حسن البنا- الفكر والحركة معًا

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

حسن البنا ... الفكر والحركة معًا

الإمام حسن البنا

- "حسن البنا" وحركة "الإخوان المسلمين" اسمان لا يفترقان، ولا يفهم أحدهما دون الآخر، ولا يذكر أحدهما إلا استدعت الأذهان والألسنة قرينَه وصاحبَه!.

وقد كُتب عن حركة الإخوان المسلمين ما لا يقع تحت حصر بلغات العالم كلها. وكُتب عن حسن البنا كذلك. والواقع أن كل كتابة عن الحركة تناولت -بالضرورة واللزوم- مؤسسها نفسه، بحيث يجد المرء نفسه في بحر لا ساحل له من المؤلفات المتعاطفة والناقدة، والتي تروم أن تكون محايدة! وهذه الورقة ستحاول الإشارة -فقط- إلى أهم معالم الدور الفكري السياسي لحسن البنا -الإمام الشهيد- دون غيره من جوانب مساهمته الفعالة في الحركة السياسية المصرية أو من آثار وجود حركة الإخوان المسلمين (كبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث) في الحياة السياسية والإسلامية المصرية.

- قدَّم حسن البنا نفسه باعتباره "مرشداً"، "والمرشد" معلم ومصلح، قبل أن يكون شيئًا آخر. ولكن حسن البنا جمع إلى ذلك كونه ثائراً وداعياً إلى الثورة. فهو أشبه بالأفغاني، في هذا الصدد، منه بمحمد عبده، لكنه يتفوق علي الأفغاني بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين بما لا يزال لها من أثر بالغ في الحياة السياسية المصرية، بل العربية والعالمية كذلك. وهو يحدد هدفه مبكرًا سنـة 1929 بقوله: "لا بد -إذن- مـن السعي لإصـلاح الشرق وتوجيه جهود الأمم إلى غاية منتزعة مـن روح الشـرق، وملائمة لمـزاج أهـله لا تنحـصر في تقليد لأوروبا ولا لغيرها، بل قوامها إنهاض الشرق من كبوته واستخدام قواه الكامنة" (32).

- وكان أول ما لفت نظره في تأسيس الإصلاح على ما يتفق مع طبيعة "الشرق"، ولا يكون تقليدًا للغرب: قضية المصطلحات المتداولة في الكتابة والخطابة الدينية والسياسية، فهو يرى أن الناس "يستخدمون الألفاظ التي تداولها المؤرخون لمسميات ذلك العصر (يقصد عصر النهضة في أوروبا)، فيقولون رجال الدين، والسلطة الروحية..، ولعل هذا اللبس اللفظي هو الذي جعلهم يتورطون في تشبيه النظم الإسلامية بغيرها من النظم، وواجبنا أن نرفع عن أعينهم حجاب الوهم، ونوضح لهم ذلك العبث اللفظي وخداع العناوين التي وضعها مؤرخو أوروبا لذلك العهد" (33).

- والمفهوم الرئيسي في كتابات حسن البنا وخطبه هو مفهوم "النهضة". وهو يقدمه باعتباره نقيض حالة "الانحطاط" التي نعبر اليوم عنها بكلمة "التخلف". وهو يستمد هذا المفهوم من القرآن مباشرة -وهي خاصية شائعة في كل فكر حسن البنا-، فيرى أن النهضة تقوم على ثلاثة أركان؛ الأول: هو المثل الأعلى "الذي كلما سما سمت نهضة الأمة وتوفرت لها وسائل القوة، ولهذا كان المثل الأعلى الذي وضعه القرآن لأمته هو الإيمان بالله أولاً، ومن هذا الإيمان تستمدّ الأمة سيادتها في قوله تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). وهذا المعنى للنهضة معنى تنفرد به الأمة الإسلامية؛ إذ تستند نهضتها إلى جانب الله والإيمان وسلوك سبيله، وهو لا يكون في غيرها من النهضات" (34).

والركنان الآخران للنهضة -عند حسن البنا- هما القوة المعنوية والقوة المادية، وبهذه الأمور الثلاثة يتكامل الإطار النظري للنهضة، فإذا قويت روح الأمة وأخلاقها تبع ذلك حتمًا دوام التفكير في وسائل القوة المادية، والتفكير في القوة نفسها، وهذا هو ما يشير القرآن إليه في قوله تعالى (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) وقوله (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) (35).

ولذلك كان طبيعيًا أن يرى حسن البنا في السعي إلى تقليد الغرب، ومحاولة أن نكون "قطعة من أوروبا" مخاطر جسيمة تهدِّد كيان المسلمين والشرقيين عمومًا وتنسيهم "كرامتهم وعزتهم ومقدساتهم وتنسيهم مهمتهم" (36). وهو يقرر بألفاظ مختلفة في المناسبات كلها أن أساس النهضة هو تقديم الإسلام باعتباره "دينًا قيمًا فيه النظام الشامل والقانون المحكم والدستور الكافل لسعادة الأمم ورفاهيتها وصلاحها في الحياة وبعد الحياة". وأن علينا أن نجعل هذا الإسلام المتمكن في نفوس أهله أساسًا للنهضة الشرقية الحديثة، بذلك تصطبغ نهضتنا بصبغة شرقية مجيدة تجذب نحوها أفئدة الشعوب، وتعيد للشرق مجده المسلوب وعزه المغتصب".

بل هو يرى أن منهجه في الدعوة إلى هذه النهضة هو الذي يحقِّق للأمة الإسلامية أن تستعيد "قيادة العالم إلى الخير" أو "أستاذية العالم"، فهي ليست دعوة إلى نهضة محلية فحسب، وإنما هي إيمان بأن الإسلام هو مستقبل الشرق والغرب معًا في ظل الأخوة الإسلامية العالمية" (37).

- وحسن البنا لا يرى إلا صورة الإسلام الشامل الذي يحكم الحياة كلها، فهو يرد على الدكتور طه حسين حين ينشر كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، فيقول: "الذي نخالف فيه الدكتور طه حسين، وغير الدكتور طه حسين ممن يؤمن بفكرته هذه: ادعاء أن هذا التفريق بين الدين والسياسة، وبين الدين والقومية، وبين الدين والعلم نافع لنا متفق مع تعاليم ديننا. هذه دعوى ينقصها الدليل النظري والدليل التاريخي، وتتنافى مع مصلحتنا ومقومات نهضتنا. والذي يريد أن يجرِّد الإسلام عن معناه القومي وعن معناه الثقافي يريد بمعنى آخر ألا يكون هناك شيء اسمه الإسلام تؤمن به هذه الأمة وتدين به" (38)

وحسن البنا يخاطب مخالفيه -في المقال نفسه- بقوله: "ألستم مسلمين أيها الناس؟ ألا ترضون الإسلام حَكَمًا؟.. نرجو أن تكونوا صرحاء... وإن كنتم آمنتم بالإسلام على أنه حق ثابت فنحن نرضى أن نتحاكم جميعًا إليه وحينئذ سنلتقي وسنتفق وستعلمون أن الدولة والقومية والعلم من أركان الإسلام".

وهو في رفضه لصورة الحياة الغربية، ومحاولة نقلها إلى بلادنا يعلن أن "الإخوان سيحاربون بكل قوة كل داعية يدعو إلى فرنجة هذا الشعب أو صبغه بصبغة تتعارض مع روح الإسلام وأحكامه، وإذا أصر الداعون إلى التقليد الأعمى على موقفهم فنحن لهم بالمرصاد وسننتصر بإذن الله" (39).

- ولذلك كانت حرب حسن البنا على الاستعمار مستمرة في أطوار دعوته كلها، وهو يسميه "الاستخراب"، ويقول: إن لفظ "الاستعمار" بما يفيده من التعمير والإصلاح يستعمل "في هذه الأيام لغير ما وضع له"، لأنه عامل فساد وإفساد في حياة الشعوب، فهو لا يحمل للشعوب المستعمَرَة إلا البطش والغطرسة والذل والفقر والمسكنة، وكلما دخل بلدًا سلب الذمة من أهله ففسد خلقهم، وضعفت نفوسهم، وشاع الظلم، ومات العلم وفشا الجهل" (40). والمستعمرون -كما يرى البنا- "جعلوا نصب أعينهم كتم أنفاس المسلمين وخنق حريتهم، وتهديد ثقافتهم المجيدة وإبدالها بثقافة خليعة مستهترة لا تمت إلى الفضيلة ولا تنتسب إلى الرجولة.. وهم يرون أن تعاليم الإسلام وشدة روحانيته أكبر عائق أمامهم يعترض مطامعهم.." (41).

- ومنهج المقاومة عند حسن البنا لا يوجد إلا في القرآن ومبادئ الإسلام. والجانب الروحي فيه هو بعث "الإيمان بالله" وتقويته لتبديد اليأس من النفوس، وترسيخ الأمل فيها، فالقرآن يضع اليأس في مرتبة الكفر، ويقرن القنوط بالضلال, والقرآن يقرر ناموسًا ربانيًا لا يتغير، ونظامًا ربانيًا لا يتبدل: أن الأيام دول (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ). والجانب المادي لا تقوم له قائمة إلا إذا اقترنت به "القوة الروحية" و"الخلق الفاضل" و"النفس النبيلة" و"الإيمان بالحقوق ومعرفتها" و"الإرادة الماضية في سبيل الواجب" و"الوفاء الذي تنبني عليه الثقة والوحدة".

والدعائم الفكرية لهذا المنهج ثلاث؛ أولها: تحرير العقل وفتح آفاق التفكير أمامه، كما دعا القرآن الكريم إلى ذلك وحث عليه، و"البنا" يرى التفكير عبادة لا تعدلها عبادة، لأن "القرآن ربط بين القلب المؤمن والعقل المفكر". والعقل "محكوم بحدود الشرع، ولا بد أن يسلِّم لخالق الكون ومدبر الأمر كله". وثانيها: العلم الذي يؤازر القوة الروحية، ويوجهها أفضل توجيه ويمدها بما تحتاج إليه من مخترعات ومكتشفات، والقرآن يجعل العلم فريضة كالقوة تمامًا، لا يفرق بين علم الدين وعلم الدنيا، بل أوصى بهما جميعًا.

ولكن التمييز بين العلم الضار والعلم النافع ضروري، فنحن "لم نبرع في المخترعات كما برعنا في الرقص والتمثيل، ولم ننبغ في العلوم والمعارف نبوغنا في التهتك والخلاعة". والأخذ عن الغرب يجب أن يفرِّق بين النافع والضار من خصائص حضارته، فإن لكل عصر وجهين: جميلاً وقبيحًا، ومن الغبن أن نترك جمال العصر "العلم العملي" لقبحه "التحلل والإلحاد والإباحية..إلخ"، ومن الخطأ أن نتهاون في قبحه لجماله، بل نقف موقف الناقد البصير الذي يأخذ الطيب وينفي الخبيث" (42). وثالثها: تجديد التراث وتوحيد الثقافة، وهو في ذلك متابع لاهتمام محمد عبده الذي يُعتبر رائد مدرسة تحقيق التراث وتجديد الثقافة العربية بما صنعه من تحقيق مقامات بديع الزمان، ونهج البلاغة للشريف الرضي، وأسرار البلاغة، ودلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني وغيرها (43).

-أما الدعائم السياسية للنهضة فيراها حسن البنا في أربعة أمور:

أولها: القيادة التي تُحدث في الأمة ثورة فكرية تدفع الإنسانية كلها -وليس أمة القائد فقط- إلى الأمام عدة مراحل. والمثل الأعلى في ذلك هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وثانيها: هو الوحدة التي ستزيل كل عوامل الفُرقة التي تمزِّق شمل الأمة وهي -عنده- شرط لازم للاستفادة "من وحدة الأوطان التي تمتدّ من المحيط إلى المحيط"، وصورة هذه الوحدة عند البنا صورة عملية تتم بأن تقرِّر كل أمة من أمم العالم الإسلامي شعارًا ثلاثيًا هو النظام الإسلامي الاجتماعي في الداخل، والتحرر من كل سلطان أجنبي في الخارج، والتعاون بين الأمم الإسلامية في جميع أنحاء الأرض، وهذه خطوة في سبيل الوحدة السياسية الكاملة التي تأتي بعد ذلك في أوانها.

وثالث الدعائم السياسية للنهضة: التحرُّر من الاستعمار، فهو عدو كل نهضة، وعائق كل تقدُّم، ولا سبيل إلى التحرر من الاستعمار إلا باستخدام القوة، وأهم وسائلها الجهاد المسلح.

والدعامة الرابعة: الحكم الإسلامي، ويقصد به البنا إقامة السلطة السياسية الوازعة التي تجعل "نظام الحكم إسلاميًا قرآنيًا" والحكومة "إسلامية صحيحة الإسلام صادقة الإيمان مستقلة التفكير والتنفيذ.." (44).

- والبنا -كما يقول إبراهيم البيومي غانم- لا يعترف للأنظمة التي كانت قائمة في وقته بأنها إسلامية، ومن ثَم فهو لا ينتقدها فحسب، وإنما يؤدي منطقه إلى نفي شرعيتها، ولو بطريقة غير مباشرة (45).

وأيًا ما كان الرأي في مدى واقعية الدعائم التي تصوَّرهاحسن البنا أساسًا للنهضة، وفي مدى التحديد أو التداخل الذي يبدو في أفكاره فإن الثابت أن الفكرة التي أدلى بها حسن البنا دلوه في مجرى الفكر السياسي الإسلامي هي فكرة الإسلام الشامل لكل أوضاع الكون والمجتمع والفرد، الجامع لكل أطراف الحياة، المهيمن على كل شؤون البشر عقيدة وشريعة وسلوكاً. فبالعقيدة تتحدَّد نظرة الإنسان إلى الكون وموقفه منه، وبالشريعة تتحدَّد أسس نظرته إلى المجتمع ومكانه فيه وواجبه نحوه وحقه عنده، وبالسلوك تتحدَّد وسائل التعامل بين الفرد والآخرين مسلمين كانوا أم غير مسلمين. فالإسلام -كما تقدمه دعوة حسن البنا وفكره السياسي- فلسفة وقانون وأخلاق، وهو يحكم عقل الإنسان وقلبه وظاهر أمره وباطنه. وهذا هو الإسهام الجديد الذي أضافه حسن البنا إلى الفكر السياسي الإسلامي (46)


المصدر : إخوان اون لاين