حكومة الشعب أم شعب الحكومة؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حكومة الشعب أم شعب الحكومة؟!
توفيق الواعي.jpg

بقلم د. توفيق الواعي

تابعنا بكل تقدير واحترام نتائج استفتاء الشعب الفرنسي ومِن بعده الهولندي على الدستور الأوروبي.. نعم هذه هي الاستفتاءات، وإلا فلا!!

حكومات تحترم الشعوب، حكومات ترى وظيفتها خدمة الشعب وتلبية رغباته.. يصاغ الاستفتاء لمعرفة رأي الشعب ثم الانصياع لرغبته، وإن خالفت رغبة الحكومة.

فالمقدَّم هو رغبة الشعوب، الشعوب تحاسب الحكومات، وإذا قصرت أو حتى لم تلبِّ طموحات الشعب أُقيلت، ويجرب الشعب غيرَها.

بلاد تصاغ فيها القوانين لحماية الشعوب، وصَون كرامتها، وحفظ حقوقها، وتقيِّد سلطات الحكومة.. هذه فعلاً حكومة الشعب..!!

أما البلاد البائسة المسكينة، فبدلاً من أن يكون للشعب حكومةٌ كسائر بلاد العالم المتحضِّر يصبح فيها للحكومة شعبٌ، فتنعكس العلاقة ويصبح المالك مملوكًا، ويكون الشعب المسكين ملكًا للحكومة، ويصبح بحق "شعب الحكومة"، و"شعب الحكومة" لا خيارَ له، فقط عليه أن يهتف "بالروح بالدم نفديك.." وبغني "اخترناك وهنمشي وراك"..!!

فبدلاً من أن تُسن القوانين لحفظ حقوق الشعوب تُسن القوانين لحماية الحاكم، لدرجةٍ أنها قد تعطيه صكًّا أبديًّا بحكم البلاد مدى الحياة، بل وضمان حمايته إذا- لا سمح الله- ترك كرسيَّ الرئاسة..!!

لا .. للدستور الأوروبي

شعب الحكومة يمنُّ عليه الحاكم بما يجريه عليه من أرزاق، وكان البلاد والعباد ملكُ يمينه، يوزعها كيف يشاء.. ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ (الزخرف:51).

ترى الحكومة في شعبها أنه يجب أن يكون من مصادر دخلها، فالضرائب والرسوم هي مصدر الخزانة الرئيسي، تتحصَّل من الشعب المسكين لتصبَّ في قصور وشاليهات واستقبالات وأفراح وليالي ملاح تحييها الحكومة..!!

وليت الأمر يقف عن هذا الحد، بل إن الحكومة توبِّخ شعبَها على كثرة الإنجاب، والكسل في طلب الأرزاق، وويلٌ ثم ويلٌ إذا اشتكى الشعب للحكومة من البطالة والكساد وضيق الأرزاق..!!

الحكومة أدرى بمصلحة شعبها، تختار له المجالس النيابية التي تمثله، بغض النظر عن نتائج الاقتراع، وتفصل له الاستفتاءات، بحيث يستوي فيها قول (نعم) وقول (لا)، فكلا القولين يعني أننا شعب الحكومة التي لم ولن تتغير.

إذا كان للشعب حكومةٌ فإن كل مواطن سوف يشعر بأنه يملك جزءًا مشاعًا من وطنه، فيقوَى الانتماء، وتزداد الفاعلية في بناء الأوطان.

في أوطاننا ليس ثمة فرق بين لا أو نعم

أما شعب الحكومة فإن المواطن وأولاده وما يملك..كل هذا ملكٌ لحكومته التي تملك القانون والبلطجة، والتي تلغي القانون والدستور وتعطل الأحكام القضائية، وتسرح وتمرح في دماء الشعوب وأرزاقها كيفما شاءت، فنحن عبيدُ إحسانات الحكومة.. إن شاءت أعطت ومنحت بسخاء وإن شاءت بطشت واعتقلت وشردت..!!

ومن هنا نستطيع تفسير تصريح رئيس حكومة شعبٍ من أعرق شعوب العالم وأعظمها تاريخًا، يتهم فيها الشعب بأنه "لم ينضج سياسيًّا".. هذا التصريح يدل على فلسفة الحكم التي تقوم على أساس أننا "شعب الحكومة"، فالحكومة هي التي تقيِّم الشعب وتحاسبه، وتقوم بدور الوصاية عليه، وتحدد له ما يستحق وما لا يستحق، بل ترى في نفسها أنها حكومةٌ مسكينةٌ مبتلاةٌ بشعب لم يرقَ لطموحات الحكومة الرشيدة، وليتهم يُريحون أنفسهم وشعوبَهم ويبحثون لهم عن شعب آخر.

المصدر


قالب:روابط توفيق الواعى