حركة النهضة التونسية والعنف

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
حركة النهضة التونسية والعنف

بقلم / الأستاذ لطفي زيتون

شعار حركة النهضة

المتأمل في مقال الأديب التونسي حسونة المصباحي (الشرق الأوسط 6 يونيو 2003) حول مواقف حركة النهضة وزعيمها الشيخ راشد الغنوشي من العنف، تترسخ لديه قناعة قديمة بأن الانفصام والقطيعة التي تعيشها النخب العربية بين بعضها البعض سببها الرئيس يكمن في عجزها، واحيانا كثيرة، في امتناعها عن قراءة الآخر قراءة موضوعية ترتقي فوق الحزازات والاختلافات الآيديولوجية. وليس ادل على هذا العجز مما زعمه المصباحي من ان النهضة ورئيسها الغنوشي امتنعا عن التنديد بالعنف والارهاب الى غاية يوم 25 2003/5/ تاريخ نشر مقاله في «الشرق الأوسط» حول الجرائم التي ارتكبت في مدينتي الرياض والدار البيضاء. وكما طلب المصباحي من الشيخ الغنوشي نرجو منه ان يتقبل ردنا على ملاحظاته بصدر رحب:

1 ـ يسجل المصباحي ما اشار اليه من ايجابية الموقف الاخير للغنوشي، بما يرجح اعتبار كل ما ادمن عليه في السابق من التهجم على حركة النهضة ورئيسها (وقد كان اغلبه على صفحات «الشرق الأوسط»)، راجعا الى نقص في المعلومات اكثر منه الى ارادة مجانية في تشويه خصم آيديولوجي، وذلك رغم ان مادة الموضوع منتشرة، بل كانت مواضيع رسائل علمية واطروحات دكتوراه واصبحت مادة للتدريس في مختلف الجامعات العربية والغربية.

سؤال المصباحي الاول تمحور حول السبب الذي دعا الغنوشي الى الانتظار مدة عشرين سنة للتنديد بالعنف والارهاب، والتزام الصمت رغم ما عرفته تونس من «احداث فظيعة استهدفت منشآت سياحية وفنادق ومثقفين، ومع ذلك لم ينطق الشيخ الغنوشي بكلمة واحدة لادانة مثل تلك الاحداث». الجواب هو ان حركة النهضة لم تترك مناسبة، منذ تأسيسها، تحت مسمى حركة الاتجاه الاسلامي لم تتبرأ فيها من ممارسة العنف والاقتتال الداخلي، بدءا بما ورد في بيانها التأسيسي (1981/6/6) منذ اكثر من عشرين سنة من «رفض العنف كأداة للتغيير، وتركيز الصراع على اسس شورية تكون هي اسلوب الحسم في مجالات الفكر والثقافة والسياسة». ودعت في بيان نشر في نفس الفترة بعد الاحداث التي شهدتها المعاهد الثانوية والكليات الى «الصمود ضد الاستدراج الى العنف» ومما جاء فيه: «الاتجاه الاسلامي لم يتردد في ادانة اعمال العنف، سواء تلك التي حصلت في المدارس او في الكليات او في المؤسسات، واذ ندين اعمال العنف والتخريب من موقع مبدئي وسيلة في معركة تحديد مصير تونس، فنحن نحمل المسؤولية الكبرى في ذلك لاختيارات النظام، ثم لاولئك الذين ينظرون للعنف من داخل اجهزة الحكم ولسان حالهم يقول: «التونسي ما يمشي الا بالقوة».

وتوالت بعد ذلك مواقف النهضة ـ سواء أكان ذلك بتوقيع الغنوشي عندما يكون خارج السجن او متقلدا للمسؤولية الاولى فيها، أم على لسان زعمائها الآخرين الذين يقبعون في السجن منذ اكثر من عشرية مثل السادة علي العريض وحمادي الجبالي ـ مواقفها الواضحة والقاطعة بادانة ورفض العنف والارهاب ايا كان مأتاه بقطع النظر عن المستهدف. وقد حظي العنف الذي تمارسه بعض التنظيمات الحاملة للصفة الاسلامية بالنصيب الاوفر من الادانة. وفي موضوع الجزائر لا نظن السيد المصباحي جادا في ما زعمه من وقوف النهضة مكتوفة الايدي امام شلال الدم الذي يسيل منذ عشرية كاملة في هذا البلد الشقيق، فكيف غاب عنه وهو المتابع الدقيق ما اذاعه التلفزيون الجزائري في نشرته الرئيسية غداة اعلان الهدنة بين الحكومة الجزائرية والجيش الاسلامي للانقاذ، واعلان مبادرة الرئيس بوتفليقة للمصالحة الوطنية، حيث قرأت رسالة الشيخ الغنوشي كاملة واعتبرته تتويجا لجملة المساعي التي قام به لدى الطرف الاسلامي لايقاف الحرب واعلان الهدنة.

اما ما ذكره المصباحي من اعتداءات على النزل في تونس في اواسط الثمانينات والتي سعى النظام التونسي لالصاقها بالنهضة فهي ادعاءات لم تصمد في الاختبار امام قضاء حر عادل مثل القضاء الانجليزي، فتوالت الاعتذارات للغنوشي من الصحف التي انطلت عليها الدعاية الرسمية فرددت تلك المزاعم، ومنها على سبيل المثال ما نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 1989/1/29، حيث تقول: «السيد الغنوشي ليس ارهابيا ولم يرتكب اي عمل ارهابي، بل على العكس من ذلك فقد شجب باستمرار مثل هذه الاعمال». وقد كان آخر هذه الاحكام ما اصدرته هيئة المحلفين بالمحكمة العليا البريطانية ضد صحيفة عربية اتهمت النهضة بالعلاقة مع القاعدة من تغريمها بدفع مبلغ ضخم كتعويض على الضرر الذي سببته ادعاءاتها.

ان مدنية حركة النهضة وشجبها المبدئي لاستعمال العنف في الصراع السياسي هو ما انعكس في صبرها وصمودها ضد كل محاولات الاستدراج للعنف المضاد، فواجهت ما تعرضت له من حملات بالصبر على المنهج السياسي والضغط المدني السلمي وكشف الحقائق وقد دلت السهولة التي تمت بها حادثة الاعتداء الآثم على مكان عبادة الطائفة اليهودية بجزيرة جربة التي ذكرها المصباحي، والتي نددت بها النهضة في حينه واوردت ذلك حتى وسائل الاعلام الاسرائيلية على ان السبب الرئيسي في استقرار تونس وخلوها من العنف والارهاب ليس شطارة الاجهزة الامنية، بل هو تعقل النهضة وصمودها في وجه المحاولات المستميتة التي بذلت من قبل السلطة لاستدراجها الى مستنقع العنف، وردود الفعل الارهابية على ما تعرض له قادتها ومحازبوها ولا يزالون.

اما على المستوى الدولي فقد دأبت النهضة منذ وقت مبكر بعد محاولة تفجير مركز التجارة الدولي سنة 1993، على التنبيه الى خطل المنهج الذي تتبعه بعض الجماعات في نقل العنف الاعمى الى ديار الغرب، وما يجره ذلك من كوارث على المسلمين وعلى العلاقة بينهم وبين اصحاب الديانات الاخرى، بما لا يخدم غير مخططات اعداء الامة. وهذا ما فعلته في مواجهة احداث مثل التفجيرات التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية في علاقة مع احداث الجزائر وقتل الاجانب والسياح في كل من مصر والجزائر، وآخر هذه الاحداث كان العملية الكارثية التي استهدفت مركز التجارة الدولي والتي ما زال العرب والمسلمون يعانون تبعاتها.

2 ـ لا يمكن وصف الطريقة التي فهم بها المصباحي، وهو الاديب العارف باللغة العربية وصياغاتها، صيغة التبشيع التي استعملها الشيخ راشد الغنوشي حين قال، ان هذه الافعال استهدفت اناسا عاديين «لا صلة لهم بالسياسة اصلا»، لا يمكن وصف قراءته الا بالقراءة سيئة النية حيث قوّل النص ما لا يحتمله، خاصة وقد جاء في نفس المقال «الاسلام كما فهم وطبق من جمهور المسلمين لقرون طويلة يقدس الروح البشرية، ويعلي من كرامة الانسان من حيث هو انسان، ويعطيه حقوقا ثابتة بذلك الوصف، تضمن حقه في الحياة والحرية واختيار عقيدته وتقرير مصيره». هذا النوع من التأويل هو نموذج لما ينتهجه العلمانيون في تعاملهم مع تصريحات الاسلاميين وتقويل نصوصهم، ما لا تحتمل، وهو نفس المنهج الذي قاد المصباحي الى اعلان جهله بوجود تيار وسطي داخل الحركة الاسلامية، تاركا انطباعا لدى القارئ بأن عدم معرفته بهذا التيار يعني عدم وجوده اطلاقا. والحقيقة ان عدم اطلاع المصباحي على ادبيات التيار الوسطي لا يقوم شاهدا الا على تقصيره.

3ـ المشكل مع بعض النخب العلمانية هي انها لا تستطيع او لا تريد ان ترى الواقع على حقيقته، بل تراه من خلال العدسات الآيديولوجية التي تشيطن المنافس السياسي في محاولة يائسة للقضاء عليه جملة، بعد ان عجزت عن منافسته سياسيا، وليس ما يحدث اليوم في المغرب الاقصى من حملة منظمة لاعدام حزب العدالة والتنمية، رغم الاجماع العام على براءته من احداث الدار البيضاء، الا اعادة للسيناريو الجزائري في شكل ابشع. هذا المنهج لا يساعد قطعا على ما دعا اليه المصباحي من توافق بين مختلف مكونات الساحة السياسية العربية ومن تواطؤ على احترام حقوق الانسان والحريات العامة وحقوق المرأة، بل هو يهدد بالغاء الاوطان كاملة.

للمزيد عن الإخوان في تونس

روابط داخلية

كتب متعلقة

ملفات متعلقة

.

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

أخبار متعلقة

أهم أعلام الإخوان في تونس

وصلات فيديو

.

تابع وصلات فيديو