تعالَوا إلى كلمة سواء.. حتى لا تزلَّ قدمٌ بعد ثُبوتها!!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تعالَوا إلى كلمة سواء.. حتى لا تزلَّ قدمٌ بعد ثُبوتها!!

بقلم/ أ. جمعة أمين عبدالعزيز*

الأستاذ جمعة أمين

الإنسان هو المخلوق الذي خلقه المولى- سبحانه وتعالى-؛ ليعمر هذا الكون، فسخَّر له ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه، فهو الذي يستطيع الإفادة من الكون في عمره المحدود، ولولاه لما وُجدت حضارة، فهو صانعها ومن الطبيعي- بل ومن المعقول والمنقول- أن يصاغ صانع الحضارة أولاً لتكون الصنعة صحيحة، والنتائج مفيدة؛ لأن الحضارة من أجله ولإسعاده، كما أن القيم والمبادئ كلها له، وفي سبيل تنظيم وجوده، وتحقيق غاياته الأصيلة في الوجود. ولكي لا تزلَّ قدمٌ بعد ثبوتها- بإيمانها بمنهج الله- لا تنخدع بالقشور والمظاهر الكاذبة، التي تزين للإنسان الواقع، الذي ظاهره الرحمة وباطنه من قبله العذاب؛ من أجل ذلك أمدَّ الله هذا الإنسان بل وميزه بعقل وروح وغرائز وجسد واحتياجات وإدراك ما حوله، وإن اختلفت هذه الميْزات من إنسان لآخر ومن أمة لأخرى.

فهو إنسان بالحسّ والشعور، بالطبائع والروح، وبالأشواق والضرورات بالآمال والآلام، وهو إنسان في المقام الأول جسد وروح، فلابدَّ لإشباع الاثنين معًا، فإشباع أحدهما دون الآخر يسبب الإفراط أو التفريط، وبالتالي ينتج عن ذلك جنوحٌ نحو المادة أو مغالاة مع الروح، بينما المطلوب هو التكامل والتوازن بينهما ليتحقق الاعتدال والوسطية في الفكر والحركة، وهذا الذي نقوله يستوي فيه الأبيض والأسود، وساكن القصور والكفور، والذي يستخدم الجِمال والخيام أو يستخدم القطار والطائرات، فتلك أمور جانبية مظهرية، لا تؤثر في الجوهر إلا بمقدار محدود ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ (الإسراء:70)، وبعد هذا الفهم ينطلق الإنسان إلى تحقيق سعادته ودوره في الحياة والوجود فيترقَّى بمنهاج الله، الذي يحقِّق الأمن والأمان والسلامة والسلام والسعادة والاطمئنان، طالما التزم الإنسان به فلا يضل ولا يشقى، أو ينزل إلى أسفل سافلين، وإلى وادٍ سحيقٍ وطريقٍ مخيفٍ، وإن كان يتمتع ويأكل كما تأكل الأنعام إلا أن مآله جهنم وبئس المصير، فهو في هبوط بشِع، ولو ملك المكتشفات والمخترعات والتكنولوجيات؛ لأن ذلك هو حكم الله عليه، وهو العليم الخبير الذي أحسن كل شيء خلقه وقدَّر كل شيء فأحسن تقديرَه.

لابدَّ لكلّ فكر من ثوابت، هي بمثابة أركانه وقواعده، إن اقتربت منه تغييرًا وتبديلاً إنهار وزال، فما بالك بالإسلام الذي حدد المولى لنا ثوابته ومتغيراته!! فهل يجوز لمسلم أن يطوِّر أو يغيِّر ويبدِّل في هذه الثوابت بعد تحديد الله لها؟ ونقول هذا الكلام للمسئولين عن الثقافة في بلادنا والذين يقولون: "إن (الإخوان) لا يرغبون في التفاعل ولا يقبلون التطور"؛ بأن دوائر الثوابت عندنا لا نساوم عليها ولا نقترب منها ولو رُمينا بالتحجُّر والتأخُّر؛ لأنها أصول الدين... أما دائرة التطور فهي في دائرة التغير والاجتهاد، والذي يحكم القواعد والأصول عندنا، وهي أوسع من عقول هؤلاء بكثير.

إن خيرَ شاهد على عدم الأخذ بكلِّ ما يقدِّمه أتباع الحضارة العربية المادية ما نراه من وسائل التدمير، وأدوات التخريب التي تمتلكها الأمم المتحضرة والتي يخترعها الإنسان لتدمير نفسه فضلاً عن مستويات الإباحية الدنيئة والفوضى الخلُقية في أرقى المجتمعات المدنية، أليست هذه وتلك- مما نراه- يوضَع في خانة الهبوط البَشِع والسقوط المُريْع عند أصحاب الفكر السليم، وإن كانت هذه الأمور تعتبر معيارًا للتقدم والحداثة عند من ختم الله على قلوبهم، وطمس على عقولهم، وجعل على أبصارهم غشاوة، حتى أصبح المنكر عندهم معروفًا والمعروف منكرًا. من أجل ذلك وحتى لا يكون السقوط والزلل كان لابدَّ من وضوح الرُّؤَى وتحديد المفاهيم وإنارة الطريق بنور الإسلام الذي يربي الإنسان على الوعي والإدراك، حين يفكر بعقله كما تصبح ذاتيته عاقلة مفكرة مدركة مميزة واعية، فيملك القدرة على معرفة ذاتِه ومعرفة ما حوله، فتنشأ العلاقة بينه وبين ما يرى على أوضح ما يكون الوضوح، ويفسِّر الأمور تفسيرًا إسلاميًّا مميَّزًا بين الأشياء بدقة وعمق، وهو حُرٌّ غير مقيد بشيء إلاَّ بالقيَم والمبادئ والتصورات التي جاءت من أجله مفسرة له هذا الوجود الحُرّ وهذه الكرامة الرفيعة، فيتحدد بذلك مجال تفكيره الذي لا يتعداه "تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله فتهلكوا"، وإنَّ هذا التفكير لابدَّ أن ينبُع من عقيدة لا تعقيد فيها ولا تشويه؛ ليطمئن إلى عبوديته لرب العالمين، راضيًا به مقبلاً عليه راغبًا بتوجُّهاته وأوامره ومبادئه، مسارعًا في فعل الخيرات، مطمئنًّا لرضا ربه عنه ويقول: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ (طـه: من الآية84).

وإلى جانب المبادئ الأساسية المتعلقة بالعقيدة وبتصورات الكون والإنسان والحياة جاءت الأنظمة الإسلامية تكفل ضمان تنفيذ الأصول العقيدية تلك في مجالات الحياة المختلفة، وتربط بينها برباط أصيل متين، وهذه الأنظمة المرنة التي تخصّ الإنسان في كل زمان ومكان لابدَّ لها من أن تراعي عوامل التغيير والتطور ضمْن فهم دقيق شامل لمجريات الأَنشطة الإنسانية، وكما امتلك الإسلام العقيدة الواضحة والتصور البسيط السليم امتلك أيضًا أنظمة تكفَّلت بثبات تصوره وتجسيد فكْره العالي بواقع حياتيّ سليم، ومن أجل ذلك كانت الأنظمة الإسلامية- في كل ما دقَّ من الحياة وما عظُم- قد جمعت بين أمرين : 1- الثبات في الأسس والمبادئ والقيم والتصورات. 2- والمرونة في التكيف والتطبيق. لقد ربط الإسلام أنظمته بفكرته الشاملة عن الكون والإنسان والحياة وبوظيفة هذا الإنسان في الوجود، وإحكام الصلة بين التوجيه والتشريع وعدم الفصام بينهما لتستمر في عطاء لا ينضب، يجمع بين الأصالة والتجديد، والمعاصرة والحداثة، منضبطة بضوابط لا يمكن أن يتغافلها المسلم الذي اصطبغ بصبغة الله، والذي رتب عقله ترتيبًا إسلاميًا، فقيَّد اجتهاده بالفقْه، وربط إبداعه بالأصول.

وهذا الذي أوضحناه نزيده وضوحًا بأن شريعة الله تميزت بالتفصيل في جوانب الحياة غير المتغيرة، وبإجمال غير مخلٍّ ولا موجز في جوانب الحياة الأخرى القابلة للتطوير، وبذلك أصبحت حياة المسلمين مستقيمة؛ لأن أنظمتهم في الحكم والسياسة والاقتصاد والاجتماع نابعة من تصورهم للكون والحياة والإنسان، ولا يؤمن بذلك ويضعه موضع التنفيذ إلا الأفراد الذين رضوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد- صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً، وتعمَّقت العقيدة في قلوبهم، وصفت نفوسهم، وتطهرت قلوبهم، وسلمت صدورهم، ورجحت عقولهم، فتصافوا جميعًا صفًا واحدًا كالجسد الواحد يحققون آمالاً عظامًا، ويبنون حضارة ربانية، ويعمرون الكون بمنهاج الله، تغشاهم الرحمة، ويظللهم الأمن والأمان.

إن ما نحن فيه الآن إنما هو من الانفصام النكِد، الذي فصل الأخلاق والقيم والدين عن الحضارة، وأُوضّح مثالاً لذلك.. هذه الحضارة الغربية التي نرى مظاهرها رأي العين- متمثلة في الأدب والفن والسينما والمسرح والكتاب والصحافة، بل في شتَّى مناحى الحياة لدرجة أن المسلمين اليوم يتنفسون هواءً فاسدًا لحضارة مادية من صنع الإنسان- استمدت أصولها من فلسفات الإغريق والرومان، وهي حصيلة ما وصلت إليه المعارف البشرية، وهي قاصرة عمياء تقود أصحابها إلى الحيرة والشكّ والهلاك؛ لأنها انفصلت عن توجيه السماء، فهي خاوية بلا مضمون عقيدي أصيل، جامدة بلا روح خيِّرة معطاءة، مظلمة بلا نور رباني يهدي للتي هي أقوم، ظالمة؛ لأنها لا تستند إلى عدل يصحح الموازين، عشوائية الحركة، مهلكة المسار؛ لأنها بلا هدف واضح، فأنَّى لمثل هذه الحضارة اللاأخلاقية المادية- التي فقدت أساس مقوماتها وهي العقيدة- أن تقوّم معوجًا، أو تصلح فاسدًا، أو تنشر فضيلة، أو تأمر بمعروف؟!

وبالتالي كيف تستطيع أن تربي رجالاً يُعيد بهم الله إقامة خير أمة أُخرجَت للناس...؟! إن الحضارة التي لم يشيدها الإيمان والعلم والفضيلة يدمرها الكفر والجهل والرذيلة، وانظر حولك ترى ما يصدق ما نقول، فانتظروا إنَّا منتظرون.