جمال سلطان يكتب: هل استغنى السيسي عن منصب النائب العام؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جمال سلطان يكتب: هل استغنى السيسي عن منصب النائب العام؟


(9/1 / 2015)

في صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من شهر يونيو الماضي، اغتيل النائب العام المستشار هشام بركات بتفجير موكبه من قبل مجموعة مجهولة حتى الآن، بل أن كثيرًا من تفاصيل العملية الإرهابية غير معروفة حتى الآن، وكان مكتب القائم بأعمال النائب العام قد قرر بعدها حظر النشر عن القضية.

ومنذ ذلك التاريخ ومصر وقضاؤها وعدالتها بدون نائب عام، شهران أو ستون يومًا على وجه التقريب، ومصر بلا نائب عام، رغم خطورة هذا المنصب وكونه مفتاح العدالة ومنتهاها أيضًا، فمن تأشيرته تتحرك القضايا، ومن تأشيرته تحفظ وتغيب في سراديب بعيدة، ومن تأشيرته أيضًا تنفذ الأحكام أو تعلق، فضلاً عن عشرات القرارات والإجراءات التي تمس حياة وحرية أي شخص تتصل مباشرة بسلطة هذا المنصب، ستون يومًا ومصر عاجزة عن اختيار النائب العام، والبلد ماشية.

كما هو حال أمور كثيرة، تشعر أن مراكز الدولة المفصلية فيها لم تعد بتلك الأهمية السابقة، فهناك قنوات أخرى عديدة يمكن أن تنصرف من خلالها شئون البلاد والعباد، ستون يومًا، ورئيس الجمهورية يفكر ويفكر، ثم راح يفكر ويفكر، في كيفية اختيار النائب العام الجديد، يبدو أنها معضلة حقيقية ونحن لا ندري، مصر بها أكثر من ثلاثة عشر ألف قاض ورجل نيابة، ومن الصعب تصور أنه استعصى على رئيس الجمهورية أن يختار نائبًا عامًا من بينهم.

وإذا كان الدستور ينظم عملية اختياره بترشيح المجلس الأعلى للقضاء ثلاثة من رجال القضاة يلتزم رئيس الجمهورية بالاختيار من بينهم حصريا، فإن المجلس، بعد جهد وشد وجذب، توافق على الأسماء الثلاثة المقترحة، وتم تسليمها لرئاسة الجمهورية بالفعل، لكن الرئاسة ما زالت تفكر.

المعلومات التي ترشحت من داخل دار القضاء العالي تقول إن مسألة اختيار المرشحين للمنصب شهدت انقسامًا كبيرًا، ولم يتم الاتفاق أو الإجماع على أي مرشح منهم، ثم توصل الجميع إلى حل توافقي انتهى إلى اختيار أبرز الأسماء الثلاثة التي تم تداولها، وتم إبلاغ الرئاسة بها، ويتردد أن هناك ضغوطًا حدثت من وزارة العدل لاختيار أسماء بعينها.

إلا أن هذه الضغوط لم تفلح في فرض الأشخاص المطلوبين، وأن الثلاثة الذين تم رفع أسمائهم لرئاسة الجمهورية لا يحظون برضا تام من جهات عديدة، وهذا سبب الالتباس والتأخير في عملية الاختيار، خاصة وأن تقارير أجهزة عديدة تتدخل في حسم هذا الاختيار، ويبدو أن التقارير ذاتها لم تبد إجماعًا بالاطمئنان على اسم بعينه .

قضية النائب العام كانت أحد أهم "مقاتل" الرئيس الأسبق محمد مرسي، وأحد أهم أسباب الغضبة الشعبية عليه، والهياج الواسع الذي شهدته مؤسسة العدالة أيضًا.

وذلك للحساسية الشديدة لهذا المنصب، فهو أهم من أي قاض، وأهم من أي منصب آخر في المؤسسة بكاملها على الإطلاق، كما أنه منصب محصن من العزل، والرئيس يمكنه أن يختار واحدًا من بين الثلاثة الذين رشحهم الأعلى للقضاء، لكنه لا يستطيع أن يعود عن قراره بعدها، ولا أن يعزله تحت أي ظرف، وسيتم إكمال مدته أربع سنوات.

وكانت من فضائل دستور محمد مرسي أنه نص على قصر مدة ولاية النائب العام على أربع سنوات فقط غير قابلة للتمديد، أو الفترة المتبقية على خروجه للمعاش إن كانت أقل، وهذه المادة هي الأصل الذي اعتمده أيضا دستور السيسي وعدلي منصور 2014 وتمسك به أو بمعنى أصح عجز عن أن يتراجع عنه (المادة 189)، لأن بقاء هذا المنصب الحساس والخطير في قبضة شخص واحد أكثر من أربع سنوات أو ثقته بإمكانية التجديد له فترات عديدة إذا كان مرضيًا عنه، هو مفتاح للانحراف، ويمكن أن يشكل عبئًا على العدالة ذاتها وعلى الدولة بكاملها.

والفضل في وضع هذا النص يعود إلى المستشار الجليل محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض وأحد من شاركوا في بناء دستور وهو صاحب هذا النص تحديدًا، وهو أيضا أحد الذين يلاحقهم وزير العدل أحمد الزند حتى 2013 الآن لفصلهم من القضاء!.

حتى اليوم، ما زالت مصر تتعامل مع "القائم بأعمال النائب العام"، وهو وضع غير دستوري في ظل أحداث وملفات جسيمة تشهده العدالة الآن، ويفترض أنه يقوم بعمله كحال اضطرار ضيق واستثنائي، وأن تعمل الدولة ومؤسساتها على تصحيح المسار بأسرع وقت لضبط المسار الدستوري لمؤسسة العدالة، فهل ثمة أمل أن نرى قريبا منصب "النائب العام"، وأن يكون ذلك مشفوعًا بتوضيحات من رئيس الجمهورية عن الأسباب التي أدت إلى تأخير شغل المنصب الرفيع والخطير طول أكثر من شهرين؟ .

المصدر