حسن البنا الملهم الموهوب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حسن البنا الملهم الموهوب حسن البنا أستاذ الجيل

دار التوزيع والنشر الإسلامية

بقلم:عمر التلمساني

غلاف كتاب الملهم الموهوب
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

الحمد لله رب العالمين . والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين .

وبعد:

فإن العاطفة أنبل ما أفاء الله على عباده عندما صورهم وهبهم المشاعر السامية والأحاسيس النبيلة , وبغير العاطفة لن يغني المسلم في عقيدته , العاطفة هي التي تجعل المسلم يتلق من ربه قبل أن يتلقي من عقله .

العاطفة تجعل المسلم طوع أمر ربه حتى ولو لم يقتنع عقله – لقصوره – عند إدراك كنه الأمر الرباني وهنا وقفة يستدعيها المقام .

الله خالق الإنسان بكل ما فيه من عقل وغيره . فالعقل صنعه الله , فهل يمكن لمصنوع أن لا يخضع لتوجيه صانعه إذا ما أراد أن يسير السير السليم الذي من أجله وجد ؟

ثم هذا العقل الذي يعتز بتفكيره كل من يعارض دعوة الله . هل هذا العقل يتمكن من كل شئ عن طريق ذاته وقدرته ؟ وإذا لم توصل الأذن إلى العقل يتمكن من كل شئ عن طريق ذاته وقدرته ؟

وإذا لم توصل الأذن إلى العقل ما طرق طبلتها , فكيف يمكن للعقل أن يميز بين خرير الماء وعصيف الأنواء ؟

وإذا لم توصل العين صور المرئيات إلى العقل ليفرق بين أصفر وأحمر , وأزرق وأخضر , فكيف يتأتي للعقل أن يصدر إذا لم تعنه هذه الحواس , فإذا أصاب الأذن أو البصر عطل , هل يستطيع العقل أو الفكر أو المخ أو المخيخ , أن يؤدي رسالته في ناحيتي السمع والبصر مثلا , ألا يحكم على العقل إذ بأنه في حاجة إلى من بعينه على أداء وظيفته ؟؟

وإذا كانت هناك ذات لا تحتاج إلى معين , بل كل ما في الوجود إليها أليست هي أولي أن نعتز بتا وأن نستعينها وأن نركن إليها وأن نتحاب فيها لاشك أن هذا أولي وأكمل والأليق .

لقد جمعنا إمامنا الشهيد , أستاذ الجيل , الأستاذ حسن البنا , على الله وأحبنا في الله , فأحببناه بدورنا في الله .

وقمة الحب وجماله , وطهارة الحب وجلاله , وحنان الحب وكماله , وفيض الحب وأفضاله , وثمرة الحب ونواله كل ذلك , وأكثر من ذلك, لن يكون إذا كان , إلا حبا في الله , والثناء على الله , وعملا في سبيل الله , وإخلاصا وتضحية واحتسابا لدين الله هذا ما أوصلنا إليه إمامنا الشهيد بفضله تتلمذنا عليه , ولما كانت جهوده الجبارة ودأبه وتفانيه , خارجة عن نطاق الجهد العقلي فهو ملهم فيما يقول , موهوب بطاقة لا يحظي بتا إلا أقل القليل ( والله أعلم حيث يجعل رسالته ) .

إن للإمام الشهيد من الأيادي الناصعة البياض على الدعوة الإسلامية ما يجب معه أن يكون دائما محل الاهتمام من المسلمين .

لأن ذكرياتنا يجب أن تحقق فيمن يذكرنا بالله , من تكرنا بالله رؤيته , في حياته إذ تراه ذاتا , وفي آثاره عندما يفارقنا إلى جوار أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين, وما كنت لأكتب عن حسن البنا , لأن هذه المهمة لا يصلح لها إلا العديد , فمن كان أثر حسن البنا , بفضل الله, فيهم بالغا ونافعا ارقب مطلع الفجر مع شروق شمس كل يوم جديد , وطال الانتظار .

ومع هذه المطاولة يطالعنا مقال عن فلان , وكلمة في فلان , وحفل لفلان , ولا شئ عن حسن البنا أستاذ هؤلاء جميعا , وأرسخهم قدما , وأعلاهم قدرا , في مجال الدعوة الإسلامية الذي لن تنجح دعوة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية إلا على أساس من الدعوة الإسلامية , ولما أمضي هذا الجحود , ولما أعياني تصور الندرة على عمل شئ .

آثرت أن يكون حديثي عنه مكتوبا , وآثرت أن يكون حديثي معه في رمضان وآثرت أن يكون حديثي معه في خلوة , فالحديث مع الصالحين عبادة والخلوة معهم عبادة , فعزلت نفسي عن الدنيا إثني عشر يوما , في ناحية العجمي بالإسكندرية , وهناك كتبت ما ستقرأ في الوريقات التي بين يديك.

فإذا كان اليمن قد أسعدك بمعرفة الإمام الشهيد فستردك هذه الكلمات إلى ماض قريب في الزمن , بعيد في الأثر , تناجي فيه ذكرياتك الهانئات مع الإمام الشهيد ولعلك بتا تنعم بتداعي الأفكار , فتذكر ما لم تكن تذكر , أو ما تظن أنك نسيته , وإن لم يسعدك قدرك بلقاء فضيلته فستري فيما تقرأ شيئا عن شخصيه تود من كل جوانحك أن لو كان قد قدر لك أن تراها .

إن ا أكتبه وفاء كفاية , لا وفاء عين , ترافع الحرج عمن لم يتحدث مع الناس عن حسن البنا , وآثاره المرضيات المسعدات .

إن الله على عظمته وجلاله وغناه الكامل الذي لا يشم رائحة الحاجة أبدأ , أمرنا أن نذكره فقال " أذكروني أذكركم" فنحن طاعة وخضوعا يجب أن نكون دائما على ذكر من الله .

لأن من ذكره في ملأ ذكره الله في ملأ خير منه . من هذا الفهم الصحيح السليم يجب أن نذكر إمامنا الشهيد , لأننا في تذكره نضاعف شكرنا لله سبحانه , إذ قيض لنا من يأخذ بأيدينا إلى رحابه الفسيح , مسعينا في هذا الخير بكتاب الله وسنة رسوله ( صلي الله عليه سلم) إني أريد أن أذكر أمامي الشهيد على وجه الدوام , لأن تذكري إياه يذكرني بالله وهل أنا في حاجة أمس من حاجتي إلى من يذكرني بالله ويجمعني عليه , إني أريد أن يظل يروى العاطفة ويمد الإخوان برشفات من نمير صاف , طالما روي العطاش يرد غلة الظماء إلى برد العقيدة وغيث الإيمان .

إني أريد أن أنمي شجرة الرجولة في صدور شباب طاهر أ‘د نفسه للإسلام , حتى يتبين أسلم الطرق في الوصول إلى غايته بعيدا عن المهاترات المؤسفة والجدل العقيم الذي لا يؤدي إلا إلى الفرقة وتشتيت الجهود وتمزيق الصفوف إني أريد أن يري الشباب الذي ارتضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبالقرآن، دستورا وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) نبيا ورسولا , وبالجهاد سبيلا , وبالاستشهاد أمنية الأماني إني أريد أن يري هذا الشباب كيف مهد الإمام الشهيد السبل للوصول إلى الغاية , في دأب وجد وفي رجولة وفي أدب عال رفيع.

أريد أن يمضي هذا الشباب إلى غايته واسع الصدر لمن يستثيره طويل الأناة لمن يضعه في الجدل جميل الصبر في كل ما يعترض طريقه من عقبات وصعاب ولو أن هذا الشباب ترسم خطي أستاذ الجيل حسن البنا في الدعوة الإسلامية .

وأسلوبه9 في تبليغ هذه الدعوة , توضيحها والدفاع عنها لو أنه هدي إلى هذا الطريق المستقيم لسهلت عليه أمور يظنها صعبة , ولتيسرت له وسائل يحسبها مستعصية ولأعانه الله من حيث يدري أو لا يدري على تحقيق أمانيه .

أؤكد على وجه التكرار, أنه مهما كتبت عن حسن البنا فلن يرفع من شأنه قدرا بعدما قدم ثم أفضي لما قدم , وأنه مهما حاول أصحاب الأغراض إغفال شأن حسن البنا , والتهوين من شأنه , أن إدخاله في عالم النسيان فلن ينقص هذا من قدر حسن البنا , بل ولن يدخل – مهما طال الزمن في مجاهل النسيان .

من كان فوق محل الشمس موضعه فلن يرفعه شئ ولا يضع وإنما كتبت محدثا نفسي , مستعذبا نجواي إياه , مستمتعا بأبهج إيناس بروح في رغده .

من يعيش مع الأحباب. إننا نحب حسن البنا أطهر الحب , لأنه علمنا كيف نحب الله ورسوله أعظم من حب أى شئ , فمنتهي هذا الحب أننا نرقي بت في مدارج الإيمان, بل ويثبت بت في قلوبنا الإيمان , إذ لا يؤمن أحدنا حتى يون الله ورسوله أحب إلينا من كل شئ , وأن نحب الناس في الله , ونفارقهم في الله , وأن نكره مفارقة دعوتنا كما نكره أن نلقي في العذاب " قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحانه الله وما أنا من المشركين "

حسن البنا إمام أنقذ أمة

إن حسن البنا شخصية لمعت بذاتها , ولا تزال تضئ بآثارها في تاريخ الدعوة . ولا يمكن لإنسان أن يمضي بتا إلى مجاهل النسيان , وكيف ينسي من اقترن اسمع بأكبر أثر في الدعوة الإسلامية في القرون الأخيرة ؟ لا نقولها حبا وإن كان الحب عاطفة نبيلة .

ولا تقدير . وإن تقدير الرجال سمة المنصفين . ولا تعصبا , وإن كان التفاني في الدعوة السامية شرفا أى شرف , ولا تقديسا.. إذ لا تقديس مع " لا إله إلا الله محمد رسول الله " صلي الله عليه وسلم .

ولكننا نقولها من قبيل تقرير الواقع :" يا أيها الذين آمنوا ..."

شهد بتا الكل على السواء . لأن الشمس الساطعة لا ينكر وجودها إلا من ران العمي على إنسان عينيه .. إنه عجز العمي . وهذا العجز لا دخل للشمس فيه وعظمة رجال التاريخ أن يثور حولهم الجدل العاصف هذا يحب فيغالي وهذا يكره فيتجني.

وهذا يحب فينصف . وهذا يكره فيظلم وآخر يعادي فحاول أن يكون موضوعيا في عدائه . بعيدا عن ألسنة المهاترات .

ويظل الرجل الكبير في التاريخ حيث هو مكانه في التاريخ والقائد الفذ . هو الذي تتهاوي الألوف في ميادين تخطيطه وقيادته , يدبر ويفكر لا يزيده استعار المعارك إلا بروزا في ميادين العبقرية والنبوغ .

ولو أن حسن البنا لم يكتب له أو عليه , لما كان هو حسن البنا , وعل قدر العطاء يكون الأثر , العطاء الزاخر , له الأثر الطاهر , والعطاء النذر لا يحس ولا يشعر بت أحد – هكذا كان حسن البنا صاحب عطاء طوال حياته أعطي الدعوة كل شئ ولم يدخر من هذا الجهد شيئا لنفسه . أعطي الناس كل الدريهات التي كان يحصل عليها كمرتب حكومي .

ولم يبقي لنفسه و لا لأهله شيئا , وجزي الله ( آل الصولي بالإسماعيلية ) خيرا إذ كفوه مؤنة هذا الإنفاق الضئيل .

أعطي الناس كل حياته , فاستشهد في سبيل دعوته وهو لم يتجاوز الأربعين من عمره المغدق بعامين ملأ طباق الأرض نغما شجيا بدعوة الإخوان المسلمين وأصبحت المدرسة التي يتتلمذ فيها كل راغب للعمل في سبيل الله .

في هذا الإيجاز لمبسط لا تجد خبرا عن مولده ولا عن نشأته ومعاهدة وبيئته كل ذلك كثيرا ولا قليلا.

عناني من أمر الإمام الشهيد حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين الأسبق الذي سعدت بمبايعته سنة 1932 ولا شك أن الذي أكتبه يشوبه التقصير , وعدم الإحاطة والشمول ذلك لأني لا أكتب من مذكرات ولا أستمد من مراجع ولكني اعتمدت على الله أولا ثم على ذاكرتي, وكثيرا ما تخون .

إنني لا أكتب لنفسي نه ما غاب عني , وكيف يغيب من جمعني بالله حياتي كلها ؟ كيف ينسي المسلم من أسدي إليه أنصع يد في حياته يوم أن دله على كتاب الله ,وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت نشأته في بيت مسلم سلفي من محبي – محمد بن عبد الوهاب , ومن عشاق ابن تيمية , وابن قيم الجوزية كنت أقرأ القرآن منذ تعلمت القراءة .

وما كنت أعرف عنه إلا أنه كتاب الله وانه بركة توضع على الرأس إكبارا , أو في الجيب حراسة , أو في المآتم رحمة ولكن ما أن أشاء الله بي الخير فتتلمذت على يدي حسن البنا .. حتى كشف لى عما في كتاب الله من خير الدنيا وسعادة الآخر .

زيارة مباركة

كان أمر اتصالي به تحفة طرافة . كنت أقيم في عزبة التلمساني بناحية نوي من أعمال مركز شبين القناطر قليوبية وكنت أيامها محاميا ,وكان في العزبة مسجد متواضع اخطب فيه الجمعة وأؤم المصلين وكنت يوما أجلس في حديقة السلاملك الصغيرة ومعي زوجي رحمها الله وأطفالي والكتاكيت تقفز حولنا من هنا ومن هناك وجاء خير العزبة يقول : اثنين أفندية يريدان مقابلتك .

قلت : من أنبأهما أنني هنا ؟ قال : كنت جالسا وبعض فلاحي العزبة على المزلقان الذي يفصل بين حرم العزبة والسكة الزراعية فمر هذان الأفنديان وألقيا علينا السلام , فلما رددنا عليهما التحية قال أحدهما : هل يقيم في هذه العزبة أحد من أصحابها ؟ قلنا  : نعم . أحد أحفاد المالك . قالا: وفيم يعمل ؟ قلنا : محاميا أهليا. قالا :

وهل يصلي ؟ قلنا : نعم ويخطب لنا الجمعة ويقرأ القرآن . قالا : استأذن لنا عليه فجئت أبلغك . قلت : أحضرهما وانصرفت زوجي إلى داخل المنزل , وكنت متبرما بهذه الزيارة لني أحب أن أقضي أيام إجازتي مع أهلي وحدهم . هذا إلى أنهما قطعا على متعة التعامل مع الكتاكيت وهي بالنسبة لى متعة حقا , وكم أتمني أن أعود إليها !! فقلت أعاتب نفسي المتبرمة :

لا ضير لعل في هذه الزيارة خيرا وحضرا وسلما وجلسا , وكان في حركاتهما وكلامهما شئ من الفضول لم أتعوده من قبل عرفاني بنفسيهما : محمد عزت حسن معاون سلخانة شبين القناطر أى الابتدائية, محمد عبد العال ناظر سكة حديد الدلتا بأبي زعبل , أى لا مؤهل على الإطلاق, ورغم تجردهما من المؤهلات المدرسية فقد كان مستوي حديثهما يفوق مستوي الكثير من ذوي المؤهلات العلمية, ولم يضيعا وقتا فيما جرت به العادة في في مثل هذه اللقاءات ولكنهما بدءا الحديث عما جاء من أجله.

سألني عزت حسن : ماذا تفعل خارج مهنتك ؟ وبدأ السؤال في نظري بعيدا عن مألوف اللياقة وأنا شديد التمسك بقواعدها, ولا أرتاح لما يسمونه رفع التكاليف .

فجعلت إجابتي على نفس الأسلوب ( المجليط) قلت ساخرا : أربي كتاكيت كما تري فاستمر في أسلوبه بعد أن كساه شيئا من الجدية قال : وهل مسلم مثلك يضيع أوقاته المحسوبة من عمره في تربية الكتاكيت ؟ وهناك من هو أولي باهتمامك ووقتك من الكتاكيت وشعرت أن الحديث بدأ يأخذ طابع الجدية .

قلت مستفسرا : ومن هو ذلك الأولي يا أستاذ ؟ قال وقد ازداد جدية وحماسة: إخوانك في العقيدة .

قلت : أولئك يتولي الأزهر أمرهم والحكومة معه , قال وقد أخذ الحماس يعلو من نبرات صوته وهل تقوم الحكومة والأزهر بتحقيق ما تقول على وجه سليم ؟ فسكت فإن الإجابة تعطيه فرصة الأخذ بزمام الموقف , فأحببت أن أضيع عليه الفرصة , ولكنه ألح في شئ من الخشونة قال : مالك لا تجيب ؟

يسألني وكأنه صاحب أمر , وكأنه ملزم بالإجابة فراوغت قائلا : ماذا تريدان منى ؟ دعوني وشأني, فقال ناظر المحطة متلطفا :

إنك محق . في ظاهر الأمر . فلتطلب منا أن ندعك وشأنك وخاصة نحن نلمس فيك وداعة . وعزوفا عن غشيان المجتمعات , ولكن هل ترضي أنت لنفسك وقد منحك الله علما وإقبالا عليه , هل ترضي لنفسك أن لا تهتم بشأن المسلمين ؟

قلت وقد أحسست بشئ من التجاوب عندي الرغبة, ولكني غير متبين لمعالم الطريق قال . لا عليك في هذا ضع يدك في أيدينا ندلك على الطريق . قلت : بلا روية ولا استعداد ولا تفكير ؟ قال : وهل حال المسلمين اليوم يري تريثا بعد ما تري من سوء حالهم . وضعف شأنهم , وهو أن أمرهم ؟

قلت جانحا للتعاون معهما : من أنتما ؟ وما طريقة عملكما ؟ وما دعوتكما ؟ قالا معا: نحن من جماعة الإخوان المسلمين : قلت لم أسمع عن هذه الجماعة من قبل قال : ها أنت قد سمعت فما عساك فاعل ؟ قلت : أعرف المنهاج .

قالا : كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم قلت : وكيف أتصل بهذه الجماعة ؟ قالا : سنزورك الغد إن شاء الله في مكتبك بشبين القناطر . وانصرفا , وقد أودعا الذهن مشغلة .. كان لها ما بعدها .

مع الإمام في منزله

وفي الغد جاءا إلى المكتب . وكأنهما أمسكا بصيد . وما كنت أدري وقتها أن انضمام فرد واحد أيا كان شأنه , كسب عظيم له خطره في مستقبل هذه الدعوة , قال عزت : ما قرارك؟ قلت: خيرا.

إني لمست في كلامكما جدية ما لي بها من عهد , ورأيت فيما تدعوانني إليه خيرا كثيرا لى أولا , وللمسلمين ثانيا .

قال : إذا سأحدد لك موعدا تلقي فيه فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ حسن البنا وكان اللقب ضخما وله رنين , وفيه هيبة .

فظننت أني سألقي رجلا فارع الطول, مهيب الطلعة , معتدا مكانته متفيقها في لغته فعزبلت وحولقت وأسلمت أمري إلى الله ,جاؤني بعد يوم بالموعد المضروب وفي الموعد المحدد سافرت إلى القاهرة .

ودلفت إلى حي المغربلين ومنه إلى عطفة ( عبد الله بك ) في اليكنية , حيث كان منزل الأستاذ حينذاك , وطرقت باب المنزل بالمطرقة الحديدية الملقة به , ورفعت السقاطة,ودخلت الحوش قائلا : على فضيلة المرشد العام موجود ؟

وكانت بساطة المنزل وحالته أقل من العادية وقد أذهبت كثيرا من الرهبة التي داهمتني عندما وقفت أمام باب المنزل ورد صوت فيه وداعة, ولكن فيه خشونة الرجولة فيه ترحيب يزينه رنين القيادة وفيه عذبة الداعية فيه حنان المسلم , فيه استدعاء من يدعوك إلى صراط مستقيم ومما يلفت النظر أنك تحس في نبرات الصوت حلاوة ترحيب من كأنه يعرفك من زمن طويل وأنك معه على ميعاد ونزل الرجل وصافح في حرارة ومودة وكأنه بحركاته وألفاظه يحملك على أن تثق فيه حقا , وأنك أمام رجل صادق كل حركة من حركاته فيها وضوح , وكل كلمة من كلماته فيها حرارة وصدق وكل فكرة يعرضها مدروسة ومفهومة وكل حجة مقنعة وكل دليل من القرآن أو السنة المطهرة نور من آية وضياء من حديث .

وفتح باب الحجرة على يمين من المنزل , وكانت معتمة لا تكاد تري ما فيها . وفتح نافذة تطل على الحارة التي يقع فيها المنزل , فتشت محتويات الحجرة ليس على الأرض بساط ولا حصير عدة كراسي من القش يعلوها غبار وشئ عليه تجاوزا اسم المكتب لا يزيد ثمنه بسعر تلك الأيام عن ريالين وجلس إلى مكتبه في رقة الحس المرهف وهممت أن أجلس على الكرسي المواجه للمكتب فلمحت ما عليه من غبار وكانت أناقة ملبسي حينذاك لها عندي أو في اعتبار فأخرجت منديلي الأبيض ( السكربيز) مستعوضا الله في نظافته وفردته على الكرسي كل هذا وأنا أرقب من طرف خفي , تتبعه لهذه الحركات المظهرية , ولعلي ألممت بابتسامة عامرة , على الشفتين الممتلئتين المعبرتين , وخيل إلى أنه يستشرف المستقبل يقول في نفسه :

أعتن بنفسك اليوم ما شئت فقد يجعل الله غدك خير من يومك ويحملك على الاهتمام بشئون المسلمين , ما يصرفك عن الاهتمام بنفسك و لعله قدر أن من وراء هذا التأنق ميلا أو حرصا على الالتزام في ناحية مني نواحي الحياة , وقد تستغل في خدمة الدعوة على صورة ما .

لقد كان الإمام الشهيد حريصا كل الحرص على أن يستفيد الإسلام من كل بنية . كل حسب ما نحسن ويتقن أو يميل إليه أو يتعلق بت , فمن أحاديثه المأثورة معي والتي لن أنساها ما حييت :

إن كل مسلم يا عمر فيه خير ويمكن أن يحقق نفعا للمسلمين والفطنة كل الفطنة في اكتشاف هذه القدرات والدفع بها إلى العمل النافع في سبيل الدعوة الإسلامية وقد كان الإمام الشهيد أستاذ نابغة في هذا المجال لم تفته في هذه الناحية شاردة ولا واردة كأنما أعطي حواسا تزيد عما عرفه الناس من حواسهم الخمس .

فراسة وخبرة

إن النفس البشرية مولعة بحب المديح , ومنه المباح كمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إذا مدح المسلم في وجهه ربا الإيمان في قلبه " علما منه صلى الله عليه وسلم بالفطرة البشرية التي جاء لتقويمها وتهذيبها وإصلاحها وهدايتها , وتصحيح مسارها وفي الأثر ( أن المعروف شئ هين وجه طلق وقول لين ) لهذا كان الإمام الشهيد يخاطب الأخ أول ما يخاطبه بالناحية الطيبة فيه .

ويعمل على تنميتها تزكيتها في جد وصدق إلا في مجاملة غير ذات اثر ولا تحبب مصطنع ليس له في النفس من قرار .

من هنا كان كل أخ حسن البنا , وكان هو يحبهم جميعا فحبه لهم أكبر من حبهم له مجتمعين . الأمر الذي جعل كل أخ يشعر أنه أقرب إلى قلب المرشد من سائر الإخوان . لما يلمسه من حنان فضيلة المرشد وتفقده لأحواله , وسؤاله عن آلامه وآماله .

في حذر ولباقة تحس معها أن محدثك محب لا مجامل , كان يلمس هذه النواحي لمسا رائعا , حتى لكأنه يعطي كل ذي حق حقه في غير ما تطفيف إرجاع وكأنه في كل ذلك الملهم الأريب صاحب الفراسة التي لا تخطي ولا تخيب ,والنظرة الفاحصة التي تصل إلى داخل القلوب كان في الجماعة شابان لامعان في صفوف الإخوان المسلمين وفي صفوف طلبة الجامعة ,

وكان أداؤهما الديني ممتازا من ناحية العبادات والمعاملات وكانا خطيبين ممتازين يملكان من الإجادة والقدرة والفصاحة ما يجذب إليهما أسماع كل الحاضرين , لا يملهما أحد مهما طال بهما الكلام وما كان أحد يظن فيهما إلا الكفاءة والخير وهما فعلا من أهل الكفاءة والخير , وطلب هذان الشابان من الإمام الشهيد أن يجعلهما في عداد أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين فكان يمهلهما ولا يعدهما فألحا فأمهل فوسطا الكثيرين من الإخوان لدي فضيلة المرشد ولكنه ظل على موقفه .

واستشهد ولم يحظ الشابان بأمنيتهما وكان الرفض مثار عجب صفوف الإخوان . فالشبان ممن تفخر كل هيئة أن يكونا من بين أفرادهما ويمضي الإمام إلى ربه وتمر السنون ويتجلي بعد نظرة في هذه القضية ودقة فراسته في عدم ضمهما إلى الهيئة التأسيسية مثل نادر من الفراسة يعرفه كل القريبين من الأستاذ لا طعنا في دينهما أو أخلاقهما ولكن الأستاذ أحس بما فيهما من طموح قد لا يكون فيه من خير للجماعة إذا احتلا فيها مكانا مرموقا .

إنني لا أحلل شخصية الإمام الشهيد , ولا أؤرخ له فذلك أمر تقتصر دونه طاقتي لأسباب كثيرة ضخامة شخصية حسن البنا التي ملأت الأسماع وعمت البقاع , ولأنني لم أوت من القدرة ما أوفي به في هذه الشخصية الكريمة حقها تاريخا ولأن آثاره ما تزال حتى اليوم لم تستقص حصرا أو إحاطة ولأن تاريخ حسن البنا لن يكتب اليوم على الصورة التي يجب أن تستوفي بتا شخصية الرجل ومواقفه من تربية وجهاد ولأن حسن البنا كلما باعدت الأيام بيننا وبين يوم استشهاده كلما ازدادت شخصيته وضوحا وإشراقا وآثاره نورا وبهاء كاللوحة الفنية البديعة كلما ابتعدت عنها .

محملقا في روعتها كلما وضح أمام ناظريك رواؤها , ودقة الإبداع فيها وحقا ما مضي عام إلا ازداد تاريخ حسن البنا وضوحا في ميادين الدعوة الإسلامية وكلما ظهر ما أجراه الله له من خير على يديه للإسلام والمسلمين ولئن كان جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده قد ذكرهما تاريخ الدعوة الإسلامية بخير كل في مجاله , إلا أن حسن البنا لم ينزل يوما في رحاب حاكم , ولم يتقرب إلى حاكم هاجمه يوما لقد كان الأفغاني ومحمد عبده صاحبي كتابة ومؤلفات ولكن حسن البنا هو الذي كشف الأسلوب العملي في الإسلام للمسلمين في القرن الرابع عشر الهجري قولا وعملا , تنفيذا وتطبيقا .

تربية ومعاملة ولئن كان غيره قال وسطر ودرس فإن حسن البنا قرن القول بالعمل بل لعل أسلوبه العملي في مجال الدعوة الإسلامية لم يسبقه فيه أو يصل إليه أحد من الدعاة في القرون الأخيرة فلا تنظر إلى ما أكتبه عنه كأني أؤرخ له أبدا ..

فلست هناك ولكنني أحكي ذكريات رطاب مسعدات عشتها زمنا في رحاب حبيب محبوب أحبه كل غيور على الإسلام وعاداه كل كاره لصحوة الإسلام إن الله وهب حسن البنا من الشخصية الأخاذة ما جعله يفرض احترامه على المحبين والكارهين على السواء وهذا ضرب من ضروب عظمة عظماء التاريخ .

إن آثار حسن البنا لا تفني ولا تبيد , لأنها آثار في حقل البقاء والخلود في حقل الدعوة إلى الله والله حي لا يموت وباق لا يزول وكل من عاش في رحاب هذا الجلال فله من العمل أطيبه ومن الذكر أدومه , لا أكتب عن حسن البنا من خلال رسائله أو محاضراته أو مقالاته فذلك تقييد للعاطفة ولى فعلا معه عاطفة .

لقد ربانا على الحب , الحب الحق العميق , الناصع الطاهر النظيف وكان هذا الحب ولا يزال من اقوي الدعائم التي ذهبت بالإخوان المسلمين صعدا في عالم الوفاء والتضحية والجهاد فدوي اسمهم في كل ناحية من نواحي الأرض حتى أنه لما اشتد عسف البوذيين والهندوك بمسلمي كشمير.

كان مناط أمل أهل كشمير قولهم : سيأتي الإخوان المسلمين غدا ليخلصونا من جور البوذيين إلى هذا الحد تعلقت آمال المسلمين بالإخوان المسلمين في ميادين العمل والتحرير والجهاد .

إن ما أكتبه هنا مجرد ذكريات دعاها الخاطر في لقاءاتي بت وجلساتي معه , هذه اللقاءات التي ما تزال حتى اليم نديه كأنها وليدة الأمس القريب , وزادي على طريق الدعوة الطيبة الطاهرة , هذه اللقاءات التي لا يزال صدي ما دار فيها حافزا على المضي في دعوة الله مهما ثقل العبء وقل العون وكل الجهد , وولي الشباب لقد علمنا كيف نحب كلا بل علمنا الحب نفسه لأنه كان صنيعة الحب وأبوه وأخوه وعشيرته إن العاطفة لن تضل قد يضل العقل ولكن العاطفة لا.

إنها بعيدة واعية حساسة شفافة دقيقة رقيقة , تتآلف مع من تعارف معها على معيار وتنفر ممن خالفها في مسار, ولئن سألت العاطفة لم هذا ولم ذاك فلن تجد عندها تعليلا شافيا لأن من يحب , يجب لأنه أحب , والحب الصحيح لن تجد له مبررا إن الحب إذا قام على سبب فقد يزول بزوال هذا السبب أما الحب الذي يتدفق من أعماق العاطفة في فيض من الولاء والموالاة والبذل والتضحية والعطاء دون توقف على ما في الجهد من ضعف أو قوة في إيثار لا تحده خصاصة فهو الحب الذي لا سبب له إلا الحب نفسه لذلك لم يحب الله إلا من تعلق قلبه بالله ولذاته حتى ولو لم تكن هناك جنة أو نار لقد أحب محمد صلي الله عليه وسلم ربه وبهذا الحب أحب حسن البنا محمد صلي الله عليه وسلم وبهذا الحب أحببنا حسن البنا غراما يتسلسل حلقات هذا الحب, حتى تصل إلى منتهاها مبدعها وموجودها وصاحبها .

أستاذ الجيل

رغبنا في العمل لدعوة الله بصورة لأم يألفها المسلمون بعد عهد الخلفاء الراشدين لم يكن الإخوان المسلمون مع حسن البنا يتسابقون في القيام بالواجبات , لأنها أكثر من الأوقات , كما قال رضي الله عنه ولكنهم كانوا يتسابقون في القيام بأكثر مما يعهد به إليهم, حبا في العمل لأنه لله, وكسبا لمرضاة مرشدهم .

لأن رضاءه يقربهم من الله لأنه ما كان يكلف أحدا إلا بما هو لله خالصا كان الأخ يرسل من المرشد ليزور أخا في بلد ما فما كان الأخ ليكتفي بهذا الواجب فقط ولكنه كان يقوم بأكثر من زيارة في ذلك البلد هذا إذا لم يعقد أكثر من اجتماع في مساجد ذلك البلد ,

يبلغ فيها دعوة الله , كل ذلك ليعود بحصيلة يحبها المرشد وكان هذا يسعد فضيلته وكان كل واحد منا حريصا على إدخال السرور إلى قلب المرشد ما استطاع إلى ذلك سبيلا , كان يرسل الأخ لتحصيل اشتراكات منطقة ما فكان الأخ يوسع دائرة عمله هذا حتى يعود بأكثر مما أرسل من أجله مهما كلفه ذلك من جهد ووقت وكان البعض يتحمل نفقات هذه الزيارات والأعمال دون من أن يكلف الجماعة قرشا واحدا.

كان يتقدم لأحدنا مثلا شيئا يعلم أنه يحبه فيرسل هذا الأخ ما أهداه أول مرة , وقد حدث شئ مثل هذا أكثر من مرة داخل السجون والمعتقلات وبنفس العاطفة وهكذا تنتقل الحسينة من يد إلى يد حتى تعود إلى من أهديت إليه أول الأمر هكذا كنا وكان هذا من أسرار قوتنا وتقدمنا ولن نعود إلى ما كنا عليه من قوة ومكانة إلا إذا عدنا إلى ما كنا عليه من عاطفة وإيثار لا يودعهما الله قلوبا عاملة مخلصة مصطفاه مجتباه وذلك الفضل من الله لقد كانت العواطف الصادقة المتبادلة بين الإخوان المسلمين مثار الدهشة والغرابة عند الناس إذا مرض أخ عاده أخوه لأنها سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم المطبقة من الإخوان في دقة وعناية .

إذا مات أخ كان تشييع جنازته مظهرا من أكبر مظاهر الوفاء وكذلك إذا عقد قرأن تزاحم الإخوان في تهيئة أخي أخيهم والقيام بكل ما تقتضيه مثل هذه المناسبات .


علمنا حسن البنا حقيقة بالواجب وصورته في إتقان بالغ . فأصبح الأخ المسلم في محيطه علما على أداء الواجب في أكمل صورته , وكان ف يعمله المحور الذي يلتف حوله كل العاملين في ذلك الموقع حتى ولو لم يكونوا من الإخوان المسلمين كانوا يثقون في أمانته , في صدقه .

في حكمته في كفاءته في عدم إفشاء أسرارهم في تغطية تقصير اتهم في الدفاع عن أخطائهم والتسامي فوق سقطاتهم حتى رؤساء الأجهزة التي يعمل فيها أخ كانوا ينزلونه من أنفسهم منزلة الاحترام والتقدير والإكبار لما عرف عن تلامذة حسن البنا من أنهم يستحقون ذلك أو أكثر وقد صرح أحد كبار رجال الأعمال في حفل طلابي بالإسكندرية أن السبب في ثبات مؤسساته ونجاحها بعود الفضل فيه بعد الله إلى الإخوان المسلمين لأنهم كانوا كثرة موظفيه في مؤسساته وقد نشر ذلك في الصحف اليومية في حينه ذهبت في سنة 1971 مع قريب لزيارة رئيس إدارة النيابات لأن البوليس من أذناب عبد الناصر قد وضعني في عداد المشبوهين وأعطاني إنذار اشتباه لأنني في نظرهم من الأشرار وأعطاني دفترا ليوقع فيه العساكر في جوف الليل عندما يقلقونهم من نومهم ليتمموا عليهم هكذا عاملني رجال المباحث من أذناب عبد الناصر وما كنت متضررا من الوضع , ولكن قريبي حملني حملا على الذهاب معه إلى صديقه رئيس إدارة النيابات مبلغا إياه أن هذا إجراء غير قانوني بفتوي مجلس الدولة واستجاب رئيس إدارة النيابات وألغي الإنذار الذي كان يحمل في ظاهره محنة ورحمة حمتني من الاستجابة إلى عشرات الدعوات من الأقارب والصحاب عقب خروجي من السجن ليس هذا هو المهم إنما الذي عناني لذكر هذه الواقعة أننا أثناء وجودنا في مكتب رئيس النيابات دخل احد أعضاء النيابة الذين يعملون معه وطلب في انفعال أن يغير له الساعي الذي يجلس على باب مكتبه فلما سأله عن السبب أخبره أن هذا الساعي لا يرضي أن يحضر له سجائره وجرائده وما إليها من خصوصياته بحجة أنه يتناول مرتبه من الحكومة للقيام بالأعمال المصلحية لا الخدمات الخاصة

وكان رئيس لإدارة النيابات حصيفا فقال لوكيل النيابة : لك ما طلبت فورا , فاني في حاجة إلى مثل هذا الرجل الذي يعرف واجبه ويعتد بكرامته رغم صغر وظيفته , وحرصت على معرفة السر فتوجهت إلى ذلك الساعي لأحييه فإذا به من جماعة الإخوان المسلمين .

فسألته عن سبب تصرفه السليم , فأخبرني أن حسن البنا طلب منه أن يحترم رؤساءه وأن يحترم نفسه أمام رؤسائه بأدوار واجبه نحوهم في أدب ولياقة وحصافة فيعطيه ما لهم على الوجه الأكمل ويترفع عن القيام بالأعمال التي لا تليق بالأخ المسلم الكريم , هكذا علم حسن البنا الإخوان المسلمين وقومهم ورباهم وهذبهم .

يتأدبون مع الصغير والكبير , ويحترمون الصغير والكبير لا يحنون الجباه أمام كبير , ولا تعالون على من هم دونهم , إن حسن البنا لم يبتدع هذا الأسلوب ولكنه جاء به من دين الله وأقامهم عليه وحببه إليهم وقربه من نفوسهم حتى أصبح خلقا من أخلاقهم أعانهم على الكثير مما لا قوه في سبيل الدعوة إلى الله صابرين محتسبين.

إن حسن البنا أستاذ الجيل بغير منازع أستاذه في كل شئ لما تمت مؤامرة الصليبية مع مصطفي كمال وألغيت الخلافة الإسلامية وتشتت شمل المسلمين . كل بلد إسلامي بقومية معينة , وملك أجير باع دينه بدنياه .

ورئيس سمه ما شئت وأطلق عليه من الأوصاف غير اللائق ما أردت لما انحدرت إلينا العلمانية عقب إلغاء الخلافة .

ولما خلعت نساء مصر حجاب الحياء وسرن في الطرقات غير محتشمات بفضل الزعيم المحترف سعد زغلول الذي تربي في صالون الأميرة نازلي وهو الصالون الذي كان يتخرج فيه وزراء ذلك الزمان لما انتشرت مظاهرة تعاليم الإسلام بشكل ينذر بالخطر لما أحس كل غيور على دينه بداهية العلمانية تزحف على مصر بفضل بعض العلمانيين غير المسلمين من سوريا والعراق و لبنان متسربلين بسراويل القومية والنعرة الوطنية الكاذبة لما استشري هذا الوباء وسكت كل من في الأزهر ووقفوا يتفرجون على هذا الشر المستطير وكأن الأمر لا يعنيهم وحسهم الفرجيات المبرقشة كذيل الطاووس يخبون فى ألوانها الزاهية ليلة القدر إلى درا المندوب السامي يحيونها هناك لما دهم مصر كل هذا البلاء المريع قان الفتي العملاق المتخرج من دار العلوم دراسة وربيب كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام فقها وفهما , وواقعا وعملا وتطبيقا وتنفيذا وقام حسن البنا المرشد الأسبق للإخوان المسلمين رضي الله عنه قام يهيب بالمسلمين أن أفيقوا فسيل الإلحاد ينحدر صوبكم من كل جانب اجمعوا أمركم واتبعوا نبيكم وتمسكوا بدينكم فلا منجاة لنا إلا ذاك.

وكان الرجل صادقا وكان عزمه خارقا وكانت حركته مخلصة خالصة تقبلها الشباب بقبول طيب مشجع وبارك الله في الشباب دائما وأبدأ ,وأصبحت الله أكبر ولله الحمد , يقولها الإخوان عاملين, ويقولها غيرهم مقلدين تدوي في كل مكان , فزلزلت استعمارا وهزت عروشا وأيقظت أذهانا وأحيت آمالا وحركت همما وفتحت طريق العمل الواضح السليم وتغير حال مصر فبعد أن كانت المساجد لا يرتادها إلا العجزة والكهول وأرباب المعاشات غدت عامرة بالشباب الناضج الزاهي حتى ضاقت بروادها , فكانوا يصلون على الجرائد في الطرقات حول المساجد من قدم هذا الإشراق الكريم ؟

إنه حسن البنا أليست هذه أستاذية لم يحظ بتا سواه في القرن الرابع عشر الهجري أجل إنها أستاذية حقا لا نقولها تشيعا ولا تعصبا ولكنها الواقع الذي عاش فيه المصريون منذ أن قام فيهم حسن البنا منذرا ومحذرا .

داعية فوق المساومات

إنه أستاذ الجيل بلا نزاع لأن العمال بدئوا يشعرون بوجودهم وحقوقهم لما نبههم إليها في توجيهاته وندواته بدأ الفلاحون يعرفون أن لهم وجودا وحقوقا عندما كان يزروهم في قراهم وحقولهم وبدأ الطلاب يعرفون واجبهم الصحيح وطريقهم الحق .

لا ذلك التهريج الذي أشاعه بينهم دعاة الإضراب النفعين بدأوا يعرفون أن عليهم حقوقا يجب أن تؤدي على أرض هذا الوطن المسلم وأن لهم حقوقا يجب أن يستمتعوا بها , ليست التصفيق والهتافات والمظاهرات ولكن أولها تغيير برامج التعليم الاستعماري العلماني التافهة التي لم تقدم للوطن شبابا ينفعه ويدافع عنه ويحميه وشعر الاستعمار بخطورة هذا الداعية النبيل فأحب أولا أن يحتويه فطلبت السفارة البريطانية أن يلقي محاضرة عن الديمقراطية في المذياع في مقابل خمسة آلاف جنيه ,

وأنت لا تستطيع اليوم أن تدرك معني خمسة آلاف من الجنيهات في ذلك الوقت فقال لهم الرجل على الرحب والسعة , وبلا مقابل حسب فهمي وتصوري لهذا الذي تسمونه ديمقراطية . قالوا : لا , ولكن حسب فهم بريطانيا وحلفائها فقط ولو خالف ذلك كل معروف مألوف .

قال : إليكم عني إذا فقد ضللتم الطريق وأخطأتم التقدير ولما عجز الاستعمار عن احتواء الرجل وإيقاف المد الإسلامي الذي أرسله حسن البنا من سم الخياط الفكري في ذلك الحين , أغروا به القصر الملكي في عهد فاروق فاغتالوه عيانا بيانا في أكثر شوارع القاهرة حركة بعد أن أعدت الدولة بأسرها عداتها لهذا الاغتيال دولة بأسرها تتآمر ضد رجل أعزل من مواطنيها !ّ

يا لها من دولة تافهة حقيرة ! ويا له من ملك صغير ويا له من رئيس وزارة تافة حقيرة ! ويا له من رجل! أى رجل ! تلقي في جسده الضيئل الواهي سبع رصاصات قويا فنزل من السيارة ينزف دما غزيرا كريما , ويطلب الإسعاف من تليفون جمعية الشبان المسلمين , فتنقله إلى القصر العيني وهناك صدرت أوامر فاروق إلى أطباء القصر العيني بعدم إسعافه ,

وترك أولئك الأطباء الشجعان رسل الإنسانية تركوا دم الشهيد ينزف أمام أعينهم قطرة قطرة , ومع كل قطرة لعنة رأس فاروق وأطبائه الجبناء الذين خانوا أمانتهم الإنسانية من أجل دراهم معدودة يتقاضونها كل شهر لم ينقذوا جريحا كان في الإمكان أن ينجو لو كان في القصر العيني أطباء رجال , ولكنها إرادة الله التي أبت إلا أن يحقق لحسن البنا أعز أمانيه التي تمناها , ودعا الشباب لطلبها ( والموت في سبيل أسمي أمانينا) أليست هذه أستاذية الجيل بأكمله ! هل تجنينا الحقيقة ووصفنا أستاذنا بما هو ليس له أهل .

إنه أستاذ الجيل بلا شك فقد كان عالم مشغولا براتبه ودرجته وترقيته . ثم راحته وأجازته السنوية كل هذا ما كان يعني حسن البنا في شئ لم يلق إليه بالا .

لم يهتم بت لحظة , لم ينشغل به هنيهة كانت كل ماديات الحياة عنده في المرتبة الأخيرة , وما كان يعنيه إلا الدعوة إلى الله ,والعمل المتواصل لنشرها فإذا ما أهل الصيف وبدأت الإجازة السنوية شد رحاله إلى الصعيد , بدءا من أسوان إلى كل أحضان الجبال بما فيها من عقارب وفئران وكفور ونجوع على قدميه عشرات الأميال مرة على حمار أعجف

مرة على معدية مترنحة مفككة مرة , لا يحول بينه وبين تبليغ الدعوة ونشرها بين الناس جميعا حائل أو مانع , يكفيه أقل الطعام كما وكيفا , كان قليل الرغبة في الطعام , فإذا ما دعي إلى مائدة دسمة شهية , أسرع إلى الجلوس بجواره الدباغون من شباب الإخوان , أمثال فلان وفلان , ورحم الله منهم من مات , أطال عمر الباقين في حسن العمل ذلك لأن الداعي كان يكدس لحم الضأن والدجاج أمام فضيلته فتتسرب هذه الكميات الهائلة من بين يديه يمينا وشمالا على الذين يحفون به من الجائعين ,

أما هو فيكفيه من الطعام ما يقيم صلبه ويظل في هذه الرحلة المرهقة حتى تنتهي شهور الإجازة فيعود إلى القاهرة ليبدأ رحلة الشتاء في أرجاء الوجه البحري أيام الجمع والإجازات الرسمية وأذكر أنني والإخوان صلينا معه الفجر على رصيف محطة طنطا والمطر يتساقط رذاذا خفيفا واهنا وكنا بذلك جد سعداء ومن طرائف هذه الزيارة أن الإخوان جميعا ومعهم الحبيب الغالي المرشد حسن البنا باتوا على الحصير في جامع أنشأه المرحوم عبد الحميد باشا الدمياطي , وكان الإمام يعلم أني لا أستطيع النوم على حصير ثم جاء عبد الناصر فأنامنا على الأسفلت كان يعلم ضعف احتمالي لقسوة الحصير فطلب من الدماطي , وكان الإمام يعلم أني لا أستطيع النوم على الحصير فطلب من الدماطي باشا أن يهيئ لي ولشيخين من شباب الإخوان كانا ما يزالان في دور الطلب فراشا وثيرا .

ونفذ الرجل رغبة فضيلته ودلفنا ثلاثتنا . أنا والشيخان الشابان إلى حجرة نوم فاخرة لنا مؤثثة تأثيثا ما كان لي ولا للشيخين بها عهد من قبل فقد كنا ثلاثتنا دون المتوسط من الناحية المالية و, وما أن تركنا صاحب الدار لننام حتى تنهدأ أحد الشيخين محوقلا , قلت :

ماذا بك ؟ قال : هذه الأموال التي أنفقت في تأثيث هذه الحجرة أما كان من الأولي أن تنفق في سبيل الدعوة إلى الله ؟ قلت : هون عليك يا رجل . ها أنت قد حضرت أنت ومن معك من القاهرة , لتقول كلمة في دعوة الله , أراد الله أن يكرمك فنمت في حجرة وعلى فراش ما كنت تحلم به أنت ولا أنا ولا ثالثنا بالنوم في مثل فراشها الوثير ألا يثاب صاحبها أن آوانا إليها في هذا الجو البارد ؟

فسكت الشيخ وما أظنه سكت راضيا , وتمر الأيام والسنون ويتولي هذا الشيخ منصبا كبيرا , وألم به مرض فذهبت أعوده , ودخلت إلى حجرة نومه حيث يرقد وكانت فاخرة الأثاث فما تمالكت نفسي أن حوقلت ,والشيخ ذكري أريب .

أدرك على الفور من هذه الحوقلة التي عادت بنا إلى الوراء عشرات السنين فقال على الفور : يا أستاذ عمر أسكت . قلت : حاضر , أما الشيخ الآخر فقد وصل إلى عمادة إحدي الكليات الأزهر الشريف .

أطال الله حياتهما ومتعهما بالصحة والعافية وغفر الله لى ولهما وهكذا الناس ينكرون على الناس ما هم فيه باسم الدين , فإذا وصل بهم الحال إلى ما أنكروه بالأمس استطابوه اليوم وأخلدوا إليه ورضوه ولله في حلقه شئون .

إنه أستاذ الجيل بلا ريب , ربي شباب جيله تربية إسلامية سامية سالكا أسلوب رسول الله صلي الله عليه وسلم في الدعوة والتربية يبلغ رسول الله صلي عليه وسلم دعوته إلى الناس جميعا ,وهذا هو الواجب الأول للرسول صلي الله عليه وسلم :" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس .."

فإذا بلغ الرسالة وأقام أتباعه عليها أقامهم فيها وغذاهم بمعانيها حتى تنتقل الدعوة من مرحلة القول إلى مرحلة العمل وعلى هذا الغرار النبوي سار حسن البنا , فكان يدعو الشباب إلى تعاليم واضحة وقواعد راسخة , وأصول مفصلة , حتى إذا ما استوعبوها بدأ معهم مرحلة التطبيق والتربية .

وهذا هو طريق الإسلام التبليغ فالالتزام فالتطبيق , أما الذين يقولون اليوم بإصلاح المجتمع أولا ثم تطبيق الشريعة

ثانيا , فإني واثق بأنهم لا يؤمنون بصواب ما يقولون ولكنهم طلب منهم أن يقولوا هذا الذي وضع على ألأسنتهم فحركوا أقلامهم بها وإلا فكيف يصلح المجتمع أولا وعلى أية قواعد يقوم هذا الإصلاح وبأى المناهج يكون إصلاحه ؟

وبأى الأساليب يقوم إصلاح هذا المجتمع ؟ إن كان الإصلاح الأولي على غير تعاليم الإسلام فكيف يطلب من الناس أن يتركوا ما صلح عليه حالهم

– هذا إن تحقق إصلاح عن غير طريق الإسلام

– وهذا لن يكون ..

وإن كان إصلاح المجتمع على قاعدة إسلامية فهذا هو التطبيق المنشود وبهذا يتضح تماما أنه لن ينصلح حال المجتمع إلا إذا قام هذا الإصلاح على أصول من شرع الله وهذا هو الطريق القويم الذي اتبعه حسن البنا مع الشباب الذي اجتمع عليه تأسيا برسول الله صلي الله عليه وسلم .

صمود الإخوان أمام الباطل

وصحت الطريقة السلفية في تربية شباب الجيل. ففهموا دينهم فهما دقيقا سليما مبسطا , تعصب فيه ذد أحد , لا كراهية فيه لأحد لا تهجم فيه على أحد لا إكراه فيه على أحد , بل إن كل الجمعيات الدينية التي هاجمت جماعة الإخوان المسلمين وتناولتهم بما لا يحمل برجال الدعوات حتى مشايخ الأزهر لم يتورعوا عن إصدار كتاب أسموه ( الإخوان الشياطين ) تلبية لأمر حاكمهم جمال عبد الناصر الذي طالما تندر بهم فخافه ولم يخافوا الله , فوكلهم الله إليه.

ففعل بهم الأفاعيل استخفافا واستهتار واستهانة ومع ذلك فلم يجرؤ واحد منهم أن يقول لذلك الطاغية الذي استخف بهم جميعا كلمة لا ترضيه أما الذين رباهم حسن البنا سواء كانوا مغممين أو مطربشين , فهم وحدهم الذين وقفوا في وجه عبد الناصر خافوا الله فيه , ولم يخافوه في الله .

فكان ما كان مما لم يرد له التاريخ مثيلا في البشاعة والفظاعة والإسفاف , كل أولئك هاجموا جماعة الإخوان المسلمين فلم يقابلهم الإخوان بمثل ما فعلوا ولكنهم دفعوا السيئة بالحسنة ليكون لهم جزاء المحسنين .


إنه أستاذ الجيل على التحقيق لأن الشباب الذي رباه [حسن البنا] . هو الشباب الذي بهر العالم كله أثناء حرب العصابات على أرض فلسطين لقد كان لهذا الشباب من المواقف والإنجازات ما عجزت عنه الجيوش الحكومية من الدول الإسلامية مجتمعة إن الشباب الذي رباه حسن البنا خرج يجاهد في سبيل الله لم يخرج عصبية ولا قومية ولا وطنية كلها لن تكون في سبيل الله لهذا المعني العميق الجليل كان السبعة او الثمانية من مجاهدي الإخوان يستولون على المستوطنة اليهودية ويسلمونها للجيوش الحكومية فإذا ما علم اليهود بهذا.

هاجموا الجيش الحكومي واستردوا منه المستوطنة وما كان الإخوان ليضنوا على تلك الجيوش باستعادة المستوطنة اليهودية مرة أخري من يد اليهود وتسليمها للجيوش الحكومية مرة أخري والسر في ذلك أن الشباب الذي رباه حسن البنا ,كان يجاهد في سبيل الله , ولتكون كلمة الله هي العليا :"

والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " أما جيوش الحكومات الإسلامية فكانت تحارب عصبية أو قومية أو وطنية وحتى هذه المعاني التافهة لم يكن ورؤساء البلاد الإسلامية صادين ولا مخلصين فيها بدليل النتائج وما كشف عنه التاريخ اليوم .

وما خفي كان أسوأ والجهاد في هذه المعاني الأخيرة ليس جهادا في سبيل الله ثم أتدري ماذا كان جزاء الإخوان المسلمين الذين رفعوا رءوس المسلمين بجهادهم وتضحياتهم كان جزاؤهم عند فاروق ملك مصر ووزيره النقراشي قبضوا على الإخوان وهم في الميدان واعتقلوهم وهم يجاهدون ومنعوهم من الجهاد وهم في ميادين الجهاد .. وتم لإسرائيل ما تريد بفضل فاروق والنقراشي .

إنه أستاذ الجيل على وجه القطع واليقين, فقد كانت جهوده ورحلاته ودعايته في جميع أرجاء مصر بنفسه شخصيا ودعوته الأتي أقام لها شعبا في كل قرية وبندر سهره المتوالي ومواصلته ليلا نهارا دون كلل أو ملل كأنما هو موهوب بمدد من عند الله ,كل ذلك كان السبب الأول والأخير السبب الوحيد ولا سبب غيره , في تهيئة الأذهان لتقبل ى تغيير لحكم فاروق في رضي واستبشار .

إن كثيرا من الضباط ألأحرار أن عز عليهم أن أقول إنهم تتلمذوا على يد حسن البنا فلا أقل , وهو أضعف الإيمان من ا،هم التقوا بحسن البنا وسمعوا منه , وأخذوا عنه ,

وإن كانوا ينكرون هذا الفضل بعد نجاح الانقلاب إن جهود الضباط الأحرار كانت فردية وسرية قاصرة عليهم وعلى من يضمونهم إليهم من الضباط وما كان الشعب على علم بها لأنها كانت مستخفية بين الضباط لا يحس بها الشعب ولا يدري عنها شيئا أما حسن البنا فهو الذي كان يكشف جرائم الأحزاب والإقطاع والملك والاستعمار علانية في كل كتاباته وخطبه وكلماته وحفلاته ومجتمعاته حتى تنبهت الأذهان وتكونت المفاهيم وتبين المصريون سوء وفساد ما هم عليه من أوضاع سياسية واقتصادية وخلقية وعقيديه فما أن تحرك الجيش من ثكناته حتى استقبله الشعب بفضل الله ثم دعاية وجهود حسن البنا محييا ومرحبا وحتى لما خابت آمال الأمة في جمال عبد الناصر والكثيرين ممن معه حتى لما استفحل ظلم الضباط الأحرار تحت قيادة جمال عبد الناصر كان الناس يعيرون الإخوان المسلمين بأنهم السبب في نجاح حركة الجيش الانقلابية لقد وصل حال صر ف يعهد فاروق وأحزابه إلى إلى الحد الذي كان لابد معه من تغيير.

وحصل التغيير عن طريق الانقلاب الذي قام بت الجيش ولئن كان الانقلاب قد وصل بنا إلى ما نعانيه اليوم بسبب جرائم عبد الناصر , فالله وحده هو الذي يعلم ماذا كان الحال سيكون لو اتبع الجيش نصائح الإخوان وتوجيهاتهم ولكن لما كان تولي غير المتمرسين بإدارة الشئون المدنية هو ما نراه واقعا في حياتنا اليوم من كل نواحيها فما من شك أن مفهوم المخالفة منطقيا يقضي بأن الحال كان سيكون خيرا مما هو عليه اليوم بكثير.

إن الانقلاب الذي تم لم تكن تحوطه المخاطر , ولا حمل الرءوس على الأكف. كما أدعي جمال سالم يوما , بل كان سهلا ميسرا , نتيجة جهود حسن البنا التي مهدت لهذا الانقلاب منذ سنوات طوال , ولولا أن إرادة الله جاءت به في تلك الفترة المهيأة بجهود حسن البنا , لما كان لهذا الانقلاب من وجود . ورغم هذا الفضل من الله على الإخوان المسلمين فإن مجلس قيادة الثورة – كما سمي نفسه – جازي الإخوان أسوأ جزاء . وهم أصحاب الفضل فيما وصلوا إليه .

إنهم جميعا مسئولون عما لحق الشعب عامة والإخوان خاصة من نكبات وويلات لن يفلت واحد منهم من المسئولية, العسيرة أما م الشعب والتاريخ ثم أحكم الحاكمين وأعدل العادلين. إنهم جميعا خافوه , فاستهان بهم أولا .

ثم استبعدهم واحدا أثرا واحد من مراكز المسئولية , وسلمها لمحاسيبه ومن اصطنعهم هو بنفسه ليكونوا أدوات ظلمه وجبروته دون مراجعة ولا سؤال . لقد كان في إمكانهم أن يقفوا جميعا في وجه .

خاصة وأنهم يصفون أنفسهم بأنهم المغاوري الذين وضعوا رؤوسهم على أكفهم يوم أن خرجوا من ثكناتهم, محمية ظهورهم. بشعب واعي واستيقظ بفضل الله ثم بحسن البنا , لقد استغلوا أثر دعوة أستاذ الجيل عند الشعب فسموها ثورة .

وسموها فدائية , وسموها تضحية , وسموها ما شاءت ألفاظ اللغة من تعبيرات طنانة رنانة , أصحاب الأثر الصحيح صامتون لا يمنون على الشعب بما قدموه لأن أستاذهم , أستاذ الجيل , علمهم أن المن يفسد الإحسان , وأن الله الذي سيحاسب هو وحده العليم بعابده المفسد منهم والمصلح . هذه هي الأستاذية الحقة التي جاءت بآثار كبار في كل من نواحي الحياة في مصر .

روح يسري في كل البقاع

وإذا تركنا آثار هذه الأستاذية في مصر فتعال فتتبع آثارها على الصعيد العالمي كله ... أمريكا – أوربا _- آسيا – إفريقيا – استراليا في كل قارة من قارات الأرض تقوم اليوم شعب من شعب الإخوان المسلمين , تدعو بدعوتهم وتتبع أساليبهم وتقتفي أثر نظمهم , وتهتف بهتافاتهم . في كل قارة من قارات الأرض شباب من الإخوان المسلمين.

يتزعمهم حسن البنا وحسن الهضيبي كمرشد للإخوان المسلمين ويتدارسون رسائل الإمام الشهيد , ويتتلمذون على كتبه ويدرسون في مدرسته إن العالم كله مسلميه وغير مسلميه , وينظر إلى كل حركة إسلامية , إلى كل نشاط إسلامي , إلى كل دعوة إسلامية , ينظرون إليها كلها , على أنها من صنع الإخوان المسلمين , أو على الأقل تأخذ بتعاليمهم , وتطبق مبادئهم ذلك لأن الشباب حركة وحياة وفاعلية , والجهاد في الإسلام حركة – وحياة وفاعلية, لأن تمام الأمر في هذا الدين هذه الفريضة – الماضية إلى يوم القيامة سكت عنها كل كتاب ودعاة الإسلام في القرون الأخيرة ولم يحيها إلا أستاذ الجيل حسن البنا .

ارجع بذاكرتك إلى مئات السنين الأخيرة , لن تجد داعية جعل الجهاد من أركانه دعوته . إن حسن البنا وحده من بين دعاة القرون الأخيرة هو الذي دعا إلى إحياء هذه الفريضة , يوم أن نادي على رؤوس الأشهاد ( الجهاد سبيلنا) إنه لم يقلها شعارا ولم يتخذها دثارا , ولم يشغل الناس بلفظها دون معناها .

إنه يوم أن نادي بالجهاد سبيلا للإخوان المسلمين , طبقه على نفسه قبل أن يطالب به أحدا , فكان أول من لبس ملابس لجوالة في الإخوان المسلمين , وكان أول من تدرب على استعمال السلاح استعدادا لتحرير فلسطين , وأول من شارك في تدريبات الإخوان على مختلف أنواعها وأشكالها.

إن غرس في نفوس الشباب حب الجهاد , ملأ هذا الإحساس بالقوة نفوس الشباب المسلم في كافة أنحاء الأرض الإسلامية, يحرك من ركودها وبغير من أوضاعها , ويبعد عنها تواكلها , ويطبع الشباب المسلم بطابع الرجولة الحقة , والفدائية الصادقة والتضحية الحقة المستمرة استشهد أحد أبناء الإخوان في فلسطين , فذهب محيي الجهاد في نفوس المسلمين إلى والد الشهيد ليعزيه في شهيده , فانبهر الناس وهم يسمعون والد الشهيد يقول لمحيي الجهاد :

إن كنت جئت لتعزيني فارجع أنت ومن معك . وأما إن كنت جئت لتهنئني فمرحبا بك وبمن معك لقد كشفت لنا عما في هذه الفريضة . دنيويا وأخرويا وإذا كان الله قد تفضل على وأكرمني باستشهاد واحد من أبنائي في سبيله , فقد كان بفضل تعريفك لنا بالجهاد , وإني حريص على مضاعفة الأجر فها هو ولدي الثاني أقسمت عليك لتصحبنه إلى ميادين الجهاد , وانهمرت دموع , وعلا تشنج وتصاعدت زفرات ,وارتج على الإمام الشهيد .

من روعة الموقف وهو النصيح اللبيب, فلم يسعفه بيانه الفياض بكلمة يحيي بها هذا المؤمن الكريم هذه هي الأستاذية لمن يريد الأستاذية الحقة .

أما القول .. فما أكثره , وأما اللفظ .. فما أيسره , وأما الشعارات .. فما أهونها , وعلى الرجال حمل السيوف وعلى الغانيات جر الذيول .

إن حسن البنا لن يكون تاريخا يوم من الأيام , التاريخ يتحدث عن رجال كان همهم الدنيا فهذا قائد عسكري دوخ أعداءه , وهذا قائد بحري شتت شمل سفن خصومه , وهذا اقتصادي نابغة في فنون المال ... وهذا وهذا وهذا .

أولئك هم الذين يتحدث التاريخ عنهم . أما الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والسالكون طريقهم والعاملون في سبيل دعوتهم فليس التاريخ أكبر همهم إنهم جمعوا الناس على الهدي بالهدي لإصلاح الدنيا والآخرة , وإذا كانت الدنيا فانية وزائلة – يفني معها المعنيون بها , فإن الآخرة هي دار القرار .

هي التي أعدها الله لمن أحسن عملا . وإذا العمل الطيب , بالترحال في الأرض في حدود الحل والحرمة فقد ضمن لنفسه خلود الذكر في الدنيا وعلو الدرجة في الآخرة .

لهذا لن يكون الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ودعاتهم تاريخا يتلي ويقرأ , ولكنهم كانوا وظلوا إلى اليوم حياة يحياها البلايين من البشر إيمانا واتباعا وتطبيقا وتنفيذا .

ألا تري أن محمد صلي الله عليه وسلم يتردد اسمه في كل ثانية في ساعات الليل والنهار على كل خطوط الطول متتالية والشمس تشرق عليها بالتوالي ثانية بثانية, وفي كل دقيقة آذان وفي كل آذان ذكر لاسم رسول الله عليه الصلاة والسلام فهل تري أن هذا ضرب من ضروب التاريخ أم أنها الحياة المتواصلة بكل معانيها لمن كان يريد الحياة بكل معانيها .

إن حسن البنا اقتفي أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا وإيمانا والمرء مع من أحب كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يكون حسن البنا تاريخا أبدا ..

إنه حياة نابضة في نفس كل من انتظم في صفوف الإخوان المسلمين , وهؤلاء بفضل الله أحياء , يسلم الأمانة لمن بعدهم كابرا عن كابر , إذا مات أخ قام أخ آخر حتى تقوم الساعة أليست هذه الحياة ؟

وماذا بعد الحياة إلا الفناء وما ذا بعد الحق إلا الضلال .

إن الإمام الشهيد , كخلق سوي , لم يفق أحد في شئ , لم يكن بالفارع .. يلفت الأنظار بطوله وجسامته , كان أقرب إلى القصر منه إلى الطول , ولكن كان أطول الناس قامة يقصر إلى جانبه مهابة . مليح القسمات .

لعينيه بريق يلتمع فيه الذكاء , تسعد العين بالنظر إليه , وترتاح النفس إلى القرب منه , ولكنها ملاحة الرجل التي يلتمس من وضاءتها الخير الكثير ولم يكن رخيم الصوت ولكنه واضح المخارج عذب الإرسال , له في قراءة القرآن نغم خاشع يحملك إلى الاستماع إليه بكل حواسك , وإذا تحدث ملك الأسماع , وصمت المجلس كله وإذا اعتلي المنبر فالفصاحة والبيان وعفة اللفظ , وطهر اللسان وجرأة الحق .

وثبات الجنان , ويطول به الكلام في الخطبة الواحدة ساعات, فيزداد الشوق في نفوس السامعين إلى المزيد وألا ينتهي الكلام , لم تكن كتاباته ولا خطبه محلاة بالقناعة اللفظية أو البلاغة من استعارة وكناية وتشبيه , وما إلى هذه المحسنات البلاغية ينطلق كالسهم فيصل إلى غايته صادق القول واضح الحجة قوي البرهان .

لا تعمل .. لا تكلف , تشعر وأنت تصغي إليه أن الأفكار تتزاحم على شفتي لسانه وكان لسانه الحر الصادق خير معوان له على الإفصاح عن كل ما يريد التحدث عنه في روية وتدفق واتزان ما كان يعني بمظهره كثيرا ولكنه ما لبس عباءة ولا ارتدي بذلة , ولا اكتسي جلبابا إلا وكان مثال الأناقة والرواء من أن يتكلف لذلك أى لون من ألوان التكلف وحمي الله حسن البنا أن يكون متكلفا , كانت معه في رحلاته حقيبة جلدية صغيرة فيها زجاجة الشبراويشي الـ 555 ومشطه ومصحفه الذي كثيرا ما كان يودعه في جيبه بدلا من حقيبته .

عطاء كامل لدعوته

كانت له ذاكرة غير مألوفة من قوتها , إذا سأل أخا عن اسمه مرة وابنه وأبيه وعمله ثم التقي به بعد أشهر طوال حياه باسمه وسأله عن والده فلان وأبنه فلان وكان ذلك مثار العجب عند الجميع , ولو علمت عدد شعب الإخوان أيام حياته ولكل شعبة مسئول ثم هو بعد ذلك يعرف كل مسئول عن كل شعبة وهو الذي يعرف الآخرين بهم لأذهلتك هذه الذاكرة الجبارة التي ما ضاقت يوما عن اسم أو غاب عنها حدث مهما طال بت الزمن كانت هذه الذاكرة تواتيه بالوقائع على وجهها الصحيح إذا أراد مجادل أو يحاور أو يكابر فيرده إلى الواقعة بزمانها ومكانها وأفرادها وملابساتها كأنما يقرأ من كتاب بلا تحد ولا محاولة إحراج ولكنه الإقناع المترفق حتى ليظن العائد إلى الحق أنه هو الحق , كما كانت هذه الذاكرة المتوقدة سببا في إزالة الكثير من الشماكل بين الإخوان إذا ما رجعوا إليه , وإذا ما دعا الأمر إلى سرد أحداث معينة سردها كأنما تسمعها من شريط مسجل .

أما دأبه وسعيه في أمره إلى غايته مهما توعر الطريق الهدف بعيدا فقد كان من أبرز صفاته المعروفة عنه , وكانت الناحية المالية ضئيلة الجانب عند الإخوان , فلم يكن لأحدهم سيارة خاصة في ذلك الوقت إلا الأستاذ منبر دله وصمم أستاذ الجيل على شراء مركز عام للإخوان رغم حالة الإخوان المالية المتواضعة, وتخير الدار وتحدد الثمن بثمانية آلاف جنيه .

وليس في جيب الإمام الشهيد ثمانية آلاف باره ولكنه أقدم على كتابة العقد الابتدائي وجند نفسه والإخوان فساحوا في البلاد وما هو إلا أسبوع وثانيه حتى كان العقد مسجلا والثمن مدفوعا والدار تأثثت وأصبحت المركز العام للإخوان المسلمين في ميدان أحمد عمر بالحلمية الجديدة وقد استولت عليها الحكومة مرة ثم أعادتها ثم استولي عليها عبد الناصر قوة واقتدارا وما تزال حتى اليوم مقرا لقسم شرطة الدرب الأحمر .

والجدير بالحكم القائم أن يعيد هذه الدار إلى أصحابها تنفيذا لشعار العلم والإيمان , ولقد كانت هذه الدار المأوي الأمين الحنون للكثير من أحرار المسلمين في البلاد الإسلامية أمثال :

الحبيب بورقيبة الذي تنكر للإخوان الذين طالما آووه في دارهم تلك يوم أن كان في حاجة إلى مكان يأويه وكان من نزلائها المرحوم علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال في المغرب والمرحوم السيد أمين الحسيني والمرحوم عليم الله الصديقي من مجاهدي الهند والمرحوم هواري بومدين الجزائري وكثير غير هم وكان بعضهم حيث كان يلقي المحاضرات في تلك الدار وعرفت تلك الدار بدار دروس الثلاثاء حيث كان يؤمها الإخوان وغيرهم من جميع أرجاء القطر من بعد صلاة المغرب إلى ما بعد صلاة العشاء بكثير وكان فضيلته يتولي هذه الدروس إن كان موجودا في القاهرة وإن كان على سفر أو موعد تولي الدروس أحد الإخوان ولا يمكن أن يتصور الإنسان مدي الحسرة التي كانت تنتاب الإخوان إذا علموا أن أستاذهم غير موجود رغم إبداع المحاضرين وكفاءتهم ولكن من تعود البحر أستقل السواقيا .

كان دؤوبا لدرجة أنه ينزل من القطار الذي يصل محطة القاهرة السابعة صباحا ليتوجه رأسا إلى درس الحصة الأولي في مدرسة السبتية الابتدائية .

أما عن لماحيته فكأنما كان ينظر بنور الله , وكأنه ينتقل في دخيلة من يحدثه فلا يحدثه إلا فيما يرتاح إليه من ضروب الحديث وكان يتحسس ميول الإخوان أين تتجه فيراعيها في تعامله معهم ,كان يري في أحد الإخوان مبالغة في التأنق وكان أعضاء مكتب الإرشاد يأخذون على أخيهم مبالغته في العناية بمظهره , وكان فضيلته لا يريد أن يخرج الأخ ما دام تأنقه لم يصل إلى حد الكراهية .

فلما أكثر أعضاء المكتب من لكلام مع فضيلته في هذا الموضوع أراد أن يجمع بين صرف الأخ عن المبالغة كما أراد صرف إخوان المكتب عن الإلحاح في أمر لا شبهة دينية فيه , وفي إحدي جلسات المكتب قال فضيلته :

يا فلان إذا جئت الجلسة القادمة فاحضر وعلى رأسك طربوش مرتب الأحرف وأكبسه على رأسك حتى أذنيك وبذلة غير ذات هندام وحذاؤك ظاهر البلي فعجب الأخ وسأل عن السبب , فكان الرد أن هذه قد تكون رغبة أعضاء المكتب مع أن الخير في أن يبدو المسلم وخاصة إذا كان داعية في مظهر كريم فكانت لفتة طيبة فيها دعابة موجهة ونصيحة هادفة للأخ المتأنق والإخوة المعترضين .

كل ذلك في أسلوب رقيق لم يجرح مشاعر ولم يجرح صدور كان يتحسس . وفي دقة . كل ما يرضي الإخوان في الحدود المشروعة.

كان يعلم أن الأخ عمر الأميري الأستاذ الآن بجامعة المغرب , يجب الزهور , وعمر شاعر فحل , فلابد وأن يكون للورد والأس والنسرين .

دخل في تكييف مزاجه ,وكان الأميري يوما في زيارة للمرشد مستأذنا في السفر إلى الإسكندرية مع والده , في القطار الذي يغادر القاهرة غدا في السابعة صباحا , وذهب عمر الأميري مع والده إلى المحطة وركبا القطار .

الذهن خال من كل شئ وقبل أن يتحرك القطار بدقيقة أو دقيقتين, إذ بعمر الأميري يفغر فاه دهشة وهو يري الإمام الشهيد يسرع الخطي على رصيف القطار يحمل باقة من الورود الناضرة يقدمها تحية لوالد عمر الأميري بمناسبة سفره إلى الإسكندرية يقول عمر الأميري:

لقد كان وقع هذه الباقة الرائعة , والذوق الرفيع , فوق كل تصوري وتقديري , وتجلي أمام ذهني سبب من أسباب أستاذية حسن البنا لهذا الجيل .

لأنه لا يتحسس مطالب الإخوان فحسب ولكنه يبحث عما رطب خواطرهم ويطيب نفوسهم , ويحقق محبتهم,وقال عمر الأميري إن هذه اللفتة الرائعة خاصة وهي متعلقة بأبي , إن دلت على شئ فإنها تدل على حس مرهف وعاطفة سامية ودقة في مراعاة وسائل القلوب .

بتصرف إن بدا بسيطا في ظاهره إلا أنه بعيد الأثر في نفس الأخ الذي يجد من مرشده مثل هذا السمو في مراعاة المشاعر الرقيقة ..

أدب الداعية

لقد بلغ من تواضع هذا الأستاذ الجليل . أن من جالسه وهو لا يعرف مكانته وإن كان مرغما في داخليته على احترامه , لا يتصور أنه يجالس حسن البنا , كان لا يتصدر المجالس , ويجلس حيث يفضي به المجلس , إلا أن يحمل على الصدارة حملا تحت إلحاح متواصل , وإذا صلي في مسجد لا يتقدم للإمامة , ويري أن الإمام الراتب أولي بها , إلا أن يتخلف الإمام وبطول الوقوف بالمصلين في انتظار الإمام إذا جادل ورأي ما يؤاخذ عرفا أو شرعا سلك كل أسلوب هين لين مهذب مؤدب مقنع حتى يرد مجادله إلى الفهم السليم في الشرع , أو الترصف الكريم في العرف .

وكان يشعر المشايخ أنه تلميذ لهم , وهو أستاذهم , وأنهم أساتذته وهم تلامذته يخاطب الصغير منهم والكبير بأبرع آيات الأدب والرقة والتواضع مشعرا من يخاطبه منهم .

أنه يتلقي منه , ويتعلم على يده , ما أحرج يوما عالما أو أوقفه موقف المخطئ, ولكنه كان يصل إلى ما يريد منهم .

في أسلوب لا يتقنه إلا حسن البنا الذي فطره الله على كل طيب جميل فلا ينال ما فوق رأسه إلا من تحت كفيه .

كان يعلم أن في بعض الإخوان حياء وتعلقا فينادي الأخ الحيي أن تعال أمسك بذراعي فإني متعب هكذا يحقق للأخ أمنيته في أن يكون إلى جوار مرشده دون أن يحرجه بين إخوانه , انظر كيف كان يرفع من معنوياتنا .

دعاه أحد الإخوان إلى غداء في عزبته على مقربة من شبين القناطر وكنت محاميا ومقيما في هذا البندر , وفي نفس الوقت كنت عضوا بمكتب الإرشاد , ولم يدعني الداعي مع فضيلته , أحب المرشد أن يشعر الداعي بتقصيره دون أن يحرجه ,وكان يري وجوب وجود الأخ في الوليمة التي لم يدع إليها دون إحراجه كذلك وجاء من القاهرة في سيارة وأوقفها بأحد ميادين البندر وأرسل من يستدعيني من المحكمة فوزعت قضايا على بعض الزملاء في عجل , لأن مرشدي على مقربة مني يستدعيني , وأسرعت إلى حيث يقف المرشد قال لى وفي استعجال :

اركب . قلت : إلى أين ؟ قال : لتناول الغذاء عند فلان : قلت : ولكني لم أدع , وفضيلتك تعرف مدي حساسيتي في مثل هذا المجال .

قال : أعلم حساسيتك , ولكني لا أستطيع أن أمر من شبين القناطر دون استئذان الأخ المسئول عنها , فكيف تريدني أن أتخطاك ؟ فأما أن تركب وإما أرسل إلى الداعي ليحضر ويدعوك معنا .

كان التصوير رائعا والدرس بارعا والتربية عالية , والموقف دقيقا وكيف يستطيع الأخ مع هذه الرقة البالغة من مرشده الذي يقول :

إني لا أستطيع اجتياز منطقتك دون اصطحابك في أى شأن ! من يستطيع ألا يطيع الأمر الذي يرفعه من المرشد إلى مرتبة الاستئذان من صاحب الحق في المرور . إنها تربية أستاذ الجيل بالمثل بالواقعية . بالعمل . بالتنفيذ , لا بالشقيقة والأقاويل .

كان نعم الرفيق في السفر . الرفيق الذي يفكر في راحة مرافقيه قبل راحته وهو من هو . صحبه أحد الإخوان يوما إلى مؤتمر بالمنزلة دقهلية .

وبعد الفراغ من المؤتمر والذهاب إلى النوم دخل الأستاذ ومعه هذا الأخ إلى حجرة بها سريرين , وعلى كل سرير كلة ( ناموسية) ورقد كل منهما على سريره وأرخي ناموسته , وبعض الناس إذا أصابهم إرهاق , استعصي عليهم النوم وصحبهم الأرق , وبعد دقائق قال الأستاذ : أنمت يا فلان ؟

وكان الجواب بالنفي , وتكرر السؤال , وتكرر الرد , حتى ضاق الأخ , فلم يرد على الأستاذ , وظن الأستاذ أن الأخ قد نام فتسلل من ناموسيته على أطراف أصابعه خارجا من الحجرة وأخذ مداسه في يديه , وذهب إلى دورة المياه حافيا , حيث جدد وضوءه ثم اتجه إلى آخر الصالة , حيث فرش سجادة , وأخذ يتهجد :

أرأيت الفارق بين الطالب والأستاذ حسن البنا يستطيع مع كل متاعبه ومجهوداته أن يتهجد , لأنه موهوب , أما رفيقه فلا يقوي على هذا . الأستاذ لا يريد إحراج رفيقه في السفر , والطالب يضيق بتمهيد الأستاذ لإنقاذه من الإحراج .

قد يضطر الطالب إلى التهجد موافقة لأستاذه , والأستاذ لا يرض بإرغام الطالب على تنفل عير مفروض عليه , يقدر الأستاذ كل هذه المعاني .

فلا يعرض أخاه لما يحرجه أو يتعبه . ولكنه يتريث حتى يغوص الخ في عالم الأحلام مستمتعا بنوم عميق , ليباشر ما يقربه من مولاه .

هكذا يترفق أستاذ الجيل بإخوانه عمليا لا قوليا ولا نظريا ! إن لا أعلم من فعل مثل هذا من قبل , إلا من تلقي المسلمون عنه نبيهم عليه الصلاة والسلام أستاذ أستاذنا البنا هو الذي كان يرفق بأصحابه مقدرا لهم أن الضعيف أمير الركب , وهو الذي كان يرفق برا بأصحابه فيجعل صاحب الشئ أولي بحمله وهو الذي يساهم مع أصحابه في أعمالهم , فيجعل جمع الحطب من نصيبه :

البرد والرحمة والعطف والرأفة كلها تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقلها البنا أستاذ الجيل رواية إنه علمنا إياها تطبيقا وتدريبا إنه التلميذ الصادق المخلص لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم .

" لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ".

إنه محمد صلى الله عليه وسلم مرشدنا وقدوته وأسوته , من هذا المعين الفياض اغترف حسن البنا مؤمنا موقنا عاملا مخلصا دارسا متفقها, فدانت له زعامة الجيل , وكان أحق بها وأهلها .

إنه نعمة الله على هذا الجيل والله وحده العليم , على أية صورة كانت أحوال المسلمين ستكون , لولا هذا الداعية الكبير الذي بصر المسلمين وأيقظ أذهانهم وحرك هممهم في الوقت المناسب وكأن الله قد أرسله على قدر مع الأحداث فعلا فلولا فضل الله على المسلمين بقيام حسن البنا في هذه الفترة الحرجة الخطيرة من تاريخ المسلمين لكانت المأساة فادحة والطامة كبري والكارثة طامة عامة ولكن الله سلم .

كان خلقه الصدق في كل شئ ما جرب أحد عليه يوما مقالة غير صحيحة ولم يبدر في أمر إلا وكان صادقا فيه مع نفسه ومع الناس ومع ربه ومن هذا القبيل أنه ما مني يوما أخا مسلما بالمال الوفير والجاه العريض ولكنه كان يقول لكل من يبايعه :

إن طريقنا وعر طويل وعلى وعورته ومشاقه فهو محفوف بالمكاره .

ثم هو بعد ذلك طريق الجنة الوحيد لمن كان يرجو الله واليوم الآخر .

إن ظلما سيقابلنا ومتاعب ستواجهنا هناك تشريد وتعذيب ومصادرة وتقتيل لأن المحن سنة الدعوات الصادقة الحقة وهذا صحيح فما جاء إنسان الناس بغير ما هم عليه إلا آذوه وقاوموه فإن اهتزت الدعوة لدي الصدمة الأولي دل ذلك على تفاهتها وكذب الداعية أما إن صمد وقاوم وصبر وكافح واحتمل واحتسب فإن الله لن يتر مؤمنا عمله أبدا لأنه بالمؤمنين رءوف رحيم لقد ساومه المستعمرون وساومه الطغاة وساومه ذو المال فباءوا جميعا بالفشل والخذلان ولما تنفع كل وسائل الإغراء معه أخذوا يسلكون طرق التهديد فنقل من عمله بالإسماعيلية إلى القاهرة فشاع ذكره وعلا قدره فنقلوه إلى قنا وانتشرت دعوته فاعتقلوه فعلم الناس عنه ما لم يكونوا يعلمون وهكذا الدعوة الصادقة لا يزيدها الطرق إلا صلابة ولا تزيدها الشدة والإيذاء إلا تصميما على مواصلة السير ولا يزيدها الظلم إلا إصرار على الحق الذي تنادي به , فالله سبحانه وتعالي رسم هذا الطريق من الأزل :

" ولنبلوكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين , الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون .

أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "

تلك هي حكمة الله في دعوته وقدره في الدعاة إليه وما ذلك إلا ليظهر الصادق من الكاذب في عالم الشهود والبيان كما هو معروف من قبل عند رب العالمين :

" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين "

إن الميدان إذا خلا من الطغيان فكل الناس شجعان وإذا استقر الحال وتوفر المال فكل الناس كرام أما إذا حق اللقاء وعلا قرع السنة وصلصلة السيوف ولكن إذا أحمرت الحدق واشتدت البأساء , أما إذا مس الناس ضر وحلت بهم لأواء .

فهناك يتبين الذهب الأبريز من النحاس اللامع الرخيص هناك يتبين الصابر من الجازع فما كل ما يلمع ذهبا وما كل مصقول الحديد لقد أثبت حسن البنا للعالم كله أنه داعية وأنه صاحب دعوة حقة وآثر الصبر مع دعوته ولو خاصمته الدنيا كلها وقد خاصمته فعلا لقد صدق اله فصدقه , فقد تحالف عليه الشرق والغرب والشمال والجنوب وما بين كل أولئك فلم تهتز له شعرة تحت تهديدهم ووعيدهم فاغتالوه في أشد شوارع القاهرة ازدحاما ( شارع رمسيس ) وعلمت الدنيا كلها أن حسن البنا كان صادقا وأنه قدم حياته فداء لصدقه في دعوته وكان من فضل الله على الإخوان المسلمين أنهم وعوا هذا الدرس تماما وأحسنوا صادقين فلما أدركتهم مرحلة التضحية والصبر والنداء وجدتهم على استعداد كامل للقاء والاستماتة في التمسك بالدعوة رغم قوة خصومهم الطاغية ورغم خلو أيديهم من كل وسائل الدفاع الأرضية إلا الإيمان بالله والاعتماد عليه وعندما رأوا الظلم والمحن تكشر عن أنيابها السود المخيفة المرعبة أيقنوا أن

" هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما " فتفانوا في التمسك بدعوتهم والتضحية ف سبيلها وحل بهم ما لم يحل بإنسان غيرهم في الوجود "... فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "

كان صدق حسن البنا معهم عند البيعة هو الركيزة التي قامت عليها جهوده وانتشرت دعوة الإخوان المسلمين في جميع بلاد الله حتى غير المسلمة وورث الإخوان هذا الصدق والتزموه حتى أصبح الإخوان بعد استشهاد إمامهم أقوي هيئة عاملة مؤمنة مناضلة ولم يعد أمام خصوم الإسلام وعملائهم من بعض المسلمين إلا القضاء على هذه الهيئة قبل أن يستتب لها الأمر فكان ما كان مما فعله جمال عبد الناصر الشيوعي القح سنة 1954 وفي سنة 1965 من المذابح المروعة .

أثره في غرس يده

وكان من اثر صدق هذا الداعية العظيم هذا الصدق الذي تربي عليه الإخوان المسلمون كان من أثر هذا الصدق أن دعوة الإخوان المسلمين ظلت كما هي في قلوب الإخوان فخرجوا من سجون عبد الناصر أشد تمسكا بدعوتهم وأعمق إيمانا بها وأكثر استعدادا للتضحية من أجلها .

وها أنت تري اليوم صحف العالم كله شرقية وغربية لا هم لها إلا الإخوان المسلمون .

واستعداء الحكام عليهم وتحريض حكومات بلادهم ضدهم إن هذه تتحدث وفي إلحاح عن قوة الإخوان المسلمين لا حبا منهم لهذه القوة ولكن ليدخلوا الرعب على قلوب حكام البلاد الإسلامية من هذه الجماعة وإن كان هذا التربص قد أتي ثماره في كل البلاد الإسلامية على تفاوت بين حكامها في مقاومة الإخوان المسلمين فدولة تقتل الإخوان المسلمين علانية جماعات جماعات فلا ينطق المدافعون بكلمة احتجاج واحدة ضد هذه الفظائع الدامية وكأنما الذين يقتلهم حافظ الأسد وماركوس الفلبيني ومانجستو الحبشي وصدام في العراق كأنهم ليسوا من بني الإنسان وليست لهم حقوق الإنسان وليس من حقهم أن ينكر هذا الظلم الواقع عليهم رغم هذا كله فالإخوان باقون وأقوياء لأنهم كلمة الله على الأرض إنه ليس حافظ الأسد الذي يعذب الإخوان في سوريا ويقتلهم وغيره وغيره ولكنها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي أعدي أعداء الإسلام رغم ما بين مبادئهما من كراهية ونفور .

ومن فضل الله أن حافظ الأسد وأمثاله يجدون من الألم والغصص ما يجد الإخوان ولكن الإخوان يرجون من الله مالا يرجو أولئك والنصر لهم بإذن الله وكان من جراء مقاومة الدول الكبري للإخوان المسلمين أنه لم تجرؤ حكومات البلاد الإسلامية على السماح للإخوان بمباشرة نشاطهم في ظل وجودهم القانوني وعلى الرغم من كل هذه المعوقات الصارخة فما تواني الإخوان المسلمون لحظة عن المضي في نشر دعوتهم , مع قيام كل الظروف القاسية التي تحيط بهم ولأنني ألتزم الصدق فيما أكتب .

ورضي الناس أم غضبوا فإنني أقرر أننا هنا في مصر أقل تعرضا لما يلقاه غيرنا من الإخوان في البلاد الأخرى الإسلامية ولو أن الأمر اقتصر على الدول الصليبية ف يالكيد للإخوان لهان الخطب , ولكن بعض المسلمين لا يتورعون عن التحامل على الجماعة وقيادتها بصورة تنال منهم أولا قبل أن تنال من الجماعة وقيادتها الصامدة الصابرة المخلصة ورعاية الله تدفع القافلة إلى مواصلة السير في طريقها القويم ولو فكرنا قليلا وساءلنا أنفسنا , لماذا اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على محاربة الإخوان المسلمين وهما العدوتان اللدودتان ؟

ولماذا لم تخص صحافة هاتين الدولتين أية جماعة إسلامية غير جماعة الإخوان المسلمين بمثل ما اختصتنا بت لتبين تلك الحقيقة واضحة مسفرة كفلق الصبح الولايات المتحدة ومن في فلكها صليبون , وروسيا وكل من في فلكها ملحدون والصليبيون يريدون القضاء على جماعة الإخوان المسلمين لأنها العقبة في طريق وسائل استغلالهم واستعبادهم واستعمارهم العسكري والفكري والاقتصادي والملحدون يريدون من بين ما يريدون وأول ما يريدون أن ينشروا إلحادهم في العالم الإسلامي فلم يقف في طريقهم صلبا قويا منيعا إلا الإخوان المسلمون , من أجل هذا لا تجد الصحافة الصليبية والملحدة من هم ولا تجريح ولا تحريض ولا مؤامرات إلا ضد الإخوان المسلمين الذين ورثوا الصدق من بين ما ورثهم إياه إمامهم الشهيد الذي تلقي تركة الصدق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصدق الذي وصف العلي القدير به نفسه :" ... ومن أصدق من الله حديثا "

"... ومن أصدق من الله قيلا "

حرب الإشاعات

قالوا : إن حسن البنا شيوعي , فاتضح كذبهم وانكشف , فالشيوعيون لم يحاربوا أحد بمثل ما حاربوا حسن البنا ممثلا في جماعة الإخوان المسلمون ولم يفتروا على احد بمثل ما افتروا عليه .

قالوا : إنه عميل أمريكي إنجليزي فانفضح كذبهم فالولايات المتحدة ومن في فلكها شغلهم الشاغل القضاء على حسن البنا ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين ظنا منهم أن قتل حسن البنا ينهي جماعة الإخوان المسلمين , وأراد الله غير ذلك فنجت جماعة الإخوان المسلمين تحت قيادة فضيلة الأستاذ الهضيبي بعد حسن البنا , بما أثبت أن جنود الدعوة ليسوا عباد أشخاص , ولكنهم رجال دعوة , وجند إسلام .

وقالوا عنه : إنه عميل للقصر الملكي في مصر فثبت كذبهم حيث لم يبلع القصر ريقه إلا يوم أن استشهد الإمام , وذهب فاروق الملك بنفسه إلى القصر العيني ليطمئن إلى وفاة الإمام وفرح فاروق بهذا الاغتيال الذي كان آخر مسمار دق في نعس عرشه المتهاوي .

وقالوا : إنه صنيعة الإقطاع , فثبت كذبهم وصدق الرجل , إذ ناصبه الأغنياء العداء, وقتلوا العديد من الإخوان في كفور نجم وغيرها وثبت ذلك في قضايا قدمت للنيابة وجري فيها تحقيق , فهو إذا ليس شيوعيا ولا رأسماليا , ولا ملكيا , ولا إقطاعيا ولا غربيا فماذا هو إذن ؟

في منتهي البساطة والوضوح والصدق إنه الداعية المسلم الصادق , الذي ملأ طباق الأرض دعوة إسلامية في القرن الرابع عشر الهجري ( العشرين الميلادي ) ولم يصل فيها إلى مستواه أحد خلال مئات السنين الأخيرة من التاريخ الهجري والميلادي على السواء أظن بعد هذا التوضيح الموجز لم يعد من حق بعض الشباب المسلم المتفتح أن يظن بالإخوان المسلمين الظنون وبدلا من أن يختلف الشباب المسلم مع بعض البعض ويضيع جهوده فيما لا طائل من ورائه فمن الخير أن يتكاتف الجميع في طريق الجهاد حتى إذا ما عاد للمسلمين صفهم الكريم كان من الجائز أن يقوم الخلاف على الفرعيات أليس كذلك يا شباب ؟.

إن من أهم مظاهر الإسلام في أستاذ الجيل .. الثقة الكاملة في ربه . فقد آمن بت وأيقن بعظمته وقدرته وجلاله وأخلد إلى صدق وعده فسار في طريقه ثابت الخطي , مطمئن الخاطر , واثقا في الوصول إلى غايته بفضل الله قد يقال :

وماذا أفاده هذا ؟ ألم ينته به الأمر إلى الاغتيال ؟ والرد بسيط لقد قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المحارب وقت صلاة الفجر وهو الذي ما رآه الشيطان سالكا فجا إلا هرب منه , وهو الذي ملا الدنيا إنصافا وعدلا .

وقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه في بيته والمصحف بين يديه, وهو الحيي الذي تستحي منه الملائكة ذو النورين.

وقتل على ابن أبي طالب رضي الله عنه وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها وفاتح خيبر وقاتل عمرو - ابن ود العامري يوم الخندق . هل طعن ذلك في مكانة واحد من هؤلاء ؟

أو قلل من مكانته أو هون من شأنه ... أبدأ . إنها أقدار الله يجريها كيف يشاء ولا معقب لحكمه , ولا يسأله أحد وهو يسأل كل أحد . ثم ثقته في صلاحية هذا الدن فى أن تجري شئون الحياة كلها , في أدق نظام , وأقدم تشكيل وأعدل تشريع .

آمن بهذا الدين لعز الدنيا وسعادة الآخرة ففهمه حق الفهم , وتفقه فيه , ومن يرد الله به خيرا يفقه في الدين ولم يجعل من الدعوة خطبا مجملة , ولا كلاما عائما , ولكنه جعل منها محاضن تخرج فيها أصدق المجاهدين وهذا هو المطلوب منا اليوم ألا نكتفي بالكلام عن الإسلام بشعارات مطاطة رنانة بل يجب أن نقدم للأمة رجالا من الصنف الذي قدمه لها حسن البنا .

لقد حمل الدعوة إلى هذا الدين . حملها على كتفيه فعلا . راح يبشر بها الدنيا , ويربي عليها الشباب حتى لقي الله ناضر الوجه شهيدا ثم الثقة برسوله صلي الله عليه وسلم آمن في صدقه في رسالته وجعله أسوته وقدوته في كل شئ فكان يتتبع خطي المصطفي صلي الله عليه وسلم في كل شئ حتى لو أنه عاد عهد الجمال في الحج وركب حسن البنا ناقة لأوطأ أقدامها مواطئ أقدام ناقة رسول الله عليه وسلم في حجة الوداع , كما كان يفعل ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .

شجاعة الداعية

ثم الثقة في نفسه . لقد كانت ثقته لا حد لها , لا تعاليا ولا غرورا لا غفلة ولا عنهجية حماه الله من كل هذه المهلكات , كان يثق في أن نفسه تحمل أطهر دعوة عن طواعية واقتناع . ما تردد يوما فيما أعد نفسه له , كانت ثقته في نفسه تجعله يقدم على العمل الخطير الذي يخشاه الأكثرون , وكأنما يقدم على عمل , لا رهبة فيه , ولا خوف منه ذهبت معه يوما إلى حفل في مدينة الزقازيق وكانت الإضاءة بواسطة الكلوبات ( في مطامع الأربعينات ) وأثناء خطبته . انحلت عقدة أحد الكلوبات .

فهوي إلى الأرض محشرجا مدخنا يكاد ينفجر , ولو انفجر وتعلقت النار بالحبل الذي انحلت إحدي فرديته , وبقيت الأخري متصلة نسقف السرداق لكان الحريق مروعا , وهرول الجميع مبتعدين عن هذا الكلوب الخطر , وفي كل بساطة , وفي منتهي الهدوء وبالثقة لكاملة في وجوب وصواب ما يفعل , ترك المنصة وأخرج مديه الجوالة من جيبة وتقدم إلى الكلوب في غير هرولة وفصله عن السقف وحمله إلى خارج السرادق وبذا نجا الحفل من حدث كان من الممكن أن يتأتي بنتائج مؤسفة كان يثق بنفسه في قدرتها على الكفاح كائنة ما كانت الظروف , فلما تضاعفت الأعباء .

وتزاحمت الواجبات على قلة الأنصار وقتها كان مخيرا بين أمرين : إما أن يظل في وظيفته وهي تأخذ جانبا كبيرا من وقته وإما أن يستقيل وليس مورد رزق إلا المراتب الذي يتناوله في مقابل وظيفته , وهو في نفس الوقت لا يرضي لنفسه أن يأخذ من الدعوة شيئا ولو كان غيره في هذا الموقف , لطال به الوقت في الموازنة والاختيار , ولكنه واثق من نفسه , ولا يحتاج الأمر منه أكثر من أن يقرر لينف فاختار على الفور , اختار الأمر الذي يليق بحسن البنا في مثل هذا الموقف , قدم استقالته من الوظيفة وأصدر مجلة الشهاب ليكون له منها دخل يقيه الحاجة إلى الغير . إنها الثقة بالنفس ,والاعتماد على الله واتضاح التصرف في الموقف بلا تردد .

إن كل المواقف الفاصلة في تاريخ البشرية , كانت وليدة عزم الرجال قرروا ثم مضوا إلى غايتهم في غير ما حيرة وتردد وثق بأن نفسه أهل للدعوة فحملها قد أثقالها , فرأي نفسه أهلا لها فحملها استشرف أخطارها وجسامتها ولكنه واثق من نفسه فاستهان بكل صعب واستعد لكل عقبة .

إنه رجل مؤمن معتمد على الله الذي منحه من الثقة بنفسه ما جعله حسن البنا الذي شغل الدنيا حيا وما يزال يشغلها إلى اليوم وسيظل يشغلها إلى زمن لا يعلمه إلا رب الزمن رأى أمامه الاستعمار والقصر والإقطاع والأحزاب وانصراف الشعب عن كثير من تعاليم الإسلام وكل هذه عقبات ضخام ولها قدرتها على الإيذاء وتدبير المؤامرات قدر كل ذلك ووزنه ثم التفت إلى نفسه :

هل أنت على استعداد لاقتحام كل هذه الأخطار ؟ وكانت الثقة في نفسه أنه أهل للجلل فمضي حيث يمضي المعتمدون على ربهم الواثقون من أنفسهم فكان التوفيق حليفه في كل شئ رشح نفسه لدائرة الإسماعيلية التي بدأت فيها دعوة الإخوان المسلمين وكانت كل الدلائل تقطع بفوزه المحقق عن تلك الدائرة , ورأى المستعمر والقصر من ورائه أن دخول حسن البنا في مجلس النواب تحول خطير في نوعية النواب وإنجلترا لا تستطيع أن تمنع حسن البنا من الاستمرار في الدعاية الانتخابية , فماذا تفعل ؟ أتترك الميدان لهذا الرجل الواثق من نفسه يقهرها؟

ويدخل مجلس النواب ؟! إنها لابد أن تواجهه ولكن في مواجهة غير سافرة بينها وبينه .

أليس لديها أحبابها من السياسيين المصريين إن لها فيهم مندوحة عن المواجهة السافرة , ويلتقي المندوب السامي بالنحاس باشا رئيس وزراء تلك الفترة ويهدده بأنه إذا لم ينسحب حسن البنا من المعركة الانتخابية فسيكون النحاس باشا مسئولا عن مل ما يترتب على ذلك من النتائج السيئة لمصر ويرسل النحاس باشا لحسن البنا يناشده إسلامه ووطنيته ألا يعرض بلاده لما يضرها بسبب تمسكه بالترشيح ويلح النحاس ويرجو ويتوسل وحسن البنا يحاول إقناعه بعدم الخضوع لتهديد المستعمرين فإنهم لن يستطعيوا معه شيئا لأن الشعب كله سيكون معه إذا تحدي هذا التهديد البريطاني .

ولكن أني للنحاس إيمانا وثقة كإيمان حسن البنا وثقته لم يجرؤ على الاقتناع بمنطق حسن البنا ولما رأي الإمام الشهيد أن الصراع سيكون بين مسلم ومسلم آثر أن يجنب أمته آثار هذا الصراع فانسحب من المعركة الانتخابية ولا شك أن الانسحاب جر غلى الإمام الشهيد الكثير من التساؤلات من شباب الإخوان المسلمين الذين لا يقدرون المواقف قدرها ولكن ثقة حسن البنا في نفسه وفي صواب ما يفعل سمت بت فوق التأثر بأي شئ حتى ولو كان الملام من بعض شباب الإخوان وهذه هي الثقة التي لا تهزها العواطف حتى ولو خاصمها الأحباب والمريدون إن الرجل الواثق من نفسه يصدر القرار الصالح دون أن يقيم وزنا لصراخ أو احتجاج الذين لا يزنون الأمور بموازينها الصحاح ولا يقدرون النتائج في فورة الأعصاب المهتاجة من غير تبين وعلى غير أساس .

إن أستاذ الجيل لم يكن واثقا من نفسه فحسب ولكنه كان نفسه الثقة التي ملأت قلوب الإخوان جميعا رضي بما يراه حسن البنا رضوان الله عليه .

حسن صلته بالآخرين

ويوم أن انشق بعض الإخوان . وخرجوا من الجماعة , وسموا أنفسهم شباب محمد , لم يثر عليهم ولم يقاطعهم ولم يوزع عليهم الشبهات ولم يؤلب أحد عليهم ولكن تصرف معهم التصرف الذي لا يتصرفه سواه في مثل هذا الموقف أتخذ شباب محمد له مقرا وأعد دفاتر للاشتراك في صفوفه فكان الإيصال الأول ( نمرة 1) باسم حسن البنا ليؤكد لهم أن موقفهم هذا لم يزعجه وأنه يتمني لكل عامل في حقل الدعوة الإسلامية أن يوفقه الله لكل ما يحب ويرضي وما دام هو واثق من نفسه .

فلماذا لا ينصرف وهو على بينة من نتائج هذا التصرف ؟ إنه التصرف , تعالي على الصغائر والمهاترات واكتسب احترام الذين انشقوا عليه لأنه لم يبدأهم بهجوم ولا ملام هذه هي الثقة الهادئة المطمئنة لا يزعزع من إيمانها بنفسها تعدد الأحداث ولا تكاثر الخصوم , ولا تحالف الأضداد لا شئ من هذا يفزعها أو يردها عما اعتزمت .

أو يشككها فيما اتخذت من قرارات , لقد كانت ثقة حسن البنا في نفسه فوق مستو الشبهات وأتت بأبرك الثمرات لقد كان اسم طه حسين مدويا في الجامعة نتيجة الدعاية الصاخبة التي أيده من بيدهم الأموال من أعداء الإسلام وكانت تخريفاته ضد الإسلام تجد صدي بعيدا عند الأغرار الذين لا يعرفون شيئا عن الإسلام .

وكانت الدعايات التهريجية تثير حول طه هالة من الإكبار التقدير , عن طريق أجهزة الإعلام التي كانوا يسيطرون عليها عن طريق الإنفاق السخي , لتوجد طه حسين مكانة عن السطحيين وأنصاف المتعلمين , وقد بلغ من تحدي طه حسين هذا المشاعر المسلمين. أن أصدر كتابا أسماه ( مستقبل الثقافة في مصر) واستقلت الأبواق المأجورة المعادية للإسلام , هذا الكتاب بالطبل والزمر والدعاية المهرجة والترحيب , لأن قوام هذا الكتاب , كما يريده واضعه طه حسين هذا, أن يأخذ المسلمون في مصر بالثقافة الغربية خيرها وشرها .

في هذا البلد المسلم , الذي تتأسي به جميع البلاد الإسلامية , وصمت كل مشتغل بالشئون الإسلامية وصمتت جميع الجمعيات الإسلامية في مصر ولم يجرؤ أحد أن يقول كلمة الحق في هذا المؤلف الإلحادي , وهذا التحدي المزري المهين لكل مشاعر المسلمين, , ولكن حسن البنا في الكنانة فتقدم بطلب إلى إدارة الجامعة لتسمح له بمناقشة هذا الكاتب وهذا الكتاب في أحد مدرجات الجامعة ووقع الطلب باسمه المعتاد

( حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين ) ولكن إدارة الجامعة الشجاعة لم تسمح بالإعلان عن هذه المحاضرة إلا إذا كانت باسم حسن عبد الرحمن , ولم يقم الأستاذ حسن البنا اهتماما لهذه التفاهة التي ما قصد بها إلا التعمية في شخصية المحاضر حتى لا يحضرها أحد وتفشل المحاضرة فيعتبر فشلها كسبا لذلك الكاتب الإلحادي ولكن الشيخ حسن أحمد عبد الرحمن .

هو هو حسن البنا. ولو اخترعوا له من الأسماء ما يصرف الناس عنه فكف اليد لا يحجب ضوء الشمس إلا عن عين صاحب الكف فقط هذا إن أمكن الإخفاء .

وما أن جاء يوم المحاضرة , وحلت ساعتها حتى كان المدرج قد ماج بآلاف الحضور من الطلبة وغيرهم , وراح أستاذ الجيل يلقي محاضرته منحدرا كالسيل آتيا بالبراهين الناطقة في دحض مفتريات ذلك الكتاب وصاحبه وما أن انتهت المحاضرة بعد ساعتين تقريبا حتى دوت أرجاء الجامعة بالهتافات الصادرة من القلوب المخلصة إخوانا وغير إخوان وتبين الشباب أى مستقبل مخز مشين كان طه حسين يريد أن يؤدي بت في أعماقه وثق حسن البنا من فساد الكتاب .

ووثق من نفسه أنه فوق طه حسين ومن ينتصرون له , لأنه على الحق , ولن تمنعه مكانة طه حسين ومهرجوه من أن يقول كلمة الحق وقد فعل وقد فاز وانتصر ووصل إلى ما أراد .

إن أستاذ الجيل لم يكفه أن يكون واثقا من نفسه فقط , ولكنه عمل جاهدا على غرس هذه الثقة في نفوس الإخوان ورعايتها وتنميتها وتغذيتها بكل مقومات الإيقاع والازدهار , كان يلقي بالمهام الكبيرة على كواهل الشباب من الإخوان , ويترك لهم حرية التصرف للتجربة والاختيار , لا يفيد مندوبه بقيود تضييق عليه دائرة التصرف إن هي إلا نصائح ويترك مندوبه يستلهم الحكمة والدقة والحذر في مهمته من بينات فؤاده وخالص تفكيره حدث في بور سعيد صدام بين الوفديين والإخوان المسلمين اعتدي فيه الوفديون على دار الإخوان في بور سعيد وأشعلوا فيها النيران .

وقتل أحد الوفديين وتأزم الموقف في بور سعيد وأعلنت فيها حالة الطوارئ بسبب ما كان في الأعصاب من غليان وتدخل رجال الشرطة وشرعت النيابة في التحقيق وأرسل إلى الإمام الشهيد تلغرافا بالسفر إلى بور سعيد في الديزل الذي يغادر محطة القاهرة الساعة الواحدة مساء إلا خمس دقائق إلى بور سعيد وكان لابد من السفر وعلى رصيف محطة سكة حديد الإسماعيلية كان الإمام الشهيد في الانتظار والديزل لا يقف أكثر من خمس دقائق لا تكفي لشرح أى شئ , وكانت توجيهات الإمام الشهيد ( تصرف كما يملي عليك الموقف دون الرجوع إلى القاهرة في شئ ,والله معك ) إنه موقف دقيق في قضية حرجة محرجة !! لا تفصيلات ! لا شرح ! ودون استشارية هو نفسه !

والوفديون متمرسون بمثل هذه المواقف ولهم فيها خبرة واسعة في المناورات ماذا عسي أن افعل مع هؤلاء المداورين المناورين بالنسبة لى كان الموقف محيرا ! كل خطوة محسوبة لها ما وراءها ! المسئولية دقيقة لأنها موقف جماعة ! وفي هذا الوقت المربك يترك المرشد جنديه يتصرف وفق ما تلميه عليه ملابسات الظروف ! إذا فلابد من تقدير هذه الثقة التي وضعها المرشد في ! إن صورة الإخوان المسلمين في بور سعيد متوقفة على تصرفي ! أحسست بالمسئولية وخطورتها ! ليس هناك من خيار فقد تحرك الديزل متجها إلى بور سعيد , وأخذت أضرب أخماسا في أسداس وأنظر نظرة الدهشة بل والتقدير إلى الوضع الذي أقامني فيه الإمام الشهيد , لم يبق إلا أن أتصرف معتمدا على الله .

فكانت أول خطوة أني نزلت من القطار إلى المحافظ رأسا ( المرحوم فؤاد شيرين ) وطلبت منه أن يهيئ لى لقاء مع الوفديين في بيت رئيسهم وذهل المحافظ ! أتذهب إلى الوفديين وقد أحرقوا جانبا من داركم ؟ قلت : نعم وهذا هو مفتاح فك هذا التوتر القائم في بور سعيد وتم اللقاء ورد بعض الوفديين الزيارة آخر النهار , وسارت الأمور سيرها العادي بعد ذلك , في مثل هذه المواقف وعدت إلى بلدي بعد أن حظيت بتوفيق الله , ثم شكر الإمام الشهيد , ثم حمدت الله على أن وفقني وجعل ثقة المرشد في موضعها .

عالمية الدعوة

لقد خشيته الملوك والأمراء ورؤساء الجمهوريات في الدول الإسلامية أولا . لأن توجيهاته إلى المسلمين بدأت تهز أركان كراسي الحكم المرتعشة في تلك البلاد وبدأوا يحسون أن هذا الداعية لو وصل إلى غايته فهم بدورهم واصلون إلى نهايتهم وما كان يريد بهم شرا , ولكنه كان يريد إصلاح أساليب حكمهم فتحالفوا عليه جميعا وضيقوا عليه الخناق ورغم تعسفاتهم في مقاومة دعوته كانت الدعوة تنتشر وأمره يعرف , ذهب رضي الله عنه إلى الحج .

ومعه ميكرفون يتحدث بت إلى المسلمين في الحج فالحج ليس زيارة المناسك فحسب ولكنه فيه منافع للمسلمين منافع مطلقة بلا قيد ولا وصف ولا شك أن من بينها التناصح بين المسلمين وإرشادهم وحسن البنا جاء يحمل الخير النافع لنفسه وللحجيج لأنه يؤمن أنه لن يؤمن مسلم حتى يحب لإخوانه ما يحب لنفسه وما أيسر حب الخير للناس إذ صفت النفوس وزكت العاطفة وصلح القلب .

وكل ذلك كان متوافرا في حسن البنا أخذ معه ميكروفونا ليحدث الناس على ظهر الباخرة وفي جدة , وفي مني, وفي عرفات , وفي المسجد الحرام , وفي المسجد النبوي , يحدثهم عن دينهم وما يصلح حالهم .

جهد متواصل ,وعمل لا ينقطع ولا شك أن في هذا الجهد خيرا للشعوب الإسلامية ولكن ملك السعودية أحس بما في هذه التوجيهات من خطر على الحكام القائمين بالأمر في البلاد الإسلامية فصادر الميكروفون لكيلا يصل صوت حسن البنا إلى الحجيج هذا الصوت الذي كان يهز قوائم الظلم والطغيان في كل مكان يصل إليه .

ولكن سحب الميكروفون جاء بنتيجة عكسية . فما أن علم الناس بهذا الإجراء حتى توافدوا على حسن البنا من كل حدب وصوب حتى الذين لم يكونوا من الإخوان جاءوا جميعا ليتعرفوا على هذا الفتي الذي جعل ملكا يجري مثل هذا التصرف ولم يكتف هذا الملك بذلك بل إنه لما زار مصر حذر الملك فاروق من حسن البنا وأكد له أن هذا الفتي خطر على عرشه وأثمر هذا التحذير نتيجته المشئومة فاغتال فاروق حسن البنا وهكذا كان هذا الأعزل الوحيد أشد خطرا على الملوك والرؤساء من الجيوش المحبشة .

ومن تكن برسول الله نصرته

إن تلقه الأسد في آجامها نجم

والحقيقة أن الإمام الشهيد لم يكن يريد بأحد من حكام البلاد الإسلامية شرا بل كان يريد أن يصلح حالهم ففي صلاحهم الحال المسلمين والإصلاح إن جاء عن اقتناع فهو خير من أن يأتي من أى طريق آخر الدليل على أنه كان يريد بهم خيرا وأنه في الوقت الذي كان يهيب فيه بالشعوب أن تستيقظ وأن تتحرك كان يرسل إلى الملوك ورؤساء الدول الإسلامية الرسائل المتتالية التي يبين لهم فيها كيف يحافظون على كراسي حكمهم ويثبتون عروشهم وأن تطبيقهم لشرع الله في بلادهم أو في ضمان لتبادل الثقة بينهم وبين شعوبهم .

ولما ذهب النقراشي إلى هيئة الأمم المتحدة , ليشرح موقف مصر من الاستعمار البريطاني هاج الوفد وخذله في موقفه ذاك وأرسل إلى هيئة المم المتحدة يقول لهم :

إن النقراشي لا يمثل وجهة نظر مصر , وهذا من الوفد موقف غير كريم لأن النقراشي لم يذهب لمسألة حزبية ولكنه ذهب من أجل مصر كلها ولكن حسن البنا الذي كان أبعد الناس عن الشخصيات أرسل من جانبه إلى هيئة الأمم المتحدة من يدعم مركز النقراشي ويعينه في مهمته بالوثائق والمذكرات وكان جزاؤه من هذا النقراشي أنه أعتقله وحل جماعة الإخوان المسلمين وجمد أموالهم واستولي على ممتلكاتهم في غير ما تحرج ولا تأثم كان الوفديون يتهمون بأنه من أنصار الدستوريين والدستوريون يتهمونه بأنه من أنصار السعديين والسعديون يتهمونه بأنه من أنصار الوفديين والحقيقة أنه كان غير ذلك بالمرة .

لأنه صاحب دعوة , لم يدع إليها واحد من أولئك الأحزاب وكان من فضله عليهم أنه لم يشتم أحدا منهم رغم ما كانوا يكيلونه له من الشتائم والاتهامات إنهم كانوا يؤمنون بأنه رجل دعوة يريد الخير لهم وللعالم كله ولكن خوفهم على زعاماتهم الجوفاء وخشيتهم من تفلت المنافع التي تجرها أحزابهم عليهم والتي كانوا يتقاسمونها بينهم كلما ولي حزب حكما هذه المعاني هي التي جمعتهم في خصومة واضحة ضد حسن البنا وإذا نظرت الآن أين الوفد؟ وأين الأحزاب ؟

وأين كل التشكيلات ؟ لا أثر لها إلا إذا بدا في الجو أمل بفرصة تنتهز فسرعان ما يجتمعون وينتهي الأمر بلا طحن ولكنك إذا نظرت إلى الإخوان المسلمين الذين حاربهم الجميع رأيتهم اليوم يملأون العالم الإسلامي كله عملا ونعيما وتوجيها ومؤسساتهم في أمريكا وأوربا وآسيا وأفريقيا واستراليا وفي كل مكان يعملون في صمت وينشئون في دأب ويصلحون في جد وإصرار ..."...فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ؟؟"

إذا أردت عن علم أستاذ الجيل , ورسوخ قدمه في هذا الميدان , فإني أظلمه كل الظلم إذا جعلت هذا الحيز الضيق , وعاء للحديث عن علمه وحسبي أن يرجع من يعرفه ومن لا يعرفه إلى رسائله ففي كل كلمة من هذه الرسائل علم وفي كل رسالة منها فقه ,

وفي كل رسالة اجتهاد مجتهد أهل للاجتهاد , إن الإحاطة والشمول في كل ما يكتب عنه أستاذ الجيل أمر يقصر عنه باع أعلم العلماء في القرن الرابع عشر الهجري إنه كان يكتب الكلمة فتحيي قلوب مئات الألوف ويكتب الرسالة فيتحرك بها مئات الألوف وهذا هو العلم الحقيقي الصحيح هذا رأيي ولا أفرضه على أحد وليس لى عليه دليل إلا رسائله ومقالاته وخطبه إنها رسائل لو اعتبرناها متونا لصلحت شروحاتها لإقامة مكتبه من أفزر المكتبات الإسلامية علما ونفعا وذخيرة وكنزا إنه العالم المخلص الذي كان يسعي في جد ودأب واجتهاد ليحمل علمه إلى كل مكان مطبقا كل ما يقول على نفسه قبل أن يطالب الناس بالعمل بت كان يسهر في تدبير شئون الجماعة غلى منتصف الليل فإذا انصرف كل أخ إلى حاله ليرتاح ويستجم ذهب الإمام الشهيد إلى أية خلوة يجدها ليكتب ويؤلف إلى الهزيع الأخير من الليل حيث كان يقوم إلى التهجد ما كان رحمه الله ورضي الله عنه يجد الراحة والمتعة إلا في إنجاز العمل وكان من أبرز حكمه العملي ( الواجبات أكثر من الأوقات ) لم يكن شعارا دعائيا ولكنه كان منهاجا عمليا واقعيا ,

إنه ما كان يجد في الأربع والعشرين ساعة إلا سويعات ثلاث أو أربع يغمض فيها عينيه على وسادته , صورته صورة النائم وحقيقته حقيقة المهتم بأمر المسلمين لم يكن مبتدعا في هذا , فقد كان أسوته وزعيمه محمد صلي الله عليه وسلم يقف من الليل أكثره ليكون عبدا شكورا لقد أيقن حسن البنا بهذا فأحب أن يكون عبدا شكورا ويا ليتنا نفكر قليلا في هذا المعني الرائع الجليل لنكون من عباد الله الشاكرين فمعرفة فضل المنعم جل وعلا على ما أنعم وتفضل ثم شكر على هذا الفيض ذلك أسمي حقيقة العبادة وبهذا خاطب الله آل داود "

اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور" إنه العالم الذي لم يزل لسانه يوما بالإساءة إلى أحد ,جادل في أدب , وناقش في عفة وكان وده على كل من أساء إليه أن يهديهم الله فإنهم لم يتبينوا حقيقة ما يريد إنه العالم المجاهد بقلبه الذاكر ولسانه الشاكر , وقلمه الطاهر , وبيانه الزاهد وسيفه الباتر الذي أعده لأعداء الدين في فلسطين إنه العالم الورع الذي ألم بعلمه ولم يجعله مصدر للكسب والثراء وكان ذلك في إمكانه لو أراد لقد كان زاهدا عازفا عن الدنيا عزوف العارفين إنه العالم الذي عرف قدر العلم الذي يحمله فلم ينتظر بالناس أن يأتوه ليأخذوا عنه علما نافعا وخلقا طيبا وسلوكا نقيا ولكنه حمل كل ذلك يتجول بت بين البلاد كذلك كان يفعل لأنه يعرف أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يعرض نفسه على القبائل في سوق عكاظ وذي المحنة وغيرها يقول " ألا من رجل يحميني حتى أبلغ دعوة الله "

لم يرض الله له الألقاب الجوفاء التي فتنت الكثيرين وأعطاه بدلا منها لباب العلم , وسمة العالم , وجهد العامل , ولباس المجاهد وحلية الإخلاص ,كان العالم المنظم لوقته الدقيق في مراعاة هذا التنظيم علم أنه غير دائم فحرص على توزيع المسئوليات بين الإخوان العاملين حتي إذا ما جاءه أمر الله كانوا قد تمرسوا بالأعمال وحمل الأعباء وتبليغ الرسالة وأداء الأمانة وقد نجح في ذلك نجاحا منقطع النظير فما أن استشهد حسن البنا وظن الناس أن دعوة الإخوان المسلمين قد طويت صفحاتها حتى قام خلفاؤه من بعده بواجباتهم نحو دعوتهم .

تحت قيادة مرشدهم الثاني فضيلة الأستاذ الهضيبي الذي وقف في وجه الطغاة كالجبل الأشم , والحصن المنيع الذي ارتدت على جنباته كل مظالم عبد الناصر ومفاسده وحفظ على الدعوة مكانتها وكرامتها وأصالتها وازداد عدد الإخوان أضعاف أضعاف ما كانوا عليه ف يعهد الإمام الشهيد وهذا من أدلة صدق هذه الدعوة وانتمائها إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم ألم تر أن الرقعة الإسلامية بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم إن العمل الطيب الصالح ينمو ويزداد على مدي الأيام إذا تسلمته أيد مخلصة أمينة وهذا هو الشأن في دعوة الإخوان المسلمين.

المحن والابتلاء من طبيعة الدعوات

وعاب قصار النظر على هذه الدعوة أنها شربت مرارا, ولم تضرب مرة واحدة , وكأنما قام حسن البنا ليجعل المسلمين يضرب بعضهم بعضا وجوه بعض وكأنه جاء للشقاق لا للوفاق , إنه لجهل بأقدار الله الكونية هو الذي يوحي بمثل هذه الترهات فقد ظل سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاما يؤذى ويعتدي عليه وينال منه ويتهم بالسحر والشعر والكذب والكهانة وتفريق الأهل والعشيرة وفي قدرة الله جل وعلا أن يحمي نبيه عليه الصلاة والسلام من كل ما أصابه لو أراد ولكنها أقداره الكونية في رسالاته السماوية على أيدي أنبيائه المرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين لقد قتل العديد من الأنبياء مثل زكريا ويحي وكثير من أنبياء بني إسرائيل وما كان الله ليترك الأشرار ينالون من أنبيائه لأنه لا يستطيع أن يدافع عنهم حاشاه وهو القوي العزيز ولا هوانهم عليه ولكنها إرادته وحكمته في الاختيار والابتلاء والدعوة كلما قسا عليها الناس وآذوا أصحابها أشد الإيذاء .

وصبر أصحاب الدعوة على ما يصيبهم في سبيلها كان هذا البرهان القاطع على صدق الدعوة والداعية وعلو القدر والمنزلة عند الله وإلا فما كان أصحابها ليصبروا على ما أصابهم بسببها لولا تيقنهم من نفاسة ما يعتنقون إن محمد صلي الله عليه وسلم أحب خلق الله إلى الله وأقربهم مكانة منه وأعلا قدرا عنده , ورغم ذلك فلم يصب أحد بمثل ما أصيب بت سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم من جراء الدعوة إلى الله سنوات طوال في مكة والمدينة إن أعداء الإسلام لا يخططون ولا يتربصون ولا يتآمرون ولا يكيدون إلا لجماعة الإخوان دون سائر الجماعات الإسلامية وكلما اشتد ساعد الإخوان شيئا ما أدخلهم الله مرحلة من مراحل الاختبار والابتلاء صقلا لهم وإعدادا وكانت كل محنة تأتي بصلابة أشد وتمسك أقوي وتفان أعظم في دعوة الله , بلا يأس ولا تردد ولا كلل ولا ملل , مؤمنين تمام الإيمان أن العاقبة للمتقين وأن ساعة النصر آتية لا ريب فيها مهما طال بها الانتظار لأن الله وعد بها العاملين في سبيله قد تتأخر لا بأس قد لا تبدو لها ملامح في الأفق لا ضمير قد ينتاب بعض القلوب قلق أو ظن...

فليكن ذلك لشغف في الإيمان , أو لتقديرات بشرية قاصرة أما في قلوب المؤمنين المجاهدين فإنها واضحة جلية وضوح الشمس ظهيرة يوم صائف خلت سماؤه من السحب والغيوم .

إن الإخوان المسلمين على ثقة كاملة بأن النصر لدعوة الله على أيديهم أو من يليهم ليسوا هم أول من مستهم الضراء وتلاحقت عليهم الضربات وحلت بساحتهم المحن , وليسوا بأول من طال تشوقهم إلى ساعة النصر لقد سبقهم إلى هذا الدعاة والرسل والأنبياء :" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله إلا إن نصر الله قريب "

ويتكرر هذا المعني في آخر سورة يوسف " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم لمجرمين "

فليس العيب فيما يصيب الإخوان المسلمين على أيدي الظالمين أعداء الدين ولكن العيب في نقص فهم العائبين , أما الإخوان المسلمون فسيظلون على خلق الصبر , ومران المصابرة , ورفقة المرابطة حتى يأذن الله بالنصر , في أية مرحلة من مراحل الدعوة وللذكري .

فقد لبث سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام ألف سنة إلا خمسين عاما في قومه يدعو فلا يستجاب له ويسخر منه قومه فيسخر منهم كما يسخرون منه وزادت لمحنة أن خانته زوجه التي كانت معه , وبعد مئات السنين ما آمن معه إلا قليل .

ثم حقت كلمة الله وجاء النصر فأغرقهم أجمعين " ونوحا إذ نادي من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين ".

هذا حال الإخوان المسلمين سيمدهم الله بفضله وبعون من العاملين الصابرين . لا ضيق .. ولا جزع ... لا خوف ... لا رهبة ... لا طمع ..

لا استعجال لأقدار الله فكل شئ عنده له وقته المحدد من الأزل إنهم يؤمنون بأن ما عند الله خير وأبقي مهما طالت أيام المحن ومهما ادلهمت الخطوب . ومهما عصفت الرياح الهوج لا شئ يصرفهم عن دعوة الله ولا شئ يصرفهم عن ذكر الله ولا شئ يلهيهم عن النظر إلى وجهه الكريم .

إن حسن البنا من البشر . يغضب كما يغضب الناس ولكنه لا يفجر ولا يفحش ولا يعدل عن جانب الخلق الطيب في تعامله مع الناس كان دائم البشر فلا تري شفتيه إلا مفترتان عن بسمة آمنة غاية في العذوبة بسمة تدخل المن والأمل والطمأنينة إلى قلب كل من يجلس إليه أو يتعامل معه سهل إذا أخذ سهل إذا أعطي لا تزدهيه كثرة الاشتراطات ولا تحزنه قلتها هو في الحالين أوثق بما عند الله منه بما هو في يده لم يفارقه هذا الإيمان لحظة من اللحظات كان يناقش أعضاء مكتب الإرشاد في جلسات الانعقاد وكان في بعضهم إلحاح مثير فإذا ما نفد صبره هب خارجا وصك الباب خلفه في شدة , مرددا ( أنتم متعبون ولا ينفع العمل معكم ) وكنا نظنها غضبة الأسبوع , فإذا بت يطالعنا في اليوم الثاني بنفس إشراقه الأمس الزاهية على قسمات وجهه المليح وبنفس الشفتين الطاهرتين منفرجتين عن نفس البسمة المطمئنة الهانئة المسعدة .

كان يحلم حتى نظن أنه لا يغضب فإذا ما غضب أيقنا بالعود القريب , انتقد بعض إخوان الهيئة التأسيسية أحد أعضاء مكتب الإرشاد انتقادا قاسيا , ولم يرض الإمام أن يكون أحد أعضاء المكتب عرضة لمثل هذا الهجوم فدافع عنه حتى نفي عنه كل ما نسب إليه ولكنه زعيم وقائد ومصلح وليس الأمر إدانة أو براءة ولكن يهمه أول ما يهمه العلاقة الأخوية بين الإخوان المسلمين فلما ثبتت براءة الأخ وارتاح خاطره أوعز إليه بالاستقالة من السكرتارية ,حتى ترتاح نفوس الآخرين كذلك وقد كان رضي هؤلاء ورضي هؤلاء , وهكذا تورد الإبل دائما , ارتكب رئيس مكتب إداري خطأ , وكان مرد الخطأ اعتداد الأخ بقوة الإخوان في منطقته فأوقعهم في ورطة ومسئولية كلفتهم كثيرا , وعلم الإمام بالأمر .

فأنبه بالحكمة الخالدة ( اغتررت بقوتك فوكلك إلى قوتك فلم تنفعك في شئ ) وكان درسا للأخ لم ينسه طوال حياته وكان مثال الاتزان طوال فترة السجن , غاضبته مرة وانصرفت ,وشعرت بخطئي فعدت في اليوم التالي معتذرا فلم يقبل وأمرني بالرجوع من حيث أتيت, فعدت كاسف البال ولكن لست ناقما . لأننا موقنون بصواب تصرفاته معنا وما راعني إلا أنني بعد عودتي إلي المنزل.

أجده يدق بابي ومعه أحد الإخوان ويقول جئنا لنتغدي معك ! هكذا يؤاخذ ! وهكذا يسترضي ! بلا معقبات في النفس . ولا رواسب في الصدر . وكان يحضنا في إلحاح على التعامل مع بعضنا البعض ويقول :

إذا كان خصوم الدعوة لا يشترون من بضاعة أخيك . ثم إذا كنت أنت تشتري من غيره فلمن يبيع ؟ ألا تعلم أن لك من ربح أخيك نصيب فيما يدفعه من اشتراكات , وخرج مرة في رحلة خلوية مع الجوالة وقام الإخوة المكلفون بإعداد الطعام بعملهم ولكنهم أخطئوا بخلطهم العدس بالحلبة فكان مذاق الطعام غير مألوف , ولكنه خفف الحرج عن الآكلين والطهاة لتشجيع الجوالة على تناول هذا الطعام الغريب فقال :

أتعرفون ما اسم هذه الطبخة يا أحباب ؟ إنها الحلبة التي تسمعون عنها وها أنتم قد رأيتموها وأكلتموها فبالهناء والشفاء كان حلالا للمشاكل في بساطة ويسر ناجحين في مركز من المراكز شعبة يرأسها ناظر مدرسة إلزامية , وانتقل إلى هذا المركز أخ أكثر علما من الناظر , والإخوان يهمهم مصلحة الدعوة قبل المناصب والألقاب وبعد أيام قال نائب الشعبة القديم للوافد الجديد :

يا أخي إنها أمانة فأنت أحق بحملها مني بعلمك ومكانتك فاقبل رئاسة الشعبة, وارحمني يرحمك الله , فرفض الآخر وفي إصرار قائلا : إن أهل مكة أعلم بشعابها وصمم كل منهما على رأيه , ورفعا الأمر إلى فضيلة المرشد , فقال لنائب الشعبة لماذا تصر على أن يكون أخوك هو نائب الشعبة ؟ قال إنه أعلم مني فالرياسة شرعا من حقه , فقال الإمام هب أنه قبل , وزاول عمله فأخطأ فمن يصلح خطأه ؟ وأنت كما تقول دونه علما , فابق في مكانك فإن أخطأت أصلح لك خطأك ,أليس هذا صحيحا قال : نعم وانتهي الأمر بهذه البساطة

صراع مرير

قد تسألني بعد ذلك لماذا هاجم الكثيرون حسن البنا ؟ وهو كما تقول أدبا وعلما وحنكة ؟ ولماذا وجهت تهم الإرهاب إلى الإخوان المسلمين وهذا من حق أى إنسان أن يسأله , ولكني كنت أحب للإنصاف أن تسألني لماذا زاد عدد محبي حسن البنا على عدد شانئيه , حتى تتم المعادلة من طرفيها , ويتم الإنصاف في السؤال من جميع نواحيه ومع كل فإني مجيبك عن الشق الأول لأريح حب الاستطلاع في نفسك وعند غيرك من المستطلعين .

اختلف الناس في كل شئ رأوه أو سمعوه أو قرأوه, حتى الخلاق العظيم . رب العرش الكريم أنكره الكفرة الفجار الملحدون ومع ذلك لم يبطش بهم في ديارهم وهو على ذلك قدير ولكنه أخر مؤاخذتهم إلى يوم تشخص فيه الأبصار وكذب الناس الرسل والأنبياء وآذوهم فماذا يضير حسن البنا إذا هاجمه فريق من الناس وهم في هذا متجنون مغرضون ! وهل ينتقص من قدر حسن البنا الأغرار .

لا يضير البحر أمسي زاخرا

إن رمي فيه غلام بحجر

والناس كذلك متخالفون في عقولهم وتفكيرهم ونظراتهم إلى الأشياء ولن يجمعوا يوما على أمر وما أظن مخلوقا على الأرض منذ آدم عليه الصلاة والسلام حتى اليوم حظي برضاء الناس جميعا .

وما من شك أن اختلاف الرأي يأتي بالخير الكثير ذلك أن الأشياء تتميز بأضدادها إذا فمن البديهي وبلا سبب أن يهاجم بعض الناس حسن البنا خاصة وقد جاءهم بإصلاح ديني في وقت ذر فيه قرن الفتنة العلمانية الإلحادية وبدأت طلائع الشر تحيط بالمسلمين من كل جانب .

إن أول من هاجم حسن البنا هم الوفديون كانت الأمة مفتونة بسعد زغلول وبحزب الوفد وبدأ حسن البنا يحطم الأصنام بدعوته التي اعتنقها الشباب الواعي النظيف البعيد عن الميوعة والنفعية .

وأحس الوفد أن هناك قوة صاعدة في هذا البلد قد تؤثر على نفوذه في مصر , فلابد وأن يقضي عليها قبل أن يشتد ساعدها فتستعصي عليه ,وتنفذ الشعب من التهريج السياسي, فبدأت صحفه تنشر الأكاذيب تحت عنوان ( هذه الجماعة تهوي ) وجاءوا فيها بأباطيل وترهات عرف بها مهرجو ذلك العهد

وكتابه المأجورين , فكان رد أستاذ الجيل عليهم بسرد الحقائق ودحض الأباطيل تحت عنوان ( هذه الجماعة تهوي ) سرد فيها ما قدمه الإخوان للإسلام... دون أن ينال من الوفد بشئ ورأى القصر أن قوة الإخوان تتزايد يوما بعد يوم والقصر يكره الوفد ويضمر القضاء عليه فأخذ رجال القصر يظهرون شيئا من التقرب نحو الإخوان .

لا حبا فيهم ولكن نكاية في الوفد, فاهتبلها الوفد متهما الإخوان بأنهم رجال القصر رغم أن هذا التقرب المريب لم تخدع الإخوان وظلوا على انتقاداتهم لتصرفات القصر .

وقدر الاستعمار خطر الإخوان المسلمين على الصليبية وربيبتها الصهيونية التي يعد لها مكانا في فلسطين , فأرسل أذنابه وعملاءه في جريدتي الأهرام والمقطم يهاجمون الإخوان , ووقعت أحداث حققتها النيابة وحفظتها لأنها لا دليل عليها ضد الإخوان , كما كان يراد من وراء تلفيق هذه الأحداث بنسبتها إلى ألإخوان .

وقد جمع عبد الرحمن عمار , غفر الله لنا وله مدير الأمن العام في ذلك الوقت كل هذه القضايا في كتيب ليكون تكئة استند إليها النقراشي رحمنا ورحمه الله , في حل جماعة الإخوان المسلمين وتجميد أموالهم ومصادرة ممتلكاتهم واعتقال أفرادهم وكتيب عبد الرحمن عمار هذا هو نفسه الذي استخدمه جمال عبد الناصر في الشنائع والبشاعات التي أوقعها بالإخوان المسلمين طوال حكمه البغيض لم يدن القضاء المصري إلا عددا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وكانت إحداها عن سوء تقدير لمرتكبيها في بعض أحكام المستشارين المرحوم أحمد بك الخازندار.

إننا ننكر الجريمة حقا أيا كان الدافع إليها ولا نقر فرض الرأي بالنفي , فإن هذا ليس من طبيعة الإسلام ولكن لقد كان لهذين الشابين اللذين قتلا الخازندار فهم خاطئ في بعض الأحداث فبنوا عليه عملا لا يقره شرع الله جهلا منهم بأحكام القانون الوضعي قبل مقتل الخازندار وقعت في الإسكندرية حادثتي قتل على شابين من الشباب المنحرف ثم وقعت جريمة ثالثة مماثلة لهما ظن القاتل فيها أن ضحيته أسلم الروح , ولكنه لم يكن قد مات , ولما عثر عليه ملقي في أحد حدائق الإسكندرية , وأسعف بالعلاج وشفي .

قال : إن أحد رجال الأعمال ( اسمه قناوي بك) استدرجه إلى ذلك المكان , وبعد أن قضى لبانته معه خنقه حتى ظن أنه مات , وحوكم قناوي هذا ولم تثبت عليه جريمتي القتل الأوليين, وكانت الثالثة شروع في قتل , فحكم عليه الخازندار بثماني سنوات بالأشغال الشاقة , وفي نفس الوقت أحداث تلك الجرائم قتل بعض الجنود الإنجليز المستعمرين في الإسكندرية وقبض على بعض شباب الإخوان المسلمين على أنهم الفاعلون , وحكم علي بعضهم بعشر سنوات أشغال شاقة .

وظن قاتلا الخازندار جهلا بالقانون الوضعي في مصر أن الخازندار قد تنكب طريق الصواب في أحكامه , كيف يحكم في جريمة خلقية فيها قتل بثمانية أعوام , وفي جريمة وطنية الشرع يأمر فيها بمحاربة المستعمر , يحكم بعشر سنوات , وفي ظل هذا المعني لخاطئ وقعت الجريمة وشنع بها المغرضون على الإخوان المسلمين .

هذا إلى أن الإخوان المسلمين كانوا قد بدأوا يتدربون على استعمال الأسلحة استعداد لطرد اليهود من فلسطين.

هذا كذلك إلى أن شباب الإخوان بدأوا يطلقون لحاهم ويأخذون أنفسهم بطابع الجد وسيماء الوقار , بعيدين عن مظاهر الليونة والتميع التي كانت سمة الكثير من شباب ذلك العهد حتى بلغ بهم الأمر أن يقيمة مسابقة ملك جمال على شواطئ الإسكندرية من بيهم كأنهم فتيات بلا حياء ولا خجل , وكان الناس في ذلك العهد قد ابتدأوا يبتعدون عن طريق الجد والرجولة لهذه الأسباب وغيرها انتهز أصحاب الأغراض الكارهون لأية محاولة إصلاح في صفوف المسلمين , انتهزوا الفرصة وأطلقوا على الإخوان وصف الإرهابيين وما بهم من إرهاب ولا قسوة ولكنهم الذين عناهم القرآن بقوله :

" أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من اله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوي على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ".

ونسأل الله أن يحقق وعده لنا بالمغفرة والأجر العظيم أما اجتراء الحكومات عليهم , المرة بعد المرة ومقابلة الإخوان الاجتراء بالصبر والتجمل والاحتساب فهذه هي سمة الداعي إلى الله بيقين .

لقد أخذ الكثيرون على الإخوان أنهم يقابلوا الشر بالشر . والضربة بالضربة ظنا منهم أن مقابلة الشر بالشر تحسم ...

ولكن هذا خطأ محقق لأن الإخوان ليسوا دعاة شر ولم يقوموا بدعوتهم ليقتتلوا مع أبناء دينهم الذين جاء الإخوان لنصحهم وهدايتهم وتقويمهم لقد كان في مقدور الإخوان لو أرادوا وبسهولة ويسر أن ينسفوا السكك الحديدية والكباري والجسور والمنشآت العامة كالمياه والكهرباء والتليفونات وغيرها دون أن تنالهم يد الحكومة ولكنهم يعلمون تماما أن هذه المرافق ليست مملوكة للحكومات ولكنها ملك الشعب .

وهم من الشعب كما أن هذا التدمير قد يفضي إلى إزهاق بعض الأرواح البريئة وهذا حرام. الإخوان قاموا ليحرموا ما حرم الله وهذا ما أطمع الحكومات فيهم وجرأ الأحزاب عليهم ولو كان الإخوان المسلمون جبناء لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم كما يظن البعض ذلك مخطئين متجنين لما شهدتهم ميادين الوغي والجهاد في فلسطين وضفاف القنال أسد الشرق , وصناديد الجلاء .

إنهم رجال في ميادين الرجولة مناضلون شجعان في مجالات الكفاح أما اصطدامهم بمواطنيهم أما حرق, المعامل وتدمير المدرجات والمحال التجارية والعامة في المظاهرات الصبيانية فأمر يعرفه الشيوعيون ومن نحا نحوهم فكل هذا ليس في برامج الإخوان المسلمين ولو سبب هذا الالتزام للإخوان المسلين الكثير من المآسي الدامية إنهم يعرفون لماذا قاموا بدعوتهم ويعرفون ما سيتعرضون له فأقدموا حاسبين لكل شئ حسابه .

إن الإخوان المسلمين لا يجرمون ولكنهم جادون فى توعية المسلمين وتوسيع القاعدة العريضة للمسلمين التي تعرف ما لها وما عليها. إنهم لا يعدون الشباب الجامعي للاعتداء على أحد أو أسبابه ولكنهم يعودنهم لما بعد التخرج حتى إذا عمل أحد في الأجهزة العامة أو الخاصة فعن طريقهم وبأيديهم وبإسلامهم يكون الإصلاح دون إراقة دماء ولا مهاترات قد يطوال الزمن في انتظار هذه النتيجة الطيبة فليكن إن علينا العمل والعمل وحده أما النتائج فأمرها بيد الله وحده في الوقت الذي حدده لها لأننا على ثقة أن الله لا يعجل لعجلة عبده الذي خلقه عجولا إننا لسنا بالقوم المتعجلين هكذا علمنا أستاذ الجيل وكل هذا من تعاليمه ,

موقف الإخوان من الحكومات

إن حسن البنا غرس في قلوبنا ألا نؤله حاكما ولا غير حاكم كما يفعل المنافقون والمتسلقون وأصحاب النفوس الواهنة إن الله خلق الناس متساوين في الحقوق والواجبات وأكرمهم عند الله أتقاهم له , كل يستمتع بحقه ويؤدي واجبه , الحاكم والمحكوم على السواء ولن يقضي على الأمم وينزل بها إلى الهاوية إلا أنها تخاف حكامها مهما بغوا وعتوا عتوا كبيرا فلا تحرك جارحة بعمل أو بقول لقد علمنا حسن البنا أن السكوت على الظالم ظلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"

لا تقدس أمة لا يقضي فيها بالحق ولا يأخذ فيها الضعيف من القوي حقه غير متعتع" لهذا يكره كل حاكم كل أخ مسلم , لأنه لا يقره على خطأ أو انحراف , وما أكثر أخطاء حكام البلاد الإسلامية , بل ما أضرمها !! إن مهنة الحاكم إصلاح حال الرعية فإن اهتم بنفسه قبل رعيته خسر الدنيا والآخرة علمنا أستاذ الجيل أنه ليس من حق الحاكم أبدأ أن يحدد من تلقاء نفسه ما يحل وما يحرم دون نص قرآني أو سنة محمدية , حتى الشعب نفسه ليس من حقه أن يحلل أو أن يحرم إنما ذلك لله وحده " إن الحكم إلا لله ..."

إن الحكام متغيرون بل إن رأي الحاكم الواحد متغير ولا يصح أن نترك مصالح البشر لأهواء بشر مثلهم ولن يتحقق أمن ولا رخاء ولا حرية ولا استقرار إذا ترك التشريع للبشر إن الخير كله لن يتحقق إلا بتطبيق كتاب الله وسنه رسول الله صلي الله عليه وسلم . إن اللجوء إلى غير حكم الله يضعف الثقة بين الحكم والمحكوم ويفقده عواطفهم لأن ما يرضي ففريقا من الشعب في تصرفات الحاكم لا يرضي البعض الآخر .

ونصف الناس أعداء لمن

ولى الأحكام هذا إن عدل

أما حكم الله فهو وحده النافذ المطاع فيمن رضي وفيمن لم يرض لأنه صادر من سلطة فوق سلطة البشر وإنها لإحدى قضايا حسن البنا , أو قضيته الكبري التي استشهد من أجلها .

إن إقرار شرع الله لا يؤخره قلة عتاد المنادين به ولكن الذي عرقل التطبيق كثرة المعوقين المأجورين الذين تفتح أجهزة الأعلام صدورها لهم ليبثوا سمومهم في أذهان الشباب وسكوت الحكومات المتتالية على هذا التخريب العقيدي بحجة المحافظة على حرية الكلمة ألا فلتذهب كل حريات العالم إلى الجحيم إذا كان التسليم بها مؤديا إلى الاعتداء على العقيدة ومحاولة تقويضها من الداخل ومن الأساس هذه هي مهمة الإخوان المسلمين في هذا العصر توعية الشباب ودفعه إلى التمسك بتعاليم دينه في جد ودأب وإخلاص لا يكفيهم من القيام بهذه الفريضة الدينية كل ما وجه إليهم من سباب واتهام وتهديد سافر أو خفي إنها المهمة التي قعدت كل الجمعيات الدينية بحجة أنها ضرب من السياسة وهي لا تريد أن تقحم نفسها في خضم السياسة ! أليس هذا فهما عجيبا في الإسلام ؟!

منهج فريد في التربية

يري أستاذ الجيل أن التربية العملية يجب أن تكون قرينة الدروس النظرية وتطبيقا لها في برامج التعليم .

إن التربية السليمة الصحيحة الواعية هي التي تجلي روعة هذا الدين في واقع الحياة فالمدرس وهو يدرس لابد وان يوقف الدرس إذا سمع الآذان, إذا لم يكن يصلي بتلاميذه فلا اقل من ترديد الآذان ليتطبع الطلبة على احترام الآذان إذا سمعوه هذا التوقف عن مواصلة الدرس لترديد الأذان , يؤثر في تكوين الطالب , ما لا تؤثر فيه ألاف الدروس النظرية في معني الآذان واحترامه والطالب شديد التأثر بمدرسه , فإذا رأي منه اهتماما واحتراما لدينه حذا حذوه حتى في غيبته من وسائل أستاذ الجيل في التربية يقول : لماذا فضلت صلاة الجماعة على صلاة الفرد , مع أن الحركات في الاثنين واحدة ؟

السبب في ذلك إيجاد فرصة للتعارف بين المسلين إذا صلوا في جماعة , فلا يصح أن يسلم المصلي من صلاته ليندفع إلى باب المسجد خارجا لا بل عليه أن يتعرف إلى لمصلي عن يمينه وعن شماله مسلما وداعيا بقبول الصلاة ومضاعفة الأجر ومتعرفا ومقيما لصلات توطد هذه المعرفة ولو تكرر هذا التطبيق من المصلين جماعة لقام التآلف , ولتحققت المودة بين المسلمين ولكننا نحرص على مظهر صلاة الجماعة دون أن تحقق الهدف الذي من أجله فضلت على صلاة الفرد بخمس أو سبع وعشرين درجة وقال لنا أستاذ الجيل :

إننا في مساكن لا نتعامل مع جيراننا تعامل الجيران المسلمين فالقرآن حث على وجود وحسن صلة بين الجيران :" واعبدوا الله ولا تشركوا بت شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب" وقد حض رسول الله صلي الله عليه وسلم في أكثر من حديث على طيب الجيرة وحسن العلاقة بين الجيران فقال صلي الله عليه وسلم :" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".

وقال مرة :

" والله لا يؤمن, والله لا يؤمن , والله لا يؤمن " قالوا : من هذا الذي لا يؤمن يا رسول الله ؟ قال : الذي لا يأمن جاره بوائقه ) .

كان الأستاذ الإمام يسألنا عمن نعرف عن جيراننا ومدي صلتنا بهم وتعاملنا معهم واختلاطنا بهم وكان يثني على المجد منا في هذا المجال وينصح المتراخي بهذا الواجب وما كان ذلك عبثا منه ولك أن تتصور وحدك عمارة عن عشرين مسكنا مثلا , كلهم متعارفون متحابون متعاونون , ألا تراهم أنهم أحسن حالا من أى مسكن آخر ؟

أليست الأسرة من مكونات المجتمع ؟ فكيف بك بمجتمع قام كله على الألفة والمحبة والوداد هكذا كان يريد في بساطة ووضوح بعيدا عن الفلسفة وتعقيداتها والمصطلحات ومداوراتها ولا مجادلات ولا مشاحنات ولا تضخيم للأمور أمام العقول ولكن عمل وتطبيق وتنفيذ وتيسير كنا في سجن الواحات وتشاحن إخوان فصفع محمد سيدا , ورفع الأمر للمسئول فقضي لسيد بصفعه مثلها على خد محمد , وتجمع الإخوان ليروا حكما من أحكام الله ينفذ بين طهرانيهم , ووقف محمد وسيد وجها لوجه وأرخي محمد يده إلى جانبه ليصفعه سيد , ورفع سيد يده وهوي بها لكن محتضنا أخاه قائلا :

أما وقد قضي لى فقد عفوت عنك سامحك الله وهكذا سارت الأمور رخاء بين الإخوان طوال أعوام السجن وهكذا أقام أستاذ الجيل هذا المجتمع الكريم من الإخوان المسلمين حتى داخل السجون حيث تضيق النفوس وتثور الأعصاب .

عزة المسلمين في العودة إلى دينهم

كان من تعاليمه لنا أن قطع يد السارق ليست عقوبة لاختلاس المال ولكن لمعني أسمي من المال , فالإنسان أكرم من أموال الدنيا كلها هناك جرائم كثيرة تقع على المال , ولا يعاقب عليها الشرع بقطع اليد مثل خيانة الأمانة وجحد العارية , وعدم رد الوديعة , والنصب وما إليها .

كل هذه جرائم تقع على المال , ولا تقطع فيها اليد , فلماذا إذا لا تقطع اليد إلا في السرقة وهي جريمة تقع على المال بدورها حكمة التشريع في هذا , أن اختلاس المال في الجرائم الأخرى يتم في هدوء وبتسليم صاحب المال ماله لغيره ثقة منه فيه , أما السرقة ففيها ترويع للآمنين وإخلال بالأمن الذي هو من مميزات المجتمع الإسلامي . وقد يسي مفاجأة السارق لصاحب المال في بيته , وفي جنح الظلام , مهددا بالسلاح وملثما أو غير ملثما قد يسبب هذا رعبا قاتلا . قد ينتج عنه مرض مزمن يستعصي شفاؤه .

إذا فليس المال أصلا هو المقصود بالقطع ولكنها المحافظة على الأمن واستقراره في ربوع المسلمين , الأمن الذي يعرفه فقهاء الشريعة ( ليس الأمن في منع الحرب , ولكن الأمن أن يبيت المسلم آمنا على نفسه وعرضه وماله ) .

وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النعيم الذي جاء في آخر سورة التكاثر " لتسألن يومئذ عن النعيم " الذي يسأل عنه المسلمون في غدهم ؟ فقال عليه الصلاة والسم : الأمن والصحة " هذه هي النظرات الثاقبة في حكمة التشريع الإلهي الذي ظل طوال حياته الغالية التي مرت بالمسلمين مرور البرق اللامع يطالب بت ويجاهد في سبيله .

ما كان لأستاذ الجيل من هم ولا شغل إلا تربية الناس على تعاليم القرآن لأنها وحدها التي تعود بالمسلمين إلى سالف عزهم , وعظيم مجدهم وكان يسلك في هذا جانب التربية أكثر من اعتماده على جانب التعليم كان يكثر من حث الإخوان على إقامة المعسكرات التي يشترك فيها إخوان من بلاد متعددة فيمرون فيها على حياة الرجولة الخشنة الجادة والنظام الذي يضبط تصرفات الأفراد , والتربية التي تقيمهم على الصراط المستقيم وكان للرحلات المشتركة جانب كبير من اهتمامه ويلح عليها ويشارك فيها وطالما رأى وادي حوف وجبال المنيا وأسيوط كثيرا من هذه الرحلات النافعة الممتعة الجادة كان الإخوان أول جماعة أقامت نظام الأسر بين أفرادها . ويا له من نظام !!

لن تنجح جماعة أو نظام أو هيئة . إلا إذا قامت على نظام الأسر الإخوانية وطبقته تطبيقا دقيقا يؤتي ثماره كان نظام الأسر في جماعة الإخوان المسلمين من أقوي الدعائم التي ألفت بين قلوب الإخوان جميعا وأضفت على خطواتهم ومشروعاتهم ألوان الوفاق والانسجام والنجاح هذا النظام علم الإخوان ألا تشغلهم واجبات عليهم عن الانطلاق في كل ميادين الحياة فكان منهم التجار الناجحون , والطلبة المبرزون, والعمال الممتازون , والموظفون الأمناء المحترمون كان يطالبهم بالجمع بين الواجب التعبدي الذي يرقق العاطفة, وبين الواجب المعيشي النظيف الحلال فالله أمرنا أن نسير في الأرض وأن نضرب في مناكبها ثم بعد فالرزق من عنده وحده :"

وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أ،كم تنطقون " وإذا كان الرزق في السماء فلماذا يحترب أهل الأرض أشد الاحتراب في سبيل شئ ليس في متناول واحد منهم وهكذا كطل جهود أستاذ الجيل قائمة على أن يتخرج في مدرسة الإخوان المسلمين الأفراد الصالحون لعمارة وسعادة المجتمع ورفعة الأمة الإسلامية .

ضرورة الارتباط بين العقيدة والسلوك

لقد تعلمنا على يد حسن البنا استحالة الفصل بين العقيدة الراسخة في قلب المسلم العقيدة التي تعبدنا الله بها , العقيدة التي يجب أن نعيش عليها ونحيا بها العقيدة التي ميزت الإسلام بميزات لم يحظ بها دين سماوي سبقها يستحيل الفصل بين هذه العقيدة الكامنة في كل نبضة قلب وبين الشريعة التي تحكم حياتنا وتصرفاتنا في حياتنا نعم إذا تعامل المسلم مع غيره فبأي المعايير معايير العقيدة التي يعبد بها الله , والتعامل مع الناس جزء منها أم معايير يعيينها له بشر مثله ؟

طبعا طبقا لما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فكيف أكون مسلما حقا مؤمنا بالله وقدرته وعلمه وحكمته .

ثم لا أطبق شرعه في التعامل مع الناس ؟ إذا أكلت ؟ فهل لى كمسلم له عقيدة يتمسك بها أن آكل من غير حلال ؟ وهذا شرع الله , فكيف أفصل بين عقيدتي وبين شريعتي ؟

إنه خلط في الفهم واضطرب في التفكير إنه لن يصلح حال المسلمين وينقذهم مما هم فيه إلا عودتهم إلى كتاب الله في كل ناحية من نواحي ولذلك كان الإمام الشهيد يقرن دائما بين القول والعمل ويؤكد لنا أن الداعية الذي تقتصر مهمته على الكلام داعية فاشل لن يصل مع الناس إلى شئ إن أهم عامل في نجاح الداعية هو القدوة ولا خير في داعية يقول , ولا يكون أول من يطبق على نفسه ما يقول .

إنه بذلك يكون قاطع طريق , يقطع طريق الجنة على الذين يريدون السير فيه.

لأنهم لا يرن في عمله ما يطابق قوله , فيقولون لأنفسهم لو كان ما يقوله حقا يؤمن به لكان أول من يعمل بما يطالب بت الناص ولهذا المعني جعل الله سبحانه لنا في رسوله صلي الله عليه وسلم الأسوة لحسنة والقدوة الطيبة كان يكثر من التنبيه إلى أن إجمال الكلام في الدعوة إلى الله والتطبيق والحكم بما أنزل الله ومدارسة القرآن , لم يعد كافيا اليوم لتأخذ الدعوة طريقها الصحيح قدما لابد من تهيئة محاضن أولية في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية لإقامة الطفل منذ سنواته الأوي على مبادئ الإسلام إن المهازل التي تجربتها الحكومات اليوم في دور العلم من تعلم الرقص والموسيقي والسينما والمسرح كلها موبقات فتاكة تفتك بالمعاني الإسلامية في نفوس النشء ما دامت السينما والمسرح والموسيقي على النسق الذي نلمسه ونراه إن الطفل بهذه الأساليب ينشأ غارقا في المفاسد والمهازل والسخافات بعيدا كل البعد عن الجدية التي يدعو إليها الكتاب والسنة أليس حقا ما يقول حسن البنا ؟

أليس هو الخير الذي يجب أن يعود الجميع إليه حتى تسعد الأمة الإسلامية بما تريد إنه يري أن دوام النظم والتخطيط لن يكون إلا بقدر ما تعمل هذه النظم والتخطيطات على توفير مطالب الناس , للناس مكالب ولهم رغبات والناس لا يمكن أن يعيشوا فوضي بلا نظم تحكمهم وبلا قوانين تحكم تصرفاتهم وتوفر حاجياتهم وتنظم شئونهم وتوفر لهم الأمن والهدوء .

لا يصلح الناس فوضي لا سراة

ولا سراة إذا جهالهم سادوا

أدرك أستاذ الجيل ها تمام الإدراك , أيقن أن الإسلام هو خير ما يوفر كل ذلك, لا لبنيه فقط بل للدنيا من أولها إلى آخرها , فأقام دعوة الإخوان المسلمين على هذا الأساس وجعل قواعدها الراسخة هذه الأصول التي لا تتغير ولا تتبدل ولا تؤثر في سلامتها عاديات الزمن بأي حال من الأحوال إنها ليست شعارات للإخوان المسلمين ولكنها مبادئ نورانية تهدي الحياري إنها ينابيع الري الذي ينقع غلة الظامئين والهدي الذي لا يضل معه احد من السالكين .

من مبادئ الإخوان المسلمين

الله غايتنا

هل وراء ذلك من غاية ؟ هل في الوجود عاقل لا يرضي بهذه الغاية ؟ هل من يرفض أن تكون غايته في دنياه رضاء الله ؟

هل من ضعيف يري في غير الله قوة ؟ هل من محتاج يري في غير الله كفاية ؟ هل من حائر يجد عند الله هدي؟ هل من مكدود يري عند غير الله عونا ؟ وهل من محزون يلتمس من عند غير الله عزاء وسلوي ؟ وهل من مقهور يبحث عند غير الله نصرة ؟ هل وهل ؟ فكيف لا يكون الله غايتنا ؟

والقرآن دستورنا

ضلت القوانين إن لم يكن مصدرها كتاب الله وتعس الناس إن لم يكن القرآن دستورهم إن القوانين دعامة من دعامات المجتمع وكلما أحكمت مواد القانون لتكون وعاء لمطالب الناس ورغباتهم كلما كان هذا لقد ثبت واقعيا وتاريخا أنه ما من دستور أو قانون وضعي إلا دخل عليه التغيير زيادة أ و حذفا إضافة أو نقصا مما يقطع بأن العقل البشري لا يستطيع أن يصنع للناس تقنينا ثابتا شاملا , وحتى لو وجد مثل هذا الدستور افتراضا فقد يأتي طاغية فلا يقيم لهذا الدستور وزنا فيعطله أو يلغيه بجرة قلم بحجة مصلحة الشعب . أما القرآن فهو القرآن لم يتبدل فيه حرف واحد من يوم أن نزل منذ ألف وأربعمائة عام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دلت أحداث التاريخ أنه ما من أمة مسلمة تمسكت بكتاب الله وطبقته بحذافيره إلا عزت وسادت فلماذا لا ندين بهذه الصلاحية كمسلمين ونجعله دستورنا الذي نفزع إليه في حل كل مشكلاتنا وإصلاح حالنا هذا واقعنا إن كنا نؤمن بالله واليوم الآخر فحسن البنا لم يأت بجديد ليكون محلا للخلاف أو النقاش إنه تقرير الأمر المقرر .

والأخذ بالواقع الملموس بل وتحصيل الحاصل .

والرسول صلى الله عليه وسلم زعيمنا

من يوم أن قامت على الأرض مجتمعات ولكل مجتمع مرجع أو حاكم أو حكومة يرجعون إليها , والحاكم إما أن يأتي عن طريق الشعب , وإما أن يغتصب الحكم اغتصابا . أما الذي يأتي عن طريق الشعب فلا يمكن أن يكون عليه إجماع بل أتت به الأغلبية الساحقة أو النسبية وأما المغتصب فلا رضاء عنه من أحد أما محمد صلي الله عليه وسلم يغتصب زعامة ولا حكومة كما أنه لم يأت بت الشعب .

إنه هدية الله إلى الناس أجمعين :" وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " فنحن إذا نتزعمه عقيدة ولا يحل لمسلم أن يري في غير رسول الله صلي الله عليه وسلم زعيما زعيم الزعماء أو حاكما أو قائدا نعم تزعمناه دينا لأننا أمرنا بطاعته " وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله " وجعل الله طاعة هذا الرسول صلي الله عليه وسلم من طاعته هو عزوجل :

" ومن يطع الرسول فقد أطاع الله " وأمرنا الله أن ننفذ أوامر هذا الرسول صلي الله عليه وسلم وننبذ ما نهي عنه :" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب "

إننا نطيعه لا لأنه زعيمنا وحدنا ولا رسولنا وحدنا ولكنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس جميعا على مختلف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم لا تفرق دعوته بين إنسان وإنسان كلهم لآدم وآدم من تراب :ط قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون " فهل لمسلم بعد هذا من رأي في اتخاذ سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم زعيما وقائدا وحاكما وحبيبا ؟ هل أتي حسن البنا في هذا بجديد أو ببدعة ؟

أم أنه يعود بنا إلى كتاب الله الذي غفل الكثير من المسلمين عن روعة أحكامه وجلال نظمه .

والجهاد سبيلنا

هل ينكر أحد أن لكل نتيجة مقدمة , ولكل هدف سبيل نسلكه لنصل إلى الهدف , ولذلك اختار حسن البنا , الجهاد لاستعادة أمجاد المسلمين منفذا بذلك حكمة الله التي جعلت الهداية لمن جاهد فيه , وهل يريد مسلم إلا الهداية إلى أقوم سبيل :

" والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " وأطاع أستاذ الجيل ربه فاتخذ من الجهاد سبيلا لتحقيق آمال المسلمين لا للوصول إلى أمجاد الدنيا فقط ولكن للسعادة التي لا تفني ولا تبيد في جنات النعيم .

" ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منم واتقوا أجر عظيم .

الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين ".

فهل ابتداع حسن البنا في اختيار الجهاد سبيلا نبيلا للمسلمين فيه بشريات وفيه نعيم وفيه أمن , وفيه اعتماد على الله , وفيه صدق يقين , وفيه إرضاء كامل لرب العالمين .

والموت في سبيل الله أسمي أمانينا

هل بعد هذه الأمنية من سمو وارتقاء . إن المحب يبذل في سبيل المحبوب كل ما يقدر عليه وكل ما يستطيع , والمسلم لا يحب الحب الحقيقي إذا أحب إلا الله ورسوله إذا أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , وإذا كان دليل صدق هذا الحب هو بذل النفس ذاتها , فليس لدي الإخوان المسلمين من بديل لإعزاز دين الله إلا أن يقدموا أرواحهم طيبة بذلك نفوسهم في سبيل الله :

" إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ".

وهكذا يضع حسن البنا أيدينا على كل الذي في كتاب الله وإذا كان الله قد جعل الجهاد في سبيله والاستشهاد من أجله هو الفوز العظيم فهل هناك من مسلم يرغب عن هذا الفوز العظيم ؟

فهل اتجر حسن البنا بالدين ؟ وهل أضل أو ضلل الإخوان المسلمين عندما حبب الجهاد إليهم , وزينه في قلوبهم وجعله سبيلهم وأقامه دليلا على صدقهم ؟ أيها المغرضون أرعووا !! أيها المنكرون تبينوا أيها الحائرون اهتدوا !! أيها الإخوان المسلمون تمسكوا واقتدوا واقتدوا .

أعداء الإخوان ومآلهم

ليست هذه شعارات لوح بها الإخوان المسلمين على رؤوس الناس , ولكنها الحقائق لتي لمسها الناس في الإخوان المسلمين , عملا واقعا وحقائق مطبقة. يوم أن عذبهم الطغاة في السجون أشد العذاب وكانوا يسألونهم هل أنتم مع عبد الناصر أم مع الهضيبي؟ فيقول الإخوان : نحن مع الله لأنه غايتنا . ثائرة المعذبين ويتمادون في العدوان قائلين :

إذا فأنتم مع الهضيبي يا أولاد الكلب , في تلك المواقف كان الإخوان يذكرون بلال بن رباح يوم أن فحش المشركون في تعذيبه لقوله : أحد أحد ونصحه بعض الذين يعطفون عليه أن يترك هذه الكلمة التي تسبب له كل هذا العناء . كان رده الإيماني والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لهم من هذه لكررتها فكيف أترك تسبيحي أحد أحد .

هكذا كان يحقق الإخوان المسلمون عمليا , قولهم : الله غايتنا وأين ؟ داخل سجون عبد الناصر الرهيبة وفي أى ظروف تحت سياط زبانية عبد الناصر ولماذا ؟ لأنهم يؤمنون بالله حقا وصدقا , قولا وعملا , دينا ودنيا , حياة ونشورا . هتف الإخوان بالقرآن دستورهم , فحاول زبانية عبد الناصر صرفهم عن هذا الهتاف , فلم يزدهم هذا الصرف إلا تمسكا بكتاب الله فأخذوا منهم المصاحف ومزقوها بأيديهم , فمزقهم الله شر ممزق في سنة 1967, وداسوا على كتاب الله بأقدامهم أمام أعين الإخوان نكاية فيهم فداستهم حيزبون دردبيس ( جولدا مائير) في سنة 1967 .

وأذلتهم بين العالمين وكللت رؤوسهم بالعار , وأقفيتهم بالشنار , وكست وجوههم بالخزي وتورمت أقدامهم التي داسوا بها على كتاب الله تورمت مذلة وضعة وهي تفر في صحراء سيناء من رصاص اليهود يتخطفهم من كل ناحية , وهناك فقط تذكروا الله , ولكن بعد أن حشرج بها الصدر , وآمن الإخوان بحق اليقين أن الرسول صلي الله عليه وسلم زعيمهم لأنه نبي الله المرسل إلى الناس جميعا , ولأنه أحب خلق الله إلى الله ,

وأنه أكمل الخلق خلقا وأصدقهم قولا وأنه في زعامته للمسلمين لم يسكن المتبلة مما لا يناله غيره من المسلمين جميعا دون تفاضل يدعو إلى التطلع يأكل ما يأكله المسلمون هذا إن أدركه مثل كعامهم هذا إن لم يبت لياليه ذوات العدد طاويا هذا إذا لم يمض الهلال تلو الهلال تلو الهلال , دون أن يوقد في دار من دوره نار لهذا اتخذه الإخوان المسلمون زعيما لا شعارات ولكن واقعا واختيارات لقد جاع الإخوان في السجون إلى حد المسغبة , وبليت ملابسهم في السجون حتى بدت منها سوءاتهم منعت عنهم الأبراش فناموا على الأسفلت في زمهرير الشتاء .

آمن الإخوان بالجهاد سبيلا فجاهدوا بالسلاح في فلسطين وعلى رمال القناة , وجاهدوا بالصبر المصابرة والمرابطة والتقوي , تحت أبشع أنواع التعذيب الهجمية المرعبة وساومهم الظالم أن ينقذهم , إذا ما اتخذوه زعيما, وأن يعملوا تحت سيطرته فيبوئهم المناصب العالية كما أفسد دين بعضهم بمثل ذلك فأبوا عليه كل عروضه السخية واستهانوا بإرهابه واحتقروا إغراءه فكانوا حقا من خيار المجاهدين :

" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ".

وآمن الإخوان المسلمون بأن الموت في سبيل الله أمنية سامية فباعوا أرواحهم في سماحة واجتازوا المحن أوفياء صادقين لله ما عاهدوه عليه ولأنه كان فيمن قبلنا من نشر بالمناشير من فروة رأسه إلى ظفر خنصر قدمه ما صرفهم ذلك عن دينهم فقد حرقوا الإخوان بالنار , وألقوا عليهم البنزين وأشعلوا في أجسادهم النار وانتزعت أظافرهم بالكماشة واقتلعت أسنانهم وأضراسهم عنوة ونتفت لحاهم وأجلسوا على المثلثات الخشبية المريبة ونفخوا بالمنافيخ وضغطت رؤوسهم بالحبال السلكية تضغط عليها إلى حد تهشيم عظام الرأس واستعملت الأماكن الحساسة من أجسدهم طفايات لسجائر ضباط سجون عبد الناصر وكانوا كما زعموا من الضباط الأحرار ..

كل ذلك فعل وأفحش منه بالإخوان المسلمين فما صرفهم ذلك ن دعوتهم لأنها من صميم كيانهم وهكذا لم يكن الإخوان المسلمون الذين رباهم وعلمهم ودربهم إمامهم الشهيد حسن البنا تجار دين ولا ضلالا ولا مضللين ولا مستترين بالدين ضحكا على ذقون الآخرين لم يكونوا عملاء .

لذوي النفوذ وأصحاب المكانة والجاه ولكنهم كانوا دائما وأبدا الأتقياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا إنما الذين كانوا يردع الاستعمار وكل من يملك مالا ونفوذا هم الذين يتهمون الإخوان المسلمين بهذه التهم التي يعرفونها في أنفسهم ثم يرمون غيرهم بها لعلها تستر جرائمهم ولكن الله كشفهم جميعا يوم أن راحوا يتهم بعضهم بعضا بكل نقيصة قبيحة ومخزية من كل لون ونوع وجنس وصنف وكان عاقبة أمرهم خسرا وعاقبة الإخوان عزا ونورا وطهرا لقد حاولوا تشويه صورة الإخوان المسلمين وبدأوا يطنطنون بإقامة المشروعات المنتجة النافعة ولكن الله وحده هو الذي يعلم سوء طويتهم فأفسد عليهم كل ما عملوا لأنه سبحانه وتعالي ما أصلح عمل مفسدا أبدأ ونادي أستاذ الجيل بأخذ هذا الدين جملة واحدة أو ترك هذا الدين جملة واحدة وقال لمن يحرصون على التظاهر بحماية العبادات وإفساد كل أنواع الطاعات أنكم بهذا تضيعون على الناس دينهم فلا أنتم مكنتموهم من مباشرة دينهم كله فتصح عبادتهم ويستريحون .

ولا أنتم منعتم عنهم دينهم كله فليس قيادهم لكم إنكم تركتموهم تائهين في بيداء الحياة لا يعرفون لهم برا يرسون عليه وزرعتم القلق والحيرة في قلوب الناس حتى انطمست أمامهم كل طرق الخير ولم يبق أمامهم إلا طريق الانحلال والانحراف إنكم بهذا حق عليكم قول الله تبارك وتعالي :"

أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون . ألئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ".

وهذا هو واقعنا اليوم بسبب انصراف المسلمين عن طريق الله الذي دعاهم إليه أستاذ الجيل وحذرهم أخطار ما هم عليه تنفيذا لإنذار رب العالمين" وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "

وهل بعد ما نحن فيه من غلاء الأسعار , ندرة المواد الغذائية وصعوبة الحصول عليها هل بعد هذا من جوع ؟ وهل بعد ما نحن فيه من تحرش الشيوعية والصهيونية بنا في كل مكان , هل بعد هذا من خوف وجزع ؟ إن إمامنا الشهيد لم يحذر من غضب الله فقط لتيئيس الناس , ولكنه فتح أمامهم باب الخير والأماني الطيبة والآمال المسعدة إذا ما عادوا إلى كتاب الله وحكم الله , ورضاء الله , لأنه هو عزوجل قرر ذلك في سابق الأزل : " ولو أن أهل لقري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ".

ثم أكد جل جلاله هذا المعني مقررا :" ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم . ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم "

وهكذا نري أن حسن البنا الذي يريدون إغفال تاريخه وطمس مواقفه دعا الناس إلى كل خير وحذرهم من كل شر ولكن لو اجتمعت قوي الأرض كلها لتخفي آثار حسن البنا فإنها ليست بالغة منه ما تريد بل ولا بعض ما تريد وهل يخفي القمر .

من كان فوق محل الشمس موضعه فليس يرفعه شئ ولا يضع إن الله مع حسن البنا لأنه اتبع سبيل الله , واقتدي برسوله عليه الصلاة والسلام ونادي بتطبيق كتابه في أدب وخلق وإصرار وإيمان لم يقابل شتم خصومه له بشتم مثله , ولم يقف منهم موقفهم منه , إنه داعية ,والداعية يسع الدنيا بأسرها في صدره , لا يضيق بأحد ولا يغاضب أحدا , ولا يكره أحدا إنه يدعو الناس إلى الخير والذي يدعو الناي إلى خير لابد وأنه يحب هؤلاء الذين يدعوهم لأنه منطو نحوهم على الخير , والذي يقف من الناس هذا الموقف لا ينابذهم العداء ولا يحمل لهم كراهية ولا بغضاء ولكنه يعفو ويتسامح ويتحبب إلى الناس ليجذبهم إليه ولا يخاشهم حتى لا ينفروا منه .

إنه يدعو إلى القرآن , فهو متخلق بخلق القرآن , وما يدعو إليه لقرآن وما يحض عليه القرآن وهكذا حسن البنا كان :

" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . والذين يبتون لربهم سجدا وقياما ".

أتراني تجاوزت الحق في وقوفي إلى جانب أستاذي ومعلمي مدافعا ومنافحا ومجليا ؟ هذا مع يقيني بأنه ليس في حاجة أمسه ويومه وغده . إلى من يدافع عنه أو يجلي صفحته فهو بعمله وآثاره وإيمانه وجهاده هو وحده المتحدث عن نفسه على صفحات التاريخ مهما طال الزمان هكذا أراد الله لمن يريد ما عند الله خالصا مخلصا :" ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ".

من يستطيع إخفات صوت دوي في سمع الزمان ؟ لا أحد ألا هنيئا لك ما أعطاك ربك يا إمامنا الشهيد ولا نزكي على الله احدا .

إن حسن البنا يوم دعا الناس إلى العودة لدين ربهم , إنما كان ينظر بنور الله في هذه الدعوة ما من شك أن جبلة الفطرية البشرية ترنو دائما إلى قوة تستعين بها عند الشدائد وتحميها عند الخطر .

إنه إحساس عميق راسب مترسخ في أغوار نفوس البشر ليس لهم في التخلص منه بد ولا حيلة إنه إحساس فطري يجنح نحوه البشر تلقائيا وإذا كان رسول الله صلي الله عليه وسلم قد أوحي إليه بهذه العقيدة التي طمأنت إحساسا كان يجول بين جنبيه وإذا كان قد انصرفوا عن هذا الشعور الفطري ,, لما تأثروا به من مدنيات براقة وحضارة مبرقشة فلماذا لا يردهم أستاذ الجيل إلى منبع المدنيات ومصدر الحضارات .

الذي غفلوا عنه زمنا ؟ إنه بدعوته المسلمين العودة إلى تعاليم دينهم , بعد أن أهملوها سنينا إنما يدعوهم إلى العودة لنظام يستطيع في ظله غير المسلمين أن يعيشوا آمنين على أرواحهم وأعراضهم وأموالهم وشعائر عقائدهم في حرية كاملة تكفل لهم كل الحقوق التي هي حق معلوم لكل إنسان في هذا الوجود هل يمكن أن يعيش الناس آمنين وادعين إلا في ظل الإسلام ؟

وكلنا يعلم ما يصيب الأقلية المسلمة في حكم ماركوس الفلبيني المسيحي وفي ظل حافظ الأسد البعثي وفي ظل مانجستو الشيوعي كل هذه في دائرة معلوماتنا ولا شك فهل تعيش الأقليات غير المسلمة في مصر والغرب مثلا , في مثل تلك الأوضاع الرهيبة الدامية .

ومع هذا فإن هذه الأقليات غير المسلمة لا تفتأ تشكو وتتظلم وتثير الثائرات وتبتدع الأكاذيب لغير ما سبب إلا حقدا على المسلمين وإلا تغطية لما تفعله الأكثريات المسيحية مع الأقليات المسلمة في جميع بلاد المسيحيين والصهيونيين والشيوعيين والبوذيين وغيرهم إن الدعوة التي يتزعمها حسن البنا , إنما تطالب بالخير للناس كافة دون مفاضلة ولا تتميز تدعو إلى قيام العدالة المطلقة بين كافة الناس في كل نواحي الحياة .

إن حسن البنا يدعو المسلمين للعودة إلى دينهم كما يدعو غير المسلمين للدخول في الإسلام إقتداء برسول الله صلي الله عليه , لأنه الشئ الوحيد الذي يستقيم عليه حال الناس ويصلح بت أمرهم . إن العقيدة فطرة وليست تدريبا ولا ميراثا كما يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :" كل مولود يولد على الفطرة , ,أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمسحانه " إن العقيدة إحساس داخلي عميق وليست فلسفة ولا منطقا ولا جدلا . إن العقيدة تصرف رفيع في تناول الأمور وفي السلوك العام منه والخاص إنها ليست رأيا ولا فكرا , إنها أوامر تتبع .

بهذا الوضوح الشامل كان الإمام يربي الإخوان , ليكونا من بعده دعاة على غرارة لقد كان رجل عقيدة حقا , وكانت كل مقومات رجل العقيدة متوفرة فيه .

بادية في كل تصرفاته حتى ولو لم يعرفه الناس فإنهم ما أن يرونه حتى يقول قائلهم : هذا داعية من الدعاة إلى الله :

وليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف من أنكرت والعجم

تجرد صاحب الدعوة

كنا نعرف عنه أن يضع عقيدته أمامه يستلهمها ويصدر عنها وبعد أن تلزمه العقيدة بالتزام ما يلتزم يأخذ عقله في التفكير والاستنباط والفهم والتقدير والتدبير والتنفيذ مع الطاعة للشرع والالتزام بالأوامر عقيدته أولا ,ثم عقله ثانيا الحسن عنده ما حسنه الشرع , والقبيح ما قبحته العقيدة وليس في هذا من اجتهاد إنه سلفي العقيدة يلتمس المعاذير دائما لمخالفيه , وما وجدنا يوما عملا حسنته العقيدة , إلا وجدناه متقبلا عند العقل السليم أما إذا اختلف تقدير العقل مع أمر الشرع , فرأي العقل مطروح مستبعد والقول قول الله والحكم حكم الله و" لله الأمر من قبل ومن بعد "

هكذا تعلمنا على يديه ما كنا نستعمل عقولنا إلا بعد أن نتعلم ونتأدب , يعلم ربنا وتأديبه لنا , إن إمامنا الشهيد كان يقدم جهاده على راحته إذا ما دعاه داعي الجهاد وكانت به حاجة ماسة إلى الراحة والاستجمام يهجر راحته ليواصل جهاده , أليس هو رجل عقيدة ؟ وإلا فكيف نطبق قول ربنا :

" قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ".

على هذه الصورة الواضحة يحدد الله وضع الدعاة المؤمنين المجاهدين وما كان حسن البنا بعيدا عن هذه المعاني ولكنه كان في لبها وصميما أما أبوه فقد وهبه للدعوة فأمن هذه الناحية , وأما أبناؤه فقد وكل أمر وحيده الأستاذ أحمد سيف الإسلام إلى الأخ المرحوم أنس الحجاجي يتولي تنشئته على أصول الإسلام أما أخوته فقد انصرفوا إلى دور العلم أما زوجه فقد كانت معينه الوفية على جهاده أم الأموال فقد خلت منها يده وأما التجارة فقد كان له في جهاده شغل عنها .

وأما المساكن فما كان يملك منها مسمارا في دفة شباك كان يسكن حيث يفضي بت المسكن , يوما بالعتيق ويوما بالخلصاء وما رأيته يوما إلا في أول الطوابق التي تقابلك عن الدخول من الباب العمومي للمسكن الذي يأتي إليه من رياح الحياة قبيل الفجر بقليل كانت التضحية دينه في كل أدوار الحياة ما بحث عن مصلحة ذاتية بل كان يسارع إلى كل تضحية يقتضيها أى موقف من المواقف وكأنما كانت هوايته كان يعلم أن مصلحته الشخصية عرض زائل, أما التضحية في سبيل الله فهي الذخر الباقي والكنز الذي لا ينفد :" ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ".

من أجمل الصور التي يرسمها لنا في ارتباط أجزاء هذا الدين بعضها ببعض حتى جاء الإسلام شامخا كما أراده الله هذا المثل العجيب يقول فضيلته :

إن الإسلام بناء ولكل مبني مسلمات لا يقوم بغيرها فلكل بنيان : أساس وسقف وسور وجدران أربعة أما الأساس الأول في الإسلام فهو معرفة الله وتوحيده وبغير هذه المعرفة , وبغير هذا التوحيد فلا إسلام على الإطلاق : " فاعبد الله مخلصا له الدين .

ألا لله الدين الخالص " ثم ارجع إلى سورة الإخلاص " قل هو الله أحد . الله الصمد . لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد ".


وأما الجدران الأربعة فهي : العبادة :" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . ما أريد منهم رزق وما أريد أن يطمعون .

إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " ثم العلم ولقد كانت أولي آيات الكتاب الكريم متصلة بالعلم دالة عليه :" ... علم بالقلم .. علم الإنسان ما لم يعلم "

ورفع درجة العلماء إلى ما لا زيادة بعد لمستزيد حيث أشركهم جل وعلا معه في الشهادة بوحدانية " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " ويسوي بين الإيمان والعلم في الدرجات العلا حيث يقول :"... يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير " ولا يسوي الله بين العلماء وغير العلماء "... هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلون إنما يتذكر أولوا الألباب" ثم الإخوة ثالثا وهي مقررة بنص الكتاب " إنما المؤمنون إخوة " الحجرات – 10 , هذه الإخوة التي طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم بها المسلمين جميعا :" وكونوا عباد الله إخوانا " ثم التشريع .

الجدار الرابع  : وقد حسم الله فيه بقول قاطع لا يحتمل تأويلا ولا تخريجا وهي من الحكم  :" وأنزلنا إليك الكتاب الحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون . أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ".

ويعرج على السقف فيقول : إن السقف في الإسلام هو الحكم الحكومة التي تسوس الناس بكتاب الله وسرعه لتكفل لهم السعادة في الدارين. فإذا ما قامت الحكومة الإسلامية على هذا الوضع السليم وجب على المسلمين الطاعة في المنشط والمكره , فيما يحبون وفيما يكرهون فيما يستسهلون وفيما يستصعبون وهذا هو حكم الله :

" فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " وينتهي بأن السور هو وقاية كل ما تقدم وحمايته وليقوم كل كسلم بأداء فرائضه والتعامل مع الناس آمنا مطمئنا أما هذا السور فه مقام الأمر في الإسلام ألا وهو الجهاد وقد أمر الله بت مؤكدا :

" وجاهدوا في الله حق جهاده " وقد بين لنا سبحانه أن هذه الفريضة الباقية إلى يوم القيامة فريضة الجهاد إنما هي لصالحنا نحن وليس لله فيها حاجة فهو الغني الحميد :

" ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ".

وهكذا لا نري أستاذ الجيل إلا أخذا بأيدينا في دروب الهداية إلى مصادر النور وينابيع الهدي حيث يتوفر هناك التضامن الاجتماعي بين جميع أفراد المجتمع يحس كل منهم بأخيه إحساسا بنفسه وحقا لقد كان هذا التضامن والتكامل قائما بين أفراد المجتمع الإخواني بشكل واضح بصورة لم يشهدها العالم الإسلامي منذ مئات السنين : إذا أشتد البرد آثر صاحب المعطف صاحبه بمعطفه وإذا آووا إلى فراشهم في رحلة أو معسكر آثر كل منهم أخاه بلين الفراش وأحسن غطاء إذا افتقد شيئا من ماله لحاجته , فما كان أسعده أن يقدم لأخيه إذا أحس بحاجته إليه وكان يقول هذا هو التطبيق العملي لقوله سبحانه وتعالي :

" ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك المفلحون " ويروي لنا في هذا المعني الرفيع طرائف غاية في النبل وسمو العاطفة والإيثار قال :

ذهب صاحب إلى أخيه في جنح الدجي يفترض منه أربعة آلاف درهم ولم يكن عنده سواها فأعطاه إياها ورجع يبكي , فقالت له زوجة ما الذي حملك على إقراضه ما دام مالك يبكيك إذا ؟

قال يبكيني تقصيري في تفقد حال أخي حتى اضطررته إلى المجئ مقترضا , إنه لون من التهذيب التربوي الذي كان يضمنه إمامنا الشهيد محاضراته وأحاديثه كان رضوان الله عليه إذا تحدث عن وجوب تطبيق الشريعة لا يستدل إلا بآيات الكتاب :" إن الحكم إلا الله " ( يوسف 40 , 67)

" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهن ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ".

" يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين " " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر ذلك خير وأحسن تأويلا "

كان الاستدلال بهذه الآيات المحكمات يتنزل على قلوبنا بردا وسلاما وإقتناعا يرسخ في دخيله نفوسنا قواعد القضية التي يتحدث عنها ويزيدنا إيمانا بها وتفانيا في الدفاع عنها وجزاه الله خير الجزاء أثمر هذا الأسلوب في قلوب الإخوان المسلمين ثمرة جعلتهم لا يقبلون في هذا المطلب نقاشا يرددونها في أحاديهم ,

في خطبهم في كتاباتهم, حتى أصبحوا أساتذة هذه القضية وحماتها , وكل من ينادي بها اليوم فهو تبع لهم في هذا الميدان والفارق الواضح بين الإخوان المسلمين وبين غيرهم في المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية إن الإخوان المسلمين يطالبون الحكام بهذا الظالمين منهم وغير الظالمين , فتعرضوا بذلك لما لم يتعرض له غيرهم الذين لا يطالبون بتطبيق الشريعة إلا إذا أمنوا جانب الحكام وإن لن يصيبهم من وراء ذلك مباحث ولا مخابرات لقد بلغ من عمق إقناعه لنا أنه لم يعد عند الإخوان المسلمين قضية أهم ولا أولي ولا أحق بالاهتمام والمطالبة العملية من تطبيق الشريعة الإسلامية وكان رضوان الله عليه حريصا على لفت أنظارنا إلى دقة الفهم في الآيات حتى لا يلتبس علينا الأمر في شئ فمثلا لما قال شعب مصر أيام الفراعنة " لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين

" سألنا هل توحي هذه الآية بمعني خفي دقيق؟ فحاولنا فلم نعثر . قال أما كان الأجدر بالناس أن يقولوا لعلنا نتبع الحق أينما ظهر بدلا من إتباع السحرة في حالة فوزهم فقط إنها الطبيعة البشرية في نظرتها إلى القوة وأصحاب القوة والنفوذ وهذا ما أحذركم منه أيها الإخوان . إنها نظرة في الآية لم يسبقه فيها أحد من المفسرين .

وأنها نظرة عميقة , ولفتة دقيقة من فضيلته تبين اين هو من الفهم في القرآن عليه رضوان الله .

ومن تمام فطنته وذكائه أنه كان لا يري في تقنين الشريعة مانعا شرعيا ابتغاء جمع المسلمين على صورة معينة لا تأتي بتضارب أو خلاف ذلك لأن الفقهاء اختلفوا في معظم الفروع فلو ترك الأمر لكل مسلم أن يأخذ رأى من يشاء من الأئمة والفقهاء وخاصة في المعاملات لأصبح الأمر فوضي لا حد لها .

ولاشتد التناقض في أمور الحياة الدنيا إلى حد تعم فيه الفوضي والاضطراب وكان من رأيه أنه من الخير أن يجتمع المسلمون العالمون الحاذقون من ضروب الحياة ليأخذوا من كل مذهب ورأي أعدله وأشمله وأنفعه ويصاغ كل ذلك في قانون يلتزمه الجميع فالتقنين في تقديري ليس لامتناع أحد لغير رأي الشرع ولكن لجمعهم على كلمة سواء بعيدا عن الخلافات المذهبية والفقهية لإلزامهم بتطبيق شرع الله إن هذا أمر مفروغ منه باعتبارهم مسلمين وبلغ من حرصه على توحيد كلمة المسلمين أنه كان يرمي إلى مؤتمر يجمع الفرق الإسلامية للتشاور لعل الله يهديهم إلى الإجماع على أمر يحول بينهم وبين تكفير بعضهم خاصة وأن قرآننا واحد وديننا واحد ورسولنا صلي الله عليه وسلم واحد .

ولقد استضاف لهذا الغرض فضيلة الشيخ محمد القمي أحد كبار علماء الشيعة وزعمائهم في المركز العام فترة ليست بالقصيرة ولولا أن التآمر ضد الإخوان المسلمين من جميع الجهات كان متواصل الحلقات لكان من المأمول أن تصل هذه الجهود الطيبة إلى خير .

ولكن لله في ذلك إرادة ولن يكون إلا ما يريده رب الكون وخالقه ومديره:" وما تشاءون إلا أن يشاء الله ".

السبب الحقيقي في تخلف المسلمين

كان التكوين النفسي في منهاجه أعظم من التكوين المادي كان يؤمن وأقنعنا بأن ما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف وفقر وتخلف ليس سببه ضعف قوتها العسكرية أو قلة ما تملكه من سلاح وعتاد إنما يرجع هذا التخلف والتأخر إلى الضعف النفسي الذي أصاب المسلمين في عصورهم الأخيرة وفقدانهم الثقة في أنفسهم إلى الحد الذي باتوا يعتقدون معه أنهم , ما عادوا يلحقون بالغرب في قوته وتقدمه وحتى لو أدركوا ما عليه الغرب اليوم يكون هذا الغرب قد سبقهم بخطوات أخري واسعة تحيل توازن القوي بينهم بعيدا كان يقول لنا أنا السلاح يمكن تصنيعه إذا أعددنا أنفسنا لتصنيعه فإن لم نستطع , تصنيعه استطعنا شراءه ,وتجار الأسلحة يبيعون الأسلحة لمن يدفع الثمن أيا كان ولو كان عدوهم .

أما العزة , أما الرفعة , أم الثقة في النفس بعد الاعتماد على الله .

فلن تباع ولا تشتري , لأنها سلعة لا توجد في الأسواق – إن الهمم والعزائم والإقدام والشعور بالمسئولية سلعة النفوس الأمنية وأسواقها القلوب المخلصة العامرة باليقين والإيمان وهذه لن تصنع إلا في مصانع العقيدة الإسلامية التي قررت العزة والاعتداد في القرآن الكريم " والله العزة ولرسوله وللمؤمنين " أما الذين فقد سفه الله أحلامهم " قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذ لا تمتعون إلا قليلا " كان يحذرنا من الاخلاد إلى مثل هذه الهنات .

وبين لنا أن أعداء الإسلام لا يريدون من المسلمين إلا أن يستقر هذا المعني في أذهانهم وهو أنهم لن يصلوا إلى مستوي الغرب في يوم من الأيام .

لأن استقرار هذا المعني في أذهان المسلمين , ليس وراءه إلا الموت الذي لا قيام بعده , إنه اليأس القاتل الذي يحرمه الإسلام على المسلمين " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " ويضرب الأمثال بأمريكا التي لا يزيد عمر قوتها عن مائة عام – واليابان التي قامت من العدم مرتين الأولي عندما نفضت عن نفسها غبار الغفلة والتراخي وبدأت مكانتها في الصدارة من العالم وأطلقوا عليها اسم بلاد الشمس المشرقة والمرة الثانية بعد أن حطمتها قنبلتا هيروشيما ونجازاكي الذريتان وها هي اليوم في مقدمة القوي الاقتصادية العالمية وألمانيا وغيرها كان يقل لنا أن كل المطلوب منا أن نؤمن بقدرة الله على صنع المعجزات , وفي ظل هذا اليقين الراسخ نتحرك ننشط ونعمل ولا نحتقر أية خطوة نخطوها إلى الإمام ولا نستصغر أية فكرة إنتاجية ولو إبرة فأول الغيث قطرة ثم ينهمر والقوة لا تأتي إلا بعد ضعف والشباب القوي المكتمل هو الخطوة التالية للطفل الصغير المتعثر " ثم جعل من بعد ضعف قوة "

وكان – كعادته – عمليا في نصائحه أقام شركة المعاملات الإسلامية في حجرة بمقر الجماعة في لوكاندة العتبة الخضراء بدأت الشركة بعشرين جنيها بصنع قطع من الصابون والجبن والحلاوة والطحينة وأخذت الشركة تكبر وتتسع حتى بلغ رأسمالها الآلاف من الجنيهات التي كانت في طريقها إلى مئات الألوف لولا مصادرة النقراشي لأموال وأملاك وشركات الإخوان المسلمين وتجميد نشاطهم , في كافة أوجه النشاط المعروفة الاقتصادية والتربوية والاجتماعية وغيرها ولولا أن المجال , ليس خاصا بنشاط الإخوان ف يكل ناحية ...

في المتاجر ... في المدارس ... في المساجد ... في الرياضة .. إلخ لذكرت العديد من أوجه هذا النشاط الذي نقل الشباب المصري المسلم من حال إلى حال أن هذه الصحوة الإسلامية وهذا المد الإسلامي الزاحف من المدارس الثانوية والجماعات والأوساط العمالية التجارية والوطنية هذه اليقظة التي أقضت مضاجع أعداء الإسلام إنما تقوم بها على مفاهيم إخوانية صرفة .

كل هذا يقوم تحركه على ما تلقفه من برامج الإخوان ومناهجهم ورسائل مرشدهم إنها هي وسائل شباب اليوم ومشاعل النور على طريقه في زحفه الإسلامي النبيل إن آثار حسن البنا لم تقف عند فترة حياته ولكنها تمتد يوما بعد يوم وتتجلي شهرا بعد شهر وتتضح وتعلو عاما بعد عام وحسبك ان أحد الدارسين الأمريكيين قد حصل على الدكتوراه من احدي الجامعات الأمريكية عن رسالة خاصة بدراسة الجماعة مرشدهم ولقد كان في رسالته إنصاف للجماعة.

ولولا التعصب المسيحي الذي لا يكره في دخيلة قبله شيئا كراهته للمسلمين عامة والإخوان المسلمين خاصة إن الحركات الإسلامية التي تنمو اليوم في جميع بقاع الأرض ما هي إلا حسنة من حسنات حسن البنا في جماعة الإخوان المسلمين إن هذه اليقظة التي يعود فيها الفضل لله بتوفيقه لحسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين حملت أمريكا ذات القوة المعارضة على إنشاء لجان متخصصة لدراسة الحركات الإسلامية دراسة عميقة مستفيضة وكان فضل الله على أستاذ الجيل ي هذا المجال عظيما .

علمنا حسن البنا الكثير مما هداه الله إليه , فأخذ بيدنا إلى الخير كان مقتنعا تماما وأقنعنا معه أن العمل الجماعي أفضل وأبرك وأكثر إنتاجا من العمل

الفردي وكان يلح ويكثر من التكوين الجماعي – فأقام الشعب والمناطق ومراكز الجهاد والمكاتب الإدارية في كل مكان كل ذلك لينبض قلب الحركة الإسلامية والمجتمع الإسلامي بالحياة والتدفق , فالصحوة أول مظاهر الحياة والنجاح , يكون الفرد .

ولا يغفل عن تكوين الجماعات , وقدر لا تكوين لهذا أو تلك إلا بالعلم النافع سواء أكان علما دينيا أو دنيويا وإلا بالتربية الفعلية , التي تبرز القول عملا مرئيا مسموعا محسوسا في دنيا الحياة , بهذا كان شباب الإخوان مثلا عاليا في كل شئ , لم يحرص شباب الإخوان على شئ حرصه على صلاة الجماعة حتى من فاتته منهم صلاة الجماعة الأولي كان يتلمس أفراد ليصلي بهم أو معهم جماعة ما كانوا يكتفون بصوم رمضان ولعل أكثريتهم تصوم الاثنين والخميس , والثلاثة أيام البيض ( 13 , 14 , 15 ) من كل شهر أو أن بعضهم ليصوم الدهر .

يصوم يوما ويفطر يوما كصيام سيدنا داود عليه الصلاة والسلام , وأسعد الناس في الحج من يحج من جماعة من الإخوان المسلمين إنه يسعد بالعون الكامل والتيسير وتذليل الصعاب وتوفير أوقات العبادة في كل مناسك الحج وشعائره ,والقرية التي كانت تحظي بوجود شعبة للإخوان فيها كانت القرية التي لا يشعر فقراؤها بالحاجة أو المسغبة إ كان أفراد الشعبة يقومون بجمع الزكاة من القادرين ليردوها على المعوزين وكانوا محل ثقة الجميع أغنيائها وفقرائها ومع اهتمامه بالعلم والتربية كان يجعل من تمام التكوين إذكاء فريضة الجهاد في نفوس شبابا الإخوان حتى عاد لهذه الفريضة المضيعة رونقها وازدهارها وكادت تعود بالمسلمين إلى عصور عزهم وسيادتهم ولولا ملاحقة الصليبية والصهيونية والشيوعية للإخوان المسلمين بالضربات المتلاحقة بأيدي حكام البلاد الإسلامية, الذين كانوا ألعوبة في أيدي تلك القوي الكارهة للإسلام هذا إن لم يكونوا عملاء لها .

حكمية المنهج الإسلامي

هكذا كان الإمام الشهيد ملء جنباته اطمئنان كامل شامل , بصحة القضية التي أعد نفسه للنضال في سبيلها ضد اقوي أعداء الإسلام كان يعرف تماما ضخامة القوي التي ستحول بينه وبين الغاية التي يسعي إليها , وكان يعلم مدي خلو يده من كل أسباب الأرض والنصرة فيها .

كان يعلم أن أعداء الإسلام خبثاء منافقون يستبيحون كل نقصية ورذيلة وأكذوبة في محاربته وهو لن يلجأ إلى شئ من هذا لأن الإسلام يحرم عليه ذلك , ويعلم أن الغاية عند خصوم الإسلام تبرر الوسيلة وأنه لا مانع عندهم من اتخاذ أحط الوسائل وأقذر الأساليب وأدناها وأخسها في سبيل محاربته , وهو بدينه وخلقه وتكوينه وتعاليمه لا يري أن الغاية تبرر الوسيلة .

إن غايته سامية شريفة نبيلة , فلابد وأن تكون وسائل تحقيق هذه الغاية طاهرة نقية نظيفة كان يعلم كل هذا وقدره قبل أن يخطو الخطوة الأولي في سبيل تكوين جماعة الإخوان المسلمين , ولكن ما قيمة كل هذا وأثره أمام العزيمة الماضية إلى غايتها وأمام من عاهد الله على العمل ؟

لا شئ قطعا لقد قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت أمنا وسلاما في كل قلب مؤمن عامل مخلص " لا تحزن إن الله معنا .." فتنزلت جنود الله فكانت السلامة والنجاة من كيد الكائدين

" ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين " " ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون " وهكذا اقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم مضي حسن البنا إلى غايته غير هياب ولا وجل تحفه عناية الله وتكلأه رعايته ويدفعه يقينه , ويؤرقه حزنه على ما يري من حال المسلمين جعل الله نصب عينيه أولا وأخيرا .

وما بين أولا وأخيرا , وأبعد عن اهتمامه كل ما على سطح الأرض من تدابير قوي الشر وعوامل التثبيط فكان ما كان مما يراه العالم كله من خيرات مدرسة حسن البنا في جماعة الإخوان المسلمين .

حقا إن الحذر والاحتياط والأسباب مطلوب الأخذ بها , ولكن أحق من ذلك حقيقة أن لا حذر ينجي من قدر .

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينام تحت الشجر إذا ما أدركه النوم , في غير حراسة ولا أجناد , فلما حان حينه اغتاله أبو لؤلؤة المجوسي وهو في المحراب عند صلاة الفجر وحوله من المؤمنين من يفتدونه جميعا بكل عزيز ومحبوب , وهكذا جري ويجري المقدور .

اغتالوا حسن البنا فاستشهد فكانت دماؤه الطاهرة التي روت شجرة الدعوة الإسلامية الحقة هي سر النماء الرائع لكلمة الله في هذا العصر الذي فسد فيه كل شئ تركوه أول الأمر في الإسماعيلية ظنا منهم أنه لا يعدو أن يكون شيخا من أولئك المشايخ الذين لا هم لهم إلا أن يعرفوا وأن يتمثل الناس أمامهم وقوفا حتى أنه لما شرع في بناء مسجد الإخوان بالإسماعيلية, كانت شركة قنال السويس من بين من ساهم ماديا في بناء ذلك المسجد , ولم تكن تعلم حينذاك أن هذا المسجد هو القوة التي ستنسف وجود تلك الشجرة من مصر كلها , ولم تتبين الشركة ومن وراءها حقيقة هذا الشيخ إلا بعد أن أصبحت دعوة الإخوان الشغل الشاغل لكل أعداء الإسلام نعم أصبحت دعوة الإخوان المسلمين حقيقة واقعة دعوة عاملة وصحوة إسلامية جادة , ووثبة عقيدته كالإعصار تقتلع في اندفاعها كل ما يعرقل سيرها من عوامل الشر والتعويق ولئن تساءل اليوم مغرض أين هي جماعة الإخوان المسلمين التي تتحدث عنها والتي تنتصر على أعدائها في معركة ؟

فأقول له قول الواثق فيما يقول : حسن البنا ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين , انتصروا في جميع معاركهم الواحدة تلو الأخرى بيقين إن الانتصار في المعارك للطرفين ظن النقراشي أنه انتصر على الإخوان المسلمين يوم أن صادر أموالهم وممتلكاتهم وملأ بهم السجون والمعتقلات فماذا كانت النتيجة

( زال النقراشي وحزبه من الوجود , وعلا قدر الإخوان المسلمين وفاروق الذي اغتال المرشد الأول , وظن أنه انتهي من الإخوان المسلمين استقبل المرشد الثاني فضيلة المرحوم الأستاذ الهضيبي مرغما فدخل عليه عالي الرأس منتصب القامة , غير منحن ولا من خضع وسلم بسلام المسلمين في صوت ثابت رصين , هز قلب فاروق الذي اعتاد على الانحناء والخضوع له من كل من يمثلون أمامه , لم ينحن الأستاذ الهضيبي , كما أعتاد كل المصريين ولم يخرج بظهره ولكنه خرج رضوان الله عليه , موليا ظهره وجه ملك البلاد لم يخرج بظهره كما كان يفعل الذين يملأون أفواههم اليوم بالشجاعة والنضال , فهل انتهت معركة النقراشي مع الإخوان , بما أراده النقراشي والانجليز من ورائه ؟

أم انتهت بما أراده الله لجماعة الإخوان المسلمين ؟!

الحقائق تتكلم والواقع يتحدث ثم معركة عبد الناصر مع جماعة الإخوان المسلمين , وعلي الطود الشامخ , والأشم الراسخ فضيلة الأستاذ الهضيبي رضي الله عنه , هذه المعركة التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا في تاريخ الطغاة والمجرمين لشراستها وضراوتها وخستها ودناءتها ومغالتها والتي استمرت قرابة عشرين عاما , لم يدع فيها جمال عبد الناصر وسيلة من وسائل الإفحاش والهمجية والبربرية والحيوانية إلا استعملها ! وظن عبد الناصر وظن العالم معه .

أن جماعة الإخوان المسلمين قد أصبحت تاريخا يروي ولا شئ غير ذلك , وأن أثر البنا ومن بعده الهضيبي قد زال من الوجود لأن الخسائر الإخوانية كانت فادحة ماديا ومعنويا فماذا كانت نتيجة هذه المعركة الدامية الضارية كانت نتيجة المعركة أن ذهب جمال عبد الناصر إلى حيث يذهب الطغاة وفي غمضة عين وفي ظروف مريبة كثرت حولها الإشاعات حتى لقد شاع بين الناس بما يشبه الإجماع أن جثته انحدرت مع مياه المجاري إلى حيث تنتهي تلك المياه .

وكان أن دخل الذين أعانوه على ظلمه مسخرين , كان أن دخلوا السجون مجرمين بعد أن قتل بعضهم في مآسي مفجعة وكان أن انهارت منظمة التحرير والاتحاد القومي والاتحاد الاشتراكي وكل التشكيلات التي أقامها على أنقاش مصر وخزائنها وبقي الإخوان المسلمون وكان أن هاجم تاريخه كل من في مصر حتى الكثير من زملائه الذين يسمون أنفسهم الضباط الأحرار أين هم اليوم ؟

عادوا إلى وضعهم الطبيعي – ضباط في الجيش لا سادة على المصريين فهل كسب جمال عبد الناصر المعركة ضد الإخوان المسلمين ؟ وكانت نتيجة هذه المعركة أن خرج الإخوان المسلمون من السجون أصلب عودا , وأرسخ إيمانا , وأقوي رغبة في مواصلة السير بدعوتهم إلى غايتها لم تهن عزائمهم لما أصابهم في سبيل الله ولم يتخلوا عنه دعوتهم التي أصابهم بسببها ما لم يصب بمثله إنسان مصممين على نشرها – بإذن الله – حتى ولو كان في قدر الله أشد مما كان .

وإن كانوا ليسألون الله العافية , . خرجوا من المعركة يجوبون الأرض من أطرافها معلنين أنهم الإخوان المسلمون , في الوقت الذي تواري فيه عن الأنظار كل من كانت له صلة بذلك الكلام الغشوم :

شعب إخوانية في القارات الخمس , وإلى اليابان واستراليا تصل مجلة الدعوة لسان حال الإخوان المسلمين التي يصدر منها شهريا ثمانون ألف نسخة بلا مرتجع . الصورة التي لم تظهر في الصحافة العالمية على الإطلاق , ولولا كثرة الطلب وقلة المال في أيدي الإخوان , لطبعنا منها شهريا نصف مليون نسخة على الأقل ها هم اليم الإخوان المسلمون في كل جهاز حكومي وغير حكومي في كل قطاع عام أو خاص . ها هم محل إكبار العالم كله وإعجابه ؟

فهل خسر الإخوان المسلمين المعركة الرهيبة التي لم يرع فيها عبد الناصر وزبانيته إلا ولا ذمة في مسلم يدعو إلى الله ؟

هل خسروا معركة من معاركهم بموازين الواقع ؟ أم أنهم انتصروا فيها على طول الخط الطويل العريض ؟ هذه هي موازين الكسب والخسارة في معارك الدعوات .

أما الذين لا يقدرون إلا بمظاهرها الزائلة الفانية فليتقولوا ما يشاءون , فلن يغيروا من حقائق الكون ذرة بعد أن أصبحت مدرسة الإخوان المسلمين التي اقامها حسن البنا معهدا عاليا يتخرج فيه الدعاة إلى الله على بصيرة ووضوح وتبين :" قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن تبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ".

ولئن كان قد عرف الإمام الشهيد عدم التردد إذا عزم , وعدم التشكك إذا قرر الرأى , إذا كان قد عرف عنه , أنه لا يهاب الردي إذا ما انتوي , إذا ما عرف عنه أنه قاد مظاهرة خرجت من الأزهر بخصوص فلسطين , وأطلق فيها الرصاص على المتظاهرين , وأصيب في يده , فظل في مقدمة المسيرة حتى وصلت إلى عابدين , ليسمع الملك ما يريد الشعب , وإذا كان قد عرف أنه اعتقل أكثر من مرة فثبت , وإذا كان قد عرف عنه أنه بعد أن أطلقت على جسده الطاهر , سبع رصاصا , وأصابته كلها .

فنزل من السيارة متأنيا , لا جزع ولا اضطراب , وأمسك بتليفون جمعية الشبان المسلمين وطلب الإسعاف , غير مستعين في ذلك بأحد , ولا مبديا فزعا ولسان حاله : إليك يا رب المشتكي والمفزع .

ولست أبالي حين أقتل مسلما

على أى جنب كان في الله مصرعي

لقد عرف عن الإمام الشهيد كل ذلك , وشاع وذاع ومل الأسماع إلا أ،ه كان إلى جانب هذه الشجاعة النادرة , والإقدام الرائع , كان دائم التأني . عميق الروية, لا يخطو قبل أن يقدر لقدمه موضعه من الأرض , لا يصدر إلا عن تفكير دقيق , أبعد الناس عن الاندفاع الهوج , والتهور الأعمي , والمغامرة التي لا تؤمن عواقبها . كان شجاعا ولم يكن مغامرا متحمسا ولم يكن متهوسا , إذا قدر عواقب الخطوة التي سيخطوها , كان كأنما قد رأى وقد سمع , لما قرر حرب العصابات على أرض فلسطين ضد اليهود .

لم يهب بالإخوان أن يندفعوا إلى المعركة في غير ما تدريب ولا مران نادي أولا بوجوب فتح معسكرات للتدريب للراغبين في الجهاد ففتحت معسكرات التدريب على ارض الجامعة , واتجه إليها الشباب المؤمن الطاهر فلما تم تدريبهم هناك , لم يلق بهم فورا إلى المعركة , ولكنه تخير للقيادة أخوين كريمين من خيرة مجاهدي الإخوان إيمانا وإخلاصا :

المرحوم الشيخ محمد فرغلي , والأخ الفاضل الأستاذ محمود عبده , أطال الله حياته, وكلفهما بالتجربة في ميدان البريج , فلما اكتمل التدريب ونجحت التجارب التطبيقية , أمرهم بالتوكل على الله لخوض المعارك , فكان ما كان من بلائهم البلاء الرائع الذي أفقد اليهود النوم .

ولما لم يرض عن قانون الصحافة الذي قدمه الوفد لمجلس النواب , لم يخرج الإخوان في مسيرات طويلة صاخبة ولكن كان تخطيطه أنه في الساعة كذا من يوم كذا يجتمع كذا ألف أمام مجلس النواب ويهتفون بمعارضة قانون الصحافة المعروض , ثم ينفضوا كما اجتمعوا , بلا جلبة ولا ضوضاء.

وما إن أحس البوليس بالتجمع وحشد قواته وجاء لفض هذا التجمع , حتى كان المجتمعون قد تجمعوا وأدوا واجبهم وانصرفوا , ووصل رجال الشرطة ليجدوا المكان خلوا . هكذا كان يدبر أمر الدعوة في حنكة ودقة وروية , دونها تجارب كبار السن المعمرين من الزعماء والحكماء وأعجب ما في أمره يقينه الكامل في الوصول إلى الأمل المنشود مهما طال الزمان , وكان يبعث الأمل حيا وضاء في قلوب الإخوان , ولكنه كان يردد على أسماعهم , قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبته رضوان الله عليهم :" ولكنكم قوم تستعجلون ".

كان يقدم التريث على التعجل وقديما قال الحكماء : ر ب عجلة أورثت ريثا .

وكان يذكرنا بعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قال لرسول الله صلي الله عليه ولسم : ألم تعدنا بالفتح ؟!

فقال له :" وهل لك العام " كان محمديا قحا في قيادته وزعامته , ما داخله يوما شك ولا ريب في أن دعوة الإخوان المسلمين , واصلة بفضل الله إلى تحقيق ما تريد أما من ناحيتي فإني على يقين , بأن الدعوة قد حققت إلى اليوم الكثير مما دعت إليه .

ولئن كانت الشريعة لم تطبق حتى اليوم فإن من أكبر انتصارات الدعوة أن نادي رئيس جمهورية مصر العربية نفسه أن الإسلام دين ودولة , بعد أن كان هذا النداء جريمة في نظر عبد الناصر , سفك بسببها دماء الأبرياء الشرفاء , حتى المختصون بالشئون الدينية في الأزهر لم يجرؤوا على المناداة بالإسلام دينا ودولة ويطالبوا بالتطبيق حتى اليوم إن من أكبر الانتصارات دعوة الإخوان المسلمين أن مجلس الشعب يبحث اليوم تقنين الشريعة لتطبيقها حقا إن هذا المشروع يؤجل من دورة إلى دورة مما يدل على عدم الجدية ولكن سيأتي بفضل الله , اليوم الذي تفنن فيه الشريعة الإسلامية موادا للتطبيق .

إن من أكبر انتصارات أستاذ الجيل أنه كان لا يقر مادة لا مداول لها , وكلام ليس له معني ولابد أن ينص في الدستور على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع في هذا البلد , وها قد تحقق ما أراد , وكانت الخطوة الأولي أن الشريعة مصدر رئيسي , ثم كانت الخطوة الثانية أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع حقا أن المادة ما تزال حتى اليوم في عالم الكلام والنظريات ولم تخرج إلى مجال تطبيق والتنفيذ ولكنها على وجه التحقيق خطوة لها ما وراءها ما دام الإخوان في الميدان إن شاء الله وهل يأتي العمل إلا بعد الكلام ؟ ,نار الحرب أولها كلام .

إن من أكبر انتصارات حسن البنا قيام الجمعيات الدينية في كل كليات الجامعة. لقد حلت هذه الجمعيات فعلا , ولكنها قامت حقيقة بعد أن لم يكن لها وجود .

وإعادة الشئ أيسر من إيجاده من العدم :" ويقول الإنسان أءذا ما مت لسوف أخرج حيا , أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ".

من أثار دعوة الإخوان

إن من أكبر انتصارات حسن البنا أن كلمة الله أكبر ولله الحمد , أصبحت هتاف كل اجتماع أو حفل إسلامي خالص , في مصر وفي سار القارات .

أليس من أكبر انتصارات حسن البنا أن الإخوان المسلمين هم : " الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح " أليس من أكبر انتصارات حسن البنا أن أصبح الدين مادة أساسية في دور العلم لها دخل في الرسوب والنجاح , ولم يكن ذلك من قبل أن ينادي به حسن البنا طول حياته ؟

أليس من أكبر انتصارات حسن البنا ان مبدءا واحدا من مبادئ دعوته لم يتغير إلى اليوم , ذات إخوان الأمس هم إخوان اليوم , وأن آلاف الشباب على طريقهم اليوم , ورغم ما تفعله الدعايات المسمومة من إثارة الشبهات حول الإسلام عن طريق بعض المسلمين كتلك التي تحرم التعليم الجامعي وتحرم ركوب الترام والأوتوبيس والبذلات الإفنكية من لنا بعقل واع, وذاكرة قوية , تعدد معي انتصارات حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين , ورغم كل ما ينكره عليها المنكرون . إن خصوم دعوة الإخوان المسلمين هم من أكبر وسائل الإشهار والتعريف بها .

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت اتاح لها لسان حسود

شمول الدعوة

لأما كانت دعوة الإخوان المسلمين شاملة جامعة . تدعو الناس إلى أخذ الإسلام بشموله , حرص الإمام الشهيد أن تكون دروسه ومحاضراته مزيجا طيبا متناسقا بين الفقه والسياسة والاقتصاد والتربية والجهاد , وما عهدناه طوال حياته , اهتم بناحية من نواحي الدعوة الإسلامية على حساب النواحي الأخري من الإسلام , فللتربية الصحيحة على أسس إسلامية صحيحة دعا الإخوان إلى الاهتمام بإنشاء المدارس , وللمال دعا الإخوان إلى إنشاء الشركات والمحال التجارية , مع الادخار ,وجعل جزء من دخولهم لله في غير ما تقتير ولا تبذير :" والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ".

وللجهاد أنشأ الجوالة بفرقها المختلفة في كل شعبة من شعب الإخوان

" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون بت عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ".

وللسياسة أنشأ المجلة تلو المجلة ثم أصدر صحيفة يومية ( الإخوان المسلمون ) ولما استقال من الحكومة أصدر مجلة الشهاب ليكون له منها ما يقتات بت بعد أن ترك العمل في الحكومة وفقد مرتبه وأصبح لا مورد له ولكن للأسف الشديد- وأنا أكتب هذا في مطالع الثمانينات , كاد عمل الشباب الذي يعمل في الحقل الإسلامي يقتصر على الناحية السياسية , التي ذهبت بالجزء الأكبر من جهودهم مما كبدهم الكثير وأضاع عليهم الكثير .

وكأنه لم يعد في دعوة الله إلا الناحية السياسية , لا شك أن الأحداث السياسية المتلاحقة والطرق التي عالجتها بها الحكومات المتوالية , فرضت نفسها فرضا على الصعيد المصري , حتى أصبح من المتعين على الشباب المسلم , أن يبدي رأيه فيما يحدث , وأن يقترح العلاج .

ومن يعارض في إبداء طلبة الجامعات رأيهم فيما يعرض لبلده داخليا وخارجيا , إنما يحرمهم حقا طبيعيا لهم هم عدة المستقبل وعلماؤه ’ في كل ناحية من نواحي النشاط الحيوي الفعال في هذا الوطن فمن يمنعهم عن التفكير فى أحداث الوطن الداخلي منها أن يقطع بينهم وبين الاتصال بكل ما يتحتم عليه الانفعال به لصالح وطنهم من حق طلبة الجامعة أن يتعرضوا لمناقشة كل ما يمس وطنهم من الداخل أو الخارج , من قريب أو بعيد .

إنه ليس حقهم فقط , ولكنه واجبهم في نفس الوقت فهو إذا حق لهم من ناحية , ويجب ألا يحرموا منه وهو في نفس الوقت واجب عليهم يجب أن يتعرضوا وألا يتخلوا عنه بأية صورة من الصور من ناحية أخري , هذا رأيي وقد ناديت ونصحت به مرارا كلاما وكتابة, ولكني – في نفس الوقت – آخذ على طلبة الجامعات .

إنهم يكادون يحصرون جهودهم واهتمامهم في الناحية السياسية وبأساليب لا أقرهم عليها . إنهم أصبحوا لا يقيمون مؤثرا في الجامعة أو الأزهر أو أى مكان آخر , لا لغرض سياسي .

ثم ليتهم يكونون موضوعيين في هذه المؤتمرات وهذا ما يجب أن يتفهموه ويلزموا أنفسهم به , ولكن البعض وهم قلة بفضل الله , وأسأل الله لا يكونوا من بين أعضاء الجمعيات الدينية في الكليات , هذا البعض القليل , لا يتعرض إذا أتيح له الكلام في هذه المؤتمرات إلا للنواحي الشخصية ,

أكثر من اهتمامه بالناحية الموضوعية فلا تسمع منه إلا سبابا وشتائم واتهامات وكأنما ينتهز فرصة هذه المؤتمرات لينفس عن صدره بعض التأثرات الشخصية الأمر الذي يجب أن يتنزه عنه كل من يطلب خيرا لهذا البلد المسلم إني لا أقر هذا قطعا , وأنصح باجتنابه لأن ضرره أكبر من نفعه , بل لعله لا خير فيه على الإطلاق , ولأن الداعية المسلم يجب أن يكون طاهر الكلمة عف اللسان .

عند التحدث عن الأشخاص ولئن كانت بعض تصرفات المسئولين أو أغلبها , تذهب بلب الحليم , لأنها تحمل طابع التجني بصورة محرجة إلا أن هذا بدوره لا يبيح للداعية المسلم أن يشتم أو أن يسب أو أن يهاتر واعلم أن بعض الطلبة يرون في كلامي هذا اتهاما لهم , وكأنما النصح أصبح اتهاما وكأنما القرآن يقول :

" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم " أو عندما يقول :" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من أظن إن بعض الظن إثم

" كأنما القرآن يتهم المسلمين , وكأنما القرآن لا ينصح و لا يوجه إلى نوع من الأدب العالي الذي يجب أن يتحلي به المسلمون جميعا بل هم الذين أعدوا أنفسهم ليكونوا دعاة إلى الله . ليس معني هذا أن القرآن يتهم المسلمين كلهم بأنهم يسخر بعضهم من بعض , أو أنهم يسئ بعضهم الظن بالبعض الآخر . إن هذا فهم لا يلجأ إليه لا غافل أو مغرض, ولم يأت القرآن بهذا الأدب العالي إلا على سبيل النصح والإرشاد لا على سبيل التجريح والاتهام كما يظن ذلك البعض وهو إما مخطئ وإما غير متبين وهل أنزل الله الحدود في القرآن لأن كل المسلمين لصوص أو سكيرين أو أو أو ؟ ألم يخاطبهم جميعا كمسلمين ليتجنبوا هذه السيئات التي تموج بها الحياة :

" يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون , إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " أليس هذا خطابا للمسلمين جميعا ؟ هل معني ذلك أن المسلمين يشربون الخمر ويلعبون الميسر ؟

فلماذا لم يغضب المهاجرون والأنصار ؟ ويتساءلوا عن م عني هذا الكلام ؟ فهل قلت في أحاديث مع الطلبة غير هذا ؟ وهل اتبعت غير هذا الأسلوب القرآني ؟ فما بال القلة الأقل من القليل تظن وتشكك ؟ إنه الأسلوب الذي تعلمناه علي يد إمامنا الشهيد , حالف الكل في دعوته , ولكنه لم يجرح ولم يتهم ولم يشكك , رغم أن الجميع قد أساءوا إليه .

على هذا ربانا إمامنا الشهيد , وبهذا نصحنا وما من شك أننا موفون بعهد الالتزام , ولن يصرفنا عن النصح غضب غاضب ولا تشكيك متشكك لأن الله وحده هو غايتنا في كل ما نقول وما نفعل ما دمنا واثقين أننا لا نتصرف إلا ابتغاء وجه الله أو وأخيرا فليس لفهم أو غرض أيا كان تقدير في اعتبارنا " قل الله ثم ذرهم ".

كان الإمام الشهيد يفرق بين عاطفتين من العواطف الإنسانية , وكان يوجهنا للتخلص من إحداها بالذات إن استحال علينا التخلص منها سويا ولهذه التفرقة أثرها في تكوين الداعية كما ستري يقول رضي الله عنه وأرضاه في الجنة : قد لا تحب شخصا ... وهذه عاطفة , وقد تكره شخصا ... وهذه أيضا عاطفة , ولكن هناك فرقا هائلا بين العاطفتين :

إحداهما : قد يمكن التساهل فيها شيئا ما .. لا تحب , والثانية : ينكرها الخلق النبيل ...

تكره كونك لا تحب لا تعرضك للإثم , لأنك عندما لا تحب لا يعينك من أمر من لا تحب شيئا فرح أو حزن , أى أن عاطفتك نحوه سلبية بالمرة والإسلام لا يرضي السلبية لأبنائه كما أنه قد لا يكون في هذه العاطفة السلبية إساءة لأحد ..

أما أنك تأخذ نفسك بعاطفة الكراهية فهذا هو الخطر إن كراهيتك لشئ تجعلك منه في شغل مقيم , إذا أصابه خير , تأذيت, وإن أصابه ضر فرحت أو ارتحت .

وقد تحملك كراهيتك له على أن تعمل على تعكير صفو حياته , لأنك تكرهه , وتتربص بت الدوائر وإذا كان الداعية في قيامه بواجبه في الدعوة إنما يعمل لإسعاد الجميع , فكيف يمكن الجمع بين دعوة إنسان لعمل يسعده وبين كراهيتك له ؟! هل من الممكن أن يكره الإنسان شخصا ثم يدعوه إلى الخير ويعمل لإسعاده ؟

هذا هذا مستطاع عاطفيا النتيجة الطبيعية عند أستاذ الجيل لهذه التفرقة , أنه على الداعية الإسلامي ألا يكره الناس , خاصة المنحرفين , لأنه من أجلهم قام بدعوته فإن كرههم فكيف يعمل على إصلاحهم لإسعادهم. إنه يكره ما يعملون ولذلك فهو يحاول إزالته أما الشخص نفيه فلا يكره لكي يمكن إصلاحه . أليس هذا لتحليلا منطقيا سليما .

أجل نحن لا يعجبنا حال الناس , ولا ما هم عليه من إنحلال ولا إنحراف , من أجل هذا قامت دعوة الإخوان المسلمين لتود بهؤلاء الشاردين إلى حظيرة الإسلام الصحيحة , إذا رأينا شيئا نكرهه فانصرفنا عنه , فكيف نصلحه ؟

إن الصالحين ليسوا في حاجة إلى دعاة لأن ما يدعوهم الداعية إليه . هم متلبسون, فلا تقسوا إذا نصحت , ولا تضعف إذا اختلفت ولا تيأس إذا قوطعت , ولا تتخلي عن الدعوة مهما هوجمت واتهمت , وكل ذلك لن يتحقق إلا إذا تخلصت من عاطفة كره من لا تعجبك أحوالهم :" خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" وفسرها سيد الخلق أجمعين عليه الصلاة والسلام :" صل من قطعك واعط من حرمك , واعف عمن ظلمك ) ألا تري أن هذه الآية وتفسير النبي صلي الله عليه وسلم لها .

يجب أن يكون منهاجا يتبعه الداعية وهو يسلك طريق دعوة الناس إلى الله خاصة إذا كانت هذه الآية تلي هذه الآيات البينات :" إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولي الصالحين . والذين تدعون من دونه لا يستطعيون نصركم ولا أ،فسهم ينصرون , وإن تدعوهم إلى الهدي لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون " حتي هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات أنت مطالب قرآنيا أن تعفوا عنهم , وأن تقيمهم بالحسني , وألا نسايرهم في جهالهم وفعلهم الذميم هكذا كان يوجهنا إمام الجيل رضي الله عنه وأرضاه في جنات النعيم .

إن تاريخ الدعوة الإسلامية منذ أن قام بها سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لم يكن لها غير هذا الطريق الذي ترسمه حسن البنا في دعوة الإخوان المسلمين إن ما لقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجاهلية التي قام لمحوها .

لم يلقه احد من الناس , فلا يجوز لكاتب أو مفكرا أو داعية إسلامي أن يصف حال المسلمين اليوم بأنها جاهلية أشد من الجاهلية التي كانت في الجزيرة العربية عند بدء الرسالة المحمدية , وإلا فمعني ذلك أن جهودنا أعظم من جهوده صلي الله عليه وسلم بدعوة أن الجاهلية التي نعيش بينها أشد وأقسي وأعنف من الجاهلية التي كانت في مكة عند بدء الرسالة ولا أظن أن مسلما يعرف لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قدره ومكانته , يرضي أن يتسرب هذا الوهم .. لا الفهم ... الخاطئ إلى ذهنه . إن حالنا اليوم خير من تلك الجاهلية , ووسائل الإعلام فينا أيسر من ذلك العهد .

إن العرب كانا حينذاك في عماية ما فوقها من ضلال طبقا لما وصفهم به القرآن الكريم في حالتهم تلك :" هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ".

كان العرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهالة مطبقة طبقا لصريح نص الآية الذي لا يحتمل تأويلا ولا تخريجا كانوا كما يقول الله جل وعلا :" في ضلال مبين " وأى إنسان منحل التفكير يستطيع أن يقدر معني هذا الضلال المبين الذي كانوا يتخبطون فيه حينذاك ومع ذلك فقد كان أسلوب رسول الله صلي الله عليه وسلم في دعوتهم إلى الله غاية في الرقة ... في الأدب .. في اللين .. استمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخاطب الكفار يدعوهم إلى الله :" قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلي هدي أو في ضلال مبين قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون .

قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم " أرأريت أرق من هذا الخطاب لياقة في مجادلة الكافرين عندما تحدث عن موقفه صلي الله عليه وسلم قال :" لا تسألون عما أجرمنا " فلما وجه الكلام إلى موقفهم قال :" ولا نسأل عما تعملون " هكذا يستميل القلوب , ويلين في الخطاب, لم يرهبهم بإجرام موقفهم , وسلك طريق الملاينة وجعل الأمر لله ل له هو .

في الجميع بينهم والفتح بالحق , لأن الله وحده هو الذي يفتح وليس بالعجيب في أسلوب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولا في أسلوب من يترسمون خطاه أن تكون هذه هي سمة أسلوب تبليغ الدعوة وطابعه لأنه أخذ من رحمة رب العالمين , ملك الملوك وقدرة خالق السموات والأرض , وهو يتحدث عن محاسبته لعباده فيقول متطلفا:" ولله ما في السموات والأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني "

ففي مقام الإحسان يجزي الذين أحسنوا بالحسني وفي مقام الإساءة ليجزي الذين أساءوا , لا بالسيئة ولكن بما عملوا , سموا في الرفيق , وممن ؟ من القوي القادر الفعال لما يريد !! ورأفة في مخاطبة العباد , وممن ؟ من الذي بيده نواصيهم جميعا . كذلك إذا حدثهم عن نفسه عزوجل , حديث التلطف بهم لا حديث المتشدد عليهم :

"نبئ عبادئ أني أنا الغفور الرحيم .. وأن عذابي هو العذاب الأليم "

حدثهم عني يا محمد أني أنا الغفور الرحيم , ولاتقل لهم : أني أنا المعذب الرهيب , ولكن قل : إن عذابي – لا أنا – هو العذاب الأليم. إن لم يكن هذا التعليم , فكيف يكون ؟

ومن أين يحصل عليه ؟ لقد قال لنا حسن البنا إن مرجعكم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وها هي آيات الكتاب تعلمنا , السنة تدلنا وترشدنا فهل آن لنا أن نري شبابنا وقد تخلق بأخلاق القرآن , ومتأدبا بأدب زعيمنا عليه الصلاة والسلام , إن دعوة الإخوان المسلمين تريد من دعاتها , أن يتبينوا ليفهموا وأن يفهموا ليطبقوا وأن يطبقوا ليسودوا , وإني لقمين , دون تأل على الله , بأنهم واصلون إلى غايتهم في أقل مما يتصورون من الزمان .

ألا تري معي بعد هذا , أن فكرة حسن البنا في دعوة الإخوان المسلمين كما قرر هو أنها منهج علمي , منهج تطبيقي ,منهج تنفيذي .

إنها ليست نظرية تدرس ويدور حولها الجدل , لمحض النقاش والعلم . إنها ليست رأيا يؤخذ لذاته أو يترك إنه رضوان الله عليه , دعا الناس إلى الإخوان المسلمين على أنها عقيدة ثبتت صلاحيها , فيجب أن تفهم تماما الفهم , ليعد الفاهمون لها أنفسهم لحملها , ومشاقها وتبعاتها , ثم الإحساس بالسعادة الكاملة أن اختارهم الله لها هم بالذات . هذه الرسالة السماوية الربانية :

" الله أعلم حيث يجعل رسالته " ويالها من مرتبة لن يصل إليها إلا من رضي الله أن يجعلهم بهذا الفيض كله , شرعوا في التطبيق والتنفيذ , حتى يتسق عملهم مع قولهم وإلا فأخطر الخطر أن يقول الإنسان ما لا يفعل , أو يكتفي الداعية بالقول دون العمل إنه بذلك لا يعرض نفسه لغضب الله أو عتاب الله فحسب ولأنه يعرض نفسه لمقت الله , وما أبأس العبد إذا مقته ربه :

" يا ايها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون . كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون " إنك إن رجعت إلى هذه الدعوة بفهم واع , لأيقنت كما يقول داعيتها الأول حسن البنا :

إنها ربانية صرفة هدفها الأول والأخير أن تربط الإنسان بخالقه رباطا يجعله ميسرا لعمل الخير , وعمل الطيبات لأن صلة الإنسان بالناس لن تكون طيبة أبدأ ولا نافعة أبدا ولا مجدية أبدأ , إلا إذا كانت صلة الإنسان بربه على أحسن حال كل الصلات الصالحات الطيبات وأنت تراها كما أخذت ن معينها خالصة مخلصة وهذا هو الأساس المكين الذي تقوم على أساسه الأول , موجهة إلى الدنيا من أولها إلى آخرها لا تعرف القوميات ولا الوطنيات , ولا الحدود الجغرافية التي وضعها البشر ولا العنصريات لا يتعالي أحد على أحد فكل الناس لآدم وآدم من تراب

" يا أيها الناس غنا خلقناكم ن ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وهل يكفل سلام العالم وأمنه ورخاؤه إلا إذا أخذ بهذه التعاليم التي تشعره بالمساواة والوحدة الأدمية في الوقت الذي تحبب فيه الفرد أرضه التي ولد عليها , ودرج بين شعابها وتغذي من تربتها لا عصبية ولا عنهجية ولا آرية ولا سامية ولا تفاخر ولا استعلاء ألا جزي الله حسن البنا خير ما يجزي بت عباده الصالحين الذين قدموا لدينه وعباده كل شئ حتى حياتهم الغالية .

من كل ما تقدم يمكن أن نخلص إلى أن هدف الإمام الشهيد هو إقامة المجتمع المسلم الذي تسوده كل سمات المسلمين , وإقامة حكومة مسلمة لا قانون ولا دستور ولا تشريع فيها لغير رب العالمين أجل هذا هو كل ما كان يصبو إليه , ولو أنه كان يسعي للحكم لذات الحكم لما كلف نفسه كل هذا العناء , ولسلك مسالك الأحزاب السياسية ولكنه رضي الله عنه وأرضاه في الجنة ولكنه متبينا تماما أن الفوارق بين وجهة نظره ووسائله وهدفه بعيدة كل البعد عن نظرة الأحزاب ووسائلها وأهدافها من نواحي متعددة .

1- فالأحزاب برامجها وضعية , وبرامجه هو رباني صرف لا اجتهاد له فيه وشتان بين ما شرع الخالق وبين ما شرع المخلوق .

2- الأحزاب تهدف أصلا إلى الحكم لذات الحكم يتولاه رجالها مطبقين برامجهم الوضعية , أما دعوة الإخوان المسلمين فغير ذلك بالمرة , فهي إذا قادت بالحكم الإسلامي لا تنادي بت ليتولي الحكم مرشدها فالأصل أن يطبق شرع الله , وليكن شخص الحاكم ما دام ملتزما وطبقا لشرع الله , ولو كان عبدا حبشيا كأن رأسه زبيبة.

3- الأحزاب لا تتورع عن اتخاذ كافة الأساليب للوصول إلى الحكم أيا كان وصف هذه الأساليب من الاستقامة أو الاعوجاج في سبيل الوصول إلى الحكم وتسن مغاربه بحده من منافع مادية ومظاهر دنيوية , أما وسائل حسن البنا في الوصول إلى تطبيق شرع الله ليتولي المسلمون حكم أنفسهم بأنفسهم فلن تكون إلا وسائل طاهرة شريفة نبيلة سامية , لا تتعارض مع ما عرف من أم الله إلى تحقيق الهدف العظيم , والهدف العظيم , لا يتحقق إلا بالوسيلة العظيمة والغاية النبيلة السامية وسيبلها الطريق النبيل , وحسن البنا لا يمكن أن يكون إلا كذلك , لأنه داعية مسلم .

4- الأحزاب قد تتغير برامجها تمشيا مع الظروف المتغايرة أى أن برنامج الحزب خاضع للملابسات , أما برنامج حسن البنا فإنه ليس من صنعه هو ولكنه تنزيل من حكيم حميد لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو بدوره يخضع الظروف المتغيرة لنصوصه , ولا يخضع هو لأى ظرف من الظروف .

5- المصالح الشخصية أو الدنيوية هي التي تجمع بين أعضاء الحزب الواحد فإذا تعارضت هذه المصالح مع بعضها البعض تشتت شمل الحزب أما جماعة الإخوان المسلمين فليس للمصالح الشخصية أو الدنيوية دخل في تكوينها وتجميع أفرادها , إنها جماعة قامت لتحقيق الصالح العام أولا ولو تطلب من التضحيات ما تطلب وما دام الصالح العام هو الهدف فلن يكون هناك تفرق ولا شقاق , وكل مسلم انخرط في سلك الإخوان المسلمين , انخرط وهو يعلم ما في طريقه من تبعات ومسئوليات تذوب معها المصلحة الشخصية إلى النهاية .

6- ليس في برامج الأحزاب منهاج للآخرة , وما يجب أن يعمل من أجلها , فلك ما يجهدهم هو تحقيق المصلحة المادية , أما الإخوان فلا ينظرون إلى الدنيا وما فيها من مادية إلا كجسر يعبر عليه الإنسان من الدنيا إلى الآخرة ولا يعني بالدنيا إلا كمزرعة يجب الاعتناء بها لتعطي ثمارا طيبة , أو كدابة يجب أن تحسن تغذيتها ونظافتها وتدريبها لتقوي على الوصول براكبها إلى حيث ينتهي .

7- الأحزاب تقوي وتضعف في غالب أمرها تبعا لكفاءة زعماتها وقدرتهم على الخطابة والحديث وتزييف الوقائع واستغلال المواقف لصالح الحزب أما جماعة الإخوان المسلمين فقوتها ودوامها واستمرارها إنما يعود على قيامها على أساس من دين الله الذي تعهد صاحبه جل وعلا بحفظه , وليس هناك من هو أقوي من الله , ولا أوفي منه بالعهود .

لذلك ولكثير غيره , تقررت دعوة الإخوان المسلمين بهذا الوضوح وبهذا النقاء , فلم تعلق بها شائبة من الشوائب التي تلحق دائما بالأحزاب وقد حوكم وأدين كثير من رؤساء الأحزاب على الصعيد العالمي , قدموا بتهم تمس الشرف والذمة والأمانة , ولم يقدم ولا مرة واحدة فرد من الإخوان إلى المحاكمة بتهمة من مثل هذه التهم , ولكنهم قدموا إلى المحاكمات الظالمة لأنهم يدعون إلى تطبيق شرع الله على المسلمين ومن هنا تقوم الحكومة الإسلامية التي هي مناط الرجاء في دعوة الإخوان المسلمين إذ لا يمكن أن يطبق شرع الله على عباده إلا من يؤمن بالله.

ويعمل على تطبيقه ويجاهد بكل إمكانياته للوصول إلى الحكومة الإسلامية التي هي أمنية الأماني عند الإخوان المسلمين لا ليحصلوا على مفاتحا ولا ليحظوا بسلطانهم , ولكن ليسعدوا وتسعد الدنيا معهم بتطبيق شرع الله , وما من شك أنه لو قامت حكومات إسلامية في العالم الإسلامي كله , توجت هذه البلاد بتاج الخلافة الإسلامية على المسلمين جميعا لقضي على هذا التفسخ الذي أصبح سبة في جبين حكام البلاد الإسلامية ولانعكس ما نحن عليه وأصبح سلاما ورخاء ووحدة واستقرارا حتى على الدول المسيحية وغيرها من الحكومات على سطح الأرض .

لم يكن لحسن البنا من غاية على الأرض إلا قيام المجتمع الإسلامي بكل أسراره وعلانيته بكل ما في نوايا المسلمين من خير وبكل ما في علانيتهم من نعمة , بكل أنواره وإشراقاته , بكل صلاحياته وهداياته , وعلى هذا تقوم الحكومات الإسلامية خطط حسن البنا لهذا الهدف الرائع وهو يعلم أن العبء ثقيل وأن العون قليل , وأن الطريق وعر , وأن العوائق جمة .

ولكنه استهان بهذا جميعا لأنه يعرف نفاسة ما يدعو إليه وقدره الجليل وأن كل شئ يدفع في هذا السبيل قليل يسير يعلم ضعف قوته المادية إزاء قوة أعدائه المادية ويعرف قلة حيلته إزاء خبث المخابرات والمباحث في الداخل والخارج , ولكن هكذا نشأت الدعوات والرسالات من بدء قيام الحياة على هذه الأرض , فقد قال أصحاب الأيكة لشعيب عليه السلام :

" قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز " وكان جوابه على هذا التحدي جواب الراكن إلى حصن شديد المؤمن بقدرة الله وقوته :

" قال يا قومي أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعلمون محيط ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب ".

ومضي سيدنا شعيب عليه السلام في دعوته إلى غايته وكانت له الغلبة وكانت عليهم الدائرة وهل من نتيجة غير هذه لمن يحاور الله ورسله عليهم جميعا الصلاة والسلام ومحمد عليه الصلاة والسلام هو قدرة حسن البنا وقدوتنا جميعا في دعوة الإخوان المسلمين , فإذا كان حاله مع قومه عند دعوته لهم إلى الإسلام , كانوا في ردودهم كالأنعام بل هم أضل إنهم يقولون له :

" اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " ثم حاله مع أصحابه ذاتهم :

" كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريق من المؤمنين لكارهون , يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون " يجادلونه في أى شئ ؟ في الحق! ومتي, بعدما تبين , وعلى أية حال كأنما يساقون إلى موت يرونه بأعينهم ! فماذا كانت النتيجة :

" يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومه لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم .

إنما وليكم الله ورسوله والذين ورسوله والذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " إن الدعاة في أول أمرهم عزل من السلاح ليس لهم أنصار , وحيدون إلا من الأنس بالله ضعفاء إلا من الركون إلى صدق موعود بالله هذه حقائق ولكنهم وصلوا لأنهم آمنوا بالحق الذي اعتنقوه ولم يكتفوا باعتناقه بل حملوه إلى الناس ولم يحملوه إلى الناس فحسب ولكنهم دافعوا عنه ضد جميع قوي الأرض وصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا حتى أفلحوا .

إن الدعاة فقراء .. في المال الذي هو عصب الحياة كما يقولون, ولكن متي كانت الأموال وحدها سناء الدعوات في أول أمرها ؟ والدعوة الإسلامية بالذات . ليس طريق نجاحها المال فرجال الدعوات دائما فقراء :" وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا "

هكذا وصل الحال بالمصطفي عليه الصلاة والسلام مع كفار قريش هذا الهوان الذي اشتكي منه المصطفي صلي الله عليه وسلم إلى ربه بعد خروجه من الطائف مهيض الجناح دامي الكعبين يأوي إلى حائط بستان ( أشكو إليك ضعف قوتي , وقلة حيلتي وهواني على الناس ) هذا حال محمد صلي الله عليه وسلم أول بعثته وكذلك شأن كل الدعاة إلى الله , فقراء يستهين بهم الناس في بادئ الأمر وكذلك كنا في بدء هذه الدعوة نمشي على استحياء لشدة الفساد في الناس , لا مال ..

ولا جاه , ولا مناصب عالية لا مركز عام حتى جاء نصر الله وفتحه المبين , ولو قدر لك يوم انقلاب 23 يوليو 1952 وظن الناس أن الإخوان هم القائمون على ذلك الانقلاب, لو أنه أتيح لك في تلك الأيام أن تري ما عليه القوم , وكبار الموظفين الانتهازيين , وهم يتساقطون كالذباب على كراسي غرقة الاستقبال في المركز العام , لو قدر لك أن تري ذلك لرأيت عجبا ( كيف أصبح الإخوان المسلمون قبلة مطامع المتسلقين ؟) أصبحوا موئلا يهرع إليه الكثيرون وسبحان مغير الأحوال هذه هي الصورة المقتبسة من سيرة محمد صلي الله عليه وسلم .

كان فقيرا " ووجدك عائلا فأغني ".

إن الداعية الحق . لا ينظر إلى قوته المادية وضآلتها أمام ضخامة المسئولين وفداحة التبعات . إن النصر لم يتحقق لأية رسالة بما اعتمدت عليه من المادية ولكن كل الرسل والدعاة بدأوا فقراء في المال ضعافا في القوة وقلة الأنصار ولكنهم أغني الناس ثقة بالله أقوي الناس إيمانا بقوة الله .

لقد عير الكفار نوحا يهون أتباعه " وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نري لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين " والسبب في ذلك غابة في البساطة فما من رسالة جاءت إلى الناس من الله وتحدثت عن ماديات الحياة أول ما تحدثت .

كل الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام خاطبوا الناس أول ما خاطبوهم في أرواحهم وقلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم وهذه كلها محطات استقبال الإيمان في نفس الإنسان الرسل جميعا عليهم الصلاة والسلام , وإذا حدثوا الناس حدثوهم عن الثواب والعقاب , عن الجنة والنار عن رضاء الله وغضبه حتى إذا ما استقرت هذه المعاني في نفوس البشر جاءتهم الأحكام والمعاملات التصرفات وما آمن مسلم بعقله وقلبه غير مطمئن بالإيمان وروحه لا تهفو إلى لقاء البر الرحيم كل المعنويات أولا خالصة لوجه الخالق البارئ المصور :" قل إني صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " إنه صلي الله عليه وسلم كان يعرف مدي خلو يده من كل أسباب الأرض التي يظن أن بها يكون الشئ وألا يكون فكان يعرض حاله على ربه وهو العليم :

" قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون "

تجرد كامل من كل حول وطول , وإقرار صريح بالعبودية التي لا تملك لنفسها من الأمر شيئا , بل أنه صلي الله عليه وسلم لما رأي عمار بن ياسر يعذب وأهله لأنهم آمنوا به , لم يعدهم بأنه سيخلصهم من أيدي الطغاة الذين يعذبونهم , وأنه سيأتيهم بالقوة التي ستخلصهم وتطلق سراحهم لم يمنهم بشئ من هذا على الإطلاق لأنه كان يعرف حالته المادية بين القوم الذين أرسل لهدايتهم وإنقاذهم من أيدي الطغاة الجبابرة المتكبرين كان كل ما أسمعهم إياه ( صبرا آل ياسر . إن موعدكم الجنة المتكبرين , إني لا أملك لكم من الله شيئا ) لا أماني .. لا وعود ..

لا آمال , إنما الإقرار الكامل بواقع الحال ولأقد أخذنا فضيلة المرشد بهذه المعاني منذ اليوم الذي بايعناه فيه ووضح لنا كل ما سوف يقابلنا في هذا الطريق , فكان صادقا كل الصدق , وأثبتت الأحداث صدقه الذي ما كان في حاجة إلى إثبات ندما كان يردد على أسماعنا أنه عندما تفجأنا الأحداث وتتكاثر المحن وتستقبلكم الشدائد يومها ويومها فقط يعرفكم الناس .

ويعرفون من أنتم وماذا تريدون لأنه كان صادقا مع الله فقد صدقه الله في كل شئ , نعم من بين سياط الجلادين ومن بين أنات المعذبين ومن بين صديد جراح المكلومين عرف الناس من هم الإخوان المسلمون صبرا وتحملا وتضحية وفدائية الذين ما زادهم ما أصيبوا به من ويلات طاحنة فادحة عارمة في سبيل الله , إلا إيمانا واعتزازا بدعوته وتسليما لأقداره , اليوم تعرف الدنيا جميعا من هم الإخوان المسلمون .

لعلك واجد فيما تقرأ شيئا من عدم التسلسل وحبكة الروي , مما تجده في كتب الجهابذة والمتخصصين والعلة في ذلك أن التأليف ليس بضاعتي ووضع المؤلفات المنمقة ليس صناعتي وكل أمري أني محب .. محب بكل معني كلمة حب من نقاء وولاء , ووفاء وإخلاص ,, وروعة وجلاء , وأنس واقتراب أحب الله ورسوله بما لم يترك لى في نفسي مع هذا الحب شيئا فنيت عن ماديتي لما علمت من رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه " لن يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يلقي في النار

" ثم أحببت المهاجرين والأنصار جميعا رجالا ونساء وأطفالا لا أعدل بهم أحدا حتى بت أغار على كرامتهم وسمعتهم أكثر مما أغار بت على نفسي .

أما الذين التقيت بهم وعاشرتهم وتحدثت إليهم أما الذين تتلمذت عليهم , وارتبطت بهم فلم أحب أحدا منهم كحبي لحسن البنا, حتى ولا عاطفة الأبوة الغلابة لم تقو على التقدم على هذا الحب , لا أقول أن حسن البنا هداني إلى الإسلام فقد نشأت في بيت يعرف الصلاح والاستقامة وقد كان جدي لأبي وهابي النزع وطالما تردد في سمعي وعيني تتفتح على الحياة , وذهني بدأ يعي الأشياء , طالما تردد في سمعي اسم ابن تيمية وابن قيم الجوزية من السنين الأبرار كنت أقرأ القرآن وأنا ابن الثامنة من سني على سبيل البركة والتعظيم لأنه كلام العلي الأعلى .

أما أن القرآن تشريعا وتنظيما لإقامة الحياة على أدق وأطهر وأسمي أسلوب يؤدي إلى السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة فأمر لم أعرفه إلا بعد أن تتلمذت على يدي أستاذ الجيل وأنا في أواخر العشرينات من سني علمني – جزاه الله خيرا – ما لم أكن أعلم من كتاب الله وفتح بصيرتي على كنوز قرآنية كنت في مسيس الحاجة إليها علمني العلم النافع الذي كان يدعو إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم مضي على شرف انتسابي لهذه الدعوة ثمانية وأربعون عاما وهي كما تري أكثر العمر وما مرت سنة إلا ازداد إجلالي وحبي لحسن البنا , وما أزال من هذا الحب في ظمأ ,

ولو شربت أنهار الدنيا كلها وما أظنني أرتوي إلا يوم أن يجمعني الله بت في مستقر رحمته إن كان هذا قدري عند الله , الذي لم أقدم إليه , وما يطمعني في جنته لم أقدم إلا أنني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم علمني حسن البنا كيف أحب الله ورسوله صلي الله عليه وسلم حقا وصدقا لأنه ه نفسه يحب الله ورسوله صلي الله عليه وسلم قولا وعملا وعاطفة كان حب حسن البنا لله ورسوله صلي الله عليه وسلم يفيض نعما غامرة على كل من يقترب حسا أو معني .

إنه أطاع الله ورسوله صلي الله عليه وسلم فهل تدري أين حسن البنا مكانه بسبب هذه الطاعة هو ومن ترسم خطاه دون تأل على الله " ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفي بالله عليما " فلا تقلق بما تجده من عدم التنسيق والتسلسل المنظم في هذا الكتاب , لأنني كتبته في أيام خلال اصطيافي , مجانا , بالعجمي في الإسكندرية , في فيلا أحد كرام الإخوان الإسكندرانيين , ولا أذكر اسمه لأني أعرف أنه لا يريد ذلك إنني لست من القدرة المالية بحيث أستطيع الاصطياف في العجمي مصيف الأغنياء والأثرياء وأصحاب الوجاهة والمراكز العالية في دنيا التجارة والمال والوظائف هذا إلى أني لم أستعن بأى مرجع , وكل ما تقرأه هنا أمدتني به خزانة الذاكرة التي كانت تستجيب إلى ما أرجوه منها في العودة إلى الماضي الذكريات الرطاب , ذكرياتي مع الإمام الشهيد حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين يوم كنا ولا تسل كيف كنا ..

حبا ووفاء وطاعة والتزاما لست أدري ما الذي وصل بي في هذا الاستطراد العابر ولعله عدم خبرتي في التأليف وبه أو قلة حصيلتي في العلم والكتابة !! وتزاحم الذكريات تتسابق للخروج حتى يعلمها الناس وحالة المحب إذا تحدث عن أو مع المحبوب لا يدري ماذا يقول؟ من أين يبدأ ؟ إلى أين ينتهي ماذا يقول ؟ ماذا يكتب ؟ عن أى شئ يتحدث ؟

كل هذا يجعلني أكتب حسبما اتفق ما ورد على الخاطر , جري به القلم فورا على الأوراق .

أسأل الله أن يغفر لى ما فيه من تقصير وإني لأعتذر إلى القارئ إذا لم يجد مما يقرأه هنا شيئا ينفعه . إني لم أرد أنفع أحدا أو أضره إني أردت الحديث كتابة عن حسن البنا مع نفسي , ورأى أحد الأحبة أن يكون هذا الحديث مع الناس عامة والإخوان المسلمين خاصة . إن أردت إلا خيرا , لنفسي ولغيري " وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب "

وظيفة الإنسان

لفت حسن البنا أنظارنا إلى أن الله استخلف الإنسان على الأرض . أى أن الإنسان خليفة الله في هذه الحياة الدنيا إنها حقيقة مقررة في القرآن , آمنا بها على علاتها , لأنها من عند الله وهو أصدق القائلين , ولكن معني هذه الخلافة السامية لم يتضح أمام أذهاننا إلا عن طريق أستاذ الجيل يقول أتدرون من هو الله ؟

قلنا هو الحي الدائم الذي لا يغفل ولا ينام كل ما في الوجود مما نعرفه أو لا نعرفه خلقه وطوع يمينه وكلتا يديه يمين , وأمره نافذ بكاف ونون, وبغير كاف ولا نون . قال هذا حق فاسمعوا ,الله هو الذي جعل الجبل دكا لما تجلي عليه بلام المصاحبة , ولو تجلي عليه بحرف الاستيلاء ( على ) لما علم أحد ماذا كان سيكون المصير بالنسبة للجبل والأرض التي عليها الجبل ولموسي ولغير موسي الذي خر صعقا عندما بدا لناظريه تجلي الواحد القهار للجبل "..

قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين" لله الذي سلب من النار خاصية الإحراق ذلك لأنها تحرق بصورتها لا بحقيقتها وإلا فقد كان ولابد أن يحترق سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما ألقي بت في النار ولكن الله الذي أوجدها هو الذي يتصرف في شأنها ..

تحرق أو تحرق " قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم , وأرادوا بت كيدا فجعلناهم الأخسرين . ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " .. الله الذي تخرس الألسنة جميعا رهبة وهيبة وإجلالا . بين يديه يوم يناديهم لمن الملك اليوم فلا يقوى أحد على الجواب , فقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ,لم يجب أحد ..

لا لأنهم لم يسمعوا أو لأنهم لا يعرفون الجواب .. أبدا ولكن جلال صاحب الجلال بعض الرعدة تجري في أوصال الجميع فلم تستطيع ألسنتهم حراكا يقول هو سبحانه الجواب " لله الواحد القهار " الله هو الله القوي القادر الحاكم القهار جعلنا نحن الأدميين خلفاء على هذه الأرض يوم أن قال للملائكة " إني جاعل في الأرض خليفة " فهل تبينتم خلفاء من أنتم على هذه الأرض ؟

ولكي يمكن الناس من استغلال هذه الخلافة على أكمل وجوهها حتى لا تكون لنا حجة إذا أخللنا بواجبات هذه الخلافة لكي لا يكون ذلك كذلك أخضع لنا كل شئ في هذا الوجود " ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه " أى أن كل هذه الأفلاك التي توصل العقل البشري إلى معرفتها وغيرها مما لم يعرفه حتى اليوم , كل قوي هذا الوجود الظاهرة منة والخفية مسخرة لخدمتنا حتى تكون هذه الخلافة على أتم وجوهها فهل علمت من أنت يا خليفة الله علي هذه الأرض ؟

أين تريد أن تضع نفسك من هذا الكون ؟ إنك عالى المقدار عند الله إذا أديت لهذه الخلافة حقها أما إذا تنكرت وأعرضت فالويل والخسران هكذا كان يشعرنا بمكانتنا في هذه الدنيا فيملأ الاعتداد بالله إرادتنا فننطلق بهذه الدعوة ونحن نتيه على الدنيا لا عجبا ولا كبرياء ولا تعال على أحد , ولكننا ننطلق أذلة على المؤمنين , خشعا لرب العالمين الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

لقد جاءت رسل ربنا بالحق " بهذه الثقة الربانية بهذا الشعور الصافي الذي يمل الناس إقداما وبذلا بهذه الخلافة القدسية انطلق الإخوان المسلمون في القرن الرابع عشر الهجري في أرجاء الأرض مبشرين بحلاوة الإيمان وجلال الشريعة والاستمتاع بهذه العقيدة وإعلام الناس أن إسلامهم دين ودولة مجددين في نفوسهم حب الجهاد ليعود المسلمون إلى ما كانوا عليه من عز وطهر وأمجاد , هكذا حسن البنا يحفز هممنا ويقوي أعزا ثمنا ويملأ قلوبنا ثقة بالله ويشعرنا بعظمة آدميتنا وعبوديتنا لله الذي استخلفنا على خلقه أجمعين

حب الأسوة

يؤاخذنا بعض الناس على حبنا لحسن البنا , حبا بلغ المدي , ولو أنم اقتصروا في لومنا على هذا الحب وأنه أكثر مما يجب كما يقولون , أو أننا بلغنا فيه حد الإشراف , لكان من المحتمل أن نتقبل هذا الكلام ولكن الذين يؤاخذوننا على هذا الحب مغرضون متجنون إذ يتهموننا بأننا نقدس حسن البنا وغفر الله لنا ولهم فإنهم لم يقولوا حقا , ولم يذكروا صدقا ولكنهم تجنبوا الحق والصدق على السواء بعدا يعرضهم لأوصاف لا نريد أن تقرأ بين سطور هذا الكتاب الذي أعد من عن حسن البنا العف الطاهر النظيف . إننا نحب حسن البنا حقا ولكن ما دار في خلدنا يوما أننا نقدسه , لأننا إذا قدسناه كما يزعمون فقد خرجنا عن تعاليمه .

على خلقه .. على أدائه .. على مثله .. إن حسن البنا لم يتعال يوما على أحد , وما كان يرضي أن يوصف بغير ما فيه .. وقد تغالي يوما أحد الإخوان في صوفه فأسكته في حزم قائلا : هون عليك يا أخي , فما أنا إلا واحد منكم , ولا تقصمن ظهري بمثل هذا الإطراء , في الوقت الذي يتيه فيه الزعماء الدنيويون كبرا وخيلاء إذا ما مدحوا بغير ما فيهم من خلال .

وما تخاطب مع شيخ من المشايخ إلا خاطبه في كل مقطع من كلامه بكلمة مولانا حتى ولو كان أصغر منه في كل شئ : ما تقدم للإمامة في مسجد كما يحرص على ذلك الأكثرون ولكنه كان يصر على أن يؤم المصلين الإمام الراتب .

ما كان يلتزم زيا خاصا يعرف به بين الناس . كان يرتدي البدلة الأفرنكية يوما , ولم أر له غير بذلة أفرنكية واحدة كحلية اللون طول حياته , والجلباب حينا , والعباءة أحيانا , والطربوش مرة والعمامة مرة أخري ويبلغ من التواضع وكراهية التظاهر بغير حقيقة إنني إذا كنت في زيارته بالمركز العام وجاء موعد الغذاء فإن كان في بيته طهي قال ( تعال اتغدا معانا .

إحنا طابخين النهاردة) وإلا صرفني قائلا ( إذهب فابحث لك عن طعام يروقك فليس لدينا اليوم آدام ) كنا نحبه ملء قلوبنا ونحترمه من كل مشاعرنا ولكننا ما قدسناه يوما ولا نرضي لديننا أن نقدس مخلوقا وإذا كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم لا يرضي أن يقدسه المسلمون فهل يرضي حسن البنا هذا لنفسه , أو نرضاه نحن له إننا نحفظ رسائله لأن فيها زادنا ونستشهد ببعض عباراته لأن فيها حجة وإقناعا وعلما واجتهادا , ونتصرف في بعض الأمور تصرفه لأن فيها هيبة ووفاء كل هذا كنا نعمله نحن مع إمامنا الشهيد ولكننا ما فكرنا يوما في تقديسه حيا حتي نقدسه مستشهدا .

إنها أوهام تطوف بأخلاد بعض الكارهين للإخوان المسلمين ومرشدهم الأمين , غيرة أو حسدا إنهم لا يجدون من أحد , على علو مراكزهم المظهرية , مثل هذا الحب والتقدير من الإخوان لمرشدهم إننا لا نملك لهم إلا أن ندعو الله أن يزيل ما بصدورهم وأن يكشف لحقائق لبصائرهم وأن يلهمهم عفة القول فيما يتوهمون ولا نقول فيهم مالا يتمشي مع الخلق القويم .. لأننا إخوان مسلمون .

هذه اليقظة الإسلامية التي تنبض بالحياة في كل مكان بت مسلمون إنما هي وليدة الجهود الجبارة التي بذلها أستاذ الجيل وغرسها آمالا فسيحة في نفوسنا وتعهدنا ورعاها , حتى لم تعد أماني يسعد بها الخيال , ولكنها أصبحت حقائق يعد لها المسلمون عدتها في كل مكان نهينا إلى أن المسلم مهما أسرف على نفسه في المخالفات بارتكاب الذنوب, مهما أتبع نفسه هواها وتمني على الله الأماني فلا يليق به أن ييأس من عفوه ومغفرته " قل عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا "

ولكنه في نفس الوقت حذر من الاغترار فأهل بدر قيل لهم افعلوا ما شئتم فقد غفر لكم فليس معني هذا الانطلاق في المخالفات لأن دوام المغفرة يستوجب دوام موجباتها .

إنه لم يفتح الأمل في هذا المجال فحسب , ولكنه فتح باب الأمل واسعا في استعادة أمجاد المسلمين , وحذر من عدم الثقة في مشيئة الله التي لا تقف في المغفرة وفي تغيير الحال عند حد , يقول الله في حديث قدسي " اشد غضبي على عبد استعظم ذنبه على مغفرتي " فنحن نؤمن بقدرة الله على كل شئ سواء في الإحسان أو الإساءة في العجز وفي القوة في التراخي أو في النشاط في الجد أو في أو في الكسل , إننا نطمع حقا في مغفرة الله , ولكننا إلى جانب ذلك نطمع في أن مشيئته لن تعيد لنا فلسطين وأفغانستان واليمن وأريتريا ولكنها قادرة قطعا أن تعيد إلينا الفردوس المفقود ..

الأندلس إنها ثقة منا في عظيم شأن الله هذه الثقة التي جعلها الإمام الشهيد من أركان البيعة , بيعة الإخوان معه , واحدا واحدا .

هذه الثقة التي عاش فيها حسن البنا طوال حياته ,والتي كان يربي عليها الإخوان , حتى أصبحت جزءا من حياتهم يعيشون عليه في تعاونهم مع بعضهم البعض , وفي طاعتهم لمرشدهم ثقة كاملة فيه لقد قال لنا الإمام الشهيد أنكم إذ تبايعونني على السمع والطاعة في المنشط والمكره, فيما تحبون وفيما تكرهون فيما يسهل وفيما يشق عليكم فإنكم لا تبايعون حسن البنا فإنه مخلوق مثلكم زائل , إن عاش معكم اليوم , فهو ولا شك مغادرتكم في الغد ولما كان المسلمين يبايعون رسول الله صلي الله عليه لأنه ميت كما أنهم ميتون ولكنهم كانوا يبايعون رب الأرباب , رب القدرة والعرش العظيم , وما محمد صلي الله البيعة ع صاحب الشأن وحده " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث على نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما "

فارعوا جانب البيعة لأن صاحبها رقيب شهيد . أما أنا فلا , ولكن المراعاة كل المراعاة في البيعة فهي بات في معسكر مع الإخوان أو في رحلة , فهو آخرهم ذهابا إلى الفراش , بعد أن يطمئن على راحة الجميع متفقدا أحوالهم جميعا قبل أن ينام , وكانوا يتسابقون في القيام من النوم للتهجد أو صلاة الفجر , وما حاول أحد أن يسبق إخوانه إلى هذا الخير إلا وجد الإمام الشهيد وقد سبقه إلى التهجد استعدادا لصلاة الفجر .

ولكي يغرس في نفوس الإخوان حب التواضع , وينشطهم عليه ويجعله طبيعيا في تصرفاتهم مع الناس , كان يجعل نقيب الأسرة أقدمهم عهدا بالإخوان وأكثرهم صلة برب العالمين فكنت تري في الأسرة الواحدة الطبيب أو الطالب أو المهندس وطالب الهندسة , أعضاء في أسرة واحدة نقيبها عامل أو فلاح أو موظف بسيط , وما كان أحد من أعضاء الأسرة يجد في نفسه غضاضة لهذا الوضع, لأن نقيب الأسرة كان أكثر أعضائها مسئولية لهذا الوضع ,, لأن نقيب الأسرة كان أكثر أعضائها مسئولية عن كل شئ , وأمام الله سبحانه وتعالي.

والإخوان أزهد الناس في الرئاسات والمظاهر , وأحمل المسئوليات إلا أن تكون تكليفا , أو فرضت عليهم فرضا , ممن يملك الأمر في ذلك وتجب عليه طاعته فيه , ولما شاءت رادة الله أن ينتقل فضيلة المرشد الأستاذ الهضيبي إلى جوار ربه , عهد بقيادة الإخوان إلى مجموعة من أطهر وأخلص أبناء هذه الجماعة وليس بعضهم من ذوي الإجازات العلمية الجامعية ولكنهم جميعا من ذوي الفهم في دعوتهم والمتفانين فيها والعاملين في المحافظة عليها والمستمسكين بمبادئها فقط لا يداورون ولا يناورون في هذا الموقف أبدا .

ورغم أنهم تعرضوا لبعض المتاعب في عدم التفريط في نظم الجماعة إلا أن الأحداث أثبتت أنهم هم الفاهمون حقا وأن الصواب إلى جانبهم بفضل الله , وفي كل هذا كانوا يتوارون عن الأنظار , غير متظاهرين بقيادة أو يدلوا بمكانه بل وأنهم لأزهد الناس في وضعهم هذا , ولولا وفاء ببيعة الله ولولا سمع وطاعة لمرشد بحملهم أمانة لما رأيتهم اليوم في أماكنهم التي ينقم عليهم بسببها المتطلعون إلى المظاهر والرياسات وقد سبب اختيار المرشد لهم تبرما عند بعض من كان يظن في نفسه أحقية للقيادة , اختار لنفسه طريقا آخر , نسأل الله أن يوفقه فيه إلى ما يحب ويرضي لعباده المخلصين .

ومع كل ما أتي الله حسن البنا من فضل في كل شئ , فإنه لم يخطر يوما على أحد من الإخوان أن يناقشه أو أن يعترض على تصرف من تصرفاته . بل كان يرحب بهذا , ويهش له , ويشجع عليه في أحد وزارات إسماعيل صدقي عرض الإمام على إخوان المكتب اقتراحا بالإلغاء الرتب والألقاب الحكومية ورفضت الأغلبية الاقتراح ما عدا المرحوم بإلغاء الرتب والألقاب الحكومية ورفضت الأغلبية الاقتراح ما عدا المرحوم منير الدلة وأخ آخر ما يزال حيا .

وتقبل الإمام رفض إخوان المكتب للاقتراح في بساطة تامة وهاهي الأيام ترجع سبقه في التفكير , وألغيت الرتب والألقاب إن من تعاليمه لنا أن نعمل العقل في كل ما يعرض لنا .

وألا نكون من الإمعات . كان يطلب منا أن نتبين وأن نتفهم لأننا دعاة إلى الله . وينتعرض في الكثير من مواقفنا للمناقشات والاعتراضات والتحديات وكثيرا ما كان يردد على أسماعنا هذا البيت :

قد رشحوك لأمر لو فطنت له

فاربأ بنفسك أن ترعي مع الهمل

وكم كان يسعده أن يتبين الأخ وأن يستوضح مؤيدا هذا الإغراء بالآيات البينات والأحاديث الشريفة" قل انظروا ماذا في السموات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم يؤمنون " وسمعنا له في هذا الحال حديثا يرويه عن رسول الله صلى الله عليه ( أن بلالا جاء ليؤذن لصلاة الصبح فرأي النبي صلي الله عليه وسلم يبكي . فقال ما أبكاك يا رسول الله قال عليه الصلاة والسلام ويحك يا بلال, وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل الله على في هذه الليلة

" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب" ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها رواه ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر هكذا كان يحب للإخوان الاستيضاح وعدم التحرج من مكانته فيهم ثم بعد ذلك يقول خصوم الدعوة إن الإخوان المسلمين يطيعون حسن البنا طاعة عمياء ويعلم الله أن ليس في هذا القول صحة لا من قريب ولا من بعيد إن واقع الإخوان المسلمين مع مرشدهم الشهيد يدحض ذلك , وعلى سبيل المثال ما حدث في تنازله عن المعركة الانتخابية في الإسماعيلية .

ما أن سمعت بهذا حتى ثارت في مشاعري ثورة الشباب الجامحة غير المستبصرة , وأنكرت هذا التصرف من فضيلته ولما كنت أحبه وأحترمه فقد آثرت الانقطاع عن هذه الجماعة التي يتنازل مرشدها عن خوض المعركة الانتخابية دون سبب معروف عندي على الأقل مبرراته وطال انقطاعي عن المركز العام , وأحس فضيلته بهذه الغيبة الطويلة غير المعهودة مني , فسأل عني فقيل له أني غاضب لتنازله عن الاستمرار في المعركة الانتخابية فابتسم وأرسل إلى خطايا يستدعيني فيه إلى القاهرة , وكان يكفيني هذا لأسافر إليه ,بل ويكفي كل منصف أن يؤمن بأن حسن البنا إذا تصرف تصرفا لم يرض أخا فهو على استعداد للمناقشة وبيان الأسباب , وأنه لا يتعالي على من يريد يناقشه الحساب .

بل ها هو يعز عليه أن ينقطع أخ دون أن يتبين الأسباب التي بني عليها تصرفه الذي دعا أخا للانقطاع عن مواصلة جهاده , ولو كانت الطاعة عمياء كما يقولون لذهبت إليه فور تسلمي خطاب استدعائه لى . ولكني أصررت على موقفي , ورددت عليه بأن لا فائدة من لقائي بت لأن الذي حدث لا مبرر له في تقديري .

وكان حسبه هذا ترضيه لى وإنصافا , وكان يكفيه هذا عصيانا مني وخروجا على أصول البيعة لأنني لما مررت بمنطقة المكره لم أستطع الوفاء للبيعة في السمع والطاعة فيما أحب وفيما أكره , ولكن هذا الذي يتهمون الإخوان بطاعته العمياء تدلي في حبال التفاهم والتبين وأعانني على شيطاني ونفسي ولم يعنهما على حتى لا أزل من حيث لا أشعر فأرسل إلى اثنين من كرام الإخوان , رحمهما الله , فصحباني إليه على مضض مني , وقابلني باسما مرتفقا وشرح لى كل الأسباب والنقاش الذي دار بينه وبين النحاس باشا في هذا الصدد , فقد أرسل النحاس له أن يتنازل مراعاة لمصلحة مصر , وألح في ذلك وألحف , وما هدد بت الإنجليز وظل يشرح ويبرر بالحجة والبرهان حتى انصرفت من لدنه مؤيدا لكل ما فعل بالحرف الواحد واليوم نلقي نحن قدامي الإخوان من الشباب المسلم هذا الحماس الذي يستجيب للمشاعر الثائرة غير المتبينة , فأعود بذاكرتي إلى الماضي مع الإمام الشهيد .

فألتمس منهم العذر , وشتان ما بين رجال الموقفين , فهل كان الإخوان المسلمون يطيعون حسن البنا طاعة عمياء , لا تبصر فيها ولا تبين اللهم اغفر الذين يرمون عبادك بما هم أبرأ الناس منه وأبعدهم عنه , وكان من أجمل ما طبعنا عليه في هذا المجال عزوفنا عن الجدل العقيم , الذي ليس من ورائه إلا ضياع الوقت والجهد وإيجاد الحزازات والخلافات بين المسلمين قال لنا إن في الإسلام أصولا اتفق عليها جميع الفقهاء والأئمة العلماء وهناك فروع اختلفوا عليها اختلافا بينا فأى فرع ارتحت إلى رأى أحدهم فيه فاعمل بت , فإن خطأك أحد فلا تخطئه أنت لأنه يستند إلى قول عالم , وكن خيرا منه لأنك ترتكز فيما تفعل إلى رأى فقيه .

ومن الخير ألا تخطئ غيرك إذا ما خالفك لقد جاء زمن عشناه كان الناس يتضاربون فيه بالعصي والشوم بسبب الخلاف على الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام كان ينهانا حسن البنا , لأن الإخوان المسلمين دعاة صلح وسلام في غير تعصب وليسوا دعاة شغب وقطيعة وخصام هل نلام بعد هذا على حينا لحسن البنا يظنه البعض تقديسا , وما هو بالتقديس , ولكنه الحب في الله , والثقة المستبصرة والطاعة المستنيرة المشرقة , والله على ما نقول وكيل وشهيد إننا إذا كررنا الكلام في هذا المقام فما هو بالدفاع عن أنفسنا فنحن مستيقنين من سلامة موقفنا تماما , ولكن رأفة بشباب قد تخدعه مثل هذه الأباطيل . بل وبالذين يتهموننا بهذا فقد هدد رسول الله صلي الله عليه وسلم الملتمسين للبرءاء العيب بخطر كبير .

المتحاملون على الإخوان

حمل بعض الناس على حسن البنا , وما يحمل عليه إلا المغرضون أو الذين يعرفونه معرفة تبيح لهم مهاجمته قال فريق إنه صوفي .. وقال فريق آخر إنه سلفي ,, وقال فريق ثالث إنه من مجتهدى المحدثين , وقال فريق رابع أنه ليس له فكر محدد يمكن الإمساك به فيه , وكل أولئك أحد رجلين , رجل لم يقرأ لحسن البنا ولم يستمع إليه , فهو صنيعة شائعات يجري وراءها بلا علم ولا يقين , مع أن الشائعات لت تغني من الحق شيئا , ولكنه يجري وراء الشائعات إلا كل مغرض مهبول لا يدري عمن يهاجمه شيئا .

ولكنه يخفي جهله بدعواه إنه لا يعلم لحسن البنا فكرا محددا وقديما قال الإمام على رضي الله عنه وكرم الله وجه ( يهلك في اثنان , كاره قال , ومحب متغال ) ولن أدافع عن حسن البنا ولكن أنقل إلى المتقولين ما قاله حسن البنا في رسالة العقائد أنقله بالحرف الواحد , حتى يتبين طلاب الحقيقة أين يقف إمامنا الشهيد , وليعلم الذين يقولون اليوم أنهم سلفيون أهم سلفيون حقا فاقهين لادعائهم , أم هو حسن البنا السلفي السليم العقيدة , المنصف للناس جميعا حتى الذين يتطاولون عليه سفها وجهلا يقول :- قد علمت أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالي أن يمررها على ما جاءت عليه ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها . وأن مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالي عن خلقه , وعلمت أن الخلاف شديد بين أهل الرأيين , حتى أدي بينهما إلى التنديد بالألقاب العصبية وبيان ذلك من عدة أوجه :-

أولا : اتفق الفريقان على تنزيه الله تبارك وتعالي عن المشابهة لخلقه .

ثانيا : كل منهما يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله تبارك وتعالي غير ظواهرها التي وضعت لها هذه الألفاظ في حق المخلوقات وذلك يترتب على اتفاقها على نفي التشبيه .

ثالثا : كل من الفريقين يعلم أن الألفاظ توضع للتعبير عما يجول في النفوس أو يقع تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة وواضعيها وأن اللغات مهما اتسعت لا تحيط بما ليس لأهلها بحقائقه علم.

وحقائق ما يتعلق بذات الله تبارك وتعالي من هذا القبيل فاللغة أقصر من أن تواتينا بالألفاظ التي تدل على هذه الحقائق , فالتحكم في تحديد المعاني بهذه الألفاظ تغرير , وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل وانحصر الخلاف بينهما في أن الخلف أرادوا تحديد المعني المراد حيث ألجأتهم ضرورة التنزيه إلى ذلك . حفظا لعقائد العوام من شبهة التشبيه , وهو خلاف لا يستحق ضجة ولا إعناتا .

ونحن نعتقد أن رأى السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك تعالي أسلم وأولي بالإتباع , حسما لمادة التأويل والتعطيل . فإن كنت ممن أسعدهم الله بطمأنينة الإيمان وأثلج صدره ببرد اليقين , فلا تعدل بت سبيلا ونعتقد إلى جانب هذا أن تأويلات الخلق لا توحي الحكم عليهم بكفر ولا فسوق ,ولا تستدعي هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديما وحديثا وصدر الإسلام أوسع من هذا كله , وقد لجأ أشد الناس تمسكا برأي السلف رضوان الله عليهم , إلى التأويل في عدة مواطن , وهو الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه , من ذلم تأويله لحديث

( الحجر الأسود يمين الله في الأرض ) وقوله صلي الله عليه وسلم " قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن " وقد رأيت للإمام النووي رضي الله عنه ما يفيد مسافة لاختلاف بين الرأيين مما لا يدع مجالا للجدال والنزاع لا سيما وقد قيد الخلف أنفسهم في التأويل بجازه عقلا وشرعا بحيث لا يصطدم بأصل من أصول الدين .

قال الرازي في كتابه ( أساس التقديس ) : ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل . وإن لم نجز التأويل فوضنا العلم بها لله تعالي . فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات وبالله التوفيق .

وخلاصة هذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم بالأصول الشرعية غير جائز , فانحصر الخلاف في تأويل الألفاظ بما يجوز في الشرع, وهو هين كما تري , وإن لجأ إليه بعض السلف أنفسهم ,وأهم ما يجب أن تتوجه إليه همم المسلمين الآن توحيد الصفوف , وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا والله حسبنا ونعم الوكيل .

هذا هو حسن البنا يكتب بخط يده في رسالة العقائد أن سلفي العقيدة بمعناها الصحيح , لا بمعناها التعصبي التشجني , وفي نفس الوقت لم يهاجم أحد من الخلف بكلمة تؤذيه من قريب أو بعيد , كما يفعل غيره في مثل هذه المواقف متعصبا لرأيه , وكأنما الانتصار للرأي لا يأتي بنتيجة إلا إذا شتمنا معارضينا وحملنا عليهم , بل يزيد أستاذ لجيل على هذا الإنصاف الرائع إنه حاول التقريب بين وجهتي النظر بأسلوبه الدقيق المحكم المهذب هذا هو سلوكه في النقاش والتربية والتعليم والجدال يسمو دائما فوق الشخصيات بل ويعطيها حقها في حرية الرأي. إذا انتقد لا يجرح , وإذا عارض لا يؤذي وإذا ناقش لا يبغي .

كله أدب لياقة . كياسة . نطقه علم , تواضع الشخصيات أبعد ما يكون لها حيزا في خياله .

إنه النظيف . النظيف حسا ومعني , النظيف مظهرا وخبرا , النظيف كلمة ولسانا , النظيف قلما وبيانا , وإني لا أقول أني أتحدي , فالإسلام لا يعرف التحدي , إنما الذي يتحدي إنما هم الطغاة البغاة أما عاملة الناس العاديين المؤدبين فإنهم يتناقشون بالحسني ويدفعون بالتي هي أليق , مدعمين كلامهم بالحجة الباهرة والدليل المقنع والبرهان الذي ينزل عنده المنصفون الباحثون عن الحق ذاته , لا عن انتصار في الجدال بالحق أو بالباطل , أقول أتحدي أن يأتوني بمثل أسلوبه إن كانوا صادقين ورحم الله الإمام الشافعي الذي ملأ طباق الأرض علما رحمه الله رحمة واسعة يوم أن قال :

ما جادلت أحدا إلا وتمنيت أن يكون الحق إلى جانبه , وهذه هي أخلاق المسلمين . أعزف الناس شهوة في الانتصار على المجادلين , وهو لون من أدب فقهائنا العظام في احترام رأي مخالفيهم وهو الخلق الذي أخذ أمامنا الشهيد نفسه به منذ أن درج على الأرض في عداد المكلفين أنا لا أقول أتحدي ولكني أرجو وألح في الرجاء , أن يأتيني أى إنسان بكلمة واحدة غير مهذبة خرجت من فم الإمام الشهيد أو كلمة نابية جري بها قلمه على قرطاس , لا ولن يجد أحد شيئا مهما أتعب نفسه في البحث والتفتيش ورغم هذا الأدب العالي فلم يسلم رضوان الله عليه من اتهام المتهمين وتطاول المتطاولين حيا وميتا وحسبه في هذا أن زعيمه محمد صلي الله عليه وسلم لقي من الناس ما لم يلق إنسان ومع ذلك لم يرد شتما بشتم وما ازداد عند ربه إلا رفعة وعلو شأن ولحسن البنا في رسول الله صلي الله عليه وسلم أسوة حسن .

شعار واضح

هل وضع أحد لدعوته أو مجلته أو صحيفته اليومية , هذا الشعار قبل حسن البنا ( دعوة الحق والقوة والحرية) إن الخير كل الخير في هذه الكلمات الجامعات المانعات .

فالحق ... الله هو الحق , وقوله الحق , وقضاؤه الحق لم يقصد الحق الذي يتماري فيها الناس وفق أهوائهم , فما هو حق صباحا , إذا بت غير حق في نفس اليوم , وما هو حق عند قوم , باطل عند آخرين ولكنه الحق الذي لا مراء فيه , ولا شبهات حوله , و مجال لإنكاره ولا حيلة في تغييره , القوة...

القوة التي تحمي ولا تبغي التي تبني ولا تهدم التي تقوم فلا تظلم التي تنفع فلا تضر , القوة التي تعيد للحق طريقه الذي يسلكه لهداية الناس وإسعادهم في دنياهم وآخرتهم , القوة تبعث في النفس عزة وقدرة على عمل الخير ونفع البشر , لا القوة التي تبطش وتستذل وتستعبد وتستعمر , والحرية ..

الحرية التي قررها المنعم المتفضل جل شأنه لعباده حتى في الإقرار بعبوديتهم له .. أنشأهم وصورهم ورزقهم وأسبغ عليهم نعمة ظاهرة وباطنة وطالبهم أن يعبدوه وبعد ذلك ترك لهم الحرية الكاملة . في دنياهم أن يؤمنوا أو أن يكفروا به " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " قاعدة من قواعد الإسلام الشامخة في مجال الحرية , يريدها صاحب الشأن , جل جلاله توضيحا وتوسعة " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "

الحرية التي هي أغلي ما في هذا الوجود , بل ولعلها أغلي من الحياة ذاتها , الحرية التي تجعل كل إنسان آمنا في سربه فلا تنتهك حرماته , معافي في بدنه عن الإيذاء والتعذيب , حاصلا على قوته في يومه فلا جوع ولا حرمان هذه هي الأسس التي ضع حسن البنا نفسه ودعوته فيها , وآمن بها ودافع عنها ثم ضحي بحياته الغالية من أجلها هذه الحياة الأغلي من البلايين

والناس ألف منهم كواحد

وواحد كالألف إن أمر

لم يتخذها شعارا يضلل بت الناس , أو ليجذب إليه الأسماع والأبصار ولكنها كانت إيمانا وعقيدة وجهادا وحياة وكل شئ عند أستاذ الجيل رضي الله عنه وأرضاه في منازل الأبرار , لقد كان تقديم حياته فداء لدعوته أصدق دليل على إخلاصه , وصدق الله فصدقه الله " ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ".

السهل الممتنع

إن من أبرز مميزات هذا الداعية الإسلامي الكبير أن الله أتاه قدرة عجيبة في مخاطبة الناس على مختلف طبقاتهم وثقافتهم وأعمارهم ذهبت معه مرة إلى مدرسة العباسية الابتدائية وكانت شعبة العباسية أعدت لقاء مع طلبة تلك المدرسة ولما اكتمل الجمع طلب مني أن أتحدث إلى هؤلاء الأطفال فنظرت إليه في دهشة بالغة قائلا : أتريد مني أن أتحدث إلى هؤلاء الأطفال ؟ قال : وماذا في هذا ؟ قلت : يا أستاذي الفاضل أنا محام أعتاد أن يتحدث إلى القضاة والمستشارين و أما إلى هؤلاء الأطفال فلا عهد لى بذلك , قال وهل الرجال إلا نبت هؤلاء الأطفال الصغير تسترضيه بقطعة من الحلوي والرجل تسترضيه بالكلمة الحلوي, الطفل يتعلق بأمه , والرجل يتعلق بزوجه وكلتاهما امرأة , الطفل يحرص على كل ما وصل إلى حوزته , وهل يفعل الرجل غير لذلك , الطفل تستهويه الحدوتة الساذجة لا يمل الاستماع إليها ساعات , والرجل تستهويه القصة الممتعة فلا يكف عن متابعة أحداثها حتى يأتي على آخرها الطفل يعدو على ما في يد طفل أضعف منه والرجل يسلب ما في يد من هم أشعف قوة وشأنا إلا من رحم ربك .

والظلم من شيم النفوس فإن تجد

ذا عفة فلعله لا يظلم

قلت : واو .. تفضل فضيلتك فأنت صاحب هذا الموقف , ووقف وتحدث فما طرفت عين لطفل , ولا مل منهم واحد ولا تشاغل عن الاستماع ولا قام واحد منهم بحركة توقف ذلك الفيض الذي أمتعهم بت فضيلته .

ودعي مرة إلى حفل بمناسبة المولد في بولاق , وكان هذا الحي يشتهر في ذلك الوقت بالفتوات والأقوياء , فكان حديثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لذلك الحفل يدور كله حول الرسول عليه الصلاة والسلام يوم أن جحش أبا جهل على بئر زمزم , وهما في ميعة الصبا , وعن أركانه أقوي أقوياء الجزيرة العربية الذي لم يؤمن إلا بعد أن صرعه رسول الله صلي عليه وسلم ثلاث مرات , وعن مسابقته لأبي بكر وعمر وسبقه إياهما , ومن هذا الحديث المحبب إلى قلوب أولئك الفتوات كان يبينه لهم كيف أن تلك القوة الجسدية الهائلة .

لم تأت إلا نتيجة للتمتع بقوة روحانية خارقة والتزام كامل لأوامر الله واجتناب نواهيه وبلغ من إعجاب احد الفتوات في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الناحية , أن صاح معبرا عن إعجابه بمدي تفكيره قائلا ( اللهم صلي على أجدع نبي ) ..

وانتهي الحفل بأن بايع الكثيرون منهم فضيلة الإمام على الانضواء تحت لواء جماعة الإخوان المسلمين , والإقلاع عن استعمال قوتهم في المشاجرات والاعتدال على الناس وأن يوجهوا هذه القوة التي من الله بها عليهم .

إلى الخير ونصرة الإسلام وكان على رأس هؤلاء القنوات المرحوم إبراهيم كروم , أشهر فتوات بولاق والسبتية في ذلك الحين إما إذا تحدث عن العمال حسبته ربيب العدد والآلات والمعامل والمصانع والخبير بالنقابات العمالية وينقدها في رفق لاهتمامها بحالة العمال المادية .

دون الاهتمام بحالتهم المعنوية والروحية التي تزكي النفس , وتعين على إتقان العمل وهكذا كان يضيق بسكير ولا عربيد ولا يتحرش بت بل كان يحادثهم في لين وبشاشة أصلحت حال الكثيرين منهم فاقلعوا عن كل كانوا يفارقونه من المنكرات .

كانت الأسفار رغم مشقتها . أروح شئ إلى نفسه وكان يمتع رفاقه طوال السفر بأعذب الحديث والتوجيهات التي كانت تحيي القلوب ويحرص على أن يوفر لكل رفاقه في الرحلات كل ما يستطيع من ضروب الترويج والسامرة الطاهرة البريئة , سافرت معه مرة إلى شبين الكوم , وجاء وقت العشاء فأجلسونا في المسجد على حصير وأمام كل مجموعة طبقا كبيرا من البيض الغارق في الزبد وطبقا من الجبن القديم وكنت إلى جانبه وعرف أنني لا أستطيع تناول الطعام على هذه الصورة , فاستدعي أخا وهمس في أذنه , وما هو إلا بعض الساعة فإذا بين قدر من اللحم المشوي والعنب فطعمت حامدا شاكرا .

له الله . لقد لقي من الإخوان الكثير نظرا لاختلاف طبائعهم وعوائدهم ونشأتهم ووجوب التقارب بين كل هذه المتناقضات وقد نجح إلى حد كبير كانوا يحبونه حقا ولكنهم في نفس الوقت بشرا يعرض عليهم ما يعرض للبشر ولكنهم كانوا بشرا طيبا متميزا.

ومن عجيب أمر هذا النابغة الملهم , أنه تحدث عن المعتقلات المعنوية كما يتحدث الناس عن المعتقلات المادية فكما أن الظلمة يعدون المعتقلات لترجوا فيها من يقاوم ظلمهم , وينكر عليهم عسفهم , وينصحهم بالإنصاف مع الرعية , والعدل في حكم الشعوب , كذلك يري فضيلته أن هناك من الناس من ابتلي في عقله بمعتقلات مظلمة , حجبت عنه النور و ومنعته الإدراك كان أولها ما ورث من خرافات بائدة , وعقائد فاسدة حالت بينه وبين تبين الحقائق على وجهها والتسليم لأهلها " وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا ودنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أو لو جئتكم بأهدي مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون . فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين " .

الكلام والاستشهاد لفضيلة الإمام هل سمعت بهذا التعبير الرائع قبل أن يأتي فضيلته ( المعتقلات الفكرية) ؟

أما أنا فلم اسمع ولأم أقرأ , ولمن يكابر أن يدلنا على المصدر مشكورا مأجورا ,كذلك أتي في تنظيمات جماعة الإخوان المسلمين بمؤسسات وأنظمة لم يسبقه إليها أحد من كل من أسس جمعيات أو جماعات أو هيئات دينية أو مدنية أو تجارية أو اجتماعية أو سياسية , فلأول مرة يسمع الناس بالشعبة , المنطقة ومركز الجهاد , والمكتب الإداري والهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد والمرشد العام كل هذه الأنظمة وليدة العبقرية الحسنية الفذة , ولئن كان بعض الدعاة المسلمين قد اختضنتهم بعض الدول غير التي نشأوا فيها وأفسحت لهم من صدرها فقد كان فضل الله على أستاذ الجيل أن الحكومات جميعها كانت تخاشنه وتخشاه وتغلق أبوابها في وجهه , وتقاو دعوته , ولكن نصر الله وتأييده كان فوق كل كيد الكائدين .

كان إذا آخذ يؤاخذك في رفق ’ يشعرك بالخطأ دون أن يجرحك في ساعات الرضا كان يناديني باسمي المجرد ... يا عمر , فإذا كان هناك ما يستدعيني المؤاخذة ناداني .. يا أستاذ عمر .. فأشعر على الفور أن هناك ما لا يرضيه .

فأسرع قائلا ( ليه هو حصل حاجة ؟ ما هو أنا عمر برضه) فتنفرج شفتاه عن البسمة التي تسترض كل غاضب .

وتجذب كل قلب نافر و ويبدأ في المؤاخذة بأسلوب العتاب المحبب إلى النفوس . كان إذا استنجد أسرع الاستجابة دون تواطؤ, اخبرني قاض انتقل إلى رحمة الله , لما عرف أنني من الإخوان المسلمين , أن معرفته بحسن البنا وتقديره له ترجع إلى موقف طريف .

عرفت من تصرفه فيه أنه رجل شجاع نبيل ذو مروءة وذو عاطفة وأنه صاحب دعوة حقا ..

يقول القاضي كنت في بلدتي , وفي عودتي إلى القاهرة في وقت متأخر في سيارتي معي زوجتي فرغ البنزين من السيارة فتوقفت على الطريق الزراعي في مكان لم أر على مقربة منه قرية ولا ضيعة وكان الظلام حالكا ورهبة السطو تسيطر على مشاعري , وكلما مرت سيارة أشرت إليها بالوقوف ولكن أية سيارة لم تستجب وكانوا معذورين فالوقت متأخر والمكان منقطع عن العمران وهوية الذي يستوقف السيارة غير معروفة والحذر في مثل هذا الموقف أولي وأجدر وأخذت السيارات تمر واحدة بعد الأخرى على فترات منتظمة تدعو إلى القلق وأخذت الدقائق تمر كذلك في بطء يثقل وقعه على الأعصاب وبعد أن انتصف الليل وأيقنت أنني سأبيت أنا وزوجتي حيث كنا حتى الصباح وبعد أن يئست من استجابة أى سيارة لإشارتي .

قلت فلتكن الإشارة الأخير لأية سيارة تأتي , حصل ما تمنيت فوقفت سيارة ونزل منها رجل يرتدي الزي الأفرنكي , ملتح , توحي ملامحه بالاطمئنان الكامل وتحقق الأمل وتقدم مني في أدب محييا وسألني هل هناك ما أستطيع أن أفعله قلت : البنزين انتهي , وكانت السيارة في ذلك الحين ما تزال تستعمل البوق ( النفير ) فخلع الكاوتش الذي في بوق سيارته " ويملأ منها ويفرغه في تانك حتى قدرت أن هذا يكفي وظننت أ،ه وقد قدم هذه المكرمة , وفي هذا الموقف الحرج سيتركني وينطلق بسيارته ولكنه قال متلطفا أن أسير أولا , لعل في سيارتي شيئا غير فراغ البنزين وكان يقوم بهذا العمل كله بنفسه ورفيقه في سيارته يرقب الموقف كالصقر الحذر وقبل أن ينصرف سألته من ه ؟

فقال حسن البنا من الإخوان المسلمين . فعرفت أنه مرشد الجماعة ومن وقتها عرفت الرجل وما توفرت فيه من صفات توحي بالثقة الكاملة فيه .

ولنعلم علم اليقين مدي صدق الإمام الشهيد في دعوته , إنه ترك في نفوس الإخوان المسلمين جميعا من التأثر بهذه الدعوة ما جعلهم يستهينون في سبيلها بكل شئ . حبب إليهم القرآن وتلاوته , كانوا يعذبون على لتمسك بالمصاحف وقراءة القرآن مستهينين في ذلك بكل أ،واع البلاء التي أنزلها بهم زبانية جمال عبد الناصر , ولما أفلست كل الحيل الناصرية الشيطانية الإجرامية في صرف الإخوان عن القرآن وتلاوته لم يبق عليهم إلا الجريمة الكبرى بالاجتراء على كتاب الله فأخذوه ومزقوه وداسوا بالأقدام استهانة بالذي أنزله , فداست على جباههم الخاطئة , أقدم اليهودية الشمطاء جولدا مائير سنة 1967,

وأذاقهم الهوان قبل أن تدمغهم الهزيمة المخزية , وقد عرض اليهود أفلام المعركة في العالم كله , إذ كان ( كاميرات ) اليهود في الطائرات تتابع فرار أسود التعذيب , وفئران الحروب في تقلبهم على وجوههم في الرمال خالعين كل ثياب العسكرية التي كانوا يدلون بها في السجون الحربية, عرايا فارين في رعدة كانت هي صورة الجبن في أحط مظاهره , هؤلاء البطال , أبطال التعذيب بأمر ومعرفة عبد الناصر في السجون هؤلاء الأبطال , أبطال بين صفوف المعتقلين من الإخوان .

ملوحين بسياطهم في الهواء أو على وجوه ورؤوس وأجساد العزل من المسجونين هؤلاء الأبطال المغاوير كان كل واحد منهم في الميدان الرعاديد الذي ليس في جسده عرق يمسك بعرق آخر وكانوا في فرارهم , رغم الخزي الذي كان يعلوهم , كأنما هم في سبق لولمبيادي أيهم أسرع عدوا أو أحقر جبنا لينال ميدالية الأولمبياد الذهبية , وهكذا سقاهم الله من كأس أمر من الكأس الذي جرعوه للإخوان مع الفارق البعيد فالإخوان كانوا عزلا من كل سلاح , وكانوا هم يحملون كل الأسلحة التي أفقدهم الرعب استعمالها وكان جزاء من ربك عادلا حل ببطل الأولين والآخرين في تاريخ مصر .

ظلما وسوء سيرة وحيلف انهزامات ,خزيات متوالية . إن الاسم البغيض , ما كان يحرص على التعذيب في سجونه ومعتقلاته حرصه على الإذلال والامتهان , وهتك الأعراض , وامتهان الكرامات الإنسانية بشتي صنوف وأشكال الانحطاط حتى بلغ الأمر بتلك الخسة والدناءة أن جعل الكلاب تنزو على الرجال كما ثبت في حيثيات حكم محكمة الجنايات في قضية كمشيش ذلك الحكم الذي وصفته محكمة الجنايات حكم ذلك الحقير بأنه أبشع فترة مرت بتاريخ هذا الكون الفسيح كل هذا لم ينل من صبر الإخوان المسلمين فلزموا قرآنهم وتفانوا في حب مرشدهم البنا والهضيبي لقد تمزقت قلوب الزبانية غيظا وكمدا بسبب إصرار الإخوان المسلمين على تعلقهم بمرشدهم رغم كل الجهود الجبارة التي بذلت في سبيل صرفهم عن اسم البنا والهضيبي ..

ولم تفلح فهل بعد ذلك من دليل مادي على مدي صدق إمامنا الشهيد , وأثره في قلوب الإخوان المسلمين الذين لم ولن ينسوه , ما بقي واحد منهم على ظهر هذه الأرض يسبح الله ويذكر النعمة الإسلامية التي أصقله بها حسن البنا , وما أصدق الأستاذ الهضيبي رشد الإخوان المسلمين السابق ( إن الذين كانوا يستمعون إلى أستاذ الجيل في محاضراته يخرجون وقد رسخت نصائحه وغابت صورته , أما أنا فلم تغب عني كلماته ولم تغب عني صورته ) هذه هي علاقة الإخوان المسلمين بحسن البنا إنه عبد من عبيد الله , ذاكر لله .

داع إلى الله , مجاهد في ذكر دائم لله أما وربي أن ما تركه حسن البنا ذكري طيبة نافعة في نفوس الإخوان المسلمين ما تزال حتى اليوم تربطهم بهذه الدعوة الواضحة البسيطة الطاهرة وما تستوجبه من صبر على ما يلقونه في سبيله وإنها لحسنات لحسن البنا له أجرها وأجر من عمل بها غلى يوم القيامة دون أن ينقص ذلك شيئا من أجورهم ألا يا جليس النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , ألست اليوم في نعيم المقيم, ألم تكن هذه أمنيتك ولقد صدقت الله وصدقك , ولقد دعوته فاستجاب لك هل وراء ذلك من طلب لطالب .

يا نعمة الله على عباده في القرن الرابع عشر الهجري , هذا مع العلم أنا لا نزكي على الله أحدا .

إشارة الجانب العملي

لقد كان في مقدوره أن يكتب المطولات من الكتب والموسوعات من الرسائل ولكنه كفطرته بسيطا سهلا واضحا فيما يقول وفيما يكتب , ولو أنه أراد أن يعرف في مجال التأليف لاستطاع وبيسر , لقد كان أسلوبه اللغوي هو السهل الممتنع فعلا , وكانت حصيلته العلمية لا تعدلها حصيلة عالم في عصره , عجز الكل عن مجاراته أو مساواته , أما الإقناع فقد من الله عليه بذكاء خارق في التدليل بربه كل من حاوره رغبة في الوصول إلى حقيقة م أما الذين كانوا يجادلونه مراء فقد كان يترك ما أرادوا لأنفسهم من مراء وهو محق , لأنه من أرغب الناس في قصور أقامها الله في رياض الجنة لمن ترك المراء وهو محق .

سأله سائل : لماذا سميت دعوتك ( الإخوان المسلمين) وهل الذي لا ينضوي تحت لوائها لا يكون من المسلمين ؟

أليس معني هذا أنك حصرت الإسلام في الأخوان المسلمين؟ وكل هذه مغالطات . لا يقولها غلا من يريد الإحراج والتوريط , حيث لا إحراج ولا توريط , وكان من حق فضيلته ألا يجيب , لأنها أسئلة لا يوجهها من يريد الوصول إلى حقيقة , ولكنه كعادته في سماحة الخلق , وطول الأناءة , ابتسم في وجه السائل , وأعطاه درسا توجيهيتا مهذبا , لعل الكثيرين في حاجة إليه اليوم قال يا أخي لقد سألت , وكان من الواجب أن تنتظر الجواب, قبل أن تجمع الأسئلة وأجوبة في نفس الوقت , فالسؤال أنثي والجواب ذكر .

لقد أحببت أن أتخير لهذه الدعوة , اسما , ولكني أردت أن يكون من صميم كتاب الله , لتكون له حلاوة , تربطه بكتاب الله , مادام القصد هو تطبيق كتاب الله ففكرت ولم يطل بي التفكير إذ ذكرت أن الله قرر الإخوة بين المسلمين في كتابه الكريم بلفظ واضح كريم فقال وهو أصدق القائلين " إنما المؤمنون إخوة " .

قلت فاتحة خير فأنا غير طامع إلا في الأخوة , لأني أشعر أني أخ لكل مسلم . في أية بقعة من بقاع الأرض ثم تمهلت , أى إخوان هؤلاء ؟ فتذكرت وصف إبراهيم عليه السلام لكل من أسلم وجهه لله " ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم ..."

قلت نعم على بركة الله نحن الإخوان المسلمون اسما وواقعا إن شاء الله , وعرض الاسم على المستبين الأوائل , فأقروا الاسم ورضوه وفرحوا بت وعلى هذا الأساس كانت التسمية ومن هذه المعاني انطلق الإخوان المسلمون في أرجاء الأرض مبشرين ومنذرين , لا بغاة , ولا معتدين , مبسطين ومبينين المعتدين ولا منفرين هذه هي التسمية يا أخي , ,بعد ذلك فجماعة الإخوان المسلمين هي جماعة من المسلمين وليست هي الجماعة المسلمة ومن عداها فليس بمسلم وكل الذي لا يرون غير الإخوان أن ألإخوان يتمنون لو أن المسلمين جميعا يأخذون الدين كما أخذه الإخوان المسلمون , كلا متكاملا يتمم بعضه بعضا .

لا يمكن الإيمان ببعض الكتاب وعدم الإيمان بالبعض الآخر , ذلك فإنه الكفر البواح فهل استيقظت يا أخي , وكما كان الإقناع عذبا سلسبيلا كذلك كان الاقتناع سهلا ميسورا , وبهذه المناسبة أحب أن أقرر حقيقة واضحة سمعتها بأذني رأسي هاتين من فم الإمام الشهيد كما سمعتها بعد ذلك مرة ثانية من فم فضيلة الأستاذ الهضيبي قالا رضي الله عنهما وأرضاهما في الجنات العلي , أن الإخوان المسلمين هم جماعة من المسلمين وليسوا هم الجماعة المسلمة .

ولا يرضون لدينهما إبراء لذمتيهما أمام الله , أن يدعي أحدهما أو كلاهما , أن جماعة الإخوان المسلمين هي الجماعة المسلمة وحدها دون سائر الجماعات العاملة في سبيل الله حقا إن دعوة الإخوان المسلمين تميزت بأنها تصر على أن يطبق كتاب الله بكل ما فيه من عبادات ومعاملات , وحكومة وجهادا , ولقد كانت الجماعات الإسلامية لم تضع الحكومة مطلبا في برامجها , ولم تأخذ الجهاد سبيلا في مناهجها إلا أن كلها تؤمن بأن الإسلام دين ودولة , وأن الحكومة من بين قواعده وأن الجهاد فريضة ماضية إلى يوم القيامة لأنهم جميعا يؤمنون بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم ( ما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا) وكان الإمام يحرص على توكيد هذا المعني في الكثير من أحاديثه حتى يسد باب الفرقة بين المسلمين الذين لا هم لهم إلا التماس العيب للبرءاء, وإني لشديد الرجاء وملح فيه.

ألا يدعو أحد الإخوان على أننا الجماعة المسلمة وحدها , كما آمل عند من يكتبون هذا المعني أن يراقبوا أنفسهم رحمة بالإخوان المسلمين أن ينصبوا من أنفسهم قضاة على عباد الله وهذا ليس لهم إنما كانت مهمة زعيمهم عليه الصلاة والسلام البلاغ ,وليس هو على الناس بمسيطر , وما هو إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون , عليه الصلاة والسلام , فأبي لأتباعه أن يكونوا غير ذلك , وكل ذلك سدا للذرائع فقد يأتي هذا القول بنتائج لم تكن في خلد من قال بجماعة المسلمين والأحداث القريبة والبعيدة خير شاهد وأصدق دليل ,وتأكيدا لهذا المعني أذكر الإخوان بحادث قريب العهد منا :

عرض على الهيئة التأسيسية فصل خمسة من أعضائها وصدر القرار بالفصل , فقال الأستاذ الهضيبي رضوان الله عليه أنهم لم يفصلوا لطعن في دينهم , فقد يكونوا خير منا , ولكن للجماعة نظم وقوانين يجب أن تراعي وأن تنفذ , وقد خالفوها ففصلوا حتى يأخذ الصف استقراره واستقامته , حرصت على ذكر هذه الواقعة المعروفة ليعلم من لم يكن يعلم , إنه لا المرشد السابق , قررا أن ألإخوان المسلمين هم الجماعة المسلمة أ، من يقول بذلك أو يدعو إليه إما أن يكون غير ملم بهذه الحقائق وها قد ذكرت فليقلع حتى لا يعرض صفوف الجماعة الخلافات فيها أكبر الخطر على وحدة الصف وإنما ولا داعي لما وراءها , لأن بعض من يقول بذلك أعزة علينا قريبون من قلبونا ومن دعاتنا الذين نفخر بهم في صفوفنا , وما أزنهم حملهم على هذا إلا تعلق وافر بالجماعة حبا وإعزازا وتمكينا ورفعا لها فوق هامة الجميع وجزاهم الله خيرا وغفر لى ولهم ..

إن حسن البنا أستاذ الجيل كله , لا بالانتخاب ولا بالإكراه , ولكن الواقع هو الذي يفرض وقعه على الناس شاءوا أم أبوا , حتى الذين اتخذوا لأنفسهم موقف الخصومة منه , لم يعرفوا بين الناس إلا لأنهم خالفوه , إذا أن مجرد اتصال اى اسم باسم حسن البنا محبذا أو ناقدا كفيل ليعرف هذا الشخص بين الناس وكثيرا ما كانت مخاصمة بعض الأشخاص دافعها حب الشهرة ليعرف كمعارض لحسن البنا إنه أستاذ الجيل لأن الذين في مدرسته أو تتلمذوا في دعوته وصلوا إلى حد لم يصل عدد أتباع كل داعية أو آت برأى جديد , ومن أكبر دعائم هذه الأستاذية أنه لم يأت للناس بجديد عليهم أو غريب عنهم إنه أخرج لهم كنوز دينهم ولمس منهم أرهف جوانب العاطفة ..

العاطفة الدينية جاءهم من الناحية التي يؤمنون بها جميعهم فهز كل مشاعرهم من الأعماق دون أن يوقعهم في حيرة أو خلاف لفت نظرهم إلى حقيقة دينهم , ثم إلى واقعهم اليوم فهم مسلمون حقا لم يتهمهم بكفر أو بخروج عن الملة , ولكن واقعهم باعد بينهم وبين ما يؤمنون بت , بأدلة مقنعة من صميم كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ولذلك نجحت دعوته وما تزال سائرة إلى الخير بتوفيق الله .

قد تنجح المقالة في المرء

إذا صادفت هوي في الفؤاد

والأستاذ الحاذق مثلا هو الكيس الذي يعرف أنسب وسائل الإقناع وصولا إلى القلوب وأكثر منه حذقا من يقيم من يدعوهم دعاة إلى دعوته وأبلغ منهما حذقا ومهارة من يذهب بأتباعه إلى حد التضحية والفداء في سبيل الدعوة التي يدعوهم إليها وكل هذا كان حسن البنا فقد بلغ في هذا المضمار شأوا لم يدانيه فيه داعية فكان حقا وبحكم الواقع أستاذ الجيل وإذا وصل بعض من نعرفهم إلى صفة الأستاذية المصنوعة عن طريق الدعاية المأجورة أو المغرضة لفرض خرافاتهم في أذهان رجال الدين , فإن أستاذنا الكبير وصل إلى ما فوق مرتبة الأستاذية عن طريق دعوته الحقة وصبره على مشاقها في رضاء كامل وجهاده الرائع في سبيلها هذا الجهاد الذي اقتضته حياته.

مات فقيرا كما بدأ فقيرا , وكما عاش فقيرا , لم يترك لأولاده من بعده شروي نقير هذا في الوقت الذي تري فيه كل متزعم أمرا بلغ التخمة ثراء من وراء الأستذة المدعاة لقد كان في مقدوره أن يصل إلى أسمي المراكز الاجتماعية التي يسيل لها لعاب الجميع , لو أنه أرادها ثمنا لمنصبه في دعوته على نمط معين ولكنه كان يعلم نفاسة ما يحمل فضحي بالدنيا كلها وصولا إلى ما عند الله لأنه خير وأبقي " ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "

أستاذية حسن البنا للجيل كله لا تدافع لأنه الأستاذ الذي أقبلت الدنيا عليه إقبالا غير معهود ولكنه سما فوق مادياتها واحتقرها وتشبه بالإمام على رضي الله عنه وكرم وجهه يوم أن قال لها ( غري غيري) ظل ملبسه هو ملبسه ومطعمه هو مطعمه , ومسكنه هو مسكنه ...

وأشهد الله أني حضرت معه الموائد المترعة فما كان يتناول إلا لقيمات مع أن السادة الذين حظوا بجوائز الدولة التشجيعية وتقديرها سرعان ما يتبدل حالهم من صورة إلى صورة , ومن هيئة غلى هيئة أقبلت فاهتبلوها وتفانوا في الحرص عليها والضن بها أن تفلت من أيديهم فأفقدهم هذا الشئ الكثير مما كان يجب أن يكون لهم لولا حرصهم على ما وصلوا إليه مهما كان الثمن وكانوا يتندرون على بعضهم البعض في الشح والتبذير .

كان أستاذ الجيل لا يحب اللجاجة ولا طوال الجدل و رغم حجته القوية وأدلته المقنعة وبراهينه من الأمور أو تصرفا من التصرفات ما كان يتركه يتمادي مضيعا للوقت ولكن يقطع عليه طريقه ويطلب منه أ، يكون عمليا فيشير بما يراه من أوجه الإصلاح وهكذا يتوفر الوقت والجهد ومن أجمل المثل التي كان يضربها في هذا المجال , إنك إذا ما رأيت رجلا يسكن كوخا متداعيا تتخله الرياح التراب ولا يكف حرا ولا يغني من برد فلا تؤلم مشاعره بما تري في كوخه وقبل أن تطلب منه مغادرة هذا الكوخ فاعدد له كوخا جيد الحال صالحا للاستعمال ثم اطلب منه أن يدع الضار إلى النافع , وخير للداعية أن يقدم أوجه الإصلاح فهي أنفع من الاقتصار على انتقاد الأخطاء .

المنهج التربوي

كان يعني عناية فائقة بأساليب التربية , ويركز عليها أكبر من تركيزه على سواها ما يستطيع غيره أن يقوم به .

كان لا يرتاح لتعجل الشباب في استباق الأحداث وجني الثمر يطالبهم بالتأني والهدوء بالإعداد المحكم الرصين المنتج , لا يقر الصخب ولا الشغب وإذا كثر هتاف الإخوان أثناء الحديث أو المحاضرة طلب منهم الكف حتى ينطلق مع خواطره وتسلسلها في ذهنه .

كان يروض الإخوان على الصبر , ويحببهم في الطاعة , ويرد على أسماعهم كلمة عمر بن الخطاب ( تبقي الجماعة ما بقيت الطاعة ) يرسل أخا إلى مكان ما علي أن ينتظر رسولا في مهمة خاصة الساعة , ويذهب الأخ وينتظر وينتظر وبعد مرور وقت طويل يحضر إليه من يخبره أن فضيلة المرشد عدل عن هذه المهمة وعلى الصورة التي يتقبل بها الأخ هذا التصرف يكون وزنه في مجالات العمل . يكلف الأخ بمهمة وبعد لحظات ينحيه عنها لاختيار طول رضاه وسرعة غضبه , كيف يتقبل الأمر ؟ ينفذه ؟ كيف يتصرف ؟

وكيف يواجه المشاكل , ويعد نفسه لتفادي المواقف المحرجة , أرسلت مرة وأنا في مطلع حياتي العملية ومعي الأخ محمود راشد البراوي , إلى المرحوم أحمد عبد الغفار باشا مهمتنا معه وتناقشنا فيها حوالي النصف ساعة وعدنا وأبلغنا فضيلته بما تم فدعا وأثني وشجع وبارك طلب أحد رؤساء الأحزاب الفتية في ذلك الوقت أن يتم اندماج بين الحزب الذي يرأسه وبين جماع الإخوان المسلمين وكان الموضوع أكبر من أن يتعرض له شباب في مقتبل حياته العملية ولكن الإمام الشهيد عهد إلى بهذه المهمة , وطلب ان أقابل السيد رئيس الحزب , والتقينا , ودار نقاش طويل .

لم ننته فيه إلى شئ لاختلاف وجهات النظر إلى حد بعيد وإذا نظرت إلى كل الأجهزة التي كان يموج بها المركز العام في الحلمية الجديدة رأيت كل رؤساء تلك الأقسام شبانا بين سن العشرين والثلاثين , يتوقدون شبابا ونشاطا ودأبا وكانت كلها أقسام حيوية لها أثر ها في سير الجماعة , خلال الأحداث الداخلية والخارجية فهناك قسم الاتصال بالعالم الخارجي عامة والإسلامي خاصة وقسم الطلبة بأجوائه وقسم الرياضة وقسم الجوالة , وقسم نشر الدعوة , قسم الصحافة وقسم المالية وقسم البريد وأقسام يغيب عني ذكرها , وكان هذا الشباب المتوقد إيمانا وذكاء ونشاطا وكفاءة , يمارس عمله في غيرة وحمية تطوعا بلا مقابل , مترسما خطي الإمام الشهيد وصبره وجلده وبديع تفوقه في كل النواحي ومن العجيب حقا أنه رضوان الله عليه كان ملما بكل صغيرة وكبيرة في هذه الأقسام كلها , فوق ما يقدمه لها من نصائح وتوجيهات تضمن سير العمل على أكمل الوجوه .

ولقد كافأ الله إخلاص هذا الشباب بالتوفيق المتواصل في كل خطواته وكانت النتيجة المباركة هذه المدرسة العالمية الكبري التي تخرج فيها المجاهدون والكتاب والوزراء وغيرهم إنها مدرسة حسن البنا وجماعة المسلمين لأنه كان يغرس في نفوس الشباب أن التربية والإعداد هما العدو والعتاد مهما طال بهما الزمان إن ذلك أدق وأوثق وأنجح في الإتيان بالنتائج المرجوة ومن العجلة والتسرع ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة . ومما يعيبه القرآن على الإنسان عجلته وتسرعه " وكان الإنسان عجولا" .

حتى أصبح يجري على ألسنة العامة أن العجلة من الشيطان . دروس ودروس لو راح الإنسان يحصيها ويستقصيها لأعوزته الأسفار والأضابير .

إن حسن البنا أستاذ الجيل في وسائله التربوية علم الإخوان كيف تكون المسئولية ومداها وأهميتها وخطورتها وكيف يحافظ كل أخ على نظم الجماعة في دقة والتزام , وتسلسل المسئوليات منها بحيث لأي تخطي أى أخ المسئول المباشر عنه إلى من هو فوقه , مع الاحترام الكامل للأوضاع إلى أقصي وأدق حدود الاحترام .

دعاة أخ الإخوان إلى الغذاء في بلد من أعمال مركز شبين القناطر وأجاب الدعوة , وكان لابد أن يمر شبين القناطر إلى ذلك البلد , وغاب عن الداعي أن يدعوني إلى تلك المأدبة , وكنت في ذلك الحين محاميا ولي مكتب في شبين القناطر فلما وصل الإمام الشهيد إلى شبين القناطر , أوقف سيارته في أحد الميادين , وأرسل من يستدعيني من المحكمة , فجئت على عجل قلت : خيرا ؟ قال : اركب.

قلت إلى أين ؟ قال: إلى عزبة فلان لنتناول الغذاء هناك . قلت متحرجا : ولكني لم أدع يا فضيلة المرشد . قال : وأنا لا أستطيع أن أذهب إلى أى مكان من هذه المنطقة دون أن يكون المسئول عنها معي . قلت : ولكنك أنت المسئول عنا جميعا , وتجب طاعتك على كل من عداك في الجماعة , و ما كان لرئيس أن يستأذن مرءوسا .

قال : ذلك في الشئون العامة . أما هذه المسائل فمسئول المنطقة هو صاحبها والرأي فيها رأيه , ولئن لم يراع رئيس الجماعة وضعية المسئولين في الجماعة كان الأمر إلى الفوضي , أقرب منه إلى النظام . قلت جزاك الله خيرا على هذا الدرس العملي وقد بلغت فيه الغاية .

فسر إلى حيث دعيت ترعاك عناية الله , قال : إما أن تركب , وإما أركب ,وكان درسا عمليا لم تلق فيه محاضرة ولا مقدمات ولا تفصيلات ولكنه درس على أتم ما يكون إلقاء وفي أليق ما يكون تلقيا : هل رأيت في هذا الدرس تعسفا من المسئول , أو طاعة عمياء من الجندي ؟

كانت هذه اللفتات الهينات أبلغ دروس أستاذ الجيل في تربية الإخوان عمليا على كل معني كريم ,وشاء الله أن تترسخ هذه المعاني في نفوس الإخوان وتصبح منهم سمة متميزة عند تعامل بعضهم مع بعض , حتى أنك لتري الطبيب والقاضي والمهندس يطيع المسئول عنه ولو لم يكن حاصلا على أى مؤهل عال وتشعر في هذه المعاملة روح المودة والطاعة دون حساسيات كل هذه الفوارق ذابت عند الإخوان وأصبحوا المجتمع المثالي الذي يتمناه كل مسلم لقد مر بي في هذه الجماعة سبع وأربعون عاما وما سمعت من الإخوان أخا يشتم أخاه أو يسبه ولكني رأيت نقاشا يبلغ من الحدة مدي تظن ما بعده إلا الاشتباك , ولكن دون أن تسمع كلمة نابية واحدة , تؤذي سمعك .

أو تحوج أحدهما إلى إعتذار وقبل أن ينفض المجلس . يكون كل شئ قد انتهي إلى التصافح والابتسام . إن كنت قد عشت في مثل هذا المجتمع فما أسعدك وإلا فمن الخير لك أن تبحث عن مجتمع تجد فيه هذه الروعة وهذا الجلال ..

مجتمع الحب والصفاء مجتمع الإخوان المسلمين وما دمت قد ادعيت دعوة فلابد من الدليل وأسأل الله أن أستطيع موفقا , قلت وأقول إن حسن البنا أستاذ الجيل ولم يرض هذا القول أقواما , ولم أرد – يعلم الله - إساءة إلى أحد , ولكني أقرر حقيقة لمستها بنفسي من وقاع حياتي وأنا لا أطالب الناس أن يؤمنوا بما آمنت به فلكل وجهة هو موليها ولست على أحد بمسيطر , ولكني أقدم أدلة دعواى حتى لا أتهم بالتعصب والتشيع والتقديس , يعلمنا الحب بالأحاديث الشريفة الحلوة الرائعة التي تنبعث أسمي عواطف الحب النبيل حب الروح للروح ..

حب الأمل المشترك ... حب الجهاد المشترك حب التضحية المشتركة .. الحب لذات الحب عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ( أتي رجل إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : متي الساعة يا رسول الله قال : ما أعددت لها ؟ قال ما أعددت لها من صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال أنت مع من أحببت ) هل رأيت إلى أين يسمو الحب بمن يحب ؟

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" من أشد أمتي حبا لي من يكونون بعدي يود أحدهم لأور أني بأهله وماله " هذا هو الحب الذي يحي موات القلوب ويحض على العمل من أجل المحبوب ثم يعقب على هذه الأحاديث التي تناجي أرواح الطاهرين فيقول :

إذا أردت أن تتثبت من حبك لله ورسوله فانظر إلى ما يبدو من تصرفاتك من آثار هذه المحبة فإن رأيتك محبا للسنن حتى سنن الزيادة فأنت تحب الله ورسوله حقا .

ثم لا يتركنا بعد ذلك لمجرد القول ولكنه يتفقد آثار هذا الحب فينا . فإن رأى ما يرضيه حمد الله على نعمته وإلا فإنه يعاود الكرة بمناجاة الأرواح ومكاشافات القلوب , إلى أن يحقق الله ما يريد, وما تركه الله يوما

( معني الوطنية )

إنه أستاذ الجيل , لا ينتقد شيئا حتى يكون الكل على استعداد كامل لأوجه الإصلاح لما ينتقد إذ يقدم البديل , فهو إذا أنكر الوطنية الإقيلمية في المجتمع الإسلامي التي تنتهي إلى التعصب والتعالي . فإنه يربطك بوطنك على فهم من إسلامك .

فيقول إذا أردت من معني الوطنية فكرة المجتمع والتآخي والتعاون والنظام والهدوء الذي يلتقي من أجله الجماعة من الناس فهذا خير وبهذا التصور يحرر الإسلام من مادية الأرض ويجعلها فكرة شعورية سامية .

بمثل هذا الفهم في الوطنية فيلفهم الفاهمون لو أن الناس فهموا هذا الفهم لما كانت هذه الحروب الدامية في كل مكان.

إن الإسلام لا يهدف إلى توسع ولا إلى استعمار ولا إلى دولة متسلطة ولكنه يقصد إلى بناء أمم تحس بحق غيرها في الوجود كما تطلب ذلك لنفسها امة تعين غيرها من الأمم بحق غيرها في الوجود كما تطلب ذلك لنفسها أمة تعين غيرها من الأمم الضعيفة لتقوي , ولا تضعفها لتقضي عليها أمة لا تمنع خيرها عن غيرها , ولا تستأثر بمنافع الأرض لتعيش وحدها ولو في غيرها بمثل هذه العذوبة كان أستاذ الجيل يحول أفهام الناس من حال إلى حال .

ويفتح بصائرهم على ما لم يكونوا قد أدركوه قبل الاستماع إليه . ينير طريقهم ويستميل مشاعرهم وينبه أذهانهم حتى يشاركوه فهمه واتجاهه وقد نجح ولله الحمد ن خلال هذا الفهم الرباني كنت تري الأخ السوري في مصر وكأنه في دمشق تماما والأخ المصري في بغداد , كأنما هو في القاهرة .

لقد أوجد هذا الفهم , والتوجيه , وهذه التربية إحساسا عند الإخوان المسلمين إنهم مواطنون في أى بلد إسلامي يحلون بأهله , وتري هذا واضحا وضوح الشمس , إذا التقي أخ أندونيسي مثلا بأخ جزائري في جاكرتا ..

بريق العيون بفرحة اللقاء , وإشراق القسمات بالمناجاة المسعدة , وانفتاح الأذرع احتضانا , والتزاما , تتسق فيه نبضات القلبين كأنها خفقات قلب واحد هبطت عليه من السماء كل ألوان السعادة المرجاة بفيض الإخاء الموعود .

أستاذ الجيل قال لنا إن الله هو الذي حدد لكم مهمتكم وليس هو حسن البنا قال إن مهمة الإخوان في هذه الدعوة هي تبشير الصالحين بحسن الخاتمة , بكل ما في هذا التحذير من مقومات ووسائل وصور , ولاشي غير ذلك بالمرة لأننا شهداء على الناس جميعا " وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .."

أليست هذه مهمة محمد صلي الله عليه وسلم في القيام بهذه الرسالة

" إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " .. بهذا يرسم لنا كيفية التخلص من التعصب الأعمي , الذي يعطل أكثر مما ييسر ويفتح أمام أعيننا وعقولنا ميادين العمل في غير ما صد ولا دفع ولا عراك ذلك أن الله خلق الجن والإنس لغرض واحد هو أن يعبدوه " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " وما دام الله الذي خلقنا طيبا وهو بذلك لا يقبل إلا الطيب وما دام الله كبيرا وعظيما , وجوادا كريما , وغفارا حليما فإنه لا يصلح لعبادته , ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه يحب الله حقا , إلا كل من تحلي بهذه الصفات وصار قرآنا يمشي على الأرض هكذا توثق الروابط بين العابد والمعبود في أجمل تقدير وأسلس تعبير وأحلي كلام .

إن حسن البنا لا يري أن سبب ما نحن فيه هو انجلترا , أو روسيا , أو أمريكا , و لا غير هؤلاء بقدر ما أننا نحب أنفسنا السبب فيما نحنه عليه من خمول وتكاسل وفقدان حيوية انعدام فاعلية .

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

إنه يؤكد وهو صادق على علم أن الحضارة عندنا والمدنية صنعتنا والقوة ديننا والعلم همتنا وأننا لسنا في حاجة لا إلى استيراد حضاري . ولا إلى أمصال خارجية تطعم بها حضارتنا , إننا في غني كامل عن كل ذلك وطالما نهي الحكومات عن البرامج التعليمية الدخيلة ولم تعره الوزارات اهتماما إلا بعد فوات الأوان , وها هم اليوم يفكرون مجرد تفكير فيما طالبهم بت البنا منذ عشرات السنين ويا ليتهم بعد التفكير يشرعون ثم ينفذون ليكونوا مع الذين يفعلون ما يقولون .

ومن الظواهر التي تستلفت النظر في أيامنا هذه هذا الإغفال الكامل لحسن البنا وأثره البالغ في انقلاب 23 يوليو سنة 1952 , وكأن هناك تواصي وعقدا مبرما بين الكتاب والأدباء والمسئولين إذ يتحدثون عن كل ما يستحق حديثا وعن كل من لا أثر له في شئ إلا حسن البنا فهل بينهم إجماع على ألا يتحدثوا عنه بشئ ؟ لماذا ؟ هل لا أثر لحسن البنا في مصر بالذات ؟

أليس هو صاحب رسالة وصاحب مدرسة تعلم فيها الآلاف ؟ ألم يمر حسن البنا بحياة المسلمين جميعا في هذا الجيل ؟ أهذا الموقف متعمدا أو اعتباطا بإيحاء أو بفهم ذاتي ؟ إن هذا الموقف الجماعي منهم أكبر دليل على عظمة الرجل .

فهم يؤمنون بأنهم إذا تحدثوا عنه فسيحملهم جميعا , وإذا كان اسم حسن البنا رغم هذا الصمت المريب في مصر , يتردد اسمه ف جميع صحف العالم فما بالك إذا هم تحدثوا عنه بدورهم مهاجمين , أو مناصرين , لا شك أن هذه الأسماء المتهاوية ستذهب مع كل ريح وتشتت تحت كل نجم . أين هم منه ؟ أين الثري من الثريا .

كأنك شمس والملوك كواكب

إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

ولئن حرصوا على موقفهم من الإمام الشهيد فإنهم يصمون أنفسهم جميعا على مختلف أوضاعهم ومهمامهم بوصمة ليسوا في حاجة إليها كي تضاف إلى سجلاتهم إن شوطهم جميعا وراء خطوة إذ يمشي متمهلا وكأن الله أراد بت خيرا إذ صرف عنه هؤلاء الناس وبالذات .

إن تعرضهم لذكره إن لم يرفع من شانهم فلفن يزيد أن ينقص من حاله شيئا إن لهذا الصمت معني قد لا يرضيهم لأن الغرب الصليبي والشرقي الشيوعي والوسط الصهيوني كل أولئك يكرهون أن يذكر حسن البنا بخير فهل لنا أن نربط هذا بذاك ؟

أم أن هناك أمر آخر نعرفه أو لا نعرفه وإني لى لعتب كبير على المسئولين عن مقدرات هذا الوطن وعن تكريم الأفذاذ من بنيه الذين يشرف كل بلد أن يكونوا من بنية لى عتب عليهم إذ يتحدثون عن هذا أو ذاك ويشيدون بمواقفهم التي لو قيست بما قدم حسن البنا لكانت شيئا أهون من الصفر , إنهم يعرفون حسن البنا كما نعرفه , ويعرفون بلاءه ووفاءه عندما يعز الوفاء وينضب معينه عند الزملاء والصحاب الأمر الذي يجعله أحق من غيره بالإشادة والتجلة والاحترام من يدري لعل لهذا الإغفال عذرا أقوي من وجوب الاعتراف بالفضل لذويه ؟ من يدري ؟

وعلى أى الأحوال فحسن البنا بذيوع صيته وعلو ذكره وانتشار خبره ليس في حاجة إلى من يشيد به أو يتحدث عنه وحسبه أن أحداث هذه المنطقة منطقة الشرق الأوسط تدور منذ سنة 1936 حول حسن البنا وآراء حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين التي أقامها حسن البنا فكانت الحصن الذي تحطمت على جدرانه العاتية كل مكائد أعداء الإسلام والمسلمين إنها استطرادة محتومة دعا إليها سرد الأحداث وعودة ا بنا إلى أستاذية حسن البنا لجيل كله , بعد أن أثبت عمليا أن الاستشهاد في سبيل الله هو قمة اليقين بأن الداعية على حق وما دام هذا اليقين قد ملأ جوانحه فهو دائم النضال والاستبسال في معارضة حصومه حتى ولو كان ثمن ذلك حياته الغالية التي يضن بها الناس وهو بها الكريم المعطاء لم تكن تعاليمه إلا المحضن الصالح الذي قدم للإسلام رجالا مؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .

فمنهم من روت دماؤه أرض الجهاد ومنهم من طال بت العمر ثابتا على العهد صادقا في الوعد , ولكي يرسخ معني الجهاد في نفوس المسلمين ويعلق أرواحهم وآمالهم بت كان ينهي الإخوان عن كل ما يسبب الفرقة التي ليس من ورائها إلا اشتغال المجاهدين بالصراع فيما بينهم , وترك القضية الكبرى إن الوضع الذي نحن فيه أخطر بمراحل شاسعة من الخلاف على الفرعيات ومن المؤسف حقا أن توزع الجهود على الفروع وترك الأصول في الوقت الذي يبذل فيه أعداء هذا الدين مل ما يستطيعون من جهد في سبيل القضاء على الأصول والفروع معا.

إننا بهذا التنابذ على الفروع نعين أعداء الدين على ما يريدونه .

وكان من أبرز نصائحه ألا ندخل مع غيرنا في مثل هذه الخلافات المردية كان يطالبنا أن تقف على أرجلنا أولا بعد ذلك تختلف على المظهر والملبس وما إلى ذلك والواقفون الصامدون أقدر على تناول الأمور من القاعدين المبلسين .

إن أستاذية حسن البنا لهذا الجيل تتجلي في أن بلاءه كان صورة مماثلة لما أصاب أساتذة الأجيال الماضية أمثال الشافعي وأضرابه , فهو وأولئك تعرضوا من خصومهم لأشد أنواع الإيذاء المادي والمعنوي , بعد حبس ابن تيمية ثمانية عشر شهرا أحضروه خلالها إلى الحاكم ست مرات , وفي كل مرة يطلبون منه العدول عن آرائه كي يطلقوا سراحه وكان جوابه الرفض دائما وهكذا طالما اضطهدوا حسن البنا ليسير مع التيار فاستعصي عليهم وتعرض لكثير من المضايقات التي انتهت باغتياله ولكن دماءه الذكية الظاهرة روت جذور دعوته, فازدهرت وأينعت وطاب غصنها , وها هم الإخوان المسلمون اليوم في كل مكان من هذه الأرض , ومن عجيب المصادفات أو التماثل إنهم وضعوا انب تيمية في السجن مع الدعارين ( سئ الأخلاق ) مبالغة في مضايقة والنكاية به .

فإذا بالآية تنعكس ويصلح ابن تيمية من شأن هؤلاء المنحرفين. فكانوا ظهيرا له في السجن مما أرغم إدارة السجن على إبعاده عنهم وهكذا فعل عبد الناصر وزبانيته مع الإخوان ووضعتهم مع أسوأ المسجونين أخلاقا وأقساهم ضمائر كي يعتدوا على الإخوان ويؤذونهم فلم يمض شهر واحد حتى أصبحت كل زنزانة من الزنازين التي وضع فيها إخوانا ين مئات المجرمين مثالا للهدوء والاتجاه إلى طيب الأخلاق, ولما رأت إدارة السجون أن مؤامراتها قد انقلبت عليها أعادوا الإخوان إلى وضعهم الأول منفصلين عن كافة المساجين وحرموهم من كل مزايا المعاملة التي يعامل بها مساجين الرأي وكان التصرف مثارا لاحتقار الجميع .

إن أستاذ الجيل كان مقدرا تمام التقدير كل ما سيتعرض له الإخوان المسلمون من المحن والمتاعب . فرأى لزاما عليه أن يؤهلهم لاستقبال ما سيلقون في صبر واحتمال واحتساب فيقول مبينا " أرأيتم مصيبة أصابتكم في دينكم هي التي أصابتكم أما كانت الكارثة أنكي وأفدح ؟

فلنحمد الرؤوف الرحيم إن لم يجعل مصيبتنا في ديننا ولكنه جعلها من أجل التمسك بديننا كما من المحتمل أن يكون ما أصابنا أفظع مما حل بنا .

وهذا الافتراض لابد وأن يكون مدعاة للحمد والشكر إن كانت المصيبة في الخير الذي وقع وإذا كانت المصائب محزنة مفجعة بطبيعتها ألا ترون أن الله جل وعلا لو أنعم علينا بأن تري ما فيها من ثواب , فرضينا لأنها مكانة عند الله لنا , ما كنا لندركها بعمل أيا كان مداه وأراد الله أن يبلغنا تلك المكانة عن طريق المحن والابتلاء وإن لم يكن هذا ولا ذاك , ألسنا مؤمنين بحديث رسول الله صلى الله عليه إذ يقول ( إ، كل ما يصيبنا نحن مأجورون عليه حتى الشوكة نشاكها ؟

ألم يجعل العليم الخبير البر هو الصبر والرضا والحمد " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال على حبه ذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " وهكذا تكون دقة الاستشهاد التي ما فاتته يوما في حياته , بهذه الدقة يربط بين الرأي والحجة وبين الدعوة والدليل , وبذلك كان إقناعه لنا أوفي وأتم .

كان عجيبا في ربط الفرد بمجتمعه عمليا فأقام نظام الأسر الذي كان سببا من أهم أسباب نجاح وانتشار دعوة الإخوة المسلمين ولئن حمل بعض المغرضين على نظام الأسر لأنهم يجهلون حقيقة , فإن لهذا النظام روعة في يقظة شعور الأخ وحرصه على الارتباط بأخيه في الأسرة ارتباطا عائليا اقتداء بنظام المؤاخاة الذي أقامه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار أول مهجرة إلى المدينة المنور

على ساكنها أفضل صلاة وأكمل تسليم فكانت كل أسرة تتكون من عدد من الإخوان لكل أسرة نقيب ومن هؤلاء النقباء تتكون أسرة أخري لكل منها نقيب وهكذا حتى يصل التنظيم الأسري إلى قمة الجماعة , وما كان رضوان الله عليه يكتفي بهذا في ربط الفرد بالمجتمع فأضاف إلى نظام الأسر نظام الكتائب حيث يبيت مجموعة من الإخوان مع بعضهم في بيت أحدهم أو أى مكان يختارونه يذكرون الله , ويقرؤون القرآن ويتهجدون , ما بين قائم , وراكع , وتال وساجد , وتكون هناك حراسة بالتناوب , وهكذا لم يترك فرصة تربط كل فرد بمجتمعه إلا انتهزها . وكان فهما دقيقا وصحيحا لقول رسول الله صلى الله عليه ( على كل مسلم صدقة فمن لم يجد عمل بيديه لينفع نفسه ويتصدق فمن لم يجد يعين ذا الحاجة الملهوف , فمن لم يجد فليعمل بالمعروف وليمسك عن السوء .

فكيف بك إذا علمت أن حسن البنا قد جعله مطبقا ومنفذا في صفوف الإخوان ولما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حرملة بن زيد الأنصاري مسلما وحسن إسلامه . قال يا رسول الله إني كنت فيهم رأسا فإن شئت دللتك عليهم , فكان المصطفي المختار صلي الله عليه وسلم , آية في النيل , وغاية السمو في صورة العلاقات بين الفرد ومجتمعه الذي يعيش فيه زمنا ثم يفارق . قال الهادي إلى أقوم طريق عليه الصلاة والسلام

" لا. من جاءنا مسلما كما جئتنا قبلناه ودعونا له . ومن بقي على حاله فالله حسيبه , ولا تحرق على أحد ستره " الروعة الفريدة في إقامة الفرد على أشرف وأنظف وأعظم مقومات الإنسانية الحقة , وانظر اليوم إلى وزير يكون في حزب ثم تحمله المصالح الشخصية على المفاصلة قولا ؟ التشنيع على الحزب الذي كان يروج له من أيام وإفشاء أسرار ما كان ليعلمها لولا وضعيته في ذلك الحزب الذي انفصل عنه .

إن أعداء الإسلام يحاربون الإخوان المسلمين بكل الطرق الخسيسة القذرة والتي تتنافي مع كل عرف وخلق ودين وكان يقتضي هذا الحال أن يحاربهم الإخوان المسلمون بمثل أسلوبهم وأسلحتهم ولكن أستاذ الجيل وبحق نهي الإخوان المسلمين أن يتخذوا تلك الوسائل المنحرفة أسلوبا في دفع أعدائهم لأن القرآن نهي عن ذلك بالأمر  :" فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون .

وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين , ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزون ".

ويري أستاذ الجيل بحق في هذه الآيات أننا إذا واجهنا عدونا وعدو الله في الميدان فيجب أن يكون المغاوير , أسود الشري , الذين يبعثون الرعب فتاكا في قلوب أ‘دائهم عند اللقاء وفي المواجهة العلنية , أما نقض العهود من جانب للمباغتة , فهذا ما لا يرضاه الله للمسلمين , وإن كانوا يرمون الإخوان المسلمين كذبا وافتراء, بالإرهاب والاغتيال , فها هي تعاليم حسن البنا للإخوان الذين يطبقون كل ما يأمرهم بت , وينفذونه ملتزمين ها هي تعاليمه الواضحة في رسائله وخطبه , وأحاديثه يأخذ فيها بأيدي الإخوان إلى تعاليم زعيمهم عليه الصلاة والسلام التي توجه وتعلم وتقول ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة) ويؤكد صلي الله عليه وسلم هذا المعني فيقول ( من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ) تري عند من يكون الإرهاب والتعصب ؟

هل هم الذين يعاملون المسلمين بمثل ما يتحلي بت المسلمون في معاملتهم؟ إلا أنها رمتني بدائها وانسلت ما كان أشد إنكاره لأي تصرف يشتم منه رائحة العنف أو البغي والعدوان وما كان أشد تحذيره للإخوان من البغي والعدوان ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا ذنب أسرع عقوبة من بغي ".

أستاذ الجيل يري وهو محق أن السبب الأول والأخير ف يحفظ الشريعة الإسلامية وفي حفظ الدعوة الإسلامية وفي بقاء المسلمين مسلمون إلى اليوم هو كتاب الله الكريم حفظه الله أولا من التغيير والتبديل تخليدا للإسلام ومحافظة على المسلمين " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعلقون ".

ولئن كان الإنسان فانيا أصلا فإن الذكر هو الذي يبقي ويدوم ثم هو جل شأنه مع هذا قد تعهد دون تأل عليه بحفظ القرآن "

إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " لهذا ألزمنا فضيلته باستدامة تلاوة القرآن ,,جوب حفظ ولو جانبا منه وأن يكون لنا منه ورد يومي بت نرد على ربنا فنناجيه بكلامه هو , ورحم الله أحمد بن حنبل يوم أن قال  : (رأيت رب العزة تسعا وتسعين مرة , قلت لو رأيته تمام المائة لأسألنه فرآه فسأله : ما أفضل ما يتقرب به العبد غليك يا رب قال بكلامي يا أحمد : قلت بفهم أو بغير فهم ؟ قال بفهم أو بغير فهم يا أحمد ) هذا هو الحارس الأمين الذي حفظ بحفظ الله الإسلام والمسلمين ولذلك كان من تعاليم أستاذ الجيل حسن البنا أن يحفظ الإخوان القرآن , لأن هذا الحفظ هو الذي يحفظهم ولذلك تري أن الإخوان المسلمين أكثر الناس حفظا للقرآن واستشهادا به.

يعلمنا أستاذ الجيل أن الحرية ليست حقا اكتسبه الناس بقدراتهم أو طلبهم لها ولكنها منه الله على المسلم أن يقول ( لا إله إلا الله ) فينطلق في دنيا لا يدين بالعبودية إلا للذات الإلهية التي رفعته فوق مستوي الخضوع والتبعية لأي مخلوق مثله .

إن الحرية شئ خلق مع الإنسان عندما خلق الإنسان, فهو يخرج إلى الدنيا بحواسه ومعها حريته ألا تراه يخرج من الفرح والزغاريد فيستهل معهم صارخا في وجوههم باكيا وهم يضحكون ولبست أمرا متعلقا بإرادة الإنسان , لأنك لا تري على سطح الأرض من لا يريد أن يكون حرا حتى الحيوان, حتى الطير , حتى البخار إذا لم تترك له حريته انفجر مدمرا . لو كان لإرادة الإنسان دخل في حريته ,

لأمكن لإنسان أن يريد الحرية وآخر لا يريدها , ولكن ليس هذا من واقع الحياة في شئ , فالكل يشعر بالحرية من داخله شعورا لا إراديا , كما يشعر كل مخلوق بالجوع والعطش والحر والبرد , دون إرادة منه ودون تفكير فيه . إنها نداء الفطرة في كل مخلوق , وهل هناك أعمق تقديرا للحرية من قول الله تبارك وتعالي :" ... فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ..."

الإيمان بالخالق الرازق المنعم المتفضل هذا الإيمان يتركه صاحبه لكل من خلق حرا في اختياره أو رفضه , ولكن على شرط ألا يتلاعب أحد بالإسلام فيدخل وقتما يشاء ويتركه وقتما يشاء , ويعود إليه عندما يشاء , هذا العبث السخيف لا يقره الإسلام , فمن أسلم طواعية واختيارا ولم يرغمه أحد على ذلك فليس من حقه بعد ذلك أن يرتد عن الإسلام , وإلا قتل حدا ليست الحرية حقا ينال مرة , ويسلب أخري ولكنه الوجود الطبيعي في الإنسان بمكوناته المادية والمعنوية فكما أ،

للإنسان المكتمل الخلقة يدين وعينين , كذلك في جسمه حرية يعيش فيها وبها ولها . هكذا كنا نتلقي , وإذا كان الجوع وهو فقد الشبع يبيح كثيرا من التصرفات للجائع الفاقد , فمن سلبت حريته فإن هذا السلب يبيح له الكثير حرا في حدود المحافظة على حرية الآخرين .

وهذا يقتضيه في بعض الأحيان الكثير من التضحيات الجسام , والصبر على المحن والمكاره استبقاء لحريته والدعاة أحق الناس بالوقوف هذه المواقف الرائعة لا لصالحهم فحسب و ولا لمصلحة الدعوة فحسب كذلك , بل إن هذا الوقوف النبيل له أثره الفعال في تثبيت قلوب جند الله وإشاعة الطمأنينة في نفوسهم إذ يرون الدعاة مثلا في هذا المجال أن تبارك الله وتعالي أعطي المسلم الكثير من الرخص في المواقف التي تتجاوز طاقة الاحتمال , بيد أن هناك مواقف تحتم المثالية العظمي كما فعل خبيب سعيد بن جبير .

وغيرهما من الذين استهانوا بكل طغيان الأرض من أجل الوقوف لى جانب نعمة الحرية في اختيار الموقف أو الكلمة أو الرأي الذين يريدون , ولو أدي هذا الاختيار الحر إلى الاستهانة بكل ما على الأرض التي تمكنهم من الحياة الحرة الكريمة .

هذا هو طعم الحرية عند أستاذ الجيل لذلك لما عجز فاروق عن إثناء حسن البنا عن طريقه اغتاله , وكذلك لما استعصي على طاغية العصر جمال عبد الناصر مساومة الإخوان المسلمين على هذه النعمة الكبرى لم يجد أمامه إلا أن ينزل بهم شتي ألوان العذاب إرضاء لسادته الشيوعيين , فصبر الإخوان واحتسبوا وعلمت الدنيا أن حسن البنا أقام من الإخوان أبطالا عمليين لا قوالين .

عندما يريد أستاذ الجيل أن يقيم من الفرد المسلم دعامة قوية من دعامات المجتمع الإسلامي القوي النظيف قدم له أول ما قدم أسلوب رسول الله صلي الله عليه وسلم في هذا المجال فروي عنه أنه قال : " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت " وكل مسلم يريد أن يون كيسا ,وكل أخ مسلم يجب أن يكون كيسا عند ربه ثم نبيه , ثم مرشده وهكذا يكون المدخل جذابا حتى يطمئن القلب إلى ما هو مقدم عليه , ثم يهيئه لحمل المسئولية وتقبلها رجولة ورضاء وسعادة واحتسابا بحديث :

" اعمل ما شئت كما تدين تدان " فيري الأخ أ، الأمر ليس في خطورة كله , وأن الخطر وتحمل المسئولية ليستا ملهاة وأن الأمر في غاية الجدية. إنه التعب وليس اللعب , إنه الاهتمام الكامل وليس الفراغ الضائع : " إنه لقول فصل وما هو بالهزل " وبهذا يتجلي للراغب في سبيل الله أن نعمة الحرية تقابلها تبعات جسام في نظام هذه الحياة ولكي يدفع الأخ إلى نفع مجتمعه يقدم له مثلا بسيطا واضحا يقول :

أرأيت إن كنت تحمل قارورة عطر مغلقة هل يستمتع من حولك بطيب ريحها كذلك الفرد في مجتمعه لا يكتفي منه بتقواه وصلاحه ومجموعة الفضائل القاصرة على نفسه بل لابد وأن يتفتح على المجتمع ليجد منه الريح الطيب والخلق الطيب , والعمل الطيب :"... وقولوا للناس حسنا ...."

إن إمامنا الشهيد قد سبق عصره كله في النقد الذاتي فمن تعاليمه وصاياه ( كشف الحساب ) الذي يحاسب بت الأخ المسلم نفسه قبل أن يحاسبه أحد ويزن بت أعماله قبل أن توزن عليه , فإذا أوي الأخ المسلم إلى فراشه ووضع أسه على الوسادة , أدار شريط تصرفه اليومي قولا وعملا من ساعة ان غادر فراشه صباحا حتى عودته إليه ليلا فإن رأي أن حسناته ترجح سيئاته حمد الله على ذلك وعزم على الاستزادة من الحسنات والتقليل من السيئات فإن تساوت الكفتان حاول أن يرجح كفة الحسنات في اليوم التالي , أما إذا زادت السيئات على الحسنات حاسب الأخ نفسه حسابا عسيرا على ما فرط ف يجنب الله ,وعزم صادقا على التغيير فإن أفلح فيها ونعمت وإن عجز استعان على عجزه بإخوانه ومرشده ليأخذوه بيده إلى الطريق المستقيم وهذا السبق من فضيلته في هذا المجال .

لم يبتدعه من عندياته , ولكنه فهم من كتاب الله يرد الإخوان إليه :" بل الإنسان على نفسه بصيرة .

ولو ألقي معاذيره " ولقد كان هذا النقد الذاتي الذي جاءنا به كتاب الله , وهدانا إليه مرشدنا كان من العمد التي جعلت الأخ المسلم متميزا على أقرانه في أى موقع يشغله في هذه الحياة .

كان يعلم أن كل الدول الصليبية والإلحادية تؤازر الصهيونية المعادية للإسلام والمسلمين وكان يعلم تمام العلم , ألا قدرة مادية لنا نواجه بها هذه القوي الطاغية فالكفتان غير متساويتان ماديا , وكان يؤمن أن الصلف الصهيوني لابد أن يقابله استعلاء إسلامي .

قالوا : إن أمريكا وروسيا لنا وما عندكم مثلهما .

قال : إن الله لنا والله أمنع وأقوي , ولكي يكون لنا استعلاء فقوامه وأركانه ودعائمه جوع وتقشف وحرمان حتى نستطيع الوقوف في وجه الصهيونية والتغلب عليها , وما نيل المطالب بالتمني , وكان هذا ديدن الإخوان في فلسطين. كانت مصر ترسل معونة للمشردين الفلسطينيين, وكانت الأيدي التي تتولي توزيع هذه المؤن إما أن تسلبه وإما أن تجعله ثمنا للوصول إلى بعض الأغراض الدنسة وكأنما لم يكن يكفي الفلسطينيين ما يلقونه من اليهود حتى يأتي هؤلاء الذين يجعلون تقديم لقمة القوت للجائع ثمنا لثقة ينالونها من أولئك البائسين .

في هذه الفترة العصبية كان الإخوان المجاهدون في فلسطين يقتصدون من طعامهم الذي يقدم إليهم , ليدفعوا بما يقتصدونه هدية أخوية للمشردين من أبناء فلسطين وشتان ما بين التصرفين تصرف لا أستاذ له , وتصرف هدي إليه توجيه من أستاذ الجيل .

إن حسن البنا ما قام يدعو إلى دين جديد , وما قام لينصر الشافعي على المالكي مثلا , ولا يرأي يزيد ما بين المسلمين من هوة عمقا واتساعا , وما جاء ليدخل مع أى إنسان في جدال من نوع جديد ولكنه قام يقول للمسلمين جميعا ما لم يقله لهم أحد منذ مئات السنين قام يقول : أيها المسلمون دعوا ما أنتم عليه من خلاف في الفرعيات فإن عاد المسلمون إلى ما كانوا عليه من قوة ومجد فدونكم وما تريدون , أما الآن فلا . إن قضية المسلمين الكبرى في هذا الزمان هي قضية الإسلام كله .

تعالوا أولا نتجمع ونتحد ونتكاتف في الدفاع عن الإسلام كله بشموله ف يكل ناحية من نواحي الأرض عليها مسلمون حتى إذا ما استعدنا حقوقا كاملة , أصبح لنا على الصعيد العالمي صوت مسموع , وكلمة نافذة " وهيبة يحسب الكل حسابها هناك يصح مع التجاوز أن ندخل ف يدور الترف الذهني فنتفق في هذا ونختلف على هذا ووضع لنا إمامنا في هذا المجال القاعدة البلاتينية:

نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه .

وكما رأيت مما مر بك في هذا الكتاب ( إن جاز تسميته كتابا ) عندما قرر أنه يأخذ برأي السلف لم يهاجم من بعدهم ولا غيرهم بل حاول في جهد قرر أنه يأخذ برأي السلف لم يهاجم من بعدهم ولا غيرهم بل حاول في جهد موفق مشكور , أن يبين أنه لا خلاف بين السلف والخلف إذا نظرنا إلى حقيقة الأمر من جهاتة كلها هذا هو الأستاذ الداعية الذي حقد عليه أعداؤه أعداء الإسلام , وقديما قيل لم يجدوا في الورد عيبا , فقالوا :

أحمر الخدين . وهكذا كل من سار سيرا مستقيما إن أرادوا ذمة جعله الله مدحا .

إذا رضيت عني كرام عشيرتي

فلا زال عقبانا على لئامها

إن أستاذ الجيل لا يدعونا إلى أكثر من العودة إلى ديننا بفهم سليم اطلاع واسع حتى لا تتفرق بنا السبل , ويضرب بعضنا وجوه بعض لأن هذا يضعف شأننا أكثر مما هو عليه من ضعف ويقوي أعداءنا بأكثر مما هم عليه من قوة , حتى لما تأزم الموقف بينه وبين احدي الحكومات الحزبية .

وطلبوا منه أن يصدر بيانا و هددوه في نفسه فأبي فلما هددوه بإلحاق الأذى بالإخوان أصدر بيانا بعنوان ( هذا بيان للناس ) وظنته الحكومة محققا لرغبتها في التفرقة بين القيادة والجندية في صفوف الإخوان وفهم الإخوان مقصود مرشدهم من مجرد عنوان البيان إذ يأمرهم بالاحتساب والصبر وأن العاقبة لهم , فهكذا يقول القرآن :" هذا بين للناس وهدي وموعظة للمتقين , ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين , إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين"

هذا الجلال في أستاذية حسن البنا للجيل كله , علمنا منه الأدب , علمنا له الإجلال :" هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " وعلمنا فيه الحب لله لا جريا وراء عاطفة هوجاء , أو حماسا غير مستبصر .

ولكننا قرأنا في قرآننا موقفنا من رسول الله صلي الله عليه وسلم :" لتؤمنوا بالله وتعزروه وتوقروه .." " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنت لا تشعرون ".

وقرانا أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقرعون باب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأظافر وقرأنا كذلك أن أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما كان يحدثانه كما يحدث أخو السرار, تعلمنا هذا قرآنا وسيرة وكان من شأن حسن البنا معنا في هذا أن دلنا على هذا الخير وهدانا إليه .

فكان من حقه علينا وفاء واعترافا أن نكون معه مؤدبين , وله محترمين ولتوجيهه مطيعين وبنصحه عاملين لا مقدسين ولا منزهين لأننا نوقن اليقين كله أ، الكمال لله وحده وأن العصمة, لا تكون إلا للأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام وإمامنا الشهيد لم يقل :

إنه رسول ولا نبي , ونحن بدورنا لم نكن نتعامل معه كنبي أو رسول بل كن نناقش ونستفسر , ونعترض في أدب وخلق ولعل هذه المعاملة السامية منا لمرشدنا ولا يجدها البعض ممن خولهم . خارج نطاق الجماعة لعل هذا الأسلوب الذي يفتقدونه جميعا , هو الذي يستثير حفيظتهم على الإخوان فيتهمون الإخوان بتقديس حسن البنا , وما بالإخوان من تقديس وما بهم من مخالفة لأية ناحية من نواحي هذا الدين , وهم الذين يدعون الناس جميعا للالتزام والتطبيق الدقيق .

إننا مؤمنون بأن ربنا فوق الجميع , وأن محمد صلي الله عليه وسلم صفوته من خلقه , ولا يدانيه إنسان في الوجود , وبهذا الإيمان لن يدور بخلد واحد منا أن نرتفع بإمامنا الشهيد إلى شئ من هذا إن صفات الله لا تشبه صفات العباد , فالاشتراك في الاسم , وأما الحقيقة التي يدركها الإخوان جميعا فمفترقة قطعا إن الله يخلق ويوجد ويعدم يفني و العباد يجمعون ويفرقون .

ويركبون ويحللون ويكسبون ويحصلون فهل أخطأ الإخوان في شئ من هذا ؟ هذا هو مفهومهم ما قبلت إلا يدي والدي ويدي حسن البنا , فهل قدست أبي أو قدست حسن البنا ؟ إن هو إلا فرط الحب والاحترام إن عاطفتنا نحو إمامنا الشهيد لم تطر يوما على فهمنا في ديننا ولم نعطل عقولنا ونحن نتعامل مع إمامنا , لأن عقلنا هو الذي يعي عن الله خطابه وهو الذي يستدل بالكون على المكون سبحانه , إذا كان هذا هو فهمنا في ديننا وهو قمة الإيمان فهل أعطينا حسن البنا فوق ما يستحق حبا وطاعة ووفاء والتزاما ؟.

التحذير من الغزو الفكري

لقد حذرنا مبكرا من الجري وراء الغرب في بهرجه الزائف . المجرد من كل القيم والروحانيات , ليست المدنية صاروخ وسفينة فضاء , إنما المدنية أمن ورخاء استقرار , لا ظلم ولا بغي ولا استغلال , كما حذرنا من خداع المستشرقين ومن نحا نحوهم من الكتاب والأدباء ذوي الأسماء الإسلامية وهم شر من غيرهم في زعزعة العقيدة الإسلامية الصحيحة في نفوس الشباب المسلم , الذي تخدعه أساليبهم البراقة المنقمة , وكان تحذيره لنا قمة في الإقناع , لم يلجأ إلى العبارات الرنانة , والمحسنات الطنانة .

ولكنه في بساطة تامة يقول : إن أ‘داء الإسلام يزعمون أنهم حريصون على إنقاذنا من الجهل والتأخر والانحطاط الذي نعانيه لأن كل ما نحن فيه هم سببه وعلته وموجدوه هم صانعوه ومدبروه, وهم منفذوه بأيديهم وأيدي البعض عمدا إنهم يبذلون كل ما في وسعهم لنبقي حيث نحن ففي ذلك قوتهم وغناهم وتسلطهم علينا , كم نشكرهم لو أنهم وفروا على أنفسهم هذا العناء وهذا الجهد الضائع وتركونا وديننا الذي صوروا لنا أنه السبب في ضياعنا وما من مسلم حتى البلهاء منا إلا وهو يعلم تمام العلم أن مصيبتنا في ديننا ودنيانا هم الأصل فيه والحريصون عليه فلماذا لا نتركهم ونعكف على ديننا وشريعتنا نبين ما فيها من جلال وجمال وخير وفير .

ولو أنني رحت أستقصى ما قدم حسن البنا للإسلام والمسلمين لما توفر لى ما أريده من جهد , ولما تمكنت من استعراض كل ما فعل وقدم لهذا الدين ولكل المسلمين وإني لموقن أنه من المعنيين بقول رسول الله صلي الله عليه وسلم :" إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها " وما أزكي على الله أحدا , وما هذا على فضيلته بالكثير إنه في غني عن مدح المادحين وتقدير المقدرين فما كان ينتظر من أحد حتى ولا كلمة شكر ..

ليت الكواكب تدنوا لى فأنظمها

عقود مدح فما أرضي لكم كلمي

هكذا عشنا معه فعلمنا أن ما افترض الله علينا من الفرائض إنما هو عبادة منا له عزوجل . أما أن نتساءل لماذا أخذت فريضة ما شكلا معينا ؟ ولماذا جاءت على هذه الصورة ؟ أو ما هي الحكمة فرضيتها وجوبها فكلام عما ليس لنا حق التساؤل عنه , إذا كنا نؤمن بالله حقا وأنه هو العليم الخبير , وأنه هو العلي الكبير. هب أن مهندسا ميكانيكيا واخترع آلة من الآلات التي تنفع الناس , أدت عملها على الوجه الذي اخترعت من أجله , فهل لنا أن نستعملها ونستفيد منها فقط , أم أنه من حق أى جاهل يهندس الآلات أن يعترض على هذا وتسأله لماذا يضع هذه القطعة هنا , وتلك هناك ؟ ولماذا أعطي اختراعه هذه الصورة ولم يوجده على صور أخري ؟

هل يكون اعتراض هذا المعترض محل تقبل ورضاء من ذوي الألباب؟ أم إنها رقاعة ؟ وهو رقيع ؟ .. إننا كبشر خلقنا الله , وخلق عقولنا , لا يجوز لنا أن نتطاول لنسأله عن حكمته في كذا وكذا أو في كنه أى تصرف من تصرفاته جل وعلا وإلا لجاز أن ندخل الله – وحاشاه – وصنعه داخل فهم عقولنا القاصرة و وعلمنا القليل المحدود , وهذا يتنافي كل المنافاة مع جلال الألوهية , وهو إله حقا ولا يتناسب مع عجز العبودية ونحن عبيدة حقا علينا أن نستعمل عقولنا فيما أعدها الله له فإن تجاوزنا ضللنا الطريق , نريد أن يكون إيمانا عميقا وعمليا , له نتائجه الطيبة النافعة لا نريد أن يكون إيماننا شقشقة وجدالا , ولا جدوي من وراءه إلا وجع الدماغ إن المسلم العامل في حقل دينه بتعاليم ربه والسلم المتعلق بالنظريات والفلسفة ..

يفني فيها عمره , ويضيع فيها وقته ووقت المسلمين . إن مثلهما كمثل صاحبي قطعتي أرض تساويتا في كل شئ فأما أحدهما فأقبل على أرضه يفلحها ويحرثها ويعني بها فأتته آخر العام حصادا وفيرا.. أما الآخر فراح يبحث عن معدن الأرض , وعن ملائمة موقعها , وهل هي صفراء أو زرقاء ؟

وراح يناقش كل من يلقاه في هذا الهراء , حتى إذا ما انقضي العام ألقي نفسه مع أرضه على الصورة التي بدأ بها العام لا زرع ولا حصاد , فاختر لنفسك أيها الحبيب أحد الرجلين تتشبه بت إن هذا مثل :" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ".

وكان أحد الصالحين يقول : إذا ضرب المثل فلم أعقله , بكيت على نفسي لما أنا عليه من عجز لا يدرك المضروب من الأمثال .

حرصه على القدوة

وحتى ننجح مع دعوتنا , ونستطيع أن نوصلها للناس بنجاح يرضي الله عنا , فلابد وأن نخصص جزءا من وقتنا لهذه الدعوة , جزءا مفروضا لا ممنوحا . وجزءا مفروضا لا ممنوحا من دخلنا كل على قدر طاقته ولابد وأن نتردد على مقر تلك الدعوة ومركزها العام نتزود من لقاء الإخوان , ولكي نشعر أننا مجدون في سعينا من أجل دعوتنا يجب أن يضم كل واحد منا أخا جديدا إلى صفوف الدعوة كل شهر أو كل عام على الأقل أن ينتفع من صلاة الجماعة , فنخرج عقب كل صلاة بصديق , ولابد أن نقيم أطيب العلاقات مع جيراننا . ولابد أن نكون في كل شئ قدوة تحمل الناس على احترامنا والاقتداء بنا , ولابد من تضافر القوي بعيدين عن الجدل حتى تتحرر جهودنا فيد الله مع أو على الجماعة , وإني لضارب لك مثلين , يوضحان كيف تحقق هذا في سهولة ويسر حتى تكون حركيا حقا في رسالتك فإسلامنا عملي حركي قبل أن يكون مظهريا قوليا , وإسلامنا تنفيذي لا نظري .

نحن ندخل المسجد حرصا على صلاة الجماعة لما فيها من فضل على صلاة الفرد لما في الجماعة من مزايا وأفضال قيمة نافعة يحصل عليها المسلمون لمجتمعهم عن طريق صلاة الجماعة فهل حققنا لأنفسنا هذا الخير الذي فضلت بت صلاة الجماعة على صلاة الرفد ؟

الواقع لا يؤيده هذا الصورة التي نراها في المساجد , إنه بمجرد التسليم من الصلاة يبادر كل مصلي إلى حذائه متجها إلى باب المسجد وف يتزاحم أية فائدة تحققت من هذه الصلاة الجماعية على هذه الصورة ؟

لا شئ بالمرة والذي استناه من إمامنا , إنه ليكون المسلم عمليا حركيا إنه إذ سلم التسليمتين نظر في عطف وتودد إلى من على يمينه ومن على شماله متمنيا قبول الصلاة وداعيا له بالتوفيق وحسن العمل , ثم يسأل في مودة عن الاسم والعمل , المسكن وأن تعقد صداقة إن مكن .

قد تنتج أخوة في الله الذي جمعكما متجاورين في بيت من بيوته فإذا فعلت هذا في كل صلاة جماعة تصليها فهل تدري ما حصيلتك نهاية الأسبوع أو الشهر أو العام خاصة إذا قام إخوانك الجدد مع غيرهم بمثل ما قمت بت معهم من أجل هذا فضلت صلاة الجماعة على صلاة الفرد بخمس أو بسبع عشرين درجة فهل فعلت ؟ وإن لم تكن فعلت , فهل اعتزمت ؟

وتوكل على الله , والله يوفقك , ومثل آخر يعطيك صورة حركية أخري , أنت تقرأ في كتاب الله ما يجب عليك نحو جارك :

" واعبدوا الله ولا تشركوا بت شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربي واليتامي والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا ".

وقرأت كذلك قول رسول الله صلي الله عليه وسلم :" ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه " " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن " قالوا :

من هذا الذي لا يؤمن يا رسول الله ؟ قال :" من لا يأمن جاره بوائقه " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عمليا في هذا شكا له أحد صحابته من سوء معاملة جاره له دون أن ينتصح أو يرعي فنصحه رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يخرج متاعه إلى قارعة الطريق فإذا سأله عن سبب رحيله , أخبره بالسبب , وفعل الرجل فسخط الناس على جار السوء ,فلما علم بنظرة الناس إليه اقلع , وعاد الرجل إلى مسكنه أنت تقيم في مبني به مساكن متعددة , يسكنها مسلمون مثلك , فهل تعرفت إلى أحد من جيرانك ؟ ما أظن !!

فهل هذا أسلوب الجار المسلم مع جيرانه ؟ وأين أنت من وصية الله ورسوله صلي الله عليه وسلم بالجار ؟ عليك شرعا أن تحسن صلتك بجارك , ولن يكون هذا الإحسان إلا إذا تعرفت عليه وشاركته أحزانه , وشاطرته أفراحه وأعنته في أزمانه بذلك تصبح صلتك بجارك صلة إسلامية حقا , أتدري ما وراء ذلك؟ بدلا من أن تكون وحيدا في خضم الأحداث ستجد من يقف إلى جانبك بكل مشاعره يحميك ويدافع عنك ويحقق لك مصالحك في غيبتك فإذا أصبح المبني بمن فيه على هذه القوة من الصلات ثم مبني إلى مبني , وشارع إلى شارع , كيف يكون حال هذه المدينة , إذا أصاب أبنائها مكروه , من هنا تأتي القوة والأمن والرضا , وهكذا تري أن هذا الدين إذا أمر بإحسان الصلة إلى الجيران فإنه لا يحرك عواطف فقط , أو يستثير معان طيبة فحسب ولكنه في نفس الوقت يخلق ماديات تقوي وتدعم وتعين , فهل نحن فاعلون ؟

أرجو وآمل : إن مثل هذه الحركة ليست في حاجة إلى برامج أو دراسات ولا تخطيط ولكنها أوليات إسلامية موضحة في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم هل رأيت إلى أى حد نحن مفرطون في تطبيق مبادئنا الإسلامية التي لا تكلفنا جهدا ولا تحملنا أعباء بل العكس هو الصحيح, إنها ستكون غنما لنا وليست غرما .

هل تريد منهاجا مبسطا سهلا واضحا ميسرا, اقرأ هذا الحديث الشريف ثم خبرني ما حاجتك إلى سواه .

عن على رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن سنته فقال :

1- المعرفة رأس المال

2- والعقل أصل ديني

3- والحب أساسي

4- والشوق مركبي

5- وذكر الله أنيسي

6- والثقة كنزي

7- والحزن رفيقي

8- والعلم سلاحي

9- والصبر ردائي

10- والرضا غنيمتي

11- والعجز فخري

12- والزهد حرفتي

13- واليقين قوتي

14- والصدق يقيني

15- والطاعة حسبي

16- والجهاد خلقي

17- وقرة عيني في الصلاة ".

هل يعوزك بعد هذا برنامج أو منهاج ؟ أنت إذا عرفت الله بقوته عرفت ضعفك , وإذا عرفته بقدرته بكيت عجزك ؟ وإذا عرفته بغناه وضح لك فقرك . إنه وحده الغني . ونحن جميعا الفقراء إليه , الحب أساس كل علاقة طيبة بين الفرد وبين غيره من المخلوقات , وأية علاقة لا تقوم على الحب فمصيرها إلى بوار .

والشوق .. هل يستطيع المحب ألا يشتاق إلى محبوبه , وإذا حرمنا الشوق إلى الله فقد حرمنا من كل شئ لأنه سبحانه أحب إلينا من كل ما سواه حتى روحنا التي بين جنبينا .

إن الإنسان إذا خلا إلى نفسه و استعاد ذكريات ماضيه , وآماله الحاضرة وأمانيه المستقبلة فهل أشهي وأحلي وأغلي وأسعد في إيناس دعوتنا من ذكر الله لا نذكره لأنا ننساه فهو حاضر في مراقبتنا ليس يغيب ولكننا معه في حركاتنا وسكناتنا وأعمالنا , نؤمن برقابته التي لا تفارقنا ,فنعبده وكأنما نراه لا رأي العين فليس هذا في الدنيا إلا لمحمد عليه الصلاة والسلام عندما دنا فتدلي وإذا كان الكلام من حظ موسي كليم الله عليه السلام وإذا كانت الحلة حظ إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام فإن الكلام والحلة والرؤية حظ محمد عليه الصلاة والسلام .

كيف يمكن أن نعبد الله ونخلص في عبادته وأن ننفذ أوامره ونتجنب نواهيه إذا كنا لا نثق في قدرته وحكمته .

إن الثقة في الله هي الكنز الذي لا يفني وبقدر نعمتك في الثقة على قدر ما يصلح حالك. أتدري ما الحزن في الحديث ؟ إنه ليس التحسر على شئ فات ولا الغم على شئ ضاع أو فقد ولا الهم بما هو آت . إنها كسرة في القلب لتقصير بالغ .

أما أعظم فضل عن صاحب الفضل , وهذه الكسرة القلبية لا تستدعي تقطيب الحاجب والهروب من الناس , إنها لا تمنع البسمة الحلوة الهادئة فاجعل انكسارك لله رفيقك , فإن الله مع المنكسرة قلوبهم من أجله .

هل يمضي الناس إلى الهيجاء بغير سلاح ؟ العلم سلاح المؤمن وقد أعلي الله سبحانه وتعالي من قدر العلم وأهله في كتابه الكريم وأن عالما واحدا لأشق على الشيطان من ألف عابد جاهل , فالعلم من الجدران القوية التي يقوم عليها بنيان هذا الدين.

ونعم الرداء الصبر , يستر ضعف الإنسان ويخفي جزعه وللصبر أجر بغير حساب . إن الله يأجر على الصبر وقضاؤه نافذ , ولا يرضي عن الجزع من قدره وقضاؤه نافذ , ليس الصبر المأجور هو الصبر عن عجز وقلة حيلة في رفع المقدور ولكنه الصبر عن رضاء كامل واحتساب كريم الحق أن الرضا بما قسم الله غنيمة أية غنيمة , أن الرضا هو الذي يجعل العيش هنيئا مهما كان الشظف قاسيا والصبر دون الرضا لا أجر عليه , والرضا بما عند الله كنز لا يفني ولا يبيد .

ليس العجز عجز الحيرة والإفلاس , وعدم القدرة على فعل الشئ , كل هذا عجز غير مقصود في حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ولكن العجز الذي يفخر بت نبينا صلوات الله وسلامه عليه , ويجب علينا أن نقتدي بت فيه هو الإيمان الكامل بالعجز البشري أمام القدرة الإلهية المحيطة الشاملة , عجزك أمام قدرة الله وردك الأمر كله إليه هو مفخرة الإنسان هو الإقرار الكامل بأنه لن يحدث حدث في الوجود إلا بمشيئة الله .

إن الحرف في الدنيا كثيرة ومتنوعة وأسماها الزهد إن من احترفه نجا من مغريات الحياة فإذا كان الزاهد غنيا, فليس من غناه إلا ما يبلغه الجنة , وإن كان فقيرا , فلن يأسي على شئ ليس في يده لأنه حتى لو كان هذا الشئ في يده, فلن يغريه و ولن يطغيه , لأنه اغتراب عن الدنيا واحتراف الزهد يضمن للزاهد سلامة الطريق .

اليقين هو الإقرار الراسخ بألوهية رب العالمين والذي يؤمن بأن الله على كل شئ قدير تحققت له كل القوي . ما دام على يقينه الكامل الشامل بقدرة الله القوي القادر .

إن الله يمخر عباب إليم , لابد وأن يستوثق من سلامة السفينة التي تجتاز بت تلاطم الأمواج كذلك من أراد أن ينجو من شرور هذه الحياة المتراكمة فليس أمامه من وسيلة للنجاة إلا الصدق الصدق مع الله , مع الناس . مع النفس .

الحب هو الكفاية هو غاية الغايات وهل من دعامة في هذا الدين إلا الطاعة المطلقة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام في المنشط وفي المكره في اليسر . وفي العسر .

في الرخاء , وفي الشدة إنه لن تبقي جماعة إن لم تكن هناك طاعة ولولا الطاعة ما بقي دين وحسبي الله ونعم الوكيل .

أخلاق الناس متباينة فالجبان يفر حتى عن حماية أمه والشجاع يدافع حتى عمن لا يعرف والدفاع عن العقيدة أسمي أنواع التفاني في سبيل أطهر قاعدة في هذا الوجود وما ترك قوم الجهاد إلا ذلوا لهذا كان الجهاد خلق رسول الله صلي الله عليه وسلم فجعله الإخوان المسلمون سبيلهم في هذه الحياة .

وهذه الصلاة بها كان يخلد إليها رسول الله صلي الله عليه ولسم إذا حز بت أمر , في أدائها راحة النفس وقرة العين وطمأنينة القلب , والخشوع للرب وأمان العبد لأنها عماد الدين بإقامها يقام , وبتركها يهدم فأين أنت من هذه الفريضة في صفوف المسلمين ؟..

خذ طريقك إلى الله , وأترك الأشياء وخالقها فأنت لست مدبر الكون واترك المرزوقات ورازقها فليس لك من الأمر شئ اعتن بما ينفعك في دنياك ليوصلك سالما إلى آخرتك لا تضيق ولا تلوم فهو الواهب الذي لا يمل من العطاء .

وهو المالك ولا مالك سواه إنه اللطيف الخبير الذي كمثله شئ مما يمكن أن يخطر على البال أو لا يخطر , علم الأشياء قبل أن يوجدها. ثم تعلقت مشيئته على إبداعها على ما علم منها قبل وجودها ,كان ولم يزل من الأزل إلى الأبد إلى ما قبل ذلك وما بعده , عليما عالما بالأشياء, لا يتجدد علمه يتجدد الأشياء , إنه القديم الذي لا أول له ولا آخر – جل وعلا .

أما وأن على وشك الانتهاك , تعالي أناجيك في الله , تعال نؤمن ساعة إن هذا ما وسعه جهدي مع أستاذ الجيل الإمام الشهيد حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين الأسبق , وأنه لجهد المقل حقا وصدقا ,ولئن قصر العلم والقلم , وكثيرا فعل فقد يفي القلب , وقد تشفع العاطفة , وربما ولعل ألا تري معي أن الله جل لجلاله , وما أكثر من الفرائض والتكاليف إلا ليعطينا أكبر فرصة لدوام الصلة به , والتوبة والإنابة والعودة والرجوع , أو إن شئت طامعا في رحابه , فقل للتكرم بأكبر لمحات القبول إن لم تفز مثلا في جمع قد تفوز في مني , وإلا فأمك عرفات ثم قد تتساءل ما تشتهي عند الركن وزمزم والحطيم أو حجر إسماعيل بل ما يزال أمامك الحجر الأسعد في الطواف أو عند فيوضات الرءوف الرحيم .

وإذا كان الله قد ميز الإنسان بالعقل ففي مقابلته الهوي هذا يقابل ذلك والمعركة محتمة مستمرة فأنت بين قوتين دائمتي الصراع حتى الموت العقل ينجيك والهوي يرديك فأيهما تجيب ؟ فاحذر أن الدنيا وصلة بينك وبين الآخرة ولا يستقر في الوصلات المقام فهل تأكدت أن الأعمال ليست مطلوبة لذاتها وغنما يعمل العمل لما يقصد منه , أتري أن الصلاة الكتاب الموقوت على المسلمين , أتراها فرضت لمجرد حركات تبدأ بالتكبير وتنتهي بالتسليم ؟

أم أنها فرضت لما فيها من خير عميم ويستقيم بها حال المصلي إذا وفي للصلاة بحقها ؟ هل تراك إذا نطقت بالكلمة تقصد بها حروفها التي نطقت بها ؟ أم أنه مقصود بها أولا وأخيرا المعني الذي توصل إليه هذه الكلمة ؟ هل فهمت ؟ يا خليفة الله في أرضه ؟

إن أباك آدم لم يخرج من الجنة معاقبا مطرودا فقد تاب الله عليه , بعد الكلمات التي تلقاها منه , فلا مجال للقول بالعقوبة في الإهباط من الجنة إن استمتع بالجنة وبقي هذا الاستمتاع بأثره في ذرية آدم , فهم أشد اشتياقا وحنينا إليها , ولم يستمتع بها أباهم من قبل .

أيها الحبيب إن أنفاسك غالية , إذا خرجت وتعود فلا تضيعها في التافه الرخيص , دعها تذهب في الغالي النفيس.

أيها الحبيب إن الأمر جد خطير , والعمل كله توان وتقصير الحساب طويل عسير فهل لك في زاد التقي , وري المعاد , أخلص النية تحظي بالأمنية فالأعمال عند الله بالنيات :

إذا اشتبكت دموع في خدود

تبين من بكي ممن تباكي

خاتمة

أيها الإخوان جميعا , وأنتم يا من في العالم كله , لو أنني مع كل نبضة من نبضات قلب , الذي أضنته الشيخوخة وكر السنين , ولو أنني مع كل طرفة عين ن عينين ضعفت فيهما قوة الإبصار لو أنني مع كل رشفة ماء رويت بها ظمأى, لو أنني مع كل حركة أضرب بها في طول الحياة وعرضها ولو أنني مع كل هذا قلت كلمة شكر وثناء على أستاذي وسيدي غمامي ومرشدي حسن البنا , لفني العمر ولم أبلغ منه بعض ما أريده وما كتبت ما كتبت إلا كهامس في سمع نائم لقد سبق القول :

إنني لم أرجع فيما كتبت إلى مراجع ولا رسائل , وكانت ذاكرتي عمدتي, لم تمدني بكفايتي , ولكني رضيت بالقليل منها ليكون ما سطرت مجرد ذكريات تحمل من صدق العاطفة أكثر مما تستوعبه العقول. ولو طال الأجل , وحسن العمل , فلعلي مقدم على ذكريات مع فضيلة المرشد السابق الأستاذ الهضيبي , في لقاء قريب أو بعيد , والعلم عند الله , فقد قاد الجماعة في أحلك الظلمات فكان في إيمانه نور الهدي والرشاد , وتكسرت على شطأن عقيدته الراسخة الصامدة كل موجات العنف والقهر وأنواء التعذيب والإعنات.

وهكذا جعل الله في المرشدين السابقين أعظم وأنواء التعذيب عاليين, استمدا من رسول الله صلي الله عليه وسلم خير أسوة وأكرم قدوة في هذا الطريق , فتجليا رجلين بين عيال عصرهما وجبلين بين تلال, وأجري الله سبحانه من إيمانهما القوي الثجاج أفضل ما أمكن أن يصلح بت حال الإخوان المسلمين وحال المسلمين جميعا وعلي الله قصد السبيل .

لما رأيت الجحود والنكران أصبح تخطيطا مرسوما بدقة , للإطاحة بذكري حسن البنا إلة وديان النسيان ولما رأيت الذين يقال عنهم :

إنهم كتاب وأدباء يكتبون عن كل تافه مغرور ويتقارضون الثناء والمديح هذا يكتب ثناء على ذاك, فيرد ذاك على هذا بثناء مثله , ولما رأيت الدولة نفسها تساهم في مخطط النكران , بالاحتفاء بمن يساوي ومن لا يساوي , وكلهم لا يساوون شيئا في موازين الإسلام, إذا وضعوا أما أستاذ الجيل حرصت لا على تخليد ذكري الرجل فهو خالد في صحف لا تضل ولا تحابي ولا تنسي , ولكني أردت فقط أن أقول للمنكرين وللمحاولين طمس أنوار ذلك المجد الذي لن يخبو ضياؤه إن محاولاتكم فاشلة.

وأن حسن البنا هو أستاذ الجيل سواء أقررتم أو أنكرتم , حسن البنا أخلد على الزمن بفضل الله ... أستاذكم جميعا , أدي للإسلام والمسلمين ما لم يؤده أحد منذ مئات السنين .

والله أكبر ولله الحمد
عمر عبد الفتاح التلمساني .