حكم محكمة القضاء الإداري عام 51

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حكم محكمة القضاء الإداري عام 51

مركز الدراسات التاريخية

ويكيبيديا الإخوان المسلمين

مقدمة

نظرت القضية بجلسة 15 أغسطس 1951 بمحكمة القضاء الإدارى برئاسة المستشار محمد سامى مازن بك بصفته قاضياً للأمور المستعجلة بمجلس الدولة .

القضية مرفوعة من حضرة الأستاذ عبد الحكيم عابدين بصفته السكرتير العام لهيئة الإخوان المسلمين ضد وزارة الداخلية بطلب وقف تنفيذ القرار الصادر ببيع المركز العما للهيئة ومقره بالحلمية الجديدة.

حضر للدفاع عن الهيئة حضرات الأساتذة محمد طاهر الخشاب، فكرى مكرم عبيد عن نفسه وبالنيابة عن معالى الأستاذ مكرم عبيد باشا، حسن العشماوي، علي منصور.

بدأ الدفاع الأستاذ محمد طاهر الخشاب ثم تلاه حضرة مندوب الحكومة الأستاذ زكى بدوى النائب الأول بإدارة قضايا الحكومة.

بعد انتهاء المرافعات قررت المحكمة حجز القضية للحكم بجلسة 17 سبتمبر 1951 مع التصريح للطرفين بإيداع مذكرات ومستندات ومذكرة الأستاذ الخشاب مكونة من اثنين وثلاثين صحيفة.

دفعت الحكومة عدة دفوع أهمها وأخطرها أن المدعى ليست له صفة فى رفع هذه الدعوى لأنه يدعى تمثيل جمعية غير قائمة، إذ أن هذه الهيئة لم يعد لها وجود منذ 8 ديسمبر 1948 وهو التاريخ الذى صدر فيه أمر الحل الرقم 63- فكيف يتقدم المدعى ليمثل هيئة غير موجودة.

لقد رد الدفاع على هذا الدفع وأبان خطأ هذا النظر وقرر فى اسهاب أن الأمر العكرى إنما هو أداة تشريعية مؤقتة يزول أثره بسقوط وانتهاء أمده وقد سقط هذا الأمر وعلى ذلك تعود هيئة الإخوان إلى ماكانت عليه قبل الحل هيئة وتشكيلاً وشخصية معنوية، هذا فضلاً على أن الأمر العسكرى ذاته باطل قانوناً وفيه مخالفة صريحة للدستور.

مجلس الدولة يحكم بأن:

هيئة الإخوان المسلمين قائمة رغم صدور أمر الحل
أنها لاتخضع لقانون الجمعيات
أن يد الحكومة على أموالها يد عارضة
فى صبيحة يوم الاثنين الماضى الموافق 17 سبتمبر 1951 أصدر سعادة المستشار محمد سامى مازن بك بصفة قاضياً للأمور المستعجلة بمحكمة القضاء الإدارى حكمه فى القضية المرفوعة من الأستاذ عبد الحكيم عابدين السكرتير العام لهيئة الإخوان المسلمين ضد وزارة الداخلية بطلب وقف تنفيذ القرار الصادر ببيع دار المركز العام للهيئة وجعله مقراً لبوليس الدرب الأحمر

وهذا الحكم يقضى:

برفض جميع الدفوع التى تقدمت بها وزارة الداخلية وبقبول الطلب وفى الموضوع بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والدفوع التى قضى الحكم برفضها دفوع أثارتها الحكومة فى جلسة المرافعة وأهمها ذلك الدفع الذى تقدمت به وزارة الداخلية حيث دفعت بأن المدعى ليست له صفة فى رفع هذه الدعوى لأنه يدعى تمثيل جمعية غير قائمة؛
إذ أن هذه الهيئة لم يعد لها وجود منذ 8 ديسمبر 1948 وهو التاريخ الذى صدر فيه أمر الحل الرقم 63 فى 8/12/1948 بحلها، ولما سقط الأمر العسكرى المذكور فى نهاية أبريل 1951 لم تنشأ الجمعية من جديد فى ظل قانون الجمعيات الرقم 66 لسنة 1951 ووفق أحكامه وبذلك تكون جمعية الإخوان المسلمين لاوجود لها ولا كيان.
تقدمت الحكومة بهذا الدفع وانبرى لها حضرات الأساتذة الذين تولوا الدفاع عن الهيئة ففندوا زيف هذا القول وبعده عن الحقيقة ومجافاته لأصول التشريع الأولى ثم جاءت المحكمة وفصلت فى هذا الدفع وقضت برفضه وسجلت مبادئ خالدة.

ويقضى هذا القرار برفض جميع الدفوع الفرعية وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه ومما جاء فى حيثياته ما يلى:

أغراض هيئة الإخوان

من حيث أن المدعى قدم هذا الطلب قائلاً أن هيئة الإخوان المسلمين تكونت منذ أكثر من عشرين عاماً وغايتها حسبما جاء فى نظامها الأساسى، العمل لتحقيق الأغراض التى جاء من أجلها الإسلام الحنيف؛

ومما يتصل بهذه الأغراض شرح دعوة القرآن الكريم شرحاً دقيقاً يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها ويعرضها عرضاً يوافق روح العصر ويرد عنها الأباطيل والشبهات وجمع القلوب والنفوس على هذه المبادئ القرآنية وتجديد أثرها الكريم فيها وتقريب وجهات النظر بين الفرق الإسلامية المختلفة وتنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها؛

والعمل على رفع مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن والمساهمة فى الخدمات الشعبية ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة وتشجيع اعمال البر والخير وتحرير وادى النيل والبلاد العربية جميعا ..

والوطن الإسلامى بكل أجزائه من كل سلطان أجنبى ومساعدة الأقليات الإسلامية فى كل مكان وتأييد الوحدة العربية والسير إلى الجامعة الإسلامية وقيام الدولة الصالحة التى تنفذ أحكام الإسلام وتعاليمة وتحرسها فى الداخل وتبلغها فى الخارج ومناصرة التعاون العالمى مناصرة صادقة فى ظل المثل العليا الفاضلة التى تصون الحريات وتحفظ الحقوق والمشاركة فى بناء الإسلام والحضارة الإنسانية على أساس جديد فى تآزر الإيمان والمادة؛

كما كفلت نظم الاسلام وقد جعلت الهيئة وسائلها لتحقيق هذه الأغراض الدعوة بطريق الشنر والإذاعة المختلفة وتجهيز الوفود والبعثات إلى الخارج وتربية أعضائها بطبعهم على مبادئها وتكوينهم تكويناً صالحاً بدنياً بالرياضة وروحيا بالعبادة وعقلياً بالعلم وتثبيت معنى الأخوة الصادقة والتكافل التام والتعاون الحقيقى بينهم حتى يتكون رأى عام إسلامى موحد، وينشأ جيل جديد يفهم الإسلام فهماً صحيحاً ويعمل بأحكامه ويوجه النهضة إليه؛

ثم يوضح المناهج الصالحة فى كل شئون المجتمع والاسترشاد فى ذلك بالتوجيه الإسلامى وإنشاء المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية الدينية والعلمية كالمساجد والمدارس والمستوصفات والملاجئ وتأليف اللجان لتنظيم الزكاة والصدقات وأعمال البر والاصلاح بين الأسر والأفراد ومقاومة الآفات الاجتماعية والعادات الضارة وإرشاد الشباب إلى طريق الاستقامة.

الهيئة حريصة على تحقيق أغراضها:

ثم اشير إلى أن المدعى قال إن الهيئة مافتئت تعمل على تحقيق أغراضها مستمسكة بوسائلها وحريصة عليها ولما نشبت الحرب الفلسطينية جندت جيوشاً من شبابها خاضوا غمارها وكانوا مثار الاعجاب لما أبدوه من ضروب البسالة والتضحية ولكن الحكومة إزاء حوادث فردية وقعت من بعض المنتمين إليها اندفعوا تحت تأثير حماسة جامحة فالتوى عليهم القصد وغم المراد ،حملت الهيئة بأجمعها وزر هذه الحوادث وألقت عليها إثماً فأصدر الحاكم العسكرى أمراً بحلها.

صفة المدعى:

ثم تناول القرار الرد على الدفع المقدم من الحكومة وهو خاص بانتفاء صفة المدعى المقدم من الحكومة، وهو خاص بانتفاء صفة المدعى لأنه بصدور قرار حل هيئة الإخوان؛

قد قضى نهائيا على الهيئة فقال:

ومن حيث أنه للفصل فى هذا الدفع يقتضى بيان الوضع القانونى لجمعية الإخوان والصفة التى كانت لها قبل صدور امر الحل ثم ماكان لهذا الأمر من أثر.

الاعتراف بالشخصية المعنوية للجمعيات:

ومن حيث أن حق تكوين الجمعيات قد ورد فى المادة "21" من الدستور ومن حيث أن حق تكوين الجمعيات كان حقاً ثابتاً قبل الدستور ثم جاء الدستور بعده مقراً قيامه وإن كان قد عهد إلى القانون تنظيمه؛
ومؤدى ذلك أن للمصريين حق تكوين الجمعيات بلا حاجة إلى قانون يستمدون منه هذا الحق ويباشرونه مطلقاً مادام لم يرد عليه حد أو قيد وبالفعل جرت المحاكم قبل الدستور وبعده على كفالة هذا الحق فى إطلاق وتقرير النتائج المترتبة عليه.
ومن حيث أن جمعية الإخوان المسلمين تكونت فى ظل ذلك الحق الأصيل فى تكوين الجمعيات الذى أعلنه الدستور وقرر قيامه فاكتسبت صفتها القانونية كما تمتعت بشخصيتها المعنوية منذ تكوينها وفق المبادئ المقررة من إسناد هذه الشخصية إلى كل عناصرها ومقوماتها من إرادة خاصة ونظام تبرز به هذه الإرادة وتظهر؛
ومن ذمة مالية مستقلة عن ذمم أعضائها ثم صدر القانون رقم 49 لسنة 1945 بعدئذ وإذ جرى بعلة القيود بالنسبة للجمعيات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية التى نظمها وكانت أحكامه وتنظيماته تتناول الجمعيات القائمة عند صدوره.
ومن حيث الأوجه لما تتحدى به وزارة الداخلية من أن القانون المدنى الجديد لم يعترف لأمثال هذه الجمعية فى مناحيها وأغراضها بالشخصية المعنوية ذلك أن نصوص هذا القانون لم تأت فى هذا الشأن بأحكام انشائية تجب ماسبقها، بل فند القواعد التى كانت سائدة قبله وماجرى عليه القضاء واستقرت عليه أحكامه من الاعتراف بالشخصية المعنوية للجمعيات.

ومضت المحكمة فقالت:

على أن ما تأخذه الوزارة على أغراض جمعية الإخوان ويجعلها فى رأيها بمنأى عن حظيرة الشخصية المعنوية ونطاقها لا حجة فيه ولاسند، فهى تنعتها بأنها هيئة سياسية وما ذلك بضائرها فقد اعترف القضاء المصرى من قبل للهيئات السياسية بالشخصية المعنوية؛
وذلك فيما يتعلق بالوفد المصرى وبالنادى السعدى بل إن القانون رقم 66 لسنة 1951 الخاص بالجمعيات ومن قبله القانون المدنى الجديد لم يذكروا شيئاً عن الجمعيات السياسية ومع ذلك فان منحى الشارع ومتجهه هو الاعتراف بهذه الجمعيات وضمان بقائها مستكملة لصفتها القانونية متمتعة بشخصيتها المعنوية

الحكومة تعترف بالجمعية

على أن الحكومة قد اعترفت بجمعية الإخوان المسلمين بصفاتها تلك وجرت فى معاملتها على هذا الاعتبار فرخصت لها فى إصدار صحيفة تكون لسان حالها وأقرت نشاطها من شتى وجوهه ونواحيه بل ومنحتها بعض الاعلانات.

ومن حيث أنه عن المسألة الثانية وهى أثر الأمر رقم 63 على جمعية الإخوان فيتبين من الرجوع إلى هذا الأمر أنه استند فى ديباجته إلى البند الثامن من المادة الثالثة من القانون رقم 15 لسنة 1923 الخاص بالأحكام العرفية الذى يجرى نصه:

بأن يجوز للسلطة القائمة على اجراء الأحكام العرفية منع أى اجتماع عام وحله بالقوة وكذلك منع أى ناد أو اجتماع وحله بالقوة فهذا النص هو الذى يحدد غاية الأمر ومقصوده ومداه والذى يجرى البحث فيه بإرشاده وعلى هداه.
ومن حيث أن سلطة الحاكم العسكرى فى حل أى جمعية لا تشمل أو تمتد إلى اعدام الجمعية وانهاء حياتها القانونية إنما تتوجه إلى الاجتماع الذى هو مظه مادى لا إلى الشخصية التى هى وضع أو تكييف قانونى وتؤكده ذات الألفاظ التى استعملها الشارع؛
فقد استعمل كلمتى "المنع"و"الحل" وفوق ماتقدم فإن فى حمل النص على تخويل الحاكم العسكرى سلطة إعدام الجمعيات مايطوع له اعدام الأحزاب السياسية التى لاتخرج عن كونها جمعيات وهذا مما يخل بأثر المادة "155" من الدستور التى تمنع أثناء قيام الأحكام العرفية تعطيل انعقاد البرلمان إذ أن الأحزاب السياسية هى دعامة الحياة البرلمانية على أنه بالرجوع إلى هذا الأمر رقم 63 ذاته واستبانة أهدافه وغاياته لايخلص منه أنه يرمى إلى إعدام جمعية الإخوان المسلمين وإنهاء حياتها؛
بل الوجهة فيه وقف نشاطها ومنع اجتماعاتها إذ نصت المادة الأولى منه التى رسمت حدوده وأوضحت معالمه على إغلاق الأمكنة المخصصة لنشاط الجمعية وحظرت على أعضاء مجلس إدارتها ومديريها وأعضائها والمنتمين إليها مواصلة نشاطها وعقد اجتماعات لها ولأحدى شعبها أو تنظيم مثل هذه الاجتماعات والدعوة إليها.

للجمعية أن تسترد نشاطها:

ومن حيث أنه على مقتضى ماسبق تكون جمعية الإخوان المسلمين كشخص معنوى باقية رغم صدور الأمر رقم 63 محتفظة بكينونتها القانونية وحق لها بسقوطه أن تسترد نشاطها وتعود إلى سيرتها ومنهاجها.

أمر الحل لم يعدم الجمعية

ومن حيث أنه لايقدح فى هذا النظر مانص عليه القانون رقم 50 لسنة 1950 من استمرار العمل بالأمر المذكور إلى أن يصدر القانون الخاص بالجمعيات أى يربط مصيره به وتعليقه عليه إذ ان هذا النص لايخرج عن كونه انعطافاً على الماضى؛

وإحالة اليد فلايأتى فى شأن الأمر بمعنى جديد بل كل مايفيده هو استمرار حل الجمعية أجلا آخر أى أن الحل بمعناه ومضمونه وعلى وجهه وتقريرة يبقى حتى بلوغ الأجل الجديد، على أن الأمر رقم 63 لم يرتبط بقاؤه بصدور قانون الجمعيات فحسب؛

بل جعلت أقصى مدته سنة، وذلك حسبما جاء فى تقرير لجنة العدل بمجلس الشيوخ، ومن ثم لايصح أن يبنى على القانون المشار إليه القول بانعدام الجمعية بأمر الحل واستمرار انعدامها حتى تبدأ حياة جديدة فى ظل قانون الجمعيات وبالتطبيق لأحكامه، بل إن القانون رقم 50 لسنة 1950 بنصه السالف الذكر ينفى هذا الانعدام؛

ويرد القول به ذلك أن العدم لايتقبل وصفه بالاستمرار أو الامتداد إذ هو مستمر بذاته ممتد بطبيعته فلو أن الأمر رقم63 أعدم الجمعية فقد انتهت حياتها بمجرد صدوره وأصبحت عدماً ومن ثم لايستقيم القول بأن العدم يستمر أو يمتد إلى زمن آخر بل الذى يستقيم الرأى فيه؛

ويتسق القول به ويجعل للقانون معنى ومرادا هو أن نشاط الجمعية الموقوف بصدور الأمر يمتد إلى فترة أخرى على أنه لو فرض جدلا أن هذا القانون يؤدى إلى إدخال الجمعية تحت كنف القانون الخاص بالجمعيات لكان فى ذلك نبو عن أصول التشريع الأول وانحراف عن قواعده الأساسية ذلك أن قانون الجمعيات؛

كما نصت المادة 19 منه لايعمل به إلا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية فهو لايسرى على الجمعيات القائمة وقت العمل به فلو أجرى حكمه على جمعية الإخوان بذاتها ودون غيرها لأخل ذلك بالحقيقة الأساسية والصفة اللازمة لكل قانون وهى العموم والشمول، ووجوب سريان نصوصه وأحكامه على حالات غير محددة بذاتها، وأفراد غير معنيين بذواتهم.

ومن حيث أنه والأمر على ماتقدم وكانت المادة 27 من النظام الأساسى لجمعية الإخوان تقضى بأن السكرتير العام هو الذى يمثل مكتب الإرشاد العام والمركز العام للإخوان تمثيلاً كاملاً فى المعاملات الرسمية والقضائية والادارية وكان المدعى هو الذى يقوم بعمل السكرتير العام قهو ذو صفة فى تقديم الطلب ويكون الدفع بانتفاء صفته على وجهه متعيناً رفضه.

الرد على باقى الدفوع

وبعد أن تناولت المحكمة الرد على الدفع الثانى الخاص بعدم استناد الطالب إلى دعوى موضوعية والكلام عن الدفع الثالث الخاص بعدم ولاية رئيس مجلس الدولة بنظر هذا الطلب تحدثت عن موضوع الطلب فقالت

موضوع القضية

ومن حيث أنه عن الموضوع فإن مثار النزاع حسبما انتهى إليه الطرفان ، هو أن وزارة الداخلية أصدرت فى يونيو سنة 1951 قراراً بشراء دار المركز العام للإخوان المسلمين مع بطلان هذا القرار ومجافاته لأحكام القانون؛
ومن حيث ان دفاع الحكومة يتحصل فى أن هذا القرار غير نهائى فهو لايفصح عن إرادة ملزمة أو نية ثابتة إذ قد يتغير رأى الوزارة فى الشراء وتعدل عنه، كما أن وزارة الداخلية لاتملك بمفردها الشراء بل يلزم لذلك صدور قرار من مجلس الوزراء ومن وجه آخر؛
فإن هذا القرار لايترتب عليه من النتائج مايتعذر تداركه مما هو الشرط الواجب والعلة الدافعة لوقف التنفيذ، ذلك أنه لو تم الشراء فعلا ثم ألغى القرار فيما بعد لردت الدار إلى الجمعية، ولو أن ضرراً أصابها من جرائه فإن فى ملاءة الحكومة أكبر العوض، واوفى الغناء.
ومن حيث أنه باستقصاء الوقائع حسبما تفيده الملفات المقدمة فى الداخلية، والأوراق المودعة يبين أن محافظة القاهرة أبدت رغبتها إلى وزارة الداخلية فى شغل دار المركز العام للإخوان بقسم بوليس الدرب الأحمر سواء بشراء الدار أو باستئجارها من المندوب الخاص؛
وقد كتبت وزارة الداخلية إلى مصلحة المبانى لتقرير ثمنها فقدرت ثمن الأرض بمبلغ 3000 جنيه وثمن المبانى بمبلغ 11500 جنيه، وفى 10 يناير سنة 1951 كتبت الوزارة للمندوب بطلب رأيه عما إذا كان يوافق بصفة مبدئية على بيع الدار بمبلغ 14500 جنيه حسب التقديرات سالفة الذكر ليتسنى لها مخابرة وزارة المالية فى هذا الشأن؛
فرأى المندوب إعادة التقدير وقد قدرت الدار عندئذ بمبلغ 14800 جنيه فكتب المندوب للوزارة بأنه انتهى إلى بيع الدار بمبلغ 14800 جنيهن وهو يعرض عليها شراءها بهذا المبلغ وقد اتخذت الوزارة الاجراءات اللازمة لادراج هذا المبلغ فى ميزانيتها؛
وأبلغت المندوب قرارها بالموافقة على الشراء ثم كتبت إلى مصلحة المساحة التفصيلية والتسجيل بتحرير العقد والانتهاء منه بغاية السرعة ليكون جاهزاً ومعجاً للتوقيع بمجرد صدور قانون ربط الميزانية.
ومن حيث أنه على مقتضى هذا البيان يكون القول بأن قرار وزارة الداخلية بشراء الدار غير نهائى قولاً غير سديد فهو يفصح عن إرادة ملزمة فى الشراء، كما أن الوزارة تملك بمفردها إجراءها، إذ لكل وزارة أن تجرى فى التصرفات ماهو داخل فى حدود ميزانيتها

الدار لاتقوم بالمال

ومن حيث أنه عن الوجه الثانى وهو انتفاء صفة الاستعجال فى الطلب فيقول المدعى رداً عليه إن هذه الدار اشتراها الإخوان المسلمون بأموالهم واشترك فيها صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم رجالهم ونساؤهم؛

بل ساهم فى ثمنها سيدات فضليات بحليهن ومصاغهن فعزيز على هؤلاء جميعاً أن يتم التصرف فيها على هذا النحو الجائر، ولو رصدت الحكومة مليوناً نت الجنيهات، بل هى دار الذكريات ودار الجهاد ودار الدعوة القائمة إلى يوم الدين فالأمر لايقاس بالمقاييس المادية، وإنما يتصل بما هو أسمى غرضا وأنبل غاية؛

ثم إنه لايقبل أو يتسق أن يقف الإخوان المسلمون بعيدين عن دارهم مهد دعوتهم ومركز نشاطهم ممنوعين عن بث هذه الدعوة ومباشرة هذا النشاط حتى يتم الشراء وتخلص الدار إلى الوزارة، ثم تطوق الدعاوى الموضوعية بالإلغاء والإبطال تارة أخرى وتتجاوب أصداؤها بين جدران المحاكم سنوات.

ومن حيث أن مناط النظر فى هذا الوجه هو الوضع الخاص بهذه الدار فهى المركز العام لجمعية الإخوان المسلمين وهى فى صدد بيان أغراضها ومناحيها، وما اتخذته لنفسها من دعوة تحرص على استمرارها والقيام بها؛

والتى لها حسبما ذكر أن تتابع نشاطها وتعود سيرتها بعد سقوط الأمر رقم 63، ولاريب أن كل ما اتصل بالنواحى العنوية للإنسان، ومايلم بها من أثر أو يصيبها من نقص أو تعويق ليس مما يقوم بالمال، بل العلاج فيه التعجيل بدفعه والمبادرة إلى إزالة أسبابه.ومن حيث أنه لذلك يكون دفاع الحكومة بشقيه فى موضوع الطلب مردودا.

ومن حيث أنه عن بطلان القرار المطعون فيه ومخالفته للقانون،فإن البحث فى ذلك يتصل بمدلول الأمر رقم 63 فيما يختص بأموال الجمعية وممتلكاتها، إذ نصت المادة الأولى منه على ضبط جميع الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال، وعلى العموم كافة الأشياء المملوكة للجمعية.

ونصت المادة الرابعة على أن يعين بقرار من وزير الداخلية مندوب خاص تكون مهمته استلام جميع أموال الجمعية وتصفية مايرى تصفيته منها، ويخصص الناتج من التصفية للأعمال الخيرية والاجتماعية التى يحددها وزير الشئون الاجتماعية بقرار منه، ثم نص القانون رقم 63 إلى أن يصدر القانون الخاص بالجمعيات أو لمدة أقصاها سنة وتلا ذلك صدور القرار الخاص بالجمعيات ونشره بالجريدة الرسمية.

أمر الحل لا يعنى المصادرة

ومن حيث أن نصوص الأمر رقم 63 لا تعنى مصادرة أموال الجمعية والاستحواذ عليها ذلك أن ما يخصص فى الأعمال الخيرية هو الناتج من التصفية والتصفية لاتتم فى جميع الأحوال بل فيما يرى المندوب تصفيته منها ومالم ير تصفيته يبقى، وإذ لم يتبين مصيره لزم أن يبقى على ملك الجمعية صاحبته الأصيلة وعلى ذمتها؛

وليس هو الشأن فى المصادرة أو فى حكمها ومعناها، وقد قرر مندوب الحكومة فى محضر جلسة 18 يناير سنة 1949 أنه" لم تكن هناك مصادرة للأموال وكل ماعملته الحكومة هو أنها عينت مندوباً لإدارة الأموال إدارة حسنة بل لايتسع الأمر رقم 63 لغير هذا الفهم إذ أنه استند إلى البند الثامن فى المادة الثالثة من قانون الأحكام العرفية وهو لايشير إلى المصادرة أو يذكر شيئاً عنها؛

بل لايتضمنها أى بند من بنود المادة الثالثة برمتها، وعلى أية حال فقد نص القانون رقم 50 لسنة 1950 الذى قضى باستمرار العمل بالأمر رقم 63 على أن لايجوز استناداً إلى هذا الأمر اتخاذ أى إجراء من شأنه تخصيص الناتج من تصفية أموال هذه الجمعية للأعمال الخيرية أو الاجتماعية؛

وذلك حسبما جاء فى تقرير لجنة العدل بمجلس الشيوخ التى أضافت هذه الفقرة لمنع تنفيذ هذ النوع من المصادرة لأموال الجمعية لتنافى هذا الحكم مع أحكام الدستور ولتجاوزه حدود السلطة المخولة للحاكم العسكرى بموجب قانون الأحكام العرفية نفسه؛

وعلى ذلك تبقى هذه الأموال سواء ماصفى منها أو لم يصف محفوظة تحت الحراسة دون تصرف فيها إلى أن يتم التصرف فيها طبقاً لأحكام القوانين الخاصة بالأشخاص المعنوية والجمعيات جملة.

ومن حيث أن مفاد ذلك أن يد الحكومة على أموال الجمعية هى يد عارضة فهى فى حراسة المندوب الخاص أو كما تقول الحكومة فى إدارته، وتبقى هذه الحراسة ما بقى أثر الأمر العسكرى قائماً أو بعبارة أخرى، أن قيام المندوب على هذه الأموال رهين بقيام أثر الأمر، وبسقوطه بانتهاء أمده يرتفع يده وتبطل سلطته.

ومن حيث أنه لامشاحة فى أنه عند صدور القرار المطعون فيه بشراء دار المركز العام للجمعية كان أثر الأمر العسكرى قد انتهى وانتهت تبعاً لذلك الحراسة المبسوطة على أموال الجمعية ولم يعد للمندوب الخاص أى سلطة فى تصفية أى شئ منها وبيعه وبهذا يكون القرار المطعون فيه وقع على غير محل صحيح واستند إلى أساس باطل ومن ثم يكون المدعى محقاً فى طلب وقف تنفيذه.

خلاصة الحكم

أصدرت المحكمة حكمها وسجلت فيه مبادئ خالدة وأهم هذه المبادئ ما يأتى:

(أ) إن هيئة الإخوان المسلمون قائمة قانوناً وشخصيتها المعنوية لم يعدمها الأمر العسكرى رقم 63 وكل أثر لهذا الأمر هو أنه أوقف نشاطها حتى إذا سقط هذا الأمر وانتهى أمده عادت الهيئة إلى نشاطها ومنهاجها

وفى ذلك تقول المحكمة بالنص:

"ومن حيث أنه على مقتضى ماسبق تكون جمعية الإخوان المسلمين كشخص معنوى باقية رغم صدور الأمر العسكرى رقم 63 محتفظة بكينونتها القانونية ويحق لها بسقوطه أن تسترد نشاطها وتعود إلى سيرتها ومنهاجها.
(ب) إن قانون الجمعيات الصادر فى 28 /4/1951 وهو الرقم 66 لسنة 1951 لاتدخل الهيئة فى كنفه ولاعلاقة لها به وفى ذلك تقول المحكمة بالنص:
" على أنه لو فرض جدلاً أن هذا القانون يؤدى إلى إدخال الجمعية تحت كنف القانون الخاص بالجمعيات لكان فى ذلك نبو عن أصول التشريع الأول وانحراف عن قواعده الأساسية ذلك أن نص قانون الجمعيات كما نصت المادة 19 منه لايعمل به إلا من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية فهو لايسرى على الجمعيات القائمة وقت العمل به فلو أجرى حكمه على جمعية الإخوان بذاتها ودون غيرها لأخل ذلك بالحقيقة الأساسية والصفة اللازمة لكل قانون وهى العموم والشمول.
(ج) إن يد الحكومة على أموال الهيئة، بعد سقوط الأمر العسكرى يد عارضة ويجب أن تبادر الحكومة وتسلم الأموال إلى أصحابها

وفى ذلك تقول المحكمة:

"ومن حيث أن مفاد ذلك ذلك أن يد الحكومة على أموال الجمعية هى يد عارضة فهى فى حراسة المندوب الخاص أو كما تقول الحكومة فى إدارته، وتبقى هذه الحراسة ما بقى أثر الأمر العسكرى قائماً أو بعبارة أخرى، أن قيام المندوب على هذه الأموال رهين بقيام أثر الأمر، وبسقوطه بانتهاء أمده يرتفع يده وتبطل سلطته. (1)

محكمة النقض ترفض طعن النيابة فى قضايا الإخوان وتقرر أن لا أساس للأمر الصادر بحل الجماعة أصدرت محكمة النقض برياسة سعادة أحمد حسنى باشا حكمها فى الطعن المقدم من النيابة فى الحكم الاستئنافى الصادر ببراءة المتهمين من الإخوان المسلمين الذين أسندت اليهم اتهامات بمقتضى الأمر العسكرى الخاص بحل جمعية الإخوان.

حيثيات الحكم

ولم تكتب حيثيات الحكم بعد فلم يعرف ما اذا كانت المحكمة قد استند فى حكمها إلى أسباب الحكم الاستئنافى أو الأسباب التى أبداها الأستاذ عبد القادر عودة بك المحامى عن المتهمين من الإخوان فى القضية أمام النقض، وفى الحالتين فانه ستكون لهذا الحكم آثار خطيرة بشأن تطبيق قانون الجمعيات على الإخوان المسلمين وان اختلفت هذه الآثار عمقاً فى الحالتين.

وبياناً لذلك نذكر أن الحكم الاستئنافى قد قام على أن الأحكام العرفية مدت فى 12 مايو 1949 لمدة سنة تبدأ من 14 مايو من السنة المذكورة، واشترط البرلمان فى ذلك الوقت ألا تسرى الأحكام العرفية على ما يختص بالجمعيات والأحزاب..

وفات المشرع أن يستصدر قانوناً بمد العمل بالأمر العسكرى رقم 63 الصادر بحل جمعية الإخوان، ولذلك تكون الأحكام العرفية قد سقطت عن الجماعات والأحزاب ابتداء من 14 مايو المذكور وتكون جميع الأوامر العسكرية الخاصة بالجمعيات والتى صدرت فى ظل الأحكام العرفية ساقطة أيضاً طبقاً للقاعدة العامة.

عودة جماعة الإخوان من 14 مايو سنة 1949

فاذا كان حكم النقض قد استند إلى نفس هذه الأسباب فإنه يترتب على هذا الحكم أن يعد الأمر العسكري الصادر بحل الإخوان منتهياً فى 14 مايو سنة 1949، وتكون كل الأحكام التى صدرت تطبيقاً له باطلة ويكون قانون الجمعيات الذي صدر فى سنة 1951 غير منطبق على جماعة الإخوان المسلمين بأى حال، تلك الجماعة التى قامت قبل صدور ذلك القانون.

أما إذا كانت محكمة النقض قد استندت إلى ما أثاره الدفاع فى القضية حيث قرر أن الحكم الاستئنافى استند الى اعتبار أمر الحل صحيحاً ولكن الدفاع يرى أن هذا الأمر قد صدر باطلاً لأن الحاكم العسكرى لايملك إصداره قانوناً إذ أنه لايجوز له حل الجماعات والأحزاب وان كان قانوناً يجوز له حل الاجتماعات وكل خروج عن الاختصاص يبطل العمل وبذلك يكون أمر الحل نفسه غير موجود.

فإذا كان حكم النقض قد استند إلى نفس هذه الأسباب فانه يترتب على هذا الحكم الانتهائى من القضاء الأعلى أن تعتبر باطلة جميع القوانين والأوامر التي صدرت ضد الإخوان من ذلك التاريخ وجميع الإجراءات والمحاكمات التي جرت في ظل الأحكام العرفية بشأن اجتماعات الإخوان أو جمع أموالهم لهم أو عدم التبليغ على أموالهم الخ..وفى الحالتين فان قانون الجمعيات لاينطبق على جمعية الإخوان المسلمين بأى حال. (2)

المراجع

  1. مجلة الدعوة، السنة الأولى،العدد 33، الثلاثاء 23 ذو الحجة 1370 هـ، 25 سبتمبر 1951
  2. مجلة الدعوة، السنة الثانية،العدد 57، الثلاثاء 22 جماد أخر سنة 1371 هـ، 18 مارس 1952

إقرأ أيضاً