جناية حكامنا وكبارنا على اللغة العربية

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
جناية حكامنا وكبارنا على اللغة العربية

أ.د/جابر قميحة

اللغة ـ أية لغة ـ هي عرض الأمة ، وهويتها ، ووعاء حضارتها ، وعلومها ، والآلية الحية لتواصل الأجيال . وهي نعمة من نعم الله أنعم بها على الجنس البشري ، لذلك قال تعالى ( خلق الإنسان علمه البيان ) . الرحمن 3 - 4

واللغة العربية الفصحى بالنسبة للأمة العربية تعتبر أهم من أية لغة أخرى بالنسبة للأمة التي تتكلم بها، ويرجع ذلك لتفرد اللغة العربية بعدد من السمات والملامح، يجعل منها لغة فائقة جديرة بالمكانة العليا بين لغات العالم :

1 ـ فهي لغة القرآن الكريم: اللغة التي نزل بها جبريل ـ عليه السلام ـ على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مدى ثلاثة وعشرين عامًا، لم يُـختَرم ( يسقط ) منها حرف واحد .

2 ـ وهي لغة قومية: جمعت العرب من قديم في وحدة لغوية متماسكة .

3 ـ وهي لغة تراثية: بمعنى أنها كانت ـ وما زالت ـ الوعاء الأمين الذي حفظ التراث العربي والإسلامي، وصانه من الضياع .

4- ومن فضلها على الحضارة الإنسانية أنها حفظت التراث اليوناني من الضياع ، فقد ضاع هذا التراث في بلاده ، فرجع علماؤهم إلى اللغة العربية ينقلون منها هذا التراث الذي ترجمه العرب إلى العربية .

وكان من المفروض أن تتضافر كل الجهود الوطنية والعربية لحفظ هذه اللغة وصيانتها وحمايتها من دعاوى الهدم والتخريب ، ولكننا وجدنا العكس : فاللغة العربية تمتهن إما بتشويهها نطقا وكتابة ، وإما بإغفالها والانصراف عنها إلى لغات أخرى .

هذا ما نجده في وسائل الإعلام ، والمؤسسات و الدواووين والمدارس والجامعات ورجال الفكر .

ومن مشاهداتي القليلة للتلفاز المصري - وكان الموضوع "المكتبات الجامعية"- انقل العبارات الآتية التي جاءت على لسان ضيف الحلقة وهو دكتور أستاذ كبير جدا: ".. والمكتبات الجامعية عندنا دلوقتي حاجة تكسف. فرى بور Very Poor، تسألني عن الحل أقولك الحل فري إيزي ..Very Easy".

وفي برنامج عن السياحة في التلفازالمصري كان ضيفه شخصية فنية كبيرة التقطت منه العبارات الآتية: "... والعريش بيتش Beach بالذات كل شيء فيه Blue.. سما .. وميه ..".

وقلت لنفسي لا حول ولا قوة إلا بالله أخلت لغتنا من الكلمات الآتية: فقيرة جدًّا.. الحل سهل للغاية ـ الشاطئ الأزرق والزرقة، والزرقاء حتى يلجأ مفكرونا إلى الاقتراض من اللغة الإنجليزية ؟ وأكرر القول بأنها بقايا عقدة الخواجة والشعور بالنقص والإفلاس اللغوي.

وفي الصحف كثيرا ما نقرأ الكلمات الآتية:

ريبورتاج ـ Reportage بدلاً من تحقيق صحفي أو تحقيق مصور، مانشيت Manchette بدلاً من العنوان الكبير، فيتو Veto بدلاً من حق النقض، كامب Camp بدلاً من مخيم، كاميرا Camera بدلاً من آلة التصوير.

ويكثر مثل ذلك في الإعلانات المنشورة في الصحف، وقد يكون الإعلان من أوله إلى آخره باللغة الإنجليزية في صحيفة عربية لا يقرؤها الأجانب.

ولكن الأدهى من ذلك حقا أن نرى شخصيات حاكمة وقيادية تعجزعن النطق أو مواصلة النطق بالعربية الفصيحة ، ولكنهم في غير العربية منطلقون . وقد أشار الأستاذ فهمي هويدي إلى صور واقعية ميدانية منها :

1- حين وجه مذيع قناة الجزيرة سؤالا إلى وزير السياحة المصري بلغة عربية فصيحة، رد عليه الوزير بالعامية , ولم يستطع ان يخاطبه باللغة نفسها.

2- شهدت مؤتمرا في دبي حضره رئيس الوزراء المصري أحمد نظيف، وألقى فيه كلمة مكتوبة، التقطت أذني فيها أربعة أخطاء نحوية، وحين وجه إليه رئيس الجلسة الأميركي الجنسية سؤالا باللغة الانجليزية، فإنه رد بطلاقة أثارت الانتباه، حتى بدا وكأن الانجليزية وليست العربية هي لغته الأم.

3- وفي احتفال أقيم بأحد فنادق القاهرة الكبرى لتقديم جائزة الشعر للفائزين بها، وقف السيد فاروق حسني ليلقي كلمة الافتتاح، ولكنه لم يستطع وهو وزير للثقافة أن يتكلم بالفصحى لأكثر من ثلاث دقائق، وكانت عباراته ركيكة ومرتبكة، الأمر الذي اضطره الى إنهاء كلامه بسرعة، خصوصا ان مستمعيه كانوا جميعا من المهتمين بالشعر واللغة العربية.

ويختم الأستاذ هويدي مقاله القيم بقوله " ... فلعلي لا أبالغ إذا قلت إن تدهور أوضاع اللغة والازراء بها هو في حقيقته تعبير عن الهزيمة الحضارية، ...وقديما قيل إن اعوجاج اللسان علامة على اعوجاج الحال، الامر الذي اذا صح فإنه يدلنا على أن المشكلة ليست في ألسنة اعوجت ولغة تدهورت، وإنما هو استسلام للهزيمة والانكسار، وشعور باليأس من الحاضر والمستقبل..... " ( الدستور المصرية ـ الأحد 26 10 2008 )

وما أكثر أخطاء الكبار جدا في اللغة : فقد كان السادات ــ غفر الله له ــ في خطبه التي تغلب عليها العامية ينطق كلمة الأضحى بكسر الهمزة ، وهو خطأ غريب دميم ، لا يوجد حتى في العامية , فالمثقفون والعوام والأطفال والكبار يقولون " عيد الأضحى " بفتح الهمزة.

وكان الرئيس حسني مبارك يستهل خطبه بعبارة : أيها الإخوة . بضم همزة الإخوة ، ولكنه والحمد لله أقلع عن هذا الخطأ .

وقد ذكرت في مقال سابق أن السادات ألقى خطابا بالإنجليزية ( الثـقيلة البطيئة ) في مدينة

" بير سبع " التي اغتصبها الإسرائيليون من أرض فلسطين ، وبعده قام عمدة بير سبع الإسرائيلي وألقى خطبته بالعربية الفصحى ، وهذا يعد لطمة لرئيس الجمهورية , كأنما يريد هذا الإسرائيلي أن يقول بلسان الحال : نحن أولى بالعربية منكم .وتزداد الإهانة بشاعة إذ يقول العمدة الإسرائيلي بالعربية الفصحى " وحرصا منا يا سيادة الرئيس على السـلام منحناكم أرضا ( يقصد سيناء ) مساحتها ثلاثة أضعاف مساحة إسرائيل . " ولم يعلق السادات بكلمة واحدة بل ظل يبتسم وهو يدخن البايب.

هذا وقد قالوا : إن كلام الملوك يجب أن يكون ملك الكلام ، ولكننا نجد الملوك يرتكبون من الأخطاء في حق اللغة ما لا يقع فيه المتعلم العادي . وأبناء البلد لا يفوتهم أن يغمزوا أو يعبروا بالنكتة عما يشبه هذه الحالة المؤسفة . ومما سمعت : أن أحد الكبار جدا كان يكلف متخصصا بكتابة خطبه التى سيلقيها على الجمهور . وفي الصباح سأل الكاتب الرجل الكبير : ما رأي سيادتكم في الخطاب الذي كتبته لكم , ونفذت ما أمرتموني به من ألا يزيد إلقاؤه على ربع ساعة ؟ فقال الكبير : كيف وقد استغرق إلقاؤه ساعة كاملة ؟!!.

قال كاتب المقال : يا خبر أنا كتبته لسيادتك من أصل و 3 صور .

ورحم الله ذلك البدوي الذي نزل سوق البصرة فوجد الناس يلحنون في اللغة ( أي يخطئون في ضبط بعض كلماتها ) ، فصرخ وقال: يا لله كيف يلحنون ويرزقون ؟ ؟ !!!!

وإني أرى وأقترح بعد ما رأيناه من الكبار :

1- أن يوضع قانون ينص على أن يكون المسوغ الأول لتعيين الوزير أو كل ذى موقع قيادي إتقان اللغة العربية الفصيحة كتابة ونطقا .

2- جعل اللغة العربية مادة أساسية في كل مراحل التعليم , وفي كل الكليات النظرية و العملية والمدنية والعسكرية. وللسعودية وجود طيب في هذا المجال , فقد زاولت تدريس الأدب العربي , والبلاغة العربية ثمانية أعوام في جامعة الملك فهد بالظهران , بصورة رأسية معمقة, وتولى أساتذة آخرون تدريس الشريعة , وفروع العربية الأخرى . كل أولئك في كليات الجامعة وكلها كليات علمية متخصصة( في الهندسة والحاسوب والبترول والمعادن ,وغيرها.)

3- حظر مخاطبة الحضور من عرب أو أجانب بغير العربية الفصيحة . وقد قرأت أن " شو إن لاى " الوزير الصيني المشهور( 1898 ـ 1976 ) كان يلتزم اللغة الصينية في لقائه مع السياسيين الأجانب أفرادا ووفودا , مع إنه كان يتقن الإنجليزية والفرنسية . وعلل ذلك بأن اللغة القومية قطعة مهمة من الوطن وتاريخه وتراثه .وهي بالنسبة لنا روح يجب ألا ينقطع أو يتوقف .

4- القضاء على الإعلانات المكتوبة بلغة أخرى مثل كلمة ( بوتيك ) و ( كوافير )... الخ

5- عقد دراسات واختبارات دورية جادة للمشتغلين في الصحف والإذاعة والتلفاز والقنوات الفضائية والمحلية .

6- إصلاح المنبع وهوالمتمثل في المدرسين بعد أن ضعفت قدرتهم اللغوية وأصبحت لا تصلح للعطاء .

وفي نهاية هذا المقال المتواضع أقول للمتحمسين الداعين إلى تعليم الطب والهندسة والعلوم باللغة العربية ... أقول أنا معكم تماما بشرط أن يوجد عندنا أستاذ الطب والهندسة والعلوم المتمكن من لغته العربية ، ويستطيع أن يؤدي بها مهمتة التعليمية .

وما ذكرته مجرد إشارات سريعة ، وأنا أعلم أن الموضوع يحتاج إلى حديث أكثر تفصيلا ، وأوفى إحاطة .

المصدر:رابطة أدباء الشام