حوار مع أفراد الصف

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
لم تعد النسخة القابلة للطباعة مدعومة وقد تحتوي على أخطاء في العرض. يرجى تحديث علامات متصفحك المرجعية واستخدام وظيفة الطباعة الافتراضية في متصفحك بدلا منها.
حوار مع أفراد الصف


6 يونيو,2014

في حوار مع مجموعة من الشخصيات ، طرحوا تلك التساؤلات ، فأردت أن أسجل أغلبها ، وأسجل بعض الردود عليها ، أما الشباب الثائر فله منى كل التقدير والإجلال ، وأن يمضى على ثورته حتى يحقق أهدافها كاملة بإذن الله .

س1 : أسئلة التلاوم بشأن حدوث هذه المحنة ، وهى مختلفة وإن كان المعنى واحداً .

- أحب أن أوضح تلك المعانى الأساسية :

أ- المحنة مهما كان حجمها ليست دليلاً على الخطأ والانحراف ، طالما كانت الجماعة متمسكة بثوابتها .. وهذه هي طبيعة طريق الدعوة .

يقول المرشد العام الأستاذ الهضيبى : ” إن من شأن أصحاب الدعوات أن تموت في سبيل مبادئها ، وألا تترخص في ذلك ” . وأحد أركان البيعة هو : ركن التضحية .

والمحنة ليست جديدة على الصفّ ، وهى مرحلة في تاريخ الدعوة تصهر الصف وتنقيه وتزيده قوة طالما أنه ثابت على مبادئه ودعوته – رغم أن الظاهر عكس ذلك – وهى تهيؤه لمرحلة من المسئولية ومن النصر أكبر .

ب- وقد ضرب الله لنا مثلاً من ضعفاء الإيمان والمنافقين في المدينة الذين أخذوا يتلاومون بعد ما حدث في غزوة ” أحد ” ، ويشيعون أنهم لو لم يخرجوا لما قتلوا ” .. لو كانوا عندنا ما قتلوا .. ” ، فردّ عليهم القرآن ” .. قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم .. ” .

إن صاحب الدعوة ميزانه : هل التضحية كانت في سبيل الله أم لأمر آخر ؟ وهل هذا الضغط جعل الإنسان يتخلى عن مبادئه ودعوته أم لا ؟

ج- والضغط النفسى السلبى للمحنة على قلوب أصحاب ، قد يجعل بعضهم يحاول البحث عن أسبابها ، ولماذا لم نتمكن من تجنبها .. إلخ .

هو ضغط غير إيجابى ويهزّ الثبات ويفتح الباب لوساوس الشيطان ، وفى وقت المواجهة لا بد من غلق هذا الباب تماماً .

س2 : التقدير منذ البداية كان خاطئاً ، ولم نكن مستعدين ، فلماذا دفعنا بأنفسنا في هذا المعترك : ( انتخابات الرئاسة – بل وفى فعاليات ثورة يناير – .. ) ؟

أ- أياً كان تقييم ما حدث وتقييم القرارات التي اتخذت ، فإن الميزان لدينا ليس هو نتائج الأعمال ، فكلها بقدر الله ، وإنما صحة الإجراءات في اتخاذ القرار والتوافق مع أهدافنا وثوابتنا .

وقد قال الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس : ” إن الله لا يحاسبنا على نتائج الأعمال ، وإنما على سلامة القصد ، وصحة الخطوات ” . ومن أركان صحة الخطوات هو ممارسة الشورى والالتزام بها عند اتخاذ القرار .

وهذا ما حدث في جميع القرارات التي اتخذتها الجماعة في هذا المجال .

ب- الجماعة لا تعمل لمصلحتها الشخصية ، وإنما عليها تقدير مصلحة الوطن حتى ولو ضحت في سبيل ذلك ، ومصلحة المشروع الإسلامي بصفة عامة .

ومن أمثلة ذلك – وهى كثيرة – : دخول الإخوان فلسطين عام 1948 لمقاتلة الصهاينة ، وهم يعلمون جيداً مدى قوة تلك العصابات الصهيونية والدعم الدولى لهم ، فكان البعض يقول إن هذا القرار من الإخوان كان خاطئاً ، وأنه أظهر مدى قوتها ، وعجّل بتوجيه الضربات لها في 49 ، 54 ، … .

لكن هذا القول ليس سليماً في ميزان الدعوة ، فمصلحة الوطن أن نضحى في سبيلها ، وكان لا بد من وضع الأمة على طريق الجهاد الصحيح لمواجهة ذلك العدوان ، وأن تكون الجماعة في المقدمة من ذلك .

ج- وفى أعقاب ثورة 25 يناير ، لمحاولة إنقاذ الوطن من حكم العسكر ومن سيطرة الدولة العميقة ، ولم يجد الإخوان مناصاً من تحمل المسئولية والتقدم لذلك .. وما حدث من أخطاء فى التنفيذ بعد ذلك ليس مرده للقرار ، وإنما أسباب أخرى .

س3: لماذا تحالفنا مع الإسلاميين ، وظهرنا بهذا المظهر الذى أثار الآخرين ( مثل ما يسمى بجمعة قندهار .. ) ؟

أ- الجماعة هي دعوة إسلامية ، وليست مجرد دعوة ليبرالية أو حزب سياسى ، والرصيد الشعبى لها هو الإسلاميين بقاعدتهم الواسعة العريضة – حتى وإن خرج عن ذلك بعض التجمعات – .. ، ثم هي دعوة تدعو للاجتماع والتعاون مع الفئات الليبرالية أو العلمانية في المساحة المشتركة لخدمة الوطن ، لكنها لا تبتعد ولا تتبرأ ولا تنفصل عن قاعدتها وظهيرها الشعبى الإسلامي ، بل تسعى لتوسيع تلك الحضانة الشعبية .

ب- كان لجوء الإخوان لهذا الحشد ، هو في مواجهة المجلس العسكرى لفرض سيطرته على الدستور واستمرار هيمنته ، وكان ذلك أحد وسائل الضغط السياسى ، وقد نجح ذلك .

أما أنهم سيكون لهم رد فعل لهذا الظهور القوى ، فإنهم يعلمون عن الجماعة ومشروعها الإسلامي أكثر مما يعلمه الكثيرون ، ولم يتوانوا يوماً في التخطيط لضربها أو تحجميها .

ج- من الأهداف المستقبلية التي أوضح الإمام البنا أن الإخوان يعملون على تحقيقها هو اصطفاف العاملين في ميدان الدعوة للإسلام ، ليكون عملهم نحو أهداف واحدة واضحة ، ووفق منهجية ورؤية واحدة وتعاون وتنسيق عالى .

مع ملاحظة أن كل إنجاز في هذا المجال له تكاليفه وضريبته ؛ لكنه من أهداف الجماعة التي تأخذ خطوات متدرجة .

س4 – لا بد من محاسبة القيادات التي أوصلتنا لهذه الحال ؟

أ- هناك فرق بين التقييم والتحقيق ، فالتقييم عملية أساسية مطلوبة ، لكى نخرج بالدروس المستفادة والعبر ، ونعرف مواطن الضعف والخطأ .. وعندنا نموذج آيات سورة آل عمران التي استعرضت ما حدث في غزوة أحد .

أما التحقيق والمحاكمة والمحاسبة ، فإنه يكون عندما يحدث تجاوز ومخالفة للضوابط والثوابت ، والجماعة تعتبر أنه لا أحد فوق المساءلة والمحاسبة ، وأن يتم ذلك بالضوابط والآليات التي نصّت عليها لوائحها .

ب- وكما ذكرنا ، فإن القرار الذى تم اتخاذه بالآلية الصحيحة وممارسة الشورى وتداول المعلومات بعد التحقق منها ، فإنه لا شيء عليه أو على من اتخذه ، حتى ولو ظهر أنه لم يكن هو الأصوب .

وعندنا في السيرة نموذجين لهذا النوع : المشاورة للخروج في غزوة أحد ، والمشاورة لإرسال أصحاب بئر معونة – حيث استشهد سبعون صحابياً – نتيجة للغدر بهم ، رغم أن رسول الله r كان متخوفاً من إرسالهم .

ج- في كتابى أضواء على ثورة مصر – الطبعة الثانية – تفصيل وتوضيح لمسوغات وخلفيات اتخاذ قرار الدخول في الرئاسة ، والذى تم بآليات الشورى الكاملة ، وكذلك مقالتى : رسالة إلى الإخوان .

د- كما نحب أن نوضح أن اختيار قيادات الجماعة يتم بالانتخاب من القاعدة وفق إجراءات لائحية محددة .

ومجلس الشورى – الذى يأتي بالانتخاب من القاعدة – هو صاحب هذا الحق في اختيار أو عدم اختيار ( أي تنحية ) قيادات الجماعة . كما أن لهذه القيادات دورتين متتاليتين فقط حرصاً على التجديد ، وبالتالي لا يزايد أحد على مجلس الشورى في هذا الحق .

س5 : عندما ظهرت لنا بوادر الصدام والمحنة – ونحن لا نملك آليات دفعها – كان الأجدر بنا الانسحاب أو إيجاد مخرج لإنقاذ الجماعة وصيانة الدماء ؟

أ- إن موازين وقواعد الصراع بين الحق والباطل تختلف عن تلك التي يعتمدها الناس في تسيير أمورهم والبعد عن أي تضحية .

وآيات القرآن كثيراً ما كانت توضح ذلك ، فكان التهديد من أصحاب الباطل للأنبياء بأن يسكتوا عن التحرك بدعوتهم ، وإلا سيكون مصيرهم النفى أو القتل ، وقد حاولوا ذلك عندما لم يستجب لهم الأنبياء وواصلوا دعوتهم .

ب- إن أهداف الدعوة ومبادئها لا يمكن أن تساوم عليها ، مهما كانت التضحية ، وإن التمسك بحقها وشرعية وجودها والدفاع عن ذلك بالوسائل المناسبة التي يقرها الشرع ، هو حق لها مهما تعرضت من تهديد ، فأصحاب الدعوات ميزان حركتهم أمام ذلك هو الصمود والثبات .

وفى هذا الوضع الحالي نحن ندافع عن المشروع الإسلامي كله ، ونتصدى للهجمة والمؤامرة التي تستهدفه . وما الانقلاب العسكرى إلا أداة ضمن تلك الأدوات ، نحن أيضاً ندافع عن إرساء مبدأ احترام إرادة الأمة وحريتها وعدم خضوعها لسيطرة العسكر وحكمهم ، وعدم خضوعها وتبعيتها للدول الغربية .

نحن ندافع عن الشرعية وعن إرادة الأمة في اختيار حاكمها .. وبكل المقاييس الإسلامية والديمقراطية ، هو الرئيس الشرعى الذى يجب أن تقف معه الأمة فى مواجهة تلك المؤامرة ، ولا يجوز للجماعة التنازل عن ذلك ، وموقف الخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفان y ورفضه لخلع نفسه وثباته حتى نال الشهادة قدوة لأصحاب الدعوات .

س6 : لماذا نحصر صمود الجماعة في صورة الحشد والاعتصامات والمظاهرات ، والدلائل كانت قوية أن العسكر سيقومون بمذبحة وسيواجهون المظاهرات بكل عنف ؟ ألم يكن يكفى إصدار بيان أو أكثر كما فعل البعض ؟

أ- الموازين التي تقيس بها الجماعة تلك الأمور ، ليس باختيار أي طريق يكون فيه النجاة ، وإنما باستخدام الوسائل التي هي حق مشروع لإثبات الموقف ورفض المؤامرة والتصدى لها بكل وسائل النضال الدستورى والكفاح السياسى .

ب- إقرار الجماعة بالاعتصام في رابعة وغيرها من وسائل – ولم يتم إرغام أحد على المشاركة في ذلك – هو إعلان الرفض لهذا الانقلاب وعدم الخضوع له أو السكوت ، بل بالضغط عليه ، وهذا في عرف الثوار عبر التاريخ يمثل الآلية الأساسية لانهيار الباطل ولو بعد حين ، وقد كانت قيادات الجماعة في المقدمة وقدمت التضحيات من الشهداء والجرحى والمعتقلين .

ج- الجماعة تسجل بذلك ملحمة تاريخية في الثبات والتضحية من أجل الحرية ومصلحة الوطن .

د- نعلم جيداً أنه لو تنازلت الجماعة عن ذلك ، فإن خطتهم ومؤامرتهم ضد الجماعة وضد المشروع الإسلامي كانت ستمضى وبنفس تلك الشدة ، وبافتعال الكذب والتزوير لتبريرها .

هـ – في عهد الإمام البنا كانت تخرج المظاهرات التي تنادى بالجلاء التام ، وتتعرض لإطلاق الرصاص ويسقط الشهداء .

ونذكر هنا مظاهرة كوبرى عباس 1946 ، من طلبة الجامعة والتي قادها الإخوان ، وسقط فيها أكثر من عشرين شهيداً بخلاف عشرات الجرحى .

وكذلك نماذج الثورات التي دكت عروش الظالمين وقدمت الآلاف من التضحيات ، سواء من الثوار أو من الشعب .

س7 : الجماعة قد تصمد للمحنة ، لكن ما يتعرض له الشعب من إيذاء سيجعله ينفض عن المشروع الإسلامي ، كما ستتم محاربة القيم الإسلامية في المجتمع بصورة شديدة وسريعة ؟

أ- ما يحدث من هذه الهجمة بكل أبعادها ليس ردّ فعل لرفض الإخوان الانقلاب ، وإنما هو جزء من المؤامرة والمخطط الموجه لضرب المشروع الإسلامي في المنطقة بأسرها ، ولا يقتصر فقط على ضرب الإخوان ، وهى من القلب بالنسبة للمشروع الإسلامي ، وإن المواجهة والصمود ومدافعة تلك المؤامرة هو واجبنا الإسلامي الذى فرضه الله U علينا ، ونحن على يقين بهزيمة تلك الهجمة وانتصار الدعوة .

ب- أما الانسحاب والتولّى والسكوت ، فمرفوض : ” وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .. ” ، ولا يقتصر دورنا على كسر الانقلاب وعودة الشرعية ، وإنما بالمحافظة على محاور المشروع الإسلامي وعلى نشر القيم الإسلامية وحمايتها .

ج- والمحنة التي نتعرض لها الآن ، تختلف في أوجه كثيرة عن محن ( 49 – 54 – 65 – .. إلخ ) ، لكن تحمل نفس القواعد والمعانى الأساسية لمواجهة المحن والابتلاءات .

د- لا بد أن نعى وندرك فقه المحنة ، وأن الأمور كلها بقدر الله ، وأنه طوال تاريخ الجماعة بعد ثباتها واجتياز اختبار المحنة ، كانت تخرج أقوى وأصلب عوداً .

وأن ثقتنا في نصر الله وفضله علينا كبيرة لا تهتز مهما حدث ، حتى ولو علقونا جميعاً على المشانق ، فهكذا تربينا ، وأن انهيار الباطل قادم لا محالة ولو بعد حين .

س 8 : ما هي أبعاد الرؤية بالنسبة لتلك المحنة ؟

أ- هناك أبعاد قائمة على قراءة الواقع وخلفياته ، وعلى تحديد أهداف الدعوة ، لكن هناك منطلقات تنطلق منها تلك الرؤية ، وتجعلنا نقيس المحنة بغير ما يقيسه الآخرون .

ب- قدّر الله عز وجل أن أصحاب الدعوات سيُمتحنون امتحانات شديدة ، وستكون منهم تضحيات كبيرة ، فهل نحن على استعداد أن نكون من أصحاب الدعوات ، وقد جعلنا الجهاد والتضحية من أركان البيعة ، وهتفنا في شعاراتنا بأن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا .

ج- قدّر الله عز وجل أنه مهما أصابت الفئة المؤمنة من إيذاء من أعداء الإسلام ، فلن يكون ذلك سوى ” أذىً ” : ” لن يضروكم إلا أذى ” .

وأنه مهما كانت كثرتهم وقوتهم ، فإن أسباب الفشل ليست بسبب عنف الهجمة ، وإنما هي تنشأ من داخل الصف إذا حلّ به التنازع ، وفقد معين الصبر والثبات ، وحاد عن ثوابته وأهداف دعوته ، ولجأت القلوب وتعلقت بغير الله ، وإذا لم يبذل جهده البشرى معتبراً سنن الله في الكون أو افتتن بهذا الجهد ، أو اهتز يقينه بالله … إلخ .

وقد تحدث للصف بعض العثرات أو التنازع فيكون هذا نذير خطر له ، فلا يلبث أن يرجع ويثوب إلى منطلقاته الإيمانية ويوحد صفه ليستقيم على أمر الله ، والله عز وجل هو الذى يقدر النصر بالكيفية والتوقيت ، وفق حكمته ومشيئته . وواجبنا هو الصبر والثبات وبذل الجهد وعدم التراجع .

وأن الله عز وجل يحفظ دينه ويحمى الأمة الإسلامية ويمكّن لها في الأرض ، وأن هذه التضحيات التي يقدمها الدعاة ستكون نوراً ووقوداً يحفظ هذه القيم الإسلامية ويعلى من شأنها ، ويوقظ الشعوب الإسلامية لتزداد تمسكاً بها وحرصاً عليها .

س9 : لما ذا فشلنا ؟

أ- يحاول أصحاب هذا التساؤل إلقاء التبعة كلها على الجماعة ، كما أن تعميم الفشل أمر غير صحيح ، فهناك أمور نجحنا فيها ، وما هذا الصمود في استمرار الثورة إلا نموذج له .. ، وهناك أيضاً إخفاقات .

ب- نعم هناك نقاط ضعف وأخطاء غير متعمدة ، كانت ضمن المشهد ، وكان هناك أوجه قصور ، ولا بد من البحث في أسباب كل ذلك وكيفية علاجه ، وقد كان الدافع وراء هذا الأداء الذى ظهرت أخطاؤه هو محاولة تجنب الصراع في المجتمع أو الصدام مع أحد ، مما أدى إلى الفشل وعدم القدرة على إحباط الثورة المضادة .

ج- ونحن لا نتهرب من ذلك ، وندعو إلى التقييم الصحيح للخروج بالدروس والعبر ، كما أن التقييم له أسس صحيحة ، وليس تقييماً بالانطباع أو بمعلومات غير كاملة ، ولا بد أن يشمل جمع وتسجيل رؤية وشهادات العناصر الأساسية التي كانت ضمن المشهد لتتم الإحاطة بكل المعلومات ، وقد بدأ في ذلك عدد من القيادات الذين سمحت لهم الظروف بذلك بصورة فردية ، إلى أن يتم تكوين لجنة عليا تتمكن من أخذ شهادات جميع القيادات .

د- لكن النقطة الهامة ، ألا يغيب عنا أننا نواجه دولة عميقة خطيرة ، تملك تقريباً كل شيء : ( المؤسسات السيادية – المال – الإعلام – الاقتصاد – السلاح – .. إلخ ) .

وأننا نواجه مؤامرة دولية على الأمة الإسلامية ، وعلى المنطقة العربية على وجه الخصوص .

هـ – كما نريد أن نلفت أن ما يحدث حالياً ليس عنوانه الفشل ، فحتى الآن الجماعة ودوائرها والعناصر الوطنية المتحالفة معها ، ما زالت صامدة وترفض الانقلاب ، وتنزل للشارع رغم القتل والاعتقال ، بل إن الفشل هو فشل الانقلاب في إخضاع هذه الجموع الثائرة رغم كل ما فعل ، ورغم التأييد والدعم الدولى له .

والجماعة وسط هذا الضغط ، وتلك المحنة ، تسجل صفحة مشرقة من تاريخها في الحرص على مصلحة الوطن ، وفى تقديم التضحيات ، وفى القدرة على الصمود والثبات ، وعلى النزول للشارع وقيادة الجماهير .

س 10 : هل نجحت المؤامرة الدولية ضد المشروع الإسلامي ، وهل لم يكن لدينا رؤية بشأن ذلك ؟

أ- نحتاج أن نقرأ المشهد بصورة أوسع وأعمق : كانت ثورة 25 يناير تمثل خروجاً على المنظومة التي تحكم مصر ، والمدعومة من الخارج ، وكان للشباب وللإخوان المسلمين دوراً فعالاً فيها وفى إفشال محاولة استيعابها أو إيقاف نتائجها ، والتي تمثلت في وصول أول رئيس مدنى منتخب انتخاباً حراً لمصر ، لتبدأ معه المعركة مع الدولة العميقة وهيمنة الدول الغربية – على الأخص أمريكا – على القرار فيها .

وتم تطمين جميع تلك الدول على المعاهدات والاتفاقيات وعلى المصالح الدولية ، وتأجيل أىّ إجراءات تحدث هزة دولية ، لكن الموقف الأيدولوجى كان هو الأساس ، والحرص على بقاء المنظومة الفاسدة في منهجية الحكم في مصر .

وتم اتخاذ قرار الانقلاب من أمريكا ودعم إقليمى ، وتنفيذ القوى الأساسية في مصر – المؤسسة العسكرية والأمنية – ، وتشجيع الأحزاب والكنيسة وفلول النظام السابق والشخصيات العلمانية .. إلخ .

ب- كان في حساباتهم أن الإخوان سترفض وتعترض قليلاً ثم تسكت ، مثلما حدث في 1954 ، وتتحمل هذا الضغط ، لكن المفاجأة لديهم أن استراتيجية الإخوان تغيرت ، وأنها قررت المواجهة والاستمرار فيها بكل وسائل النضال الدستورى والكفاح السياسى . وقدمت – وما زالت – الكثير من التضحيات ومعها القوى الوطنية الرافضة للانقلاب ، لتمثل أطول وأقوى نموذج مواجهة في تاريخ مصر .

ج- إن هناك منجزات حقيقية لثورة الشرعية على أرض الواقع :

ذلك الشباب الثائر ، والذى سوف يشكل مستقبل مصر وقيادته في المستقبل .

هذا التفاعل الإيجابى القوى من المرأة بكل أعمارها السنية ، واستمرار ثورتها ونزولها للشارع بهذا الحجم الكبير رغم ما تتعرض له من قتل وإيذاء واعتقال .

هذا الإصرار القوى المستمر من الثوار على المقاومة ورفض الانقلاب ، رغم مضى هذه المدة ، ورغم قوة البطش – وقد مضى أكثر من عامين .. – .

بدأ يحدث الفرز ويتضح لشرائح في الشعب ، أنها معركة ضد الإسلام وقيمه ، وليست ضد الإخوان فقط .

بل وبدأ الخلاف بين شركاء الأمس الانقلابيين حول الكعكة ، وقد كان كل منهم يحلم بنصيبه منها ، فإذا بهم يستيقظون على حقيقة غابت عنهم ، أن الجيش لا يسمح بالمشاركة ، وإذا أعطى شيئاً فهو الفتات .

بدأ يظهر بوضوح – رغم كل وسائل الدعم الخارجي – أن أسس استقرار دولة الانقلاب وقدرتها على الصمود وسدّ العجز الاقتصادى ، غير متوفرة ، بل تتدهور بسرعة ، وأصبحت تشكل عبئاً عليهم .

تم كشف جميع الأقنعة – رغم وسائل التجميل الإعلامية – فظهرت مؤسسات الدولة العميقة على حقيقتها ، وفى مقدمتها ( القضاء – الداخلية – الجيش – الإعلام – .. إلخ ) .

بل تم كشف الأقنعة عن تلك الأحزاب والشخصيات الليبرالية أو العلمانية ، والتي كانت تدعى الديمقراطية والتمسك بالحريات ، فظهر كذبها بتأييدها للانقلاب ، وانتهت كواقع وتأثير في المستقبل السياسى في الشعب المصرى .

والتيارات الإسلامية التي – لسبب ما – وقفت مع الانقلاب ، في حيرة من أمرها وفى وضع حرج ، وهى ترى الانقلابين والعلمانيين يحاولون تغيير القيم الإسلامية في المجتمع .

خاتمة : نوضح بها بعض القواعد والمعانى الإسلامية في هذا الشأن :

إن الدعوة لها موازين أخرى في التعامل مع الأحداث ، وهى مستمدة من ربانية الدعوة ، وهى ليست بديلاً عن السنن الكونية ، وإنما هي ضابط حاكم وفوق هذه الموازين المادية توجهها ولا تلغيها :

أ- طوال الفترة المكية ، كان دور الصحابة هو التحرك بالدعوة ، والترابط فيما بينهم والتربية على معانى الإيمان ، والصبر والثبات وتحمل الأذى والتعذيب .

ولم يطلب أحد منهم من رسول الله r ، أن يتم تحديد موعد النصر ولا كيف سيتم . فقد كانوا من الاستضعاف وقلة الوسائل ما لا يساعد على ذلك ، لكن كان لديهم اليقين بنصر الله ، والتمكين لدعوته .

ب- من هذه الموازين : فإنه عند وجود خيارات أمام الجماعة ، فإنها تختار وفقاً لتأثير ذلك على مشروعها الإسلامي وتقدمه أو عدم تأثيره السلبى عليه . وأن تستمر البوصلة نحو تحقيق أهدافها هادياً لها في مسيرتها وحركتها ولا تنحرف عن ذلك .

ج- ومنها أيضاً : إذا واجهت الجماعة عدة خيارات صعبة في أمور هامة ، فإنها تعود إلى الثوابت والضوابط الأساسية في دعوتها لتكون ميزاناً لها ، لا تخرج عنه في اختياراتها وتزداد تمسكاً بتلك الضوابط .

د – ومنها أيضاً : إذا واجهت موقفً صعباً انسدّت أمامها الطرق ، فإنها تثبت مكانها وتصمد وتلتف حول رايتها وتحرص على تماسك صفها حتى تزول تلك المحنة أو ذلك الموقف وتتضح لها الرؤية كاملة .

هـ – وهذه نماذج من السيرة ومن تاريخ الدعوة توضح ذلك :

– في غزو الأحزاب واجه الصحابة موقفاً صعباً ، ووضع الرسول r أمامهم خيار أن يعطوا ثلث ثمار المدينة لغطفان لكى تنسحب – وقد وافقت – وبالتالي تقل أعداد الجبهة المعادية المحاصرة لهم ، وقد يتسبب هذا في انسحابها بالكامل .

ولم يكن هناك خيار آخر إلا الصمود أمام عشرة ألاف من الكفار ، والفئة الصامدة المدافعة عن اقتحام الخندق تزيد قليلاً عن الثلاثمائة .

فماذا كان خيار قادة الأنصار ؟ كان الخيار المطروح فيه خطة للنجاة ، لكن فيه حطّ من شأن الدعوة والدولة الإسلامية وهيبتها ، ولا يستقيم مع عزة الدعوة ، فرفضوا ذلك بالإجماع ، ولم يكن لديهم وقتها أي خطة كيف يهزمون العشرة ألاف ويرغمونهم على الانسحاب ؟ ، ليس أمامهم إلا الصمود والثبات .

وعندما اجتازوا هذا الاختبار ، جاءهم النصر من عند الله من حيث لا يتصورون .

– عند تآمر بنى النضير في محاولة قتل رسول الله r وفى وقت كانت الظروف صعبة على المسلمين بعد ما حدث في غزوة أحد ، وكان هؤلاء اليهود من القوة العسكرية ومن دعم المنافقين لهم ، ما جعل الصحابة في تقديرهم أنه لا يمكن إخراجهم ” ما ظننتم أن يخرجوا .. ” .

وكان الميزان والقناعة عند بنى النضير ، أنهم يملكون القوة وأنهم لن ينهزموا ، ” وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله .. ” ، وكانت هناك أيضاً خيارات متعددة خلاف إعلان الحرب والمواجهة وطلب إجلائهم ، كان هناك خيار تسليم من قام بالمحاولة ومحاكمته ، كان هناك خيار دفع غرامة مالية مع الاعتذار منهم ، كان هناك خيار السكوت مع توجيه تأنيب لهم ، .. إلخ .

لكن خيار المواجهة كان هو الخيار الصحيح الذى يحقق هيبة الدولة وإعزاز وضعها ، وأن أىّ خيار غيره كان فيه إضعاف لعزة الإسلام وهيبته .

ومن تاريخ الدعوة المعاصرة نذكر :

– كان أمام الإمام البنا أن يترك قضية فلسطين ، وألا يدفع كتائب الإخوان لمقاتلة الصهاينة ، وهو يعلم ما سيترتب على ذلك ، ويكتفى ببعض البيانات لكى يجنب الجماعة المحنة . لكن هذا الخيار كان مرفوضاً لأنه يخالف أهداف الدعوة وضوابطها كما أوضحنا سابقاً .

– كان أمام الإخوان في عامي ( 53 – 54 ) عدم الاعتراض على اتفاقية الجلاء التي عقدها عبدالناصر ، لكن الأستاذ الهضيبى وقيادة الإخوان رفضوا السكوت وأظهروا الخلل الذى فيها ، لأن هذا هو واجب الجماعة ( وقد تكرر ذلك الموقف منهم عندما هاجموا اتفاقية كامب ديفيد ، وأظهروا ما فيها من خلل ) ، وقال لهم الأستاذ الهضيبى وقتها أن يستعدوا للموت في سبيل مبادئهم ولا يجوز لهم السكوت والتماس الرخص لذلك .

كما كان أمامهم السكوت على أفعال عبدالناصر وسيطرة العسكر وضرب الحريات السياسية ، أو مجاراته ومهادنته والدخول في هيئة التحرير التي أنشأها ، حيث دعاهم عبدالناصر لذلك ، … إلخ ، لكنهم رفضوا هذا الخيار استناداً إلى مبادئهم ودعوتهم وصمدوا في السجون طوال أكثر من عشرين عاماً .

هكذا هو تاريخ الدعوة وتلك هي مبادئها ورؤيتها ، والله غالب على أمره ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

المصدر