جلال عبد العزيز

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الحاج جلال عبدالعزيز


بقلم الأستاذ  : عبده مصطفى دسوقي


جلال عبدالعزيز..المربي الصامت

الحاج جلال عبدالعزيز

تمر الأيام ومع مرورها نفقد في كل يوم داعية ومجاهد جرد قلبه وأعماله لله لينشر الفهم الصحيح لهذا الدين بين مجتمع ألهته الدنيا بملذاتها، وانصرف عن غايته الكبرى وهى الله لغايات وأمنيات لا قيمة لها في قاموس أصحاب الأهواء والمصالح الشخصية.


لقد رحل الحاج جلال عبدالعزيز بعد حياة حافلة بالعمل المتواصل لهذه الدعوة المباركة من أن تعرف على الإمام الشهيد حسن البنا.


رحل جلال عبدالعزيز دون أن يلفت نظر الكثير، والذي لم يعرفه كثير من شباب أو رجال الدعوة مثله كمثل كثير ممن ضحوا في سبيل هذه الدعوة المباركة ورحلوا ولم يحاول أن يتعرف عليهم احد إلا من خلال ذكرهم في نعي فضيلة المرشد العام لهم، رحلوا بعد أن تركوا في كل جوانب إخوانهم في محافظتهم أو دعوتهم كثير من معاني التربية العملية الحقة غير أنهم لم يعبئوا بشهرة أو رفعة، كان هدفهم أن يعملوا في صمت ويرضى الله عنهم.


لقد شارك هؤلاء مع إخوانهم في كتابة تاريخ هذه الدعوة بدماء الشهداء .. وعرق المجاهدين .. وأنات المعذبين .. ودموع الثكالى واليتامى .. فتحولت إلى أحرف من نور يضيء الطريق للأجيال اللاحقة، ويقدم لهم القدوة الحسنة، والمثل الأعلى.


لقد ترعرع هؤلاء في مدرسة الإخوان المسلمين، وعاشوا في كنف دعاتها، وأخلصوا العمل بعد فهم عميق، متجردين من كل هوى شخصي، أو نظرة ذاتية، وآثروا الحياة الأخرى على الدنيا الفانية، ونالوا مرتبة عليا عند ربهم وعند الناس.


ولد جلال عبدالعزيز طه بمحافظة كفر الشيخ في مارس 1929م وترعرع بها، وأتم تعليمه في كلية الهندسة، وبعد تخرجه عمل مهندسا في وزارة الاتصالات، وانتهى به الأمر وخرج على المعاش وهو مديراً عاماً للتليفونات بكفر الشيخ حتى مارس 1989، ثم التحق بمجال العمل في نقابة المهندسين بكفر الشيخ.


مع الإمام البنا

تعرف على دعوة الإخوان المسلمين في وقت مبكر حتى أنه كان يرسل للإمام البنا بعض الخطابات، وفي إحدى اللقاءات الخاصة به وصف لنا أول لقاء له بالإمام البنا فقال: بايعنا الإمام البنا على العمل من اجل نشر هذه الدعوة المباركة، وفي أول زيارة لي إلى القاهرة والمركز العام، وعندما ذهبت للسلام على الإمام الشهيد –ولم يكن يعرفني من قبل كما لم يراني من قبل- وجدته يبادرني بالسلام علي ويقول أهلا بالأخ جلال عبدالعزيز، كيف حال والدتك فتعجبت من كونه يعرفني ولم يكن قد قابلني من قبل، وكيف أنه متذكر أمي.


فتذكرت أنه تعرف على من خلال الصورة التي أرسلتها للمركز العام لتضع على كارنيه الجوالة، كما أنني أرسلت له يوما أكلمه في وضع الوالدة، وكان هذا أول لقاء به.


شارك المهندس عبدالمنعم مكاوي نشر الدعوة في كفر الشيخ وقت أن كان المهندس على أبو شعيشع يعمل في البحيرة، حتى أنهه عندما هم بالزواج استشار أخوه جلال عن زوجه فيقول في ذلك: ولما كان الأخ عبد المنعم مكاوي على صلة وطيدة بأسر الإخوان فقد رأيت أن أفاتحه, وفي لقاء بمنزله في سخا فاتحته برغبتي، وأخذ يستعرض شقيقات الإخوان فوجدني على علم بظروف بعضهن، وعدم ارتياحي لهن, وإذا به يفاجئني في أسلوب مرح: "خلاص يا سيدي عندي أختي.. تعال أجوزها لك، ومتنعاش هم الفلوس.. أدي طقم الصالون، ونجهز لك حجرة نوم"، وكانت مفاجأة, فأجبته بالموافقة, فاشترط أن أراها وتم ذلك، وأردت أن استوثق بمعرفة شيء عن حياتها، فاتصلت بالأخ جلال عبد العزيز -لأنه على معرفة بهم- فأجابني على أسئلتي.


مع المحنة

كان جلال عبدالعزيز أحد رجال النظام الخاص، مما عرضه للاعتقال بعد حل الجماعة في 8 ديسمبر 1948م، وبعد خروجه عاد ليشارك إخوانه العمل على عودة شرعية الجماعة وظل الجندي الوفي لدعوته.


وما كادت الثورة تغيير وجه مصر إلا وتغيير معها الوضع العام والخاص، فعسكرت الدولة وانقلبوا على الإخوان، فناله ما نال الإخوان في محنة أكتوبر 1954م، فاعتقل بعد حادثة المنشية وقدم للمحاكمة والتي حكمت عليه بعشر سنوات.


ما كادت المحاكمات تنتهي، إلا ورأى عبد الناصر أن يزيد جرعة التعذيب النفسي على هؤلاء المساجين فأصدر قرار بترحيل كثيرا من الإخوان إلى سجن الواحات -وهو سجن داخل الصحراء الغربية وكان على هيئة خيام تحوطه الأسلاك الشائقة، وفيه الجو شديد الحرارة نهارا شديد البرودة ليلا، غير انه وإخوانه حولوا السجن إلى مدرسة تربوية، تعلم فيها الجميع العلوم الشرعية والمهن الحرفية، قضى في الواحات مدة عم فيها الرخاء واستطاع الإخوان فيها أن يحولوا الصحراء الجدباء إلى أرض خضراء مما ساء بذلك الطغاة فأمر عبدالناصر ببناء سجن في المحاريق وترحيل جميع الإخوان الموجودين في الواحات إليه فما زادهم إلا إصرارا وتمسكا بتعاليم دعوته.


وعندما قدمت السيارات لشحن الإخوان إليه تفجرت قريحة الزجال الإخواني سعد سرور فأخرجت زجلا روح على كل إخوانه وأخذوا ينشدونه أثناء ركوب السيارات وتوجههم إلى المحاريق فكان مما قال:


ع المحاريق ع المحاريق

ربك بكره يفك الضيق

والله رجعنا للزنازين

أوعى تكون مهموم وحزين

شد العزم وقول يا معين

لف النمرة وياللا قوام

وأتقل واصبر ع الأيام

وأبقى في وقت الحق جريء


وأخذ الظالمون يضيقون عليهم في الزنازين ولم يسمحوا لهم بالخروج منها كثيرا حتى يكتبوا تأييد فأنشد سعد سرور:

محلاها والله الزنزانة

مزنوقة ولكن سايعانا

والقعدة فيها عجبانا

وقلوبنا سعيدة وفرحانة

النومة عل الأبراش حلوه

وبقينا مع الله في خلوة

وكتاب الله أجمل سلوى

وآياته تنور دنيانا


كانت والدته تزوره في سجن الواحات وكانت تبث فيه معنى الثبات ومما قالته له: "إن عبد المنعم قُبض عليه وعُذِّب عذابًا شديدًا فلم يهن فلو نطقت بشيء هاقطع لسانك".


خرج جلال عبدالعزيز بعد أن قضى العشر سنوات كاملة، غير انه ما كاد يهنأ بالجلوس حتى فوجئ بأمر اعتقال أخر له في أغسطس 1965م حيث قضى ما يقرب من 6 أعوام أخرى خلف القضبان، حيث سجن ولفترات طويلة مع الشهيد سيد قطب -عليه رحمة الله- وعندما اندلعت فتنة التكفير كان سند للمستشار الهضيبي وإخوانه الأستاذ مصطفى مشهور وغيرهم ممن تصدوا لهذا الفكر المعوج، واخذوا يصححون مسار الشباب مرة أخرى ويوضحوا لهم معالم الطريق الصحيح، فكان ذلك مدعاة للتضييق عليه ومن ثبتوا ضد هذه الفتنة حيث تجرعوا في سبيل ذلك الويلات سواء من إدارة السجن وعلى رأسها عبدالعال سلومة أو من أصحاب الفكر المعوج أمثال شكري مصطفى ومن تبعهم في هذا الفكر، أو ممن أيدوا عبدالناصر وعملوا على نقل الأخبار لرجال المباحث أملا في الخروج من السجن.


كما تم اعتقاله لمدة 3 شهور عام 2006م عندما قبض عليه مع بعض إخوانه في احد اللقاءات.


خروج وانطلاق

بعد خروجه من المعتقل انطلق مع رفيقي دربه الحاج عبدالمنعم مكاوي وعلي أبو شعيشع ينشرون دعوة الإخوان في هذه المحافظة البكر وهي محافظة كفر الشيخ ويرسخون في نفوس الشباب معاني التربية الصحيحة على نهج الكتاب والسنة وعلى مبادئ الإخوان الصحيحة، ومن شدة حبه لإخوانه تزوج هو والحاج عبدالمنعم في ليلة واحدة وتمَّ الزفاف في نادي الزراعيين بالمحلة بعد أن جاء جلال بعروسه من الإسكندرية.


جلال عبدالعزيز والتربية العملية

كان الحاج جلال دائما يعمل في صمت فلم تكن تشغله مناصب أو جاه بل كان همه تربية الرجال، والشباب في المحافظة حتى أتى هذا المجهود المتواصل فروعا يانعة من رجالات الدعوة الموجودين حاليا.


وبعد وفاة الحاج علي أبوشعيشع في نوفمبر من عام 1992م انتخب عضوا في مجلس شورى الجماعة ومسئولا عن مكتب إداري الإخوان بكفر الشيخ حتى توفاه الله.


ومما اذكره ونحن في الجامعة في الفترة من عام 1994م حتى 1998م، أنه كان أول لقاء لي به أن ذهبنا ونحن فى الفرقة الثانية لزيارته وبعض الطلبة في بيته فجلسنا وسطنا وأخذ يبث في الحاضرين آلية معرفة الله وكيف نحبه من خلال العمل له والتضحية بالقليل من أجل الكثير والفاني من أجل الباقي، وأن يحيط العبد كل هذه الأشياء بالإخلاص لله.


في أخر عام طلب بعض الطلبة في رمضان ليفطروا عنده، فذهبنا إليه فأجلسنا فى الشقة العلوية وقبل المغرب بقليل وجدناه –رغم كبر السن- يقوم هو بحمل الأشياء ويخدم علينا فقمنا نساعده فأقسم أن لا يساعده أحد وأن نظل جالسين فى أماكننا وأنه هو الذي سيخدم علينا حتى ينال الجر فكان درسا عمليا لنا في خدمة إخواننا والتواضع لهم، وذكرني هذا الموقف بما كتبه الدكتور رشاد البيومي في حقه بعد الجنازة فقال: " لك الله يا جلال.. لقد كنت مثالاً للتجرد والإخلاص، وكم بذلت من نفسك وجهدك في سبيل خدمة إخوانك..


كنت مسئولاً عن صحة إخوانك، تنظم أوقات إخوانك الأطباء، وتوفِّر ما يحتاجونه من أدوية وعلاج بصبر وأدب. كنت مثالاً للتفاني وإنكار الذات.. فجزاك الله عن إخوانك بالخير، صحبتك حيًّا، ويأبى الله إلا أن أصحبك ميتًا لحين دار الفؤاد إلى مسقط رأسك في كفر الشيخ.. وكم كان أمرك ميسرًا كما يسرت على إخوانك ومحبيك.


حينما كنت اذهب إليه لزيارته في الفترات الأخيرة كان دائم السؤال عن إخوانه من رأيتهم ومن لم أراهم، وحينما كنت اذكر له أنني رأيتك أحد الإخوان الذين عاصروه في السجن كان يسأل عن أخباره وأحواله ويجلس يعدد مآثره وأفعاله داخل المعتقل.


ويقول الدكتور محمود عزت : لقد كان الفقيد أسبقنا إلى أداء الواجبات العامة رغم مرضه وتقدمه فى السن.


كان من أقوال الحاج جلال: إن المسلم مطالب دائمًا بأن يجعل عقله وفكره وقلبه ومشاعره موصولة دائمًا. بمصادر الكتاب والسنة ومطالب كذلك بأن يحول بين قلبه وبين ما قد يحجب عنه نور الحقائق الربانية من الاستغراق في شئون الحياة الدنيا دون التدبر الذاكر والعلم المؤدي للإيمان بشهود عظمة الخالق والمخلوقات ودقة نظام الكون.


رحل هذا المربي الصامت الذي قل أن تسمع صوته بل ترى أفعاله يوم الخميس 17 ديسمبر 2009م الموافق 30 من ذي الحجة 1430م.

وصلات خارجية