حكومة يمينيّة و لكن عاجزة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حكومة يمينيّة و لكن عاجزة

بقلم : الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

لقد أصبحت مقولة إن اليمين في الكيان الصهيوني قرين العنف و الإرهاب ، بينما اليسار قرين السلام و التسويات جزءاً من ثقافتنا التي يبدو لي أنه من الصعب علينا أن نتخلّص منها ، و إننا لنجد للأسف الشديد من بيننا رغم كل الوقائع التي تثبت بطلان هذه النظرية من ينظر لهذه المفاهيم التي تفتقر إلى المنطق و الموضوعية و العلم على أنها حقائق ثابتة ، ثم ينبري مرهقاً نفسه للتنظير لها .

و لكن متى كان اليسار حمائمياً ؟

و متى كان أقل دموية من اليمين ؟

ألم تكن الحكومة السابقة التي ارتكبت عشرات المذابح في الضفة الغربية و قطاع غزة منها على سبيل المثال لا الحصر مذبحة جنين و مذبحة حي الدرج في غزة حكومة ائتلاف تضم اليمين و اليسار في خندق الإرهاب .

إن أحداً لا ينكر أن اليمين الصهيوني المتطرف ارتكب أبشع المجازر ضد شعبنا الفلسطيني ، فهذا أمر لا يماري فيه أحد، و لا ينتطح فيه عنزان ، و لكن هل يختلف اليسار الصهيوني عن اليمين في هذا الجانب ؟ لقد كان بن غوريون مثلاً يستخدم مصطلح "التنظيف" لطرد الفلسطينيين من قراهم و القذف بهم إلى ما وراء الحدود ، و كان يلخّص أسلوب عمل الحركة الصهيونية و تفكير قادتها بقوله : "إن الوضع في فلسطين لا يمكن أن يسوّى إلا بالقوة العسكرية ، الحرب حرب، و بالتالي فإن عودة العرب إلى يافا ليست ظلماً ، و إنما خطيئة كبرى" .

و اختار بن غوريون قرية قبية لتكون أول تجربة "للوحدة 101" التي شكّلها و وضع على رأسها شارون ، حيث تحرّكت قوة عسكرية صهيونية تقدّر بنحو 600 جندي نحو القرية ، و طوّقتها و عزلتها عن سائر القرى العربية , و قد بدأ الهجوم بقصف مدفعي مركز و كثيف على مساكن القرية دون تمييز استمر حتى دخول قوات المشاة التي كانت تطلق النار في مختلف الاتجاهات ، و أخذت وحدات المهندسين العسكريين تضع شحنات متفجرة حول بعض منازل القرية و تفجيرها على رؤوس ساكنيها من المدنيين العزل ، و قد نجم عن هذه المجزرة تدمير 56 منزلاً و مسجد القرية و مدرستها و خزان المياه الذي يزوّدها بالمياه ، و استشهاد 67 من رجالها و أطفالها و نسائها ، بالإضافة إلى عددٍ كبير من الجرحى ، و قد نفّذت "الوحدة 101" عشرات العمليات ضد القرى العربية التي كانت مسرحا لمآسي دامية يندى لها جبين البشرية من فظاعة ما ارتكب من مذابح للأطفال و الشيوخ و النساء .

و رابين صاحب سياسة تكسير العظام في الانتفاضة الأولى ، ألم يرتكب أبشع المجازر التي أودت بحياة المئات من الفلسطينيين العزل دون ذنب ارتكبوه سوى أنهم كانوا يرفضون الاحتلال ؟!! .

و شمعون بيرز ألم يكن صاحب مذبحة قانا في حملته عناقيد الغضب ، تلك المذبحة التي أودت بحياة أكثر من مائة من الأبرياء من الأطفال و الشيوخ و النساء بحثوا عن أمنهم و سلامتهم في قاعدة تابعة للأمم المتحدة ، و لقد قالت الأمم المتحدة في حينه إن القصف كان متعمّداً ، ثم ألم يكن بيريز هو مهندس البرنامج النووي العسكري ؟ فهو الذي أنشأ مفاعل ديمونة النووي العسكري ، و الذي أنتج ترسانة نووية تحتوي على ما لا يقل عن مائتي رأس نووي تهدّد المنطقة بكاملها بالدمار و الخراب .

ثم ألم يكن اليسار الصهيوني هو الذي شارك في العدوان الثلاثي عام 1956 و ارتكب المجازر البشعة ضد المدنيين العزل الذين قتلوا بدم بارد عندما كان يرصّ جنود الاحتلال الشباب و الشيوخ على الجدران ثم يطلقون عليهم الرصاص كما جرى في مذبحة خان يونس ؟؟

و منهم من أطلق عليه الرصاص أمام زوجته و أولاده داخل بيته ، و هذا ما جرى أيضاً عندما اقتحم الصهاينة بزعامة اليسار الضفة الغربية و قطاع غزة عام 1967 و قاموا بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبوها بإبعاد آلاف الفلسطينيين عن وطنهم بقوة السلاح .

ثم ألم يكن اليسار هو الذي أقام معظم المستوطنات في فلسطين ؟

ففي الفترة من 1967 إلى 1977 كانت الحكومات العمّالية قد أقامت 22 مستوطنة في الضفة ، و في القدس كانت أولى الخطط الاستيطانية المتعلّقة بالمدينة هي تلك التي وضعها يهودا تمير عام 1967 نائب المدير العام لوزارة الإسكان في ذلك الوقت .

هذا غيض من فيض ، و لو قارنا ما قام به اليسار من جرائم ضد الإنسانية في فلسطين لتضاءلت أمامها جرائم اليمين على كثرتها ، فلماذا نهوّل الأمر و نصوّر الحكومة اليمينية المتطرفة على أنها "بعبع" و من ثم نقول ويل للشعب الفلسطيني و مقاومته من حكومة شارون و نتنياهو و موفاز .

و إذا أضفنا لما ذكر أننا أمام حكومة ضعيفة جداً ، و مكبّلة بقيود ثقيلة كفيلة بأن تفقدها القدرة على المواجهة ، بل و تفقدها هامش المغامرة ، فهي حكومة يمينية على رأسها الليكود ذات قاعدة ضيقة ، و هي حكومة مؤقتة ، و لا ننسى أن الانتخابات على الأبواب ، فكلّ هذه العوامل مجتمعة تجعلها حكومة ضعيفة عاجزة تحسب ألف حساب لكل خطوة تخطوها ، فهي تدرك أن أي خطأ يمكن أن تقع فيه سيؤدّي إلى تراجع الليكود في صناديق الاقتراع ، تماماً كما حدث لحزب العمل بزعامة بيريز في الانتخابات التي تلت عناقيد الغضب .

و لو أن الضربات التي تلقاها شارون في الآونة الأخيرة على يد المقاومة الفلسطينية في ظلّ حكومته الضيقة قد جرت في ظل حكومة الوحدة مع العمل لارتكب من الحماقات غير المحسوبة ما لا يمكن أن يوصف ، لأن وزر الأخطاء عندها سيكون موزعاً على الحزبين الكبيرين العمل و الليكود ، أما الآن فهو وحده يتحمّل جريرة أخطائه ، و لذلك جاءت ردوده على العمليات ردود العاجز و لم تكن على مستوى التهويل الذي واكب تشكيل هذه الحكومة .

المصدر

للمزيد عن الدكتور عبد العزيز الرنتيسي

ملفات متعلقة

مقالات متعلقة بالرنتيسي

مقالات بقلم الرنتيسي

تابع مقالات بقلم الرنتيسي

.

حوارات مع الرنتيسي

حوارات مع عائلة الرنتيسي

بيانات حول إغتيال الرنتيسي

أخبار متعلقة

تابع أخبار متعلقة

.

وصلات فيديو

.