينة ، وقد يكون السفيه كبيراً في العمر ، وقد لا يكون الصغير سفيهاً ، إذن لا تعتبر الشريعة الإسلامية ( المراهق ) سفيهاً بالضرورة والطبيعة . كما يتضح أن الرشد لا يحصل لجميع البالغين ، بل إن بعض البالغين يحصل عندهم الرشد ، وبعضهم لا يرشدون بمجرد البلوغ ، وقد لا يرشدون أبداً ، لذلك اشترطت الشريعة الإسلامية الرشد إضافة إلى البلوغ كي يسلم اليتيم أمواله .


المراهقة مرض جاهلي حديث

وبعد استعراض ما سبق ، ثم التمعن في المجتمعات المعاصرة يتضح ما يلي :

1- يزيد طول فترة المراهقة في المجتمعات الصناعية ، حتى أننا نجد تناسباً طردياً بين التحضر العصري وفترة المراهقة القلقة . ومن المذهل أن معدل سن البلوغ يهبط ويتقدم في المجتمعات الصناعية ... - خلافاً لما يعتقد لدى العامة – وبذلك تزيد فنرة المراهقة طولاً ، لأنها تتقدم في البداية ، وتتأخر عند نهايتها ، يقول رينيه دوبو :

( والعوامل المسئولة عن هذه التغيرات المدهشة في سرعة النضوج الجسمي والجنسي ليست مفهومة تماماً ، ففي النروج هبط معدل البلوغ عند الفتيات من (17) سنة حسب عام (1850 م) إلى (13) سنة حسب عام (1960 م) ، ونقلت مشاهدات مشابهة من كل الدول الغنية ، وهناك شواهد على أن النضوج الجنسي المبكر ظهر أولاً في الطبقات الغنية وهذا التسارع الفيزيولوجي يزيد من المصاعب السلوكية عند المراهقين ، بخاصة إذا كانوا يعاملون كالأولاد ، كما هو الحال في مجتمعنا(( الغربي )) الذي يميل بازدياد إلى عدم إعطاء الفتيان والفتيات الفرصة للقيام بنشاطات مسؤولة ، مع أنهم مبكرون في نموهم الجسدي والنفسي ) .

( والحاجة إلى تحقيق الذات مطلب نفسي مهم للمراهق ، ينبع من داخل نفسه ، .. لكن المجتمع الحديث – غالباً – ما يواجهه بنكران شديد ، وإهمال بالغ ، وغالباً ما تكون مواقف الكبار مخيبة لآمال المراهقين ... ويقوم النظام الاجتماعي والتربوي الحديث بتطويل فترة الطفولة والاعتماد على الغير ، حيث لا ينتهي الفرد من التعليم العام إلا في سن الثامنة عشر ، ثم عليه أن يستمر في الجامعة إلى سن الثالثة والعشرين ، وهو في كل ذلك تابع ، وعالة على المجتمع : مالياً ، وثقافياً ، واجتماعياً لا عمل له سوى الاستقبال فقط . إن المجتمع بذلك يصادم متطلبات تلك المرحلة وحاجاتها الطبيعية ، مما يؤدي إلى انحراف المراهق ، أو ضياعه ، أو على الأقل إهدار طاقاته ، وهكذا كلما اصطدمنا بالفطرة وقع الانحراف ... ) فالشاب الذي لا تستنفذ المدرسة طاقاته مراهق ، والشاب الذي لا عمل له مراهق متطرف ، والشاب الذي يعمل بعض الوقت ، بحيث لا يمتص العمل طاقاته كلها ؛ مراهق أيضاً .

2- ترتفع نسبة المراهقين القلقين في المجتمعات الصناعية ، بحيث نجد تناسباً طردياً بين التحضر العصري وعدد المراهقين القلقين .

المراهق العربي :

وفي دراسة على مجموعة من المراهقين الخليجيين العرب تم اختيارها بصورة عشوائية ممن تتراوح أعمارهم بين ( 11- 18 ) سنة من أبناء الطبقة الوسطى ، بلغ عددهم (380) مراهقاً ، أشارت نتائج الدراسة إلى :

1- (50٪) يشعرون ببعض الآلام الجسمية .

2- (7ر73٪) راضون عن المدرسة ، وما يلقونه من الرعاية والاهتمام .

3- لا تتسم المراهقة العربية بالانطواء ، ولا تعاني من الأمراض النفسية فقد وجد أن (8ر15٪) يشعرون بالقلق ، و (2ر13٪) يشعرون بالتوتر ، و (6ر2٪) يشعرون بالانطواء ، بينما (6ر81٪) يشعرون بالسعادة .

4- (8ر36٪) يشعرون أن وجهات نظرهم تختلف عن نظرة الأهل . بينما وجد (6ر31٪) تختلف كثيراً مع الأسرة .

5- (5ر89٪) تصف طفولتها بأنها كانت سعيدة ، أي أن الأسرة في مجتمع العينة كانت على وعي ديني وتربوي ونفسي وطبي ، بحيث متعت أطفالها بالسعادة .

6- (4ر18٪) ترى أن الأسرة مازالت تنظر إليهم كأطفال . بينما نجد (6ر81٪) يقولون إن الأسرة تسمح لهم بالتعبير عن رأيهم .

7- (4ر97٪) يقرون أن علاقاتهم بأسرهم أهم من علاقاتهم بأصدقائهم . مع أن (7ر94٪) يقولون إن لديهم صداقات حميمة مع أقرانهم .

8- (5ر89٪) يساعدون والدهم في عمله ، بينما نجد (9ر78٪) يمارسون الرياضة ، و (1ر71٪) يشاهدون التلفزيون .

ويقول الدكتور العيسوي : ( ... ومنها اتضح إلى أي مدى يختلف المراهق العربي عن زميله في المجتمعات الغربية ) .

وتؤكد نتائج هذه الدراسة أن القلق والاضطراب ليسا أمرين حتميين في هذه المرحلة ، كما تؤكد أن المراهقة مرض جاهلي ، ففي مجتمع العينة ( المجتمع العربي المسلم في الخليج ) ما زالت فيه بعض الحياة الإسلامية ، وخاصة في ميدان الطفولة ، ويبدو الاهتمام بالطفل يجنبه القلق والاضطراب في مرحلة المراهقة .

إذن لا ينحصر القلق والاضطراب في فترة المراهقة فقط ، لأنهما ليسا نتيجة لازمة عنها ، وإنما القلق والاضطراب يعمان حياة بعض الناس منذ الطفولة وحتى الموت ، وسبب ذلك ليس المراهقة ، وإنما هو الانحراف عن منهج الله عز وجل الذي فطر الناس عليه .

فالطفل الذي تعمل أمه خارج البيت ، وتتركه للحضانة ، أو المربية ، هذا الطفل أكثر قلقاً من الآخر الذي تحضنه أمه ؛ ربة البيت التي تعمل داخل بيتها ، بين أطفالها ، ولا تعمل خارج البيت ، وأطفال المجتمعات المصنعة انصرف عنهم آباؤهم لكثرة مشاغلهم في الدنيا ، ولكثرة انشغالهم بملذاتهم الخاصة ، ولذلك نجد أطفال المجتمع الزراعي أقل قلقاً منهم ، لأن أطفال المجتمع الزراعي يصرفون طاقاتهم في اللعب ،ثم في العمل المبكر ، والشيوخ في المجتمع الصناعي تخلى عنهم أبناؤهم ، وأودعوهم في دور العجزة ، أو تركوهم يموتون وحدهم ، لا يعلم بهم أحد من الناس ، حتى تنتشر رائحة جثثهم ، فتهرع البلدية إليها . أما الشيوخ في المجتمع الزراعي فهم أكثرحظا ً ورعاية واحتراماً من قبل أبنائهم .

المشكلة إذن مشكلة الإنسان الجاهلي ، لأنه انحرف عن شريعة الله عز وجل ، وأحاط نفسه بقيم وعادات جاهلية لا تناسبه ولا تصلح لحياته الإنسانية .

ومن المؤكد لدى علماء النفس ، كما يقول العيسوي ، وكما وضحته الدراسة السابقة الذكر أن ( المراهقة تختلف من فرد إلى فرد ، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى ، وكذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق ، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر ، كذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي ) .

فالنظم الاجتماعية الحديثة هي المسئولة عن أزمة المراهقة ، وفي المجتمعات البدائية – كما تقول مارغريت ميد – ينتقل الطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة ن بمجرد إقامة حفل تقليدي له ، ويعهد إليه بمسئوليات الرجال ، فيقوم بالصيد والرعي ، ويتزوج ويكوّن أسرة ، وبذلك تختفي مرحلة المراهقة من هذه المجتمعات البدائية ، لأنها خالية من الصراعات والانحرافات التي يقاسي منها المراهق في المجتمعات المتحضرة . ويقول العيسوي معقباً على الدراسة المذكورة سابقاً :

( ويبدو أن الحياة في مجتمع العينة ( الخليجي ) من السهولة والبساطة ، بحيث تنطبق على هؤلاء المراهقين ملاحظات عالمة الانثربولوجيا الاجتماعية (( مارغريت ميد )) من أن ما يعانيه المراهق من مشكلات في المجتمعات الغربية هو وليد الحضارة الغربية ، وما تمتاز به ، لا من كونه ناتجاً عن ظرف النمو الجسمي الطبيعي ) .

الضنك والشقاء من الجاهلية :

ولا غرابة أن يجد الفتى والفتاة والناس كافة الضنك والشقاء إذا انحرفوا عن شريعة الله عز وجل ، فالله هو الخالق العليم الخبير ، الذي خلق الناس كافة ، وأودع فيهم فطرته وبلغهم رسالاته ، ليعيشوا دنياهم ، ويستعدوا لآخرتهم على منهج هذه الرسالات السماوية ، فإذا تبعها الناس كانت لهم سعادة الدارين ، ومن أعرض عنها واجه التعاسة والشقاء والقلق والاضطراب ، والأمراض الجسدية والنفسية ، والآلام في الدنيا والآخرة ، قال تعالى في كتابه الحكيم : { ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ، ونحشره يوم القيامة أعمى ... } ( طه : 124 ) أي من خالف أمري وما انزلته على رسولي ، أعرض عنه وتناساه ، وأخذ من غير هداه ، فإن له معيشة ضنكاً ، أي في الدنيا ، فلا طمأنينة له ، ولا انشراح لصدره ، بل صدره ضيق حرج لضلاله ، وإن تنعم بظاهره ، ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن ما شاء ، فإن قلبه في قلق وحيرة وشك ، قال ابن عباس : الضنك : الشقاء ، وقال الضحاك : هو العمل السيء والرزق الخبيث ( تفسير ابن كثير ) .

وقد سبق قوله عز وجل : { ... فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى } ( طه : 123). وهكذا يتم التوكيد ، فسعادة الدنيا والآخرة في اتباع منهج الله عز وجل ، وشقاء الدنيا والآخرة في الانحراف عن هذا المنهج


مناقشة وخاتمة

1- هل المراهقة مرحلة حتمية في عمر الإنسان ؟ أم أنها مرض ناتج عن الانحراف والابتعاد عن منهج الله عز وجل ؟ فلو كانت المراهقة مرحلة حتمية لمر بها كل إنسان ، في المجتمع الرعوي ومجتمع الصيد ، والزراعة ، ولمر بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتابعون ... ولو أنها مرحلة حتمية لمر بها كل فتى في أي مكان وزمان ...

لكن ذلك لم يحدث أبداً ، ففي مجتمع الرعي والصيد والزراعة ، في العالم كافة ، لم تكن هناك مراهقة ، وكان الطفل يتحول إلى راشد عندما يصل البلوغ ، بل كان يقوم بكثير من أعمال الراشدين قبل البلوغ ، فكان يرعى الماشية ، ويساعد والده في الصيد ، وفي الزراعة ، قبل البلوغ . ولعل الحديث عن حتمية المراهقة ، يذكرنا بحتمية الإشتراكية ، فقد اعتقد ملايين البشر زهاء قرن من الزمن أو يزيد بحتمية الإشتراكية ، أعني أنهم قالوا سوف تتطور جميع الأنظمة الاقتصادية في العالم إلى النظام الاشتراكي ، وقالوا الانتقال من الرق إلى الإقطاع ثم إلى الرأسمالية فالإشتراكية ، هذا الانتقال شيء حتمي ، لابد أن يقع ، ويدعي ماركس أن العالم كالقطار المنطلق بسرعة نحو هذه المحطات ، الرأسمالية ، والإشتراكية ، والجميع يركبون القطار والجميع مجبرون لا مخيرون ، والجميع سيصلون الإشتراكية ، والفرق أن التقدميين سيكونون في العربات الأولى منه .

وقد عرف اليوم جميع الناس أن قطار ماركس المزعوم يعود القهقرى من الإشتراكية إلى الرأسمالية ، كما قرر الاتحاد السوفياتي وأوربا الشرقية في عام (1990 م) ، وكما تتسابق الدول الشيوعية سابقاً إلى الرأسمالية في عام (1992 ) . وبالتالي تأكد الجميع أن الانتقال إلى الإشتراكية ليس حتمياً ، ويجب أن يتأكد الجميع أيضاً أن المراهقة ليست حتمية .

2- لماذا انتشر مفهوم المراهقة إذن ؟

وفي الإجابة على هذا السؤال ، سيقدم الباحث أجوبة مختصرة متفق عليها بين المسلمين وهي : أ- توجد قوى عالمية خفية تعمل بهمة ونشاط لإفساد البشرية ، تسمى الماسونية أو غيرها . ب- استخدمت هذه القوى الخفية معطيات بعض العلوم ، وحرفتها ونشرت هذه الضلالات لإفساد العالم ومن هذه الضلالات : المكيافيللية ، الداروينية ، الفرويدوية ، العلمانية ، الإشتراكية ، المراهقة ... الخ .

ج- لحق الشباب في العالم كله ، وفي العالم الإسلامي المعاصر ضرر كبير من مفهوم المراهقة ، ولعل المدرسين من أكثر الناس معرفة بهذا الضرر ، والمدرس القديم لاحظ الفرق الشاسع بين طالب اليوم ، وطالب الأمس قبل ثلث قرن .

ففي عام (1962 م) صرح (( كنيدي)) الرئيس الأسبق للولايات المتحدة قائلاً : (إن مستقبل أمريكا في خطر ، لأن شبابها مائع منحل غارق في الشهوات ، لا يقدر المسئولية الملقاة على عاتقه ، وأن من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين ، لأن الشهوات التي أغرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية ...) .

وفي نفس العام (1962 م) صرح خروتشوف الرئيس الأسبق للاتحاد السوفياتي يقول: ( إن مستقبل روسيا في خطر ، وإن شباب روسيا لا يُؤمن على مستقبله لأنه مائع منحل غارق في الشهوات ، وأهم أسباب ذلك الفوضى الجنسية والخيانة الزوجية ) .

والمراهقة دعوة صارخة إلى ممارسة الجنس ، والمراهقة تبرير (( علماني )) للفتى والفتاة للفوضى الجنسية ، والمراهقة دعوة علنية ضد العفة والنظافة الخلقية ، دعوة تقول : أيها الفتى وأيتها الفتاة : أنتما معذوران فيما تفعلانه طيلة عشر سنوات من عمركما ، تمثل العقد الثاني من حياتكما ، وهي فرصة العمر لكما ، قبل أن تصبحا راشدين ، ومن المفروض أن تكونا عاقلين عندئذ . ولكن هيهات ، فمن شبّ على شيء شاب عليه ، ولذلك فقد تراوحت نسبة الطلاق في الولايات المتحدة عام ( 1965 م ) بين ( 6ر34٪ - 49٪ ) حسب الولايات ، مع العلم أنه في كثير من حالات الخيانة يعرفها الزوج ، أو تعرفها الزوجة ، ويتواطآن على السكوت .

وقد ركز المستعمرون على اختلاط الجنسين في العالم الإسلامي إذ يقولون : ( فبدلاً من فصل البنين عن البنات يجب أن نعمل على إشتراكهم معاً في الأعمال الممتعة ومواقف اللعب ... وإن خروج الفتيات في صحبة الفتيان من الأمور الطبيعية لأنها جانب من جوانب النمو الجنسي للمراهق !!!؟ ) .

والمراهقة دعوة إلى العزوبية ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يبلغه أن ( عكاف بن وادعة الهلالي ) لم يتزوج مع قدرته على ذلك حتى قال له : (( ألك زوجة يا عكاف )) ؟ قال : لا ... قال : ( ولا جارية ) قال : لا ... قال : (( وأنت صحيح موسر )) ؟ قال : نعم والحمد لله . قال صلى الله عليه وسلم : (( فأنت إذن من إخوان الشياطين ، إما أن تكون من رهبان النصارى فأنت منهم ، وإما أن تكون منا فاصنع كما نصنع ، فإن من سنتنا النكاح ، شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم ، ويحك يا عكاف ... ! تزوج )) . فقال عكاف : (( يا رسول الله لا أتزوج حتى تزوجني من شئت )) فقال صلى الله عليه وسلم : (( فقد زوجتك على اسم الله والبركة كريمة كلثوم الحميري )) .

والإعراض عن الزواج – بدون سبب شرعي – نقص ، فمهما استقام العزاب ، فإن اشتغالهم بمقاومة الغرائز يشوش عليهم صفاء نفوسهم ، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من رزقه الله امراة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي )) .

3- من الفصل السابق يقترح الباحث إلغاء مصطلح المراهقة ، لأنه مصطلح لا يتفق مع الشريعة الإسلامية ، ومصطلح الشباب أفضل منه ، لعدة أسباب منها :

أ- كلمة الشباب تدل على النمو السريع الشامل ، فكلمة ( شبّ ) تعني نما بسرعة .

ب- كلمة الشباب تدل على القوة والفتوة والجمال ، وهذه المعاني ذات تأثير كبير في دفع الهمة نحو العلا ، والفرق كبير جداً بين أن ينظر الفتى إلى نفسه على أنه ( مراهق ) ، أو أن يرى نفسه (( شاباً )) ، ففي الروية الأولى يبرر الفتى لنفسه الإثم والفاحشة ، وفي الرؤية الثانية يحث نفسه نحو الجد والاجتهاد ، وطلب العلا .

ج- وأول ذلك كله – وليس آخره – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم هذا المصطلح عندما خاطب الفتيان فقال : (( يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... )) ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى .

وكما يقول حامد زهران : ( مرحلة الشباب : مرحلة نمو عادي ، هي مرحلة ( المراهقة ) ، وهي مرحلة انتقال بين الطفولة والرشد ، لها خصائصها المتميزة عما قبلها وما بعدها ) .

وعلى ذلك يمر الإنسان في حياته بمرحلتين أساسيتين هما : الطفولة ثم الرشد ، ويمكن تقسيم مرحلة الرشد إلى مرحلتي الشباب ثم الكهولة ، كما تقسم الطفولة إلى ما قبل التمييز ، وإلى سن التمييز كما يلي :

1- من الولادة ← نهاية السادسة : سن ما قبل التمييز .

2- من السابعة ← البلوغ : سن التمييز .

3- من البلوغ ← الأربعين : سن الشباب .

4- من الأربعين ← نهاية العمر : سن الكهولة .


الفصل الثالث : من البيت إلى المسجد

تمهيد :

البيت والمدرسة والمجتمع ركائز التربية الأساسية ، لكن البيت هو المؤثر الأول ، وهو أقوى هذه الركائز جميعاً ، لأنه يتسلم الطفل من بداية مراحله ، فيبذر فيه بذوره ، ولأن الوالدين أكثر الناس تأثيراً في الطفل .

ويتسلم البيت الطفل على الفطرة ، فيدعم هذه الفطرة أو يساعد على انحرافها .

لكن ما هي المؤسسة التربوية الثانية – بعد البيت – في المجتمع المسلم ؟ هل هي المدرسة أم المسجد ؟

إن الإجابة عن هذا السؤال تتغير بتغير المكان ، ففي بعض البلدان انبعثت الصحوة الإسلامية من الجامعات ، وفي بعضها الآخر انبعثت هذه الصحوة من المساجد . وبعد استقراء خريطة العام الإسلامي وأحواله المعاصرة ، يرى الباحث أن وجود المسجد المسلم ( ) أسهل من وجود المدرسة المسلمة ، مع العلم أن الغزو الفكري الاستعماري غزا المؤسستين معاً ، فجعل المدرسة مؤسسة علمانية تحارب الإسلام بشكل مباشر ، وأحياناً بشكل غير مباشر ، ولعب فيها (( دنلوب )) ألاعيبه الخبيثة حتى جعلها مؤسسة علمانية تدمر الأجيال المسلمة ( ) ، أما المسجد فقد جعله الغزو الفكري داراً للصلوات الخمس فقط ، بحيث يقفل أبوابه في غير أوقات الصلاة ، كما حرمه من الإمام الكفء ، حتى صار بعض الأئمة رجالاً ضعفاء يبحثون عن لقمة الخبز ، ويتخذون إمامة الصلاة مهنة يعيشون من ورائها . ومن خلال تفاعل الصحوة الإسلامية المعاصرة فإن وجود المسجد المسلم – اليوم – أسهل من وجود المدرسة المسلمة .

وفي المجتمع المسلم حيث البيت المسلم ، والمسجد ، والمدرسة المسلمة ، والمؤسسات المسلمة ، يأتي المسجد بالمكانة الثانية من حيث التربية ، بعد البيت المسلم ، لأن الطفل يتعرف على المسجد قبل المدرسة ، ولابد للأب المسلم أن يصحب طفله معه في الرابعة والخامسة إلى المسجد ، كما أن الطفل في الخامسة يلتحق بجماعة تحفيظ القرآن في المسجد ، وفي السادسة يدخل المدرسة الابتدائية وتستمر صلته بالمسجد .


أثر المسجد في تربية الفرد المسلم :

يولد الطفل في البيت ، ويقضي سنواته الأولى فيه ، ويكتسب منه سماته الشخصية التي ترافقه مدى الحياة ، ثم يبدأ الطفل في التحرر من البيت بالتدريج ، فيقلل اعتماده على أسرته ، محاولاً الاعتماد على ذاته ، وهذه إرهاصات الرشد عند الطفل ، ولابد من مؤسسة تربوية تتلقف الطفل بعد البيت ، فتوفر له المناخ السليم الذي تنمو فيه فطرته ، نمواً شاملاً ، يوفر نمو الروح والعقل والجسم ، ويوفر له إشباع حاجاته المتزايدة ، وأولها الحاجات الروحية ، والحاجات الاجتماعية ، وهنا يأتي دور المسجد ليقوم بهذه المهمة ، وسيعرض الباحث خلاصة لدور المسجد في التربية وفقاً لمراحل النمو عند الطفل .

المسجد وأطفال ما قبل المدرسة :

يصحب الأب طفله بعد الرابعة من عمره إلى المسجد ، في بعض الأحيان ليعرّفه على المسجد ، والطفل بعد الرابعة في الغالب تسهل طهارته والمحافظة عليها ، وخاصة إذا أمره والده بذلك .

أما صلة الصغار بالمسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بينتها أحاديث صحيحة في مناسبات مختلفة ، نذكر طرفاً منها ، من ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يؤم الناس في المسجد ، كما روى أبو قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلن يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبي العاص بن الربيع ، فإذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها ومن ذلك أن النساء المصليات كن يحضرن صلاة الجماعة بأطفالهنّ ، فيبكي الأطفال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس ، فيخفف صلاته شفقة عليهم وعلى أمهاتهم ، كما روى ذلك أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها ، فأسمع بكاء الصبي ن فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه )).

والآثار في ذلك كثيرة ، تؤكد صلة الأطفال الصغار قبل سن التمييز بالمسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وسائل حب الصغار للمسجد :

1- أن يرى الطفل القدوة الحسنة في الكبار ، كأبيه وإخوانه وجيرانه ، يراهم يذهبون إلى المسجد في كل صلاة ، ومن طبيعة الأطفال حب التقليد للكبار ، لذلك يطلب الطفل بإلحاح من والده أن يصحبه إلى المسجد .

2- أن يلقن الصغير من أسرته وخاصة أمه فضائل المسجد ، لأنه بيت الله ، ويلقن احترام المسجد . 3- اصطحابه إلى المسجد برفقة الكبار .

4- أن يلقاه إمام المسجد والعاملون فيه ، وكذلك المصلون ن بالملاطفة والابتسام ، ويقترح الباحث أن يقدم له إمام المسجد أو أحد موظفي المسجد قطعة من الحلوى للترحيب به .

5- أن يأمر الاب طفله في السابعة بحضور صلاة الجماعة في المسجد ، كما روي عنه صلى الله عليه وسلم : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها ، وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع )) .

6- أن يجد الصغير ما يشبع رغباته الروحية والعقلية والجسمية في المسجد ، وتلاوة القرآن وإقامة الصلاة تشبع حاجاته الروحية ، كما يتعلم في كتّاب المسجد فينمي عقله ، كما يوفر المسجد للأطفال بعض الألعاب الرياضية ومنها السباحة ، وركوب الخيل وكذلك الدراجات ، والتدرب على الرماية ، ويمكن تأمين ذلك عندما تتجلور المدرسة مع المسجد ، ويمكّن المسجد من استخدام بعض مرافق المدرسة . 7- يشكل المسجد من الأطفال جماعة للأناشيد الخفيفة ، ذات المعاني الجميلة تتضمن حب الله ورسوله ودين الإسلام ، وإنشاد الشعر في المسجد جائز ، وقد أنشد الشعر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حاضر يسمع .

ومن الخطر امتعاض المصلين الكبار من الأطفال ، وطردهم من الصف الأول بشيء من القسوة ن حت إن بعض موظفي المسجد يمنعونهم من دخوله ، وسبب ذل جهل المسلمين بالتربية بشكل عام ، وأهمية مرحلة الطفولة بشكل خاص ، وأكثرمن ذلك جهلهم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد اعتمدوا على حديث ضعيف جاء فيه أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( جنبوا مساجدكم صبيانكم ... وأجمروها في الجمع واجعلوا على أبوابها المطاهر )) . بينما تعارضه أحاديث صحيحة ، أوردنا بعضها آنفاً ، وقد أورد كثيراً منها الدكتور عبدالله قادري جزاه الله خيراً .


الطفولة الهادئة

هم أطفال المدرسة من (7 - 12) وتسمى مرحلة الطفولة المتأخرة ، أو الهادئة ، لأن الطفل أقل حركة من الفطولة المبكرة . ولهذه المرحلة خصائص ينبغي أن يعرفها الأب والمدرس والداعية ، وسيكتفي الباحث بعرض أهم الخصائص الروحية والاجتماعية والخلقية ، أما الخصائص الجسمية والعقلية فقد أفاضت فيها كتب علم النفس المنقولة عن الثقافة الغربية .

خصائص الطفولة الهادئة

أولاً : الخصائص الروحية :

1- يؤمر الطفل بالصلاة في السابعة ، بعد أن يدرب عليها ، ويرغب فيها قبل ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم بالمضاجع )) ( ) ونعني بالصلاة لقاء الطفل مع ربه عز وجل خمس مرات في اليوم والليلة ، وفي هذا اللقاء نمو للروح وغذاء صحيح لها .

2- يؤمر الطفل بالصوم ، بعد أن يدرب عليه قبل ذلك ويرغب فيه ، حسب الزمان والمكان ، فإن كان النهار طويلاً والطقس حاراً ، سمح لابن السابعة والثامنة التدرج في الصوم ، وإن كان النهار قصيراً والطقس معتدلاً أمر ابن السابعة بصوم رمضان كله إن لم يكن مريضاً .

3- يستمر الطفل في المواظبة على جماعة حفظ القرآن الكريم في المسجد وقد التحق بها قبل ذلك ، ويداوم فيها ساعة كل يوم قبل المغرب أو بعده ، ويواظب على تلاوة القرآن الكريم وحفظه ، فتصقل روحه وتنمو سليمة كما فطرها الله عز وجل .

4- يولد الطفل مفطوراً على الحب والكره ، والخوف والرجاء ، وينبغي أن يوجه حب الطفل نحو الله عز وجل ، فنجعل خوفه من الله عز وجل فقط ، ونربط رجاءه بالله وحده ، ويتم ذلك بالقدوة الحسنة من أبويه ، وبالتلقين ، والأذكار والأناشيد .

5- البحث عن الخالق :( إن الفطرة البشرية تتيقظ لوجود خالقها في مرحلة مبكرة جداً ... منذ الطفولة )

قال تعالى : { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم : ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ، شهدنا } ( الأعراف : 172 ) . ويمطر الطفل في هذه المرحلة أهله بالأسئلة ، حتى أن البعض يسمي هذه المرحلة مرحلة السؤال ، وهذا دليل استيقاظ الفطرة ، والبحث عن الله عز وجل ن وهنا يجيء دور التربية لتأسيس العقيدة السليمة في نفس الطفل ، في لحظة تهيؤها الفطري لاستقبال العقيدة .

وينبغي أن تقدم المناهج في المدرسة ، والبيت ، والمسجد ، لهؤلاء الأطفال العقيدة بثوبها المناسب ، وبلغة يفهمها الطفل ، لا أن تقدم له بأسلوب وألفاظ يعجز المدرسون عن فهمها !!؟ .

ثانياً : الخصائص الخلقية :

1- تتحدد الاتجاهات الأخلاقية للطفل عادة في ضوء الاتجاهات الأخلاقية السائدة في أسرته وبيئته الاجتماعية ( ) ، أي أن الطفل يتشرب في هذه المرحلة القيم الخلقية المحيطة به ، فالكذب حرام ، وهو رذيلة وليس شطارة ، والصدق أمانة وهو فضيلة ، وفي هذه المرحلة يتقبل الطفل المبادئ الخلقية .

2- يدرك الطفل معنى الأمانة والصدق والعدالة كمفاهيم بسبب نموه العقلي في هذه المرحلة ، وتقدمه في فهم المجرد .

3- ومن الآداب الخلقية التي تغرس في الطفل خلال هذه المرحلة ، وقد بدأ بها منذ الطفولة المبكرة : ( - خلق الأدب : والأدب حسن العشرة ، والأخذ بمكارم الأخلاق وقد روى الترمذي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع )) . وتوريث الأدب للأولاد أفضل من توريثهم المال ، ومن أنواع الآداب النبوية :

الأدب مع الوالدين ومخاطبتهما بالقول الكريم ، وأن يجتهد في إدخال السرور على قلبيهما ، ثم الأدب مع العلماء ، فالعلماء أرحم بأمة محمد صلى الله عليه وسلم من آبائهم وأمهاتهم كما يقول الغزالي ( الإحياء : 1/11 ) ، لأن آبائهم يحفظونهم من نار الدنيا ، والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة . ثم أدب الاحترام والتوقير ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا )) .

ثم أدب الأخوة ، والصغير يحترم الكبير ويوقره ، والكبير يرحم الصغير ، ثم الأدب مع الجار ، وخاصة أن أطفال المرحلة المتأخرة يختلطون مع أقرانهم من أبناء الجيران ، عند ذهابهم إلى المسجد أو المدرسة ولابد من تعويد الطفل على محبة الجار واحترامه ومساعدته لأنه جار ن وصى به الله ورسوله .

ب- خلق الصدق : ووسيلة تثبيته عند الطفل القدوة الحسنة من الوالدين ، وكذبة صغيرة عارضة من أحد الوالدين أمام الطفل ، قد تكفي لتدمير خلق الصدق عنده ، لأن والده أو والدته يمثلان النموذج الأفضل للإنسان ، فإذا كذب هذا النموذج ، إذن لا يوجد الصدق أبداً ، وأخرج أبوداود عن عبدالله بن عامر قال : دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد فقالت : تعال أعطك ، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم : ماذا أردت أن تعطيه ؟ قالت : أردت أن أعطيه تمراً فقال لها : أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة .

ج- خلق الأمانة : ومن التدرب على الأمانة حفظ الأسرار ، والصدق في التعامل مع أشقائه ووالديه ، ومع جيرانه وزملائه في المدرسة ، فالسر أمانة يعطى للطفل ليحفظه ، أو ينقله إلى شخص بعينه فقط ، دون غيره . ومن وسائل التدريب على الأمانة حسن الظن بالولد مع المراقبة ، ويمكن أن يسمح له والده بفتح محفظة نقوده ليأخذ مبلغاً محدداً من المال ، ثم إعادتها إلى مكانها ، مع إنتباه الوالد إلى دقة التنفيذ...

ثالثاً : الخصائص الاجتماعية :

وأكثر ما يميز أطفال هذه المرحلة ، التفتح الاجتماعي ، فبعد التمركز حول الذات في بداية الطفولة ، ثم الاقتصار على علاقات الأسرة في مرحلة ما قبل المدرسة ، تنمو النزعة الاجتماعية لدى الطفل في هذا العمر ، وأثر المدرسة واضح وهام في النمو الاجتماعي . وأهم ما يميز هذه المرحلة :

1- انفصال الجنسين :

( في هذه الفترة – قبل البلوغ – يتجمع الصبيان في مجموعات من الذكور لا تقبل الإناث في وسطها – في العادة – وتتجمع البنات في مجموعات من الإناث لا تقبل الصبيان في وسطها كذلك ).

وهذه مرحلة انتقالية بين الطفولة حيث لا يتميز الذكور عن الإناث ، ومرحلة البلوغ حيث يتسارع النمو وتظهر الفوارق البارزة بينهما .

2- جماعات الرفاق :

والسعي نحو الأقران ؛ خطوة أولى نحو الرشد ، حيث إن الرشد يعني الاعتماد على الذات ، بدلاً من الاعتماد على الأبوين ، فعندما يسعى الطفل نحو الأقران ، يأنس بهم ، ويكون معهم (( شلة )) لها قيمها وأسرارها ، عندئذ يقلل من تعلقه بوالديه ... ويظهر أثر الفروق الفردية في هذه المرحلة ، وتتبلور جماعات الرفاق في مرحلة الشباب ( المراهقة ) بشكل واضح جداً ، كما سنرى .

3- تحمل المسؤولية :

وتسمى أحياناً رغبة ( الكبر ) ، فالطفل في هذه المرحلة يضايقه أنه طفل ، ويرغب أن ينظر إليه الآخرون كرجل وليس كطفل ، ويذكر الباحث عندما كان طفلاً قبل البلوغ ، في بداية المرحلة الإعدادية ، كان يتضايق لأن النساء لم تكن تحتجب عنه ، وكان إذا مر من قربهن ، يعلمن بأنه سيمر ، فتقول إحداهن له : - مر يا بني أنت مثل ابني فيتضايق لذلك ، والألم يجيش في صدره ، لأنهنّ لا يحتجبن عنه ، وهذا يعني أن الآخرين يعاملونه كطفل ، بينما يريد (( الفتى )) قبل البلوغ أن يعامل كرجل . وكذلك الفتاة ، تراها تلبس الحجاب وتقلد النساء في أدبهنّ وحشمتهنّ ، وتريد من الآخرين أن ينظروا إليها مثل الكبيرات .


إشباع حاجات الطفولة المتأخرة

على ضوء الخصائص المذكورة سابقاً ، تقوم ثلاث مؤسسات تربوية بإشباع حاجات الطفولة المتأخرة ، وهي البيت والمسجد والمدرسة ، وسيتحدث الباحث عن دور البيت والمسجد ، ويرجئ البحث في دور المدرسة إلى بحث مستقل بإذن الله عز وجل.

البيت والطفولة المتأخرة :

يستمر الأثر القوي للبيت في هذه المرحلة ، ويعاونه المسجد والمدرسة ، لكن الأثر الأقوى مازال للبيت ، خاصة إذا عرف الوالدان كيف ينقلان مركز الثقل من البيت إلى المسجد أو المدرسة ، بطريقة غير مباشرة ، وبذلك يمتد أثر البيت القوي حتى نهاية مرحلة الطفولة ، ويمتد كذلك حتى مرحلة ( الشباب ) أو (( المراهقة )) كما يقولون .

1- إشباع الحاجات الروحية :

قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ... الآية } ( التحريم – 6 ) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) .

فالأبوان مكلفان بوقاية أولادهما من النار ، وأهم ما يفعلانه تنمية أرواحهم وربطها بخالقها على الدوام كما يلي :

أ- ترغيب الأطفال في الصلاة والصوم قبل السابعة بشتى الوسائل المذكورة في الطفولة المبكرة .

ب- تلقينهم السور القصيرة في القرآن الكريم ، والأذكار والأناشيد وقصص الأنبياء وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .

ج- أمرهم بالصلاة وهم أبناء سبع ، تنفيذاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مروا أولادكم بالصلاة في سبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم بالمضاجع ))

.والجديد بعد السابعة هو المتابعة المستمرة من الوالدين ، ليؤدي الطفل المميز الصلوات الخمس ، جماعة في المسجد ، وهو الأفضل ، وحتى يعتاد الطفل على ذلك لابد أن يصبر الوالدان ولا يملا من المتابعة والمراقبة .

د- يقيم البيت المسلم حفلة بسيطة ، عند دخول الطفل السنة السابعة من عمره ، يدعو إليها أقرانه مع أسرهم ، وتقدم فيها الحلوى لهؤلاء الأطفال أبناء السابعة ، ويتخللها حفل ثقافي يقرأ فيه هؤلاء الأطفال الفاتحة وعدة سور قصيرة ، وتجرى فيه مسابقة عن أوقات الصلاة وعدد ركعاتها .

هـ - يشجع الوالدان الطفل في هذه المرحلة على حفظ القرآن الكريم ، وتنمو الحافظة عند الطفل بعد السابعة (( وينمو التذكر مع الفهم بدلاً من التذكر الآلي ، وتزداد قدرة الطفل على الحفظ ، ويزداد مدى الانتباه ومدته وحدته ، وينمو التفكير من التفكير الحسي إلى التفكير المجرد ... )).

ويرى الباحث أن الطفل العادي يتمكن من حفظ نصف صفحة في اليوم بعد التاسعة من عمره ، بينما يحفظ الطفل ذو الذكاء الجيد صفحة واحدة كل يوم ، أما الذكي والمتفوق فيمكن أن يحفظ صفحتين في اليوم الواحد بعد العاشرة من العمر ، وعلى ذلك يتمكن الطفل العادي من حفظ القرآن الكريم ومراجعته عدة مرات قبل البلوغ ، هذا فيما لو واظب على جماعة تحفيظ القرآن الكريم في المسجد لمدة ساعة واحدة يومياً منذ السابعة من عمره وحتى البلوغ.

ودور الأب : المتابعة ، والمكافأة ، والمساعدة ، وتكون المتابعة بزيارة جماعة التحفيظ مرة في الأسبوع ، ويكافئ أطفاله كلما حفظوا جزءاً من المصحف بمكافأة تتناسب مع عمرهم ، ويساعدهم بأن يسمع لهم المراجعة كلما سنحت له الفرصة ، ويكسب عدة أجور في آن واحد ، أهمها تلاوته للقرآن الكريم مع ولده . مما يرضي الله عز وجل .

وباعتياد الطفل على الصلاة ، والصوم ، وتلاوة القرآن وحفظه ، تنمو روحه حسب فطرتها ، لأنها تكون على صلة مستمرة بالله عز وجل .

2- إشباع الحاجات الخلقية :

روى الترمذي عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لأن يؤدب الرجل ولده ، خير من أن يتصدق بصاع )) . روى ابن ماجة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم )) . وفي الطفولة المتأخرة تنمو (( القيم )) لدى الأطفال ، على ضوء البيئة التي يعيش فيها الطفل ، وخاصة البيت والمسجد والمدرسة ، فالأمانة والصدق والكرم والشجاعة والتضحية ... الخ ، يؤسس بنيانها في هذه المرحلة ، وأفضل الطرق لمساعدة هذه القيم المفطورة عند الطفل ؛ كي تنمو نمواً سليماً :

أ- القدوة الحسنة من الوالدين أولاً ، ثم الأقران في المسجد ، والمعلمين والتلاميذ في المدرسة ، فليتذكر الوالدان والمعلمون أنهم مسؤولون أمام الله عز وجل عن هؤلاء الأطفال ، الذين فطرهم الله عز وجل على الإسلام ، ثم ينحرف بعضهم عن فطرته بسبب والديه ومعلميه وأقرانه (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه )) .

ب- مصاحبة الأبوين للطفل المميز : فالأب يصحب الأولاد معه في زياراته ، ونزهاته ، ويدخلهم غرفة الضيوف معه ، والأم تصحب البنات في زياراتها ونزهاتها وتدخلهم معها غرفة الضيوف ( مع النساء ) . والهدف من هذه المصاحبة إشباع الرغبة عند الطفل في أنه ( لم يبق طفلاً ) وصار كبيراً . وفي هذه المصاحبة تنمية للضمير والمسؤولية عند الطفل .

ج – تقييم أفعال الطفل والحكم عليها بالخير أو الشر ، ومن ثم استحسانها أو استهجانها ، والغرض من ذلك مساعدة الضمير على النمو ، فإذا ضرب الولد أخاه الصغير ، لابد أن تقول له أمه أو أبوه لقد أخطأت ، وهذا الفعل شائن ، مع إظهار الامتعاض أو الاستهجان ، ويطلب منه أن لا يكرر ذلك ، وفي حالة التكرار يعاقب الطفل حسب مبدأ العقوبة التربوية .

أما إذا ساعد الطفل أخاه الصغير ، فإن أبويه يمدحان فعله هذا ، ويبديان سرورهما واستحسانهما لهذا الفعل ، وربما يكافئانه .

ومن المعروف أن الضمير هو المحكمة الداخلية في الإنسان ، التي تقيم أفعال الإنسان وتحكم عليها ، ثم تكافئ الفاعل أو تعاقبه .

د- إشاعة الفضائل في جو الأسرة كالصدق والأمانة والوفاء بالوعد ، والرفق والحلم . ويتم ذلك بالقدوة الحسنة ، والقصص النبوي ، وحياة الصحابة ، ويوجه الوالدان أطفالهما إلى القراءة بعد توفير الكتب المناسبة لهم .

3- إشباع الحاجات الإجتماعية :

سنتحدث هنا عن انفصال الجنسين ، وتحمل المسؤولية ، ثم نرجئ الحديث عن جماعة الأقران إلى فصل مستقل قادم .

أ- انفصال الجنسين :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع )) ( ) . والمضاجع جمع ، مضجع وهو الفراش ، وفي القديم كانت الأسرة تضع عدة أطفال من الجنسين في فراش واحد ، ومازال هذا في بعض الأسر الفقيرة ، ويفرق الآباء بين أطفالهم في المضاجع بعد السابعة ، فينام كل واحد في فراش وحده ، وبعد العاشرة يفضل أن ينام الذكور في غرفة ، وتنام الإناث في غرفة أخرى ، وعندما يتعذر وجود الغرفتين تقسم الغرفة أثناء النوم ، بوسائد وستائر ، أو آرائك بحيث لا يرى الذكور الإناث أثناء النوم ، وفي معظم الأسر المسلمة اليوم تستطيع الأسرة أن توفر غرفة للذكور وأخرى للإناث ، وهذا أفضل لأنه استجابة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا الأمر المتوافق مع الفطرة ، لأن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وحي من الله { إن هو إلا وحي يوحى } ، وسنرى في تحمل المسؤولية أن الأسرة تكلف الصبي بأعمال ، تختلف عن الأعمال التي تكلف بها البنت .

ب- تحمل المسؤولية :

( الولد يريد أن يحس أنه رجل . والبنت تريد أن تحس أنها أنثى ناضجة ... ، وعندما يلمس الأب أو الأم أن الولد بدأ يحس بأنه أكبر من طفل ، فعليهما أن يسارعا – بفرح – إلى إعلانه : إن إبننا – فلاناً – لم يعد الآن طفلاً ، إنه أصبح رجلاً ، كم يثلج صدر الصبي هذا الإعلان ن ويغذي إحساسه بذاته ويطمئنه على ذاته ، ثم يشركه في شؤون الأسرة ، يرسله نائباً عنه يقابل أحد معارفه ، أو يقضي عملاً في السوق ، أو مكتب البريد ... كما أن الأم تستطيع أن تعهد إليه ببعض المسؤوليات كأن يرافقها أو يرافق أخته إلى المدرسة ، أو يشتري شيئاً لأخيه الصغير ... كما تعلن الأم أن ابنتها – فلانة – لم تعد اليوم طفلة ، إنها صارت (( ست بيت )) ، ثم تشركها في تدبير المنزل ، كإعداد المائدة مثلاً ، أو إعداد (( السلاطة )) ، أو الجلوس مع الضيفات ... ) ( ) وهكذا يتدرب الطفل على الحياة ، ويشبع حاجته النفسية إلى تحمل المسؤولية .


المسجد والطفولة الهادئة

المسجد هو المؤسسة التربوية الثانية في المجتمع المسلم ، من حيث تسلمه الناشئة من الذكور خاصة بعد البيت ، وقبل المدرسة ، ولأن المسجد مؤسسة تربوية إسلامية لا يمكن إبعاده عن التربية الإسلامية ، كما أبعدت المدرسة عنها ، عندما فصلت المدرسة عن الإسلام .

وعندما نقول المسجد مؤسسة تربوية ، فإننا نقصد إمام المسجد وخطيب الجمعة ، والمدرسين فيه .

1- إشباع الحاجات الروحية :

أ- الغرض الأول من إقامة المسجد هو إقامة الصلوات الخمس جماعة ، والصلاة أعظم وسائل التربوية الروحية ، لأنها صلة بين العبد وربه .

ب- جماعة تحفيظ القرآن في المسجد : في بعض دول العالم الإسلامي – ومنها دول الخليج – تؤسس فيها جماعات خيرية ، يتعهدها ويرعاها أهل الفضل والخير ، وتقوم هذه الجماعات بتوفير مدرس للقرآن الكريم في المسجد ، يشرف على تعليم الصبيان وتحفيظهم كلام الله عز وجل ، بعد العصر وحتى العشاء . وفي بعض الدول ( كالجزائر ) توظف الحكومة معلماً للقرآن الكريم ، يشرف على تحفيظ الصغار والكبار كلام الله عزوجل في المسجد .

وهكذا نجد كثيراً من المساجد ، يعمرها الأطفال والشباب بعد العصر كل يوم ، يرتلون كلام الله عزوجل ويحفظونه ، وهذ وسيلة عظيمة للتربية الروحية ، لأن تلاوة القرآن الكريم صلة بالله عزوجل . والأطفال في هذه المرحلة ( الطفولة المتأخرة أو الهادئة ) ، تنمو عقولهم ، وينمو لديهم الحفظ والفهم كذلك ، وحفظ القرآن الكريم في المسجد يشبع عدة حاجات للأطفال ، روحية وعقلية واجتماعية ونفسية .

ج- الوعظ : يشكل جانباً أساسياً من خطبة الجمعة ، والوعظ تذكير { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } ، والله سبحانه وتعالى يذكر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعظهم ويذكرهم ويخوفهم من النار ، قال عزوجل مخاطباً الصحابة والمؤمنين كافة : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ... }

( التحريم : 6 ) . فالوعظ ضروري للمؤمن ، يذكره وينفعه ، والإنسان ينسى ، تشده روحه إلى السماء ، ويجذبه الطين إلى الأرض ، وكلما تذكر سما وارتفع ، وكلما نسي هبط وانخفض هكذا شاء الله أن يفطر الإنسان { ونفس وما سواها ، فألهمها فجورها وتقواها ، قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها } ( الشمس : 7 – 10 ) . وإذا كان الواعظ مخلصاً لله ، غيوراً على عباده ، مفعماً قلبه بحب الله ، فإن وعظه يخرج من قلبه ليقع في قلوب المستمعين ، وعندما يستفيد المسلم من خطبة الجمعة ، فتوقظ إيمانه وتشحذ همته ، فإنه يعيش معظم الأسبوع أو كله في يقظة روحية ، وإيمان يقظ .

2- إشباع الحاجات الخلقية :

إذا دخل المسلم المسجد ( بيت الله ) ، فإنه يشعر بالأمن والهدوء ، والسمو نحو الكمال ، وفي المسجد يتعامل المسلم مع مسلمين دخلوا المسجد طاعة لله عزوجل ، ورغبة في ثواب الآخرة ، وعندما يتفاعل المسلم مع رواد المسجد فإنه يكسب من وجهين :

- ابتعاده عن جماعات السوء في غير المسجد .

- اختلاطه بأفراد طيبين في المسجد ، يقتبس من أخلاقهم وسلوكهم .

وأهم وسيلة لتنمية الضمير لدى هؤلاء الأطفال خطبة الجمعة عندما يركزها الخطيب حول الفضائل الإسلامية كالصبر ، والحلم ن والصدق ، والأمانة .

3- إشباع الحاجات الاجتماعية :

أ- جماعة الأقران :

وأهم خدمة يقدمها المسجد لهؤلاء الأطفال في إشباع حاجاتهم الاجتماعية ، لأن الطفل في هذه المرحلة يبحث عن الرفاق ، عن أقرانه ، ليكوّن معهم (( شلة )) ، لها قيم متعارف عليها بين أعضائها ، وهذه الشلة خطوة ضرورية نحو الرشد .

ويهيئ المسجد ، وجماعة القرآن فيه ، البيئة الصالحة لهؤلاء الأطفال لينتقي كل منهم أفراد شلته من أقرانه ، وكلهم من رواد المسجد ، وهذه خدمة عظيمة ، لأن الطفل لابد أن يكون مجموعة الرفاق في هذه المرحلة ، ينتقيهم من رفاق الشارع أو المدرسة أو المسجد ، ومن البدهي أن المسجد أفضل بيئة ينتقى منها هؤلاء الأقران ، وسيعود الباحث إلى جماعة الرفاق في فصل مستقل قادم .

ب- انفصال الجنسين :

وفي المسجد يشعر الأطفال بأنهم رجال ، فالبنات لا يدخلنّ المسجد إلا نادراً ، أما الرجال ( أمثالهم ) فإنهم يدخلون المسجد خمس مرات كل يوم ، وهذا التميز بين الجنسين من خصائص هذه المرحلة .

ج- تحمل المسؤولية :

عندما يكون مدرس القرآن الكريم في المسجد ، ذا خبرة تربوية ، ولأنه لا يتمكن من الاستماع لكل طالب في جماعته ، فسيلجأ إلى طريقة (( العرفاء )) ، وهذه الطريقة قديمة عرفتها الكتاتيب ، وتنادي بها الاتجاهات المعاصرة في التربية لأنها من طرق التدريس الفردي وخلاصتها :

يكلف المدرس بعض طلابه النجباء بالإشراف على الطلاب المستجدين ، والاستماع لهم ، وفي هذه الطريقة عدة فوائد منها :

1- مراعاة الفروق الفردية للمتعلمين ، فعندما يكلف (( العريف )) بالإشراف على خمسة من المستجدين مثلاً ، فإنه يتمكن من متابعتهم بشكل فردي ، ويخصص وقتاً خاصاً لكل طالب منهم . لذلك نجد في الكتاتيب كل طالب درس جزءاً من المنهج خاصاً به ، فذاك أتم حفظ الأجزاء الخمسة الأخيرة ، بينما زميله لم يحفظ سوى ثلاثة ، أما الثالث فقد حفظ نصف المصحف ... وهكذا .

2- يستفيد الطالب (( العريف )) لأنه يراجع الأجزاء التي سبق له حفظها .

3- والمدرس الحصيف يكثر من العرفاء ، وربما جعلهم على درجتين فيشرف المدرس على خمسة عرفاء مثلاً ، بينما يشرف كل عريف منهم على ثلاثة عرفاء أدنى منهم ، كما يشرف هؤلاء العرفاء على الطلاب المستجدين ، وبذلك يزيد عدد العرفاء ، ويشبع المدرس حاجة هامة عند هؤلاء الأطفال وهي تحمل المسؤولية . ويلاحظ أن المدرس الكفء في هذه الحالة يستطيع الإشراف على ( 30 - 50 ) طالب ، حسب ما يجد من العرفاء الممتازين بينهم .


يتبين مما سبق أن للمسجد في المجتمع المسلم أثراً هاماً في تربية الشباب المسلم ، نلخصه فيما يلي : 1- يشبع المسجد رغبة الفتيان في البحث عن جو جديد غير جو البيت ، كخطوة نحو التحرر من الطفولة إلى الرشد . فالأطفال المواظبون على المسجد ، يشعرون بالغبطة لأنهم صاروا كباراً ، يخرجون من البيت يومياً مثل الكبار ، ولهم زملاء يرونهم في الصلاة ، وفي جماعة تحفيظ القرآن .

2- يحفظ المسجد الفتيان من اللعب في الشوارع والساحات العامة ، ويحصنهم من مصاحبة أولاد الشوارع ، وجماعات اللعب المسيطر على الأطفال والشباب .

3- يشبع المسجد للفتيان عدة حاجات أساسية منها الحاجات الروحية ، والخلقية ، والاجتماعية .

4- يعلمهم تلاوة القرآن الكريم وحفظه ، وتعلم القراءة ضروري للطالب ، ليتمكن من مواصلة الدراسة المتوسطة والثانوية .


الفصل الرابع : جماعة الأقران

تمهيد :

القرين في اللغة : المقارن والمصاحب ، والقرين : الزوج لأنه يصاحب زوجته ولا يفارقها ، والقرين : البعير المقرون بآخر ، والقرينة : الزوجة .

والأقران : مجموعة من الفتيان ، قبل البلوغ وبعده ، أو من الفتيات ، يكونون جماعة للذكور ، أو جماعة للإناث ، والأصح مجموعة يتراوح عددها بين ( 2-5 ) على الأكثر . وجماعة الأقران أهم حدث في حياة الإنسان بعد الطفولة المبكرة فما هي ؟ وما أثرها في حياة الإنسان ؟ .

يقول الأب – والالم يعصره - : كان ولدي طفلاً مؤدباً ، لا يخالف والديه ، ولا يخرج من البيت ، حتى إذا تعرف على ابن فلان وابن فلان ، وكون معهم (( بشكة )) ، لا يفارقهم ولا يفارقونه ، تغير سلوكه وطبعه ، وأصبح لا يطيق المكث في البيت ، ولا يسمع كلاماً لأحد من أسرته ... الخ .

هذه الأسطوانة السابقة الذكر ، سمعها الباحث عشرات المرات ، من خلال عمله كمرشد طلابي في المدارس المتوسطة والثانوية ، فهذه ( البشكة ) من الرفاق غيرت سلوك الفتى وطبعه ، كما يقول والده ، وسنرى أن للتغير أسباباً كثيرة أخرى .


أسبابها :

جماعة الرفاق مرحلة ضرورية من النمو يمر بها الإنسان ، قبل البلوغ ، وتستمر هذه النزعة القوية عند الشباب حتى يتزوج الشاب ، أو تتزوج الفتاة ،ويترك الشاب المتزوج جماعة الأقران ، بعد أن غرست فيه صفات قد لا تفارقه مدى العمر . يبدأ الطفل الاهتمام بأقرانه قبل البلوغ ، وفي هذه المرحلة فرصة لإعادة التشكيل ، لمن فاتته العناية في مرحلة الطفولة ، بمعنى أن هذه المرحلة محطة جديدة في العمر ، يمكن التزود من هذه المحطة ، واستدراك بعض ما فات من المحطات السابقة ، وتكو إعادة التشكيل بأن : (( ينتقي المربي لطفله أصلح النماذج ، سواء للمصاحبة العامة في المجموعة ، أو للصداقة الخاصة ، ويكون ذلك بالتلطف لا بالفرض ، كأن يدعو الأب أصدقاء ابنه إلى البيت ويكرمهم ، وتستطيع الأم أن تدعو صديقات ابنتها كذلك)) ، وهكذا يتدخل المربي الحاذق بشكل غير مباشر فيهيئ أقراناً صالحين لولده ، وبذلك يعيد التشكيل ، ويجعله حسناً ، أو يحافظ على تشكيل الطفولة إن كان حسناً .

الثلة قنطرة العبور :

عاش الطفل داخل الأسرة ، وبعد سنوات قليلة سيعيش ضمن المجتمع ، وجماعة ( الأقران ) هي مرحلة انتقالية بين الأسرة والمجتمع الكبير . فهي بمثابة ( دروس خصوصية ) يتعلم فيها المراهق معايير سلوكية خاصة ، ويتعلم منها الحياة العملية ، وتعطيه فرصة التعامل مع أفراد متساوين معه ، وتساعده على الاستقلال الشخصي عن الوالدين .

فالطفل متعلق بوالديه بدرجة أكبر من تعلق الفتى بأقرانه والرجل متعلق بالمجتمع بدرجة أقل من تعلق لفتى بأقرانه فجماعة الأقران مرحلة انتقالية ، وقد تكون حتمية في حياة الإنسان . وجماعة الأقران عبارة عن مجتمع صغير (( مجتمع خصوصي )) يتناسب مع الفتى ويلاحظ ذلك من خلال ما يلي : 1- التقارب في العمر.

2- التشابه في الميول والهوايات .

3- العامل البيئي الموحد ، كأن تكون جماعة الأقران طلاب في مدرسة واحدة ، أو مسجد واحد ، أو حي واحد .

وهكذا ينتقل تعامل الطفل من جو الأسرة ، إلى جو (( الأقران )) وهو أوسع من جو الأسرة ، لكنه أضيق بكثير من المجتمع الكبير ، وبعد التدرب لمدة محدودة ، ينتقل الفرد إلى المجتمع الكبير .

ويلعب العامل الجغرافي الدور الأول في انتقاء أفراد الجماعة ، فالطفل يبحث عن أفراد ثلته بين أقرانه الذين أتيح له التعرف عليهم في المسجد أو المدرسة أو الشارع ، ومن هنا تعتبر الأسرة مسؤولة عن جماعة الأقران لابنها كما سنرى .

فالولد السيء يتحسن كثيراً جداً إذا أنعم الله عليه بأقران أفضل منه ، والولد الحسن يلحقه ضرر كبير إذا التحق بأقران أسوا منه .

( وتجتذب الصحبة السيئة المراهق ، لوجوده في جو منزلي غير عطوف ، وغير آمن ، أو لإخفاق المراهق في التوحد مع أبيه ، وتوحد البنت مع أمها ).

وهذا أيضاً يبين أثر الأسرة في تربية الفرد ، وأهمية البيت في التربية ، ومن الأمثال الشعبية (( إذا كبر ابنك خاويه )) أي اجعله أخاً لك ، وتعامل معه كأخ أو كصديق ، وهذا هو التوحد مع الأب ، عندئذ يتقبل الفتى والده ، وتتقبل الفتاة أمها ، وكأنهم في جماعة أقران لهم ، ويتقبلون منهم توجيهاتهم ، عندما تصدر بلهجة الأخ أو الصديق ، لا بلهجة الأب الآمر .

وفي الدعوة الإسلامية يطلب الداعية المسلم الحصيف من ابنه ، أو طلابه دعوة أقرانهم إلى الخير ، لأن الدعوة من القرين أكثر قبولاً من دعوة الكبار ، وعندما يطلب الفتى من قرينه الذهاب إلى المسجد يلبي طلبه بنفس راضية أكثر مما لو طلب منه والده ذلك . وتعليل ذلك أن هذا الطلب جاء من صديق على شكل اقتراح ، ولم يأت بشكل أوامر .

ولان الفتى يحاول – إلى حد ما – التحرر من أوامر الكبار كدليل على دخوله عالم الكبار ، وأنه لم يعد طفلاً يؤمر فينفذ . ومن هنا تتضح قيمة الشاب المسلم وأثره في توعية الشباب أمثاله ، ولذلك يكون ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( سبعة يظلهم الله في ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ... الحديث ))

فالشاب الذي ينشأ في عبادة الله يجر معه شباباً كثيرين ، يجرهم إلى عبادة الله عزوجل لأنهم من أقرانه ، وممن يسمعون منه .

أثر الأقران في الفرد :

تؤثر جماعة الأقران على الشاب سلباً أو إيجاباً ، فالطفل الحسن الذي التحق بمجموعة فاسدة ، يكتسب منهم القيم الفاسدة والسلوك السيء ، والطفل السيء الذي التحق بمجموعة صالحة ، يكتسب منها القيم الفاضلة والسلوك الحسن ، فقد أخرج الترمذي رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل )) .

وأخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( المرء مع من أحب )) ( ) . وقلما نجد مراهقاً كان له خلة ومحبة وملازمة لرفقة ما ، إلا ويكون على نهجها وطريقتها ، متحداً معها في أفكاره ومسالكه وأخلاقه ، إن خيراً فخير وإن شراً فشر ، ثم بعد أن يجتاز سن المراهقة ( الخطرة ) ، يبقى في الغالب على ما كان عليه من توجهات وصفات ، وربما بقيت رفقته كما هي لم تتغير في أشخاصها وسماتها ، وهذا ما يحدث في الغالب .

( وتتميز المراهقة المبكرة بأنها مرحلة المسايرة والمجاراة والموافقة والانسجام مع المحيط الاجتماعي ، وقبول العادات الاجتماعية الشائعة بغية تحقيق التوافق الاجتماعي ، ويبدأ التطابق مع النماذج السلوكية التي قدمها الوالدان والمدرسون ورفاق السن ، ثم نموذج المواطن كما تحدده الثقافة العامة ) .

( وتجتذب الصحبة السيئة إليها المراهقين لوجود المراهق في جو غير عطوف وغي آمن ، أو لإخفاق المراهق في التوحد القوي مع أبيه أو البنت مع أمها ، فيبدأ البحث عن نماذج بديلة في الصحبة ) ( ) .

والخليل أو القرين يؤثر على عقيدة الإنسان وقناعاته الفكرية ، وهذا أهم الآثار ، يقول تعالى : { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً ، يا ويلتى ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً ، لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني ، وكان الشيطان للإنسان خذولاً }[الفرقان : 28 - 30] . وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير : فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة )) [متفق عليه]

والجليس صيغة مبالغة من كثرة المجالسة والملازمة ، ولا شك أن للجليس أثراً تراكمياً متدرجاً على شخصية المرء وأخلاقه .

وتدخل هذه الآثار التراكمية إلى نفس القرين دون أن يشعر ، ولا ينتبه إلا بعد فوات الأوان ، فلو كان احد القرناء يدخن والآخر لا يدخن ، ويظن في نفسه أنه لن يتأثر بقرينه ولن يعتاد على التدخين ، لكن تعوده على رائحة التدخين من قرينه ، ثم الرغبة اللاشعورية في التوحد مع قرينه ، تدفعه – دون أن يشعر– إلى المسايرة ، فيدخن مرة لإرضاء قرينه ، ومرة ثانية وثالثة حتى يتعود التدخين ، وعندما لا يكون الأب مدخناً ، فإن الولد المدخن يعتاد ذلك من أقرانه بالتأكيد . لذلك قال الشاعر :

            عن المرء لا تسل وسل عن قرينه    فكل قرين بالمقارن يقتدي

وقال آخر :

                    وذو الغر إذا احت.........ك ذا الصحة أعداه 


البيت وجماعة الأقران

البيت المسلم هو المسؤول الأول عن الفرد المسلم ، يرعاه في طفولته ، ويشرف عليه في شبابه ، ومن واجبات البيت المسلم توفير الصحبة الصالحة لأولاده ، وبناته ، لأن الرفقة مرحلة ضرورية لابد منها ، فإما أن يلتحق الشاب برفقة حسنة ، أو رفقة سيئة ، لذا وجب على الآباء والمربين توفير الرفقة الصالحة لأولادهم وبناتهم ، (( فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الصبيان ، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه ... الحديث )) ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا شاهد مجموعة من الأطفال يلعبون فلا يفرقهم ، ولا يفسد عليهم لعبهم ، بل إنه يشجعهم على هذه الروح الجماعية ومتابعة اللعب .

فلا بد إذن للطفل من صحبة ، فإذا أحسن الوالدان اختيار الصديق الصالح لطفلهما فسيأتي الخير إن شاء الله ، وإن الوالدين مطالبان بتأمين الصديق الصالح لطفلهما يحادثه ويسامره ويلعب معه ، كما أنهما مطالبان بتأمين الطعام الحلال للطفل لينشأ جسمه في الحلال ، وينبت لحمه بعيداً عن السحت .

ومن الأمور التي ينبغي على المربي أن يلحظها ، ويهتم بها ، ويسعى جهده في تحقيقها : ربط الولد بأربعة أصناف من الأصحاب وهم :

صحبة البيت ، والحي ، والمسجد ، والمدرسة أو العمل . ويقصد بصحبة البيت صحبة الأخوة والقرابة ، وهم أول من يكتسب منهم ، ويأخذ عنهم ويرتبط بهم ، وصحبة الحي من أولاد الجيران في المسكن ، وصحبة المسجد من الأولاد الذين اعتادوا صلاة الجماعة والجمعة وحضور الدروس في مسجد الحي ، وصحبة الحي وصحبة المسجد متلازمتان لاتنفك إحداهما عن الأخرى .

وقد يهتم الأبوان بأطفالهما الصغار ، ثم يختلط هؤلاء الأطفال بأقرانهم في الحي والمدرسة فيضيعون ويضيع جهد البيت الذي بُذل لهم ، لأن مرحلة الشباب منعطف هام في عمر الفرد ، قد تدعم الجهود المبذولة في الطفولة ، وقد تبعثرها وتنسفها .

ولكي نصل إلى الرجل المسلم ، والمرأة المسلمة ، السويين على فطرتهما ، يجب ان نوفر لكل منهما طفولة سوية ، وصحبة صالحة ، حتى يصل الفرد المسلم إلى مرحلة الرشد بسلام .


وإذا كان البيت المسلم يقدم كل ما يحتاجه الطفل قبل المدرسة ، فإن البيت يعجز وحده عن توفير البيئة المسلمة ، ولابد من جهود كبيرة يبذلها البيت المسلم ، وتخطيط إسلامي تربوي هادف من أجل ذلك ، وهذا عرض موجز لما ينبغي على البيت المسلم من أجل توفير صحبة صالحة لأولاده وبناته .

1- لابد للأب المسلم والأم المسلمة من معرفة مبادئ علم نفس النمو ، ليتضح لهم أهمية الرفقة الصالحة ، وصفاتها ، وأول ما ينبغي على الأب والأم فعله مصاحبة الأب للولد الشاب ، ومصاحبة الأم لابنتها الشابة ، والمثل الشعبي يقول : (( إذا كبر ولدك خاويه )) . فإذا وصل الطفل إلى الثالثة عشر عاماً ، ينبغي على الوالد أن يغير معاملته ، لأن ولده لم يعد طفلاً ، ولا يعامله كطفل : كالخوف الزائد عليه ، وعدم السماح له بالخروج من البيت ، والتدخل في شؤونه الخاصة ... الخ ، عندئذ يهرب الطفل من والده وينظر إليه على أنه سلطة عليا تهدده دوماً وتلاحقه بالمراقبة ، ويبحث الطفل عندئذ بسرعة عن أقران خارج الأسرة ، وسوف تتلقفه أول جماعة أقران يصادفها .

وينبغي على الأم أن تصاحب ابنتها ، وتغير معاملتها معها لأنها لم تعد طفلة ، وعندئذ قد تصاحب البنت أمها ، وتتشرب منها سلوكها كصديقة ، بعد أن تشربته منها كأم .

( وسبيل المربي إلى صيانة فتاه وفتاته عن أقذار الجاهلية الدنسة لن يكون سهلاً ، ووسيلته هي تعميق الإحساس بالله ، ووسيلته كذلك أن يكون (( صديقاً )) لمن يربيه ، وأن يجعل الصلة التي تربطه بالبيت أقوى وأثقل من الصلة التي تربطه بالمجتمع ، وأن تكون صلة المودة بين الولد وأبيه ، وبين الفتاة وأمها كافية (( للمكاشفة )) التي يمكن عن طريقها تصفية الضغط الزائد عن الحد .. ) .

2- التخطيط المسبق :

ويتضمن هذا التخطيط عدة جوانب منها :

أ- الاهتمام بمرحلة الطفولة المبكرة ، والطفولة الهادئة ، فالطفولة السوية تؤدي إلى مراهقة سوية . ب- تحذير الأولاد من الرفقة السيئة ، ومن وسائل ذلك تحفيظ الأولاد الآيات والأحاديث التي تحذر من قرين السوء .

ج- الإقامة في بيئة صالحة ، وقد يترك الأب المسلم دولة وعملاً ثم يهاجر إلى بلد صالح ، كما فعل بعض الإخوة المسلمين الذين عاشوا في أوربا وأمريكا حتى إذا اقترب أولادهم من المراهقة تركوا أوربا ، وتركوا عملهم فيها ، ومنهم من كان مديراً لمستشفى كبير ، ويشغل منصباً هاماً ، تركوا ذلك كله ، لأن بقاءهم هناك سيضيع أولادهم وبناتهم ، وستضيع الجهود التي بذلوها لهم في الطفولة .

وينبغي على البيت المسلم أن يضع هذا الهدف في أول الأسباب التي يحدد مكان إقامته على ضوئها . قبل الراتب والتجارة والوظيفة ، فمسؤولية الوالدين عن تربية الأولاد مسؤولية دنيوية وأخروية ، ولا يعادلها الراتب أو التجارة أو أية مكاسب دنيوية .

ومن نعم الله عزوجل على الباحث أن أكرمه بالإقامة مع أسرته في المدينة المنورة ، وكان ولده الأكبر آنذاك في الحادية عشر من عمره ن وهكذا ترعرع معظم اولاد الباحث وبناته في أفضل بيئة في العالم المعاصر – حتى اليوم – ويدعو الله أن يحفظ أطفاله الصغار ويهيئ لهم ما هيأ لأشقائهم ، إنه كريم رحيم . وبعض الأسر المسلمة تهاجر من بلد إلى آخر ، وقد تتحمل بعض الجهد والمشقة في ذلك ، من أجل تأمين البيئة الصالحة لأولادها وبناتها .

3- عندما يهاجر البيت المسلم من بلد إلى آخر ، بحثاً عن البيئة الصالحة ، مما لا شك فيه أن ينتقي أفضل الأحياء ، وأقرب المساكن إلى المسجد ، وأن ينتقي الجوار قبل الدار ، ويرضى بالشقة المتواضعة مع الجيران الصالحين ، ويرفض ( الفيلا ) الواسعة في الحي المتفرنج .

4- للمسجد أهميته في التربية ، وبعض المساجد تفيض بالحركة والنشاط ومثل هذا المسجد تكثر حوله الأسر المسلمة ، وجماعة تحفيظ القرآن من أساسيات المسجد ، وكلما كان معلم القرآن ناجحاً في مهمته ، زادت أهمية المسجد ، وزاد الراغبون في السكن حوله .

5- ينبغي على الأب المسلم أن يبحث عن المدرسة المسلمة إن وجدت ، أو على الأقل يبحث عن المدرسة التي لا تهدف إلى تدمير عقيدة الطلاب وسلوكهم ، وفي الوقت الراهن توجد مدارس خاصة قليلة جداً ، أو شبه نادرة لها أهداف إسلامية ، ومثل هذه المدارس على الأقل لا تعمل عامدة على تخريب عقيدة الطلاب وسلوكهم ، ويتوقع الباحث أن تقوم في السنوات القادمة القريبة مدارس خاصة إسلامية ، سوف تقوم بهدف إعداد جيل مسلم .

وينصح الباحث الأب المسلم بإرسال أولاده إلى المدرسة المسلمة مهما كانت بعيدة عن البيت ، أو يسكن في الحي المجاور لهذه المدرسة ، وليجتهد الأب المسلم في توفير القسط المدرسي ، ولو وفره من ثمن الطعام والشراب ، لأن المدرسة المسلمة سوف تكمل ما قام به البيت المسلم ، ومن ثم يمر الفرد المسلم عبر مرحلة الطفولة والمراهقة بسلام ، ويصل إلى مرحلة الرشد ، ليكون رجلاً مسلماً قوياً في دينه وعقله ، وروحه وجسمه .

وعندما لا تتوفر المدرسة المسلمة ، فابحث – أيها الأب المسلم – عن المدرسة الجيدة ، وهناك علاقة بين المدرسة والحي ، ومدير المدرسة ، والمدرسين العاملين فيها .

ولاتنس – أيها الأب المسلم – أن الاختلاط شر ، ومخالف للتربية الإسلامية ، حتى في الروضة والمرحلة الابتدائية ، لأن الهدف من الفصل بينهما في الروضة ، هو ترسيخ سلوك عدم الاختلاط منذ الصغر ، لأن الاختلاط مجمع الشرور والفساد الذي يلحق بالمجتمع ، وقد أخرج الشيخان رحمهما الله عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إياكم والدخول على النساء )) فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : (( الحمو الموت )) ، أي لا يجوز لشقيق الزوج الدخول على زوجة أخيه أو الخلوة بها .

والفصل بين الجنسين صفة أساسية من صفات المجتمع المسلم ، يجب تأصيلها في نفوس الأطفال وسلوكهم منذ نعومة أظفارهم .

وقد يبدو الأمر صعباً لأول وهلة ، فانتقاء الحي المناسب ، والمسجد النشيط والمدرسة المسلمة ، لكن الصعوبة تتبدد مرة واحدة عندما تتعاون عدة أسر مسلمة على السكن في حي واحد ، ومن ثم توفير حافلة صغيرة لنقل عشرات الأطفال إلى المدرسة الفضلى ، والمسجد الأفضل ، وهكذا تحل هذه الحافلة ثلاث صعوبات مرة واحدة ، هي الحي المسلم ، والمدرسة المسلمة ، والمسجد الحركي ويعتقد الباحث أن تعاوناً بين الأسر المسلمة ، بدأ يظهر على الوجود ، وأن مرحلة بناء المؤسسات الاجتماعية المسلمة على قدم وساق في العالم الإسلامي .

6- المتابعة غيرالمباشرة :

بعد التخطيط المسبق ، وهو توفير البيئة الصالحة من مسجد وحي ومدرسة ، كي ينتقي الفتى أفراد جماعته من هذه البيئة الصالحة ، يستطيع البيت المسلم توجيه دفة الانتقاء بشكل غير مباشر على النحو التالي :

أ- يقوم البيت المسلم بزيارات إسلامية إلى بيوت مسلمة وتتلخص الزيارة الإسلامية بما يلي :

1- زيارة هادفة ، مدروسة بين البيتين ، بحيث يوجد أقران في البيتين .

2- يجلس الذكور منفصلين عن الإناث ، ويشغل بعض وقت الزيارة بشيء من الذكر كتلاوة القرآن ، أو موعظة قصيرة .

3- يسعى الأبوان ، والأمّان ، إلى انفراد البنات مع البنات ، والأولاد مع الأولاد ن ويخططون لذلك بشكل غير مباشر ، ويحرص البيت المسلم أن لا يقوم بزيارات عائلية إلى بيوت مضطربة ، أو مهزوزة ، ويحرص على زيارة الدعاة المسلمين ، والداعيات المسلمات ، للاستفادة من سلوكهم مع أولادهم في البيت . ب- تقوم عدة بيوت مسلمة منتقاة برحلة مشتركة ، على أن يكون الفصل بين الجنسين متوفراً ، كأن تخرج كل أسرة بسيارتها وإن تعذر ذلك فلينقل الذكور كلهم بسيارة ، والنساء بسيارة أخرى ، وفي الحديقة يجلس الرجال بعيدين عن النساء ، بحيث يجتمع الآباء والأولاد ، كما تجتمع الأمهات والبنات . ولابد من تخصيص وقت من الرحلة للذكر كتلاوة القرآن ، أو تذاكر الحديث ، أو موعظة قصيرة ، وقد تؤدى الصلاة خلال الرحلة جماعة للرجال ، وتصلي النساء في ستر عن الرجال إن أمكن .

ج- يجمع أحد الآباء أقران ولده ويصحبهم إلى رحلة ، أو إلى البرية من أجل كرة القدم ، ولابد من تخصيص وقت لذكر الله عزوجل ، ومدارسة الحديث ، والموعظة ، ويفضل أن يتناول الأولاد الفطور أو الغداء معاً ، وقد يصلون جماعة . وربما اجتمع عدة آباء مع أولادهم الذكور في مسبح ، لممارسة السباحة ، وتناول طعام الفطور ، وتحصيص وقت للذكر أيضاً كتلاوة القرآن ... كما تجتمع الأمهات مع البنات عند إحداهن في مناسبة ما ، ولابد من تخصيص وقت للذكر ومدارسة الحديث ، والموعظة .

ويذكر الباحث أن هذه الزيارات الإسلامية أو الرحلات والنزهات المسلمة ، نشاط اجتماعي إسلامي هادف ، لابد من تمييزه عن اللهو والترف ، وتنقيته من الغيبة والنميمة وسائر أنواع السلوك الجاهلي .

د- دعوة أصحاب الولد ( أقرانه ) الصالحين إلى البيت ، خلال مناسبة ما ، وإكرامهم ، وحث الولد على دعوتهم إلى المنزل ، وكذلك تدعو الأم ( صاحبات ) ابنتها وتكرمهن ، وتقدم لهن العون والمساعدة إن لزم الأمر . وهذا تشجيع غير مباشر لتوطيد العلاقة مع هؤلاء الأقران الصالحين .

هـ - يطلع المربي ( الأب والأم ) على أوضاع المتربي ، من حيث صداقاته دون علمه وإحساسه ، لأن المراهقين يرفضون الملاحظات المباشرة ، ويمقتون الرقابة . ويتدخل المربي بشكل غيرمباشر إذا لاحظ ميل ولده إلى أقران السوء ، وقد يحسم الأب الأمر بتبديل الحي ، أو المدرسة ، أو البلد كله للتخلص من أقران السوء ، إذا رأى ولده يميل إليهم . ويسأل الأب الحصيف – والأم الحصيفة – ولده عن أسماء رفاقه في المدرسة ، وقد لا يسأل ولده ، وإنما يذهب إلى المدرسة ويتعرف على أسمائهم ، ثم يبحث عنهم وعن سلوكهم في المدرسة والحي ، ويحاول التعرف على أسرهم ، فإن آنس خيراً ، حمد الله وشكره ، وإن لمس غير ذلك ن يجب عليه التدخل بسرعة ليحسم الموقف بتغيير المدرسة أو الحي أو البلد كله إن لزم الأمر ، لأن الموقف خطير جداً ، ويتوقف عليه مستقبل ولده في الدنيا والآخرة .

7- الاستعانة بذوي الخبرة : كأن يلجأ الأب إلى مدرس داعية ، ويوصيه بالاهتمام بولده ، ويوثق صلة ولده بهذا المدرس كأن يرسل هدية صغيرة ( كتاب مثلاً ) للمدرس مع ولده ، أو يزوره مع ولده في البيت ، أو يلجأ إلى إمام المسجد أو مدرس القرآن ، أو قريب كالإبن الكبير ، أو عم أو خال إذا لمس ميلاً من ولده إليه ، ليتعاون معه في توجيه ولده بشكل غير مباشر نحو الرفقة الصالحة ، وإبعاده عن رفاق السوء.

8- يحرص الأب المسلم على إرسال أولاده إلى المراكز الصيفية الإسلامية ، لأن هذه المراكز – كما هي في بلدان الخليج اليوم – تجمع خيرة الشباب المسلم ، وإرسال الولد إليها ، يعني وضعه في بيئة صالحة لينتقي منها أفراد جماعته ، ويتخذ منهم أصحاباً وخلاناً له . ولهذه المراكز فائدة وقائية أيضاً ، وهي إبعاد الأولاد عن الشوارع حيث الأولاد الأقرب إلى الشر والذين أهملهم أهلهم وأهملوا متابعتهم ، فكونوا جماعات سوء ، تقضي معظم أوقات فراغها في الشوارع .


المسجد وجماعة الأقران

تمهيد :

تأتي اهمية المسجد في التربية من عدة أمور منها : - أنه ينمي الروح وهي أهم شيء في الإنسان ، - ومنها أن الفتى قبل البلوغ يبحث عن مرجع ينتمي إليه غير الأسرة ، لأن مغادرة الطفولة تعني عدم الاعتماد على الأسرة ، - ومنها ان المسجد بيئة صالحة لجماعة الأقران التي يبحث عنها الفتى . لذلك فإن بعض الدروس في المسجد للبنات ضرورية ، أو تخصيص مكان للنساء هام ، حيث تلتقي فيه البنات الصالحات ، وفيه تنتقي الفتاة صاحباتها ، اللاتي تبحث عنهن . وليتمكن المسجد من القيام بهذه المهمات لابد أن يعمل فيه عدة دعاة كالإمام والخطيب ومدرس القرآن الكريم والمؤذن ، ومدرس الفقه ومدرس الحديث والسيرة ... الخ . وينبغي أن يلم هؤلاء بعلم نفس النمو عامة ، ومرحلة البلوغ والشباب خاصة ، بالإضافة إلى علوم الفقه والحديث والقرآن الكريم .

وكلما كان هؤلاء الدعاة من الشباب ، أو ممن يتمتعون بروح الشباب ، كانوا أقرب إلى قلوب رواد المسجد من الفتيان والأطفال ، وكانوا عندئذ مرجعاً لهم يسد مكان الأسرة التي يسعى الفتى للتحرر منها .

وهكذا يوفرالمسجد الأقران الصالحين ، والمرشدين المربين ، وهما أهم ما يحتاجه الفتيان قبل البلوغ وبعده .

الأقران والمسجد :

يبحث الفتى عن الرفقة لأنها تغذي حاجة نفسية ملحة عنده ، وينتقي أقرانه من الفتيان المشابهين له في الطباع ، ويختارهم من جواره وزملائه وأقاربه ، أي ممن يكثر لقاؤه بهم ، وأقران المسجد يلتقي بهم الفتى خمس مرات في اليوم ، بالإضافة إلى ساعة كل يوم في جماعة تحفيظ القرآن ، ومن خلال هذه المعايشة اليومية ، ينتقي الفتى المواظب على المسجد أقرانه من رواد المسجد .


الأسر المسجدية :

وليتمكن المسجد من الإشراف على هؤلاء الفتيان وتوجيههم وحمايتهم من الانحراف ، تشكل الأسر المسجدية بإشراف الإمام ومعاونة العاملين في المسجد بالإضافة إلى المتطوعين من طلاب المدارس الثانوية المتوفقين دعوياً واجتماعياً . والأسر المسجدية وقد تسمى ( حلقة ) أو ( مجموعة ) ، هي عدد من الفتيان تتراوح بين ( 4 - 8 ) بما فيهم أمير الأسرة ، وتترك الحرية للأفراد ينتقون بعضهم ثم يعين لهم الإمام أميراً لهم بالتشاور معهم ، ولابد من تشابه أفراد الأسرة من حيث العمر والمدرسة كذلك ، ومن حيث درجة صلتهم بالمسجد ، فقد يكونون من المواظبين على الصلوات الخمس فقط ، وقد تكون هذه الأسرة من المواظبين على الصلوات الخمس وجماعة تحفيظ القرآن ، ولابد من التشابه بين الأقران . ونذكر أن هذه الأسرة محاولة لتعويض جماعة الأقران ، وقد يكتفي بعض الفتيان بها ، وتتوطد العلاقة بين أفرادها حتى تصبح جماعة أقران حقيقية .

هدف الأسرة المسجدية :

تهدف الأسرة المسجدية إلى توفير جماعة أقران صالحين للفتى ، حيث يسمح لهم بانتقاء أفرادها ، ثم يحدد لهم لقاءات في المسجد يديرونها بأنفسهم ، ويمارسون أنشطتهم بدون تدخل الكبار ، لكن بإشراف غير مباشر من أمير الأسرة ، ومن أهداف الاسرة إشباع رغبة الانتماء ؛ كحاجة نفسية قوية لدى الشاب كما سنرى ، ومن أهدافها تنفيذ أنشطة وبرامج خيرة بطبيعة الحال ، لأنها تقع داخل المسجد ، مما يبعد مجرد التفكير بالسلوك الشائن .

برامج الأسرة المسجدية :

يوجه أعضاء الأسرة بشكل غير مباشر إلى أن تكون برامجهم من الفقرات التالية :

1- تلاوة القرآن الكريم وإتقان أحكام التلاوة والتجويد ، وقد يستعين أفراد الأسرة بأميرهم لهذا الغرض .

2- حفظ بعض الآيات والسور القرآنية .

3- شرح وتفسير بعض هذه الآيات والسور المحفوظة .

4- حفظ وشرح بعض الأحاديث الشريفة ، من الأربعين النووية أو رياض الصالحين أو غيرهما . 5- دراسة كتاب مبسط في العقيدة .

6- دراسة دورية في السيرة النبوية ( سيرة ابن هشام أو الرحيق المختوم أو نور اليقين ... ومثل ذلك ) .

7- دراسة كتاب في التاريخ الإسلامي وحياة الصحابة ن مما كتبه المسلمون .

8- دراسة كتاب مبسط في الفقه على أحد المذاهب الأربعة .


9- دراسة إحدى قضايا المسلمين مثل : فلسطين ، أفغانستان ، وغيرهما كثير .

10- دراسة كتاب مبسط في النحو والصرف والإملاء والبلاغة .

11- مذاكرة الدروس المقررة في المدرسة ، والتعاون على حل الواجبات .

12- رحلة مشتركة لعدة أسر بإشراف المسجد .

13- المساهمة في المركز الصيفي الإسلامي بإشراف المسجد ، والمساهمة في المعسكر الإسلام+9ي كذلك .

14- القيام برحلات إلى أقطار إسلامية بإشراف المسجد .

15- صيام يوم أو يومين في الأسبوع والإفطار في المسجد أو في بيت أحدهم .

16- إحياء ليلة في الشهر ، في بيت أحدهم أو في المسجد بنية الاعتكاف .

17- زيارة القبور مرة كل ثلاثة شهور ، وزيارة مريض مرة شهرياً .

18- زيارة أحد الدعاة أو العلماء في بيته .

19- مسير ليلي على ضوء القمر بالدراجات العادية أو على الأرجل .

20- ممارسة السباحة وركوب الخيل والرمي ، في نادي ، وبإشراف المسجد .

برنامج لقاء الأسرة المسجدية :

ويمكن تمييز لقاءين لهذه الأسرة أحدهما اللقاء اليومي ، والآخر لقاء أسبوعي :

أ- اللقاء اليومي :

ويمكن تحديد وقته بين المغرب والعشاء ، أو بعد العصر ، حيث يحضر أعضاء الأسرة إلى المسجد للصلاة ، ولتلاوة القرآن وحفظه ، وبشكل عفوي سيلتقي أعضاء جماعة الأقران ، ويدرب هؤلاء الأعضاء بشكل غير مباشر على أن يشمل برنامج اللقاء اليومي :

1- تقرير فردي من كل عضو عما يعانيه اليوم ، بهدف استشارة إخوانه .

2- حل واجب مدرسي ، أو الاستعداد لاختبار قريب .

ب- اللقاء الأسبوعي :

ويمكن تحديده بعد عصر أو مغرب يوم الخميس أو الجمعة ، ومدته أطول من اللقاء اليومي وهذه أهم فقراته :

1- تقرير من كل عضو عن أهم ما مر به في الأسبوع ، بغرض استشارة إخوانه ، في شئونه الخاصة والعامة ، وفي هذا توطيد للثقة وللرابطة بينهم .

2- تلاوة من القرآن الكريم ، يستمعون لبعضهم من محفوظاتهم .

3- قراءة في العقيدة أو الحديث أو الفقه ، بالتناوب فيما بينها .

4- قراءة في كتاب السيرة أو النحو أو التاريخ ، وتتناوب هذه المواد أسبوعياً .

5- الاتفاق على عيادة مريض ، أو رحلة قصيرة داخل المدينة ، أو وزيارة لأحد الدعاة أو المساجد وتنفذ خلال الأسبوع .


الأسرة المسجدية والانتماء :

يقول محمد قطب  : لم يعد الفتى متمركزاً حول ذاته بالصورة التي كان عليها في الطفولة ... إنما صار خط (( الغيرية )) واضحاً وبارزاً في نفسه وفي حياته ... أما الشاب فإنه اليوم مشغول بالمجتمع من حوله ، ومشغول (( بالآخرين )) ... ومن أين يبدأ الإصلاح ؟ والتغيير لإزالة الظلم ؟ ومن هذا الخيط يسعى الشباب من جانبه إلى (( الانتماء )) ، كما تتسارع الجماعات والأحزاب إلى جذب الشباب إليها من هذا الخيط ذاته .

كما أن التنمية النفسية الصحيحة لا تتم في كيان فرد منعزل عن الآخرين ، لأنها مبنية أساساً على (( الغيرية )) ، وعلى التعامل مع الغير والترابط والتلاحم والتعاون ، فهي بطبيعتها أمور جماعية ، تحتاج إلى جماعة ، فكيف يتدرب الشاب على الأخوة ؟ إذا لم يمارسها ، وكيف يتدرب على التعاون والأثرة إذا لم يتعامل مع أفراد آخرين . لذلك فلابد من وجود جماعة ن ولابد من انتماء الشاب إلى الجماعة ، لأن هذا الشعور الجماعي فطري لدى الإنسان ، ولأن الحاجة إلى الانتماء من الحاجات الأساسية لدى الشاب . والأسرة المسجدية تشبع حاجة أساسية لدى الفتى ، ويتم إشباعها من خلال المسجد ورواده ، بدلاً من أن يكون الشباب شللهم المتسكعة في الطرقات لمعاكسة المارين والمارات ، أو يتجمعون للعب الورق والقمار ، أو تذهب إلى أماكن اللهو والمجون ، أو تتحلق حول التلفزيون ؛ حول مسرحية عابثة أو فلم هابط .

لذا فإن الشاب يشعر بانتمائه إلى المسجد ، لأن المسجد مؤسسة اجتماعية إسلامية ، فيكون انتماء الشاب عندئذ انتماءً إسلامياً . ويبدأ الفتى بالانتماء إلى جماعة الأقران ، وهي إحدى أسر المسجد ، ثم بعد البلوغ يشعر الشاب أنه ينتمي إلى المسجد ، وخاصة عندما يساهم ف انشطة المسجد ، كالحفلات الإسلامية ، أو المباريات الثقافية والرياضية التي تقام للتنافس بين المساجد . وانتماء الشباب إلى المساجد ، يسد الطريق على الأحزاب العلمانية ، والهيئات الملحدة ، التي تخرب عقائد الشباب ، وتحرف سلوكهم عن الخير ، وقد نمت هذه الأحزاب العلمانية وترعرعت عندما غابت هذه المساجد الحركية ، وصارت دوراً لأداء الصلاة فقط ، ثم تقفل أبوابها بعد ذلك .


الفصل الخامس : المعسكرات والشباب

تمهيد وتعريف :

عسكر القوم بالمكان : تجمعوا ، والعسكر : الجيش ، والكثير من كل شيء . وشهدت العسكرين : أي حضرت يوم عرفة ومنى حيث يتجمع فيهما ألوف الحجاج ، والمعسكر : مكان العسكر ( ) .


المعسكرات والمراهقة :

بما أن المراهقة : حبس الطاقات المتفجرة عند الفتى ، لذلك فإن المعسكرات أفضل الوسائل لصرف هذه الطاقات بالعمل والتدريب والأنشطة والتعلم ، كما أن المعسكرات تشبع عدة حاجات لدى الشباب كالحاجات الروحية والاجتماعية والجسدية والنفسية .

أما الحاجات الروحية فإن إقامة الصلوات الخمس بأوقاتها جماعة في المعسكر ، بالإضافة إلى التهجد قبل الفجر ، وصلاة القيام في جوف الليل ، وتلاوة القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النهار ، وصوم التطوع والإفطار الجماعي ، والأذكار في اليوم والليلة وما شابه ذلك ، هذه الوسائل تشبع الحاجات الروحية المتفجرة عند الشاب .

وأما الحاجات الاجتماعية فإن توفير الأقران المشابهين في المعسكر ، بالإضافة إلى تحمل المسؤولية عندما تسند المهمات إلى الأفراد المشاركين في المعسكر ، والعيش المشترك مع الآخرين وما شابه ذلك ، هذه الوسائل تشبع الحاجات الاجتماعية المتفجرة عند المراهق .

وأما الحاجات الجسدية فإن دروس التربية البدنية ، والسباحة والجري ، والمشي لمسافات طويلة ، ودروس النظام المنظم ( الطابور ) ، هذه الوسائل تشبع حاجات الجسد إلى الحركة والنمو ، وصرف الطاقة الفائضة .

وأما الحاجات النفسية فإن شعور الشاب بأنه رجل يعيش في المعسكر ، ويتدرب على القتال من أجل الجهاد في سبيل الله ، والتعود على المفاجآت وما شابه ذلك ، هذه الوسائل تشبع الحاجات النفسية عند المراهق .

وعندما تخصص بعض الساعات اليومية في المعسكر لخدمة البيئة ، كتعبيد طريق ، أو بناء المدارس والمشافي ، أو بناء السدود ، أو استصلاح الأراضي ... الخ . فإن الفتيان يشعرون بأهمية عملهم ومكانتهم في المجتمع ، وهذا يشبع دافع توكيد الذات لدى الشباب ، كما يجعلهم يتحملون مسئوليتهم في المجتمع .


أنواع المعسكرات :

تختلف المعسكرات بحسب الهدف الرئيسي الذي تركز عليه ، والذي يترتب عليه عدد المشاركين فيها ، وأعمارهم ، والمدة التي يقضونها في المعسكر ، وبناء على ذلك نميز الأنواع التالية :

1- معسكرات التعارف :

وتهدف إلى جمع فئة من المسلمين ، لتوطيد العلاقات الأخوية بينهم ، وتنمية أواصر التعاون والعمل الجماعي بينهم ، كالشورى والطاعة وغيرهما . وتنقسم معسكرات التعارف إلى :

أ- معسكر عام : يجمع عدداً كبيراً من المسلمين ، ويهدف إلى الدعوة إلى الإسلام ، وتعريف الناس به ، وحثهم على طاعة الله والالتزام بشريعته .

ب- معسكر خاص : يجمع أفراداً معينين كالطلاب أو المدرسين أو أعضاء جماعة او جمعية معينة ، وفي هذا المعسكر نجد تقارباً وتسابهاً بين الأفراد المشاركين ، ويهدف هذا المعسكر إلى شرح قضايا معينة ، والتداول في بعض الأمور من أجل تكوين موقف مشترك حولها .

ج- معسكر قيادي : يجتمع فيه قياديون من منطقة واحدة ، أو من مناطق متعددة ، لتوجيههم في مجالات عملهم عن طريق القادة الكبار ، وتقوية صلاتهم بقيادة جماعتهم غرساً للثقة ، ودعماً للحب في الله ، والتدرب على أدب الجندية ، وأدب القيادة والتعامل مع الجنود ، بالإضافة لمناقشة القضايا المصيرية ، والأسباب الملائمة للوصول إلى الأهداف المنشودة .

د- معسكر قطري : يجتمع فيه مشاركون من عدة أقطار إسلامية ، على مستوى القيادات ، لتدارس شئون الدعوة الإسلامية ، والتعرف على طبيعة العمل الإسلامي فيها ، كما يتبادلون الآراء في تحديد إطارات التعاون بين المسلمين في قطر ما والمسلمين في قطر آخر .

2- معسكرات التربية :

ومن أهداف هذه المعسكرات :

أ- صبغ حياة الفرد بصبغة إسلامية خالية من الشوائب على مدى اليوم كله ، ليله ونهاره ، لفترة تشمل على عدد من الأيام أو الأسابيع ، ليتشرب السلوكيات الإسلامية والآداب القرآنية ، وفق منهج خاص تعده إدارة المعسكر وتتابع تنفيذه بدقة .

ب- تعويد المشاركين في المعسكر على ممارسة الحياة العسكرية الخشنة ، دعماً لفكرة الجهاد في سبيل الله ، وما يتطلبه من إعداد في البدن والنفس والعقل والدين .

ج- تعويد المشاركين في المعسكر على النظام الدقيق والصبر على المتاعب والمشقات ، والالتزام بكل أنظمة المعسكر ، والتعاون والمشاركة الايجابية في أعمال المعسكر .

د- عقد دراسات مكثفة طوال فترة المعسكر تتناول القضايا الهامة للمسلمين ، مثل الدعوة الإسلامية ، الجهاد في سبيل الله ، الإمامة والبيعة ... الخ ، وتتناول أيضاً التيارات المعادية للإسلام مثل الصهيونية والاستعمار والعلمانية والجاهلية .. الخ

3- معسكرات التدريب :

وتهدف هذه المعسكرات إلى تدريب المشاركين على الجندية ، كالنظام والدقة والصبر والطاعة ، والثقة في القيادة ، والتعاون والأخوة ، والتدرب على تحمل المسئوليات في المعسكر ، والتعرف على أعباء المسئولية وواجباتها ، مع تبادل المواقع بالنسبة لهؤلاء القادة ، حتى يتمرس كل منهم على أكثر من عمل ، ليكوّن الخبرة الكافية التي تتطلبها ظروف العمل الإسلامي ، ويمكن إيجاز هذه الأهداف بما يلي :

أ- التدريب على ممارسة الجندية .

ب- التدريب على تحمل المسئوليات وتكوين القادة .

ج- التدريب على إعداد المعسكرات وقيادتها .

د- التدريب على التفرغ الكلي للدعوة لمدة محددة .

هـ - التدريب على الحراسة والأمن والدفاع المدني .

و- التدريب على التكتم والسرية .

ز- التدريب على القتال ، وأسلحة القتال .


4- معسكرات إنتاجية :

تهدف إلى تقديم خدمات للمجتمع ، كأن يساهم المشاركون في المعسكر في مد الطريق ، أو بناء السدود ، أو المدارس والمشافي والمرافق العامة في المجتمع .

وتحاول سوريا تنفيذ بعض هذه المعسكرات الانتاجية مع طلاب المرحلة الثانوية ، حيث يحضر الطالب في معسكر واحد للمرحلة الثانوية مدته شهر واحد ، يقضي جزءاً كبيراً في تنفيذ مشروع إنتاجي .

ومما يجدر ذكره أن معظم المعسكرات تحاول تحقيق الأهداف السابقة المذكورة كلها أو معظمها ، كالتجميع والتربية والتدريب والانتاج ، إلا أن كل معسكر يركز على أحد هذه الأهداف ، مع الاهتمام الجانبي بالأهداف الأخرى .

فالمعسكر الإنتاجي مثلاً ، يقوم على التجميع ويتعارف الأفراد المشاركون فيه ، ويعتادون على الخشونة في المأكل والنوم والمشرب ، وهذه أمور تربوية ، كما أنهم يتدربون على تحمل المسئولية والجندية ، ثم يؤدون عملاً إنتاجياً . وهكذا تحاول المعسكرات تحقيق الأهداف كلها مع التركيز على أحدها .


المعسكر والحاجات الروحية

إن فترة الشباب ( المراهقة ) فترة نمو متسارع شامل للجانب الجسدي والعقلي والروحي ، وقد دأبت الجاهلية على تجاهل الروح ، والتعامل مع الجسد فقط . ( ففي هذه الفترة التي تتفجر فيها شحنة الجنس ، تتفجر شحنة روحية عجيبة ، شفافة صافية مشرقة ... هذه الشحنة الروحية تجنح ببعض الشباب إلى الصوفية ( المتطرفة ) أحياناً ، ما لم يتداركها المربي بالتوجيه الصحيح ، كما تأخذ صورة مثل عليا شاملة ، ... وهنا الفرصة الذهبية للمربي الحكيم أن ينتهز فرصة انطلاق هذه الشحنة الروحية الهائلة ليعيد تشكيل النفس إن فاته ذلك في الطفولة ، أو يثبت هذا الكيان في طريقه السليم ، ... وإن هذه العاطفة الدينية تأتي في موعدها المناسب ، مع بدء التكليف الرباني – قال تعالى : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ... } الآية . لتصل القلب بالله ن وتربطه برباطي الحب والتقوى .. والمربي السليم يوثق هذه المشاعر وينميها بقيام الفتى والفتاة بشعائر العبادة ، وتأدية النوافل ، وقراءة القرآن ، والعيش في ظله ، والحديث المستفيض عن الرسول صلى الله عليه وسلم والجماعة المسلمة الأولى ن وذكر نماذج حية من البطولات الإسلامية فهذه فترة الإعجاب الشديد بالبطولة ، والرغبة في الاقتداء بها ... كما يشبع المربي المسلم النزعة المتسامية إلى المثل العليا ، بالمثل الإنسانية الشاملة ( كالأخوة في الإسلام ، والجهاد في سبيل الله ، والتقوى ... الخ ) ثم يتعدى الفتى البلوغ ، وتتعمق فيه اليقظة الروحية ، وخاصة عندما تجد من يرعاها في مرحلة ما قبل البلوغ في الطفولة .

هذه الفترة – بعد البلوغ – ( إنها فترة تدين وبحث في أمور الدين ) . ويتعرض بعض الشباب – بغير توجيه سليم – إلى الشك الفلسفي لأن الجانب الروحي متفتح ونشط ، ولا يجد الزاد الصحيح فيضطرب ويكون القلق هو العارض الدال على ذلك ... وإن هذا التفتح الروحي – في حالته السوية – يحدث صلة عميقة جداً بالله ، ثم بالكون والحياة والأحياء ، تظهر في التفكر والذكر والعبادة والرغبة القوية في التقرب إلى الله بالنوافل وبصالح المشاعر وصالح الأعمال ... والجاهلية المعاصرة – وحدها تقريباً في تاريخ الجاهليات – هي التي تعمل جاهدة على طمس طاقة الروح وتجريد الإنسان منها ... وهي درجة من الانحراف نحسبها فريدة في تاريخ البشرية ... والإسلام دين الفطرة ، جاء ليبين لها مسارها الصحيح ، لأن فاطر هذه الفطرة هو الذي نزل هذا الدين ، وكل ما عرضناه من سمات هذه الفترة فإن له توجيهه المناسب في المنهج الرباني ، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشأ في طاعة الله ... الحديث )) .

وانظر إلى الشباب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد التابعين كيف كانوا ... بل انظر إلى شباب المسلمين في قرون متطاولة من التاريخ ... ثم انظر إلى شباب الجاهلية المعاصرة الممسوخ المشوه الكيان .

تنمية الروح في المعسكر :

سبق أن قدم الباحث مقاطع من منهج التربية الإسلامية للشيخ محمد قطب ، بين فيها أن التفجر الروحي في المراهقة يرافق التفجر الجسدي ويوازيه ، فكيف يشبع المعسكر هذا التفجر الروحي :

1- تقام الصلوات الخمس في أوقاتها ، مع الجماعة والصلاة صلة العبد بربه ، وصلة للروح بخالقها ، وهكذا تنمو الروح وتشب ... ويشجع الفتيان على الصلاة النافلة مثل صلاة الضحى ، وقيام الليل ، والتهجد قبيل الفجر ، وأفضل وسائل ذلك القدوة الحسنة من المربين القادة في المعسكر، والشباب المسلم الواعي الذي يقتدي به الآخرون ، والمصلون الخاشعون تتصل أرواحهم بخالقها ، لذا لا يشعرون بما حولهم ، ولا يحسون بالألم في أجسادهم ، ويحصل ذلك عندما تسمو الروح وتشرق فتسيطر على الجسد ، ويضمحل الجسد حتى كأنه يتلاشى فلا يحس به صاحبه ، ( عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً وقال : من يكلؤنا ليلتنا هذه ؟ فانتدب رجل من المهاجرين وآخر من الأنصار ، فقال الأنصاري للمهاجري : أي الليل تحب أن أكفيكه أوله أم آخره ؟ قال : بل تكفيني أوله فاضطجع المهاجري فنام وقام الأنصاري يصلي ، فأتى الرجل العدو فرماه بسهم ، فنزعه ولم يقطع صلاته ، ورماه الرجل بسهم ثان فنزعه وثالث قنزعه وثالث فنزعه ثم ركع وسجد وأيقظ صاحبه ( المهاجري ) فهرب الرجل ، فلما رأى المهاجري دماء الأنصاري قال : سبحان الله ، أفلا أيقظتني أول ما رماك ؟ قال : كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفدها ، وأيم الله لولا أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطع السورة ) .

وصلاة الصحابي هذه من صلاة القيام في الليل التي تصقل الروح وتنميها .

2- صوم التطوع ، كصوم الاثنين والخميس ، والأيام البيض من الشهر ، مع استمرار العمل ببرنامج المعسكر أثناء الصوم ، وقد يشجع جميع المشاركين على الصوم ، ويعود ذلك إلى نوعية هؤلاء المشاركين ويرى الباحث أن يدرب الشباب على الصوم مع العمل ، وعدم تعطيل العمل بسبب الصوم .

3- تلاوة القرآن الكريم : بحيث تخصص أوقات متعددة في الليل والنهار ، منها قبيل الفجر بعد صلاة التهجد ، وبعد صلاة الصبح وحتى شروق الشمس وموعد صلاة الضحى ، ومنها بعد المغرب ةلمدة عشر دقائق أو ربع ساعة ، ومنها قبيل النوم ... على أن تكون التلاوة داخل الأسر ، بحيث يتلو أحدهم ويسمع الآخرون ، ويشرف أمير الأسرة على التلاوة . روي عن علي كرم الله وجهه مرفوعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف القرآن الكريم فقال : (( وهو حبل الله المتين ، ونوره المبين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم ... )) . وقال تعالى : { فاذكروني أذكركم } ، وأفضل الذكر تلاوة القرآن ، فالقرآن كلام الله سبحانه وتعالى ، قال عنه تعالى : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتذكرون } ( الحشر،21 ) . وهكذا فالمواظبة على تلاوة القرآن الكريم تسهم في تغذية الروح ، فتنمو نمواً سليماً لأنها عند التلاوة الصحيحة المتدبرة تتصل بخالقها سبحانه وتعالى ، وهذا هو سبب نموها وصلاحها .

4- دروس السيرة وحياة الصحابة : والمواعظ التي يقدمها الطلاب أو الدعاة الزائرون للمعسكر ، وفي هذه الدروس عبر وعظات تشحذ الأرواح وتنميها .

5- الأذكار : يقول النووي رحمه الله تعالى : قال تعالى العظيم : { فاذكروني أذكركم} . وقال تعالى ك { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } ( الذاريات : 56) ، فعلم بهذا أن من أفضل حال العبد حال ذكره رب العالمين ، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد جمع النووي رحمه الله تعالى أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمل اليوم والليلة والدعوات والمناسبات وغيرها ، جمعها النووي من الكتب الخمسة ( البخاري ، مسلم ، أبي داود ، الترمذي ، النساني ) رحمهم الله تعالى .

ويشجع أعضاء المعسكر على الأذكار بعدة وسائل منها : إذاعة المعسكر التي تذكر بالذكر اللازم في حينه ، فعند الصباح مثلاً تقول إذاعة المعسكر : عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من صلى الفجر في جماعة ، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس ، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة )) .

ثم تقول إذاعة المعسكر : عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من قال دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ، عشر مرات كتب له عشر حسنات ، ومحي عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه ، وحرز من الشيطان ... الحديث)).

6- الأناشيد : ومن وسائل صقل الروح وتربيتها سماع الأناشيد ، لأنها توافق خطاً فطر عليه الإنسان ، ومن الأناشيد ما يناسب الطفل أو الشاب أو المرأة وهي ثيرة ، ومتوفرة في أيامنا هذه على أشرطة مسجلة ، ويرى بعض العلماء أن النفس إذا عرض عليها الحق بقالب تستريح إليه ، فإن قبولها للحق يكون أجود ، ومن الضروري الاحتراز إلى ما ينشد بحيث لا يخرج عن ما يرضاه الشرع ، وأن يكون كالدواء في حدود ضيقة ، منها المناسبات الإسلامية .


المعسكر والحاجات الاجتماعية

تمهيد :

يتكون الطلاب في المعسكر من أقران متقاربين في العمر ؛ ومتشابهين في كثير من الصفات ، فقد يكون المعسكر لطلاب المرحلة المتوسطة مع طلاب الثانويات ، لأن طلاب الثانوية يحجمون عن الاشتراك في مثل هذا المعسكر ، وينظرون إليه على أنه مخيم للصغار ، وليس معسكراً للكبار أمثالهم . أما طلاب الجامعات مع المتقدمين في المرحلة الثانوية فلا بأس باجتماعهم معاً ، على أن يكون طلاب الجامعات منتقين بحرص ليكونوا قدوة حسنة في سلوكهم ، وليساهموا في إدارة المعسكر ، والتدريب والتوجيه .

المعسكر والأقران :

في مرحلة الشباب يلاحظ الميل إلى الزعامة ، ويعمل المراهق على التحلي بخصائص الزعامة ، التي تجعل أقرانه يختارونه كقائد لهم ، كما يظهر الميل إلى الابتعاد عن المنزل مؤقتاً والاهتمام بجماعات أخرى .

كما يظهر الشعور بالمسئولية الاجتماعية ، والتعاون مع الزملاء ، والتشاور معهم ، واحترام آرائهم والمحافظة على سمعة الجماعة ، وبذل الجهد في سبيلهم واحترام الواجبات الاجتماعية .

وتفيد المعسكرات فائدة كبيرة بالنسبة للنمو الاجتماعي للمراهق ، وقد وجد ( كولودني ) وآخرون (1960 م ) أن المعسكرات مفيدة في علاج المراهقين المضطربين سلوكياً بشرط تنظيم الجماعات والقيادة فيها ، وإتاحة الفرصة للنمو الاجتماعي والانفعالي السوي الموجه الهادف .

ويراعى السن إلى درجة كبيرة عند تشكيل أسر المعسكر ، كما تراعى حرية الاختيار ، ويراعى كذلك عدد الأسرة بحيث لا يزيد على عشرة في جميعؤ الحالات .

وتعيش الأسرة في خيمة واحدة ، وتقضي وقتاً للعمل كأسرة ، كما في تلاوة القرآن اليومية في المسجد ، وكذلك عند تناول الطعام ن وأثناء الأنشطة الحرة .

وعندما يجد الفتى نفسه بين عشرات ، وربما مئات الفتيان من أقرانه ، فإنه ينتقي أفراد شلته من بينهم ، كما أنه يتفاعل معهم فيكتسب منهم بعض سلوكهم ، أضف إلى ذلك أن المعسكرات علاج للعزلة وحب الذات التي تسيطر على بعض الفتيان أحياناً .

المعسكر والانتماء :

ينمو خط (( الغيرية )) عند الشاب ، ويزيد اهتمامه بالآخرين ، ومن هذا الخيط يسعى الشباب إلى الانتماء ، كما تتسارع الجماعات والأحزاب إلى جذب الشباب إليها من هذا الخيط ذاته .

كما أن التنمية الصحيحة لا تتم في كيان فرد منعزل عن الآخرين ، لأنها مبنية أساساً على (( الغيرية )) ، وعلى التعامل مع الغير والترابط والتلاحم والتعاون ، فهي بطبيعتها أمور جماعية ، تحتاج إلى جماعة ، فكيف يتدرب الشاب على الأخوة والتعاون إذا لم يتعامل مع أفراد آخرين !!؟ . وفي المعسكر يعيش الفتى في جماعة ، ويمارس الحياة الجماعية بشكل فعال ومؤثر ، ويتدرب على التعاون والأخوة ، ويشبع حاجته إلى الانتماء ، خاصة عندما تمتد العلاقة بينه وبين أقرانه إلى ما بعد المعسكر .


المعسكر والتربية السياسية :

من أعظم ما يقدمه المعسكر للشباب التربية السياسية ، وهي إعدادهم للعيش في المجتمع المسلم ، وينمي لديهم الشعور الجماعي ، والمفاهيم الجماعية كالشورى والتعاون والطاعة والعدالة والاهتمام بالآخرين .

ويعاني المسلمون اليوم من التخلف السياسي ، لانحرافهم عن شريعة ربهم عزوجل ، وعندما تزدهر الصحوة الإسلامية فإنها ستربي الشباب المسلم تربية إسلامية ، كي تعدم لبناء المجتمع المسلم ، والتربية الإسلامية شاملة ، تشمل التربية الروحية والعسكرية والسياسية بالإضافة للتربية الجسدية والعقلية ... الخ .

قال تعالى في كتابه العزيز : { وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ( المائدة:2) . ( والتعاون يحتاج إلى تربية ، تبدأ منذ الطفولة وتأخذ حيزاً أكبر في فترة الشباب ، ولكن مجالها الأوسع هو فترة الشباب ، لأنها الفترة التي يتجه فيها الشاب من ذاته إلى التكتل والتجمع ، وغرس التعاون يحتاج إلى التركيز على خط الغيرية الذي ينمو من تلقاء نفسه في تلك الفترة ، وضبط الخطوط الأخرى التي تعاكسها كالشعور المتضخم بالذات – الأنانية - ، وحب السيطرة ) . ( وحياة المعسكرات من أنجح وسائل التربية في هذا الشأن ، والشباب يحب المعسكرات بطبيعته ، ولا يمكن أن يظل شاب على جموده أو عزوفه حين يرى الباقين كلهم يقومون بالأعمال المطلوبة منهم في المعسكر ، إنما يخجل من موقفه ويضطر ولو كارهاً في مبدأ الأمر ... حتى يتعود أن يعمل بغير تضجر ، وسيجد الآخرين – وهم زملاء على نفس الدرجة والمستوى – يقدمون له الخدمات فيستحيي أن لا يقدم لهم الخدمات بدوره ، وهكذا يتعود على التعاون ، حتى يصبح سجية فيه ) .

( وحب الرياسة والسيطرة يمكن علاجه بأن يعهد إلى مثل هذا الشاب تحمل المسئولية عندئذ سيشعر أن المسألة ليست هي – العريسة – أو ( المنصب ) ، إنما هي القيام بالمسئولية على وجهها الأكمل الذي لا يعرضه للوم ) .

وهكذا تخرج من نفسه النزعة إلى الرئاسة عنما يجد نفسه عاجزاً عن المهمة .

وسائل التربية السياسية في المعسكر :

1- الوعي السياسي : الذي يقدم للمشاركين في المعسكر بواسطة المحاضرات من الدعاة المسلمين المتخصصين في السياسة ، كالتعرف على أحوال العالم الإسلامي المعاصر ، والحركة الإسلامية المعاصرة ، والأحداث العالمية الهامة .

2- يتدرب المشاركون في المعسكر على الطاعة ، فكل عضو في المعسكر مرؤوس يطيع رئيسه ، ويلتزم بأوامره وتعليماته ، وينفذها حتى لو عارضت رغباته . وهناك تدريبات في المعسكر تهدف إلى التدرب على الطاعة ، كأن يطلب من المشاركين في المعسكر الحضور إلى ساحة المعسكر ليلاً ، بعد النوم بساعة أو ساعتين ، وعندئذ يجد الشاب رغبة قوية في النوم ، ويجد صعوبة كبيرة في مفارقة الفراش ، ولكن (( طاعة )) الأمير أهم من هذه الرغبات لذلك يلبي الشباب الدعوة ويحضرون إلى ساحة المعسكر . كما يطلب منهم تغيير ترتيب الأسرة داخل مهجع النوم ، وبعد ساعات أو يوم واحد يطلب منهم إعادة الترتيب كما كان ، على ألا يبالغ في هذه الأوامر الشكلية .

3- يتدرب المشاركون على الشورى في المعسكر على النحو التالي :

أ- يشكل مجلس شورى للمعسكر يتكون من كبار ضباط المعسكر والمدربين والمدرسين فيه ، وتبرز وسائل الإعلام في المعسكر اجتماعات هذا المجلس وقراراته ، بحيث تظهره كأداة أساسية لقيادة المعسكر .

ب- تشكل لجنة شورية للكتيبة ( يقسم المعسكر إلى كتائب ، والكتيبة إلى سرايا ، والسرية إلى فصائل ، والفصيلة إلى أسر ) . وتظهر وسائل الإعلام في المعسكر اجتماعات اللجان الشورية في الكتائب ، وتبرز دورها وأهميتها في قيادة الكتيبة .

ج- يلعب أمير الأسرة دوراً بارزاً في تدريب أعضاء الأسرة على الشورى ، حيث يشاور أمير الأسرة أعضاءها ، وتتداول الأسرة نشاطاتها الحرة ، والمسابقات التي تنافس بها الأسر الأخرى .

4- وتنمى فضيلة العدالة ، والشعور بالكرامة ، عندما يتساوى جميع أفراد المعسكر من أمراء وأفراد ، في طعامهم ولباسهم ومهاجع نومهم ، وسياراتهم ونواديهم ... ومن الضروري أن يلبس أمير المعسكر اللباس نفسه الذي يلبسه الفرد العادي المشارك في المعسكر ، ويستخدم سيارات المعسكر التي يستخدمها غيره من الضباط والمدربين والطلاب كذلك ، ومع أن الأمراء يحتاجون بعض الميزات ، لكن ينبغي عليهم تحمل المشاق ، والاكتفاء بمساواتهم مع الطلاب في المعسكر ، لأن هذه المساواة ترسخ فكرة العدالة عند الشباب ، وتنزع من أذهانهم فكرة (( الزعيم الفرد )) الذي يحيط نفسه وزبانيته بالميزات والمكاسب التي تجعل الفرق بينهم وبين الشعب شاسعاً جداً .

5- أما الاهتمام بالمسلمين فينمى بإذاعة أنباء العالم الإسلامي كل يوم بإذاعة المعسكر ، ونشر الصور والأخبار عن الأحداث الإسلامية ، وإقامة الندوات والحفلات في هذه المناسبات عن فلسطين وأفغانستان وغيرهما .



المعسكر والحاجات النفسية

النزعة نحو (( الكبر )) من أهم النزعات عند االمراهق ، ومنها كذلك تميز الشباب عن البنات بالخشونة والاعتماد على النفس ، والتحرر من الأسرة ، وحب الطبيعة ، وهذه أهم وسائل النمو النفسي في المعسكر :

1- الخشونة :

يتدرب المشاركون على الخشونة في المأكل والمشرب والملبس ، فالفتى الذي اعتاد على أصناف الأطعمة المصفوفة بعناية على المائدة في غرفة الطعام بالمنزل ، والصحون والملاعق والشوكات والكاسات والمناديل ... الخ مع أصناف الفواكه والمشروبات كل ذلك يلغى ويحل مكانه لون واحد من الطعام كالأرز واللحم مع ( السلاطة ) ، تقدم في إناء واحد للأسرة كلها ، ويتحلق الفتيان حول الإناء على الأرض ، وبعد الفراغ من الطعام يغسلون أواني الطعام ، ويرفعون المخلفات وينظفون الخيمة ، والخيمة هي غرفة النوم وغرفة الطعام والجلوس للأسرة طيلة فترة المعسكر .

وكذلك في النوم ، فقد اعتاد الفتى على السرير الوثير ، ويد والدته تغطيه بعد أن ينام وتقفل النوافذ وترخي الستائر ، أما في المعسكر فينام الفتى على بطانية واحدة أو اثنتين إذا كان الطقس بارداً ، ووسادة متواضعة ، ومكان نومه في الخيمة لا يزيد عن حجمه كثيراً ...

وتعود المسلمون اليوم على الماء المثلج ، والشاي والقهوة ، والمرطبات الباردة والغازية ،حتى صار بعضهم أسيراً لها وخاصة الشاي والقهوة ، وفي المعسكر يقدم الشاي مرة واحدة في اليوم ، ويقدم الماء العادي ( بتبريد قليل في المناطق الحارة ، وبدون تبريد في المناطق المعتدلة ) . ويدرب الشباب على الأكل القليل والشرب القليل والنوم القليل أيضاً ، حتى لا يفوتهم الخير الكثير . لأن ملء البطن مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أن شهوة النوم مرتبطة بشهوة البطن ، وشهوة الفرج ترتبط بهما معاً .

قال تعالى : { كتب عليكم القتال وهو كره لكم ... } ( البقرة : 216 ) ، فالنفس البشرية تكره القتال بفطرتها ، لأنها مدفوعة إلى الحياة ، لكن الإيمان بالجنة وما أعد الله للشهيد فيها ، يجعل المسلم يحب الجهاد في سبيل الله ، ويقدم على القتال ، كما فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومما يساعد المسلم على الجهاد في سبيل الله عزوجل الخشونة في العيش ، والبعد عن الرفاهية ، والمجاهدون الأفغان اليوم نشأوا في خشونة العيش ، وقسوة البيئة ، وقد عمل ذلك كعامل ثانوي إضافة إلى الإيمان وحب الشهادة في سبيل الله عزوجل ، وجعل المجاهدين الأفغان أبطالاً حطموا امبراطورية روسيا الشيوعية .

2- الاعتماد على النفس :

تعود بعض الشباب المسلم المعاصر على الخدم في المنزل ، يقدمون له الطعام والشراب ، ثم يرفعون بقاياه بعد أن يشبع ، وينظفون له غرفته ، ويرتبون له أثاثه وأدواته ، كما أن بعضهم الآخر تدللـه أمه ، وتبالغ في ذلك ، حتى أنها تخدمه وهو شاب يافع ، فتقدم له كل ما يلزمه من الطعام والشراب ، وهو كالسيد على المائدة ، وربما تقوم أخواته بمثل هذه الخدمة في البيت .

أما في المعسكر فيتناوب الفتيان على طبخ الطعام وتوزيعه على الأسر ، وغسل أواني الطعام الجماعية ، والصغيرة أيضاً . كما يقوم الفتيان في الأسرة بتنظيف خيمتهم وتربيتها ، وربما يقوم الفتيان كذلك بنقل الماء وتوزيعه على الأسر ، وبكلمة مختصرة يتعود الشباب على الخدمة الذاتية لأنفسهم . ويتدربون على الاعتماد على النفس في تأمين طعامهم وشرابهم ونومهم .

3- الخروج على المألوف :

ومما يقدمه المعسكر للشباب المسلم الخروج على المألوف في النوم والطعام والشراب ، حتى لا يصبح الشاب المسلم أسيراً لعاداته في هذه الشهوات .

فكثير من المسلمين – اليوم – ينام على سرير خاص ووسادة خاصة ، حتى لو اضطر للنوم على سرير آخر عند السفر ، يقلق ويهرب النوم منه لأنه غير عادته ، ولأنه صار أسيراً لعادته تلك التي لم يغيرها لمدة سنوات . ومن الأفضل للمسلم ألا يعود نفسه على شيء من هذا لا في النوم ولا في الطعام أو الشراب ، والمعسكر وسيلة للتدرب على التحرر من هذه العادات .

وبعض المسلمين لا يستطيع أن يأكل الأرز مثلاً إلا مع اللبن ، أو أن يشرب الشاي بعد الغداء ، وإذا حرم من ذلك ظهرت عليه علامات القلق والاضطراب ، والمعسكر يساعده على التحرر من هذه العادات .

وكثير من الناشئة في زماننا ؛ اعتادوا على المشروبات الغازية ،حتى أصبحت بديلة للماء ، وفي المعسكر يمنع هؤلاء من المشروبات الغازية ، ويقدم لهم الماء ، فيعودون إلى الفطرة .

4- التدرب على المفاجآت :

في اليوم الأول الذي التحق به مجموعة من الشباب لتأدية الخدمة الوطنية ، وباتوا ليلتهم تلك في مركز التدريب الأول ، على أسرة متواضعة ، تختلف عما اعتاده كثير منهم ، لكن السفر بالباصات المزعجة ، ساعدهم على النوم ، وبعد منتصف الليل ، دخل الضابط المناوب إلى مهجعهم ، ثم أطلق بضع عشرة طلقة من المسدس ، فهب الشباب مذعورين ، منهم من هرب من المهجع ، وبعضهم اختبأ تحت السرير ، وآخر صرخ بأصوات عجيبة ، وقليل منهم جاء إلى الضابط يحاول أن يفهم لماذا يطلق عليهم النار ، وأخيراً صاح الضابط : الجميع يحضر الاجتماع أمام المهجع خلال ثلاث دقائق .

وبعد أن اجتمع الشباب تبين لهم أن أحداً لم يمت ، ولم يجرح ، وعرفوا فيما بعد أن تلك الطلقات (( خلبية )) ، ( أي بدون رصاص والغرض منها إحداث الصوت فقط ) ، وعرفوا أن الهدف هو تدريبهم على المفاجآت .

والمفاجئة : تغير سريع في الموقف ، غير متوقع ، وتغير كبير بحيث يصعب على الإنسان العادي التكيف مع الموقف الجديد ، فيصدر عنه سلوك نكوصي كالإغماء أو الصراخ والبكاء ... الخ . وكلما عاش الإنسان حياة هادئة ناعمة رتيبة ، تقل فيها التغيرات كان أثر المفاجئات عليه كبيراً ، لذا من مهمات الدورات العسكرية تعويد العسكريين على التكيف السريع مع المفاجأة .

والحرب – والمسلمون أمة جهاد – سلسلة من المفاجئات ، والمعركة التي تجري كما يتوقع العدو معركة فاشلة سلفاً ، لأن العدو يعد الاحتياطات لما يتوقعه ، وقد خرقت القوات الصهيونية جبهات بعض الدول العربية من أماكن لا يتوقع أحد العبور منها .

ويتدرج المعسكر في المفاجئات ، فقد يأتي الطلاب لاستلام طعام الغداء ، بعد بضعة أيام اعتادوا فيها على ترتيب معين من الطعام ، فيجدوا نوعاً بسيطاً وكمية قليلة من الطعام ، كأن يعطى لكل طالب نصف رغيف من الخبز وسبع تمرات فقط ، ويطلب من الطلاب الاستيقاظ بعد منتصف الليل ،دون إعلامهم بذلك مسبقاً ، ثم تجري أحداث مشابهة للطلقات الخلبية ، والقنبلة الدخانية وغير ذل .


المعسكر والتربية الجسدية

لقد تأثرت أجساد الناشئة في العالم الإسلامي بسبب الرفاهية ، ونعومة العيش ، وتوفر السيارات التي حرمت الشباب من المشي .

ومع أن بعض الشباب يمارس كرة القدم ، التي تنمي أجسادهم بصورة جيدة ، إلا أن المتفرجين والمشجعين أضعاف أضعاف اللاعبين ، وبالتالي لا يمارس الشباب كلهم كرة القدم ، وقد يمارسها بعضهم بدرجة غير كافية ، كما أن الجري مع الكرة ينمي عضلات الرجلين أكثر من باقي العضلات . بينما يحتاج الرجل يديه أكثر من رجليه.

وفي المعسكرات تنمية للجسم من الوجوه التالية :

1- الاعتدال في الأكل والشرب والنوم : مع النوم المبكر والاستيقاظ المبكر ، والابتعاد عن السهر وتناول المنبهات ، ( ومن تأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم وجد أن حفظ الصحة موقوف على حسن تدبير المأكل والمشرب والملبس والسكن والهواء والنوم والحركة ... ) .

2- الرياضة البدنية : فمن الدروس الأساسية في المعسكر التربية البدنية ، إذ تخصص حصة الصباح للجري والتمارين السويدية وألعاب القوى ، وخاصة تمارين اليدين والبطن ، والقفز العالي والقفز الطويل . وفي المساء يلعب الطلاب بالكرات ( القدم – السلة – الطائرة ) .

ويخصص في المعسكرات حصص لركوب الخيل ، لأن ركوب الخيل رياضة شاملة تحرك معظم عضلات الجسم كالجري والسباحة . كما تخصص حصص في المعسكر للسباحة ، ويدرب جميع المشاركين على السباحة واتقانها تحت إشراف المدرب .


كما يدرب الطلاب على ركوب الدراجات العادية ، لأنها رياضة لجميع عضلات الجسم . كما يدرب الطلاب على قيادة الدراجات النارية ، والسيارات بأنواعها الصغيرة والكبيرة، وكل ذلك يدخل تحت مصطلح (( ركوب الخيل )) ، لأن الخيل في أيامنا امتدت إلى السيارات والطائرات والسفن ... الخ . 3- النظام المنظم : هو المشي بالطوابير أثناء الاحتفالات ، وهذا المشي المنظم بنمي عضلات الجسم ، ويعوّد الطلاب على الطاعة والصبر والنظام .

4- المشي الطويل : من برامج المعسكر المشي لمسافات طويلة ، قد تصل إلى خمسين كيلومتراً ، ويحمل الطالب أمتعته الضرورية كالبندقية والجعبة والمطرة .

وكمامة الغاز ولوازم الإسعاف وطعام الطوارئ ... الخ ، والمشي الطويل من الرياضة الجسدية والنفسية ، لأنه يعود على الصبر والثبات ، وينمي عضلات الجسم أيضاً .


المعسكر والتربية العسكرية

التربية العسكرية هي إعداد الناشئة خاصة والأمة عامة للجهاد في سبيل الله عزوجل ، ويتم ذلك من خلال التربية الروحية والنفسية والجسدية والسياسية كما سبق ذكره .

ومن التربية العسكرية التدرب على استخدام السلاح ، والتدرب على القتال في الهجوم والدفاع ، ( وهذا هو المقصود هنا ) مثل :

1- التدرب على السلاح : كالتدرب على البندقية والمسدس والرشاش الخفيف والقاذفات الصاروخية الفردية ، ويتعرف الطلاب عليها ، وعلى فكها وتركيبها وصيانتها ، ثم تخصص دروس للرمي على هذه الأسلحة في حقل الرمي المجهز .

2- التدرب على الهجوم والدفاع ، والقتال في المدن والشوارع ، ويتم ذلك بالاستماع إلى محاضرات نظرية من ضابط متخصص ، ثم يتدرب الطلاب بشكل عملي مبسط.

3- التدرب على أعمال الدفاع المدني كإطفاء الحرائق ، وإسعاف المصابين ، وتضميد الجروح ، ونقل المصابين إلى المراكز الطبية . والتدرب على الإخلاء ، والدخول إلى الملاجئ وارتداء الأقنعة الواقية من الغازات ، وتمويه الأنوار عن المراقبة الجوية .

4- تقد للطلاب محاضرات تعرفهم بما يلي :

أ- الوحدات الرئيسية للجيش : كالمشاة والدبابات ، والوحدات الجوية والبحرية ، والدفاع الجوي والاستطلاع ، والوحدات الخاصة ، والحرس الوطني ، والوحدات الإدارية والطبية ... الخ .

ب- فكرة عامة مبسطة عن أسلحة التدمير الشامل ، والوقاية منها ، ومساعدة المواطنين للوقاية منها . ج- بعض المعارك الإسلامية والعالمية الهامة مثل : بدر ، أحد ، حنين ، اليرموك ، القادسية ، حطين ، عين جالوت ، الزلاقة ، معركة القناة ( 73) ، بعض معارك المجاهدين الأفغان ، معركة العلمين ، معركة هارل بور ، ... الخ . وتقدم محاضرات عامة عن بعض هذه المعارك ، يركز فيها على أسباب النصر أو الهزيمة ، وخطة المعركة ، ودور المقاتلين فيها .

برامج المعسكر

تختلف المعسكرات باختلاف الطلاب المشاركين فيها ، ويمكن تمييز الأنواع الثلاثة التالية :

1- معسكر المرحلة المتوسطة .

2- معسكر المرحلة الثانوية .

3- معسكر الجامعات .

ونقصد بالمعسكر هنا : تجمع هؤلاء الشباب خارج العمران ، وإقامتهم الدائمة في المعسكر ن وبذلك تميز عن المراكز الصيفية التي يواظب فيها الطالب على برامجها النهارية خلال بضع ساعات ، ثم يبيت عند أسرته مع أمه وأبيه .

1- معسكر المرحلة المتوسطة :

وتتراوح مدته من أسبوع إلى أسبوعين ، خلال العطلة الصيفية ، وهذا برنامج يومي مقترح لهذا المعسكر :

التوقيت : العمل :

00 ر4 صباحاً الاستيقاظ قبل الفجر بساعة على الأقل ، ثم الوضوء ..... وصلاة التهجد ، وتلاوة القرآن الكريم في الأسر .

00ر5 - 30ر5 صلاة الصبح جماعة في مسجد المعسكر ، أو مسجد .......... الكتيبة ، إذا كان المعسكر كبيراً .

30ر5 - 30ر6 جري ، وتمارين سويدية .

30ر6 - 00ر7 التدرب على ارتداء اللباس العسكري ، وخلعه ، ........ وارتداء أجهزة الةقاية من أسلحة التدمير الشامل .

00ر7 – 00ر8 أسلحة فردية ، فك وتركيب وصيانة .

00ر8 – 30ر8 صلاة الضحى ، ثم الإفطار .

30ر8 – 30ر9 محاضرة في السيرة النبوية أو العقيدة أو الفقه ........... بالتناوب .

30ر9 – 30ر10 نظام منضم ( طابور ) ، أو سباحة .

30ر10 – 30ر11 الجماعة في الهجوم ( تدريب عملي ) .

30ر11 – 00ر1 خدمة البيئة ( * 00ر1 – 30ر1 صلاة الظهر.

30ر1 – 00ر2 طعام الغداء * 00ر2 – 30ر2 شاي ونشاط حر.

30ر2 – 30ر3 قيلولة إجبارية *30ر3 – 15ر4 محاضرة عسكرية.

15ر4 – 45ر4 صلاة العصر* 45ر4 – 00ر6 مسابقات بين الأسر.

00ر6 – 15ر7 درس لأحد الدعاة الزائرين * 15ر7 – 30ر7 صلاة المغرب .

30ر7 – 30ر8 تنظيف الخيام والساحات * 30ر8 – 00ر9 طعام العشاء .

00ر9 – 30ر9 صلاة العشاء * 30ر9 – 00ر10 تفقد ثم نوم إجباري .

وينبغي أن تشمل خطة المعسكر على المتطلبات التالية :

1- توزيع الطلاب على أسر ( 5- 10 ) أعضاء ، مع السماح للمشاركين ببعض الحرية في الانتقاء .

2- التلاوة آناء الليل وأطراف النهار ، وإتقان التلاوة وتعلم أحكامها .

3- يطبع البرنامج اليومي ويوزع على جميع المشاركين ، كي يحاول كل فرد على أن يكون مسؤولاً عن تطبيق البرنامج .

4- التدرب على الأسلحة الفردية ، والهجوم والدفاع على مستوى الجماعة (الأسرة) ، والوقاية من أسلحة التدمير الشامل .

5- الرياضة البدنية وتشمل الجري والتمارين السويدية والكرات والسباحة .

6- مفاجئات أثناء النوم ، كالإيقاظ المفاجئ ، واستدعاء الطلاب إلى اجتماع عام مفاجئ ... الخ .

7- دروس فس العقيدة والفقه والسيرة والتاريخ الإسلامي والدعوة .

8- دروس عسكرية عن القتال والهجوم والوقاية من أسلحة التدمير الشامل .

9- الاستيقاظ قبل الفجر ، والقيلولة الإجبارية ، والنوم الإجباري بعد صلاة العشاء ، بهدف التدرب على اليوم الإسلامي .

10- مسابقات ثقافية بين الأسر ، ومسابقات رياضية كذلك .

11- عمل انتاجي يقدمه المشاركون لصالح البيئة التي عسكروا فيها ، بالتفاهم مع السلطات المحلية .

12- الخدمة الذاتية في المعسكر ، كأن يقوم الطلاب بالطبخ وإعداد الطعام ، وتنظيف المعسكر ... الخ .

13- صوم الاثنين أو الخميس أثناء المعسكر .


معسكر المرحلة الثانوية :

ويمتد من ثلاثة أسابيع وحتى سنة ، خلال العطلة الصيفية في أماكن بعيدة عن المدن ، وهذا برنامج يومي مقترح لهذا المعسكر :

التوقيت : العمل :

00ر4 صباحاً الاستيقاظ قبل الفجر بساعة على الأقل ، ثم الوضوء ............... وصلاة التهجد فردياً ، وتلاوة القرآن الكريم في الأسر .

00ر5 – 30ر5 صلاة الصبح جماعة في مسجد المعسكر ، أو مسجد ................................ الكتائب ، إذا كان المعسكر كبيراً .

30ر5 – 15ر6 جري ، وتمارين سويدية ، وألعاب قوى .

15ر6 – 15ر7 أسلحة فردية أو جماعية ( ) ، فك وتركيب وصيانة .

15ر7 – 30ر8 محاضرة في الثقافة الإسلامية لأحد الدعاة الزائرين .................... ( السيرة ، علوم القرآن ، علوم الحديث ... الخ ) .

30ر8 – 00ر9 صلاة الضحى ، ثم الإفطار * 00ر9 – 00ر11 خدمة البيئة

00ر11 – 30ر12 تدريبات عملية على القتال كالهجوم والدفاع ، والكمين ........... والغارة والانسحاب ، والقتال في المدن أو الصحاري...الخ.

30ر12 – 30ر1 صلاة الظهر فطعام الغداء * 30ر1 – 00ر2 شاي ونشاط حر

00ر2 – 00ر3 قيلولة إجبارية * 00ر3 – 15ر4 محاضرة عسكرية

15ر4 – 45ر4 صلاة العصر * 45ر4 – 00ر6 مسابقات للسرايا والكتائب

00ر6 – 15ر7 درس في الثقافة الإسلامية * 15ر7 – 30ر7 صلاة المغرب .

30ر7 – 45ر7 تلاوة فردية داخل المسجد * 45ر7 – 45ر8 تنظيف المعسكر.

45ر8 – 00ر9 طعام العشاء * 00ر9 – 30ر9 صلاة العشاء .

30ر9 – 00ر10 التفقد في المهاجع ثم النوم .

وينبغي أن تشمل خطة المعسكر في المرحلة الثانوية على المتطلبات التالية :

1- تلاوة القرآن داخل الأسر ، وإتقان التلاوة بحيث يعلم الطلاب بعضهم فردياً .

2- توزيع البرنامج على المشاركين ليتسابق المشاركون إلى تنفيذ البرنامج .

3- التدرب على الأسلحة الفردية مثل : البندقية والمسدس والرشاش والرمانات اليدوية ، والأسلحة الجماعية مثل القاذفات الصاروخية والهاون ، والمدافع الصغيرة والمتوسطة ، ويشمل التدريب الفك والتركيب والصيانة ، ثم الرمي عليها في الحقل المصغر ، ثم الرمي عليها بالذخيرة الحية في الحقل المجهز باحتياطات الأمن اللازمة .

4- التدريب على عمليات القتال كالهجوم والدفاع والكمين والغارة ... الخ ، على مستوى السرية والفصيلة والجماعة .

5- مفاجئات كالاستدعاء أثناء النوم ، أو تفجير قنبلة دخانية في المهاجع أو أثناء الطعام أو الحفلات ... الخ .

6- دروس في الثقافة الإسلامية تشمل فقه السيرة وعلوم القرآن ، وعلوم الحديث ، وأصول الفقه ، والفقه ، والعقيدة ، والنحو والصرف ، والتفسير ، والعلوم الإنسانية ، كالإعلام ، والتربية السياسية وعلم الاقتصاد ... الخ .

على أن تقدم من هذ العلوم جرعات تشجع الطلاب على متابعتها لوحدهم فيما بعد ، بعد أن يملكوا مفاتيحها .

7- دروس عسكرية عن الهجوم ، والروح المعنوية ، والجهاد في سبيل الله .

8- الاستيقاط قبل الفجر ، والقيلولة الإجبارية ، والنوم بعد صلاة العشاء .

9- مسابقات منوعة بين الكتائب والسرايا .

10- عمل إنتاجي يقدمه المشاركون لصالح البيئة ، بالتفاهم مع البلديات .

11- الخدمة الذاتية في المعسكر ، كالطبخ وتوزيع الطعام ، وتنظيف المطبخ وسائر مرافق المعسكر .

12- مؤتمرات على مستوى الأسرة ، والفصيلة والسرية ، الكتيبة ، ثم المعسكر ، تهدف إلى التدرب على الشورى ، وتقييم مستمر للمعسكر ، والاتفاق على الايجابيات والسلبيات ، ليكون الجميع مشاركين في إدارة المعسكر .

13- توزيع المكافآت على المتفوقين في نهاية المعسكر .

3- معسكر الجامعات :

لا يختلف معسكر الجامعات في مدته عن معسكر المرحلة الثانوية ، بل قد تقصر مدته عن ستة أسابيع ، لكثرة مشاغل الطالب الجامعي .

وهذه أهم المتطلبات التي يحتاجها المعسكر الجامعي ، ولا يحتاجها معسكر المرحلة الثانوية : 1- يضم المعسكر الجامعي مكتبة ، فيها الكتب الضرورية في الثقافة الإسلامية ، والسياسية والعسكرية ، والدعوية . ليتمكن الطلاب من الرجوع إليها وإعداد دروسهم التي سيقدمونها لزملائهم بدلاً من المدرسين .

2- تسند بعض الدروس النظرية والعملية للطلاب الجامعيين المتفوقين الذين سبق لهم المشاركة في معسكرات سابقة ، تحت إشراف قائد الكتيبة .

3- يقدم الطالب بحوثاً عن المعارك الكبرى ( بدر ، القادسية ، العلمين ... الخ ) ، ويلقونها على شكل محاضرات ثقافية على زملائهم .

4- يدعى إلى المعسكرات الجامعية طلاب من عدة أقطار ، بهدف التعارف والتعاون بين الشباب المسلم ، ويدعى إليها كذلك الدعاة المسلمون من عدة أقطار ، للاستفادة من خبراتهم في الدعوة ، ويدعى إليها القادة الحركيون في العمل الإسلامي ، للتعرف على مسيرة الصحوة الإسلامية المعاصرة .

5- الإكثار من الصوم أثناء المعسكر ، وقيام الليل بصلا ة جماعية .

6- يوجه الطلاب إلى التخصصات العسكرية المتناسبة مع تخصصاتهم الجامعية ، ويتدربون عليها .

إذاعة المعسكر

الإذاعة ضرورية للمعسكر ، ويقدم من خلالها الأذان للصلاة ، وتبث منها تعليمات المعسكر وفق البرنامج المحدد ، كأن ينادي على الطلاب كلهم أو بعضهم للحضور إلى ساحة الاجتماع العام ، أو مقابلة أحد الإداريين أو لمقابلة زائر عند الباب الرئيسي مثلاً وغير ذلك .

كما تقدم فيها برامج ثقافية في الأوقات المناسبة ومنها :

أ- عند الاجتماع الصباحي : حيث تتلى آيات من القرآن الكريم ، ثم يقرأ أحدهم حديثاً شريفاً ، وربما تقدم موعظة على شكل حكمة مدتها لا تزيد عن ثلاث دقائق .

وتستخدم إدارة المعسكر إذاعة الصباح في شرح برنامج اليوم وما طرأ عليه من تعديلات إن وجدت . ب- عند طعام الفطور أي من ( 15ر8 – 30ر8 ) ويقدم خلاله برنامج ثقافي مع الأناشيد .


ج- عند طعام الغداء ( 30ر1 – 30ر2 ) ، ويقدم خلاله أكثر من برنامج ثقافي وفكاهي ،مع الأناشيد . وقد تمتد فترة البث أثناء القيلولة ، بأناشيد هادئة لا تقلق الطلاب في نومهم . خاتمة : وهكذا يتضح مدى الطاقة التي يصرفها الفتى في المعسكر ، كما يتبين أهمية البيئة الصالحة التي نضع الفتى ضمنها في المعسكر ليختار أقرانه منها ، بالإضافة إلى العمل المنتج الذي يقدمه الطلاب للبيئة ، وهكذا يستفاد من طاقة الشباب لصالح البلد ، بدلاً من أن تعقدهم وتجعلهم يقلقون أو يضطربون .

والمعسكرات صفة أساسية للشباب المسلم ، فالشاب الذي لم يشارك في المعسكرات تنقصه خبرات اجتماعية كثيرة ، وتضمر لديه النزعة الاجتماعية الضرورية للفرد المسلم في المجتمع المسلم . ويمكن إجمال أهداف المعسكرات للشباب المسلم بما يلي:

1- صرف الطاقة الفائضة لدى الشباب ، وقد مر معنا أن المراهقة ( القلق والاضطراب ) سببها الطاقة المعطلة .

2- إشباع حاجات الشباب الروحية والنفسية والاجتماعية .

3- توفر المعسكرات بيئة صالحة للشاب ، كي ينتقي منها أفراد ( شلته ) ويكون معهم (( مجموعة الأقران )) .

4- تعد الشباب المسلم إعداداً سياسياً وعسكرياً ، والشباب المسلم بحاجة ماسة إلى ذلك ، ليذود عن مقدسات أمته ويجاهد في سبيل الله عزوجل .

الفصل السادس : نماذج من الشباب المسلم

كان الفتيان أيام الصحابة رضوان الله عليهم ، وأيام التابعين كذلك ، يتسابقون إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل ، ولم يكن لديهم قلق ، ولا اضطراب ، ولا فراغ أو تمرد على الكبار ، والأمثلة كثيرة جداً وسينقل الباحث بعضاً منها :

1- عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه :

أخو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما ، أسلم قديماً ، ويقول عنه سعد رضي الله عنه : رأيت أخي عميراً ، قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، يتوارى فقلت : مالك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني ، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة . قال سعد : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستصغره فرده ، فبكى فأجازه ، فكان سعد يقول : كنت أعقد حمائل سيفه من صغره ، أي أن قامته قصيرة لذلك يعقد حمائل السيف كي لا يلامس الأرض عندما يمشي عمير رضي الله عنه( ) .

وعندما نشبت معركة بدر الكبرى ، استشهد عمير رضي الله عنه ، قتله أحد فرسان قريش وصناديدها وهو عمرو بن عبد ود العامري الذي قتله علي رضي الله عنه يوم الخندق . وعندما يستشهد عمير على يد فارس من قريش يعني ذلك أن عميراً رضي الله عنه كان في مقدمة الصف يصول ويجول ، حتى اهتم به ذلك الفارس الصنديد فعرج عليه فقتله .

2- سمرة بن جندب الفزاري رضي الله عنه :

قدمت به أمه بعد موت أبيه ، فتزوجها رجل من الأنصار ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض غلمان الأنصار ، فمر به غلام فأجازه ، فمر عليه سمرة فرده فقال سمرة : لقد أجزت هذا ورددتني ولو صارعته لصرعته ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فدونكه فصارعه ، فصرعه سمرة فأجازه . فلما استعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش يوم أحد كان رافع وسمرة رضي الله عنهما ، وغيرهما من فتيان الصحابة يمشون على روزس أصابعهم ، ليظهروا طوالاً فلا يردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورد الرسول صلى الله عليه وسلك رافعاً ،ثم قيل له : إن رافعاً رامي ماهر فأجازه ، وكان قد رد رسول الله صلى الله عليه وسلم سمرة ، فبكى سمرة وقال لقد أجزت هذا ورددتني ، ولو صارعته لصرعته ، كما سبق ، فتصارعا فصرع سمرة رافعاً ، فأجازهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورد ورسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد ، وعبدالله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، والبارء بن عازب ، وعمرو بن حزم ، وأسيد بن ظهير ، ردهم يوم أحد لأنهم صغار دون البلوغ ، وأجازهم يوم الخندق وهم أبناء خمس عشرة سنة ونلمح تسابق الفتيان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واعتبار أبناء الخامسة عشر رجالاً راشدين ، يحملون السلاح ليذودوا عن حمى العقيدة ووطن العقيدة ، وهذه أشرف أمانة يقوم بها المسلم .

3- أنس بن مالك رضي الله عنه:

طفل يدرج في العاشرة من عمره ، مهمته الأساسية خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول أنس :

( أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان ، فسلم علينا ، فبعثني في حاجته ، فأبطأت على أمي ، فلما جئت قالت : ما حبسك ؟ قلت : كنت في حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : ما حاجته ؟ قلت : إنها سر ، قالت : لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ... ) . ( وصار أنس شيخاً كبيراً ، يقص على أحد تلاميذه ذكرى من ذكريات طفولته ، وقد تحلق حوله تلامذته الشباب بالبصرة ، وعلى رأسهم ثابت فيقول له : والله لو حدثت به أحداً لحدثتك به يا ثابت ) أي بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فهل هذا السلوك الذي يصدر من أنس بن مالك ، وهو في العاشرة من عمره ، حيث يأمنه رسول الله صلى الله عليه وسلم على سر ، فيحفظه له طوال عمره ، هل هذا يدل على قلق واضطراب مر بهما أنس بن مالك رضي الله عنه في مرحلة المراهقة ، كما يدعي الغربيون وتلامذتهم !!؟ .

4- عمرو بن سلمة :

كان يترقب وصول الركبان من المدينة المنورة ـ فيتلقاهم ليسمع منهم ما نزل من القرآن الكريم ، وكان قوي الحفظ والذاكرة ، وقوي الرغبة والاهتمام بحفظ القرآن الكريم . ولما أراد قومه إماماً يصلي بهم لم يجدوا أكثر منه حفظاً للقرآن الكريم ، وقد سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ... فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً ) . فأمهم في الصلاة وهو ابن سبع سنين ، يقول عمرو : ( فاشتروا فقطعوا لي قميصاً ، فما فرحت بشيء فرحتي بذلك القميص ) ، وبقي عمرو بن سلمة إمام قومه طوال حياته .

5- أسامة بن زيد رضي الله عنه :

كان عمره ثمان عشرة سنة أو عشرين عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ولد أسامة رضي الله عنه في بيت مسلم ، لأن أباه رضي الله عنه كان أول من أسلم من الأرقاء ، وأمه أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي المحرم من سنة إحدى عشرة للهجرة ، وكان عمره ثمان عشرة سنة أو عشرين ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً إلى الشام وأميرهم أسامة بن زيد مولاه ، وأمره أن يوطيء الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتكلم المنافقون في إمارته وقالوا : أمر غلاماً ( ) على جلة من المهاجرين والأنصار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن تطعنوا في إمارته فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل ، وإنه لخليق بالإمارة ، وكان أبوه خليقاً لها ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون ، ومنهم : أبوبكر وعمر وغيرهما رضي الله عنهم ( ) . ووقف أسامة بالناس عند الجرف ، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبويع أبوبكر رضي الله عنه ، فقال أسامة لعمر بن الخطاب : ارجع إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه ، يأذن لي أن أرجع بالناس ، فإن معي وجوه الناس وحدّهم ، ولا آمن على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأثقال المسلمين أن يتخطفهم المشركون . وقالت الأنصار : فإن أبى إلا أن نمضي فأبلغه عنه ، واطلب إليه أن يولي أمرنا رجلاً أقدم سناً من أسامة ، فقال أبوبكر : لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاءً قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عمر : فإن الأنصار أمروني أن أبلغك ، وإنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناً من أسامة ، فوثب أبوبكر وكان جالساً ، فأخذ بلحية عمر ، فقال له : ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب ! استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه ، فخرج عمر إلى الناس فقالوا له : ما صنعت ؟ فقال : امضوا ، ثكلتكم أمهاتكم ، ما لقيت في سبيلكم من خليفة رسول الله ( ) . ثم خرج أبوبكر حتى أتاهم ، فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب ، وعبدالرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر ، فقال له أسامة : يا خليفة رسول الله ، والله لتركبن أو لأنزلن ، فقال : والله لا تنزل ووالله لا أركب ! وما عليّ أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة ، ثم قال : إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل ( ) ، فأذن له .

فمضى أسامة مغذاً على ذي المروة والوادي ، وانتهى إلى ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم من بث الخيول في قبائل قضاعة والغارة على آبل ، فسلم وغنم ، وكان فراغه في أربعين يوماً سوى مقامه ومنقلبه راجعاً .

6- ابن تيمية رحمه الله :

كان جده أبو البركات مجد الدين من أئمة المذهب الحنبلي ، وكان والده شهاب الدين عبد الحليم محدثاً وفقيهاً حنبلياً ، وولد أحمد تقي الدين بن تيمية في هذه الأسرة العلمية والمسلمة الشهيرة .

ولما بلغ السابعة من العمر أغار التتار على حران ( مسقط رأسه ) فهاجرت أسرته إلى دمشق ، فانتهى ابن تيمية الصغير من حفظ القرآن الكريم في وقت مبكر واشتغل بدراسة الفقه والحديث وعلوم العربية ، وكان يحضر خلال ذلك رغم صغر سنه مجالس التدريس والوعظ عند والده ، وعند العلماء في حلقهم ، ويشاركهم في المذكرات العلمية التي كانت سبباً لتوسع عقله وتفتح ذهنه .

ثم بدأ ابن تيمية بدراسة العلوم باهتمام وعناية ، ورغم صغر سنه لم يكن يتجه إلى الملاعب والملاهي كما يفعل الأطفال ( والفتيان المراهقون كما يقال ) ، فلم يكن يضيع فيها وقته ، ولكن كان على ذلك مطلعاً على أمور الحياة والمجتمع . وكان له شغف زائد بتفسير القرآن فيقول عن نفسه : ( ربما طالعت على الآية الواحدة مائة تفسير ثم اسأل الله الفهم ... ) .

وما كاد ابن تيمية يبلغ من العمر ( 22 ) سنة حتى توفي والده رحمه الله ، وحدث فراغ كبير في مشيخة التدريس بدار الحديث السكرية في دمشق ، ولكن لم يطل على فراغه زمن طويل ، وخلفه ابنه أحمد تقي الدين ابن تيمية وألقى درسه الأول ، وقد سمعه كبار علماء دمشق وفضلاؤها ، مثل قاضي القضاة ، وشيخ الشافعية ، ويصفه تلميذه ابن كثير فيقول :

( كان درساً هائلاً ، وقد كتبه الشيخ تاج الدين الفزاري ( شيخ الشافعية ) بخطه لكثرة فوائده ، ثم جلس أحمد تقي الدين لتفسير القرآن العزيز .

7- حسن البنا رحمه الله :

ولد في أسرة مسلمة وكان والده مأذوناً محلياً وإماماً ومدرساً بالمسجد وباحثاً ومؤلفاً لعدة كتب في الحديث ، دخل حسن البنا كتّاب مدرسة الرشاد الدينية وعمره ثمان سنوات ، ليكمل ما تعلمه من والده ، ، وفي سن الثانية عشرة التحق حسن البنا بالمدرسة الإعدادية ، وما لبث أن انضم إلى أولى الجمعيات الدينية العديدة التي التزم بها خلال مراحل تطوره . وفي هذه الفترة المبكرة من حياته شهد (( حسن البنا )) أول حلقة ذكر على طريقة الإخوان الحصافية ، وانكب على قراءة ما يقع تحت يده من كتب هذه الطريقة ن كما صار حوارياً لشيخ الطريقة ، وأصبح حسن البنا في الثالثة عشر من عمره أميناً عاماً للجمعية الحصافية الخيرية ، وفي الرابعة عشر من عمره شارك مشاركة فعالة في المظاهرات التي تفجرت داخل المدرسة وخارجها أثناء ثورة (1919 م) . وفي الرابعة عشر دخل مدرسة المعلمين الاولية بدمنهور . وفي السادسة عشر التحق بدار العلوم بالقاهرة ، وقد اعتاد البنا أن يعتز بتجاوزه حدود متطلبات برامجه الدراسية ، إذ أخذ يقرأ قراءة مستفيضة علاوة على العلوم الدينية كالسيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والجهاد في سبيل الله . ومن الطريف أنه في سن العاشرة حمل الشرطة على تحطيم تمثال فاضح لامرأة شبه عارية كان معروضاً على أحد القوارب النهرية .

وخلال إقامته في القاهرة من السادسة عشر وحتى العشرين من عمره قام ببعض الاتصالات مع أتباع طريقته الحصافية ولكن سرعان ما تبين له أنها غير مجدية ، ثم التحق بجمعية دينية أخرى هي (( جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية )) وهي جمعية ثقافية ، وكان يتردد على المكتبة السلفية التي كان يديرها آنذاك محب الدين الخطيب ، كما جالس رشيد رضا محرر مجلة المنار ووارث (( محمد عبده )) ، كما أصبح معجباً بفريد وجدي وأحمد تيمور باشا ، وفي عامه الأخير بدار العلوم كان فهمه للموقف ناضجاً ، واتضح ذلك من خلال الموضوع الذي كتبه وقال فيه : ( إن إسعاد الناس وإرشادهم يتم عن طريق التعليم والإرشاد الذي يقوم على الاختلاط بالناس ) .

ثم عيّن حسن البنا مدرساً في الإسماعيلية في (19/9/1927 م) وعمره آنذاك واحد وعشرون عاماً ، وفي مارس (1928م) أسس جمعية الإخوان المسلمين وعمره اثنتان وعشرون عاماً .

8- أبو الأعلى المودودي :

ولد أبو الأعلى المودودي في عام (1903م) في بيت معروف بالعلم والورع ، وتلقى علومه الابتدائية من والده مثل علوم : اللغة العربية والقرآن والحديث والفقه واللغة الفارسية ، وحفظ الموطأ للإمام مالك عن ظهر قلب ، وبلغ من إلمامه باللغة العربية أنه ترجم كتاب قاسم أمين (المرأة الجدية) إلى اللغة الأردية بأسلوب نال إعجاب الجميع ، وكان عمره آنذاك إحدى عشرة سنة فقط !!؟ ثم التحق بالمدرسة الثانوية فتخرج منها في عامه الرابع عشر من عمره ، وبعد مرض والده – رحمه الله – عاش أبو الأعلى في حيدر آباد في عوز مادي شديد ، وكان بيته يبعد عن دار العلوم خمسة عشر كيلومتراً ، وكان يذهب إليه مشياً على الأقدام صباحاً ويعود مساء . وكلن لا ينال أحياناً ما يأكله ، ولما أصيب والده بالشلل الشديد ، ترك المودودي الدراسة وذهب مع والدته إلى ( بهوبال ) ، وقام على خدمة والده ابناً باراً له إلى أن وافته المنية في عام (1917 م) . وعندئذ رحل أبو الأعلى المودودي من بلد إلى بلد يبحث عن مورد الرزق إلى أن وصل في عام (1918 م ) إلى مدينة ( بجنور ) بالهند وعمره خمسة عشر عاماً ، ونظراً لطول باعه في الكتابة والترجمة فقد انضم إلى جريدة ( المدينة ) ثم انتقل إلى جريدة ( تاج ) ، ومن هذه المهنة صار مناصراً لحركة المحافظة على الخلافة الإسلامية ، كما أنه ألف كتابين أولهما : (( النشاطات التبشيرية في تركيا )) . وثانيهما : (( مجازر اليونانيين في سمرنا )) ، ولما قررت جمعية العلماء المسلمين في الهند ( التي كانت تضم باكستان يومذاك ) ، قررت إصدار أول جريدة لها باسم ( المسلم ) وقع اختيارها على الشاب المودودي البالغ من العمر سبع عشرة سنة ليكون أول رئيس تحرير لها ، وذلك في عام (19211921م ) ، واستمر في عمله هذا حتى عام (1928 م ) . وفي هذه الفترة أصدر كتابين آخرين له هما : ((مصدر قوة المسلم )) و (( الجهاد في الإسلام )) .

9-عبد الحميد بن باديس  :

ولد عبد الحميد بن باديس رحمه الله عام ( 1889 م ) من عائلة عريقة في الحسب والنسب ، وأتم حفظ القرآن الكريم وهو في الثالثة عشر من عمره . وقدمه أستاذه لإمامة الناس في صلاة التراويح في الجامع الكبير بقسنطينة ، وبدا بتلقي العلوم العربية والفقه والحديث على الشيخ حمدان الونيسي ، فاتجه ابن باديس عندئذ إلى الزيتونة وعمره تسعة عشر عاماً ، ليدرس هناك ثلاث سنوات ، ثم يمكث سنة للتدريس في الزيتونة ، وقد عرف ابن باديس بنبوغه ، رغم صغر سنه ، حتى إنه استطاع اختصار مراحل الدراسة المقررة وهي سبع سنوات إلى ثلاث سنوات فقط في الزيتونة .

ويرى الباحث أن معظم أعلام المسلمين كالأئمة الأربعة وأئمة الحديث ، وأئمة الفقه الآخرين ، والدعاة والعلماء المجاهدين والأدباء والمفكرين المسلمين كابن سينا والفارابي والحسن بن الهيثم وجابر بن حيان وغيرهم كثير ، كل هؤلاء وغيرهم أيضاً لم يمروا في فترة مراهقة فيها قلق واضطراب وتمرد كما يزعم بعض علماء النفس الغربي المعاصر . ونصل من استعراض هذه الأمثلة إلى أن الطفل الهادئ المتزن ينمو متزناً ، ويحافظ على استقامته قبل البلوغ وبعده ، ويستثمر شبابه في العلم والتحصيل كما لاحظنا . ومرحلة الطفولة أهم من مرحلة المراهقة ، فالطفل المسلم الذي ينشأ في البيت المسلم ، يصبح شاباً مسلماً مؤدباً ، مطيعاً لله ورسوله ، ملتزماً بدينه ولا تجده قلقاً مضطرباً ضائعاً كالشباب المراهق الذي غزاه القلق والاضطراب منذ الطفولة ، وإن لم يظهر عليه ذلك أثناءها .

الفصل السابع : الدراسة الميدانيــة

الدراسات السابقة :

توجد دراسات في التربية الإسلامية كثيرة ، من أهمها دراسات ممد قطب ، وماجد عرسان الكيلاني ، وعبدالرحمن العيسوي وغيرهم .

1- وقد عالج الشيخ محمد قطب موضوع المراهقة في كتابه منهج التربية الإسلامية – الجزء الثاني – تحت عنوان : من الصبا إلى الشباب الباكر ، وكذلك تحت عنوان : من الشباب الباكر إلى النضج ، وغطى ذلك قرابة مائتين وأربعين صفحة ، ومما جاء فيه : (( ولا شك أن المراهق المسلم شيء آخر مختلف كثيراً عن المراهق الجاهلي ))، إلا أن محور البحث كان منهج التربية الإسلامية ولم يخصص للمراهقة فقط .

2- وذكر الدكتور ماجد عرسان الكيلاني في كتابه ((فلسفة التربية الإسلامية )) : أن المراهقة ناتجة عن حبس الطاقات عند الفتى والفتاة في المجتمع الصناعي الرأسمالي ، وهذه إشارة عظيمة وجريئة إلى لب الموضوع ، لكنها لا تستوفي المطلوب منه .

3- أم الدكتور عبدالرحمن محمد العيسوي فقد قدم أول بحث عن (( سيكولوجية المراهق المسلم المعاصر )) وطبع في عام ( 1987 م ) ، وعالج الموضوع معالجة مباشرة واستفاد الباحث الحالي من بحثه ما يلي :

أ- الفرق بين المراهقة الغربية والمراهقة العربية ، من خلال الدراسة الميدانية التي قام بها على عينة من المراهقين في الخليج العربي .

ووضحت أن المراهق العربي لا يشعر بالقلق والاضطراب كما يعاني منهما المراهق الغربي .

ب- نقده لأسطورة العاصفة التي يدعيها الغربيون في مرحلة المراهقة ، ويدعون أنها حتمية . لكن الباحث ما زال يقر ويعترف بوجود مرحلة للمراهقة ، سماها أحياناً (( مراهقة سوية )) ، ويريد الباحث الحالي التأكد من دقة استخدام كلمة مراهقة لهذه المرحلة السوية ، كما يريد الباحث الحالي إجراء دراسة ميدانية على أسرمسلمة ملتزمة بالسلوك الإسلامي ، ليتعرف على موقف الشباب المسلم من المراهقة .

4- أما دراسة الدكتور عبدالعزيز النغيمشي بعنوان (( المراهقون دراسة نفسية إسلامية للآباء والمعلمين والدعاة )) ، وقد طبعت عام ( 1411هـ ) تناول فيها القاعدة الأساسية المعرفية للتعامل مع المراهق ، كما تناول حاجات المراهق ومتطلباته الأساسية ، والكتاب المذكور يعنى بتبسيط المعلومات التربوية والنفسية المتعلقة بالمراهقين ، وكيفية رعايتهم والتعامل معهم ، وتمكين الآباء والمربين والدعاة من ممارسة دورهم الإشرافي والتربوي ببصيرة ودراية .

ويقوم البحث على الاعتراف بمرحلة المراهقة ، كما هي في الغرب ، دون الفصل بين المجتمع الغربي والمجتمع المسلم فيقول في المقدمة : ( يعيش المراهقون في هذا العصر أزمة نفسية ، واجتماعية ، ويتخذون موقفاً رافضاً ، أو مجاملاً للكبار ، كما يعيش المربون من آباء ومعلمين ودعاة حيرة تجاه أزمة المراهقين ) .

مع أن الباحث – جزاه الله خيراً – قدم نصائح وإرشادات للآباء والمعلمين والدعاة ؛ لو أتبعت لمر المراهقون في مجتمعنا المسلم في هذه المرحلة – المراهقة – بدون أزمات أو اضطراب .

ويعزي الباحث اضطراب المراهق وأزماته إلى النظام الاجتماعي والتربوي الحديث ، الذي يطول فترة الطفولية والاعتماد على الغير ، ويفهم من ذلك أن تعقد المجتمع هو سبب المراهقة ، وهذا ما أراد أن يوسعه الباحث الحالي ويفصله ليصل إلى أن القلق والطيش ليسا حتميين في المراهقة ، لكن تعقد المجتمع وحبس الطاقة عند الفتيان والفتيات هو سبب القلق والاضطراب . وقد استفاد الباحث كثيراً من دراسة الدكتور عبدالرحمن العيسوي – جزاه الله خيراً – واعتبرها دراسة رائدة في هذا الباب ، ويعتبر الباحث دراسته الحالية إمتداداً لدراسة الدكتور عبدالرحمن العيسوي .

الدراسـة الحاليـة

فرضية البحث :

بعد الاستفادة من الدراسات السابقة صاغ الباحث فرضية البحث على النحو التالي : المراهقة عند الشباب المسلم هي فترة من النمو الشامل السريع ، يستفيد منها الشباب المسلم في تحصيل العلم ، ويصرف طاقاته الفائضة في طلب العلم والدعوة والجهاد في سبيل الله عز وجل ، ولا يشعر الشاب المسلم في مرحلة المراهقة بالقلق والاضطراب ، ولا يتمرد على أسرته المسلمة . بل يزداد الفتى المسلم خلال المراهقة طاعة لله عز وجل ولرسوله ، ثم لوالديه وأساتذته المسلمين ، ويزداد وعياً وإقبالاً على العبادة . ولذلك ينصح الباحث بستميتها مرحلة الشباب .

أداة البحث :

ولاختيار فرضية البحث فقد أعدت استبانة تقدم للآباء المسلمين ، وتهدف إلى معرفة آرائهم في أولادهم وبناتهم الذين دخلوا طور المراهقة .

وضمت الاستبانة تسعة أسئلة محددة ، وسؤالاً مفتوحاً وتهدف هذه الأسئلة إلى نعرفة مدى اضطراب المراهقين وتمردهم على أسرهم ، كما تهدف إلى معرفة مدى اهتمام الآباء بأولادهم ، وعنايتهم بهم قبل فترة المراهقة وخلالها ، كما تهدف إلى معرفة مدى إدراك الأب المسلم لحاجات المراهق الاجتماعية والنفسية والروحية .

عينة البحث :

انتقى الباحث خمسين أسرة مسلمة معظمها تخرج الأب فيها من الجامعة ، ومن ذات الدخل المحدود أو المتوسط . يحسب الباحث أن هذه الأسر ملتزمة بالإسلام ، وتعمل على تربية أولادها وبناتها تربية إسلامية ، وقد عرف الباحث هذه الأسر من خلال معايشته لها طيلة عشر سنوات في المدينة المنورة ومكة المكرمة ، أي أن هذه الأسر المنتقاة من زملاء الباحث وأصدقائه ممن يعرفهم إلى درجة جيدة ، وقد التقى الباحث مع معظمهم وشرح لهم المطلوب منهم لتكون إجاباتهم دقيقة ، كما فوض من يثق باطلاعه ، بعد أن فهم الغاية من الاستبانة بمقابلة بعضهم وشرح المطلوب منهم .

وبعد الانتهاء من المقابلات ، جمعت الاستمارات وفرغت ، وحسبت النسب المئوية للإجابات فكانت النتائج التالية :

نتائج البحث

1- (84٪) من العينة أجابو أن أبناءهم لم يتمردوا على أسرهم ، بينما (16٪) قالوا : تمرد قليل من أولادهم . أي أن الغالبية الساحقة من الأسر المسلمة المهتمة بأطفالها ترى أن أبناءها لم يسببوا لها القلق والمتاعب خلال فترة المراهقة .

2- (52٪) من العينة يرون أن أبناءهم لم يختاروا أصدقاء لا ترضى عنهم الأسرة ، بينما (48٪) منها ترى أن قليلاً من أولادها (الذكور طبعاً) اختاروا أصدقاء لا ترضى أسرتهم عنهم .

ويدلنا هذا على تقصير نصف الآباء المسلمين في نهج الأسلوب الإسلامي الصحيح – كما حاول الباحث تقديمه – ليجنبوا أبناءهم اختيار أصحاب لا ترضى عنهم الأسرة ، وربما يجرفونهم بعيداً عما نشأوا عليه في طفولتهم من تربية إسلامية وخلق إسلامي.

3- (26٪) من الآباء لم يتدخلوا بشكل غير مباشر ، لاختيار أصدقاء أبنائهم ، و (12٪) اهتموا بقليل من أبنائهم من حيث اختيار الأصدقاء ، و (26٪) اهتموا ببعض أبنائهم وليس كلهم ، و (36٪) من الآباء المسلمين تدخلوا بشكل غير مباشر ( كما بين في البحث ) ، لاختيار أصدقاء أولادهم ، وصديقات بناتهم . وتدلنا هذه الأرقام كذلك ؛ على إغفال الأب المسلم جانباً هاماً من النمو الاجتماعي لأولاده،ويأمل الباحث أن يستفيد الأب المسلم من بحثه هذا .

4- (60٪) من الآباء المسلمين شغلوا أوقات أولادهم وبناتهم جميعاً بالنافع المفيد ؛ كحفظ القرآن الكريم ، والمطالعة ، والمراكز الصيفية وغيرها ، . و (36٪) شغلوا أوقات بعض أولادهم بالنافع المفيد ، بينما فاتهم ذلك مع الباقين،و(4٪) فقط أهملوا هذا الجانب مع جميع أولادهم .

وهذه الأرقام تعلل عدم وجود القلق والاضطراب عند المراهق المسلم ، فعندما يشغل وقت المراهق بالعمل والعلم ، فيصرف طاقته . عندئذ لا يصاب بالقلق كما هو الحال عند المراهق الجاهلي الحديث .

5- (60٪) يرون أن المراهقة ليست عاصفة حتمية من القلق والطيش ، ولم يلاحظوا ذلك على أي من أولادهم وبناتهم ، بينما (22٪) يرون أن قليلاً من أولادهم مر بهذه العاصفة ، و (12٪) يرون أن بعض الأولاد عندهم ظهرت عندهم هذه العاصفة ، و (6٪) فقط يرون أن العاصفة أصابت أولادهم كلهم . 6- (90٪) يرون أن المراهق ليس مريضاً نفسياً . و (6٪) يرون أن قليلاً من أولادهم لوحظ عليه ذلك ، وامتنع (4٪) عن الإجابة .

7- (70٪) يرون أن المراهقة ( كطيش وقلق ) ليست حتمية في حياة الأولاد والبنات ، و (12٪) يرون أنها حتمية لقليل من الأولاد ، و (18٪) يرون أنها مرحلة حتمية لجميع الأولاد .

8- (66٪) لم يروا أي اضطراب على أولادهم أو بناتهم بعد البلوغ ، و (30٪) رأوا اضطراباً عند قليل من أولادهم وبناتهم ، و (4٪) رأوا الاضطراب عند بعض أولادهم .

9- (64٪) رأوا بعض أولادهم وبناتهم يقبلون إقبالاً شديداً على العبادة ، بعد مرحلة البلوغ ، و (22٪) رأوا جميع أولادهم وبناتهم يقبلون بشدة على العبادة في طور المراهقة ، و (4٪) يقولون : أن قليلاً من أولادهم زاد إقبالهم على العبادة ، بينما (10٪) لم يلاحظوا أي زيادة في الإقبال على العبادة عند أولادهم .

أما أهم الوسائل المساعدة – حسب رأي الآباء – على إبعاد الشاب المسلم عن المراهقة ( القلق والاضطراب ) فهي كما تكررت في إجاباتهم على النحو التالي :

العلاج التكرار

1- حفظ القرآن الكريم ............................................. 08

2- تدخل الاسرة بشكل غير مباشر في اختيار أصدقائهم ........ 22

3- شغل أوقات الشباب بالرياضة والسباحة خاصة ............... 16

4- إرسالهم إلى المخيمات الإسلامية ........................... 08

5- شغل أوقاتهم بالدراسة والمطالعة ............................... 12

6- شغل أوقاتهم بالعبادة ............................................ 08

7- تكثيف متابعة الوالدين ، وتوجيههم أبناءهم ..................... 10

8- إرسالهم إلى دروس دينية في المساجد ، وعند العلماء .......... 10

9- شغل أوقاتهم بالأنشطة العلمية كالحاسب الآلي وصيانة الأجهزة الكهربائية والسيارات ... 06

10- ترغيبهم في الصوم ............................................. 02

11- مصارحة الوالدين لأولادهم والتفاهم معهم كأصدقاء .......... 04

12- القدوة الصالحة من الوالدين ....................................... 06

13- الدعاء لهم من قبل الوالدين بالصلاح ............................. 02

ويلاحظ الباحث تشتت أجوبة الآباء المسلمين ، وعدم اتفاقهم على مبادئ واضحة ؛ تساعدهم على تجنيب أولادهم القلق والاضطراب خلال فترة المراهقة . ولعلنا نلاحظ أن تدخل الأسرة بشكل غير مباشر في اختيار أصدقاء أولادها ، قد تكرر ( 22 ) مرة ، بينما ( 28 ) أباً من أفراد العينة لم يذكروا ذلك . ويدلنا تشتت الأجوبة عن الوسائل المتبعة في معالجة المراهقين على :

1- تعدد الأساليب التي تساعد على توجيه المراهقين ، وإبعادهم عن القلق والاضطراب .

2- عدم وضوح أساليب التربية الإسلامية بشكل كاف ، لدى النخبة من الأسر المسلمة ، وإهمال معطيات علم النفس التربوي .

الفصل الثامن : الخاتمة والتوصيات

خلاصة البحث

الشباب أقرب إلى الفطرة ، وأكثر سعياً وراء الحق ، وهم عماد الأمة ودرعها الذي يدفع عنها العدو ، ورجال الغد وقادة المستقبل ، لذلك ينبغي أن يركز الدعاة المسلمون جل اهتمامهم على الشباب والأطفال .

وقد تسابق أعداء المسلمين إلى إفساد الشباب المسلم ، فنشروا بينهم الأمراض الفكرية ، والخرافات الحضارية ، ومنها مقالتهم أن المراهقة مرحلة حتمية من القلق والاضطراب والصراع ، ولابد أن يمر بها كل فتى وفتاة .

وبعد التمعن يتضح أن المراهقة هي النمو السريع والشامل ، وليست أكثر من ذلك ، ولا يشترط معها القلق والاضطراب والصراع ، ويتبين أن القلق والاضطراب مرض رأسمالي سببه تعطيل الطاقة عند الفتى والفتاة مما يدفعه إلى القلق والاضطراب . وعند المسلمين يعتبر الفتى البالغ راشداً ، ويعامل كالراشد ، كما تعامل الفتاة البالغة كالمرأة الراشدة .

وفي اللغة يفضل أن نقول : شباب ولا نقول مراهقة ، لأن المراهقة تحمل معنى الرهق أي الإثم والتعب ، أما مصطلح شباب فهو المصطلح الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال : (( يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... الحديث )) .

ومما يجدر ذكره أن المراهقة فترة نمو سريع في الروح والعقل والنفس والجسد ، ويقبل الفتى على العبادة برغبة شديدة ؛ عندما يكون في بيئة غير منحرفة ، كما يزداد حبه للعلم والمعرفة أيضاً .

وكي ينمو الطفل بشكل صحيح ، ويمر الفتى بمرحلة الشباب فيصل إلى الرشد بسلام وأمان ، لابد من تعاون البيت والمسجد ، ويتم ذلك بتعويد الطفل على المسجد منذ الرابعة من عمره ، ويحبب بالمسجد ، ويرحب به الإمام والمصلون ، ثم يواظب الطفل على المسجد في مرحلة الطفولة المتأخرة ، ويساهم في أنشطة المسجد تحت إشراف الإمام والمدرسين في المسجد ليتعلق به ويشبع المسجد عدة حاجات للأطفال ، منها الحاجات الروحية والاجتماعية والخلقية .

والمسجد مرحلة انتقالية بين البيت والمجتمع ، يتدرب فيه الطفل على المعاملات النظيفة مع الآخرين ، وهو بوابة المجتمع المسلم ، إذ يخرج الطفل من البيت ليدخل المجتمع عن طريق المسجد . وجماعة تحفيظ القرآن ، والأسرة المسجدية ، تشبع حاجة نفسية واجتماعية عند الفتيان ، وهي مرحلة (( الأقران )) ، إذ ينتقي الفتى أصحابه من رواد المسجد ، فيبقى في بيئة نظيفة تكمل بيئة البيت المسلم .

ولابد أن يتخذ الفتى جماعة من الأقران ، وهذه المجموعة قنطرة عبور كذلك من الأسرة إلى المجتمع ، فعلاقات الطفل مع أسرته تسودها العاطفة ، أما علاقاته مع المجتمع حيث تحكمها الموضوعية والواقعية بعيداً عن العاطفة ، فالأقران مرحلة متوسطة بين الأسرة والمجتمع .

وتؤثر جماعة الأقران على الفتى ، فينطبع بقيمها ، ويتأثر بأفرادها ، لذا على البيت المسلم ان يخطط بموضوعية وهدوء ، كي يضع أولاده وبناته في بيئة صالحة ، بحيث ينتقون أصحابهم منها .

والمسجد أفضل بيئة صالحة لانتقاء الأصحاب . والأسرة المسجدية تحت إشراف المسؤولين عن المسجد ، تعوض جماعة الأقران عندما يترك للفتى اختيار أفراد أسرته من بين رواد المسجد .

أما المعسكرات فإنها من أنجح الوسائل لتربية الشباب المسلم ، لعدة أسباب منها : 1- صرف الطاقة عند الفتيان في النافع المفيد ، بدلاً من حبسها لديهم فتعقدهم وتبعث لديهم القلق والاضطراب .

2- تشبع حاجاتهم الروحية والنفسية والاجتماعية من خلال برامجها المعدة لأجل ذلك.

3- توفر للفتى جماعة أقران صالحة كما في المسجد .

4- تقدم للشباب حصيلة ممتازة من الخبرة ، والحياة العملية ، والعلاقات الاجتماعية ، والثقافة والسلوك الإسلاميين .

5- تقدم خدمات انتاجية للأمة كإقامة السدود وتعبيد الطرق وغير ذلك .

6- تنمي لدى الشباب المسلم الوعي السياسي ، والعسكري وتعده للجهاد في سبيل الله.

7- تدرب الشباب المسلم على تحمل المسئولية ، كما تنمي لديهم روح القيادة والعمل الحركي .

وعندما نستعرض التاريخ بحثاً عن الشباب المسلم ، نجد فتيان الصحابة رضوان الله عليهم يتسابقون إلى غزوة بدر وأحد والخندق وهم في الثالثة عشر من عمرهم ، كما نجد علماء المسلمين اكتسبوا العلوم والمعارف في طفولتهم وبداية شبابهم ولم يشعروا بالقلق أو الاضطراب .

أما الدراسات الميدانية فقد أكدت ما يلي :

1- دراسة (( روزن )) وزملائه سنة ( 1962 م ) في أمريكا حيث دلت على أن (77٪) من المراهقين الأمريكيين مرضى دخلوا العيادات النفسية .

وسبب ذلك لأنهم في الولايات المتحدة الأمريكية ، والمجتمع الرأسمالي الذي يسيطر عليه اليهود – أعداء الإنسانية – بثقافتهم ، ولأن المراهقة مرض رأسمالي أمريكي .

2- وفي دراسة (( صموئيل مغاريوس )) سنة ( 1957 م ) عن أشكال المراهقة في مصر ، تبين وجود مراهقة متوافقة ( هادئة ) خالية من العنف والتوتر الحاد ، كما وجد مراهقة منحرفة ومتمردة وعللها الباحث بالتربية الضاغطة المتزمتة ، وانعدام الرقابة الأسرية .

3- وفي دراسة (( عبدالرحمن العيسوي )) على مجموعة من المراهقين الخليجيين العرب تبين أن المراهقة العربية لا تتسم بالانطواء ، ولا تعاني من الأمراض النفسية ، ووجد أن ( 6ر81٪ ) من العينة يشعرون بالسعادة .

4- وتؤكد الدراسة الميدانية التي قام بها (( خالد شنتوت )) والتي استطلع فيها آراء عينة منتقاة من الآباء المسلمين ، الذين يهتمون بتربية أبنائهم تربية إسلامية على أن : المراهقة عند الشباب المسلم لا يصاحبها القلق والاضطراب ، وتبين أن ( 85٪ ) من أفراد العينة لم يتمردوا على أسرهم ، و ( 4٪ ) فقط من الآباء يرون أن المراهقة عاصفة لابد منها ، بينما ( 90٪ ) منهم أكدوا أن المراهق ليس مريضاً نفسياً ، و (70٪ ) أكدوا على أن الطيش والقلق ليسا حتميين في مرحلة المراهقة .


التوصيات :

بناء على هذا البحث يوصي الباحث الآباء المسلمين والأمهات المسلمات والدعاة والمربين المسلمين بما يلي :

1- لابد من الاستفادة القصوى من مرحلة الطفولة المبكرة للمحافظة على الفطرة عند الأطفال .

2- لابد من اطلاع الآباء والأمهات والدعاة والمربين على مبادئ علم نفس النمو ، ومعرفة الحاجات الأساسية لكل مرحلة .

3- لابد من اهتمام البيت المسلم بتوفير الصحبة المسلمة لأولاده ، وبناته بشكل غير مباشر ومخطط ومدروس .

4- لابد أن يقوم المسجد بوظيفته التربوية في المجتمع المسلم ، فيتلقف الأطفال بعد نزوعهم إلى التحرر من البيت .

5- لابد من إقامة المعسكرات للشباب المسلم ، والإكثار منها في العطل المدرسية ، وتوظيف الدعاة المسلمين المؤهلين تربوياً للإشراف عليها .

6- ينبغي أن تقوم الأمهات المسلمات بأنشطة إسلامية ، يدفعن بناتهن من خلالها إلى اتخاذ صاحبات مسلمات .

7- يحتاج الأب المسلم والأم المسلمة إلى توعية تربوية تقوم بها المساجد ، ووسائل الإعلام عامة ، والتلفزيون خاصة ، تهدف إلى تعريفهم بالأساليب التربوية الناجحة في رعاية الشباب ، من الذكور والإناث قبل البلوغ وبعده .


المراجـع

1- كتب التفسير والحديث الشريف والسيرة واللغة

1- أسد الغابة في معرفة الصحابة ، لابن الأثير ، تحقيق محمد صبيح ، ط 1384 هـ / 1964 م .

2- الإصابة في تمييز الصحابة ، لابن حجر ، دار صادر ، مطبعة السعادة بمصر .

3- تاريخ الطبري ، لابن جرير ، دار سويدان ، بيروت ، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم .

4- تفسير آيات الأحكام ، محمد علي الصابوني ، مكتبة الغزالي بدمشق ، ط 3 ، 1977م .

5- تهذيب سيرة ابن هشام ، عبدالسلام هارون ، دار البحوث العلمية بالكويت ، ط 10 ، 1984م .

6- جامع الأصول ، لابن الأثير الجرزي ، دار الفكر بيروت ، ط 2 ، 1983 م .

7- الجامع الصحيح ، للترمذي ، عشرة أجزاء ، تحقيق عزة دعاس ، ط 1 ، حمص 1967م .

8- الجامع الصغير ، للسيوطي ، دار الكتب العلمية ، ط 4 .

9- صحيح البخاري ، المكتبة الإسلامية ، استانبول .

10- صحيح الجامع ، للألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت .

11- صحيح مسلم ، دار إحياء الكتب العربية ، عيسى البابي الحلبي ، ترتيب محمد فؤاد عبد الباقي .

12- ضعيف الجامع للألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت .

13- الكامل في التاريخ ، لابن الأثير ، إدارة الطباعة المنيرية ، 1357 هـ .

14- اللؤلؤ والمرجان ، جزءان ، محمد فؤاد عبد الباقي ، المكتبة الإسلامية ، استانبول .

15- مختصر تفسير ابن كثير ، محمد علي الصابوني ، دار القرآن الكريم ، بيروت ، ط 7 ، 1981م .

16- مختصر سنن أبي داود ، للحافظ المنذري ، مكتبة السنة المحمدية ، القاهرة .

17- المستدرك ، للحاكم ، دار الكتاب العربي ، بيروت .

18- المعجم الوسيط .

19- المقاصد الحسنة للسخاوي .

2- الكتب التربوية والفكرية

1- أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين، دار الندوة الجديدة، بيروت .

2- أبو الحسن الندوي ، رجال الفكر والدعوة في الإسلام ، ج 2 ، دار القلم بالكويت ، ط 4 ، 1407 هـ / 1987 م .

3- أحمد القطان ، واجبات الآباء نحو الأبناء ، ط 2 ، مكتبة السندس بالكويت ، 1406 هـ .

4- حامد عبدالسلام زهران ، التوجيه والإرشاد النفسي ، ط 2 ، عالم الكتب ، بالقاهرة ، 1982م .

5- حامد عبدالسلام زهران ، علم نفس النمو ، دار المعارف بمصر ، 1986م .

6- حسن البنا ، مجموعة الرسائل ، الرسالة ، بيروت .

7- خالد شنتوت ، دور البيت في تربية الطفل المسلم ، دار المطبوعات الحديثة بجدة ، ط 4 ، 1411/1990 .

8- خالد شنتوت ، المسلمون والتربية العسكرية ، دار المطبوعات بجدة ، 1409/1989 .

9- خليل أحمد الحامدي ، أبو الأعلى المودودي ، مكتبة الرشد ، الرياض ، ط 2 ، 1403/1983م .

10- ريتشارد ميتشل ، الإخوان المسلمون ، ترجمة محمود أبو السعود ، ط 1 ، 1979م .

11- رينيه دوبو ، إنسانية الإنسان ، تعريب نبيل الطويل ، الرسالة ، ط 2 ، بيروت ، 1984م .

12- سعيد حوى ، الإسلام ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط 2 ، 1979م .

13- سمير جميل أحمد الراضي ، المراهقون دراسة تربوية نفسية من وجهة النظر الإسلامية ، رابطة العالم الإسلامي ، 1403.

14- عبدالرحمن بل علي ، التربية الإسلامية للشباب ، مجلة الجامعة الإسلامية . العدد (50-51) ، 1401 هـ .

15- عبدالرحمن العيسوي ، سيكولوجية المراهق المسلم المعاصر ، دار الوثائق بالكويت ، ط 1 ، 1407/1987 م .

16- عبدالعزيز النغيمشي ، المراهقون ، دار طيبة بالرياض ، ط 1 ، 1411 هـ .

17- عبد الله علوان ، تربية الأولاد في الإسلام ، دار السلام ، حلب .

18- عبد الله قادري ، دور المسجد في التربية ، دار المجتمع ، جدة ، 1407.

19- علي عبدالحليم محمود ، وسائل التربية عند الإخوان المسلمين ، دار الوفاء بالمنصورة ، ط 2 ، 1410/1989م .

20- كمال دسوقي ، النمو التربوي للطفل والمراهق ، دار النهضة العربية ، بيروت ، 1979م .

21- ماجد عرسان الكيلاني ، فلسفة التربية الإسلامية ، مكتبة المنارة بمكة المكرمة ، 1987 م .

22- مازن مطبقاني ، عبد الحميد بن باديس ، درا القلم ، دمشق ، ط 1 ، 1410 .

23- محمد خليفة التونسي ، بروتوكولات حكماء صهيون ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، ط 1 ، 1984م . 24- محمد قطب ، منهج التربية الإسلامية ، درا الشروق، 1401 هـ .

25- محمد قطب ، واقعنا المعاصر ، مؤسسة المدينة للصحافة ، ط 2 ، 1988 .

26- محمد مدحت صابر الشافعي ، من هدي الإسلام والتربية الجسمية ، بحث مقدم إلى ندوة الخبراء التربويين بمكة عام 1400هـ .

27- محمد منير الغضبان ، من معين التربية الإسلامية ، مكتبة المنار بالأردن ، ط 2 ، 1402/1982 .

28- محمد نور سويد ، منهج التربية النبوية للطفل ، مكتبة المنار الإسلامية ، الكويت ، ط 2 ، 1988 .