تقديم المستشار لكتاب مأزق القيم للأستاذ/ مسلم بن عبد الله المسلم كتاب يطرح نظرية سياسية لمعالجة الطغيان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تقديم المستشار لكتاب مأزق القيم للأستاذ/ مسلم بن عبد الله المسلم كتاب يطرح نظرية سياسية لمعالجةالطغيان

المستشار عبد الله العقيل

شدني كتاب الأستاذ الفاضل مسلم بن عبد الله المسلم «مأزق القيم»، الذي أصدرته «مؤسسة الرياض» ضمن سلسلتها «كتاب الرياض»، والذي حمل الرقم «13» في هذه السلسلة القيّمة، ورغم أن الكتاب جمع بين دفتيه مجموعة من المقالات التي نشرتها جريدة «الرياض» بدءًا من عام 1410هـ، إلا أن هناك وحدة موضوعية متماسكة جعلت منها كتابًا يطرح رؤية تحليلية عميقة يجيب فيها المؤلف الفاضل عن تساؤلات المواطن العربي والفرد المسلم حول أزمة الأمة.. أسبابها، وواقعها، وسبيل الخلاص منها، وقد شخَّص في مقدمة الكتاب هذه الحال المتأزمة بعبارات مختصرة موجزة دلت على عمق استبطانه لواقع الأمة المنهار، وعلى دقة مفهومه لأسباب هذا الانهيار؛ مما جعلنا نحن العرب - على حد قوله -: «نجد أنفسنا في ضبابية معتمة، وفي دوامة عنيفة تدور بنا في ساحة ليس لها حدود، وتنطلق بنا في اتجاه المجهول، وتنتهي بنا إلى نهايات غير معروفة المصير، ولا محدودة المسار..

لا يزال العالم العربي كله يموج في تيارات صاخبة، ويدور في مدارات ساخنة تعطلت بفضلها ملكاته الفعالة، وتبددت طاقاته المنتجة، وتحطمت تطلعاته المنتظرة، وتوقفت انطلاقاته المتواصلة».

إن مرتكز أزمة الأمة المعاصرة الأساسي - في تصور الكاتب الفاضل - هو الجريمة النكراء التي نفذها صدام حسين وحكومته البعثية العلمانية للأديان في احتلال دولة الكويت، وحشد الجيوش على حدود المملكة العربية السعودية، وباعتقادي أنه تصور صحيح دلل عليه المؤلف في الأبحاث التي ضمنها في كتابه القيِّم، وحقًّا كانت جريمة صدام من جميع جوانبها محنة يتحدث الكاتب عن نتائجها، مشيرًا إلى أنها «مزقت أواصر الأمة، وزرعت الشقاق في جنباتها، ولا تزال النار تحت الرماد.. يوشك أن يكون لها ضرام».

لقد أحسن الكاتب أيما إحسان، وأجاد كل الإجادة عندما أوضح - خلال أبحاثه القيمة - أن طغيان الفرد وطغيان الحزب على إرادة الشعب وطموحاته وأمانيه وحريته، هو المفتاح الأسود الذي فتح أمام الأجيال أبواب هذه المتاهة لتدخل في دوامة الاضطراب والأخطاء والمحاور، بهذا الشكل الحاد الذي يلمسه ويعيش فيه المواطن العربي.

على أن للخروج من هذه الأزمة مفاتيح حدد الكاتب الفاضل فاعليتها في الخلاص من المعاناة الأليمة، مشيرًا إلى أن على العربي «القيام بمراجعة شاملة لكثير من المفاهيم الغريبة عليه، التي سادت في أعقاب الانتكاسة العربية التي تخطت كل الاعتبارات، وتجاوزت جميع التوقعات».

وكذلك، يتعين على العربي أن يَجِدَّ في «محاولة العودة إلى واحة الصفاء ورِحَاب الود، وفي سبيل ذلك يجري نزع فتيل الخلاف بالقضاء على رءوس الفتنة وصانعي المحنة، واجتثاث كل المعوقات وإزاحة جميع العراقيل التي تقف في طريق اتحاد الصف والتئام الجراح، ودفن الخلافات، وفتح مجالات جديدة لإشراقات جديدة من خلال آمال يجتمع في ظلها العرب ولا يتفرقون، ويأتلفون ولا يختصمون؛ ليتحقق من ثم مطلب الكاتب الفاضل الذي عبَّر فيه عن أمل هذه الشعوب الصابرة، كما جاء ذلك في محكم التنزيل الحكيم: (وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون).

لقد استعرض المؤلف - حفظه الله - بعض مظاهر سلوك الطاغية صدام حسين، وما أفرزه هذا السلوك الفردي من جنايات على شعبه، بل على الأمة العربية بأسرها، كما قدَّم رؤية نفسية دقيقة لشخصيته كسفاح لا يريد إلا إراقة الدماء، ولا يناسب ساديته إلا القتل، حيث بنى كيانه على هذا السلوك الذي يعتبر في المفهوم السياسي أيديولوجية ثابتة له.

وألقى الكاتب بنظرات الاشمئزاز على «فئة» المنتفعين من وجود الطاغية، مبينًا دورهم في هدم الكيان الاجتماعي السليم، وترويع الناس، وابتزازهم، ونهب أرزاقهم، والعبث بمقدراتهم، ودعم استمرار وجود الطاغية حاكمًا بأمره!!

أما بحثه «سلطة الحزب وحكم الطاغية»، الذي اختتم به الكتاب، فبات روعة بيانية ووقفة علمية، ففضح فيه سياسة حزب البعث العراقي، واعتبره نموذجًا سيئًا لتلك الأحزاب، فهو «يخالف المبادئ التي يرسمها في برنامجه، وينادي بها في تنظيراته، ويطلقها في شعاراته، ويتبجح بها في ادعاءاته بالحرية والعدالة والمساواة».

وبيَّن المؤلف - حفظه الله - أن حزب البعث العراقي يقوم - ككل الأحزاب العلمانية - على الديكتاتورية المطلقة، وتأليه رئيس الحزب، ووضع قاعدة هرمية للمنتمين إليه، بحيث تتركز السلطة في حفنة محدودة تقف على قمة الهرم، وتنظر إلى بقية الأعضاء المنتمين إلى الحزب نظرة المتبوع للتابع، ونظرة الراعي للقطيع، وبهؤلاء الأتباع يشق الحزب طريقه في الإرهاب، وفي محاربة العدل، واضطهاد الحرية، ومنع المساواة، فيضع في يد المتربعين على قمة الحزب كل السلطات والصلاحيات، ويترك لهم قيادة هذا القطيع كما يشاءون، فينال القياديون الامتيازات، ويسخرون كل قدرات أتباعهم لصالحهم، وعندما تواتيهم فرصة الحكم يستغلون ثروات الشعب وإمكاناته، ويركزون كل مقوماته في أيديهم، ويبسطون نفوذهم على سائر الشعب، ويمتهنون المواطنين الذين لا ينضمون إلى الحزب، ويعاملونهم معاملة متدنية، ويعتبرون الحزب هو الذي يمثل الشعب، بينما يعتبرون سائر المواطنين أقل درجة من المنتسبين إلى الحزب، وعلى هذا الاعتبار يعاملونهم ويضطهدونهم».

هذه الخلاصة توضح تمامًا جوهر الحكم في العراق، بل في كل البلدان التي يحكمها الديكتاتوريون الطغاة في العالم الثالث، لكن الكاتب يؤكد غير مرة في كتابه القيِّم أنه لا خلاص للشعوب إلا باجتثاث الطاغية صدام حسين وأضرابه؛ لتعود الكرامة إلى تلك الشعوب المقهورة، وهكذا أصاب المؤلف - حفظه الله - في تشخيص الداء، ووصف له الدواء، مما جعل الكتاب - في اعتقادي - يحتوي على نظرية سياسية في الحكم.

ولقد سبق لي أن قلت في مقدمتي لكتاب (الإسلام والحركات الإسلامية في ملفات صدام حسين وحزبه)، لمؤلفه الأستاذ محمد الأسعد: «إن صدام حسين طاغية من طغاة العصر فاق أقرانه بالكذب والدجل والبطش والإرهاب والأنانية وحب الذات والاستعلاء والغرور، ولم يدع أسلوبًا من أساليب البطش بشعبه والشعوب المجاورة إلا مارسه بأقسى الوسائل، بل وأقذرها، ولم يسلم من شره صغير أو كبير، رجل أو امرأة، عالم أو عامل، عسكري أو مدني، قريب أو بعيد، بل أهلك الحرث والنسل، وعاث في الأرض فسادًا. وقد سلك في تضليل الجماهير مسالك الفراعنة {ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد}، وادعى زورًا وبهتانًا نسبته إلى البيت النبوي الشريف، وكرر مقولة الفرعون الصغير الذي سبقه «خلقت فيكم العزة والكرامة»، وزعم لنفسه ولحزبه من البطولات الفارغة والأمجاد الكاذبة، وطرح الشعارات الإسلامية لخداع الجماهير، وعوام الناس، بل وبعض الدعاة الذين تصوروا أنه صلاح الدين الجديد لتحرير الأقصى وفلسطين، كما خدع من قبل الكثير من الحكومات والدول التي أغدقت عليه المساعدات المالية والعسكرية والتموينية بلا حدود، باعتباره المُدافع عن البوابة الشرقية، وحامي حمى العروبة والإسلام.

وهذا الذي قلته هو الذي تناوله بالتفصيل والتحليل والدقة والعمق الأستاذ المؤلف في كتابه النفيس (مأزق القيم)، مع أن له فضل السبق في ذلك.

وآمل أن يسد هذا الكتاب فراغًا في المكتبة العربية المعاصرة، وأن يكون زادًا في الفقه السياسي للكثير من المخدوعين من الحكام والدعاة والجماهير التي غاب عنها مسلك الطاغية وأهدافه.

والحق أقول: إنني قد وجدت متعة أدبية في قراءتي لهذا الأسلوب الرفيع، كما استفدت منه فوائد كثيرة - رغم أنني قرأته كمقالات في وقتها - ولكن جمعها في كتاب جعلها كحبات اللؤلؤ المنتظمة في سلك عقد على جيد غادة حسناء.

سدد الله خطى المؤلف فيما أجاد وأفاد، ورزقنا الله جميعًا قوة البصر والبصيرة لمعرفة ما ينفع البلاد والعباد، وجزى الله كل العاملين بصدق وإخلاص ووعي وحكمة، وبارك فيهم على ما قدموا من خير لدينهم وأمتهم ووطنهم.

والله الموفق..

المصدر