حضور أفضل منه الغياب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٢٠:١١، ١٩ فبراير ٢٠١٠ بواسطة Rod (نقاش | مساهمات)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

حضور أفضل منه الغياب ..... بقلم / الأستاذ فهمى هويدى


لا أستطيع أن أفترض البراءة في الحضور المصري الملحوظ في بيروت خلال الأسابيع الأخيرة، الذي تمثل في زيارات بعض الشخصيات اللبنانية المثيرة للجدل للقاهرة «جعجع - جنبلاط».. وزيارة وزير الخارجية المصري للعاصمة اللبنانية، كما تمثل في اشتراك شيخ الأزهر والمفتي في افتتاح أكبر مسجد أقامه الحريري في وسط بيروت.. بذات القدر فإنني لا أستطيع أن أفترض البراءة في الحضور المصري المفاجئ في بغداد، الذي تزامن مع وصول ممثل للجامعة العربية وعدد آخر من سفراء الدول العربية إلي العاصمة العراقية.


لي أكثر من حجة تؤيد شكوكي، أولاها، أن الأصل في العمل السياسي بشكل عام هو عدم البراءة، حيث علمتنا خبرات طويلة أنه لا شيء في السياسة المعاصرة يتم لوجه الله، وإنما لابد أن يكون هناك غرض وقصد يرمي إليه القرار السياسي، نبيلاً كان أو شريرًا.. حجتي الثانية، أننا في مصر نفتقد إلي الهمّة في الأداء الدبلوماسي بشكل عام ومع العالم العربي بوجه خاص، ذلك أن مصر منذ وقعت اتفاقيات كامب ديفيد قبل ثلاثة عقود ضعفت علاقاتها مع العالم العربي، في حين ارتفعت فيها الأصوات الداعية إلي الانكفاء علي الذات، وإعطاء الأولوية للشأن الداخلي ، وهي النغمة التي تزايدت في السنوات الأخيرة، حتي أفرزت في نهاية المطاف مدرسة في الخطاب السياسي ترفع شعار «نحن أولاً ولا شأن لنا بالآخرين» وكانت نتيجة ذلك أن خرجت مصر من ساحات عمل كثيرة في العالم العربي، حتي غدا حضورها أمراً استثنائيًا يثير الحيرة والتساؤل.


الحجة الثالثة التي أستند إليها في شكوكي؛ أن أكثر ملفات المنطقة الحساسة تُحسم خارج إطار وزارة الخارجية، وتصدر في شأنها التوجيهات من جهات عليا، ينسحب ذلك علي ملفات سوريا ولبنان والسودان وفلسطين وليبيا وإيران.


الحجة الرابعة، أن مصر بعدما استقالت من دورها كدولة رائدة في المنطقة العربية وكشقيق أكبر للجميع نأت بنفسها بصورة تدريجية عن تحمل مسئوليات الموقعين وتحولت إلي طرف في مشكلات العالم العربي ينحاز في الصراعات ولا يستعلي فوقها، وهي لم تقف عند ذلك الحد، وإنما أصبحت أغلب قراراتها وثيقة الصلة بحسابات وضغوط الدول الكبري ذات المصالح في العالم العربي.


لهذه الأسباب فإنني لم أستطع أن أفسر تنشيط الدور المصري في لبنان والعراق بمثابة يقظة مفاجئة، أرادت من خلالها مصر أن تستعيد حضورها بعد طول غياب، ذلك أن أي مراقب للشأن العربي لا يستطيع أن يقتنع بوجود تلك اليقظة في بلدين عربيين بالتحديد، في حين ينتفي ذلك الوجود في ساحات أخري تمس صميم الأمن المصري، والسودان ودارفور نموذج له دلالته في ذلك.


حين استوضحت الأمر ممن أعرف من الخبراء قيل لي صراحة إن التحرك المصري ليس خالصًا حقًا لوجه الله، ولا استهدف تحقيق المصالح العربية العليا، ولكن الهدف منه هو مواجهة الحضور الإيراني المادي في العراق والسياسي في لبنان، وأن الحاصل مع لبنان بوجه أخص أريد به أيضًا تعبئة الجماهير اللبنانية والسُّنية في المقدمة منها لمساندة فريق «14آذار» الموالي للغرب الذي يقوده سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط وآخرون، خصوصًا أن الجميع يحشدون صفوفهم الآن استعدادًا للانتخابات التي ستجري في شهرمايو من العام القادم، من ثم فإن افتتاح مسجد الأمين في بيروت كان في حقيقته مهرجانًا انتخابيًا لفريق «14 آذار»، استخدم فيه شيخ الأزهر ومفتي مصر.


قيل لي أيضًا إن ترتيب تلك الزيارات تم استجابة لضغوط سعودية، نجحت في التغلب علي التردد المصري في استقبال سمير جعجع زعيم القوات اللبنانية، بسبب سجله الحافل بجرائم القتل التي مارسها ضد اللبنانيين «رشيد كرامي و 29 ضابطًا معه» وضد الفلسطينيين في مذبحة صبرا وشاتيلا ، إضافة إلي تآمره مع الإسرائيليين ضد عناصر المقاومة.


إن الحضور المصري في بغداد وبيروت اعتبر خصمًا من رصيد مصر وليس إضافة إليه، لأنه من قبيل الحضور الذي يغدو الغياب فيه أفضل وأكرم.

المصدر : نافذة مصر