حماس.. ثبات حتى النصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
حماس.. ثبات حتى النصر

رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين

مقدمة

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه..

أيها الإخوان المسلمون..

يقول الله تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة: 21)، ويقول تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (غافر: 51)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق؛ لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك"، وعندما سئل صلى الله عليه وسلم: أين هم؟ قال: "هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

أيها الإخوان.. أيها المرابطون في فلسطين.. أيها المحاصرون في غزة والخليل..

لكل مرحلة نصر، وعندما يشتد الظلم ويتصاعد الحصار الظالم، ويستقوي العدوُّ بأبناء جلدتنا على المقاومين والمجاهدين، ويصبح ظلمُ ذوي القربى أشدَّ مرارةً على النفس؛ فإن نصر المرحلة هو الثبات على المبدأ، وعدم التنازل عن الحقوق، والإعداد والاستعداد لمراحل قادمة، أن ننتصر على ضعف نفوسنا وخوَر عزائمنا، ووساوس الشياطين، وجدال المنافقين.

يقول الإمام البنا عن الثبات: "أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته؛ مهما بعدت المدة، وتطاولت السنوات والأعوام؛ حتى يلقى الله على ذلك وقد فاز بإحدى الحسنيين؛ فإما الغاية وإما الشهادة في النهاية ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23)، والوقت عندنا جزء من العلاج، والطريق طويلة المدى، بعيدة المراحل، كثيرة العقبات، ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر وجميل المثوبة".

نعم أيها الإخوان في فلسطين، وليسمعها منكم العالم كله:

ليس بمقررات "أنابوليس"، وليس بمقررات "الأمم المتحدة"، وليس بالمفاوضات الماراثونية، وليس بالوعود الكاذبة والتحذير الدائم، ليس بكل ذلك ولا بمثله تُستردّ الحقوق وينتهي الاحتلال.

إنما نسترد حقوقنا، ونُجبر العدو على الاستماع إلى مطالبنا حتى يجلو عن بلادنا وديارنا أو يجلس إلى مفاوضات جادة تلزمه بحقوقنا.. بالمقاومة وحدها، والجهاد الدائم، والتمسك بالثوابت، والوحدة الوطنية، وإحياء روح المقاومة والمشاعر الفياضة، وحب الشهادة في سبيل الله وعدم كراهية الموت.

أيها المجاهدون في حركة المقاومة الإسلامية حماس..

لقد تسلَّمتم ممن سبقكم على طريق المقاومة رايةَ الجهاد ورفعْتم لواء "الشهادة أو النصر"، وقدَّمتم الشهداء تلو الشهداء في قوافل مباركة، ولم تبخلوا في سبيل تحقيق الآمال ومناصرة المبادئ بآلاف الأسرى وآلاف المعوَّقين والجرحى وآلاف الأرامل والأيتام، وعندما دبَّ الضعف والوهَن في نفوس من سبقكم على الطريق؛ كنتم أنتم- وحتى اللحظة- الصخرة التي تحطَّمت عليها أحلام المغتصبين والمستوطنين والمستعمرين؛ فانبعثت حركتكم منذ عشرين عامًا من غزة المباركة والضفة المجاهدة والشتات الفلسطينى ترفع لواء الانتفاضة مع المنتفضين وشعار المقاومة مع المقاومين، فأجبرتم الجميع على الانضواء تحت لواء الجهاد والنزال مع العدو اللئيم الخبيث؛ الذي سعى بكل جهده لتمزيق الصف الفلسطيني، وللأسف نجح إلى حدٍّ بعيد، فأصبح من بين زعماء فلسطين من يصِمُ المقاومةَ بالعبثية، و الجهادَ بأشنع الأوصاف التي لا يجرؤ الأعداء على النطق بها؛ في حين يقف الأحرار في العالم مشدوهين أمام صلابة هذا الشعب الفلسطيني.

نعم نجح العدو في اغتيال رمز النضال الفلسطيني "أبو عمار" بالسم بأيدي المقرَّبين منه؛ حتى تخلو الساحة للفريق الذي روَّضه الأعداء، ومارسوا عليه كلَّ صنوف الإغراء والتهديد والوعد والوعيد؛ حتى بات الحصار الظالم الغاشم يتم بمشاركة فريق فلسطيني يُسهم في جلد ذاته وتعذيب أبناء أمته وعقاب شعبه.

أيها المجاهدون في حماس..

لقد مضت الأيام العصيبة، وثبتم الثبات الحق، وكان لمقاومتكم وصمودكم مع كل المقاومين و المجاهدين والممانعين في كافة أنحاء العالم أكبر الأثر في إنهاء حقبة مريرة في تاريخ العالم وأمريكا؛ سيطر فيها فريق من المغتصبين والجاهلين على مقود السياسة الأمريكية والدولية؛ حتى أدى بها إلى البوار والخسارة، وكانت نهاية هذا الفريق بقيادة الرئيس الأمريكي بوش الابن؛ أن يخرجوا من الإدارة مكلَّلين بالعار والشنار، تلاحقهم التقارير المتتالية من مراكز بحوثهم حول جرائمهم ضد الإنسانية وفي حق البشرية؛ فهل هناك من يمكِّن العالم من محاكمتهم أمام المحاكم الجنائية الدولية، بعد أن حكم عليهم الشعب الأمريكي في الانتخابات، حتى لا تتكرر في المستقبل القريب مثل تلك الجرائم التي يشيب لهولها الولدان..؟! ملايين القتلى، وملايين الجرحى والتعذيب البشع والأسرى المجهولون والسجون السرية، فضلاً عن سرقة مئات المليارات من الدولارات، وإضاعة جهود الصناع والتجار، وتبخر الثروات على مستوى العالم كله!!.

لقد انتهت حقبة مريرة في تاريخ العالم بدأت منذ عهد "ريجان"، وها هو العالم يستعد لاستقبال حقبة جديدة، يجب على العرب والمسلمين أن يكون لهم فيها دور ومكان، ولكن نقطة البدء هي أن نغيِّر ما بأنفسنا، ونستردَّ حرياتنا ومقرَّراتنا، وأن نمتلك الإرادة الحرة المنطلقة من كافة القيود إلا قيد الالتزام بأوامر الله وشريعة الإسلام.

أيها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس..

إنكم لا تدافعون عن أرضكم ومقدساتكم فقط؛ بل أنتم تدافعون عن شرف الأمة العربية والإسلامية جميعًا وعن مقدَّسات المسلمين والمسيحيين، بل لا أغالي ولا أبالغ إذا قلت إنكم تدافعون عن قيم الحرية والكرامة والمساواة من أجل الإنسانية كلها، وضد العنصرية والكراهية والتمييز والعدوان الذي انبعث من الفلسفة العلمانية التي أنتجتها في القرن الماضي بذورُ النازية والشيوعية والإلحاد وتأليه الإنسان والعنصرية والصهيونية، وقد انتهت النازية والفاشية والشيوعية فأصبحت من التاريخ، وسننتصر بإذن الله تعالى وبتأييد كل الشرفاء والأحرار في العالم على الصهيونية والعنصرية والإلحاد وتأليه الإنسان.

إن الإسلام العظيم الذي تحملون لواءه لا يعرف التمييز بين البشر، بل هو دين المساواة والتسامح، ولا يعرف العنصرية البغيضة؛ بل هو الذي يقول رسوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "كلكم لآدم وآدم من تراب".

وكلمة أقولها للشعوب العربية والإسلامية..

لا تغرنَّكم الدعاية السوداء والإعلام المريض الذي باع سدنته أنفسهم وأقلامهم للشيطان، ويحاربون- دون هوادة- معركتهم الأخيرة في صف أعداء الأمة، واستمعوا لصوت ضمائركم الذي يأبى أن تسكتوا عن نصرة أهل الحق وإخوانكم في الإنسانية والدين والعروبة؛ الذين يحاصرهم الجميع لإجبارهم على الاستسلام لأطماع العدو ومخططات الصهاينة.

يا أيها الزعماء والحكام العرب..

أما آن لكم أن تقفوا مع أنفسكم وقفةَ صدق؛ لتراجعوا سياستكم خلال العقود الماضية، وتبدءوا صفحةً جديدةً مع شعوبكم من أجل تحقيق الكرامة والعزة لأمتنا.

لن أخاطبكم بمساندة الحق الفلسطيني وخوض الحروب من أجل تحرير فلسطين فقط.. أناشدكم ألا تشاركوا في الحصار الظالم وتصفيةالقضية الفلسطينية، فهذه قضية لن تموت، ولن تنتهي حتى يصل الحق إلى أصحابه، وأما أنتم فسيحكُم التاريخ لكم أو عليكم، وستقفون في النهاية أمام الحكم العدل العليم الخبير؛ يحاسبكم على ما قدمتم وما أعلنتم وما أسررتم.

أما أنتم أيها المجاهدون.. ويا أيها المحتشدون في ساحة كتيبة الشهداء في غزة الانتفاضة.. غزة المحتلة.. غزة المحررة.. غزة المباركة.. غزة هاشم..

اعتمدوا على الله تعالى، وثِقوا في نصره وتأييده، وأخلِصوا الوجهة له وحده، واعلموا أن النصر مع الصبر، وأن وحدة الصف الفلسطيني ضرورية لتحقيق النصر، واصبروا مع معارضيكم، وتحمَّلوا الأذى من بني جلدتكم، ووجِّهوا سلاحكم إلى العدوِّ وحده وإلى صدور الصهاينة المحتلين.

لا تنتظروا شيئًا من أمريكا أوباما ولا أوربا ساركوزي ولا الأمم المتحدة، ولا تعوِّلوا شيئًا على المبادرة العربية فمصيرها إلى الفشل؛ لإصرار العدو على سياسته العدوانية، ولأنها لا تحقِّق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وتهدر حق العودة الأصيل الذي لا يمكن التنازل عنه.

لا تدخلوا سياسة المحاور، بل تعاونوا مع كل جهد مخلص لنصرة قضيتكم، وليكن قرارُكم مستقلاًّ كما كان على الدوام.

واستمعوا إلى النداء الإلهي من السماء: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200).

والله أكبر ولله الحمد، وصلى الله على سيدنا محمد النبيِّ الأميِّ، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.