حزب مصر الفتاة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
الإخوان المسلمون وحزب مصر الفتاة

موقع إخوان ويكي (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)


مقدمة

في بحثنا السابق تحدثنا عن الحالة السياسية العامة التي كانت عليها مصر في العشرينيات ، وما صاحب ذلك من ظهور لحزب الوفد ، ثم لجماعة الإخوان المسلمين والتي لم تكن حزبا سياسيا في يوم من الأيام .

و احتوى الموضوع تبيانا لطبيعة العلاقة التي كانت بين حزب الوفد والإخوان ، و عن تفنيد لبعض الشبهات التي أثارها الوفد ضد الإخوان و الرد على ذلك.

وفي هذا الموضوع سوف نتكلم عن حزب مصر الفتاة ، وكيف كانت العلاقات بينه و بين الإخوان في هذه الحقبة الحرجة و المليئة بالأحداث من تاريخ مصر .


نبذة عن حزب مصر الفتاة

الأستاذ أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة

في 12 أكتوبر من عام 1933م ظهرت على الساحة السياسية حركة مصرية قومية أشتراكية برئاسة المحامي الأستاذ أحمد حسين (مواليد 8 مارس 1911م ، بالسيدة زينب بمحافظة القاهرة)، كان هدفها هو محاربة الاستعمار والإقطاع والرأسمالية المستقلة ونظام الحكم الفاسد ، وادعت عند نشأتها أنها حركة إسلامية ، فاستقطبت بذلك الكثير من أبناء الشعب ومن الشباب خاصة طلبة الجامعات ، واسترخص أبناء هذا الحزب أرواحهم ودمائهم وحرياتهم وأرزاقهم في سبيل تحقيق ما آمنوا به ولم تهمد عزيمتهم برغم ما تعرضوا له من من سجن واعتقال .

واتخذ هذا الحزب لنفسه شعار (الله أكبر ، و المجد لمصر) ، و قام بتشكيل فرق عسكرية لمقاومة المحتل أطلق عليها اسم تشكيلة القمصان الخضراء .

وكانت له أبواقه الإعلامية من خلال صحيفتي الإشتراكية و وادي النيل. ومجلة الصرخة.

وبعد قيام الحرب العالمية الثانية في الأول من سبتمبر من عام 1939م ، أعلنت الأحكام العرفية بمصر بمرسوم ملكي تنفيذا لمعاهدة الصداقة و التحالف الموقعة بين مصر و بريطانيا في 26 أغسطس عام 1936م ، وعلى إثر ذلك تعثر حزب مصر الفتاة كثيرا نظرا لافتقاده الجو المفتوح الذي كان يعمل فيه بأسلوب المجابهة المكشوفة وهذا الأسلوب ذاته هو الذي جمع من الشباب أعدادا كبيرة حول الحزب .

وبناء على ذلك توقف انتاج الحزب ، و أصبح مكتوف الأيدي ، وبدأ الكثير ينفض من حوله ، فأراد الأستاذ أحمد حسين تدارك الموقف فعاد يتحرك كما كان قبل صدور الأحكام العرفية المصرية ، فكان نتيجة هذا العمل غير الحكيم أن تم اعتقاله ، ومن ثم بدأ الحزب في التفكك ، وذلك أنه بعدما اطلق سراحه من قبل الوزير فؤاد سراج الدين ، أثيرت حوله نزاهته الشكوك حين أشيع أن سراج الدين منحه منزلاً ومبلغاً من المال .. و أثرت هذه الشائعات كثيرا في ظل الأجواء المغلقة التي كانت تعيشها البلاد فكان أن انفض عن أحمد حسين الكثير حتى أقرب الأعضاء إليه أمثال حمادة الناحل و فتحي رضوان الذي ذهب إلى الحزب الوطني وأسس مع الدكتور نور الدين طراف وبعض من شباب الحزب الوطني " اللجنة العليا للحزب الوطني " وأخرج مجلة اللواء الجديد .

ونتيجة لكل هذه الأحداث قام الأستاذ أحمد حسين بتوجيه حزبه توجيها جديدا فأنشأ الحزب الاشتراكي الإسلامي محاولا استعادة ما فقده من أنصار لكن هذا الحزب الجديد آل إلى ما آل إليه سابقه من فشل ، فحوله مرة أخرى إلى الحزب الوطني الإشتراكي وحتى لا يفشل كسابقيه أراد أن يتحد حزبه مع الإخوان .

يقول الأستاذمحمود عبد الحليم عن ذلك:

" وحينئذ لم ير أمامه من سبيل إلا أن يلجأ إلي الأستاذ المرشد الذي كان يبادله الحب والإجلال فحضر إلي المركز العام أكثر من مرة ، وأخبرنا الأستاذ المرشد بأن الأستاذ أحمد حسين جاء ليعرض علي الإخوان أن يتحد حزبه مع الإخوان ويعملاً معًا وفي اتجاه واحد كما عرض عروضًا أخري مشابهة لذلك ، ولكن الإخوان مع ثقتهم الكاملة في شخصية الأستاذ أحمد حسين وفي نزاهته واستعداده الفطري للالتزام بالفكرة الإسلامية فإنهم يرون في شخصيات أتباعه نوعيات مهما قيل في حماسها وفي وطنيتها لا تلتقي مع الفكرة الإسلامية في كثير من نواحيها "

وفي إبريل من عام 1950م ألغيت الأحكام العرفية المصرية من أجل إجراء انتخابات نزيهة ، فرشح رئيس حزب مصر الفتاة الأستاذ أحمد حسين نفسه في في إحدى الدوائر, وأصدر منشورات جاء فيها (لا كرامة للمواطنين بغير أحمد حسين) و(لا نجاح لمصر بغير أحمد حسين ) و (لا مجلس نواب بغير أحمد حسين ) ومع ذلك لم ينجح في الحصول على مقعد في مجلس النواب.

وهكذا قضى أحمد حسين 50 عاما في هذه المحاولات من أجل بعث مصر الفتاة بدلاً من مصر الهرمة .. وقد اعتقل و سجن عدة مرات .

وقد حل الحزب نفسه اختياريا في سابقة هي الأولى من نوعها .

و أخيرا كانت وفاته في 26 سبتمبر عام 1982م .


مصر الفتاة والفاشية

بداية نوضح ماذا تعني الفاشية:

نشأ هذا المذهب أول ما نشأ في إيطاليا عام 1920م على خلفية اضطرابات عمالية حدثت من العمال من أجل الاستيلاء على أرباح الإنتاج ، ونجحوا فعلا في الإستيلاء على بعض المصانع ومنها مصانع شركة فيات للسيارات ،أدت هذه الأمور إلى شل حركة السوق الإقتصادية ، و أوشكت البلاد على الإنهيار .. هنا
قام موسوليني مؤيدا من قبل جماعات كبيرة جدا بتولي الحكم بالقوة ، ومن ثم أعاد النظام و أنهى كل هذه الفوضى و أطلق عليه لقب الزعيم .
ومنذ ذلك الوقت التصقت الفاشية باسمه و بإيطاليا (وجرى العرف الدولي بتعميم الإثنين على أي نظم مشابهة) .
ويلخص موسوليني الفاشية بإن إرادة الشعب ليست هي الوسيلة للحكم ، وإنما الوسيلة هي القوة وهي التي تفرض القانون.
وبناءا على هذا تشير الفاشية إلى كل حكومة مستبدة يرأسها نظام دكتاتوري.

والفاشية قسمان:

فاشية سياسية: وتتفق مع الصهيونية و النازية بزعيمها هتلر في التطرف الوطني والقومي بمعنى تفوق عرق إنساني على ما عداه بإعطاء هذا العرق حقوقاً على حساب الأعراق الأخرى.
وفاشية اقتصادية: تميل للمبادئ الشيوعية من حيث الشمولية والإفراط في المراقبة والتوجيه، لكنها تختلف عن الشيوعية بأنها (أي الفاشية) تسمح بل و تشجع النشاط الاقتصادي الخاص، ما دام يخدم أهداف الحكومة. مع سيطرتها التامة على الصناعة للتأكد من أنها تنتج ماتحتاجه البلاد.

ومن أهم مبادئها :

1- احياء مجد الأمة والسمو بها إلى مدرج الكمال.
2- عدم المساواة بين الأفراد، فالطبقة الممتازة هي القادرة على تحمل المسؤولية التي تعمل لصالح الشعب.
3- تضحية الفرد في سبيل المجموع.
4- لايسمح بقيام حزب آخر أو معارضة لسياستهم.
5- الشغف الشديد بتمجيد الوطنية مما يؤدي إلى ازدياد الروح العسكرية. وقد يجنحون، عندما تزداد القوات المسلحة قوة، إلى غزو بلاد أخرى واحتلالها.

وقد جاء في كتاب الإخوان المسلمين دراسة أكاديمية:

أن مصر الفتاة تأثرت بالفاشية في شعاراتها ، وفي تنظيماتها و لكن هذا لا يعني بالطبع أنها تتشابه مع الفاشية في أيديولوجيتها وأساسها الاجتماعي .

فمن أوجه هذا التشابه:

1 – الشغف الشديد بتمجيد الوطنية و القومية ، فقد اتخذ الحزب لنفسه شعار (الله أكبر و المجد لمصر) ، لدرجة أن أعضاء الحزب استبدلوا السلام المعتاد بالتحية بهذا الشعار فمثلا يقول أحدهم : (الله أكبر والمجد لمصر يا أستاذ) فيرد عليه الآخر بقوله (مصر فوق الجميع يا أستاذ).
2- أطلق رئيس حزب مصر الفتاة الأستاذ أحمد حسين على نفسه لقب الزعيم تشبها بهتلر النازي و موسوليني الفاشي .
3- كان أعضاء الحزب يرفعون أيديهم إلى أعلى للتحية على طريقة الفاشست زاعمين أنها تحية قدماء المصريين ،أخذها الرومان عنهم ،ثم أخذها الفاشست عن الرومان.
4- حارب الحزب الرأسمالية ، و الإقطاع ، والإحتلال، وكان يدعو إلى الإشتراكية .
5 – شجع الحزب ضرورة دعم الصناعات الوطنية ، وكان رئيس الحزب أول من دعا إلى مشروع القرش يشرحه الأستاذ محمود عبد الحليم فيقول :
" وكان ((لمصر الفتاة)) فى تلك الحقبة إنجاز يستحق التسجيل إذ كان لباس الرأس فى تلك الأيام هو الطربوش المصنوع من الصوف أو الجوخ الأحمر ، ولم يكن أحد يجرؤ على كشف رأسه أو تغطيتها بشئ آخر غير الطربوش ، وكان هذا الطربوش يصنع فى خارج البلاد . فنادي الأستاذ أحمد حسين بتمصير لباس الرأس وتكونت لجنة بمشروع سمته (( مشروع القرش )) يجمع من المواطنين قروشا لبناء مصنع فى القاهرة لصنع الطرابيش ونجح المشروع فعلا وأنشئ المصنع ولبس المصريون من إنتاجه واستغنوا عن استيراده ."
6- غلبة الطابع العسكري على أفراد الحزب (تشكيلة القمصان الخضراء) ، و القيام بأعمال عنف في غير منعة .
لقد كان أحمد حسين متأثرا بايطاليا الفتاه وألمانيا الفتاه وتركيا الفتاه وبولندا الفتاه وأيرلنداالفتاه . وعلى غرار ذلك أراد أن تكون مصر الفتاة ولكن بطابع عربي ، وفهم إسلامي .

يقول الأستاذ جمعة أمين:

" ثم ظهرت تيارات فكرية تدعو إلي اشتراكية ذ ات طابع مصري عربي حملت لواءها جماعة مصر الفتاة التي أطلقت علي نفسه" الحزب الاشتراكي المصري " ، وتزعمها " أحمد حسين ، وفتحي رضوان " وهذا الحزب كان يري أن التعليم يجب أن يكون حقا لكل المواطنين أو بالمجان ، إلا أن هذا التيار الفكري لم يحقق أهدافه لعدة أسباب منها : غلبة الطابع العسكري علي أعضائه " .
على هذا فيمكن القول إن مصر الفتاة كحركة ليس لديها الفهم الصحيح للإسلام.


طبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان و حزب مصر الفتاة

طبيعة العلاقة من طرف جماعة الإخوان المسلمين

إن أبين شرح و أشمله لطبيعة هذه العلاقة و حقيقتها هو ما ذكره الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس بقوله :

" بهذه المناسبة لابد لي أن أعرض لموقف الإخوان المسلمين من جماعة مصر الفتاة , لقد تكونت هذه جماعة الإخوان منذ عشر سنين و تكونت جماعة مصر الفتاة منذ خمس سنين , فجمعية الإخوان تكبر جمعية مصر الفتاة بضعف عمرها تماما , و مع هذا أيضا شاع في كثير من الأوساط أن جماعة الإخوان من شعب مصر الفتاة , و سبب ذلك أن مصر الفتاة اعتمدت على الدعاية و الإعلان في الوقت الذي آثر فيه الإخوان العمل و الإنتاج , و ما علينا من ذلك كله فسواء أكان الإخوان هم الذين رسموا لمصر الفتاة طريق الجهاد و العمل للإسلام أم أن مصر الفتاة هي التي أظهرت الإخوان و أبرزتهم للناس , و هم قد ولدوا قبلها و سبقوها إلى الجهاد و الميدان بخمس سنوات أي بمثل عمرها , و ذلك أمر نظري لا يقيم له الإخوان وزنا , و لكن الذي أريد أن أنبه إليه في هذه الكلمة أن الإخوان المسلمين لم يكونوا يوما من الأيام في صفوف مصر الفتاة و لا عاملين لها , و لا أقصد بذلك أن أنال منها أو من القائمين بدعوتها و لكن أقول تقريرا للواقع , و أن جريدة مصر الفتاة هاجمت الإخوان و اتهمتهم تهما غير صحيحة و زعمت أنهم يعتدون عليها و يتهمونها و ذلك غير صحيح أيضا , و نحن معشر الإخوان لم نعقب على ما كتب أهمية , و لا نحب أن نؤاخذ بشيء منه ...
في مصر الفتاة من لا يرى الإخوان إلا جماعة وعظية و ينكر عليهم كل ما سوى ذلك من منهاجهم , و في الإخوان من يعتقد أن مصر الفتاة لم ينضج في نفوس كثيرا من أعضائها بعد المعنى الإسلامي الصحيح نضجا يؤهلهم للمناداة بالدعوة الإسلامية خالصة سليمة , فلنترك للزمن أداء مهمته و إصدار حكمه و هو خير كفيل بالصقل و التمييز .
بقي أمر أخير ذلك هو موقف الإخوان من مصر الفتاة في قضية تحطيم الحانات , و معلوم أنه ما من غيور في مصر يتمنى أن يرى فوق أرضها حانة واحدة , و قد ألقى الإخوان تبعة هذا التحطيم على الحكومة قبل الذين فعلوه , لأنها هي التي أحرجت شعبها المسلم هذا الإحراج و لم تفطن إلى ذلك التغيير النفساني , و الاتجاه الجديد القوي الذي طرأ عليه من تقديس الإسلام و الاعتزاز بتعاليمه , و قديما قيل : (قبل أن تأمر الباكي بالكف عن البكاء , تأمر الضارب أن يرفع العصا) , و نحن نعتقد أن هذا التحدي لم يحن وقته بعد , و لابد من تخير الظروف المناسبة أو استخدام منتهى الحكمة فيه , و إنفاذه بصور أخف ضررا و أبلغ في الدلالة على المقصد , كلفت نظر الحكومة إلى واجبها الإسلامي , و بالرغم من أن المقبوض عليهم لم يعترفوا , فقد وجه الإخوان إلى معالي وزير العدل , يلفتون نظر معاليه فيه إلى وجوب النظر في هذه القضية نظرة خاصة تتناسب مع الدافع الشريف فيها , و أن يسرع بإصدار تشريع يحمي البلاد من هذه المهالك الخلقية ." .

ومن هنا نقول إن: طبيعة العلاقة من طرف جماعة الإخوان المسلمين:

كان هناك الكثير جدا من الأمور التي أنكروها على حزب مصر الفتاة منها:

1- المسمى المقتبس من الخارج ، فضلا عما يوحي إليه من إقليمية و قومية وما شابه ذلك من أمور نهى عنها الإسلام فالجميع تحت راية الإسلام سواسية لا يتمايزون إلا بالتقوى .
وفي هذا المعنى يقول الأستاذ عبد الحليم خفاجي:
" أما عن حزب مصر الفتاة .. فإن أول ما ينفرنا منه اسمه الذي يشعرنا بالتخنث والإقليمية ، اسم تنفر منه فطرتنا. ، شعاراتهم كثيرة ، وحماسهم كبير وعملهم قليل .. وقد تبخروا علي ضفاف القنال ، بعد الطلقات الأولي من بدء المعركة ، وتبخروا من ميدان العمل ليكونوا فرسان الكلام .
فهذه جريدة الإشتراكية - لسان حال حزب مصر الفتاة - تفتح صدرها لسلسلة مقالات نارية بقلم سيد قطب عن فساد الأوضاع وضرورة التغيير .. وفي مرة خصصت صفحتين كاملتين لصور المتسولين ، والعجزة ، وأصحاب العاهات ، وتحتها عبارة رعاياك يا مولاي ، إظهاراً للتناقض الفاضح بين طبقات الأمة ، وختمت عمرها القصير بالدعوة السافرة إلي الثورة وصدَّرت بها صفحاتها ..".

ويقول الأستاذ محمود عبد الحليم :

" وظهرت في ذلك الوقت جمعية مصر الفتاة التى أنشأها الأستاذ أحمد حسين المحامى ، وكانت تصلنا فى المدرسة مجلتها ((الصرخة)) تفيض بالحماسة الدفاقة ؛ وكنت أميل إليها باعتبارها فكرة ناهضة إلا أنني لم أتخذها لي مبدأ وفكرة لأن نفسي كانت تشمئز من الانتماء إلى التراب ، واتخاذ مصر إلها نقدم له القرابين ؛ إذ كان مبدأها ((مصر فوق الجميع)) وهو ادعاء على غير أساس وتميز عنصري يستطيع كل جنس ادعاءه وما أنزل الله به من سلطان".
2- شعارهم ( مصر فوق الجميع) وكان هتافهم (الله أكبر ، و المجد لمصر) ، والذي يتنافى في جملته الثانية مع مبادئ الدين الإسلامي ، حيث أن المجد للإسلام دوما ..في حين أن هتاف الإخوان كان (الله أكبر ، و لله الحمد) و الذي يتوافق جملة و تفصيلا مع الإسلام .
العجلة في بعض الأمور دون النظر إلى عواقبها وذلك بهدف كسب أعداد كبيرة من الشباب مثل ما كان منهم من أمر تحطيم الحانات . وقد كان للإمام البنا وجهة نظر حكيمة حيث كان يرى أن الوقت لازال غير مناسباً لإزالة هذا المنكر بالقوة وتحدي الحكومة في ذلك، مع ما كان من فضيلته من تفهم تام لغيرة هؤلاء الشباب وحرصهم على تغيير المنكر . يقول الأستاذ مصطفى مشهور:
" وقد حدث فى الأربعينات من هذا القرن تحطيم لبعض الحانات على يد أفراد من حزب مصر الفتاة ولم يغير ذلك من الأمر شيئاً وربما كانت مثل هذه الأعمال الجزئية سبباً فى العمل على حماية هذه الأماكن من قبل النظام الحاكم وتعويضهم عما يخرب عندهم ...
3- معارضة الحزب الشديدة حين انضم اثنان منه لجماعة الإخوان و أعلنوها صراحة من ليس معنا فهو ضدنا ، برغم أنهم أنفسهم يقومون بدعوة أبناء الأحزاب الأخرى .. فلما انتهج منهجهم ذاته في هذا الأمر هاجوا و ماجوا وقامت ثائرتهم .

يروي لنا الأستاذ محمود عبد الحليم ما حدث في الجامعة فيقول:

" ودعوة الإخوان وإن كانت قد تأسست قبل مصر الفتاة ببضع سنين إلا أن مصر الفتاة سبقتنا إلى الجامعة فجذبت إليها مجموعات من الشباب الغض الذي كان متلهفا على فكرة جديدة يشعر فيها بجو جديد غير الجو المألوف من هذه الأحزاب التي جرح كل منها الآخر فأصبحت كلها مجرحة فى نظر الشباب .
ومن هؤلاء الذي أقبلوا من كان خالي الذهن من سائر الأفكار ، ومنهم من كان معتنقا فكرا معينا فلما حضر المناقشات ووضعت فيها الأفكار المختلفة موضع البحث ألم بأخطاء كانت خافية عليه واختار الفكر الأصوب لأنه كان باحثا عن الحقيقة لا متعصبا لشئ معين .
وتصادف أن كان من الفريق الأخير طالبان من كلية الزراعة كانا عضوين فى مجلس الجهاد الأعلى لمصر الفتاة هما جلال عنبر وزكى صالح ، ولما كان هذا المجلس هو الهيئة العليا لإدارة الحزب ، فكان لانتقال عضوين منه إلى دعوة الإخوان المسلمين رجة عنيفة فى أوساط مصر الفتاة ، اضطر الحزب معها إلى مواصلة اجتماعاته لبحث الأمر ، وكلف المجلس الأعلى أحد أعضائه وكان طالبا مرموقا فى كلية الحقوق اسمه حمادة الناحل بالاتصال بهذين العضوين وإقناعهما بالرجوع ، واتصل بهما فعلا ودارت بينه وبينهما مناقشات ثم استدعاهما المجلس الأعلى مجتمعا للمناقشة .
ولقد كنت فى مناقشاتي مع شباب مصر الفتاة بالذات رفيقا غاية الرفق ، لأني كنت أرى فيهم مثلا عظيمة غير أنهم فى حاجة إلى قليل من التوجيه ، ولذا فقد كنت - حين أخبرني الأخوان الكريمان أن المجلس الأعلى قد حدد لهما جلسة لمناقشتهما - قلت لهما إننا لا نرى مانعا من أن تكونا معهم ومعنا فنحن نرى أنفسنا مكملين لما فى مصر الفتاة من نقص ... ولكن .. لما كانت مصر الفتاة فى ذلك الوقت فى أزهى أيامها ، وفى عنفوان قوتها ، عز عليها أن تقبل بهذا الوضع وقالوا لهما : من لم يكن لنا وحدنا كان علينا .
ومنذ هذه الحادثة بدأ مصر الفتاة ترى فى الإخوان المسلمين لأول مرة - على حداثة عهدهم بالجامعة - منافسا قويا ومزاحما خطيرا لا تسهل مهاجمته ، إذ ليس له عورات يهاجم منها ... ويجدر بي هنا أن أعيد وأكرر أن تنافسنا مع مصر الفتاة كان تنافسا من نوع كريم ، تنافسا بين نبلاء ، فمصر الفتاة كانت فى تنافسها معنا أكرم من أن تلجأ إلى أساليب الكذب والافتراء التي تستبيحها الأحزاب التقليدية ، لأن أعضاء مصر الفتاة كان أكثرهم من صفوة الشباب وخلاصة الأمة"

ويروي لنا الأستاذ محمود عبد الحليم واقعة أخرى في الجامعة فيقول :

" ولاحظت أن هناك طالبا مواظبا على أداء صلاة الظهر فأحببته وتعرفت عليه وكان أسمه (( محمود مكي )) بالسنة الثالثة - وتبين لي بعد ذلك أنه مندوب ((مصر الفتاة)) بالكلية - فعرضت عليه أن نصلى فوق الأرض فى المساحة التي يحصرها السور فهمس فى أذني بأن هذا غير ممكن وإن أحدا لن يجرؤ على الصلاة فوق الأرض ، وأننا نصلى تحت القبة حتى لا يرانا زملاؤنا فيسخروا منا ويتهكموا علينا أثارني هذا الاستخذاء وأجج فى صدري مرجلا من الغضب فنقلت الحصير البالي من تحت القبة إلى المساحة التي يحصرها السور من سطح الأرض ، ثم وقفت فى هذا المكان وأذنت أذان الظهر بأعلى صوتي فكان أذاني هذا إحدى العجائب إذ تقاطر الطلبة والفراشون وموظفو الكلية من مختلف الجهات إلى حيث أؤذن ليرو بأعينهم ما لم يصدقوا فيه أسماعهم .. فكانوا يعتقدون أن اجتماعهم فى مواجهتي وتكأكؤهم على كاف لإخجالي مما أقوم به فأكف عن إكماله ، ولكنني قبل أن أقدم على ما أقدمت عيه كنت مقدرا حدوث ما حدث بل حدوث ما هو أكبر وأنهيت الآذان ، وأقمت الصلاة وصليت والجموع فى مكانها لا تتحرك ، وأبصار الجميع شاخصة إلى .... وفى اليوم التالي فعلت ما فعلت بالأمس . والباطل لا تقوى صولته إلا إذا تخاذل أهل الحق عن حقهم أما إذا اعتزوا بحقهم . ووقفوا شامخين أمام سيل الباطل فإن الباطل ينحسر سيله ويرتد خاسئا وهو حسير ... فبعد أيام قلائل وجد محمود مكي والطلبة الذين كانوا يستخفونه بصلاتهم وجدوا فى أنفسهم الجرأة أن يصلوا معي على وجه الأرض ومن العدد يكثر يوما بعد يوم ضاقت هذه المساحة بالمصلين.
كان لهذا العمل أثره فى فتح الطريق أمام الدعوة الإسلامية وهى دعوة الإخوان المسلمين ،فلقد كان أمام الطلبة المؤمنين باب مغلق تهيب كل منهم أن يحاول معالجته فكان هذا العمل بمثابة اقتحام الباب ((وإذا قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين . يا قوم أدخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين . قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فانا داخلون . قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون . وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)) .


طبيعة العلاقة من طرف حزب مصر الفتاة

وأما بالنسبة إلى حزب مصر الفتاة:

فإن الشئ الوحيد الذي كانوا ينكرونه على الإخوان من وجهة نظرهم كان : الأسلوب الهادئ الذي يعتمده الإخوان في الإقناع بالغاية واتباع أسلوب التكوين والتربية .
من أجل هذا كان الحزب كثيرا ما يرمي الإخوان بالضعف والجبن حين يتركون مواجهة العواصف ويعتكفون علي التربية والتكوين .
كان هذا من وجهة نظرهم ولكن المتأمل ليجد أن دعوة الإخوان استمرت بل و صمدت تجاه أعاصير الفتن و الإبتلاءات لأنها قد أخذت زادها في محاضن التربية و التكوين تلك التي كانت يعيبها حزب مصر الفتاة على الإخوان ، في حين أن الحزب قد تفكك وانفض أتباعه من حوله لما ادلهمت الخطوب من حولهم .
ومع ما كان من مآخذ من الطرفين تجاه الآخر .. إلا أن العلاقة بينهم كانت طيبة بعكس علاقة الأحزاب الأخرى بالإخوان وليس أدل على من قال بهذا الرأي من موقف الإمام البنا حين طالب وزير العدل بالإفراج عن شباب مصر الفتاة في حادثة تحطيم الحانات . يذكر ذلك الأستاذ محمود عبد الحليم ذلك قائلا :
" كان الذي فاجأ الناس أن قرءوا خطابا موجها من المرشد العام إلى وزير العدل يطالبه فيه بالإفراج عن المقبوض عليهم فى هذا الحدث لنبل مقصدهم ، ويحثه فيه على إصدار القوانين التي تطهر البلاد من المنكرات التي تثير النفوس المؤمنة وتحرج الصدور".

وكذلك موقف الأستاذ أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة نفسه كمحامي حين دافع عن الإخوان في قضية مقتل النقراشي باشا كما جاء ذكر ذلك في كتاب الإخوان المسلمين ... دراسة أكاديمية :

" مرافعة الأستاذ أحمد حسين المحامي وزعيم حزب مصر الفتاة آنذاك. في قضية اغتيال المرحوم محمود فهمي النقراشي، زعيم الحزب السعدي، الذي قتله احد أعضاء الإخوان المسلمين في ديسمبر عام 1948، فالأستاذ أحمد حسين ليس معاصرا فحسب لنشأة الإخوان، ولكنه أيضًا ساق ذلك كله في معرض الدفاع عنهم وتبرير الصدام بينهم وبين السعديين، الذي تخلفت عنه سنوات «المحنة» الأولى.
وفي تحليله أن الإخوان المسلمين قد تحالفوا مع السعديين، بعد مفاوضات سرية أجراها القطب السعدي (حامد جودة) مع مرشدهم العام حسن البنا، أبان اعتقال الأخير في سنة 1941، مقابل شروط لم تعلن إلى الآن، ولكن النتيجة العملية كانت أن خرج الأستاذ حسن البنا من الاعتقال وقد ازداد جاها وعزا بوقوف وزارة الأقليات إلى جواره، ومضى في دعوته حرا طليقا، يجوب البلاد، ويؤلف الشعب وينظم الجماعات واشتهر في البلاد إن الإخوان المسلمين في حماية الحكومة القائمة، وفي حماية السعديين بصفة خاصة."

والأستاذ محمود الصباغ يؤكد دفاع أحمد حسين عن الإخوان في ذات القضية فيقول:

" إذن فمن قتل محمود فهمي النقراشي؟ إنه محمود فهمي النقراشي باشا نفسه.
ولقد قالها الأستاذ أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة في مرافعته أمام المحكمة العسكرية العليا في قضية اغتيال النقراشي باشا في 20/9/ 1949 حيث قال: «نشرت جريدة أخبار اليوم أن مصطفى أمين قابل النقراشي باشا وحذره من الإقدام على حل الإخوان، لأنه سيقتل، فلما أصر خرج باكيًا عليه، فلما قتل بعد ذلك بأسبوع لم يبك عليه، فقد بكاه من قبل، وكل من كان حول النقراشي باشا كانوا يشعرون هذا الشعور، وإذن هناك شبه إجماع وصل إلى حد النشر على صفحات الجرائد أن حل الإخوان كان معناه قتل النقراشي، فما معنى هذا التلازم ومن أين جاء هذا الشعور؟
هل جاء فقط من ناحية خطورة الإخوان المسلمين؟ ولكن مهما بلغ خطر الإخوان فهل يمكن أن يقاس بقوة الدولة؟ لقد كان النقراشي باشا حاكمًا عسكريًا ولديه من السلطات ما لا حد له، ففيم كانت هذه العقيدة التي تكونت بأن القتل سيكون مصيره؟" .

ومن صور اتفاقهم في العمل الإيجابي ما يحكيه الأستاذ حسين محمد حمودة  :

" ولما عاد فاروق وتولى الحكم في مصر سنة 1936 إثر وفاة والده الملك فؤاد... قامت مظاهرات من طلبة جامعة القاهرة سنة 1938 تنادي بتعين عزيز المصري رئيساً لهيئة أركان حرب الجيش. وكانت هذه المظاهرات بتحريض من جماعة مصر الفتاة والتي كان يرأسها المرحوم أحمد حسين ومن جماعة الإخوان المسلمين التي كان يرأسها المرحوم حسن البنا.
واستجاب محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر سنة 1938 لنداءات الشباب واستصدر مرسوما ملكياً بتعيين اللواء عزيز علي المصري مفتشا عاماً للجيش المصري ".
وكذلك الأعمال الفدائية التي كان يقوم بها أعضاء الجماعة و الحزب تجاه الإحتلال الإنجليزي .. مثل حادثة إلقاء قنابل على الجيش الإنجليزي من شباب مصر الفتاة بالإسكندرية، و إدانة الخازندار لهم بالسجن عشر سنوات .

وملخص العلاقة التي كانت بين الإخوان و مصر الفتاة ما قاله الأستاذ أحمد عادل كمال :

" ولا يعنى هذا أن العلاقة بين الجماعة والحزب كانت دائما علاقة خصومة فقد كانت مصر الفتاة حزبا مثل كل حزب من حيث الشكل القانونى ولكنه تميز عنها بحيوية لم تكن لها وضم فى صفوفه عددا من الشباب المتحمس ولكنه لم يكن أبدا فى حجم الإخوان, وساهم فى النشاط السياسى فكانت له مواقف قبلها الإخوان ومواقف لم يؤيدوها, وللحزب فى ذلك حقه وللإخوان حقهم .

وكذلك قول الأستاذ عمر التلمساني :

" وحتى حزب " مصر الفتاة " لم ننل منه بمثل ما نال منا ..
ولقد دارت بين الاخوان ومصر الفتاة مفاوضات بين المرحومين أحمد حسين وحسن البنا وكنت رسولا بين الطرفين ولكن الأيدى التى تعمل لتمزيق هذه الأمة فعلت فعلها فلم تنته الأمور الى نتيجة مرضية ."


محاولة مصر الفتاة اغتيال الإمام حسن البنا رحمه الله

من الثابت تاريخيا محاولة أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة اغتيال الإمام البنا لكن دوافع ذلك تختلف عن دوافع الأحزاب الأخرى التي حاولت أيضا اغتيال البنا .

يقول الأستاذ جمعة أمين :

" وكان لمصر الفتاة نصيب في محاولات اغتيال الإمام الشهيد وإن كنا لا نرجح أنها تمت بإيعاز من قوى أجنبية إنما كان دافعها الغيرة والحسد ، فقد كانت هناك محاولتان تم رصدهما وقام الإخوان بإفشالها:
1 - كانت المحاولة الأولي في مدينة المحلة وكان تقوم فكرتها علي حرق السرادق المقام فيه الحفل ، عن طريق خلع الأعمدة التي يقوم عليها السرادق في توقيت معين ، فيتهدم السرادق وتشتعل فيه النار عن طريق قناديل الإنارة . وقد علم الإخوان بتلك المؤامرة واستعدوا لها ، وقام الإخوان بالإمساك بالمنفذين عندما شرعوا في التنفيذ .
2 - أما المحاولة الأخرى فكانت تقوم فكرتها علي وضع قنبلة زمنية تحت المنصة التي يخطب عليها الإمام الشهيد ، وكانت هذه المؤامرة بأمر من أحمد حسين نفسه ، واستطاع الإخوان الإمساك بهؤلاء النفر ومعهم المتفجرات . وقام الإمام البنا باستدعاء الأستاذ أحمد حسين وسلمه رجاله ومتفجراتهم ومن يومها توقفت محاولات مصر للفتاة ."

وعن هذا أيضا يقول الأستاذ أحمد عادل كمال:

" وفى بعض فترات الخلاف بين حزب مصر الفتاة والإخوان كان للإخوان مؤتمر كبير ومزدحم فى دراهم بالحلمية الجديدة فأرسل الحزب اثنين من أعضائه لتفجير عبوة وسط الجموع. وجاءنا العلم بهما فكنا فى انتظارهما وما أن جاءا وجلسا حتى قبض الإخوان عليهما وحبسوهما فى حجرة ببدروم الدار تحت الحراسة بعد تجريدهما من المفرقعات. وطال انتظار الأستاذ أحمد حسنين دون أن يسمع الانفجار, وبعد انتهاء المؤتمر اتصل به الأستاذ البنا تليفونيا وقال له " لك عندنا أمانة, إن كان يهمك أن تستردها فلتحضر" وجاء أحمد حسين فسلمه الأستاذ البنا عضوى حزبه وأكياس المفرقعات, ولا أعلم مادار بينهما من حديث, ولكنه كان درسا جعل مصر الفتاة لا تعود لمثلها أبدا.

ولعل سائلا يسأل : كيف كان الإخوان يعلمون عن هذه المحاولات فيفشلونها ؟!

فتأتي الإجابة من الأستاذ أحمد عادل كمال بقوله:

" وكان يتبع النظام الخاص قسم للمخابرات يبدو أنه أنشىء مبكرا, فأدخل بعض إخوان النظام فى الأحزاب والهيئات الأخرى بمصر حتى نكون يقظين لما يجرى على الصعيد السياسى فى مصر. وكان من الأمثلة الناجحة فى هذا الشأن الأخ أسعد السيد أحمد الذى انضم إلى حزب مصر الفتاة حتى وصل إلى الحرس الحديدى الذى أنشأه لحنايته زعيم الحزب الأستاذ أسعد أحمد حسين. ذلك الحرس كان مكونا من ستة أفراد . وأصاب الملل أسعد من تلك المهمة لأنها كانت تحرمه من التردد على دور الإخوان حتى لا ينكشف أمره, فذهب يعرض على الزعيم أن يندس فى صفوف الإخوان ليأتيه بأخبارهم, وأعجب الزعيم جدا بالفكرة فرد موسى إلى أمه. انكشف أمر اسعد بعد ذلك فى قضية السيارة الجيب, وتطوع الأستاذ أحمد حسين كمحام للدفاع عنه, وكان أهم ما عنى به أن يتبين أمرا.... هل كان أسعد من الإخوان واندس على مصر الفتاة, أم كان من مصر الفتاة واندس على الإخوان فقبض عليه معهم؟!"
وعلى الجانب الآخر أشيع نبأ محاولة الإخوان قتل أحمد حسين حين استضافوه في خيمة القادة وهم في طريقهم للجهاد في فلسطين . لكن التاريخ لم يثبت هذا الأمر وعزا حدوث ما حدث إلى جهل الإخوان بأمر وجود رصاصة في السلاح .

يحكي هذه الواقعة الأستاذ عباس السيسي فيقول:

" الأستاذ أحمد حسين ينجو من موت محقق فى معسكر الإخوان
... زارنا الأستاذ أحمد حسين رئيس حزب مصر الفناة، وجلس معنا فى خيمة القادة وكان معنا فضيلة الأخ السيد سابق.
... ومن لطف الله بنا جميعاً أثناء هذه الزيارة أن كان فضيلة الشيخ السيد سابق ممسكاً ((مسدس طاحونة)) يشرح للأستاذ أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة، وكانت الماسورة موجهة إلى رأسه، يقيناً من خلو المسدس من الطلقات، وإذا بنا نحس عندما ضغط الشيخ على الزناد ليدير طاحونة المسدس أن بها رصاصة كادت تنطلق إلى رأس الأستاذ أحمد حسين فتقضى عليه وهو بيننا فى خيمة القيادة، وحينئذ لم يكن فى الإمكان لأى بيان أو منطق أن يبرئنا من قتله عمداً فى خيمة القيادة، خاصة أن هجومه العلنى على الإخوان قبل ذلك يمكن أن يفسر دافعاً لمثل هذه الجريمة.
... ولكن لطف الله الكبير أبى إلا أن تكذب هذه الرصاصة فلا تنطلق، فنجا الأستاذ أحمد حسين من موت محقق، ونجونا جميعاً من تهمة لو وجهت إلينا لحملتنا أوزاراً لا قبل لأحد منا بتحملها، ولا أمل فى النجاة منها بحال من الأحوال، رغم براءتنا التامة من مثل هذا الحدث العفوي . "


مصر الفتاة و الإخوان .. الدور الحقيقي في حرب فلسطين

يؤكد التاريخ أن الدور الحقيقي في الجهاد على أرض فلسطين المباركة كان للإخوان فيه نصيب الأسد .

يثبت هذه الحقيقة الأستاذ عباس السيسي بقوله :

" إن جماعة الإخوان المسلمين قدموا آلافاً من المتطوعين الذين أعدهم النظام الخاص إلى المعركة على أرض فلسطين بكامل أسلحتهم، بشهادة سعادة اللواء أحمد المواوي بك إذ قال : إنهم يمثلون أكثرية المتطوعين البالغ عددهم عشرة آلاف فى الجبهة الجنوبية، وهذا يعنى أن متطوعى الإخوان فى الجبهة الجنوبية وحدها زاد على خمسة آلاف يقيناً لا ظناً، أما الصاغ محمود لبيب بك فقد قال فى شهادته: إن متطوعى الإخوان المسلمين كانوا يمثلون 90% من مجموع المتطوعين أى أنه بلغ فى الجبهة الجنوبية وحدها 9000 متطوع، وأن مجموع المتطوعين من باقى الهيئات كان ألف متطوع."
ويأتي السؤال: برغم وجود متطوعين من جهات وأحزاب متعددة .. لكن ظل الإخوان أهل الريادة في ميدان الجهاد على أرض فلسطين و الاهتمام بالقضية الفلسطينية .. ترى ماهو السبب في ذلك ؟!
إن مبادئ كل جهة هي التي تجيب على هذا السؤال ببيان .
فمثلا: حزب مصر الفتاة – وهو الذي يعنينا هنا - .. برغم أنه قد رفع شعار الكفاح المسلح ضد اليهود على أرض فلسطين إذ قام بإرسال متطوع واحد فقط للجهاد هناك ، إلا إنه و استنادا إلى مبادئه التي تتضح فيها القومية بشكل سافر حدد نقاط الاهتمام بهذه القضية وهي كما ذكرتها الأستاذة عواطف عبد الرحمن في كتابها مصر و فلسطين حيث تقول :

ومن أبرز سمات اهتمام مصر الفتاة بالقضية الفلسطينية في تلك المرحلة ما يلي:

1- الدعوة الدائمة للأغنياء إلى التبرع بالأموال والأسلحة والتطوع في صفوف المجاهدين .
2- كان أحمد حسين رئيس تحرير صحيفة مصر الفتاة أكثر كتاب الصحيفة اهتماما بالقضية الفلسطينية رغم أن كتاباته كانت تتميز بالأسلوب الإنشائي و البلاغي . وقد دأب على توجيه النقد اللاذع للحكومات العربية التي لم تقدم للقضية الفلسطينية سوى الضجيج الفارغ دون أن تتحرك بجدية لإنقاذ شعب فلسطين . ويحاول أحمد حسين أن يضرب المثل بنفسه فيقرر الذهاب لتأدية واجبه كجندي في جيش إنقاذ فلسطين .
3- دأبت مصر الفتاة على توجيه هجوم متصل إلى الجامعة العربية وتحميلها مسؤولية تطورات المأساة الفلسطينية في الأربعينات خصوصا أن الشعب الفلسطيني قد اعتمد على القوة العربية سواء الممثلة في الجامعة العربية أو الحكومات ولكنه لم يلق إلا الخذلان. ...
وتطرح مصر الفتاة في مقابل هذا العجز الذي تبديه الحكومات والجامعة العربية مسئولية الشعوب العربية (فان العبء الأكبر من هذا الواجب سيصبح واقعا على كاهل الشعوب العربية وأحزابها ومنظماتها) ولذلك كانت مصر الفتاة توجه نداءاتها دائما إلى الشعوب العربية.
4- أبدت مصر الفتاة حماسا ملحوظا لكتائب المتطوعين من الدول العربية. واعتبرت ذلك بادرة إيجابية لحل المشكلة الفلسطينية. وقد عززت ذلك بكتابات أحمد حسين الذي طالب بضرورة تدخل الجيوش النظامية إلى جانب المتطوعين وخصوصا بعد سقوط حيفا في أيدي اليهود. "

وتضيف الكاتبة قائلة :

" والواقع أن دعوة مصر الفتاة وانحصارها داخل الفكرة القومية الضيقة .. قد انعكس بشكل مباشر على موقفها من القضية الفلسطينية."
وعلى هذا الأساس فإن الحزب ينشط جدا إذا كان هناك تصعيد من اليهود ضد الفلسطينيين ، و إن لم تكن ثمة أحداث هدأ و سكن .

تقول مؤلفة كتاب مصر و فلسطين :

" والحقيقة أن صحيفة الصرخة التي أستأجرها أحمد حسين كي تكون لسان حال مصر الفتاة من 1933 وحتى صدور صحيفة مصر الفتاة سنة لم تعثر فيها على مقالات أو تعليقات على ما كان يدور في فلسطين 1938 في ذلك الحين بل احتوت على بعض المقالات القصيرة التي كانت تتضمن هجوما عنيفا على اليهود في مصر وتدعو إلى مقاطعتهم ردا على ما كان.
و يلاحظ أن القضية الفلسطينية كانت محورا لأغلب التحقيقات والأنباء والمقالات التي كانت تنشرها صحيفة مصر الفتاة في الأربعينات. ولكن كان هذا التدفق في النشر يرتبط غلبا بفترات الجهاد التي شهدتها القضية في مرحلة الأربعينات. على أنه يلاحظ في فترات الانحسار قلة ما تنشره مصر الفتاة عن القضية الفلسطينية حتى يكاد يصل إلى العدم مما يشير إلى أن اهتمام مصر الفتاة الإعلامي بالقضية لم يزد عن كونه ظاهرة موسمية أو ردود فعل وقتية في كثير من الأحيان."
ولكن مما يجدر ذكره هو أن التاريخ يحسب لأحمد حسين ما قام به من دعوة المصريين لمقاطعة اليهود اقتصاديا، و إثارة الرأي العام ضد اليهود ، و القيام ببعض الحملات على المصالح اليهودية بمصر ، وتوثيق علاقاته مع بعض المقيمين الفلسطينيين في مصر ، مثل الأستاذ محمد علي الطاهر صاحب صحيفة الشورى والذي فتحت مصرالفتاة صحيفتها له بعدما صادر الإنجليز بمصر صحيفته .
وعلى الجانب الآخر لم تكن للإخوان فترات يهدؤون فيها وأخرى يثورون فيها بالنسبة للقضية الفلسطينية .. وذلك لأن مبادئهم مستمدة من الدين الإسلامي ، و هم يعلمون تماما حقيقة الحرب التي بينهم وبين اليهود ، من أجل هذا كان عطاؤهم للقضية بلا حدود .

يقول الأستاذ محمود الصباغ :

" وفي يناير سنة 1948م كانت مصر الفتاة قد أرسلت متطوعًا واحدًا إلى فلسطين، وقد كثر ضجيج الأستاذ أحمد حسين رئيس هذا الحزب عن هذا المتطوع الذي سافر للجهاد في فلسطين، بينما تقاعست جماعة الإخوان المسلمين صاحبة مبدأ الموت في سبيل الله أسمى أمانينا عن دخول ساحة الشرف والنضال، حتى خشى المرشد العام رحمه الله على شباب الإخوان أن يتأثروا بهذا الهراء، فقرر أن يدخل الإخوان المسلمون حرب فلسطين، حتى يحقق لهم الله النصر أو الشهادة.
ولهذا الغرض دعانا فضيلته إلى اجتماع في منزل الأخ عبد الرحمن السندي بحلوان وذلك في فبراير 1948م، وقد شملت الدعوة جميع قادة النظام الخاص في القاهرة والأقاليم، وقال لنا فضيلته في هذا الاجتماع إنه يشعر أنه أدى واجبه في تبليغ رسالة الدعوة إلى الناس كافة، فأصبح الإخوان المسلمون في مصر وفي جميع أنحاء العالم على وعي كامل بالدعوة الإسلامية في صورتها السلفية الصحيحة، بحيث إنه لم يعد يجد لديه زيادة يمكن أن تضاف في هذا المجال، وأنه أصبح مطمئنًا إلى أن الإخوان في جميع أنحاء العالم أصبحوا قادرين على التقدم بدعوتهم قدما حتى النصر إن شاء الله.
ولقد بقى عليه أن يقاتل في فلسطين حتى النصر أو الشهادة، فالقتال فرض علين، والإخوان أحق الناس بالقيام به، وإن تأخرهم عن الاشتراك فيه قد يحقق مقالة أحمد حسين الباطلة في أعين من لا يعرفون ما قام به الإخوان في هذا المجال.
ولهذا فإنه عزم على دخول فلسطين مقاتلا مع كل من يتطوع معه من الإخوان المسلمين حتى النصر أو الشهادة.
وقد كان ردنا على فضيلته: أن النظام الخاص باعتباره الجهاز المسئول عن الجهاد في الدعوة لم يكلف حتى هذه اللحظة بالاستعداد لدخول فلسطين، ومن ثم فقد كان تركيز كل جهده على تنفيذ الخطة الموضوعة بتسليح الفلسطينيين، مع تدريب أعداد قليلة من الإخوان لا يتناسب مع قلتها دخولها إلى فلسطين اليوم تحت قيادة المرشد العام، فذلك أمر لا يتناسب مع مركز الدعوة في نظر العالم الإسلامي.
واقترحنا على فضيلته أن يدخل الإخوان فلسطين بقيادة أحد الإخوان، في أعداد تتفق مع إمكانات الإخوان الحالية، ثم يتوسع الإخوان تدريجيا في الدخول إلى فلسطين وفق ما تفرضه الظروف والإمكانيات.
وقد وافق فضيلته على هذا الاقتراح وطلب تسمية من يتقدم لقيادة المجموعة الأولى فتقدمت متطوعا واعتمد تطوعي في هذه الجلسة، وتقرر سفري على رأس مجموعة من المتطوعين ناهز عددها المائة متطوع، وكان قوامها من متطوعي منطقة الدقهلية، وانضم إلي مع المتطوعين من القاهرة فضيلة الشيخ سيد سابق، والأخ علي الخولي، والأخ عبد الرحمن عبد الخالق من إخوان منطقة العباسية.
ولقد تحركت الدفعة الأولى من المتطوعين من دار المركز العام، في أتوبيسين كبيرين محملين بالمتطوعين وأسلحتهم ومفرقعاتهم، أما خيامهم فقد أمكن تحميلها على بعض سيارات نقل ضمن قافلة من قوافل الجيش المصري المسافرة من القاهرة إلى العريش.
وفي القنطرة تعرضت قافلتنا للتفتيش النظامي، خاصة أننا نحمل أسلحة ومفرقعات، وقد أصدر النقراشي باشا تعليماته التليفونية للضابط المسئول بالسماح لنا بالعبور ومعنا ما نحمله من أسلحة وذخائر. وقد حدث أن تعطلت نسبة كبيرة من سيارات الجيش المسافرة إلى العريش وكان من بين السيارات التي تعطلت السيارات التي تحمل خيامنا معها، فوصلنا العريش، ولم تصل الخيام وكان ذلك ليلاً.
وقد كانت خطة فضيلة المرشد العام أن يدعو الإخوان للجهاد فور تحرك الدفعة الأولى من المتطوعين، وأن يدعو الأمة للإسهام في تكاليف الجهاد دفاعًا عن قضيتها المقدسة في فلسطين متخذًا من تحرك الدفعة الأولى من المجاهدين سندًا ماديًا لما يدعو إليه الناس."
وخلاصة القول هو أن حزب مصر الفتاة كان أقرب من غيره من الأحزاب لجماعة الإخوان المسلمين غير أنه قد شابته شوائب فكرية ودخن في المبادئ والأسس.. جعل الحزب في المجمل لاينتمي للفكرة الإسلامية .. كما أن بعض تصرفاته كانت معادية بشكل كبير للإخوان ويكفي في ذلك محاولاته المستمرة لتشويه صورة الإخوان وإظهارهم بمظهر الجبناء.. فضلا عن محاولتهم اغتيال الشيخ البنا أكثر من مرة .. كل ذلك يصل بنا إلى صورة فيها ما فيها من خلل ونقص قد شاب أفكار وتصرفات مصر الفتاة وبقيت جماعة الإخوان تواجه الأعاصير والفتن وتنتهج المنهج الإسلامي وتجعل منه مرجعها ..
فوصلت دعوتها الآفاق بفضل الله عليها ..


المراجع