ثقافة الوكيل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٣١، ١٨ أبريل ٢٠١١ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات) (حمى "ثقافة الوكيل" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد)))
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ثقافة الوكيل

8 اكتوبر 2009

بقلم: نيفين مسعد

فى مجتمعنا المصرى شىء اسمه ثقافة الوكيل. كانت تبحث عن هذا المصطلح أو ما يشبهه لتصف به الظاهرة التى سوف تتكلم عنها حالا حتى دلها عليها صديق فاستأذنت منه فى أن تقتبس المصطلح، فلما أذن لها اقتبست. يدخل عليك فى أى مؤسسة أو دائرة حكومية أو مكتب شخصان لقضاء حاجة واحدة فأحدهما ينوب عن الآخر فى شرح حالته ورفع طلبه، فيما يتابع الآخر الموقف عن كثب أو يجول بناظره فى المكان.

تغيظها جدا هذه الظاهرة وتضعها أحيانا على حافة الانفعال لسببين، الأول أن إنجاز العمل يستغرق وقتا أطول مما يلزم ببساطة لأن الوكيل يحتاج بين الحين والآخر أن يرجع إلى موكله فى بعض التفاصيل الدقيقة التى لا يعرفها عنه بالضرورة، وهنا يصير السؤال سؤالين والإجابة الواحدة اثنتين، ويكون على طرف لسانها أن تقول لكليهما: هيا بنا نجرب أن نختصر الطريق بحوار مباشر، لكنها لا تقول وتواصل الإصغاء.

شىء متعب فعلا أن يتشتت انتباهك وأنت تستمع لشخص وتنظر لآخر، لكنه يحدث ويحدث بكثرة.

أما السبب الثانى لإغاظتها فهو الحيز المكانى الذى يشغله طالب الحاجة ووكيله، خصوصا عندما يتعدد الوكلاء ويدلى كل منهم بدلوه ويتحول الحوار الذى يفترض أن يكون ثنائيا إلى دردشة جماعية يشترك فيها خمسة أشخاص مع أن الأمر يتعلق فقط باثنين منهم وربما أقل.

وفى بعض الأحيان تدخل تكنولوجيا الاتصال على ظاهرة ثقافة الوكيل عندما يناولك أحدهم هاتفه المحمول ويطلب منك أن تحدث موكله على الخط، فيخفف بذلك من ازدحام المكان، أما انفعالها هى فيزيد لأن الاتكال على الغير فى هذه الحالة يكون أوضح.

هى تستطيع أن تفهم أن هناك أناسا أفصح من أناس، وأناسا أجرأ من أناس، وأناسا أعلم من أناس أو حتى أنشط منهم، وأن صفات الفصاحة والجرأة والعلم والنشاط تشفع للبعض منا أن يمنح البعض الآخر صكوك التوكيل.

تقول إنها تفهم وإن كانت لا ترضى، ومع ذلك فإن هذا التفسير رغم تعدد مصادره لا يبدو من وجهة نظرها كافيا.

فمع كل تعقيدات النظرة المجتمعية الدونية للمرأة مثلا ستجد أن صكوك الوكالة تكون فى أحيان كثيرة من نصيب النساء، سبحان الله، فإن هذه البيئة التى تتحفظ كثيرا على أن تدافع المرأة عن حقوق أبناء دائرتها تحت قبة البرلمان هى نفسها التى تمنح الوكالة لامرأة عادية كى تقضى حوائج البشر..

ثم إن هناك مواقف لا ينفع فيها أن ينوب أحد فى الكلام عن أحد كما فى تشخيص أعراض مرض بذاته، لكنه ينوب. كثيرا ما جال بذهنها هذا الخاطر وهى تلحظ اكتظاظ عيادات الأطباء بأعداد تفوق بكثير المرضى الحقيقيين والمقاعد، وقالت لنفسها ليس كل المرافقين جاء ليقدم مساعدة لعاجز أو مسن أو صغير، أو ليعبر عن تعاطف مع قريب له أو جار، فالأرجح أن بينهم من يحمل صفة الوكالة عن سواه وإن ظلت تسأل دون كلل: كيف يمكن لأحد أن ينقل بدقة إحساسا بألم لم يهاجمه؟ وكيف يطمئن المريض إلى من يترجم آهاته؟ وكيف يتصرف الطبيب عندما يكون مدعوا لتكوين رأى معتمدا فى ذلك على شرح وسيط؟

وهناك مواقف تعكس فيها الوكالة تَرَفع الموكل عن مهنته التى يمارسها فيعهد بها لسواه ويشخص هو لمهنة تعد أرقى فى نظره.

أكثر حراس العمارات لا يحرسونها فعلا، فهم عادة ما يخلدون للراحة انتظارا ليوم يجلسون فيه أمام مقود السيارة أو يلتحقون ببوفيه أحد فنادق الخمس نجوم أو يشتغلون بالسمسرة، أما الحراسة فيستأجرون لها من الباطن بعضا من ذوى القربى الزاحفين على العاصمة.. يوهم الموكلون السكان أن راحة الصباح يقابلها قيام الليل حرصا على أمن البناية وما هم يقومون.

وبالتدريج تستمر متوالية الأحداث فيستخف الوكلاء بمهنتهم ويبدأون فى التطلع إلى سواها ويستأجرون من ينوب عنهم فى أدائها، وهكذا دواليك.

هل ثقافة الوكيل هى فرع من الثقافة التى يقال إن المجتمعات النهرية تتمتع بها وتعنى أن يستقيل الشعب من السياسة ليحتكرها الفرعون مقابل أن ينظم توزيع المياه فيما بينهم؟ بقول آخر: هل ثقافة الوكيل هى ثقافة استبدادية ينتزع فيها طرف حق طرف آخر فى الرأى والتعبير كما ينتزع الفرعون حق الناس فى ممارسة السياسة؟.. وجهة نظر لكنها لا تتبناها فهى لم تسترح أبدا للشروح الجاهزة للظواهر، فليس كل استبداد مبعثه الحاجة إلى سلطة حاكم ينظم توزيع مياه النهر، فكثير من الاستبداد يكمن فى البادية وتنتجه الثقافة الرعوية بامتياز.

ثم لماذا لا ننظر لثقافة الوكيل بالعكس على أنها قد تكون آلية لمواجهة الاستبداد عندما يصطحب الشخص الأضعف معه شخصا أقوى ويوكله لتعزيز موقفه فى مواجهة مسئول أو آخر؟

سوف تبقى ثقافة الوكيل ظاهرة غامضة تبحث لها عن تفسير فى كل مرة يمد لها أحد يده بأوراق ليست أوراقه قائلا: أريد أن ألحق فلانا بمؤسستكم الموقرة ثم يلتفت مشيرا إلى الواقف بجانبه عن يمين أو شمال.

وسوف تظل هذه الظاهرة تثيرها فى كل مرة تكظم غيظها وتلتقط الأوراق وتؤشر عليها بالرفض أو القبول، فقط عندما تتخلص من تأقلمها مع هذا الوضع السخيف وتسحب الأوراق من الوكيل وتعيدها إلى صاحبها ليخاطبها بالأصالة عن نفسه ويحدثها شخصيا بما يريد، فقط عندما يحدث هذا فإنها سوف تحسن استغلال وقتها والمكان وسوف تشعر بالراحة لأنها بدأت بالفعل فى التغيير.

المصدر