جماعة الإخوان المسلمين المصرية "مشاركة الإسلاميين في بيئة سياسية مُغلَقة "

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جماعة الإخوان المسلمين المصرية "مشاركة الإسلاميين في بيئة سياسية مُغلَقة "

بقلم:عمرو حمزاوي وناثان براون

مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي


توطئة

روابط202011.jpg

تواجه جماعة الإخوان المسلمين، الحركة الديناميكية الإسلامية التي أبحرت في النظام شبه السلطوي في مصر لأكثر من ستة عقود واقع تقلص الفضاء السياسي على امتداد معظم العقد الماضي، وسعت جماعة الإخوان المسلمين دورها السياسي مما زاد عدد أعضائها في مجلس الشعب المصري من" 17" إلى"88" عضوا، وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أدى نجاحها إلى تزايد القمع من جانب النظام، وقد حددّت سلسلة من التدابير التي اتخذتها الحكومة من فاعلية الجماعة في مجلس الشعب، وذلك ما منعها من تشكيل حزب سياسي، كما أن البيئة القمعية شجعت الحركة على إعطاء الأولوية للتضامن الداخلي على حساب الأنشطة البرلمانية، وعلى إعادة تركيز جهودها على برامجها التعليمية والدينية والاجتماعية التقليدية، وفي حين لايرجح أن تتخلّى جماعة الإخوان عن العمل السياسي كلياً، إلا أن مركز ثقل الحركة يميل نحو أولئك الذين يعتبرون السياسة مربِكة ومثيرة للانقسامات وحتى مضرة بالتنظيم.

وتتناول هذه الدراسة تجربة جماعة الإخوان كقوة سياسية في مصر، وعلاقتها مع النظام، ومحاولاتها لمراوغة الخطوط الحمراء المتغيرة للنظام السياسي المغلَق في البلاد، والعلاقة المتبدلة بين الإخوان وبين القوى الأخرى في المعارضة، والمواقف السياسية الآخذة في التطور للجماعة، وأنشطة أعضاء الجماعة، وأداؤهم التشريعي في برلمان يشلُه الحزب الوطني الديمقراطي القوي الذي تديره الحكومة، وهذه التحدّيات أثارت جدلاً داخل الحركة حول درجة تركيزها طاقاتها على المشاركة السياسية في ظل الظروف الراهنة، وهذا الجدل وليس ذلك الذي كثيرا ما يشار إليه بين المتشددين والمعتدلين، هو الذي يهيمن على المداولات الداخلية لجماعة الإخوان، وفي نظر عدد متزايد من أعضائها وقياداتها، فإن جماعة الإخوان لاتمتلك سوى القليل لتظهره بشأن جهودها للمطالبة بالإصلاح السياسي في مصر، ل ابل هي بدلاً من ذلك استثارت غضب النظام وتراجعت كحركة فعالة ذات قواعد شعبية وبالتالي، حتى لو لم تنسحب جماعة الإخوان تماماً من السياسة،فإن لتضعف ضعفها المتفاقم مضاعفات قاتمةً على مستقبل الإصلاح السياسي المصري ، وفي كانون الثاني/يناير 2010.

اختارت جماعة الإخوان المسلمين المصرية محمد بديع كثامن مرشد عام لها، وفي حين خاضت الحركة الإسلامية الكبرى في مصر نقاشاً ساخناً أحياناً حول اختيار قادتها في الماضي، إلا أن اختيارهم هذه المرة جرى تحت أضواء محلية ودولية لم يسبق لهامثيل، ولم يكن محمد بديع معروفاً خارج الجماعة، وهذا في حدّ ذاته قد يكون إشارةً إلى المسار المستقبلي لجماعة الإخوان، إذ من المرجّح أن يكون هناك تركيز أكبر على عملية التنظيم الداخلي، وأقلّ على العمل السياسي، ومن المنتظر أن تصبّ الحركة تركيزها على المشاريع الاجتماعية والتربوية الهادئة أكثر مما تصبّه على الصراعات السياسية الصاخبة، هذا التوجه الجديد ليس مجرد نتاج لخيارات داخلية، إذ أن البيئة السياسية في مصر أصبحت عموما أقل جاذبية بكثير، وباتت جماعة الإخوان هدفاً خاصاً لتزايد القيود المفروضة على النشاط السياسي.

وفي ظل مثل هذه التطورات، فإن احتمال وجود نظام سياسي أكثر قابليةً للمنافسة والتعددية السياسية في مصر يتلاشى بوتائر سريعة، وقد حاول بديع نفسه التشديد على الاستمرارية مع الرؤية السياسية لجماعة الإخوان ومشاركتها في الحياة السياسية المصرية، كما أنه أرسل إشارات مهدئةً في شتى الاتجاهات تقريباً، فتضمّنت تصريحاته الأولية عند انتخابه إشارات إلى التزام جماعة الإخوان بالتغيير السلمي وتفانيها في النشاط السياسي، تماشياً مع شعار الحركة الذي سعت إلى تحقيقه «المشاركة لا المغالبة »،لكن إذا ما كانت كلمات بديع الأوّلية أوحت بقليل من التغيير، إلا أن تصرّفاته نمّت عن أسلوب ومروحة من الأولويات مختلفَين جداً، إذ هو امتنع عن تلقّي الأسئلة، وبدا أكثر تحفّظاً من مهدي عاكف سلفه المُندَفِع، وعمل بسرعة لضمان أن تستردّ الحركة التي تزداد تنافر قدرتها على التحدّث بصوت مُوحَّد.

إنّ جماعة الإخوان ليست في طريقها إلى التبدّد، لكن يجب أن يتوقّع المصريون أن تصبح الحركة أكثر تحفّظاً، فتسعى إلى تجنّب العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام، وتعمل بصورة تدريجية، وتحشد صفوفها، وتسعى إلى أن يكون عملها التنظيمي والاجتماعي أقل بهرجة، ومن المُرَجَّح أن تحافظ جماعة الإخوان المسلمين على وجودها التنظيمي في هذه البيئة السياسية الصعبة،ولكي نكون مُنصفين نقول إنها على الأرجح لن تتخلّى تماماً عن المجال السياسي، ومع ذلك ينبغي لنا توقّع أن يدخل الصراع بين الإخوان والنظام مرحلةً أكثر تحفّظا، سيكون التغيير تدريجياً لكن هاماً، إذ لطالما اتّهم النُقّاد الجماعة بأن لديها برنامجاً غامضاً، وأن شعاراتها أقوى من المضمون، و أن رؤيتها السياسية لايمكنها الاستجابة للعديد من الاحتياجات المُلِحّة في مصر، لكانت بأن هذه التهمة كانت مؤخَّراً أقل إقناعاً.

إذ استخدمت جماعة الإخوان مجموعةً متنوّعةً من المداخل لتوضيح رؤيتها لمجتمع مصري يتمتّع بحُكْم أفضل، ويتوخّى المصلحة العامة؛ مجتمع مزدهر وأكثر عدلاً، مجتمع يتميّز بمزيد ومزيد من الأخلاق والقيم الإسلامية، ظهرت هذه التفاصيل عندما أصبحت الجماعة أكثر تسيّبا، وعلى مدى العقد الماضي، انخرطت الجماعة في السياسة بشكل أكبر، فكثّفت مشاركتها الانتخابية، ووضعت، في هذا السياق أجندةً أكثر شمولا وتفصيلا، لكن هذا الجهد بدأ يَهِن الآن، فالوسائل التي طوّرت بموجبها الجماعة عدداً محدّداً من المقترحات، مثل صياغة برنامجها السياسي والمناورة في البرلمان بكتلة كبيرة فازت بها في العام 2005، وفي حين أننا لا نؤيد أجندة الإخوان، إلاأننا نجادل بأن الانسحاب الجزئي للحركة كقوة سياسية قد يُعيد مصر إلى حالة الركود السياسي التي عانتها طويلاً، وفي هذه الدراسة سنتفحص مشاركة جماعة الإخوان في السياسة، وكيف حدثت، والشكل الذي اتخذته، والأجندة التي حاولت الحركة تطويرها وعلى وجه الخصوص، فإننا سنبحث في:

-تطور مقاربات جماعة الإخوان إزاء السياسة.

-بيئة الخطوط الحمراء المتغة ِري وشبه السلطوية التي عملت الحركة في إطارها.

-تطور المواقف السياسية لجماعة الإخوان، وخاصة النتائج المتباينة لتجاربها لاستكشاف احتمالات تشكيل حزب سياسي ووضع برنامج سياسي.

-تجربة الحركة في تشكيل تحالفات عابرة للإيديولوجية للضغط من أجل مزيد من الإصلاح.

-محاولة جماعة الإخوان رسم الخطوط العريضة لأجندة سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة من خلال النشاط البرلماني.

-تطور هذا الجهد البرلماني وكلفته

-المضاعفات المترتِّبة على الانسحاب الجزئي من السياسة.

جماعة الإخوان والسياسة

روابط132011.jpg

لاتزال جماعة الإخوان المسلمين المصرية، وهي الحركة التي افتقرت إلى وجود قانوني رسمي لمدة ستة عقود، من أنجح الحركات الاجتماعية والسياسية في التاريخ العربي المعاصر، فقد استطاعت الحفاظ على بنيتها التنظيمية ورؤيتها خلال بعض أصعب الفترات، واغتنمت ببراعة الفرص التي أتيحَت لها وحشرت نفسها في أي فجوة ظهرت في النظام السياسي المصري المُغلَق عموماً، لقد دقّق الكثير من المراقبين المصريين والدوليين في أقوال جماعة الإخوان وأفعالها، وناقشوا بحدّة التزامها بالديمقراطية، وموقفها من القيم الليبرالية والعنف مثل هذه المناقشات ثارت داخل الحركة نفسها، لكنّ هذه القضايا ليست في الوقت الراهن، ولم تكن إلا نادراً في الماضي، النقطةَ المحوريةَ للمناقشات الداخلية،بدلاً من ذلك، تركزت المناقشات الداخلية على اهتمام أوسع، وإن كان ذي صلة بدور السياسة،كيف يمكن وينبغي للجهود السياسية أن تدفع إلى الأمام بأجندة الإخوان الأوسع في البيئة السياسية والاجتماعية المُتغيِرة في مصر؟

في الواقع تأسست جماعة الإخوان المسلمين بهدف انتهاج أجندة إصلاحية واسعة، اتخذت على مر الزمن جوانب شخصيةً ودينيةً واجتماعيةً وسياسيةً، ويتركّز النقاش الحرج داخل الحركة في العقود الأخيرة على درجة الالتزام بالمشاركة السياسية وبأيّ طريق والدعوات إلى الانسحاب الكامل من السياسة لاتسمَع إلا على هامش الحركة، وفي أوساط منتقديها، ومع أنّه ثمة توافق داخلي واسع على وجوب أن تظلّ جماعة الإخوان منخرطةً جزئياً في السياسة، إلا أنّ زعماءها ناقشوا بحدّة المدى الذي جماعة الإخوان المسلمين المصرية.

مشاركة الإسلاميين في بيئة سياسية مُغلَقة

ينبغي أن تكون المشاركة فيه واسعة النطاق، والأشكال التي ينبغي أن تتخذها تلك المشاركة، وكيفية ربط النشاط السياسي بالأهداف الإصلاحية طويلة الأجل لجماعة الإخوان، والواقع أنّ الأهداف طويلة الأجل هي إلى حدّ كبير، محور النقاش، ويصرّ زعماء الجماعة ويتصرّفون كما لو كان الأمر كذلك، على أنهم لايركِزون على الصراع اليومي قصير المدى للسياسة، بقدر مايركّزون على رؤية الحركة الأوسع لمجتمع يعمل وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية، إن اهتمامنا في هذه الدراسة يتركّز في المقام الأول على السياسات المصرية، وكيف أثّر النظام السياسي المصري على حركة ذات قاعدة عريضة ومستوحاة دينياً؟ وكيف أثّر النشاط السياسي لجماعة الإخوان على السياسات المصرية، وكيف من المحتمل أن تؤثّر على السياسة في المستقبل؟ وبشكل أكثر تحديداً، مات ثير الوجود المتنامي لجماعة الإخوان في البرلمان المصري، وماذا سيكون تأثير استبعادها المحتمل مع أنه قد يكون جزئيا من تلك الهيئة بعد الانتخابات المقرَّرة في أواخر العام 2010 ؟.

وفي أعقاب الانتخابات البرلمانية العام 2005 ، حين فاز مرشحو الإخوان ب 88 من أصل 444 مقعدا بالانتخاب، وضعنا مروحةً من السيناريوهات للسياسة المصرية تتراوح من التوافق إلى المواجهة بين الحركة والنظام، ومنذ ذلك الوقت، بات من الواضح أن النظام تبنّى إستراتيجيةً وصفناها بأنها سيناريو جزائري مُعدَّل فعلى غرار ما فعل النظام الجزائري في العام 1991، قرّرت القيادة الحالية في مصر وضع قيود أكثر صرامةً على العمليات الديمقراطية، ومكافحة النفوذ المتنامي لجماعة الإخوان من خلال مزيج من الاعتقالات والإجراءات الأمنية، والقيود القانونية والدستورية، والحملات الإيديولوجية والمضايقات.

وصحيح أنّ النظام المصري أكثر تدرّجاً وهدوءاً من النظام الجزائري في التسعينيات، لكنه لايزال يرفض أيّ محاولة لدمج جماعة الإخوان كقوّة سياسية عادية، ومع ذلك، فإن ردّ فعل قادة جماعة الإخوان لم يكن كما لو أن حركتهم في أزمة، بدلاً من ذلك، استجابوا ببطء وحذر، وبشكل متثاقل تقريباً، وشكوا من حملة الإجراءات الصارمة ضدّهم، لكن من دون أن يقاوموها بشكل نشط ، ولعلّ تركيز الحركة على رؤيتها طويلة الأمد وصبرها وتحمّلها، يفسر ما اُمترسه من ضبط النفس، ومع ذلك فإن أثر انسحابها سيؤدي إلى الحدّ من اهتمام الحركة بالمجال السياسي واحتمال دمج الحركة الإسلامية الأقدم والأكثر نفوذاً في العالم العربي في المشهد السياسي المصري كحزب رسمي.

البيئة السياسية

خطوط حمراء دائمة التغيُّر كُمين وصف البيئة السياسية الحالية في مصر بأنها « شبه سلطوية » من حيث أنها تحظّر أيّ احتجاج ذات معنى على السلطة السياسية، لكنها لاتزال تترك مجالاً للمعارضة كي تُععن نفسها، وإلى حدّ أقل، كي تُنظِّم نفسها، الطبيعة شبه السلطوية الأساسية للنظام السياسي المصري الحالي مترسخة تماماً، وعلى الرغم من أن مصر لم تكن أبداً ديمقراطية دستورية، فإن التعددية الحقيقية والناشئة في وقت سابق من القرن العشرين سقطت لصالح سلطة مركَّزة مع إنشاء النظام الحالي في العام 1952، ومنذ ذلك الوقت، أظهر النظام عموماً ثلاث سمات:

فهو كان نظاماً مركزياً للغاية حيث تتركّز السلطة في منصب الرئاسة والمنافسة السياسية كانت محدودةً بشكل كبير، واعتبر قادة النظام أيّ محاولة من جانب المعارضة لإعادة صياغة الترتيبات السياسية السائدة عموماً، خطراً على الأمن بدلاً من كونها تحدّياً سياسياً.

وفي الواقع، لم يكن النظام، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، شبه سلطوي أيّ أنه كان سلطوياً تماماً، بيد أنّ الوجه السلطوي للنظام أخذ يلين في أوائل السبعينيات، و إن بشكل غير متساوٍ وغير متجانس في الواقع، في بعض النواحي الهامة، فقد بقيت السمات الثلاث المركزية، والقيود المفروضة على الاحتجاج، والعقلية الأمنية راسخةً في مكانها، لكنها كانت تُنَفَّذ في بعض الأحيان بطرق أقل وحشية، كان الحدث الأبرز هو فتح المجال أمام التعبير السياسي، فابتداءً من أواخر السبعينيات، ظهرت صحف المعارضة، وفي العقد الحالي، أثبتت بعض الصحف المستقلّة أنها حتى أكثر أهمية في توسيع المجال السياسي، وكثيراً ما انتزعت مؤسسات الدولة.

بدءاً من القضاء وانتهاءً بالمجمع الرسمي الديني والتربوي المعروف باسم الأزهر، قدراً أكبر من الاستقلال الذاتي من الرئاسة، كما عادت تعدّدية سياسية من نوع محدود إلى مصر، عندما تخلّى النظام عن ممارسة تعيينِ حزبٍ سياسيٍّ واحد شامل، ففي السبعينيات تمّ السماح لبعض القوى من حقبة ما قبل العام 1952بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين بالعودة من جديد إلا أنّ البيئة الحزبية بالكاد حرة إذ أنّ الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم يهيمن على الساحة السياسية، ويندمج أحياناً مع بيروقراطية الدولة و أجزاء من مجتمع الأعمال، ويستخدم أدوات الدولة للحفاظ على احتكاره للسلطة، علاوة على ذلك، لايمكن إنشاء أحزاب المعارضة إلا في ظلّ شروط معينة، علماً أنّ هذه الأحزاب لم تتمكّن من إقامة روابط قوية مع قواعد شعبية محتملة، وجماعة الإخوان نفسها لم نُمتَح أبداً أيّ وضع قانوني، وهي أُثبِطَت عن تشكيل حزب سياسي وحتى حُظِّر عليها ذلك دستورياً في العام 2007 غالباً مايتحدّث المصريون عن نظامهم السياسي على أنّه ذلك الذي يسمح بالمعارضة ضمن «خطوط حمراء»، وهذا الوصف وإن كان دقيقاً، يمكن أن يكون مُضلِّلاً في جانب هام:

إذإن «الخطوط الحمراء» موضع النقاش لاهي مقبولة ولامتّسقة إنها ليست ببساطة مبهمةً، لكنها مُتغيِّرة باستمرار، تدفعها مجموعة متنوعة من قوى المعارضة. لاتزال الخطوط أكثر قسوةً بالنسبة إلى القوى السياسية الإسلامية منها بالنسبة إلى الآخرين، لكن حتى بالنسبة إلى هذه القوى، ومشاركة الإسلاميين في بيئة سياسية مُغلَقة تتحرك من شهر إلى شهر، ويمكن أن نُعايِن التحوّلات المستمرّة في قواعد اللعبة السياسية بجلاء في المجال الانتخابي، فالانتخابات المصرية هي بمعنى من المعاني، محصلات مقرَّرة سلفاً، إذ لايوجد حالياً أيّ احتمال لانتقال السلطة السياسية من يد إلى يد على أساس النتائج الانتخابية ومع ذلك فإن جميع العناصر الأخرى في الانتخابات، إلى جانب نتائجها، عُرضة للخلاف والصراعات العنيفة في بعض الأحيان، حيث يترافق الاقتراع بشكل روتيني مع اعتقالات واشتباكات بين الجماعات المتنافسة، كما أن القواعد التي تحكم الانتخابات في مصر تتغير باستمرار، وتأثرت بمزيج متباين من مكائد النظام ودسائسه، وقرارات المحاكم، والأحكام الدستورية، وتهديدات المعارضة، والضغط الدولي، واللامبالاة الشعبية، ومن وجهة نظر الإخوان:

تتيح الانتخابات التشريعية الفرصة للسعي إلى تحقيق العديد من الأهداف المختلفة، مع أن الفوز في الانتخابات هو ببساطة ليس واحداً منها، على الأقل في المدى القصير، فمنذ عودتها إلى الظهور في السبعينيات، اكتشفت جماعة الإخوان وسائل لتقديم مرشحين حتى من دون وضع قانوني، عن طريق خوض مرشحيها الانتخابات تحت رايات حزب آخر أو كمستقلّين، وقد استجابت جماعة الإخوان لكل تحوُّل في القواعد بتحوّلات في تكتيكاتها الخاصة فهي اختارت بين الفينة والأخرى مقاطعة الانتخابات، وطرح قوائم مرشحين طموحة، وتشكيل تحالفات والتنصل منها، وتعديل برنامجها لأغراض انتخابية، هذا في حين كانت توضح في الوقت نفسه أن المبادئ الأخرى غير قابلة للتغيير بيد أن الترشح في الانتخابات ينطوي أيضاً على أكلاف ومخاطر، إذ يُقال من جانب البعض في داخل الحركة على سبيل المثال، إن نجاح جماعة الإخوان في الانتخابات البرلمانية للعام 2005 لم يثبت دورها الشعبي وحسب، لكنه أثار أيضاً غضب نظام قمعي لكن، كيف أثّرت القواعد المتقبلة للنظام المصري شبه السلطوي على مواقف جماعة الإخوان؟ تطوّر الموقف السياسي لجماعة الإخوان:

أدّت المشاركة الواسعة لجماعة الإخوان في الحياة السياسية المصرية إلى حدوث تطور في مواقفها السياسية، فقد قادتها المشاركة إلى التشديد على الإصلاح السياسي، ووضعت صوُّر ل «دولة مدنية بإطار مرجعي إسلامي »، وبلورة مقترحات سياسة محدّدة في حين واصلت الحفاظ على مساحات كبيرة من الغموض والجدل، وقبل تتبّع تطوّر مواقفها، من المفيد النظر في الموقف العام لجماعة الإخوان تجاه السياسة، وهو تطوّر يتميّز بالقدر نفسه من الأهمية، لكن غالباً مايتمّ تجاهله.

الاقتراب من الخطوة الحاسمة لتأسيس حزب سياسي

لم ترفض جماعة الإخوان قطّ المشاركة في الانتخابات البرلمانية من حيث المبدأ، فقد حاول مؤسسها حسن البنا خوض الانتخابات البرلمانية، ولكن إن لم تكن جماعة الإخوان تنصلت من البرلمان، إلا أنها لم تُبدِ أيضاً اهتماماً كبيراً بالسياسات الانتخابية.

وفي الواقع أبدت الحركة ازدراءً واضحا للسياسة الحزبية، معتبرةً أن مصالح المجتمع بأكمله لها الأسبقية على التحزّب المُثير للشقاق، وابتداءً من الخمسينيات تطوّرت الفروع الإيديولوجية لجماعة الإخوان في ااّجتهادات أكثر راديكالية، رافضةً أي نظام لايستند إلى الشرعية بوصفه نظاماً غير شرعي أساساً وعلى أي حال فقد كانت مسألة المشاركة في الانتخابات غير ذي أهمية، لأن السياسة المصرية اتخذت منحىً سلطوياً حادّاً في الخمسينيات، و أصبحت جماعة الإخوان واحداً من الأهداف الرئيسة لقمع النظام، ومع ذلك بدأ النظام السياسي المصري في السبعينيات بالتحوّل تدريجياً من نظام سلطوي تماما إلى نظام شبه سلطوي تمّ وصفه أعلاه، ما منح جماعة الإخوان مزيداً من حرية المناورة.

وكان القادة من كبار السن الذين كانوا قد سجِنوا أو فرّوا من البلاد يُنعِشون الحركة، فيما كان طلاب مصريون يُشكِّلون حركةً ذات تنسيق فضفاض تقوم على قدر أكبر من الاهتمام والنشاط الدينيَّين وعلى الرغم من أن الحركة الطلابية اتّخذت أشكالاً عدّةً، فقد بدأ بعض الطلاب ينجذبون إلى جماعة الإخوان، التي رحّبت بهم ترحيباً حاراً وتأثير ذلك لم يقتصر على تجديد شباب الحركة وحسب، بل ضخّ فيها أيضاً مجموعةً متنوّعةً من الأفكار التنظيمية الجديدة وتوجّهاً أكبر نحو مزيد من النشاط السياسي، أولاً من خلال الاتحادات الطلابية، ومِن ثم عندما تخرّج القادة الجدد، من خلال النقابات المهنية، وقد وظّفت جماعة الإخوان هذه الطاقة المُكتَشفة حديثاً عبر الانخراط في العملية الانتخابية البرلمانية في معظم الانتخابات، شارك الإخوان بطريقة لاتستثير التهديد، من خلال المنافسة على عدد محدود من المقاعد، وفي الذروة السابقة لنجاحها الانتخابي شاركت جماعة الإخوان لفترة قصيرة في تحالف مع حزب الوفد الليبرالي الذي فاز ب 58 مقعداً في العام 1984، وفي دورتين انتخابيتين لاحقاً شاركت جماعة الإخوان المسلمين في العام 1990، في مقاطعة المعارضة الاقتراع البرلماني، مطالِبةً بعملية أكثر حياديةً لإدارة الانتخابات، وباحترام أكثر إخلاصاً للضمانات الدستورية لنزاهة العملية الانتخابية لكن في معظم الانتخابات قدّمت جماعة الإخوان عدداً متواضعاً من المرشحين، وفازت بعدد متواضع من المقاعد.

وفي العام 2005،قرّرت قيادة جماعة الإخوان تكثيف مشاركتها في الانتخابات بتقديم 161مرشحاً، بيد أنّها قامت في الوقت نفسه بخطوات لطمأنة حكّام البلاد بأنها لاتمتلك مايكفي من الجرأة لتسعى إلى الحصول على الأغلبية، فقد كان عدد مرشحيها قليلاً إلى درجة أنه حتى لو فازوا كلهم، فإن الجماعة لن تسيطر إلا على ثلث البرلمان، علاوة على ذلك تجنبت الجماعة أن يخو ض مرشحوها الانتخابات ضدّ أبرز شخصيات الحزب الحاكم، وهكذا لم يتجنّب قادة الإخوان الحصول على أغلبيةٍ في الانتخابات وحسب، بل هم اعترفوا أيضاً بضرورة العمل على تقييد عمل الأقلية التي يملكونها في البرلمان إلى الحدّ الذي لايهدِّد الحزب الحاكم، ولو أنهم فازوا بأكثر من100مقاعد، لكانوا حصلوا على كتلة كافية لعرقلة بعض أعمال الحزب الوطني، وماكان ذلك ليعني مجرّد مشاركة محدودة في البرلمان، بل أيضاً صوتاً مباشراً في شؤون الحكم، وهو الأمر الذي لم تكن جماعة الإخوان مستعدّةً له بعد، وعلى الرغم من هذه القيود المفروضة ذاتياً، حقّقت المشاركة الواسعة للجماعة إنجازات ملحوظةً، فقد فازت بثمانية وثمانين مقعداً.

وربما حصلت على عشرين مقعدا ًآخر لو لم يكن هناك تلاعب وترهيب رسمي، وفي المنافسات الشخصية المباشرة بين المرشحين الذين ترعاهم جماعة الإخوان، وبين مرشحي الحزب الوطني الديمقراطي، فازت الجماعة بثلثي السباقات، هذا الأداء المذهل وضع الحركة وجهاً لوجه أمام مسألة تشكيل حزب سياسي انتخابي المنحى، وهي خطوة كبيرة تحمل مغزى فكرياً وتنظيميا، كما ذكرنا أعلاه، تجنّبت جماعة الإخوان لفترة طويلة القيام بأيّ خطوة في اتجاه تشكيل حزب، وفي أيام مُؤسها حسن البنا، تنصلت الحركة من السياسة الحزبية، وحتى عندما كانت تشارك، فإنها تجنّبت تشكيل حزبها الخاص أو الاصطفاف رسمياً مع أحزاب أخرى، وبعد وفاة البنا في العام 1949 وحتى السبعينيات، قمع النظام الحركة، وعندما سمحت لها الحكومة بمعاودة الظهور، أبدى بعض الناشطين الأصغر سناً اهتماماً بتشكيل حزب سياسي، غير أنّ البيئةَ القانونية المُقيِّدة والحرسَ القديم في الحركة، أعاقا هذا التحرّك، وفي العام 1995، تم سحب عدد من الناشطين الأصغر سنا من الحركة،وفي نهاية المطاف، وحاولوا تشكيل حزب جديد هو «حزب الوسط ».

وقد أثبطت حقيقة أن هؤلاء النشطاء لم يعودوا شباباً، ولم ينجحوا حتى يومنا هذا في إزالة تلك العقبات القانونية، همّة أعضاء آخرين في السير على خطاهم، وعلى المستوى الإيديولوجي كان منشأن تشكيل حزب ذي توجّهات انتخابية أن يُرغِم جماعة الإخوان على التخلّي عن انعدام الثقة القديم، وإن المتضائل في السياسات الحزبية، والواقع أنّه إذا ما كان ممكناً اتّهام جماعة الإخوان بأنها أضمرت ميولاً معاديةً للديمقراطية، فإن هذه الميول لاتكمن كثيراً في عدم الثقة في الديمقراطية نظرياً، بل في النفور من الصراعات في السياسات اليومية، التي يجهد فيها اللاعبون المختلفون وجماعات المصالح لترجمة أولوياتهم إلى سياسة، وعلى هذا المستوى بدا أن جماعة الإخوان قد غيرت اعتراضها على تشكيل حزب، فنقلته من عالم المبادئ إلى عالم الواقع وهكذا، وحين كان قادة الجماعة يُسألون عن نواياهم في شأن مسألة تشكيل حزب، لايشيرون إلا إلى العقبات السياسية والقانونية، لا إلى تردّدهم الإيديولوجي.

لكن العقبات القانونية لايمكن تجاوزها في الوقت الحاضر، وقد منعت القادة من التصدي للآثار المترتّبة على قبول بيئة سياسية تعدّدية، أما على المستوى التنظيمي، فسيكون لتشكيل حزب سياسي أثرٌ كبيرٌ من ثلاثة أوجه، فمن شأن ذلك:

أوّلاً:أن يخلق ذراعاً في الحركة له إحساس مختلف بالزمن، فقادة جماعة الإخوان يؤكّدون بشكل روتيني، ويتصرّفون كما لو أنهم يقيسون الوقت بالعقود بدلاً من أن يقيسوه بالأيام، هذا في حين أنّ الحزب الانتخابي يتشبّث بالضرورة، إذا مامُنِح استقلاليةً كاملةً، بدورة انتخابية، ويعمل باستمرار على تحديد موقعه تحسباً لأدائه المقبل في صناديق الاقتراع وفي مثل هذه البيئة الاعتبارات التكتيكية كثيراً ماتتفوّق على زميلتها الإستراتيجية، هذا الأفق الزمني المُعدّل مُرتَبِط بالمعنى التنظيمي الثاني المتضمّن لتشكيل حزب انتخابي، والظهور الحتمي لمجموعة قيادية جديدة داخل الحركة، بمصالحها وأولوياتها المُتمَيِّزة، إذ أن إنشاء أذرع انتخابية منفصلة من قبل حركات مماثلة أجبرها على التعامل مع الأسئلة الصعبة:

-مامدى الاستقلالية التي ينبغي منحها للحزب؟

-وإلى أيّ مدى ينبغي أن يكون قادراً على الاعتماد على صدقية الحركة الأوسع ومواردها؟

-وهل أن تشكيل حزب يُورّط، وحتى يُلطِّخ، أنشطة الحركة الأوسع في الصراعات السياسية؟

ثالثاً، إن منشأ حزب انتخابي أن يكون أكثر اهتماماً مما كانت عليه جماعة الإخوان في العادة بضرورة التعامل مع القوى السياسية الأخرى، بحيث يقرّر كيف ومتى يُشكّل التحالفات ويساوم الأحزاب الأخرى، ويؤكد على تمايز الخطط والبرامج، ويستميل المؤيّدين من الأحزاب الأخرى، في نهاية المطاف، أنقذ النظام المصري جماعة الإخوان المسلمين من الحاجة إلى الردّ على أيّ من هذه الأسئلة، وفي الواقع كانت ردود النظام القاسية، لاترد الحركة، هي التي عرقلت أكثر توجّه الجماعة نحو تشكيل حزب سياسي، ويوضح زعماء الحركة أن النظام شبه السلطوي في مصر حاول أن يخيهر بشكل ضمني أو صريح، بين مواصلة أنشطتهم غير السياسية بحرية أكثر، وبين التشبّث بدورهم السياسي ومواجهة القمع، وقد رفض زعماء جماعة الإخوان المسلمين الاختيار، فلم يتخلّوا لا عن السياسة ولا عن العمل الاجتماعي لكنهم برفضهم التخلّي عن العمل السياسي، واجهواجهود النظام المتضافرة لإجبارهم على الانسحاب من اللعبة. وفي المستقبل، لن يُسمَح لهم بتشكيل حزب، أو حتى التنافس على أساس غير حزبي، كما فعلوا في العام 2005 ، من دون أن يواجهوا قمعا قاسياً.

تعريف المواقع

الانتقال إلى وضع برنامج الحزب ثم التراجع عنه في حين أن طريق جماعة الإخوان لأن تصبح حزباً سياسياً قد تكون مسدودةً في المستقبل المنظور، إلا أن نشاط الحركة السياسي المتحسن دفع بها إلى توضيح مواقفها بلغة أكثر تحديدا، فمنذ أن استأنفت نشاطها السياسي في السبعينيات والثمانينيات، دفعت جماعة الإخوان باستمرار من أجل قدر من التحرّر السياسي، صحيح أنّه لم تتمّ ترجمة احترام الحركة للحريات السياسية دائماً إلى دعم للحرية في المجالين الاجتماعي والثقافي، إلا أنّ تشديدها على التحرر السياسي بات أكثر وضوحاً على مرّ السنين.

وبحلول العام،2004أصبحت الجماعة متقدّمةً بما فيه الكفاية في تفكيرها للتوصل إلى ر ؤية شاملة للإصلاح السياسي، وقد كان مضمون ذلك البرنامج لافتاً ليس بسبب تفاصيله وحسب، بل أيضاً بسبب الطريقة التي عكس بها مطالب جماعات المعارضة من مختلف ألوان الطيف السياسي، وقد جاء في وقت وفرت فيه طفرة في التفكير والنشاط الإصلاحيَّين إشارةً وإعادة إلى أن الركود السياسي في مصر قد يتمّ كسره ولبرهة من الزمن، بدا أن النظام لايعرف كيفية الردّ على انطلاقة درجة غير مسبوقة من الضغوط الداخلية والخارجية من أجل الإصلاح، بيد أنّ النظام المصري استعاد توازنه في نهاية المطاف، وتمكّن من تفادي التحدّيات بسهولة نسبية، وعندما حدث ذلك تعرضت جماعة الإخوان إلى انتقادات من حركات المعارضة الزميلة لسببين:

أولاً:ادعى قادة بعض جماعات المعارضة الأخرى مثل البعض في التحالف الواسع المعروف باسم حركة كفاية أن مساهمة جماعة الإخوان في حركة المعارضة كان لفظياً لاعمليا، صحيح أنّ أعضاء جماعة الإخوان شاركوا أحياناً في المظاهرات والجهود المشتركة، لكنهم بدوا حذرين جداً تجاه نشطاء المعارضة الذين كانوا مصممين على كسر «الخطوط الحمراء»التي قيّدتهم لفترة طويلة، وعندما نظّمت شخصيات معارضة أخرى مظاهرات في الشوارع أو استخدمت خطاباً تعتبره جماعة الإخوان قوياً جداً وحتى «وقحاً »، كان زعماء جماعة الإخوان يتراجعون، وبالفعل فإن الأفق الزمني الطويل والحَذَر الأسطوري للحركة يشيران إلى أن الانتقادات التي تطلقها شخصيات معارضة أخرى كانت صحيحةً، إذ إنّ زعماء الإخوان كانوا مقتنعين بأن الوقت ليس مناسباً للمخاطرة بكل شيء في مواجهة مع النظام، كما اتّهم النقّاد جماعة الإخوان المسلمين بأنها، وعلى الرغم من كل استعداداتها لقبول جوانب الإصلاح السياسي،و لا تزال ترى فيه الإصلاح وسيلةً لإقامة دولة إسلامية، وكان شعار «دولة مدنية بإطارٍ مرجعيٍّ إسلاميٍّ » غامضاً للغاية ولايوفّر الطمأنينة المطلوبة، وبناءً على ذلك بدأت جماعة الإخوان العمل على توضيح مواقفها في وثيقة طويلة للغاية، وصلت في نهاية المطاف إلى 128 صفحةً.

وكانت على الرغم من أنها مؤقتة، مكتوبةً بشكل صريح واضعةً في اعتبارها تشكيل حزب سياسي، وكان هدف جماعة الإخوان من صياغة الوثيقة إجبار قادتها أنفسهم على الموافقة على تفاصيل رؤيتهم السياسية لمصر، و إيصالها إلى مَنْ هم خارج الحركة، وقد تمّ تعميم الوثيقة وطُلِب التعليق عليها في أوساط مجموعة صغيرة أصلاً، ولكن سرعان ما سرِّبَت الوثيقة ونشرَت في العام 2007، لكنها لم تُستَكْمَل، مع تجدّد موجة القمع التي تلَت الأداء الانتخابي القوي للحركة، استمرّ زعماء الإخوان في تأجيل المشروع النهائي، وفي نهاية المطاف، أوضحوا أن المشروع وُضع على الرفّ في الوقت الحاضر، ومع ذلك يقدِّم مشروع البرنامج رؤيةً مميّزةً لما يبدو عليه المشروع السياسي لحركة الإخوان في بعض المسائل المثيرة للجدل، كما يطرح جزء كبير من البرنامج السياسي لجماعة الإخوان إستراتيجية التطمين المُتطوِّرة الخاصة بها في شأن التوافق بين أجندتها الدينية وبين البيئة القانونية القائمة، فهو يُظهِر احتراماً للمؤسسات الدستورية في البلاد، ويسعى إلى التقليل من شأن منصب الرئاسة، لكنه يُظهِر ارتياحاً حقيقياً تجاه الفكرة القائلة بأن ممثلي الشعب المنتخَبين في البرلمان هم بصورة عامة الحَكَمُ النهائي حول أيّ من تعاليم الدين الإسلامي يجب أن تعتبر واجبة التطبيق، لكن في فقرة موجزة، يبدو أن البرنامج السياسي للحركة يتّخذ خطوةً ربما تكون بعيدة المدى في اجندة مختلف للغاية:

فهو يدعو إلى إنشاء مجلس من فقهاء الدين، يتمّ انتخابه من قبل جميع علماء الدين في البلاد لتقديم المشورة إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية في مسائل الشريعة، وتشير الفقرة الخاصة بالمجلس أيضاً إلى أن الهيئة الجديدة قد تكون لها سلطة التعليق على طائفة واسعة من الأعمال التشريعية والتنفيذية، وأن رأيها سيكون مُلزِماً - وليس مجرّد رأي استشاري في شأن المسائل التي ترى فيها أن حكم الشريعة موضع النقاش النهائي وغير قابل لتفسيرات متباينة، بدا أن الشرط الخاص بالمجلس قد أخذ بعض قادة حركة الإخوان المسلمين على حين غرّة، فمن ناحية، استجاب المجلس المقترح إلى ضغط واضح من أتباع الحركة الأكثر التزاماً عقائدياً حين لم يترك الشريعة الإسلامية خلف صيغ مسكِنة، كما استجاب إلى إ صرار بعض كبار القادة على جعل المبادئ المستندة إلى الشريعة قيدا قابلا للتطبيق على الحكام، هذا إضافةً إلى أن اشتراط أن يكون المجلس الديني مُنتخَباً بدل أن يكون مُعيَّناً هدف إلى التقليل من دور اللاعبين الرسميين مثل المفتي وشيخ الأزهر اللذين يُنظَر إليهما على أنهما مستلحَقان من قبل الدولة، لصالح جسم علماء الدين كله، حيث الكثير منهم يتعاطفون مع جماعة الإخوان وبرنامجها، ومن ناحية أخرى، نفرت جماعة الإخوان، بإدراجها هذه الجمل، آخرين كثراً داخل الحركة وخارجها، وجعلت نفسها عرضةً إلى الاتّهام بأنها تفضل حكم رجال الدين.

وقد انتقد بعض أعضاء جماعة الإخوان اللغة لأسباب موضوعية وإجرائية، مُدَّعين أن هيئة علماء الدين المقتحرة تستند إلى تفضيل غير شرعي لبعض التفسيرات للشريعة الإسلامية على غيرها، وليس إلى أي موقف راسخ لحركة الإخوان، ثم إنهم ادعوا أن اللغة لم تناقش بشكل كامل داخل الحركة، ولكنها أُدرِجَت في عدد من التعديلات غير المدروسة التي أُدخِلَت في اللحظات الأخيرة، ومع ذلك فإن عاصفة الانتقادات الخارجية فاقت حرارة النقاش داخل الحركة، حتى المثقفون الذين دعوا إلى قبول جماعة الإخوان كقوة سياسية عادية، انتقدوا ما رأوا أنه ميل الحركة في دولة دينية ثيوقراطية، لم يرغِم البرنامج السياسي جماعة الإخوان على دفع التكاليف الداخلية والخارجية لدخولها إلى مجال التحديد وحسب، بل جعل أيضاً من الانسحاب والعودة إلى العموميات أكثر صعوبة، وقد ألمح قادة الإخوان إلى أنه إذا ماقرروا وضع مشروع نهائي، فإنه سيتم حذف هذا البند، لكن وفي حين قد يكون من الممكن إسقاط الفقرة من البرنامج أو إفراغها من الكثير من مضمونها، إلا أنه لايمكن حجب الحقيقة بأن البعض داخل القيادة لديه تصوّر للشريعة يصدم الكثير من المصريين بوصفه لاديمقراطيا، لكن ومهما حاولت الجماعة التخفيف من الخلافات التي دشنتها لغة البرنامج في هذا المجال، فإنها ستواجه تداعيات الجدل لبعض الوقت.

الأقباط والمرأة

أرغم مشروع البرنامج السياسي لجماعة الإخوان المسلمين الحركة على دفع ثمن التحديد في مسألة بارزة أخرى موقفها الواضح من أنه ينبغي استبعاد المرأة وغير المسلمين من المناصب العليا في أي دولة وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية، وقد استندت حجة هذا الحظر إلى تيار تقليدي في الفكر الإسلامي القانوني والسياسي يركز على تحديد الشروط الأساسية الواجب توفّرها في الحاكم، وفقاً لخطاب الإخوان المرتكز على الدين، والمناصب الرئيسية للحكم ولأن الحاكم في مجتمع إسلامي يتقلّد بعض الوظائف الدينية، فإن معظم السلطات الإسلامية القانونية والسياسية ما قبل الحديثة كانت تظن أن الحاكم نفسه يجب أن يكون مسلماً.

ونظراً إلى الطبيعة العامة للدور، كان من الشائع أيضاً الإصرار على اشتراط أن يكون الحاكم من الذكور، وهذا بالنسبة إلى البعض داخل جماعة الإخوان، كانت هذه بالضبط القاعدة الثابتة والقائمة على الشريعة الإسلامية التي لاينبغي تجاوزها، بيد أن آخرين لم يشعروا بأنهم ملزَمون بذلك، فهم رفضوا ما اعتبروه تعليلاً قانونياً غير ضروري عفا عليه الزمن، ورأوا في المسألة برمتها خلافاً يسبِب أضرارا سياسية، وقد جادل معارضو استبعاد الأقباط والمرأة بأن الكتابات القانونية الإسلامية المعيارية تصورت دولةً قائمةً على حاكم وراثي، وليس على السلسلة المعقّدة من المؤسسات الموجودة حالياً أو التي ينبغي أن تكون موجودة، كما جادلوا بأن النوع المختلف جداً لسلطة الدولة الموجود حاليا يمنع التطبيق الميكانيكي للمفاهيم القديمة، فدين أي حاكم وجنسه أقل أهمية بكثير اذا ما كان يتولي مؤقتا، منصباً رفيعا في الدولة وفقا لإجراءات واضحة وقيود قانونية، ثم إنهم جادلوا بأنه مامِن فائدة ترجى من منع غير المسلمين دستورياً من تولي المنصب، ففي مجتمع شديد التدين يضم أغلبيةً ساحقةً من المسلمين، من غير المرجح لغير المسلم أن يُنتَخَب في المقام الأول، وذهب البعض إلى حدّ القول إنهم كانوا مرتاحين تماماً للآثار المترتِّبة على موقفهم الأكثر ليبراليةً، بالتصريح بأنهم يفضلون المسيحي المؤهل والصالح أو المرأة على كثير من أفراد النخبة الحاكمة الفاسدة والاستبدادية الموجودة حالياً في مصر، ولم يتم حل النقاش الداخلي إلا بصورة غامضة.

فمن ناحية، أصر قادة الحركة على أن موقفهم من منع النساء والأقباط كان نهائياً لأغراض داخلية، وأنهم لن يسحبوا موقفهم الملزِم، ومع ذلك ألمحوا أيضاً إلى أن هذا الموقف هو فقط موقف جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي يقتضي ضمناً أنه ليس من الضروري أن تتم ترجمة الاستبعاد إلى قانون لابل إنهم ألمحوا إلى أنه في حين أنهم لن يغيروا موقف جماعة الإخوان، إلا أنهم لن يقبلوا الهزيمة في هذه المسألة طالما أنها تأتي عبر إجراءات ديمقراطية مشروعة.

الاقتصاد

الفقرتان المقتضبتان الخاصتان بمجلس علماء الدين وجنس رئيس الدولة جذبتا أكبر قدر من الاهتمام في النقاش العام، لكن البرنامج السياسي ركز بالكامل تقريبا على قضايا أخرى، كانت القضية الأبرز هنا في ذلك الوقت:

الاهتمام الكبير بالشؤون الاقتصادية، فنظرا إلى تقدم مستوى المعيشة في مصر، وعزم جماعة الإخوان على موضعة نفسها بوصفها حركة جادة لها رؤية سياسية، أدرك قادتها أن عليهم أن يحاولوا معالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد لمكافحة الانتقاد القائل بأن الحركة تركِز على القضايا الهامشية، وبقدر ماكان قادة جماعة الإخوان حريصين على إظهار القدرة على وضع مقترحات شاملة ومفصلة، وجدوا أن الحديث عن القضايا الاقتصادية أسهل بكثير من معالجتها فعلاً، وقد عرضت المحاولة جماعة الإخوان إلى أربعة ضغوط متضاربة في الغالب:

أولاً: ينبغي أن ينظر إلى مقترحاتها على أنها جادة وعملية.

وثانياً: كانت الحركة مرتابة للغاية من التجربة السياسية الناصرية التي تمّ تحويلها إلى نفورٍ عامٍ من الاشتراكية والدولة القوية.

وثالثاً: كانت جماعة الإخوان ملتزمةً بشدّة برؤيةٍ لمجتمع عادل يُحكَم وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية، ويوفّر الحماية للفقراء والضعفاء ، فالرفاهية الخاصة من وجهة نظر جماعة الإخوان، كانت شأناً عاما إلى حد كبير.

وأخيرا: فإن التزامات جماعة الإخوان بقوانين الشريعة الإسلامية والقيم الاجتماعية المحافظة أثرت على آرائها في جملة من المسائل، بدءا من الأعمال المصرفية والتمويل، وصولا إلى السياحة، وفي البرنامج كشفت الجماعة عن تفضيلها لوجود دولة تدخلية بقوة، منشأنها التخفيف من آثار التجارة الحرة، وعلى النقيض من ذلك، فإن شروط البرنامج المتعلِقة بالإصلاح السياسي والديمقراطي تركِز على دور أكثر محدودية للدولة، وتُعطي دورا أكبر للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، فالدعوة إلى إقامة دولة تتدخل بشكل منهجي في المجالين الاجتماعي والاقتصادي، والمناداة في الوقت نفسه، بوضع حدود لدورها السياسي، هو موقف متناقض، ومع ذلك أفلتت جماعة الإخوان من الانتقادات والدعوات إلى تعيين الحدود بين الدولة الليبرالية وبين الدولة التدخلية، وهوما يرجع عموما إلى الالتهاء بالخلافات الأخرى، يعد مشروع البرنامج السياسي وثيقةً هامةً تشهد على تحرك تفكير الجماعة وتوجهاتها في مجالات حاسمة عدة من الحياة الاجتماعية والسياسية المصرية، لكن لايمكن الاعتماد تماما على البرنامج لتبيان مواقف الحركة، وذلك لسببين:

أولاً: كانت الوثيقة بوضوح مجرد مسودة أو مشروع، ولم توضع عليها اللمسات النهائية أبدا كما أنه لا يحتمل أن تصدر قريبا.

ثانياً: سمح البرنامج السياسي للجماعة بتناول القضايا التي تهمها فقط، وتجنب تلك التي كانت تفضل عدم الخوض فيها.

العلاقات مع أطراف المعارضة الأخرى

هل أتاح اهتمام جماعة الإخوان المسلمين المتزايد بالسياسة، ورؤيتها المتطورة للإصلاح، لها إقامة تحالفات مع جماعات أخرى تعمل لتحقيق بعض من الأهداف نفسها؟ إن نتائج بناء الجسور بين الأطراف الفاعلة في المعارضة بمصر متباينة في أفضل الأحوال، لقد تحددت علاقات جماعة الإخوان مع أحزاب المعارضة المرخص لها قانونياً وحركات الاحتجاج إلى حد كبير من خلال حقيقتين سياسيتين:

الأولى:أنه في محاولة للاستفادة من الانفتاح المحدود للنظام المصري بين العامين 2002 و 2005 ، بذلت جماعة الإخوان جهودا لضم قواها إلى الأطراف الفاعلة المعارِضة الأخرى بهدف وضع برنامج وطني للإصلاح الديمقراطي، وممارسة ضغط ذي مغزى على الحكومة لقبول قدر أكبر من المنافسة السياسية والتعددية، ومع ذلك كان الحذر يحد من الجرأة دوما، فبسبب خوفها من القمع، كانت جماعة الإخوان واعية لتجنب الإشارة إلى العزم على تحدي قبضة النظام على السلطة، أو تقديم نفسها كبديل، وبالتالي ظلت متردِدة في الالتزام بتحالفات رسمية وانتخابية مع الأطراف المعارضة الأخرى، وتمثلت إحدى أوضح علامات هذا الفهم في مشاركة جماعة الإخوان المحدودة ذاتياً في انتخابات العام 2005 البرلمانية، عندما تقدمت بمرشحين في أقل من ثلث الدوائر الانتخابية، وبالتالي بعثت برسالة مفادها أنها لاتسعى إلى تحدي أغلبية الثلثين التي يتمتع بها الحزب الوطني الديمقراطي في مجلس الشعب، علاوة على ذلك حد انعدام الثقة المتبادل منذ وقت طويل بين الإخوان وبين الحركات المعارضة الأخرى، من محاولات للتوفيق بين المواقف السياسية وتنسيق الأنشطة، بعض هذه الشكوك تنبع بالضبط من تلك الجوانب حيث وجدت جماعة الإخوان أن مسودة برنامجها السياسي تثير النقاش، إذ ظلت الأحزاب الليبرالية واليسارية، فضلاً عن حركات الاحتجاج، قلقةً للغاية من مواقف الإخوان الغامضة في شأن المساواة في حقوق المواطَنة بين المسلمين والأقباط.

وحقوق المرأة وتمكينها في المجتمع، وقد دعا الشركاء المحتملون لجماعة الإخوان المسلمين عن المزيد من القلق من الآثار السلبية لأحكام الشريعة الإسلامية على حرية التعبير والتعددية، وفي نهاية المطاف من التناقضات بين المرجعية الإسلامية للجماعة وبين الدعائم الدستورية للسياسة المصرية، البرنامج الذي تمت مناقشته أعلاه كان يهدف جزئياً إلى الرد على الشكوك في شأن هذه المسائل، لكنه لم يسهِم في الواقع إلا في تعميقها، كما أن بعض أطراف المعارضة تشك في أن جماعة الإخوان على استعداد للتعاون معها، وتتهِمها ب «السلوك المتعجرف » و «عدم القدرة على التوصل إلى حلول وسط » مع الآخرين، وفي الواقع حوادث عدة قدمت صورة لجماعة الإخوان على أنها حركة واثقة جدا من جاذبية خطابها وشعبية برنامجها، وقوة تنظيمها، وحجم جمهورها، بل تصرفت كما لو كانت في الواقع مكتفية ذاتياً، ولاتحتاج إلى التعاون مع أطراف المعارضة الأضعف، وكان لجماعة الإخوان أيضاً سبب مشروع لعدم الثقة في مواقف أطراف المعارضة الأخرى، فبعض الأحزاب المرخص لها قانونياً، مثل حزب التجمع اليساري، لاتزال تعارض مشاركة الإسلاميين في السياسة، وبالتالي ففي تحالفت مع النظام للحدّ من المجال السياسي للإخوان المسلمين، وفي عدد من المرات أيد قادة التجمع حتى إجراءات الحكومة القمعية ضد جماعة الإخوان وبرروها على أساس أنها كانت تستهدف تنظيما لاديمقراطيا، إضافةً إلى ذلك، فإن الأحزاب الأخرى التي تخشى شعبية الإخوان، مثل حزب الوفد الليبرالي لم تفعل سوى القليل جداً للاحتجاج على التلاعب في انتخابات العام 2005 البرلمانية ضد مرشحي الحركة، أو حتى استبعادهم الفعلي من الانتخابات المحلية في العام 2008 ، وعلى الرغم من أن حركات الاحتجاج، مثل الحركة المصرية من أجل التغيير" كفاية"، برهنت في السنوات الأخيرة على التزام واضح بالدفاع عن حق الإخوان في المشاركة في السياسة، إلا أنها نأت بنفسها بصورة منتظمة عن الجماعة كلما واصل النظام القمع ضد قيادتها، حتى لو أمكن التغلب على مثل هذه الشكوك بين جماعة الإخوان وبين الأطراف المعارضة الأخرى، فإن ثمة فارقا بنيويا عميقاً:

فبينما تركز معظم أحزاب المعارضة الأخرى بالدرجة الأولى على الحياة السياسية، فإن زعماء الإخوان يشغلون أنفسهم بحركة اجتماعية واسعة ومتنوّعة لها العديد من الأجنحة والأنشطة المختلفة، وهذا مايجعل الإسلاميين حذرين وحريصين على تجنب استفزاز القمع الرسمي، وعندما يسألون عن السبب في مشاركتهم بفتور إنهم شاركوا أصلاً في مظاهرات المعارضة مثلاً، يرد قادة الإخوان بغضب أنه حين يتعرض متظاهرو حركة كفاية إلى الضرب، يتم اعتقال مؤيديهم لفترات غير محددة، تمثلت نتيجة هاتين الحقيقتين السياسيتين، في السنوات الأخيرة أي تصميم جماعة الإخوان على المشاركة من دون إثارة غضب النظام، فضلا عن انعدام الثقة المتبادَل بين الإسلاميين وبين الأطراف غير الإسلامية في تجربة الحركة المتباينة حيال التعاون الجزئي واستمرار التوتر في صفوف المعارضة، صحيح أنه تم تشكيل تحالفات في بعض المناسبات كان أبرزها التحالف الانتخابي مع حزب الوفد في العام 1984 لكن تم حلها عموما بعد فترات قصيرة، أو اقتصرت على التنسيق التكتيكي على المدى القصير،لكن حتى لو كانت إنجازات التحالف محدودة، إلا أنها تركت تأثيرات حقيقيةً على مواقف جماعة الإخوان المسلمين،فمنذ العام 2002 أدى بحث جماعة الإخوان المسلمين الجزئي عن أرضية مشتركة مع الأطراف المعارضة الأخرى إلى تعزيز برنامجها للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وفي تصريحات رسمية وبيانات مختلفة تتعلق بالبرامج، مثل مبادرة الإصلاح في العام 2004 والبرنامج الانتخابي للعام 2005 ، حاكى برنامج جماعة الإخوان برامج الأحزاب الليبرالية واليسارية التي تدعو إلى تعديلات دستورية، وإصلاحات ديمقراطية، ومساءلة الحكومة، وضمانات للحرية، لقد كانت جهود جماعة الإخوان الرامية إلى تنسيق الأنشطة السياسية، وخاصة أثناء الحملات الانتخابية، واضحةً.

فقبل الانتخابات البرلمانية في العام 2005 ، انضمّت الجماعة إلى غالبية أحزاب المعارضة المرخص لها قانونيا، بما في ذلك حزب التجمع المعادي تقليدياً لجماعة الإخوان، وحركات الاحتجاج، في تشكيل الجبهة الوطنية المتحدة للتغيير، وعلى الرغم من وعود التحالف الفخيمة، أخفق التحالف في تنسيق أنشطة المعارضة وتوحيد المواقف من أجل التوصل إلى برنامج وطني للإصلاح الديمقراطي، ومن باب الإنصاف لجماعة الإخوان المسلمين، يمكن القول إن تنسيق العمل الوحيد ذات الدلالة جاء من جانبها، فقد أعلنت الجماعة في ذلك الوقت أنها ستمتنع عن التنافس ضد مرشحي المعارضة الآخرين،وأحيت شعار «مشاركة من دون مغالبة »، واحترمت هذا الالتزام خلال الانتخابات، وفي آذار/مارس 2007، انضمت جماعة الإخوان مرة جديدة إلى أطراف المعارضة الأخرى لتشكيل ائتلاف ضد التعديلات الدستورية اللاديمقراطية المقترحة التي فرضها الحزب الحاكم.

وقد هدد التحالف بمقاطعة المناقشات البرلمانية حول التعديلات، فضلا عن الاستفتاء الشعبي الذي منشأنه أني صادِق عليها، ومع ذلك فإن أعضاء التحالف لم يروا أن تهديداته ملزِمة،وانشق عدد من الأحزاب مثل حزب التجمع اليساري وحزب الوفد الليبرالي، مثل هذه الجبهات والتحالفات العابرة للإديولوجية بين أطراف المعارضة في مصر، لم تدم طويلا لأسباب عدة، ففي معظم الحالات لم تكن التحالفات معززة بتعاون استراتيجي وتكتيكي على أرض الواقع، بل اعتمدت على اتفاقات غير رسمية بين قادة الإخوان وبين أطراف المعارضة الأخرى ذات تقارب محدود على المستوى الشعبي وعلى مستوى الدوائر الانتخابية.

وقد ضعفت صدقية الإخوان إلى حد كبير بسبب عدم قدرتها على التوفيق مابين المواقف السياسية أو الضغط على النظام من أجل سياسات إصلاحية مشتركة.وفي نهاية المطاف، أكدت تجربة التعاون العابر للإديولوجيا، في السنوات الأخيرة، التأثير المقيِد لانعدام الثقة المتبادلة والأهداف السياسية المتباينة على الأطراف المعارضة.

جماعة الإخوان المسلمين في البرلمان

رسم أجندة شاملة

إذا لم تتمكن جماعة الإخوان من تشكيل حزب، وسحِب برنامجها السياسي، وكانت العابرة للإيديولوجيا ذات تأثير محدود للغاية، فكيف يمكن لنا أن نعرف ماهية الأجندة السياسية للجماعة؟، ثمة مؤشرات علنية دقيقة أكثر على مواقف جماعة الإخوان المسلمين، وهي الأنشطة التي يقوم بها نوابها في البرلمان،هذه السجلات تسد العديد من الثغرات التي خلّفها البرنامج السياسي ومختلف التصريحات العلنية،ففي حين لم تكن لجماعة الإخوان وهي بالفعل لم تسع أبدا لأن تكون لها أغلبية برلمانية قط، فإن وجودها في البرلمان أتاح لها الفرصة لرسم سلسلة من الأولويات والمواقف السياسية في شأن طائفة واسعة من المسائل، هكذا كانت الحال عموماً قبل العام 2005،عندما كان للجماعة عدد قليل من النواب الذين استغلّوا وضعهم والامتيازات البرلمانية التي يتمتعون بها، للدفاع بقوّة عن أجندتها.

وهكذا كانت الحال خصوصا في أعقاب الانتخابات البرلمانية العام 2005،عندما حشدت حركة الإخوان كتلةً برلمانيةً مثيرة للإعجاب، وكرست الموارد لوضع أجندة،وصاغت مقترحاتها الخاصة،وأعدت إستراتيجيةً في شأن الأولويات، ولعبت بصورة غير رسمية عموما.

دور المعارضة البرلمانية الرائدة

إن استمرار جماعة الإخوان في الالتزام بالمشاركة في الانتخابات التشريعية،ضمَن لها وجودا متواصلا في مجلس الشعب، منذ أواخر السبعينيات، وقد تباين وجود الجماعة في البرلمان كثيرا من حيث العدد، حيث تراوح بين مقعد واحد في مجلس 1995 - 2000 ، وثمانية وثمانين مقعداً في البرلمان الحالي 2005 -2010.

وطوال العقود الثلاثة الماضية، تغيب أيضاً البرنامج البرلماني للحركة، إذ أن دعوات تطبيق الشريعة الإسلامية، وتعزيز القيم الدينية والأخلاقية التي جعلت منها الكتلة أولويةً لها حتى التسعينيات، أفسحا المجال أمام قضايا الإصلاح السياسي والقانوني،والسياسات الاجتماعية والاقتصادية، وانتهاكات حقوق الإنسان في مجلس 2000 - 2005،والمجلس الحالي،وعلى الرغم من أن الأولويات الدينية، وتلك القائمة على الشريعة الإسلامية، تبقى العناصر الرئيسة في الأنشطة البرلمانية لجماعة الإخوان المسلمين،إلا أن أهميتها في صياغة برنامج الحركة السياسي تضاءلت تدريجياً، ثمة عناصر أخرى لم تتغير مثل الانشغال بمساءلة الحكومة، وتدابير مكافحة الفساد، وموقف الجماعة الغامض في شأن حقوق المرأة والمساواة بين المسلمين والأقباط، من الهام عدم المبالغة في ما كميِن أن يحقّقه نواب الجماعة في البرلمان، فعلى الرغم من أن التواجد المستمر تقريباً للجماعة في البرلمان، منذ أواخر السبعينيات، مكن نوابها من الحصول على أدوات رقابية شاملة، فضلاً عن القدرة الجماعية على تحدي الحكومة، فقد كان تأثيره على العملية التشريعية ضئيلاً جدا، يمكن لنواب جماعة الإخوان بالتأكيد أن يزعجوا الحكومة، عبر إمطار وزرائها بالأسئلة، وطرح القضايا في المجال العام للمناقشة، لكن تعوزهم الأصوات اللازمة لسن القوانين، في مجلس الشعب للفترة الممتدة بين العامين 2000 و 2005 .

استخدم نواب جماعة الإخوان السبعة عشر أدوات الرقابة البرلمانية، مثل طلبات الإحاطة، والاستجوابات، والأسئلة، وطلبات المناقشة، وتشكيل لجان التحقيق، أكثر من 6 آلاف مرة، أي أكثر من أي كتلة برلمانية أخرى، وفي المجلس الحالي وبوجود ثمانية وثمانين نائباً لجماعة الإخوان المسلمين، لجأ نواب الحركة إلى أدوات الرقابة أكثر من 20 ألف مرة، لكن على الرغم من تزايد نشاط جماعة الإخوان في البرلمان، لايزال برنامجها إلى حدّ كبير حبراً على ورق، إن فشل كتلة جماعة الإخوان المسلمين في تمرير تشريعات أساسية، مرتبطٌ في نهاية المطاف بقبضة الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم المُحكَمة على البرلمان، حيث دأب على ضمان أغلبية ثلثين مريحة في كل مجلس منذ العام 1976 ، وحتى في البرلمان الحالي، وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في تمثيل جماعة الإخوان المسلمين إلى مايقرب من خمس الهيئة كلها، يحتفظ الحزب الوطني بثلاثة أرباع المقاعد، ويكاد لايواجِه أيّ معارضة في تمرير مشروعات القوانين الخاص به وتشكيل الحكومة، بمرور الوقت تعلّمت جماعة الإخوان المسلمين تدريجياً توظيف خبرتها الواسعة في مجال تقديم الخدمات والأعمال الخيرية وكلاهما من العناصر الرئيسة في أنشطة بناء القاعدة الانتخابية وذلك لتوسيع أنشطتها الرقابية، وقد سهلت شبكات الجمعيات الخيرية ومراكز تقديم الخدمة التبادل المستمر بين نواب جماعة الإخوان في البرلمان وبين قطاعات كبيرة من السكان المصريين، خاصة في المناطق الفقيرة، وهذا الأمر في المقابل، مكن النواب من الكشف عن حوادث الفساد المباشرة، ومن الإحاطة بالتأثيرات الملموسة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية، ومن تطوير رواية تبني الدعم السياسي لأنشطتهم البرلمانية، في هذا الإطار من الأداء الرقابي القوي، والتأثير التشريعي الضعيف، تركزت الأنشطة البرلمانية لجماعة الإخوان في السنوات الأخيرة على خمس ركائز هي:

التعديلات الدستورية والقانونية، والإصلاح السياسي، والتشريعات الاجتماعية والاقتصادية، والقوانين الدينية والأخلاقية، وحقوق المرأة.

القسم التالي من هذه الدراسة يبحث البرنامج البرلماني لنواب الإخوان في ما يتعلق بهذه الركائز الخمس، في مجلس 2000-2005،والمجلس الحالي2005-2010.

التعديلات الدستورية

نرفض التعديلات الدستورية.jpg

عموماً طورت كتلة الإخوان البرلمانية مجموعتها الخاصة من الاقتراحات لإصلاح النظام الدستوري في مصر، كما تقدمت بانتقاد للتعديلات الدستورية المقترحة من قبل النظام،وفي الواقع احتلّت مسألة التعديلات الدستورية مكانةً بارزة في مناقشات مختلف الأطراف السياسية الفاعلة في مصر وبرامجها منذ العام 2002،وقد تبلور موقف الجماعة الخاص في العام 2004،عندما أصدرت «مبادرة الإصلاح » التي تم تطويرها أكثر في برنامجها الانتخابي للعام 2005،وعلى الرغم من أن هذه الوثائق لم تتضمن إشارات صريحةً إلى تعديل الدستور،إلا أنها ألمحت إلى ذلك المعنى من خلال اقتراح إصلاحات لتمكين السلطات التشريعية والقضائية في مواجهة السلطة التنفيذية،وإعادة صياغة أدوار عدد من مؤسسات الدولة في المجالات السياسية والثقافية،وإلغاء العديد من القوانين المنصوص عليها في الدستور،والتي تحد من الحقوق والحريات السياسية،في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في العام 2005،اقترح الرئيس حسني مبارك تعديلاً للمادة 76 من الدستور يسمح بإجراء انتخابات رئاسية يتنافس فيها مرشحون عدة،وبذلك بدا أنه يذعِن إلى مطالب المعارضة للتخلي عن عقود من النظام القديم للاستفتاءات الشعبية الذي يهدف فقط إلى توكيد شرعية مرشح النظام لرئاسة الجمهورية، ومع ذلك رفضت جماعة الإخوان التعديل المقترح باعتباره غير كاف،وفي أيار/مايو 2005 دعت الجماعة إلى مقاطعة الاستفتاء على إقرار التعديل،على الرغم من أنها لم تقاطع الانتخابات الرئاسية في أيلول/ سبتمبر من ذلك العام،وقد اعترض الإخوان على اقتراح الرئيس لأنه يحد من قدرة المستقلّين وأحزاب المعارضة على تقديم مرشحين للرئاسة،إذ أن الاقتراح طلب،على وجه التحديد،من الأحزاب السياسية التي ترغب في طرح مرشح للرئاسة،أن يكون لديها ما لايقل عن خمسة في المائة من المقاعد في مجلس الشعب،وطُلب من المستقلين،على وجه الخصوص الحصول على دعم 250 عضواً منتخبا في مجلس الشعب ومجلس الشورى الغرفة العليا في البرلمان المصري،والمجالس المحلية،وفقا لجماعة الإخوان،فإن هذه الشروط تحابي بوضوح الحزب الوطني الحاكم الذي لطالما احتفظ بغالبية المقاعد ال 620 في مجلس الشعب ومجلس الشورى،وفي الوقت الذي اقترح فيه مبارك هذا التعديل،كانت مقاعد المعارضة والإخوان المسلمين والمستقلّين وغيرهم،وتجاهل النظام ببساطة الدعوات إلى تعديل المادة 77 من الدستور لتحديد عدد دورات الرئاسة،عارضت جماعة الإخوان المسلمين مجموعةً أخرى من قوانين الانتخابات الرئاسية التي اقترحها الحزب الوطني،وكانت مصمَمةً لمصلحة النظام في وقت لاحق من العام 2005.

وهذه المرة اقترحت الجماعة تشريعات بديلةً في ما يختص بهذه المسألة،بما في ذلك شرط إجراء الانتخابات الرئاسية على مراحل عدة،إذ لا يوجد عدد كاف من القضاة للإشراف على عملية الاقتراع عندما تجرى في يوم واحد،كما أن عدم وجود إشراف قضائي يوفر فرصةً وافرة للتلاعب بالتصويت،إضافةً إلى ذلك، دعت كتلة الإخوان إلى إشراف قضائي كامل على الانتخابات،ورفضت اقتراح إدراج شخصيات غير قضائية في لجنة الرقابة،كما واصلت جماعة الإخوان المسلمين معارضتها التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس والحزب الوطني الديمقراطي طيلة عمر مجلس الشعب في الفترة الممتدة بين العامين 2005،ونشبت أكبر معركة حول عدد كبير من التعديلات المقترحة رئاسياً في العامين 2006 و 2007،ففي يوم 26 كانون الأول/ديسمبر 2006،دعا الرئيس المصري حسني مبارك إلى تعديل 34 مادة دستوريةً لحظر تأسيس أحزاب دينية،وإدخال المزيد من التغييرات على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية،من دون تحديد عدد الدورات الرئاسية.

وبعد محاولة أولية للمشاركة في المناقشات التي تلت ذلك،انسحب نواب جماعة الإخوان من جلسة 18 آذار/مارس 2007 البرلمانية التي ناقشت هذه التعديلات،زاعمين أن الحزب الوطني لم يأخذ بعين الاعتبار وجهات نظرهم،وبعد فترة وجيزة،دعت جماعة الإخوان إلى مقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية،انتقد كل من الأطراف المعارِضة والمراقبين المستقلين التعديلات باعتبارها تقدم مظهرا شكليا للإصلاح السياسي،بينما هي في الواقع تسير في الاتجاه المعاكس،ومن بين التعديلات ال 34 التي أُدخلت وتم إقرارها في نهاية المطاف،ركزت كتلة الإخوان نقدها على العناصر التالية التي فسرتها على أنها حدت من الحريات السياسية وتعيق النشاط السياسي،والتعديلات التي تحظر الأحزاب السياسية والأنشطة على أساس ديني،والتي من الواضح أنها تعرقل تحول جماعة الإخوان المسلمين إلى حزب قانوني،وتحد من مشاركتها في الحياة السياسية،وتنظر جماعة الإخوان إلى الحظر بوصفه يتعارض تماماً مع المادة 2 من الدستور التي تنص على أن الإسلام هو دين الدولة في مصر والشريعة الإسلامية باعتبارها مصدر التشريع الرئيس فيها،والمزيد من التعديلات على المادة 76 بخصوص الانتخابات الرئاسية التي أيدت شرط حصول المرشحين المستقلين على تأييد 250 من الأعضاء المنتخبين في مجلس الشعب ومجلس الشورى والمجالس المحلية التي يهيمن عليها الحزب الحاكم،على الرغم من أن التعديلات تقلصت عدد المقاعد المطلوبة في البرلمان من حزب سياسي مرخص له قانونيا لتقديم مرشح للرئاسة من خمسة في المئة إلى ثلاثة في المئة،وأي تعديل يضع الأساس لنظام التمثيل النسبي في الانتخابات التشريعية،مايوحي بأن المصريين لن يصوتوا للأفراد بل للقوائم الحزبية،ومن وجهة نظر جماعة الإخوان،عزز هذا التعديل استبعادها من السياسة الانتخابية القانونية،حيث لايسمح لها بتشكيل حزب سياسي،كما أن تعديل للمادة 88 قلص الإشراف القضائي على الانتخابات من خلال تشكيل لجان رقابة خاصة تتألّف من قضاة ومسؤولين حكوميين سابقين،وقد حاججت الجماعة بأن النظام الجديد سيزيد من فرص تزوير الانتخابات والتلاعب بها،كما أن تعديلات المادة 179 من شأنها أن تسمح بسن قانون لإلرهاب فالتعديلات الدستورية أكدت على حق وزارة الداخلية في الحد من الحقوق السياسية والمدنية عن طريق تقييد الصحافة،وتعريض الصحافيين إلى احتمال السجن،والسماح للهيئات الحكومية بمراقبة أنشطة الأحزاب السياسية والسيطرة عليها،وانضمت جماعة الإخوان إلى منتقدي المعارضة الآخرين لتوجيه الاتهام بأن التعديلات من شأنها السماح للنظام باستبدال حالة الطوارئ طويلة الأمد بمجموعة جديدة من الأدوات القانونية الدائمة التي تهدف إلى تقييد الحياة السياسية،وانتقد نواب جماعة الإخوان،مرة أخرى، وحقيقة أن التعديلات المقحرتة لم تتضمن المادة 77،وبذلك أصبح عدد الفترات الرئاسية غير محدود.

الحريات السياسية،والحريات العامة،وسيادة القانون،وحقوق الإنسان

شكلت مواقف جماعة الإخوان المسلمين في شأن التعديلات الدستورية تجسيداً محددا لسعيها العام إلى تحقيق مزيد من الحريات السياسية، وقد نسج الكثير من نشاطها البرلماني العادي في مجلسي 2000 - 2005 و 2005 - 2010 على هذا المنوال، فنواب الجماعة عرضوا التعديلات التي يرعاها الحزب الوطني، والتي تهدف إلى خنق الحرية السياسيةللأحزاب التي تقوم على أساس ديني، وتوطيد السلطة التنفيذية للنظام، كما أخذت كتلة الإخوان زمام المبادرة التشريعية عن طريق المشاركة الفعالة في المناقشات المتعلقة بهذه القضايا:

الحريات السياسية،والحريات العامة،والضوابط والتوازنات مابين فروع الحكومة،والانتخابات،واقترحت بعض التعديلات ومشاريع القوانين ذات المغزى لفتح المجال السياسي في مصر وحمايته من عسف استعمال السلطة،لكن الحزب الوطني الديمقراطي رفض هذا التشريع على الفور،في العام 2000،دعت جماعة الإخوان صراحةً إلى وضع حد لحالة الطوارئ التي ظلت سارية المفعول منذ العام 1981،وفي الواقع،وباستثناء فترات مستقطَعة قصيرة وقليلة،اعتمدت الحكومات المصرية على حالة الطوارئ، طوال العقود السبعة الماضية،كتبرير قانوني للنيل من حقوق المواطنين المصريين،بيد أن جهود جماعة الإخوان لم تسفر عن شيء،واستخدم الحزب الوطني أغلبيته الساحقة لتمديد حالة الطوارئ لثلاث سنوات في العام 2003،ولسنتين في العام 2006،ثم مرة أخرى في العام 2008 حتى أيار/مايو 2010،ومنذ العام 2003،حذرت كتلة جماعة الإخوان مرارا من أن التمديد الأبدي لقانون الطوارئ يدل إلى نية النظام تقييد الحرية السياسية المحدودة أصلا،في جميع الدورات البرلمانية،في خلال السنوات العشر الماضية،استجوب نواب الإخوان رئيس الوزراء،ووزير العدل، ووزير الداخلية في قضايا التعذيب في السجون،واستجواب المواطنين،والإجراءات المتخذة من قبل ضباط المخابرات،وقد شدد النواب على أن انتهاكات مصر لحقوق الإنسان توفر ذريعةً هامةً للتدخل الدولي في الشؤون الداخلية للبلاد، فضغطت طلبات الإحاطة،التي قدمها نواب جماعة الإخوان،على اللجنة البرلمانية للدفاع والأمن القومي لتنظيم عدد من الزيارات الميدانية للسجون في صيف العام 2004.

كما ساهم نواب الإخوان في التقرير الخطّي للنتائج التي توصلت إليها اللجنة في يونيو/حزيران 2005،تناولت الكتلة النيابية للإخوان مسألة سوء الأوضاع في السجون وأصرت على أن يوكل الإشراف على السجون إلى وزارة العدل بدلا من وزارة الداخلية،وخلال الفترة الممتدة بين العامين 2000 و 2005،اقترحت كتلة الإخوان إدراج بند إضافي في قانون الإجراءات الجنائية لحظر الحبس الاحتياطي للصحافيين والأطباء على أساس الأخطاء التي تحدث أثناء الممارسة المهنية،ومثل معظم مبادرات جماعة الإخوان،عرقل هذا التشريع بشكل حاسم من قبل الغالبية البرلمانية للحزب الحاكم، وبدءاً من 2005 - 2010،تم توسيع برنامج جماعة الإخوان وأنشطتها في البرلمان ليشمل استقلال السلطة القضائية.

ودخلت الجماعة الميدان بحماس في منتصف العقد،بعد منافسة بين السلطة التنفيذية وبين القضاة المنشقين، وعندما تحركت الحكومة لإخضاع بعض الأصوات القضائية المستقلة،حاولت جماعة الإخوان الدفع في الاتجاه المعاكس،وتطوير واعتماد مقترحات لإلغاء أدوات هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية، وهكذا بالإضافة إلى رفض التعديلات المقترحة من الحزب الوطني الحاكم،والتي تهدف إلى إخضاع السلطة القضائية إلى قدر أكبر من السلطة التنفيذية،قدمت جماعة الإخوان مشروع قانون بديلا،في 7 آذار/مارس 2006،وذلك من قبل النائب صبحي صالح، سعى مشروع القانون هذا إلى الفصل بين السلطتين القضائية والتنفيذية،وضمان حياد واستقلالية القضاة من خلال جعلهم عرضةً للمساءلة أمام نادي القضاة فقط،أما قانون الحزب الحاكم فتمّ تمريره في شكله الأصلي في العام 2006 .

وفي العام 2006وضعت كتلة الإخوان أيضاً مشروع قانونها البديل تنظيم الأحزاب السياسية وتشكيلها،وسعت إلى تسهيل تشكيل الأحزاب التي يجب أن تتم المصادقة عليها حاليا من لجنة الأحزاب السياسية شبه الحكومية والحفاظ على حرياتها التي انتهِكت من خلال مصادرة وثائقها،وتقييد أنشطتها، والتنصت على اتصالاتها.

وكان منشأن الاقتراح أن يحرِر كذلك المنشورات والصحف الحزبية من قيود قانون الصحافة والمطبوعات وكما هو الحال مع معظم مبادرات جماعة الإخوان،فإن البديل أوضح رؤية الجماعة،ولكن لم يكن له أي أثر قانوني،ويظل قانون الأحزاب السياسية الحكومي للعام 2005 ساري المفعول توسعت محاولة جماعة الإخوان لحماية الحقوق المدنية لتشمل تشريعاً مقترحا لقانون الإجراءات الجنائية ففي 4 نيسان/أبريل 2006،وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوى البرلمانية على تشريع للإخوان يحد الحبس الاحتياطي لمدة تقل عن ثلاثة أشهر،في حال لم يتم إبلاغ الشخص المتهم بموعد جلسة المحكمة،وتهدف الفقرة إلى حماية المتهم من الاستجواب والتمييز بين الاحتجاز الوقائي،الذي تعتبره جماعة الإخوان انتهاكاً للحقوق المدنية،والسجن الفعلي،كما اقترحت كتلة الإخوان تعديلاً على قانون العقوبات يطالب بإنزال عقوبة السجن مدى الحياة بالمحقِقين والسجانين الذين يعذبون السجناء،إلا أن أغلبية الحزب الوطني رفضت هذا التعديل،في محاولة لتعزيز المجتمع المدني،أعلن النائب يسري بيومي،في كانون الأول/ديسمبر،2008 أنه يعد مشروع قانون لضمان حرية تأسيس المنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية،والجمعيات المهنية،ودعا بيومي إلى تبسيط الإجراءات اللازمة لتشكيل هذه الهيئات، وطالب بتقليص تدخل وزارة التضامن الاجتماعي المتواصل في إدارتها،ولم يوافق البرلمان على مشروع القانون،وفي مايتعلق بحرية التعبير وتكوين الجمعيات،رفضت كتلة جماعة الإخوان في وقت سابق مشروع القانون الذي اقترحته وزارة الشؤون الدينية يوم 2 نيسان/ أبريل 2008،والذي يمنع التظاهرات داخل المساجد،ووفقا لنواب الجماعة،فإن الهدف الحقيقي من هذا الاقتراح هو المزيد من تقليص المساحات المتاحة لحرية التعبير تحت ذريعة حماية أماكن العبادة،وخلال مناقشة مشروع القانون، اقترح النائب حسين إبراهيم إضافة شرط السماح بالتظاهرات لأسباب وطنية ودينية هامة،وبكافة التظاهرات السلمية أثناء النهار،طالما أنها لاتنطوي على خطر إلحاق أضرار بالمساجد أو تأسييس أماكن العبادة،لكن البرلمان تجاهل اقتراح ابراهيم أخيرا وفي مايتعلق بحرية الصحافة،اقترح النائب محسن راضي في العام 2009،مشروع قانون لإلغاء المادة 190 من القانون 58 / 1937 الذي يحظر على الصحافيين نشر إجراءات وقرارات المحاكم التي تتعلق بالنظام العام وأخلاق المواطنين،ووفقا لكتلة جماعة الإخوان، فإن المادة الحالية لا تقيد حرية الصحافة وحسب بل تخالف أيضاً الدستور الذي ينص على أن جميع المحاكم علنية.

التشريعات الاجتماعية والاقتصادية

بصفة عامة، استخدمت جماعة الإخوان المسلمين وجودها في البرلمان للفت الأنظار إلى أوجه القصور الاجتماعية والاقتصادية للحكومة، بما في ذلك تمثيلها الحصري المزعوم لمصالح نخبة رجال الأعمال، وإهمال احتياجات ذوي الدخل المحدود،والفشل في التصدي للمشكلات التنموية الخطيرة في البلاد، تابعت جماعة الإخوان هذه المواضيع من خلال طلبات الإحاطة والاستجوابات الأكثر رسمية،والتدقيق في مقترحات الميزانية القومية،والأنشطة الإعلامية ذات الصلة،وألقى نواب الإخوان باللائمة على الحكومة مراراً بسبب معدل التضخم،والبطالة،وارتفاع الأسعار،والفساد،وانخفاض الأجور،وفي الإطار نفسه،شددوا أيضا على أن إخفاقات الحكومة الاقتصادية التي أدت إلى تفاقم ظواهر عدم الاستقرار الاجتماعي،مثل الجريمة، والتحرش الجنسي، والهجرة غير الشرعية للمصريين لأسباب متنوعة،صوتت كتلة الإخوان، بين العامين 2000 و 2005،ضد جميع الميزانيات السنوية 26 جماعة الإخوان المسلمين المصرية التي قدمتها الحكومة إلى مجلس الشعب،والأهم من ذلك هو أن النواب السبعة عشر المذكورين أكدوا أنه على الرغم من زيادة النفقات الاجتماعية الحكومية لم تتح سن نوعية الخدمات الصحية والتعليمية بشكل فعلي،ولاتزال الأعباء الاقتصادية تؤثر على الأُسر ذات الدخل المنخفض،ووفقاً لكتلة جماعة الإخوان،كان ينبغي أن تخصص كل ميزانية زيادة في التمويل العام للاستثمارات طويلة الأجل في محاولة لخلق فرص عمل وزيادة النمو الاقتصادي،كما انتقدت جماعة الإخوان الحكومة مرارً لفشلها في زيادة عائدات البلاد من الضرائب وخفض العجز في ميزانيتها،فضلاً عن تخصيص الإعانات للصادرات المصرية،وهو القرار الذي زعم الإخوان أنه سيفيد القلة،وأخيرا رفضت الجماعة سياسات الحكومة الضريبية التي اعتبرتها عبئا مرهقا على الأُسر ذات الدخل المحدود،وفي ما يتعلق بالديون الوطنية وجه النائب حمدي حسن استجواباً إلى رئيس الوزراء ووزير المالية، في كانون الثاني/يناير 2004،في شأن تضخم حجم الديون التي بلغت مايعادل 90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي،وقد اتهم حسن الحكومة بالفشل في احتواء زيادة الدين،وادعى أنها لم تكن شفّافةً في شأن حجمه، الأمر الذي سيكون له عواقب سلبية على الدين العام والإنفاق الاجتماعي،وفي العام 2004،قدّم النائب صابر عبد الصادق أيضا استجواباً للحكومة في شأن الفجوة بين معدل النفقات السنوي وبين الإيرادات وانتقدها لإخفاقها في تسهيل التحرير الاقتصادي،فضلاً عن توجيه الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القطاعات ذات الإنتاجية المحدودة مثل النفط،و طيلة هذه الفترة لاحقت كتلة الإخوان أيضاً قضايا الفساد الإداري والرشوة،والاستغلال الخاص للممتلكات العامة عن طريق طلبات الإحاطة والاستجوابات، واستناداً إلى الأدلة التي جمعت في التقارير السنوية للجهاز المركزي للمحاسبة،وفي العام 2002 كشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبة عن 72 ألف حالة فساد مالي وحكومي،وزعم نواب جماعة الإخوان في العام 2004أن الفساد يكلف مصر مايزيد عن 100 بليون جنيه مصري سنويا، كما ركزت جماعة الإخوان أيضا على انعدام الشفافية الاقتصادية لدى الحكومة وتقديم معلومات ملفقة، ففي شباط/فبراير 2004 اتهم نواب الإخوان الحكومة بتوفير مؤشرات اقتصادية غير صحيحة تتناقض مع تلك الموجودة في تقارير المنظمات الدولية، إذ ادعت الإحصاءات الصادرة عن النظام أن النمو الاقتصادي في مصر 4 بالمئة أعلى من التقييمات الدولية 2 بالمئة،وفي العام 2004 انتقد نواب الجماعة بشدة سياسات الحكومة في مجال الخصخصة وتحرير التجارة على أساس أنه لها آثار سلبية على مصادر الرزق والدين العام،وجادلوا بأن هذه السياسات قد تؤدي إلى زيادات حادة في أسعار السلع الأساسية مثل المواد الغذائية،والفولاذ،ومواد البناء.

في حين أن الأجور والرواتب لم ترتفع بما يتناسب مع ذلك،وعوّربا عن اعتقادهم بأن سياسة تحرير التجارة وسعر الصرف العائم هما المسؤولان عن خفض قيمة الجنيه المصري بنسبة 50 في المئة،علاوة على ذلك أدت خصخصة المؤسسات العامة إلى البطالة بسبب رفض أصحاب المشاريع الخاصة الاحتفاظ بموظفي القطاع العام السابق،وأنفقت الحكومة أموال الضمان الاجتماعي المتوفرة في محاولة يائسة لتسديد الدين العام الداخلي، وفي آذار/مارس 2004 شنت كتلة الإخوان البرلمانية حملةً عامة مكثفةً للضغط على الحكومة لمناقشة تطبيق قانون الاحتكار التي اعتبرت أن منشأنه إحياء القطاع الصناعي المصري، وتحسين نوعية السلع المصرية المصنعة،وتحقيق استقرار الأسعار،وادعت جماعة الإخوان تحقيق نجاح تشريعي نادر في هذا الصدد مع إقرار قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار،في شباط/فبراير 2005،الذي يحظر الصفقات والاندماجات مابين الشركات التي تعرقل المنافسة وتطرد المنافسين الصغار من السوق مع زيادة تمثيلها في البرلمان 2005 - 2010.

واصلت جماعة الإخوان بذل جهود مماثلة،ومرة أخرى صوت نوابها ضد مشروع الميزانية السنوية، وانتقدوا لجنة الخطة والموازنة لافتقارها إلى الشفافية،مقترحين إعادة توزيع الأموال العامة من القطاعات المختلفة مثل الدعم المقدم للصادرات والطاقة،وميزانيات وسائل الإعلام وتوجيهه نحو التعليم والصحة العامة،وجدد نواب الجماعة اقتراحاتهم لخفض عجز الموازنة،وتحسين نوعية الخدمات الصحية والتعليمية،وزيادة الاستثمارات العامة من أجل خلق فرص العمل،ومراقبة مشاريع الخصخصة، ورداً على ميزانية السنة المالية 2008 / 2009،اقترحت كتلة الإخوان إعادة النظر بالسياسات الضريبية وسياسات تحصيل الضرائب في البلاد،وفي ميزانية العام 2009 / 2010، امتنع العديد من نواب الجماعة ال 88 عن انتقاد الحكومة بسبب محاولاتها الرامية إلى تحفيز الاستثمار وخفض الإعانات المالية الحكومية،إلا أنهم دفعوها إلى إعادة ترتيب الأولويات في أجندتها الاجتماعية،وطالبوا بإصلاح ضريبي،وفي السنوات القليلة الماضية،واصلت كتلة الإخوان حملتها لمكافحة الفساد،مُدّعيةً أن من شأن فرض قيود ناجحة على الفساد أن يحسن مناخ الاستثمار في البلاد،ويُخفف من بعض الآثار السلبية للخصخصة على الطبقات الدنيا والمتوسطة،وفي العام 2007،اتهم نواب الإخوان الحكومة بالسماح لبعض الشركات باحتكار المواد الغذائية الأساسية بسبب فشلها في السيطرة على الأسعار،وفي 13 كانون الثاني/يناير 2008،اقترح النائب سعد الحسيني مشروع قانون لتعديل قانون المنافسة والاحتكار للعام 2005،من أجل تطبيق عقوبات أكثر صرامةً على الاحتكارات، مشروع القانون اقترح عقوبةً كبيرة بواقع بليون جنيه مصري على المحتكرين،وإلغاء تصاريح الأعمال التجارية الخاصة بهم، وفرض غرامة على مديري شركاتهم، وربما الحكم عليهم بالسجن، ورفضت أغلبية الحزب الوطني هذا الإجراء،وفي العامين 2007 و 2008،استجوبت كتلة الإخوان البرلمانية وزير المالية في سوء إدارة الحكومة لصناديق التأمينات الاجتماعية، واستخدامها مبلغ 270 بليون جنيه مصري من صندوق التعويضات والرواتب لتغطية الدين العام،وفي العام 2008،وجهت الكتلة 104 طلبات إحاطة و 12 استجواباً إلى الحكومة على خلفية استيراد مواد غذائية منتهية الصلاحية،وخصوصاً القمح منها، وهو استيراد زعم أن رجال أعمال مقربين من النظام قاموا به، وفي كانون الأول/ديسمبر 2008، اتهم النائب محسن راضي الحكومة بتبديد مايعادل عدة بلايين من الجنيهات المصرية من أموال المنَح المقدمة من الجهات الدولية المانحة لتطوير التعليم والحكم المحلي،والزراعة،والقروض الصغيرة، وتمكين المرأة وهكذا،في الجوانب التي تتداخل فيها مسائل الإصلاح السياسي والسياسة الاقتصادية،لجأت جماعة الإخوان إلى استخدام كتلتها البرلمانية لتطوير توجهات سياستها العامة في سلسلة متواصلة من المبادرات والمقترحات التفصيلية لإثبات قدرتها على تقديم رؤية شاملة بديلة للسياسة المصرية،لكن ماذا عن جوانب الاهتمام الأكثر تقليديةً بالنسبة إلى الحركة؟

لقد عملت جماعة الإخوان لمتابعة هذه الأجندة الشاملة الجديدة من دون التخلي عن تأكيدها منذ فترة طويلة على الدين والأخلاق والأسرة،إن نظرة فاحصةً إلى سجلها في البرلمان لاتكشف سوى عن نجاح جزئي في السعي إلى تحقيق الأجندة الجديدة الشاملة، جنبا إلى جنب مع الأجندة القديمة الأضيق، التشريع الديني والأخلاقي طوال الدورتين البرلمانيتين لمجلسي 2000 - 2005 و 2005 - 2010،واصلت جماعة الإخوان السعي إلى تحقيق برنامجها الديني والأخلاقي التقليدي المبني على الدعوات لتطبيق الشريعة الإسلامية،والأكثر إثارة هنا هو أن جماعة الإخوان عملت بكد لتصوير أجندتها الدينية على أنها تتماشى مع-

وحتى تع بشكل كامل عن برنامجها الشامل للإصلاح،بعض القضايا الدينية التي أثارتها،على غرار حق النساء المحجبات في التوظف في القنوات التلفزيونية التي تمولها الحكومة، تم ربطها بحرية التعبير والمعتقد،وفي قضايا أخرى،مثل التعذيب وحقوق الصحافة،استندت جماعة الإخوان المسلمين إلى الأولويات الدينية والأخلاقية للدفاع عن الحريات السياسية وحقوق الإنسان،لكن وفي حين عملت على دمج أجنداتها المختلفة،أجرت جماعة الإخوان تحولا لاتخطئه العين في التركيز،فمن الواضح أن البرنامج الديني والأخلاقي للحركة في البرلمان قد تراجع بشكل ملحوظ على مدى السنوات العشر الماضية،فقد انشغل نواب جماعة الإخوان بالمناقشات البرلمانية حول التعديلات الدستورية،والحريات السياسية،والتشريعات الاجتماعية والاقتصادية،وذلك غالباً على حساب التشريعات المستندة إلى الشريعة،لكن تغ التركيز كان نسبياً،حيث لم يصمت نواب الإخوان في شأن القضايا الدينية،وفي حالات قليلة نادرة خلال دورة مجلس الشعب للأعوام 20002005 تناول نواب الإخوان قضايا أخلاقيةً وثقافيةً وثيقة الصلة بتطبيق الشريعة الإسلامية،على سبيل المثال قدم نواب الإخوان طلبات الإحاطة التالية:

إلى وزارة الثقافة في العام 2001 في مايتعلق بنشر ثلاث روايات بتمويل حكومي تتضمن « إشارات جنسية » مباشرةً اعتبرتها جماعة الإخوان مسيئةً إلى الأخلاق الإسلامية والعامة، وأدى التحقيق إلى وقف عدد من المسؤلين في وزارة الثقافة التي طلبت،من الآن فصاعداً،حكم الأزهر في شأن محتوى الكتب والمنشورات التي ومتلها الحكومة،وفي حزيران/يونيو 2002،استجوب نواب الإخوان الحكومة حيال ما اعتبروه محاولات رسميةً للحد من دور الأزهر في القطاع التعليمي، والتقليل من أهمية الدين واللغة العربية في المناهج المدرسية، طلب إحاطة إلى الحكومة في شأن مسابقة انتخاب ملكة جمال مصر،في نيسان/ أبريل 2004،التي رفضتها جماعة الإخوان باعتبارها إهانةً للإسلام ونوعاً من التحدي لأحكام الشريعة الإسلامية، كما دعت جماعة الإخوان إلى استقالة شيخ الأزهر في العام 2003،بسبب رد فعله البارد على قرار الحكومة الفرنسية بحظر الحجاب في المدارس والجامعات،وانتقدت قرار وزارة الإعلام المصرية بمنع مذيعات التلفزيون من ارتداء الحجاب من حيث المقترحات التشريعية، قدّم نواب الإخوان في العام 2002 تشريعاً لتعديل القوانين في إطار الشريعة الإسلامية،ومنع منتقدي الإسلام والنبي محمد من دخول مصر، وفي العام 2003، سعت جماعة الإخوان إلى تحقيق مبادرات تشريعية مماثلة، بما في ذلك تدابير لمنع الخمور في مصر، وحظر الفن الذي يتضمن إشارات واضحةً إلى الجنس، مثل الأفلام التي تنطوي على مشاهد حميمة، والحفلات الموسيقية التي تضم مغنيات، كما اقترحت كتلة الإخوان مشروع قانون يهدف إلى تعزيز مواد القانون الجنائي التي تعاقب على أفعال الخيانة الزوجية، واستهلاك الكحول وشرائه، والقمار.

كان منشأن المواد المقترحة،التي لم تتم إجازتها في البرلمان،أن تعرض بعض مرتكبي هذه الجرائم إلى الغرامات المالية والسجن، وحتى الجَلد، كذلك اقترحت كتلة الإخوان أيضاً تعديلات وقوانين للحفاظ على مؤسسة الأزهر واستقلالها.

واقترح نواب جماعة الإخوان قوانين لإصلاح الإطار المؤسسي للأزهر، وعملية صنع القرار فيه، وإدارة أوقافه.

وقدم النائب علي لبن مرات عدة خلال دورة مجلس 2000 - 2005 ، مشروع تعديله المقترح للقانون رقم 103 / 1961 الذي ينص على أن شيخ الأزهر ومجلس علماء الدين المرتبطين به ينبغي أن يكونوا منتخَبين من الشعب بدلاً من أن تعينهم الحكومة،كما كان الحال منذ الخمسينيات،خلال هذه الفترة أيضاً،كما اقترح النائب حسين إبراهيم مشروع قانون لاستعادة أوقاف الأزهر التي كانت صودرت من قبل الحكومة خلال دورةمجلس الشعب للفترة 2005 - 2010،واصلت جماعة الإخوان جهودها لضمان استقلال الأزهر،من خلال رفض مشروع قانون قدم في كانون الأول/ديسمبر،2006 أجاز تعيين كبار المؤسولين في الأزهر،ونال، مع ذلك، موافقة أغلبية الحزب الوطني الديمقراطي، وفي العام 2008،استجوبت كتلة الإخوان عددا من الشخصيات - بمن فيهم رئيس الوزراء، ووزير الشؤون الدينية والأوقاف، ووزير التنمية - واتهمت الحكومة بالعمل على إضعاف جامعة الأزهر عن طريق إلغاء بعض فروعها في المحافظات،و إهمال تطوير مناهجها، واصل نواب الإخوان إثارة قضايا مماثلةً لتلك التي كانت أثيرت في مجلس 2000 - 2005 والمتعلقة بتطبيق الشريعة والأخلاق.

وفي العام 2007 استجوَبَ النائب محسن راضي وزير الشؤون الدينية والأوقاف بسبب سياسته بالسماح للأجهزة الأمنية بالسيطرة على المساجد والحد من أنشطة الخطباء الدعوية وفي المناقشة العامة المتعلقة باستجواب راضي، أثار عدد من نواب الحركة اعتراضات أخرى على الوزارة، وانتقدوها لنشرها وثيقة تدين ختان الإناث، وإرغامها الخطباء على حضور محاضرات نظمتها الكنيسة الأنغليكانية المصرية في الإسكندرية، ومطالبتها خطباء الجمعة بالكف عن لعن إسرائيل، وكما حاولت ربط أجندتها الدينية بالإصلاحات السياسية، جهدت جماعة الإخوان لإدخال المبادئ الإسلامية في برنامجها الاقتصادي لتظهِر مدى ملاءمتها لاحتياجات المواطنين والتحديات التنموية في مصر.

وبالتالي، أصبحت الخدمات المصرفية الإسلامية والاقتصاد من عناصر الأنشطة البرلمانية لجماعة الإخوان لتعزيز الشريعة والأخلاق الإسلامية.

وفي العام 2008،واقترح النائب إبراهيم الجعفري مشروع قانون لتعديل قانون البنك المركزي، متوسلا إنشاء وحدات رقابة مصرفية إسلامية،وإدارة البنوك الإسلامية بطريقة تختلف عن المصارف التجارية.

ومع ذلك، رفض البرلمان مشروع القانون. وفي وقت لاحق في مجلس 2005 - 2010 ، حاول نواب جماعة الإخوان تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية كحل للأزمة المالية العالمية. وتعليقاً على هذا المفهوم، اقترح النائب علم الدين السخاوي، في العام 2008 ، سنّ قانون الزكاة الذي يلزم المسلمين المصريين دفع زكاتهم المعتادة لبنوك خاصة تقوم بعد ذلك بتوزيعها على الأَُسر الفقيرة والمواطنين العاطلين عن العمل من حيث الجهود التشريعية الأخرى المتصلة بالبرنامج الديني والأخلاقي لكتلة الإخوان، اقترح عدد من نواب جماعة الإخوان في العامين 2008 و 2009 تعديلات على قانون الطفل، وهي مبادرة حكومية ترمي إلى جعل مصر تحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وقد خاض نواب كتلة الإخوان الجدل المتعلق بذكر العناصر القانونية التي اعتبروها متعارضةً مع أحكام الشريعة الإسلامية، وسعوا إلى تغيير ثلاث قضايا على وجه الخصوص.

أولاً،اعترضت الكتلة على تطبيق العقوبات القانونية على الزيجات التي تتم دون سن الثامنة عشرة، والتي تعتبرها جماعة الإخوان انتهاكا للسن القانونية على أساس الشريعة وهي ستة عشر عاماً.

ثانياً، زعمت الكتلة أن سلطة الحكومة للتدخّل في شؤون الأسرة من أجل حماية الأطفال تتعارض مع المبدأ الإسلامي لخصوصية الأسرأخيراً، احتجت جماعة الإخوان بشدة على نص القانون الذي يتيح للأمهات - بمن فيهن الأمهات العازبات منح أسماء عائلاتهن لأطفالهن، مدعين أن هذا الشرط هو علامة على نزع الإسلام والتغريب في مصر.

ربما حققت جماعة الإخوان نقاطاً بلاغية، إلا أن جهودها لم تترك أي أثر قانوني، إذ تم تمرير مشروع القانون الذي قدمه الحزب الحاكم من دون تعديل قضايا المرأة تسببت محاولة جماعة الإخوان المسلمين الجمع بين أجندة إصلاح واسعة وبين رؤية دينية على وجه التحديد بالتباس وغموض في شأن القضايا المتعلقة بنوع الجنس والأسرة.

فطيلة دورة مجلسي 2005-2000 و 2005 - 2010 ، فشل نواب الإخوان في البرلمان في تطوير برنامج واضح سياسي المنحى في مايتعلق بحقوق المرأة والمشاركة السياسية.

ونظر نواب الجماعة، إلى حدّ كبير، إلى قضايا المرأة من خلال عدساتهم الدينية والأخلاقية المعتادة، وبالتالي تعاملوا معها حصراً على أساس توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية ونتيجةً لذلك، انشغلت كتلة جماعة الإخوان في المقام الأول بالدفاع عن الحقوق الدينية للمرأة المسلمة، مثل الحق في ارتداء الحجاب، والاحتجاج على قانون قدمته الحكومة يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وقد قاوم قادة جماعة الإخوان بصورة عامة الدعوات إلى منح المرأة دوراً أكبر في الحياة العامة، ولكنهم عللوا معارضتهم بمفردات حذرة إلى حد ما. وعلى الرغم من الفشل في تقديم رؤية بديلة تماماً، قامت كتلة الإخوان ببعض المحاولات الأولية لوضع أجندة أكثر إيجابية وليس مجّد دفاعية في شأن القضايا الاجتماعية، في محاولة لتلبية احتياجات المرأة، و إن كان ذلك بطريقة قد تصدم بعض المستفيدين المستهدفين بوصفها أبوية في مناسبات مختلفة طوال دورة مجلس الشعب للفترة الممتدّة مابين العامين 2000 و 2005 ، دافعت كتلة الإخوان عن حق المرأة في ارتداء الحجاب، وانتقدت الأصوات التي حثت الحكومة على فرض حظر على الحجاب الكامل للوجه النقاب في الأماكن العامة وقد واصلت هذه المحاولات في مجلس 20052010، في المجلس الحالي، شاركت كتلة جماعة الإخوان بنشاط في المناقشات البرلمانية حول قانون الطفل سالف الذكر، والعديد من الجوانب التي تمس حقوق المرأة وقد واجه مشروع القانون الذي سعى إلى تعزيز الحظر على ختان الإناث، ووضع قيود أقسى على الممارسة، انتقادات حادة من نواب الحركة الذين قالوا إنه يخالف تعاليم الدين الإسلامي، ويحاول فرض القيم والأخلاق الغربية على المصريين (محمد سعد الكتاتني، رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان قال في العام 2008 إن إلغاء ختان الإناث يتعارض مع القواعد والأعراف، وطبيعة الشعب المصري وقد حظّر القانون، الذي أُقر في حزيران/يونيو 2008 ، ختان الإناث، كما أراد الحزب الوطني الديمقراطي، وهو يتضمن فقرة تنص على أن هذه الممارسة غير مسموح بها إلا في حالات الضرورة الطبية وطيلة دورة مجلس 2005 - 2010 ، تطرقت كتلة الإخوان أيضا إلى التشريعات المتعلقة بتمثيل المرأة في السياسة.

وكان من أبرزها رفض جماعة الإخوان المسلمين قانون الكوتا النسائية الذي أقره المجلس في حزيران/يونيو 2009 . ومن بين تغييرات أخرى، أضاف القانون الجديد 64 مقعدا مخصصاً للنساء في مجلس الشعب، وزاد بالتالي العدد الإجمالي لمقاعد المجلس من 454 إلى 518 مقعدا.

وقد اعتبر نواب الإخوان التعديل استجابة إلى ضغوط خارجية، وحذّروا من أن التغيير قد يفتح الباب أمام مجموعات اجتماعية أخرى لتقديم مطالب مشابهة، ملمحين إلى الطائفة المسيحية في مصر كما قالوا أن «الكوتا » النسائية في القانون تخدم مصالح الحزب الحاكم، في نهاية المطاف، وتتناقض مع المادة الدستورية( التي تنص على أن جميع المواطنين المصريين متساوون في حين أن قانون «الكوتا » النسائية سيوسع المشاركة السياسية للمرأ في مصر، إلا أن تطبيقه الفعلي سيكون لصالح الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، ويعزز سلطته في مجلس الشعب، أقلّه على المدى القصير.

ولأن الحزب الحاكم يسيطر على موارد الدولة والمؤسسات الحيوية لكسب مقاعد المرأة، فإن هذه المجازات الجديدة ستجعل من الصعب على الإخوان المسلمين وأحزاب المعارضة الأخرى الفوز بنواب مستقلين. وجماعة الإخوان مستفيد غير محتمل بشكل خاص من هذه المقاعد، وذلك بسبب موقفها المتأرجح بشكل دائم تجاه المرأة في السياسة.

هل بلورت جماعة الإخوان في البرلمان رؤية إصلاحية لمصر؟

مع أن كتلة الإخوان الناشطة بشكل ملحوظ تناولت مروحة واسعة من القضايا في البرلمان على مدى العقد الماضي، فإ التشريعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كانت في صلب برنامجها و أنشطتها، سواء من حيث الرقابة، والمحاولات التشريعية، الشواغل الاجتماعية والاقتصادية على غرار الاحتكارات والفساد والخصخصة والنظم الضريبية، والدين العام، سيطرت على أجندة كتلة جماعة الإخوان، وبلغت ذروتها في الاستخدام الواسع النطاق للصلاحيات الإشرافية للتصدّي للسياسات الحكومية الفاشلة في هذه المستويات، كما استخدم نواب الإخوان، على نطاق واسع، أدواتهم التشريعية المحدودة لمواجهة غياب الحرية والإصلاح السياسي في مصر، وإن من دون جدوى، كما احتجوا وحاولوا عرقلة التعديلات الدستورية والقانونية التي اقترحتها الحكومة، والتي يتم تفسيرها على أنها محاولات لتعزيز الواقع شبه السلطوي في مصر، بيد أن إعطاء الأولوية لهذه القضايا غالباً ماجاء على حساب برنامج الجماعة الديني والأخلاقي الذي كان يحظى بدور تكويني في المشاركة البرلمانية للحركة قبل العام 2000،والواقع أن البرنامج الديني والأخلاقي لجماعة الإخوان قد اختزل إلى مواقف غير ليبرالية في مجال قضايا المرأة ودعوات متفرقة لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.

- ثمة عوامل عديدة يمكن أن تفسر هذه التحولات في الأولويات والأنشطة البرلمانية لجماعة الإخوان، ففي المقام الأول، ركزت النقاشات العامة الواسعة في مصر منذ العامين 2002 و 2003 بشكل متزايد على مس ألة الإصلاح السياسي، والحاجة إلى مساءلة الحكومة عن أدائها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية.

وقد أصبحت الحرية وعجز الحكم جزءاً لايتجزأ من التغطية الصحافية الدورية،وأعمدة الرأي،والبرامج الحوارية التلفزيونية، لذلك فإنه لم يكن مفاجئا أن جزءاً كبيراً من برنامج جماعة الإخوان في البرلمان عكس الخطاب المتزايد عن الإصلاح والحرية والحكم في مصر، وقد مثلت مبادرة الإصلاح في العام 2004 ، والبرنامج الانتخابي للعام 2005 ، ومشروع برنامج الحزب في العام 2007 معالم بارزة في هذا الصدد

ثانيا: تعززت الاندفاعة الإصلاحية لجماعة الإخوان بالجهود المنتظَمة للقوى السياسية الأخرى في مصر من أجل التواصل مع الجماعة والدخول معها في تطوير برنامج معارضة كبير.

لكن، مهما بدت هذه الجهود متناقضة في بعض الأحيان، فإن القوى الليبرالية واليسارية تعاونت في هذا الجهد، ما أثمر نقاشا اجتماعيا على مستوى الأمة عن الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي أصبح مفعما بالحيوية بشكل خاص من العام 2003 حتى العام 2005.

أخيرا: فإن التركيبة المتنوعة لكتلة الإخوان تساعد على تفسير تغ أولوياتها وأنشطتها في البرلمان في المجلس الحالي، على وجه الخصوص، يأتي نواب كتلة الإخوان ال 88 من خلفيات مهنية وعلمية عديدة ومختلفة، وبالتالي فهم مؤهلون لتناول طائفة واسعة من القضايا البرلمانية، كما يدل على ذلك مستوى التفصيل الذي ناقشوا من خلاله الميزانيات السنوية والتشريعات المتصلة بالحريات السياسية مع ذلك، فإن التهميش النسبي لبرنامج جماعة الإخوان الديني والأخلاقي في البرلمان شكل تحديا خطيرا للحركة، إذ كيف يمكن لها أن تواصل إصلاحاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البرلمان مع الحفاظ على مؤهلاتها الإسلامية؟ وفي حين منعت جماعة الإخوان من تشكيل حزب سياسي، إلا أن إستراتيجية واحدة للتعامل مع التوتر بين أجندتيها، الدينية المحددة السياسية الواسعة، هي التي ستضفي الطابع الرسمي على العمليات السياسية من الناحية التنظيمية.

وبالفعل، في السنوات الأخيرة، يمكن للمرء أن يلاحظ فصلاً عمليا بين الكتلة البرلمانية، التي تتناول قضايا الإصلاح، وبين قيادة الحركة المرشد العام ومكتب الإرشاد يعطي الأولوية للاهتمامات الدينية والأخلاقية في التصريحات الرسمية، والبيانات الإعلامية، وغيرها من الأنشطة.

وقد كانت المواضيع التي تناولها الخطاب الأسبوعي للمرشد العام لجماعة الإخوان بين العامين 2005 و 2009 ، بصفة عامة، متماشية إلى حد كبير مع هذا الاتجاه ومع ذلك، فإن تحديا خطيراً ثانياً بالقدر نفسه، نتج عن النتيجة المحدودة لمشاركة جماعة الإخوان في البرلمان، ولاسيما من حيث الناتج التشريعي.

وفي نظر العديد من ناخبي وناشطي جماعة الإخوان، فإن سعي الحركة إلى إنجاز قضايا الإصلاح في البرلمان، لم تؤت ثمارها بكل بساطة، كما ثبت أنه لاطائل من وراء عدم تشديدها على القضايا الدينية والأخلاقية.

ويقول هؤلاء إن مشاركة جماعة الإخوان في البرلمان لم تجعل المجال السياسي في مصر يتفتح وقد بدأت قيادة جماعة الإخوان تشعر، بصورة متزايدة، بالحاجة إلى تفسير هذا التوازن السلبي، وتقديم تفسيرات في شأن أولوياتها إلى جمهورها.

وقد أثار الجدل الدائر حول هذه المس ألة الشك في أولوية المشاركة السياسية باعتبارها إستراتيجية، ولاسيما بالمقارنة مع النجاح الذي تم إحرازه في الأنشطة الاجتماعية والدينية الأوسع نطاقا إحدى نتائج هذه المشكلة المتنامية تمثلت في تغ موازين القوى داخل قيادة الحركة بين دعاة المشاركة في الحياة السياسية وبين المعنيين بالدور الاجتماعي والديني لجماعة الإخوان.

آفاق المستقبل: الديمومة والركود

إن معاينة الأحداث التي وقعت خلال العقد الماضي، سنة بعد سنة، من وجهة نظر جماعة الإخوان المسلمين، من شأنها أن تفاجئ المرء بسبب الصعود السريع والمندفع تقريباً للتنظيم بالنسبة إلى النظام المصري، والذي أعقبه أفول تدريجي ولكن واضح أحياناً في النصف الأول من العقد الحالي، نجحت جماعة الإخوان في التغلّب على الكثير من الآثار المترتبة على القمع القاسي لعقد التسعينيات، واختارت قائداً جديداً في مناسبتين، ووضعت نفسها في قلب النقاشات السياسية المصرية، ومدت يدها إلى قوى المعارضة الأخرى، ووضعت أجندة إصلاحية واضحة، وجذبت الدور العام لجيل جديد من الناشطين في الحركة وشجعته، وأظهرت أنها الحركة السياسية المعارضة الأكثر قدرةً على البقاء في البلاد، لكن في النصف الثاني من العقد، تحملت جماعة الإخوان القسط الأوفر من التدابير القمعية، إذ تعرض ناشطوها إلى المضايقة، واعتقل بعض قادتها، وتمت تضييق مساحة المعارضة السياسية المتاحة لها، وتجري استعدادات واضحة، وعلى قدم وساق، في الحكومة لاستبعاد مرشحيها عن الجولة المقبلة من الانتخابات البرلمانية.

وفي حين تمكنت الجماعة من اختيار قائد جديد في العام 2010 مستبدلة للمرة الأولى زعيماً تقاعد بدلاً من الموت وهو في منصبه في عملية أثارت خلافات علنية مريرة مابين قادتها، وهي تجربة غير سارة أبدا لحركة تتميز بعزوفها الملحوظ عن نشر غسيلها القذر، لكن ومرة أخرى، يصر قادة الحركة على أنهم يقيسون نجاحهم على المدى الطويل وحسب وإذا ماكان هذا هو الحال، فإن لديهم مجالا للرضى. فقد خاضوا عباب القواعد المتحولة على الدوام للنظام شبه السلطوي في مصر، ولم يظهروا القدرة على التكيف وحسب، بل أظهروا أيضا دعماً متجذّراً، وأحياناً قدرةً على أخذ زمام المبادرة.

لقد دخلوا ميدان السياسة بحماسة من دون استلحاقهم أو إفسادهم، وأصبحوا أكثر حنكة، وأظهروا القدرة ليس على توضيح الشعارات الجذابة وحسب، بل أيضا على تقديم الاقتراحات المفصلة. كما اجتازت جماعة الإخوان البيئة الدولية الصعبة بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001 ، وأقنعت بعض المراقبين الدوليين أنها ليس مرتبطة بتنظيم القاعدة، وأنها ربما تكون من ذلك النوع من الحركات الإسلامية التي يمكن للغرب أن يتعاطى معها بأمان، مع ذلك فإن تحقيق مزيد من التقدّم يتطلّب انفتاحاً سياسياً متجدداً في مصر. فمن الصعب أن نرى جماعة الإخوان تستمر في الاضطلاع بمثل هذا الدور في الحياة العامة، في ظل غياب بعض الإصلاحات السياسية، هنا ربما تكون الجماعة قد تعلمت درسا قاسيا على مدى العقد الماضي.

فكلما مارس قادتها اللعبة السياسية بشكل أفضل، أصبح إخراجهم من الساحة السياسية أكثر احتمالا أو، للحفاظ على الاستعارة، كلما أبلوا بلاء حسناً، أعيدت كتابة قواعد اللعبة لاستبعادهم وباختصار فإن جماعة الإخوان واجهت مفارقة، فكلما قدمت نفسها على أنها قوة ذات صدقية من أجل الإصلاح السياسي، كلما أصبح الإصلاح أقل احتمالاً ثم إن التحسن الطفيف في مستوى احترام جماعة الإخوان المسلمين على الصعيد الدولي يثبت الآن أنه ذات فائدة محدودة. صحيح أن جماعة الإخوان لم تَعد تُخيف معظم الحكومات الغربية، وأن الدبلوماسيين الأجانب، والأكاديميين المتخصصين، والصحافيين لديهم الآن معرفة وحنكة أكبر بإديولوجيتها وبرامجها، إلا أن النظام المصري أظهر أيضا أهميته بالنسبة إلى العمليات الدبلوماسية الإقليمية العزيزة على قلب الولايات المتحدة، على وجه الخصوص وتجدر الإشارة هنا إلى أن جماعة الإخوان منحازة إلى مجموعة من القوى السياسية مثل حركة حماس التي تعت معادية للمصالح الغربية وبالتالي وعلى الرغم من الاحترام المتزايد للجماعة، فالمجتمع الدولي لن يضع على الأرجح عراقيل كثيرة أمام القمع المستمر للحركة، والحال أن جماعة الإخوان، وبسبب مواجهتها تحديات العمل في المجال السياسي شبه السلطوي في مصر، وإحداثها الضجيج أكثر من التقدم الملموس في البرلمان، وعدم الثقة الذي تبديه نحوها الأطراف المعارضة الأخرى، بسبب كل ذلك، عمدت إلى تقنين طموحاتها السياسية إلى مجرد الحفاظ على الذات.

وقد اضطر التنظيم إلى إعطاء الأولوية لإدارة شؤونه الداخلية على دوره السياسي وأنشطته المعارضة. علاوة على ذلك، إن قدرة جماعة الإخوان على توضيح النقاط الغامضة في شأن القضايا السياسية والمجتمعية الهامة تعرضت إلى الخطر، بسبب عمليات الجذب القوية والمتناقضة أحياناً مع قواعدها ونقّادها.

وقد تم بشكل فعلي سحب أشمل محاولة لتناول كل «المناطق الرمادية » في مشروع برنامج الحزب، من قبل حركة تعتبر الحياء فضيلة. تمثل الأثر الرئيس الأول لقمع النظام المستمر لجماعة الإخوان المسلمين والقيود المفروضة على مشاركتها، في الإغلاق التدريجي للمجال السياسي الرسمي للحركة وعلى الرغم من التمثيل الكبير لجماعة الإخوان في مجلس الشعب الحالي، والظهور المتواصل لكتلتها البرلمانية، فقد أصبحت حركة معزولة وذات تأثير ضئيل على نتائج العملية التشريعية، وعلى السياسة المصرية بصفة عامة ولا تبدو آفاق المستقبل مختلفة، ففي الواقع، لا أحد تقريباَ في قيادة جماعة الإخوان يتوقع الحصول على أكثر من اثني عشر مقعداً، أو قريباً من ذلك، في مجلس الشعب الذي سيتم انتخابه في خريف العام 2010 أما الأثر الرئيس الثاني فتمثّل في اعتراف متزايد من جانب العديد من قادة جماعة الإخوان بأن الحركة باتت محاصرة وستبقى كذلك في المستقبل المنظور.

والرأي السائد داخل الحركة هو أن جماعة الإخوان ينبغي أن تركِز طاقاتها على الحفاظ على التضامن التنظيمي في مواجهة قمع النظام، بدلاً من أن تستنزف جهودها في محاولة عقيمة للمشاركة السياسية بعبارة أخرى، فإن البيئة المغلقة التي ما فتئت جماعة الإخوان تعمل في إطارها والتي ازدادت سوءا في أعقاب انتخابات العام 2005 البرلمانية، وتجلت مؤخرا في شباط/فبراير 2010 ، شهدت موجة جديدة من الاعتقالات لقادة الإخوان، بمن فيهم نائب المرشد العام وثلاثة من أعضاء مكتب الإرشاد لا تقدم أي حافز للاستمرار في إعطاء الأولوية للمشاركة السياسية، مايدفع الحركة إما إلى الاتجاه الانغلاق على ذاتها أو نحو الجوانب الاجتماعية والدينية لنشاطها في ظل مثل هذه الظروف، لم يكن مفاجئا أن الديناميكيات الداخلية لجماعة الإخوان تأثرت وتشكلت من خلال سلسلة مناقشات حول القيمة الإستراتيجية للمشاركة السياسية.

قادة جماعة الإخوان الذين جادلوا من أجل مزيد من المشاركة إما غ وريا رأيهم، وإما أنهم تراجعوا في هذه المناقشات الداخلية. وفي البيئة الحالية، فإنه يصبح أكثر إقناعا المجادلة لصالح العزلة النسبية، والتركيز على التضامن التنظيمي الداخلي، وإعطاء الأولوية للنشاط الاجتماعي والديني. وقد أوضحت الانتخابات الأخيرة في كانون الأول/ديسمبر 2009 لقيادة الحركة، الأعضاء الستة عشر في مكتب الإرشاد ومنصب المرشد العام، عمق الانقسامات الداخلية، والتعزيز المتزايد لميول الانعزالية في الجماعة، فلقد فقد عبد المنعم أبو الفتوح، وهو المعتدل ذو النفوذ، والذي يمكن القول إنه المدافع الأكثر صراحة في جماعة الإخوان عن المشاركة السياسية، منصبه في مكتب الإرشاد لصالح خصومه الذين تتمثل أولويتهم في النشاطات الاجتماعية والدعوية للحركة بعد فترة وجيزة من ذلك، أثار موجة من التعليقات عندما تخلى على الأقل لأغراض خطابية عن التزامه بالمشاركة عن طريق الترويج لفكرة تعليق المشاركة السياسية لمدة عشرين عاما وفي حين تم انتخاب زميل له من دعاة المشاركة، هو عصام العريان، للمرة الأولى، فإنه أظهر في تصريحاته العلنية قدرة على الالتزام بالقواعد الجديدة، وطرح آراء الحركة.

كما تم إقصاء محمد حبيب، نائب المرشد العام،إلى جانب أبو الفتوح. ولأنه بالكاد من المتحمسين لوضع إستراتيجية سياسية غير مقيِدة - لم يخش مثلاً التعبير عن ر أيه الفردي القائل بأن جماعة الإخوان قد نافست على مقاعد كثيرة في العام 2005 فقد عمل محمد حبيب بجد لبناء الجسور مع من هم خارج جماعة الإخوان، وعمل داخليا لتوفيق الآراء بين دعاة المشاركة وبين دعاة العزلة.

عدد قليل جدا من أعضاء المكتب الذين أُعيد انتخابهم، بمن فيهم رئيس الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان، محمد سعد الكتاتني، يمكن اعتبارهم من المؤيدين للمشاركة، والزعيم المفروض أنه الأكثر تأييداً لدعاة المشاركة السياسية، خيرت الشاطر، لايزال في السجن وغير قادر على المشاركة بشكل كامل في جماعة مداولات الإخوان. وأخيرا، فإن المرشد العام المنتخب حديثا، محمد بديع، معروف باهتمامه بالتضامن الداخلي للحركة وأنشطتها في المجالات الاجتماعية والدينية.

و في مايتعلق بالمشاركة السياسية، اعترف بديع في خطاب القبول، في كانون الثاني/يناير 2010 ، بأن جماعة الإخوان المسلمين تعتبر نفسها في البرلمان وفي العمل المجتمعي، قوة سلمية وشرعية لتحقيق الإصلاح في مصر ومع ذلك، أكد بديع أيضا أن الصيغة التقليدية لجماعة الإخوان المسلمين هي أن الإصلاح الحقيقي يبدأ على المستوى الفردي، وتنتشر من خلال الأُسر والمجتمع كي تؤثر في نهاية المطاف على الوضع السياسي في البلد، وهي إشارة واضحة إلى عزمه على إعادة ترتيب أولويات النشاط الاجتماعي والديني إن تراجع الإخوان الم سلمين لن يكون شاملا.

فلا أحد من قادتها يقول بضرورة الانسحاب الكامل والعزلة، ولايزال النظام السياسي المغلق على نحو متزايد في مصر يترك القليل من الأبواب مفتوحة للأصوات المعارضة. ومن المرجح أن تضمن الجماعة عددا ضئيلاً من المقاعد في البرلمان الجديد، إذا ماقررت خوض الانتخابات.

وهي، كما النظام، ستبقى على قيد الحياة. لكن المنافسة بينهما تدخل مرحلة جديدة، والحفاظ على كلا الطرفين قد يعني الركود السياسي للبلد. ومع تراجع جماعة الإخوان، يبدو أن الفرصة العابرة التي بدت سانحة في منتصف العقد لبناء نظام سياسي أكثر تعدديةً، ومنافسة سياسية مفتوحة بين الرؤى المتنافسة حول مستقبل مصر.